للمرة الثانية يحصل المخرج الجزائرى مرزاق علواش على جائزة أفضل مخرج
عربى عن فيلمه « التائب»، سبق له فى العام الماضى أن اقتنص الجائزة الأولى
عن «نورمال».
كان للجزائر حضورها الطاغى خلال مهرجان الدوحة ترايبكا فى ظل احتفالات
شهدتها الساحة السينمائية العربية باليوبيل الذهبى للثورة، وعندما تسلم
علواش الجائزة قال إن الأب الروحى للسينما الجزائرية هو محمد الأخضر حامينا
الذى صعد إلى المسرح وقال إن النساء لعبن دورا إيجابيا لدعم الثورة فى
الجزائر. الحقيقة أن حامينا لا يزال يحمل لقب المخرج العربى الوحيد الحاصل
على سعفة «كان» منذ عام 1975 بفيلمه «وقائع سنوات الجمر»، كما أنه حصل
قبلها على جائزة «الكاميرا دور» من «كان» بفيلمه الأول «ريح الأوراس» وهو
أيضا المخرج العربى الوحيد الذى يحمل هذه الجائزة منذ عام 1968.
فى حفل الختام امتد الحضور الجزائرى من خلال موسيقى الراب الشهيرة فى
العالم، حيث تم اختيار بعض القطع الموسيقية المأخوذة عن الموسيقى التصويرية
للأفلام ليمتد الامتزاج فى تلك الليلة بين السينما والموسيقى.
حصلت مصر من خلال المخرجة حنان عبد الله فى أول تجربة لها بفيلمها
التسجيلى الطويل «ظل راجل» على جائزة أفضل مخرج. وكانت تلك هى الجائزة
المصرية الوحيدة بينما أفضل فيلم وثائقى «النادى اللبنانى للصواريخ» إخراج
جوانا حاجى توما وخليل جريج وتنويه خاص للفيلم الجزائرى «فدائى» للمخرج
داميان أو نورى الذى كان يروى فى الفيلم السيرة الذاتية لعمه وكان قد شارك
فى معركة تحرير الجزائر.
وحصل على جائزة أفضل مخرج عربى روائى نبيل عيوش عن فيلمه «خيل الله»،
بينما أفضل أداء للممثل أحمد هافيان عن الفيلم التونسى «الأستاذ» وأفضل
فيلم قصير «المنسيون» السورى لإيهاب طربية، كما أن المخرجة السعودية عهد
كامل بفيلمها «حُرمة» أخذت جائزة التطوير التى تعنى أن المهرجان من خلال
مؤسسة الدوحة للسينما سوف يشارك فى توجيه الدعم المادى لفيلمها القادم.
والحقيقة أن عهد اخترقت الكثير من التابوهات التى كان من المستحيل الاقتراب
منها فى السعودية فى ظل مجتمع خليجى متحفظ. يستحق فيلما «ظل راجل» و«حُرمة»
أن نتوقف معهما فى مقال خاص، ولكن هذه المرة دعونا مع مرزاق علواش
و«التائب».
فى الجزائر وفى عام 1999 أصدرت الدولة قرارا بالعفو عن الإرهابيين
تطلب منهم العودة لمنازلهم والخروج من الجبل إلى الحياة مقابل عدم ملاحقتهم
جنائيا. كانت الجزائر قد عاشت فى ظل ما أطلق عليه العشرية السوداء. إنها
تلك السنوات التى كان الإرهاب الذى يتدثر بالدين يقتل مئات من الجزائريين
بحجة أنهم يطبقون شرع الله، ولهذا جاء قرار الرئيس الجزائرى عبد العزيز بو
تفليقة وقتها ليوقف نزيف حمامات الدم.
مرزاق علواش تساءل فى فيلمه هل الإرهابيون الذين مُنحوا العفو مهيؤون
لكى يصالحوا الحياة؟ الإرهاب كما يراه علواش لم يكن حالة طارئة، بل هو
عقيدة تعيش فى أعماقهم وزمن العفو بالنسبة إلىهم سيتحول إلى مساحة لالتقاط
الأنفاس، وبعدها يستعدون مرة أخرى للانقضاض على الحياة.
عندما تعفو الدولة هل يغفر الناس؟ المخرج يجيب عن السؤال مؤكدا أن
الإرهاب فى الصدور وأن الناس لم تنسَ، وهكذا شاهدنا شخصية الإرهابى العائد
من الجبل إلى بلده وهو منبوذ من الجميع، القرية التى جاء منها لم يستطع
أهلها أن ينسوا الدماء التى أريقت، ويذهب الإرهابى للعمل فى بلدة أخرى صبى
قهوجى، وعندما يحاول التقرب من صاحب المقهى ويناديه بكلمة أخى ينهره قائلا
لست أخاك.
