قدّم مهرجان القاهرة السينمائي يوم الأحد الماضي العرض العالمي الأول
لفيلم»باب الفلّة» للمخرج مصلح كريّم(العرض الثاني مبرمج ليوم 5ديسمبر)
بطولة علي بنور ويونس الفارحي وفتحي الهداوي ودرة زروق... وقد حظي الفيلم
باستقبال جماهيري قد يكون غير مسبوق بالنسبة لفيلم تونسي في مصر، وعقدت
ندوة صحفية إثر العرض حضرها المخرج مصلح كريم والمنتجة خديجة المكشر
والممثل علي بنور والممثلة المغربية نفيسة بن شهيدة التي حلّت بالقاهرة على
نفقتها الخاصة ودرة زروق وعلى هامش الندوة الصحفية التقت «التونسية»
بطل»باب الفلة» علي بنور فكان معه الحوار التالي:
·
هل يمكن اعتبار دور «جياني» في
«باب الفلة» أول دور لك في السينما؟
ـ هذا أول دور أول في السينما التونسية ، قبله «خدمت شوية شوية» أنت
تعرف أن منطق اللوبيات يطغى على قطاع واسع من السينما التونسية وهناك تقسيم
ضمني للممثلين «هذا متاع تلفزة وهذا متاع سينما»
·
هل يمكن القول ان مصلح كريّم
اصلح حالك من التلفزة إلى السينما؟
ـ حالي لم يكن فاسدا ليصلحه مصلح لكن الوضع في تونس غير صالح على جميع
المستويات.
·
كيف استقبل الجمهور المصري فيلم
«باب الفلة»؟
ـ على الرغم من عرض الفيلم تزامنا مع عرض «مملكة النمل» لشوقي الماجري
فقد كانت القاعة مكتظة وبقي الجمهور طيلة أكثر من ساعتين لمتابعة الفيلم ثم
لحضور الندوة الصحفية. وأعتقد أن هذا مؤشر يعني الكثير فالجمهور المصري
قادر على فهم أفلامنا –متى أراد- ومشكل اللهجة مشكل مفتعل لأن لكل فيلم
لغته الخاصة منطوقة وصورة، والفيلم الناجح هو الذي يصل إلى الجمهور مهما
كانت ثقافته ولغته، وقد لفت نظري ترجمة الفيلم إلى اللغة العربية الفصحى
وكذلك إلى الإنقليزية.
·
هل تراه أمرا عاديا أن نضع ترجمة
عربية لفيلم ناطق بالعربية(لهجة تونسية)؟
ـ علاش لا؟ إن كانت الترجمة حلا لتوزيع افلامنا فليكن، لا ضير من ذلك
·
هل ترى أن عرض الفيلم لأول مرة
في مصر مقابل عدم مشاركته في ايام قرطاج السينمائية أمرا عاديا؟
ـ بعدما حضرت ايام قرطاج السينمائية وعاينت حجم الفوضى التي سادتها
وسوء التنظيم وعدم احترام المواعيد والتغيير في البرمجة وإهمال الضيوف
وظروف العرض السيئة حمدت الله ان» باب الفلة» لم يعرض في قرطاج. على الأقل
هنا في القاهرة اشعر باني في مهرجان سينمائي لا في سوق عكاظ ، وربما كان
مصلح كريم محقا منذ البدء في عدم ترشيح فيلمه لأيام قرطاج السينمائية في
دورتها الآفلة...
المشكل في تونس اننا ننسى بسرعة وستطوى صفحة ما حدث في الدورة الأخيرة
لأيام قرطاج السينمائية ولا أستغرب أن يجددوا الثقة في محمد المديوني
للدورة القادمة مادام الرجل مصرّا على أنه أنجز دورة ناجحة ...
·
من المعروف انك عوّضت هشام رستم
في دور «جياني»، ألا يزعجك ذلك؟
ـ وفي «نجوم الليل»(مسلسل من إنتاج تلفزيون حنبعل) عوضت ممثلا آخر،
انا لا يهمني هذا التفكير ولا افكر سوى في عملي «هات نعملو مسلسلات وافلاما»
ولا يهم إن عوضت او عوضوني.
