فى العاشرة مساء أمس الأول «الجمعة»، شهد مهرجان فينسيا فى مسابقة
آفاق أول عرض فى العالم للفيلم المصرى «الشتا اللى فات»، إخراج إبراهيم
البطوط، وإنتاج وتمثيل عمرو واكد، وهو أحدث فيلم طويل عن ثورة يناير، وثانى
فيلم روائى طويل عن الثورة بعد فيلم يسرى نصرالله «بعد الموقعة»، الذى عرض
فى مسابقة «كان» فى مايو.
هذه هى المرة الأولى فى تاريخ السينما المصرية، التى تعرض فيها أفلام
مصرية فى مهرجانات السينما الكبرى الثلاثة فى السنة نفسها، وكلها عن
الثورة، فقد عرض فى برلين فى فبراير أكثر من فيلم تسجيلى طويل، ومنها فيلم
«تقرير عن الثورة» من إنتاج مؤسسة «المصرى اليوم».
ولا شك أن اهتمام مهرجانات السينما الكبرى فى برلين وكان وفينسيا بعرض
أفلام عن ثورات الربيع العربى، التى بدأت العام الماضى، ولاتزال تتفاعل،
يرجع إلى التأثير الكبير لهذه الثورات على العالم بأسره، فهى تقع فى منطقة
العالم العربى أحد أكبر مصادر الطاقة على الأرض، وتمتد إلى ما يعرف بالشرق
الأوسط إلى أفغانستان وتركيا وإيران، حيث الأغلبية من المسلمين من العرب
وغير العرب، وحيث يشتد الصراع بين الدينى والمدنى، خاصة منذ ١١ سبتمبر
٢٠٠١.
ولا شك أيضاً أن المهرجانات الكبيرة لا تختار الأفلام، بسبب أهمية
موضوعاتها، وإنما لمستواها الفنى المتميز أيضاً، وإذا كان يسرى نصرالله من
أعلام التجديد فى السينما المصرية فى ثمانينيات القرن الميلادى الماضى، فإن
إبراهيم البطوط من أعلام حركة السينما المستقلة، التى بدأت فى التسعينيات،
بل إنه «الأب الروحى» لهذه الحركة التى تمثل أهم ظاهرة فى العقد الأول من
القرن الجديد. لقد جاء إلى السينما من خارج السوق، وبدأ عام ١٩٩٦ بإخراج
أفلام تسجيلية فى عدة مناطق ملتهبة، ثم أخرج أول أفلامه الرواية الطويلة «إيثاكى»
عام ٢٠٠٤ عن قصيدة للشاعر اليونانى كافافيس، واستطاع فى فيلمه الثانى «عين
شمس» عام ٢٠٠٨ أن يعبر البحر المتوسط، ويصبح من الأسماء المعروفة فى
العالم، وأكد ذلك فى فيلمه الثالث «حاوى» عام ٢٠١٠، وها هو فى فيلمه الرابع
يصل إلى أعرق مهرجانات السينما.
التأريخ والتعبير
كان للحركات المستقلة فى السينما والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية
والأدب دور أساسى فى صنع الوعى، الذى أدى إلى الثورة، مثل الحركات السياسية
المستقلة وأهمها «كفاية» منذ ٢٠٠٤. وكان «البطوط» وعمرو واكد وفرح يوسف
وغيرهم من العاملين فى الفيلم من بين السينمائيين، الذين شاركوا فى أحداث
الثورة خلال الـ١٨ يوماً المجيدة من ٢٥ يناير إلى ١١ فبراير، بل قاموا
بتصوير مشهد النهاية فى الفيلم فى العاشر من فبراير فى ميدان التحرير،
فالفيلم عند «البطوط» لا يبدأ من سيناريو جاهز، وإنما من المكان والزمان
والرؤية التى يريد التعبير عنها من خلال الشخصيات حتى يتكون الفيلم فى
صورته النهائية.