كان الإرهاب المسلح فى الجزائر قاسيا ودمويا ولا يعرف رحمة وهو يغتال
المئات من الأبرياء، إلا أن الوجه الآخر للصورة أن الإرهابى أيضا لم ينسَ
أنه لا يزال فى أعماقه رغبة لكى يغتال ويقتل ويتاجر حتى بقبور الأبرياء.
العفو ليس دولة أو حاكما يصدر قرارا ولكن بشر وقع عليهم الظلم ودفعوا
الثمن هم فقط من حقهم المغفرة.. بينما فى الجزائر كما يقول علواش من خلال
الشريط السينمائى لا تزال النار تحت الرماد، فلا الناس تنازلت عن طلب الثأر
ولا الإرهابى تراجع عن موقفه. ولا يتبقى لنا سوى أن نلقى الضوء على سينما
قدمتها المرأة فى مصر والسعودية تحلت بالجرأة والفن لكل من حنان عبد الله
بفيلمها «ظل راجل» وعهد كامل «حُرمة» إلى الغد.
العزف على إيقاع الخوف!!
طارق الشناوي
November 22nd, 2012 9:32 am
فى مسابقة الفيلم العربى بمهرجان «الدوحة ترايبكا» عرض الفيلم المغربى
«خيول الله» للمخرج نبيل عيوش الذى سبق أن شاهدته فى قسم «نظرة ما» بمهرجان
«كان» فى منتصف شهر مايو الماضى.
الفيلم يدين الإرهاب المسلح المتدثّر بزىّ الإسلام ويعيد إلينا أسلوب
غسل الأدمغة المنهج الدائم للجماعات المتطرفة فى العديد من الدول العربية
والإسلامية الذى قاسينا منه ولا تزال تلاحقنا بعض شظاياه، حيث يصبح أسامة
بن لادن وأفكاره هو النموذج ونرى الإسلام مرادفا ومعبرا، بل وكأنه الوجه
الآخر للإرهاب المسلح.
تلك هى العين الأجنبية التى ترى حال الإسلام فى العالم العربى أو
الإسلامى لو اتسعت زاوية الرؤية، وأتصور أيضا أنها تريح المتفرج الغربى
الذى يبدو مهيَّئا لكى يتعامل بتلك النمطية مع الشخصيات العربية
والإسلامية، حيث بات العديد من الأفلام وكأنها تُقدم ما يمكن اعتباره
«ستريو تايب» أو «كليشيه» عن الإسلام سواء صُنعت هذه الأفلام بعيون عربية
أم أجنبية.
تبدأ أحداث فيلم «خيول الله» فى مطلع التسعينيات والأطفال يلعبون فى
الساحة ونصل إلى رحيل الملك «الحسن الثانى» عام 99، بينما الجريمة التى
رصدها نبيل عيوش وهى موثَّقة فى كتاب «نجوم سيدى مؤمن» حدثت عام 2003 فى
كازابلانكا عندما فجر عدد من الشباب أنفسهم ليقتلوا كل من فى الملهى بدعوى
الدفاع عن الإسلام.
مثل هذه الأفلام وغيرها تعيد إلى الأذهان فيلما بديعا قدمه المخرج
الفلسطينى هانى أبو أسعد قبل نحو عشر سنوات بعنوان «الجنة الآن»، عن أسلوب
غسل المخ الذى تنتهجه الجماعات المتطرفة، وقدم المخرج طقوس الاستعداد
للتفجير. إنها أشبه بإجراءات الغسول للمتوفى -طبقًا للشريعة الإسلامية- فهو
يستعد لدخول الجنة، بل وبعضهم يشم رائحتها ويودّع أهله يطلب منهم أن يسعدوا
به فهو ينتظرهم فى دار الخلود.
وكما أن أبو أسعد قدم لنا نموذجا لمن يتراجع فى اللحظات الأخيرة، فإن
هذا هو ما رأيناه أيضا فى فيلم عيوش، وبالطبع توارد الخواطر فى هذه الحالة
ممكن لأن النفس البشرية واحدة ومن الجائز فى اللحظات الأخيرة أن هناك من
يشعر بالذنب بأنه يرتكب معصية يحاسبه عليها الله لإقدامه على اغتيال
المدنيين. حصل الفيلم الفلسطينى على جائزة «الكرة الذهبية» وكان واحدا من
خمسة أفلام رشحت لجائزة الأوسكار 2004.