·
كيف وجدت مصلح كريم في أول فيلم
روائي طويل له؟
ـ مصلح صعيب، صعيب برشة
·
بأي معنى؟
ـ على كل المستويات ، وربما كانت الظروف الصعبة التي عملنا فيها عاملا
أساسيا في ذلك وقد تحملنا كفريق عمل تلك الظروف القاسية أحيانا وجازفنا حتى
يكون الفيلم في المستوى المطلوب وما يهمنا جميعا هو رد فعل الجمهور التونسي
لأن الحكاية تونسية وتهم التونسيين قبل الآخرين
·
متى سيعرض الفيلم في تونس؟
ـ ما عندي حتى فكرة، انا شاهدت الفيلم هنا لأول مرة مع الجمهور
·
لماذا إكتفى مهرجان القاهرة
بدعوتك انت فقط من بين نجوم الفيلم؟
ـ إسأل المهرجان؟ كنت اتمنى ان يحضر زملائي وأصدقائي في الفيلم وخاصة
يونس الفارحي الذي قدّم دورا متميزا ولكن الأمر ليس بيدي، هذه امور تهم
لجنة التنظيم وفي كل الحالات «هوما منظمين اكثر منا»
·
هل تتوقع تتويج الفيلم في
المسابقة العربية؟
ـ أتوقع أن تكون الجائزة من نصيب فيلم مغاربي وآمل أن يكون فيلما
تونسيا.
موقع "التونسية" في
04/12/2012
انتهي المهرجان وعاد جميع ضيوفه في
أمان و جائزة الهرم الذهبي ..
ذهبت لمن لا يستحقها
يحرره: خيرية البشلاوى
انتهي مهرجان القاهرة السينمائي يوم الخميس الماضي وأسدلت الستار علي
دورة خرجت من وسط العواصف واستمرت وقائعها وفعالياتها وسط العواصف. وأعلنت
نتائجها وقد قضت العواصف علي حياة عدد من الشهداء ومئات من الجرحي ومازالت
مستمرة.
إذن كانت دورة استثنائية نموذجية. وكان الإصرار علي البقاء وسط
الأنواء والاضطرابات والمليونيات تحدياً كبيراً. مثلما بات التأكيد علي
أهمية الفن كزاد وزواد يعين علي الاستمرار رغم العتمة ومعاداة الفن تحدياً
آخر يستحق بذل الجهد. وتجاهل الدوافع الشخصية وحتي التحفظات الفردية. لم
يكن أمام المنظمين لهذه الدورة غير مواجهة التحديات أياً كانت حتي لا تسقط
مشروعية المهرجان كمناسبة دولية ويتم اختطافها.
لقد أصبح من قبيل التكرار الممل أن المهرجان يعد واحداً ضمن عدد قليل
من المهرجانات الدولية المعترف بها من قبل الاتحاد الدولي للمنتجين. وخسارة
هذه الصفة تعني خسارة كبيرة "للقاهرة" كعاصمة ليس فقط لمصر وإنما للعالم
العربي بأسره.. فالمهرجانات العربية التي تقام حالياً لا شك تعتبر اضافة
للدور العربي وللثقافة العربية ووجودها علي الساحة الاقليمية تقوية لعروبة
مصر ومكانتها ومهرجان القاهرة بالمكانة والسمعة التي تحققت له أصبح كياناً
قوياً وحدثاً عربياً واقليمياً ودولياً لا يصح التفريط فيه ولا المساومة
عليه. ولا الاقتتال علي رئاسته ولا الصراع من أجل تنظيمه إذا كان في هذا
الصراع تهديداً لوجوده..
الأصوات القليلة جداً والنشاز التي تفرغت للهجوم علي المهرجان والتصدي
لفاعلياته والتحريض ضده والمباهاة بانتصارات فارغة تافهة باقناع الفنانين
أو بعضهم بعدم المشاركة والانسحاب لم تحقق في نهاية الأمر سوي الكشف عن
دوافع هؤلاء وضعفهم وقلة حيلتهم يشهد بذلك الافتتاح الممتاز. الذي جاء
تعبيراً فنياً مذهلاً عن حالة الصراع الذي تعيشه مصر. والقلق المثير للحزن
الذي يسكن صدر كل مصري يحمل هموم هذا الوطن العزيز.
نسبة كبيرة جداً حضرت حفل الافتتاح الذي خلا من المظاهر الاحتفالية
تماماً. والكثير من الفنانين ارتدوا السواد تعبيراً عن مشاعر الكآبة.
والإحساس بالمسئولية ازاء المهرجان جعل الجمهور يتدافع حتي امتلأت قاعة
المسرح الكبير في دار الأوبرا.
وطوال أيام المهرجان كانت دار الأوبرا ومحيطها والمقاهي التي بداخلها
والقاعات التي تحولت إلي صالات لعرض الأفلام المشاركة ممتلئة بالناس.. فهذه
الأماكن جميعاً ظلت تموج بالحركة. وبالحضور الملموس وبالمناقشات.