ومثل أى سينمائى ينتمى إلى سينما ما بعد الحداثة لا يفرق «البطوط» بين
التسجيلى والوثائقى والروائى، ويتمثل ذلك بوضوح فى «الشتا اللى فات»، حيث
يؤرخ لأحداث الثورة كما يراها، ويعبر عن موقف نقدى حاد تجاه النظام، الذى
طالبت الثورة بتغييره، وعن تأييده المطلق لهذه الثورة، وذلك من خلال ثلاث
شخصيات محورية هى عمرو «عمرو واكد»، خبير الكمبيوتر، وحبيبته فرح «فرح
يوسف»، المذيعة فى التليفزيون الحكومى، وعادل «صالح الحنفى»، الضابط فى
جهاز أمن الدولة.
وكما فى كل أفلامه لا توجد «قصة» تروى لها بداية ووسط ونهاية، وإنما
علاقات بين شخصيات فى ظروف تحدد مصير كل منها، وبينما يعيش عمرو مع والدته
فى عمارة من عمارات الطبقة الوسطى العادية فى القاهرة، يعيش عادل فى منزل
فاخر مع زوجته وابنه وابنته وخادمتهم الفلبينية.
بين ٢٠٠٩ و٢٠١١
يبدأ الفيلم يوم ٢٥ يناير وعمرو واكد يشاهد على شاشة الكمبيوتر أحد
معتقلى أمن الدولة يروى ما حدث له من تعذيب وصل إلى حد الصعق بالكهرباء.
وفى الوقت نفسه نرى فرح فى التليفزيون تحاول أن تقول حقيقة ما يحدث فى
الشارع فى البرنامج الذى تقدمه، بينما يحاول زميلها فى البرنامج نفسه أن
يضلل المشاهدين، ويرضى مدير التليفزيون الذى يطلب عدم «تهويل» الأمور.
ويتذكر «عمرو» ما حدث له فى يناير ٢٠٠٩ عندما اعتقل وعذب، والتقى لأول
مرة الضابط عادل، وكان سبب اعتقاله الاشتراك فى مظاهرات ضد حرب إسرائيل على
غزة ذلك العام، ويتحرك الفيلم فى نصفه الأول بين يناير ٢٠٠٩ ويناير ٢٠١١
حتى يتم اعتقال «عمرو» مرة أخرى. فى المرة الأولى لم يفرج عن «عمرو» إلا
بعد أن يتصور عادل أنه وافق على التعاون معهم، وبعد أن يزرع الشك داخل عمرو
بأن فرح تتعاون «وإلا ما كانت تصل إلى ما وصلت إليه»، ويخرج «عمرو» من
المعتقل مكسوراً، ويجد أن والدته قد توفيت حزناً وكمداً بعد أن ظلت تبحث
عنه فى كل مكان دون جدوى.
وفى يوم ٢٨ يناير نستمع إلى مقاطع من خطاب مبارك الأول على شريط الصوت
فقط، وتثور فرح فى التليفزيون ضد سياسة التليفزيون الحكومى الذى يدافع عن
النظام، وتترك العمل وتنضم إلى الثورة، ويتم اعتقال «عمرو» مرة أخرى، وفى
أول فبراير نستمع إلى مقاطع من خطاب مبارك الثانى على شريط الصوت أيضاً،
ونرى اللجان الشعبية التى تكونت فى شوارع القاهرة وكل المدن المصرية، ونرى
أمن الدولة يلجأ إلى سلاح البلطجية، حيث يشرف «عادل» على تخزين الأسلحة
البيضاء فى شقة بالقرب من ميدان التحرير، ومع بداية استخدام ذلك السلاح
يبدأ العنف والعنف المضاد عندما يفتك المواطنون العاديون بأحد البلطجية.
وفى العاشر من فبراير نستمع إلى مقاطع من خطاب مبارك الثالث والأخير،
ثم خطاب عمر سليمان يوم ١١ فبراير، الذى أعلن فيه «تخلى» مبارك عن رئاسة
الجمهورية، وعلى شريط الصوت فقط كما فى الخطابين الأول والثانى.