فى الفيلم المغربى «خيول الله» يتابع نبيل عيوش شغفه بالتعامل مع
الأطفال الذين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة مثلما قدمهم فى واحد من أفضل
أفلامه «على زاوا»، فهو يستطيع أن يقتنص منهم أكثر اللحظات طبيعية ونرى
العائلات المغربية الفقيرة التى تتحايل لكى تواجه الحياة وتعيش أيضا فى ظل
مفهوم خاطئ يسيطر عليها عن طبيعة الدين وكيف أن الاستشهاد هو الهدف، وأنه
على المسلمين أن يعلنوا الحرب على العالم لإنقاذ الإسلام لأنهم يعشقون
رائحة الجنة، بينما الآخرون لا يعرفون سوى ملذات الدنيا.
الإرهاب الذى تجسده مثل هذه الأفلام أراه فى جانب كبير منه يرسخ
الفكرة الخاطئة التى يعتقدها الغرب عن طبيعة الدين الإسلامى الذى مع الأسف
أسهم العديد من الفضائيات العربية بكثرة تقديمها لمشاهد الذبح التى يمارسها
الإسلاميون على تأكيد تلك الصورة، ومن الممكن أن ترى فى فيلم «براءة
الإسلام» المسىء للرسول عليه الصلاة والسلام، شيئا من الترديد لمثل هذه
الممارسات التى علقت عنوة بالإسلام.
شخصية الإرهابى المسلم تشغل بالتأكيد الثقافة الغربية وتحتل مساحة
كبيرة داخل المهرجانات، وهناك بالتأكيد ارتياح غربى لهذه الصورة النمطية،
ولكن يظل أننا ننتظر أيضا نوعيات أخرى تتغلغل أكثر وتحلل بعمق تلك الشخصيات
التى لا نستطيع أن ننكر وجودها، ولكن حضورها السينمائى فى المهرجانات بات
يميل لكى يحيلها إلى «كادر» ثابت.
الناس تنتظر أن تشاهد ما تعرفه أو ما تسمع عنه وتخشاه، ربما هذا يفسر
لك لماذا صفّقوا فى الصالة بكل تلك الحميمية لفيلم «خيول الله» مرتين.
الأولى فى «كان» وهو ما تكرر عند عرضه فى «الدوحة ترايبكا».
التصفيق لا يعنى بالضرورة الحضور الفنى.. هذه المرة أراه إعجابا يعزف
على إيقاع الخوف. الإرهاب المسلح باسم الدين بالطبع لم يختفِ فى العالم،
ولكننا بحاجة إلى رؤية أكثر طزاجة وعمقا وموضوعية لا تبيع البضاعة ذاتها كل
عام فى المهرجانات العالمية والعربية!!
عَشم
طارق الشناوي
November 21st, 2012 10:17 am
تبقى الكلمة مصرية صميمة.. أتحدث عن «عشم» عنوان الفيلم الذى مثّل
السينما المصرية فى مسابقة الفيلم الروائى الطويل بمهرجان «الدوحة ترايبكا»..
العشم فى معناه الإيجابى هو طاقة أمل وأمنية تبدو بعيدة المنال لكنها ممكنة
التحقق، وقد يصبح العشم فى لحظات تعبيرا ممزوجا بالمرارة عن خيبة الأمل.
فى حالة من الألق تنسج المخرجة ماجى مورجان فيلمها لنرى من خلاله مصر،
ليست قبل أو بعد الثورة، لكنها مصر التى تحيا بالأمل وتقاوم الإحباط وتعبد
الله فى الجامع والكنيسة وتعيش الحياة تمنح بسخاء أو تمنع بإصرار.. فى
لحظات مصيرية يتجسد العطاء، وفى أخرى تغلق أبواب القلوب.
إننا أمام ستة أزواج، بعضهم فى طريقهم للزواج، الفيلم ينتقل من حكاية
إلى أخرى وننتقل أيضا معه من حالة إلى أخرى. فى اللقطات الأولى لا تستطيع
أن تدرك قانون الفيلم فلا توجد خطوط تواصل بين الأبطال مثل فيلم «سهر
الليالى» مثلا لهانى خليفة الذى كان يجمع أبطاله بخيط واحد وهو الصداقة،
ولكننا هذه المرة أمام لمحات وحالات مختلفة تكشف طبيعة المجتمع، وفى رؤية
بانورامية تُطل على مصر بالعديد من طوائفها.