وقد حضر الضيوف الأجانب وكانت زيارتهم الأولي لميدان التحرير. جاء
مالك العقاد ابن مصطفي العقاد المخرج السوري صانع فيلم "الرسالة" ولم يخف
سعادته بزيارة القاهرة التي أحبها والده مثلما أحبها جميع العرب. و"مالك"
لا يتحدث اللغة العربية لأنه ولد في هوليوود من أم أمريكية وعاش حياته كلها
في الولايات المتحدة ورغم ذلك فهو ليس منقطع الجذور عن ثقافته العربية.
وحين وجهت الدعوة إليه للحضور إلي القاهرة والمشاركة في قسم "التسامح
والتعصب" الذي تم استحداثه في هذه الدورة. لبي الدعوة وجاء حاملاً نسخة
جديدة من فيلم "الرسالة" الذي يعتبر الفيلم العربي الوحيد الذي يتناول
رسالة الرسول ويقدمها إلي جمهور العالم مستخدماً لغة سينمائية حديثة
ومتطورة ومستعيناً بنجوم عالميين مثل انطوني كوين وايرين باباس.
وفي هذا القسم نفسه حرص المهرجان أن يقدم أحد أجمل الأفلام السينمائية
التي ظهرت هذه السنة "2012" وهو فيلم "وراء التلال" للمخرج كريستيان مانجيو
والفيلم حاصل علي جائزة أفضل سيناريو وأفضل تمثيل نسائي في مهرجان كان
.2012
وقد اجتهد المهرجان أن يقدم بحثاً عن هذا الموضوع قدمه الناقد اسامة
عبدالفتاح وتم طبعه وتوزيعه علي جمهور المهرجان.. المفارقة ذات الدلالة أن
العقاد مات في حادث إرهابي عربي.. قتله التعصب.
ولم تغب الرسالة الثقافية عن خاطر المنظمين للمهرجان وبقدر المستطاع
ورغم الأنواء والأجواء غير المواتية وبرغم الأسلحة المشرعة والدسائس التي
سبقت المهرجان وأحاطت به حتي يومه الأخير من قبل بعض العاجزين فكرياً الذين
باتوا مثل الاسطوانة المشروخة. رغم هذا كله أقيم المهرجان. واستمرت عروضه
وندواته وانتهي الحمد لله في سلام ووزعت الجوائز وعاد من عادوا إلي بلادهم
من دون معوقات دراماتيكية والعجزة. والطامحين لدور وزعامة ليسوا أهلاً لها
فالشواذ لا يصنعون ثقافة. ولا يساندون حدثاً إنسانياً فنياً ووطنياً يبغي
الحرص علي دور ظل للقاهرة وينبغي أن يستمر ويظل علي الصعيد الثقافي والفني.
جوائز المهرجان
الجوائز في المهرجانات الدولية تعبر في الأغلب عن توجهات أعضاء اللجنة
التي تصدر عنها.. ويلفت النظر في لجنة التحكيم الدولية في الدورة الخامسة
والثلاثين أنها قررت بالإجماع حجب جائزة أفضل مخرج وأفضل سيناريو وأفضل
الهام فني. أمر يبعث حقيقة عن الدهشة حيث ضمت الأفلام المتسابقة فيلم "كسر
الصمت" اخراج لويس اليخاندرو واندريس ادواردو رود ريجز الذي فاز بجائزة
أحسن ممثلة "فانيسا دي كواترو" وجائزة أحسن عمل أول. وجائزة أفضل فيلم
منحها له لجنة الاتحاد الدولي للنقاد.. ألم يكن هذا الفيلم الذي قيل في
حيثيات منحه الجائزة "انه عمل حساس ويتعرض لموضوع عائلي مهم في كل الأزمنة"
جديراً بجائزة الاخراج لقد ضمت الجوائز فيلماً آخر كان جديراً أيضاً بجائزة
أحسن اخراج وأحسن سيناريو وأقصد فيلم "الموسم الخامس" الذي حصل ممثله علي
جائزة أفضل ممثل.
مارك موللر الايطالي منح جائزة أفضل فيلم لعمل فرنسي لا يعتبر بأي حال أفضل
الأفلام المتسابقة. وهو الفيلم الذي أتت به المديرة الفنية ماريان خوري في
الأيام الأخيرة ورشحته لدخول المسابقة وأنا أشير إلي فيلم "موعد في كيرونا"
للمخرجة آنا نوفيون وهذا هو الفيلم الثاني في مسيرة هذه المخرجة الشابة بعد
فيلمها الأول "أشخاص عظماء" .2008
الفيلم البولندي الموسم الخامس يعتبر أقوي بكثير علي مستوي السيناريو
من فيلم "موعد في كيرونا" وعلي مستوي الأداء التمثيلي الأمر الذي يجعل
جائزة الممثل موضوعية تماماً.. ومثلما قلت فإن التوجهات الخاصة بلجان
التحكيم تعكس ضمنياً انحيازاتها فعلي عكس رئيس اللجنة الدولية الايطالي.