بين التأريخ والتعبير
طوال الفيلم نرى أحداث الثورة على شاشات الفضائيات غير المصرية من
خلال أجهزة التليفزيون فى منازل الشخصيات المختلفة وفى مكتب عادل، ويستخدم
«البطوط» الكتابة على الشاشة لتحديد الأزمنة، وتحديد تواريخ خطابات مبارك،
وبعد الخطاب الأخير يقدم مشاهد تسجيلية للمظاهرات فى ميدان التحرير مع خطاب
عمر سليمان، وينتهى الفيلم ثلاث نهايات بالمنطق التقليدى، لكنها نهاية
بالطبع واحدة بمنطق فنان السينما مؤلفه.
يذهب «عادل» إلى فيلته على شاطئ العين السخنة ليلتقى أسرته بعد أن طلب
منها الابتعاد عن القاهرة والإقامة هناك. وتظهر صورة الطبيب رفيق وليم،
الذى اعتقل مع عمرو واكد يوم ٢٨ يناير، وقال فى التحقيق إنه يشترك فى
الثورة، لأنه يريد لابنه الذى لم يولد بعد أن يعيش حياة أخرى أفضل، ويكتب
على الشاشة أن رفيق قتل بعد الثورة، وبعد ميلاد ابنه بشهر واحد. وعلى كوبرى
قصر النيل تجتمع كل شخصيات الفيلم بعد أن انتهوا من «تمثيله»، وينظرون
جميعاً إلى الكاميرا، وتكون اللقطة الأخيرة لـ«عمرو وفرح» وقد عادا ليكونا
معاً، وفى الختام يكتب على الشاشة أعداد القتلى والجرحى والمفقودين
والمعتقلين، وعبارة «ولايزال العد مستمراً».
بل الفساد والتوريث
من الصعب التأريخ لحدث لايزال لم تتضح كل تفاصيله، والحدث هنا أيام
الثورة الـ١٨، وليس الثورة ذاتها بمقوماتها ونتائجها، والفيلم ليس
«تأريخاً» بالمعنى الدقيق، وإنما تعبير ذاتى عن تاريخ عاشه صناعه، وبأسلوب
يتلاءم مع الواقع الذى يعبر عنه. وربما ما يؤخذ على الفيلم من الناحية
السياسية التركيز على قضية غزة، التى كانت السبب فى اعتقال عمرو واكد لأول
مرة، وحديث الضابط عادل عن إسرائيل باعتبارها ليست عدواً، وإنما العدو هو
الجهل. فما كان يثير «أمن الدولة» الحركات الاحتجاجية ضد الفساد وضد
التوريث، ومظاهرات الـ١٨ يوماً لم ترفع شعارات سياسية ضد إسرائيل أو
الإمبريالية الأمريكية، ولم تطالب سوى بالحرية، وبالحرية يمكن مواجهة كل
الأعداء فى الداخل والخارج والانتصار عليهم.
وكما فى كل أفلامه لا يختار «البطوط» ممثليه من النجوم، وربما كان
عمرو واكد أول نجم تعامل معه، وبينما يؤكد عمرو واكد فى هذا الفيلم مكانته
كممثل ومنتج أيضاً، تقدم فرح يوسف أفضل أدوارها، ويكتشف «البطوط» ممثلاً
جديداً يمثل لأول مرة، وسوف يكون له شأن كبير، وهو صالح الحنفى فى دور
عادل، حيث لم يسقط فى الأحادية أو النمطية التى تجعل الشخصية من فوق
الواقع، بينما هى من صميم الواقع.
«الشتا اللى فات» عمل فنى قوى ومؤثر، وخطوة جديدة على طريق تجارب
السينما المستقلة، التى تصنع حاضر السينما المصرية ومستقبلها.