محمد خان فى اللقطة الأولى يؤدى دور رجل يحب الزهور والسفر وتأتى
وصيته لجارته أن تهتم فى غيابه بحياة الزهور، أما عشقه للسفر فهو وسيلته
«للتهتهة» طالما لا يعرف اللغة أنها الأُمنية المستحيلة التى من الممكن أن
يعيشها رجل أكمل العقد السابع من عمره ويجدد تعاقده مع الحياة بالعودة
للطفولة. اللقطة الأخيرة صوت نجيب الريحانى وأنور وجدى فى الدويتو الشهير
«عينى بترف» وهو يردد «حاسس بمصيبة جيالى يا لطيف يا لطيف» وبالطبع التحذير
فى الأغنية لا يعنى الخوف من القادم، ولكنه الحب الذى كان يخشاه وفى نفس
الوقت يتمناه.
تتعدد الأنماط، من يريد أن يهاجر إلى أمريكا ومن يرى أن ماليزيا هى
الهدف، هؤلاء هم المهزومون، لأنهم ابتعدوا عن الوطن، ولكن الآخرين الذين
قاوموا هم من يتبقى فى الذاكرة.
أتوقف أمام شخصيتين، الممرضة منى الشيمى تحب من طرف واحد الطبيب فى
المستشفى، وأيضا الفتاة نجلاء يونس التى تأتى من القرية لتعمل فى دورة
المياه فى مول ضخم وتصطدم للوهلة الأولى مع العاملة الأقدم التى تؤدى دورها
«سهام عبد السلام» وتطلب منها وهى تخاطبها أن تطلق عليها «الريسة».
الفتاة تخضع لها، فهى نموذج مصغر للشعب المقهور حتى ولو كان مكان
الأحداث هو دورة المياه.
تعمد الفيلم أن يبتعد عن الثورة المصرية حتى لا يتغير مؤشر الرؤية، فى
حوار عابر عندما يقول «عشم» أحد أبطال الفيلم إنه لن يذهب إلى التحرير، ليس
رفضا للثورة بالطبع، ولكن لأنه سعيد بأن وجد أخيرا عملا يتكسب منه، حيث
أصبح عامل «أسانسير» فى المول بعد أن ظل ينتقل من بائع سريح إلى عامل دعاية
للمحلات، ليشعر فى النهاية أنه عثر على نفسه، وبنظرته المحدودة التى لم
تتجاوز حدوده لن يذهب إلى التحرير.
وتأتى النهاية بهذه اللمحة السريعة التى تجمع بين عشم والممرضة،
ويسألها عن اسمها فترسم «بسمة» بشفايفها وتخبره أن اسمها إبتسام.
الفيلم قائم على تلقائية الحوار، وهو ما تجده مثلا فى أفلام المخرج
إبراهيم بطوط، ولكن هناك نسبة ما من الانضباط فى فيلم ماجى مورجان. حيث
يسبق فى العادة التصوير بروفات ليولد الحوار تلقائيا، لأن كل شخصية لها
محددات وملامح ينبغى أن يعبر عنها الحوار. الأمر هنا ليس رهنا فقط
بالديمقراطية التى تمنحها المخرجة لأبطال الفيلم، ولكن ينبغى أن يلتزم
الممثلون بقواعد الحوار الدرامى. هناك فارق بين التلقائية والعشوائية، نحن
نتابع شريطا سينمائيا تلقائيا يرفض تماما منهج العشوائية.
ماجى كانت تختار الزاوية التى تحدد الرؤية والمعنى الذى تقتنصه لتصنع
فيلمها، كان المونتاج هو أحد عناصر إبداع هذا الفيلم، حتى يُمسك بالقوام
والبناء وهو ما تولاه أحمد عبد الله.
هناك أسماء لممثلين خاصموا تماما قواعد التمثيل بمعناه الحرفى وحافظوا
على تلقائيتهم مثل نجلاء يونس وسلمى سالم وسيف الأسوانى وأمينة خليل وشادى
حبشى ومنى الخولى ومحمود اللوزى وسهام عبد السلام.
الأمل فى السينما قادم وأراه يطرق الأبواب من خلال جيل من المخرجين،
نشاهدهم من مهرجان إلى آخر كانت هالة لطفى قبل شهر فى أبو ظبى بفيلم
«الخروج للنهار» وهذه المرة فى «الدوحة ترايبكا» التقينا ماجى مورجان فى
«عشم».. إنها سينما مصرية قادمة تستحق العشم.
السينما المستقلة والإخوان
طارق الشناوي
November 20th, 2012 9:44 am
فى البداية وقفنا جميعا دقيقة حدادا على أرواح أطفالنا الذين زهقت
أرواحهم ليحفروا فى أعماقنا جرحا دائما.