قدم محمود عبدالعزيز كرئيس للجنة التحكيم العربية اشادة طيبة للتميز
والمستوي الرفيع في الاختيارات الفنية عالية الجودة التي امنت لأعضاء لجنة
التحكيم فرصاً حقيقية للناس مع ابداعات عربية سينمائية وجعلت أعضاء اللجنة
أمام فيض من الحوار والجدل الموضوعي. كما أثني علي التنظيم الرائع والجدولة
المتميزة للعروض والأداء الملتزم لكافة العناصر العاملة وبالذات العناصر
الشابة المتطوعة المرافقة لأعضاء لجنة التحكيم والتي امنت للأعضاء مناخاً
حقيقياً للمشاهدة والاجتماع والحوار.
الأفلام العربية في هذه الدورة تستحق وقفة طويلة لأن أي عمل منها
يعتبر حالة فنية وموضوعية تعبر عن الوجدان الجمعي وشهادة ناطقة بأسلوب بصري
جميل لحالة المجتمع الذي انتجها في مرحلة من مراحل تطوره.
رنات - تورا..بورا
خيرية البشلاوي
الأفلام العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي انتهي يوم
الخميس الماضي تشهد بوجود حاضر قوي ومتنوع للسينما في بلاد العرب. وأن لكل
بلد بصمته الخاصة فالسينما اللبنانية تتقدم بخطي لافتة ومدهشة. والكويت
تشارك أخيراً بفيلم "تورا بورا" بعد سنوات طويلة من أول فيلم روائي طويل.
في عام 1971 ظهر فيلم "بس يا بحر" للمخرج الكويتي خالد الصديق.. وظهر
من خلاله الممثل سعد الفرج. في هذه السنة أي بعد 41 سنة يفوز هذا الممثل
نفسه بجائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم المشارك في المسابقة العربية
لمهرجان القاهرة في دورته ال 35!!
والمفارقة أن هذه حسب معلوماتي الجائزة الأولي ربما التي يحصل عليها
هذا الممثل في مجال السينما ومن خلال مهرجان دولي.. وسعد الفرج من جيل
الرواد وهو أحد الأسماء البارزة في الحركة الفنية في دول الخليج وقد عمل
رئيسا لقسم الدراما بتليفزيون الكويت ومستشارا للدراما التليفزيونية وألف
عددا من الأعمال المسرحية والتليفزيونية ولديه شهادات أكاديمية في الإخراج
والإنتاج التليفزيوني ولعب دوراً كبيراً في عدد كبير من المسلسلات وحصل علي
شهرة كبيرة من خلال أعماله مع مجموعة من الفنانين الكويتيين منهم حسين
عبدالرضا وسعاد عبدالله وحياة الفهد وخالد النفيس ومريم الغضبان.
سعد الفرج في فيلم "تورا بورا" يقدم خلاصة تجربته كممثل متمرس. وصاحب
خبرة طويلة في الأداء التمثيلي علي الشاشة الصغيرة. ودوره علي الشاشة
الكبيرة يعكس هذه الخبرة في الوقوف أمام الكاميرا. مثلما يؤكد قدرته
التعبيرية التي تنقل حجم المعاناة والألم لأب يبحث عن ابنه الذي ذهب يجاهد
مع العرب في أفغانستان بعد أن تعرض هذا الابن وخضع بانضمامه إلي هؤلاء
المجاهدين إلي عملية غسيل مخ جعلته يؤمن بعدالة قضيتهم وبأنه يؤدي رسالة
لنصرة الإسلام!
الدور يحتاج إلي الإيحاء بكم الألم والمعاناة والخوف أثناء رحلة البحث
الطويلة عن الابن الذي يعيش في جبال وكهوف "تورا بورا" مثلما يحتاج إلي
التعبير عن عملية الصعود والهبوط المعنوي بين أمل العثور عليه واليأس من
وجوده علي قيد الحياة.
و"تورا بورا" أول فيلم روائي طويل للمخرج وليد العوضي ولا شك انه عمل
سينمائي جيد ومتقدم فنيا علي مستوي الصورة. والحركة والمناظر رغم أنه لم
يصور في الأماكن الطبيعية للأحداث. والخوف أن تمر سنوات طويلة ولا يجد هذا
المخرج الموهوب الفرصة لتقديم عمله الثاني!!