كان موعدنا فى مهرجان الدوحة ترايبكا مع ندوة عن حال السينما فى مصر
بعد الثورة، ودائما لمصر مساحة خاصة. كان شبح الإخوان والهيمنة الدينية يطل
على المشهد، وكان أيضا الخوف من إبداء الرأى القاطع والمتحدى يشكل طوق نجاة
لأغلب المتحدثين على المنصة، هل يخشى النجوم من إبداء الرأى أم أنه إحساس
حقيقى بأنه لا يوجد ما يدعو إلى الخوف.
مصر القادمة ليست هى مصر الآن، الغيوم هى التى تملأ الصورة ولكن أيضا
هناك الأمل. لا شك أن تحجيب السينما أحد الأهداف الاستراتيجية لمن يريدون
تحجيم المجتمع، وهى أيضا أحد الأسلحة الرئيسية لمن يسعون إلى الدفاع عن
الحرية.
كان على المنصة يسرا ومحمد حفظى ونيللى كريم وهند صبرى وخالد أبو
النجا.. هند تونسية ولكن رصيدها الفنى المصرى يجعل وجودها فى الوفد المصرى
لا يثير حفيظة أحد سوى هند، التى ربما خشيت من أن يعتبر بعض الزملاء
التوانسة أن وجودها يعنى أنها لا تعتز بتونسيتها فقالت أنا تونسية.
هل الثورة حجَّمت السينما؟ البعض وجدها فرصة لكى يرى فى الثورة الجانى
الذى غير وجه مصر السينمائى إلى الأسوأ. كانت السينما تنتج أفلاما بالتأكيد
أكثر، شركات الإنتاج الكبرى حتى الآن لا تزال تتحسب للخطوة القادمة، بينما
لدينا سينما أخرى مختلفة لا تجد لها مساحات فى دور العرض، إنها السينما
التى تعارفنا أن نُطلق عليها مستقلة ومصر القادمة سوف تفتح قلبها لتلك
السينما.
أتذكر قبل عامين فى نهاية شهر أكتوبر كنا نحتفل بحصولنا على جائزتين
واحدة من ترايبكا فى دورته الثانية عن فيلم إبراهيم بطوط «الحاوى»،
والثانية من قرطاج «تانيت ذهبى» عن «ميكروفون» لأحمد عبد الله. ولكن
الجمهور المصرى من المؤكد لا يعرف شيئا عن الفيلمين، بالمناسبة عُرضا
تجاريا فى صمت رهيب. هل تلك السينما معزولة عن الناس أم أن صناعها لا
يعنيهم الجمهور. المشكلة أن البعض ارتاح إلى تلك التقسيمة نصنع فيلما قليل
التكلفة بلا نجوم، لا ننتظر مردودا من شباك التذاكر، وفى نفس الوقت نحصل
على مكسب صغير من بيعه لمحطات وتسويقه فى مهرجانات، كأن السينما من الممكن
أن تُصبح سينما بعيدا عن الجمهور.
الاستسلام أرى فيه مقتل هذه السينما، فلا توجد أفلام مصنوعة لعدد
محدود أو لقطاع، ولكن ينبغى أن تمتد الرؤية إلى دائرة جماهيرية أوسع، لكى
تصل الرسالة إلى الجمهور وحتى تتحقق أيضا لصناعة السينما دورة رأس المال.
السينما التجارية بمعناها التقليدى أتصورها أيضا تعانى بسبب ضبابية
سوق الإنتاج. الأجور المليونية صارت تُشكل حائلا أمام تنفيذ الأفلام، ربما
هذا يفسر لك لماذا هذا الزحف الضارى الذى شاهدناه من نجوم السينما على
المسلسلات التليفزيونية؟ الإجابة هى أن سوق الفيديو لا يزال يضمن لهم تلك
الأجور، بينما فى السينما التقليدية المغامرة غير مأمونة.
النجوم الكبار سوف يجدون أمامهم فرصة أراها أخيرة لكى يتغيروا إذا
أرادوا أن يكملوا المشوار. لا حل سوى أن يتوافقوا مع الإيقاع الجديد لتلك
السينما التى تعنى أن العصمة بيد المخرج لا النجم. السينما بملامحها
التقليدية لن تختفى، فى العالم نرى أفلاما تُصنع على ملامح وإمكانيات نجوم
الشباك، ولكن حتى هذه الأفلام ترى فيها إرادة المخرج حاضرة. ويبقى مفهوم
الاستقلال فى السينما المصرية، فهى مستقلة، ولكن عن أى كيان، الشىء المشترك
فى تلك الأفلام أنها تعبر عن إرادة مخرجيها، مثلا جهاز السينما المصرى
التابع لوزارة الإعلام أنتج عام 2009 فيلم «واحد صفر» إخراج كاملة أبو
ذكرى، أى أن رأس المال تابع للدولة، ولكن من الممكن أن نعتبر هذا الفيلم
مستقلا بالمعنى الأدبى، فهو فيلم ترى فيه إرادة المخرجة ولا يعبر عن نجوم
الفيلم.
السينما المستقلة فى مصر ليست هى بالضرورة السينما التى نرى فيها
وجوها جديدة، وليست هى أيضا الفقيرة إنتاجيا، ولكنها السينما التى تتحرر من
سيطرة النجوم، وعليها أن لا تُخاصم الجمهور. هذه السينما أراها سوف تواجه
بقوة من التيار الإسلامى وعليها إذا أرادت الحياة أن تحتمى بالناس!
«الأصولى
المتردد» المتفرج ليس محايدًا!!
طارق الشناوي
November 19th, 2012 10:47 am
لا تستطيع فى بعض الأفلام أن تقف محايدًا، المتلقى أحيانًا يدخل إلى
دار العرض وهو لديه زاوية رؤيته على الجانب الآخر، لا تستطيع أن تنكر حق
صانع العمل فى أن يتبنّى رؤيته، وهكذا قد يحدث الصراع بين الرؤيتين، وهى
بالتأكيد معركة فكرية ونفسية خارج الشريط السينمائى.
فيلم الافتتاح فى الدوحة ترايبكا «الأصولى المتردد» للمخرجة الهندية
ميرا ناير، محمّل بتلك الرؤية التى أحالت الفيلم إلى قضية فكرية قبل رؤيته
كحالة إبداعية.
الإسلام والإرهاب صارا فى الثقافة الأوروبية والأمريكية كأنهما وجهان
لعملة واحدة، ما إن تقول مسلمًا أو عربيًّا حتى لو لم تكن مسلمًا، فإن هناك
عينًا تترصدك وتتهمك، أحداث 11 ستمبر 2001 شكَّلت نقطة فاصلة ولعبت
بالتأكيد دورًا فى ترسيخ هذا المفهوم، ليصبح الدين مرادفًا لسفك الدماء،
ولكننا أيضًا كعالم عربى وكعالم اسلامى لعبنا من خلال الفضائيات دورًا أشد
ضراوة فى منح تلك الأفكار مصداقية، وذلك مثلًا عندما ترى فى خلفية الصورة
لوحة مكتوبًا عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ثم على الفور تشاهد
يدًا تمسك بساطور لتذبح رجلًا أجنبيًّا، وبعدها تهليلات وتكبيرات.
الممارسات الخاطئة باسم الدين وأن ما يصدر أحيانًا عن الإسلام حتى فى جانبه
الاجتماعى مثل إباحة زواج الرجل من طفلة فى التاسعة من عمرها وغيرها من
الأفكار التى أعلم وأوقن أنها لا تمت للإسلام، وأن مَن يروّجون لها فى الحد
الأدنى هم لا يعرفون شيئًا عن الإسلام.
«الأصولى المتردد» لا يبتعد عن كل ما سبق، لأننا نراه وفى أعماقنا كل
ذلك وأكثر، بين أجواء غنائية حميمية تبدأ بها الأحداث عندما نرى الأستاذ
الجامعى الأمريكى الذى يتم اختطافه فى باكستان، بينما نستمع إلى أغنية
فولكلورية مليئة بالشجن تتردد، وتبزغ فى الأفق أيضًا ملامح الناس البسطاء
فى باكستان التى تعيش وهى لا تريد تطرّفًا ولا دماءً، ولكنها فى نفس الوقت
جزء من الصورة التى نعايشها.. الفيلم مأخوذ عن رواية كتبها محسن حميد -الذى
شارك أيضًا فى كتابة السيناريو- التى حقّقت مبيعات ضخمة عند طبعها وتُرجمت
إلى 24 لغة، وتبدو كأنها تروى فى اتجاه واحد أحالها السيناريو من مونولوج
أحادى النظرة إلى ديالوج.
الصعوبة هى أن تروى، وفى نفس الوقت تنتقل فى الزمان والمكان بين
أمريكا وباكستان والفلبين وتركيا، لنرى بطل الفيلم رز أحمد، الذى هاجر وهو
فى الثامنة عشرة من عمره إلى أمريكا، أبوه شاعر وشقيقته ممثلة، والخلفية
الاجتماعية هنا مقصود بها أنه متحرّر فكريًّا منفتح على العالم وفى أمريكا
يواصل دراسته ويعمل فى شركة تتولى إنقاذ الشركات الخاسرة، ويحقق نجاحًا،
ولكن تأتى أحداث 11 سبتمبر لتحيله إلى متهم ويتبدّد الحلم إلى كابوس.