لقد اختلف إيقاع الزمن. وحصل الفيلم السينمائي في دول الخليج علي
اعتراف بأهميته. وأصبح لهذه المنطقة من العالم وجود علي مستوي المهرجانات
السينمائية التي تطمح أن تحتل مكانة كبيرة علي خريطة المهرجانات الدولية..
وكذلك بدأ الإنتاج الوطني في هذا المجال يأخذ مكانه.
خالد الصديق نراه حاليا في هذه المهرجانات كضيف فقط ونحتفي به كأول
مخرج وضع السينما الكويتية في ذاكرة الناس بفيلم جميل وقوي يعبر عن
"معاناة" كانت وانتهت في حياة الشعب الكويتي.
ومعاناة سعد الفرج في ذلك الفيلم تصور حياة البحر والصراع معه والتي
أصبحت مجرد ذكريات وتاريخ فات. وفي "تورا بورا" دخلت الهموم العربية منحي
آخر. حيث أصبح الإسلام السياسي وقياداته المتباينة حديث العالم. وصار
"الإرهاب" والعنف والقتال المسلح بعضا من سمات العرب.. وانجراف الشباب إلي
هذه التيارات بات يؤرق الكثير من الأسر العربية.
وفي رحلة البحث عن الابن المفقود الكثير من الملامح التي تميز هذه
المرحلة وتضع خطوطا تحت شواغلها ومصادر قلقها وتخلفها.. وقد جسد سعد الفرج
الجانب الآخر في حياة "الأب" وحياة الأسرة العربية. الجانب غير السلطوي
والمسيطر وإنما المغلوب علي أمره أمام أبناء يتعرضون لغسيل مخ ايدولوجي
ويتوهون في الجبال.
المساء المصرية في
09/12/2012
في مهرجان القاهـرة السـينمائي
استبعاد أجمل الأفلام العربية..لأسباب ثورية
يحرره: خيرية البشلاوى
عند نهاية الفيلم السوري "العاشق" للمخرج عبداللطيف عبدالحميد تشعر
كأنك عائد من رحلة جمعتك بعشق قديم ضاع. وحلم كبير تلاشي. وبرجال صاروا
أشباه رجال. شاخت ملامحهم. وخمدت حناجرهم. وتبددت شعاراتهم الفارغة في
البراري. ولم يبق منها سوي رجع الصدي.
لم يتبق من هذه الرحلة الممتعة الشجية سوي عشق الفنان. وفنه وشهادته
علي من عاشه. زمن النضال بالحناجر وبالصوت الجهوري. والنفاق السياسي
والشعارات. الحماس الأجوف. زمن "الكلام" عن قضية العرب الأولي "القضية
الفلسطينية" والحرية والاشتراكية والوحدة العربية.
صورة الفنان في صباه وحبه الأول مع "هدي" ثم عشقه للجارة "ريما" التي
تزوجها بعد أن صار مخرجا يصنع الأفلام ويظهر في التليفزيون ويواصل شهادته
علي زمن لم تتغير ملامحه ربما وإن زاد الوعي به.. صورة رسم المخرج تفاصيلها
بحساسية وقوة ملاحظة ونزعة ساخرة وخفة روح. وبصيرة نافذة.
بطل "العاشق" مخرج سينمائي "عبدالمنعم عمايري" يبدأ به الفيلم وهو
يجلس في شرفة شقته الصغيرة بدمشق وأمامه طاولة يكتب عليها. وطبق يمتليء
بحبات الكرز. يقضم واحدة ويلقي بالباقي إلي "ريما" جارته وحبيبته التي تجلس
في الشرفة أسفل شرفته.
مراد -وهذا اسمه- انتهي لتوه من فيلم يصوّر تجربة حياته منذ أن كان
صبياً مراهقاً في الضيعة. وتلميذاً في المدرسة القريبة يتلقي العلم علي
أيدي معلمين من إفراز نظام شمولي قمعي. ويعيش في كنف أسرة ريفية تقليدية
للأب فيها سلطة مطلقة.
"مراد" الصبي يحمل إناء العجين يومياً و هو في طريقه إلي
المدرسة. يتركه للخباز ثم يعود بالخبز عند عودته. وفي الطريق يمنح راعي
الأغنام رغيفا. المعلمون في المدرسة ضيوف دائمون علي والده "أبو نزار"
ونزار شقيق مراد الأكبر موظف يعيش في اللاذقية ويلهو مع نساء المدينة.