هل هو أصولى أم مسلم؟ إنه مسلم أراد أن يعيش فى الغرب محققًا ذاته،
يقدمه الفيلم يعيش الطقوس الغربية بعيدًا حتى عن تطبيق القواعد الصارمة
للحلال والحرام فى تعاملاته، ورغم ذلك فإن الاتهام الذى يلاحقه هو الأصولية.
الأصولية بالمناسبة ليست اتهامًا جنائيًّا، ولكنها تعبر عن جمود فكرى
فى فهم الدين، ولكن أن ترتكب جرائم باسم الدين هو الجريمة وأن تحيل الآخر
إلى عدو هنا يصبح الأصولى قاتلًا.
المشهد الرئيسى هو الصحفى الأمريكى يجرى حوارًا مع البطل فى مقهى داخل
باكستان ليعرف بالضبط حكايته، لأنه يتشكك فى انتمائه إلى الأصوليين، وهذا
الصحفى يعمل لحساب المخابرات الأمريكية التى تراقب التفاصيل ويريد إخراج
زميله الأستاذ الأجنبى الذى رأيناه معتقلًا من قبل متطرفين، وقبل تنفيذ حكم
القتل يسعى إلى تجنيد بطل الفيلم للعمل على إيقاف سفك الدماء وتحرير الأسير
الأمريكى، لكنه يرفض، وعن طريق القطع المتوازى ونحن نتابع تفاصيل حياة
البطل بين أمريكا وتركيا وباكستان وامتزاجه فى المجتمع الأمريكى ورغبته فى
التواصل حتى عندما يسأله المحقق هل يحب أمريكا، تأتى الإجابة نعم أحبها.
وينتهى الفيلم باغتيال الأمريكى المعتقل ومقتل صديق البطل، بينما
المظاهرات الصاخبة يزداد صداها والكادر السينمائى يمتلئ بالموسيقى الشعبية
الباكستانية.
الفيلم وقف محايدًا، كأن المخرجة الهندية ميرا ناير، تُمسك بترمومتر،
ولكنها فى أحيان تفلت منها الرؤية وتنحاز إلى الرؤية الغربية. الاتهام
والترصد المسبق لكل من هو عربى أو إسلامى جريمة لا تقل ضراوة عن القتل باسم
الدين. «الأصولى المتردد» كان أيضًا مترددًا فى الإدانة المباشرة لتلك
الاتهامات التى عانى منها الكثيرون ولا يزالون يعانون لمجرد أنهم عرب أو
مسلمون.
الدوحة «ترايبكا» فى السوق الشعبية
طارق الشناوي
November 18th, 2012 10:20 am
لأول مرة يُفتتح مهرجان سينمائى ضخم فى سوق شعبية، كانت ليلة أمس هى
ليلة استثنائية لمهرجان الدوحة «ترايبكا» فى دورته الرابعة.
حيث ترى بجوار السجادة الحمراء التى يصعد عليها نجوم عرب وعالميون
محلات لبيع المشغولات والمنمنمات العربية، وعبق البخور ممتزج مع دخان
الشيشة. أكتب ذلك قبل الافتتاح بساعات ولكن مساء أول من أمس شاهدت البروفة
حيث تجرى الاستعدادات بدقة لضمان أن لا تحدث مفاجآت.
افتتح المهرجان بفيلم «الأصولى المتردد» للمخرجة الهندية المعروفة
ميراناير (أكتب هذه الكلمة بعد مشاهدة الفيلم فى العرض الصحفى الذى يسبق
الافتتاح الرسمى بساعات). الفيلم مأخوذ عن رواية «الانقسام الثقافى بين
الشرق والغرب» لمحسن حميد الذى كتب أيضا السيناريو. حاول الفيلم فى لحظات
أن يُمسك العصا من المنتصف بين إدانة الإرهاب وإدانة التوجس الأمريكى، ولكن
أفلت منه الترمومتر، وفى الكثير من اللحظات كان ينحاز إلى وجهة النظر
الأمريكية. يتناول السيناريو أحداث ما بعد 11 سبتمبر التى أحدثت جرحًا
وشرخًا ما زالت تداعياته تجرى حتى الآن (سوف أكتب تفصيليا عن الفيلم فى
مقال قادم)، ولكن تلك التيمة التى تجد فيها أن سيطرة حالة الخوف من التطرف
واضحة، من الممكن أن تجدها أيضا فى فيلمين داخل المسابقة العربية سبق لى
رؤيتهما فى مهرجان «كان» وهما «خيول الله» المغربى للمخرج نبيل عيوش،
و«التائب» للجزائرى مرزاق علواش.