والأخت ليلي. ضجرة من كرم والدها وخدمة الضيوف. الأم طيبة مستسلمة ومطيعة
كالعادة لأوامر الأب المعروف بكرمه.. فهو مزارع يمتلك قطعة أرض. يزرعها
بنفسه. تساعده الزوجة والابنة ومراد رغما عنه أحياناً.
ناظر المدرسة متسلط. خسيس. يتجسس علي التلاميذ. وفظ لا يعرف الرحمة في
تعامله معهم. وعندما يكتشف قوة صوت "أبو نزار" يستغله في ترديد شعار الصباح
اليومي الذي يردده التلاميذ "وحدة. حرية. اشتراكية".. وحتي يتحقق ذلك يضع
لأبي نزار منبه "ساعة" بحيث يكون جاهزا الساعة الثامنة من كل يوم.. يردد
الشعار ويحمله الصدي إلي التلاميذ عبر الفراغ.
التفاصيل في الفيلم شيقة جدا وطريفة. والطبيعة الجميلة تجعل للمكان
سحره. وكذلك واقعية الديكور بالنسبة لبيت أسرة مراد. علاقة أفرادها. وسلوك
الأب الذي يمزج بين الشدة المفرطة والحنان المستتر. والمسئولية الفطرية
إزاء الوطن. والحلم العربي الكبير. بالإضافة إلي كرمه الشديد مع الآخرين
حتي انهم يلجأون إليه طلباً لقرض مادي..
في بداية الفيلم نرقب مشهدا فكاهيا طريفا لرجل جاء يطلب خمسمائة ليرة
من "أبو نزار". أرسله له جاره "أبو رشيد". الرجل يلح في الطلب. وأبو نزار
يعتذر.. في هذا المشهد تلمح روح المخرج في إدارته للممثلين. علماً بأن
المخرج هو نفسه من يقوم بدور "أبو نزار".. هنا تظهر موهبة عبداللطيف
عبدالحميد. وأسلوبه الساخر الفريد في تغليف المشهد بألوان وظلال محسوسة
ومحملة بمشاعر ودعابة إنسانية تضيف إلي متعة الفرجة.
بنـاء الفيـلم
الفيلم يعتمد في بنائه علي خطين: التاريخ الشخصي لمراد في صباه
ومراهقته حين كان يعيش في كنف الأسرة بالضيعة. وعلاقته مع شقيقه "نزار"
عندما ينتقل ليستكمل تعليمه في المدينة. وعلاقته مع صديقه عمر زكريا.
الصداقة التي استمرت حتي النهاية. ثم غرامه بالسينما. والموسيقي. وحبه
الأول مع "هدي" جارته التي تزوجت رغما عنها وظلت تحبه حتي آخر عمرها
القصير.. إلخ الأحداث التي استعادها وصورها في فيلمه الذي أخرجه عن سيرة
حياته.
والخط الثاني الذي يتابع هذه السيرة نفسها ويعكس التطورات التي
أصابتها في الحاضر.. بعد أن أصبح مخرجا معارضا للحزب والنظام وعاشقا
مازال.. ولكن لجارته الرقيقة في دمشق ريما "ديمه قندلفت" الفتاة الجامعية
الرقيقة المتحررة والتي تخضع رغما عنها لسلطة أبوية مطلقة. لا يعرف التهاون
فيما يؤمن به من تقاليد محافظة تضطرها في النهاية إلي الهرب مع "مراد"
والزواج به والذهاب معه إلي الأسرة في الريف حيث يبارك الأب "أبو نزار"
الزواج ويحتفي به.
الصداقـة المقدسـة
تتطور صداقة مراد بعمر زكريا الذي صار طبيبا مرموقا يعالج الحبيبة
الأولي من مرض عضال.. فللصداقة عند المخرج -المؤلف- قداستها. وكذلك
"الأسرة" بتقاليدها ودفئها و"الأخوة" بين مراد وصديقه "نزار" الذي كان
قاسياً مع شقيقه. ولكنه عاد واعتذر.. هذه العلاقات كلها لها قداستها.
واحترامها وثقلها الدرامي في فيلم "العاشق" الذي يقطر "حبا" ويذوب "عشقا"
وينقل إلينا "عداوة" فنشعر بالإثارة.
أيضا أهمية السينما ودورها في انعاش الروح وتغذية الوعي. وتأثيرها
النافذ في وجدان بطل الفيلم.
المزج بين سيرة الحياة كما يصورها فيلم "مراد" الذي نستعيد وقائعها
أثناء عملية المونتاج التي يشرف عليها مراد مع مساعده "نادر" في وجود
"ريما" الحبيبة.. أقول هذا المزج المرهف بين المرحلتين يتم من خلال نسيج
دقيق وناعم يدمج بين ماضي حياة مراد كما صوّرها في فيلمه. وبين حاضره كما
تتوالي أحداثه أمامنا. ويضع الزمانين أمام خلفية سياسية واجتماعية يصورها
بوعي وبصيرة. وفي مناخ مرئي مريح وشعوري عامر بالإحاسيس والروح الرومانسية
التي تميز أفلام هذا المخرج المبدع السوري العاشق لسوريا. والمحبط مثلنا
جميعاً بأحلام قومية تم إجهاضها. وأيضاً العاشق لمصر أم كلثوم وسيد درويش
وعبدالوهاب. مصر التي في خاطره لم تبرح أفلامه بما فيها هذا الفيلم "العاشق".
ألحـان خالـدة
"مين عذبك بتخلصه منّي" و"ليه تلاوعيني وانت نور عيني" و"ماذا
أقول لأدمع سفحتها أشواقي إليك".. هذه كلها غيّرت حال "مراد" المخرج وعازف
العود وصانع الأفلام الواقعية الجميلة وعضو "نادي الموسيقي" الذي تأسس في
سوريا عام 1935. هذا النادي الذي فتح أمام "مراد" و"عمر" صديقه آفاقاً
للحلم والخيال والحب. وأعطي للفن معناه الأشمل الذي يسمو بالروح ويجعلها
تحلق في سموات من الابداع.
الضيعة التي عاش فيها مراد ووالده "أبو نزار" وشقيقته ليلي التي عاشت
تخدم الرجال أصدقاء والدها. وتحلم بالزواج من رجل تحبه ويحبها. وتصنع الخبز
وتعد أطباق الطعام للضيوف. لم تجد من يحبها ويتزوجها.. إنها شخصية تتعاطف
معها وتحبها.
أيضا صورة الأم السورية.. مثل صور الأم العربية الريفية في كل مكان..
وصورة الأب الشرقي التقليدي صاحب السلطة الأبوية المطلقة. بدورها قريبة جدا
من آبائنا كما تحملهم الذاكرة. وقد جسد صورة الأب باقتدار المخرج -المؤلف..
واعترف بأن الفرجة علي أدائه متعة فهو شخصية مقنعة جدا حقيقة. كرامة.
صارمة. قوية الشكيمة في أعماقها دفقات من الحنان تخرج في لحظات تكشف عن
معدنها الأصيل.
كثيرة تلك المشاهد التي صورها هذا المخرج السوري العربي المبدع. والتي
تمزج بين الفكاهة اللاذعة والإيمان المطلق بالتقاليد والقيم والأصول
العربية الصحيحة بعيدا عن الايديولوجيات الجامدة.
صورة الأب في نهاية الفيلم مهزوما.. وقد ضاع حلمه وانكسر صوته. صورة
جد مؤثرة وحزينة وتحمل رسالة بليغة سياسية وتاريخية لمن يهمهم الأمر.
حوار فيلم "العاشق" منحوت من مفردات الحياة القروية الرعوية. في قرية
سورية.. حوار عذب وأحياناً رثائي حزين ومفعم بالمشاعر.
وصورة الفنان كما رسمها المخرج في "العاشق" ليست فقط لإنسان يعيش بروح
عصره وضمير المجتمع والذي تربي فيه. والأمة التي ينتمي إليها ويعكس
ثقافتها. ويصون قيمها ويعبر عنها في أعماله. منها صورة للفنان المنتمي الذي
يتحمل إساءات السلطة القامعة سواء كانت من صورة مواطن موتور يصفعه علي وجهه
ويبصق في وجههه لكونه مخرجا معارضا. وكذلك يتحمل تهديدات ناظر المدرسة الذي
أصبح مسئولا كبيرا بقطع لسانه.. وما أشار إليه في لقاءاته التليفزيونية.
صورة المسئول كما صورها الفيلم ورسمها من وجهة نظر تلخص مضمون ما
انتهت إليه الشعارات الفارغة وخيبة الأمل التي أصابت أبو نزار في النهاية.
فيلم "العاشق" من أجمل الأفلام العربية التي ظهرت في السنوات الأخيرة.
وكان ضمن أفلام المسابقة الرسمية في الدورة الخامسة والثلاثين.. ولكن
لأسباب ليست فنية أصرت المدير الفني للمهرجان -ماريان خوري- أن يتم
استبعاده من المسابقة ومن ثم ضاعت علي جمهور المهرجان فرصة مشاهدته.