المهرجان يعرض فى مسابقته العربية أيضا الفيلم المصرى «عشم» للمخرجة
ماجى مورجان فى أول تجربة لها، وبطولة عدد من الوجوه الجديدة. وهكذا للمرة
الثانية نجد أن مخرجة مصرية هى التى تمثل السينما المصرية، قبل شهر شاهدنا
المخرجة هالة لطفى بفيلمها الرائع «الخروج للنهار» تمثل مصر فى مهرجان أبو
ظبى وتحصل على جائزة الإخراج فى قسم «آفاق»، ولا أستبعد أن تحصل ماجى على
جائزة فى الدوحة رغم شراسة المسابقة.
ومن الأفلام التى تشارك فى المسابقة العربية «ذكريات ملاعب» إنتاج
قطرى فرنسى إخراج براحيم فريتج، و«الأستاذ» من تونس للمخرج محمود بن محمود،
والهولندى الإنتاج «دى فيلت»، ولكن المخرج عربى كريم إلكسندر والأحداث أيضا
عربية واللغة جزء منها عربية والأبطال الرئيسيين عرب وهى قضية تثير عديدًا
من التساؤلات عن هوية الفيلم؟ هل هى للفنانين أم لجهة الإنتاج، وأنا أميل
أكثر إلى أن الإنتاج أحد شروط الهوية رغم أن مهرجان القاهرة الذى يفتتح 27
نوفمبر القادم فى اللائحة الجديدة لا يشترط هوية الإنتاج العربية وهذه أيضا
قضية تستحق مقال خاص.
ومن المغرب «وداعا للمغرب» لندير مكناش، وفى مسابقة الأفلام الوثائقية
الطويلة تعود المخرجة تهانى راشد بفيلمها «نفس طويل» وتتناول ثورة 25 يناير
من خلال رؤية أتصورها أكثر هدوءا، نظرا إلى البعد الزمنى عن صخب الأحداث،
وعلينا أن ننتظر ما يسفر عنه الشريط. وتتعدد المسابقات مثل الأفلام العربية
القصيرة وتجد أيضا حضورًا للثورات العربية، ويقدم المهرجان إطلالة على
الأفلام القطرية عنوانها «صُنع فى قطر».
السينما الجزائرية التى احتفلت بمرور 50 عامًا على الثورة التى حررت
البلاد فى عام 62 من الاستعمار الفرنسى، هى ورقة دائمة فى المهرجانات
العربية لا يمكن تجاهلها، وهكذا شاهدناها فى الإسكندرية وأبو ظبى والدوحة
وقرطاج. وأتصورها حاضرة بقوة فى مهرجان القاهرة وسوف تجد لها مساحة خاصة
بالتأكيد فى مهرجان «وهران» الذى يفتتح دورته الخامسة فى 17 ديسمبر.
ومن الأفلام الجزائرية التى أصبحت عنوانا أيضا للثورة فيلم «عمر
قتلاتو» للمخرج مرزاق علواش، بالإضافة إلى عروض للأفلام العالمية. بعضها
أتيح لى مشاهدته من قبل مثل «حصة الملائكة» الذى عرض فى «كان» وحصل على
جائزة التحكيم للمخرج كين لوتش، وافتتح قبل شهر بانوراما الفيلم الأوروبى.
ومن الأفلام المهمة أيضا «أطفال سراييفو» إخراج عايدة بجيتش (حصل على جائزة
من مهرجان «كان» فى مسابقة «نظرة ما»)، وتعددت الأفلام، ولكن الملاحظة هى
أن الوجه الرئيسى للمهرجان «ملمحه» عربى.
ومن بين الندوات المهمة واحدة عن السينما العربية القادمة وكيف ترصد
التغيير الاجتماعى فى ظل مجتمع بطبعه محافظ وينظر بعين الريبة إلى التغيير،
وأيضا ندوة الأفلام الخليجية المكبلة بتلك النظرة السائدة وأفلام «بولييود»
وهل تخترق العالمية ولماذا السينما الهندية التقليدية تلقى رواجًا شعبيا،
بينما السينما الهندية الموازية التى من الممكن أن نطلق عليها تعبير
«مستقلة» هى التى تحصد الجوائز وتحتفى بها المهرجانات.
كما أن روبرت دى نيررو الفنان العالمى، له أيضًا وكالعادة لقاء
باعتباره مؤسسا مشاركا لمهرجان ترايبكا الأمريكى وصار هو أحد ملامح ترايبكا
العربى.
التحري المصرية في
18/11/2012 |