المساء المصرية في
02/12/2012
رنات - أن نحيا.. ونقاوم
خيرية البشلاوي
بعد غد الثلاثاء تبدأ فعاليات الدورة الخامسة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي
الدولي.. المزاج العام في القاهرة وفي
مصر عموماً ليس احتفالياً بأي حال.. الأحداث الأخيرة تخيم بظلالها. وأرواح
الأطفال الذين اغتالهم الاهمال وسوء الأحوال وتراكمات أزمنة فاسدة عشناها
تحوم فوق رؤوسنا وتفسد الفرحة.. الشباب في شارع محمد محمود يحيون ذكري
أليمة لاشقائهم الذين سالت دماؤهم وزهقت أرواحهم دون قصاص ودون محاكمات
عادلة.. هنا مهرجان البراءة للجميع.. جميع القتلة أبرياء وكان من قتلوا
وخطفوا زهو الشباب وأحلام جيل يقاوم جبال من ميراث ثقيل. كأن هؤلاء هبطوا
من المريخ واختفوا دون أن يقبض عليهم أحد أو حتي يلمحهم متلبسين بالجرائم..
وكأننا بلا عيون وبلا ذاكرة. وبلا وعي يؤرقنا ليل نهار.
مهرجانات الحزن أقوي ورغم ذلك علينا أن نقاوم ونحيا ونتدبر ما يجري
حولنا وما يحاك لنا.. ووسط هذه الأجواء الرمادية والغيوم الحياتية الكثيفة
مطلوب من كل واحد فينا أن يضيء شمعة كل في مجاله وكل علي قدر طاقته. وحسب
ما يتراءي له فلا حياة مع اليأس فالمقاومة قدرنا وقدر أجيال الشباب غير
المحظوظة التي كتب عليها أن تتلقي بصدورها طلقات الرصاص وهي تصرخ من أجل
الحرية والعيش والكرامة الإنسانية. كلها أشياء عزيزة لا مجال فيها للفصال.
وحق مشروع وبديهي لا يتطلب أن يسقط من أجله زهرات الشباب أو تترمل بسببه
أمهات ويبكي الرجال.
أن نفرح رغم أي شيء فهذه مقاومة. أن نبتهج ونواصل صنع الحياة بنفس
الحماس هذه مقاومة أن نحتفي بانتصار المقاومة في غزة رغم
مئات الشهداء هذه أيضا مقاومة أن نقيم مهرجاناًص للسينما ونشاهد فنون
العالم ونرقب تجاربهم الحياتية ونتواصل مع صناعها ونقيم حواراً معهم هذه
مقاومة.. فالفن أحد أمضي أسلحة المقاومة وأثناء ثورة 25 يناير تحول ميدان
التحرير إلي "جاليري" معرض لبعض أشكال المقاومة بالرسوم. بالسخرية. بالنكتة
بالكاريكاتير بالأغنية. بالشعر.. بالتمثيل المرتجل. نعم شهدنا تمثيليات
عفوية تعبر عن الغضب والرغبة الأكيدة في التحرر.. وسمعنا أغاني خرجت من رحم
الاشتباكات العنيفة بين الجلادين وبين أبناء الشعب الذين تصدوا لهم.
تجارب السينما العربية التي سوف نشاهدها في مسابقة الأفلام العربية
أثناء الدورة ال35 ستضع أمامنا كيف استطاع الفنان السينمائي العربي أن
يتحايل علي القمع والفتك وأشد الأنظمة السياسية ضراوة وأن يبتكر أسلوباً
للمعارضة لا يعرضه للتنكيل. وأن يستحضر تاريخ بلاده ويستلهم منه طاقة تشغيل
دافعة لامكانياته تتصدي للكوابح والمعوقات.. أن يشيع جواً من البهجة والحب
ينتصر للحياة وسط الحروب الأهلية. ورغم الاجتياحات العسكرية لبلاده..
سوف نقيم مهرجاناً للسينما رغم مهرجانات الموت وحوادث القطارات التي
تذبح الأطفال. ولن نستسلم لنعيق البوم. وأسراب الجراد. وموجات الظلام
وأعداء الثقافة. والاستنارة والتقدم وسوف نستقبل ضيوف مصر ولن يردعنا
الإرهاب الثقافي والديني سنرفع جميع أسلحة المقاومة ونفتح أذرعنا للحياة
وللناس وللحب نغني ولمصر ندعو ونبتهل إدخلوها بسلام آمنين.
المساء المصرية في
25/11/2012 |