اهتمام غير مسبوق
فى الحادية عشرة والنصف، صباح أمس، السبت، استكمل العرض الرسمى للفيلم
المصرى «الشتا اللى فات» فى الصالة الكبرى للمهرجان، حيث استُقبل بتصفيق
حاد بعد نهاية العرض، استمر لمدة ٧ دقائق، وأعقب العرض مؤتمر صحفى حضره
إبراهيم البطوط، مخرج الفيلم، وعمرو واكد، المنتج وممثل الدور الأول فى
الفيلم، والممثل الجديد، صالح الحنفى، وقد امتلأت قاعة المؤتمر الصحفى عن
آخرها، وكان عدد الواقفين مماثلاً لعدد الجالسين، أى ما يقرب من ألف صحفى،
وهو أمر نادر فى المهرجان.
ودارت أبرز الأسئلة لأبطال العمل حول الموقف السياسى فى مصر اليوم،
وتركزت الإجابات حول «أن الثورة لا تزال مستمرة، وأن الفنانين فى مصر
سيواصلون عملهم مهما كانت المؤشرات السلبية فى الواقع».
المصري اليوم في
02/09/2012
١١
سبتمبر وصراع الثقافات فى افتتاح مهرجان
فينسيا
بقلم
سمير فريد
عرض فى افتتاح مهرجان فينسيا الـ٦٩ خارج المسابقة الفيلم الأمريكى «الأصولى
الرافض» إخراج ميرا ناير، والذى مولته مؤسسة الدوحة للسينما وأنتجه المنتج
التونسى طارق بن عمار، المعروف عالمياً، والذى سبق أن أنتج العديد من
الأفلام المهمة وأحدثها «ميرال» إخراج جوليان شنابل عن قضية فلسطين منذ حرب
١٩٤٨.
ولاشك أن اختيار الفيلم لافتتاح أعرق مهرجانات السينما الدولية فى
العالم، وأحد المهرجانات الكبرى الثلاثة بعد برلين فى فبراير وكان فى مايو،
أكبر نجاح حققته مؤسسة الدوحة التى تسعى للتواجد بقوة فى السينما العالمية،
أى التى يمكن أن توزع فى مختلف دول العالم. ولاشك أن الأسلوب الهوليودى فى
السينما هو ما يحقق ذلك بامتياز.
وتنتمى المخرجة الهندية ميرا ناير إلى عائلة مخرجى السينما الذين
يعتبرون العالم كله مسرحاً لأفلامهم، وهى العائلة التى أسسها أورسون ويلز
فى منتصف القرن الميلادى الماضى، ومن أعلامها الألمانى ورنر هيرزوج
والبولندى رومان بولانسكى. واعتبار العالم مسرحاً لأفلام هذا أو ذاك من
المبدعين لا يعنى التخلى عن الثقافة الوطنية التى جاء منها، فهو ينظر إلى
الأماكن التى يتنقل بينها والموضوعات التى يتناولها من خلال هذه الثقافة.
ولدت ميرا ناير عام ١٩٥٧ فى الهند، وتخرجت فى جامعة دلهى ثم فى جامعة
هارفارد الأمريكية، ولمعت فى السينما العالمية منذ أول أفلامها الطويلة
«سلام بومباى» عام ١٩٨٨، الذى فاز بالكاميرا الذهبية فى مهرجان «كان» ورشح
لأحسن فيلم أجنبى، واعتبر من نقاط التحول فى السينما الهندية، حيث كان أول
فيلم يعبر عن مشكلة أطفال الشوارع بأسلوب واقعى حديث. وفى عام ٢٠٠١ فازت
ميرا ناير بالأسد الذهبى فى مهرجان فينسيا عن «زفاف مونسون»، الذى يدور فى
أوساط الجالية الهندية فى أمريكا.
لقد اهتمت فنانة السينما دائماً بقضية اختلاف الثقافات، وعبرت عن
إيمانها بضرورة الحوار بين الثقافات بدلاً من الصراع بينها. ولذلك لم يكن
غريباً أن تتناول هذه القضية فى فيلمها الجديد «الأصولى الرافض» عن أحداث
١١ سبتمبر ٢٠٠١، والتى فجرت صراع الثقافات الذى يعيشه العالم منذ ذلك اليوم
وحتى الآن بين التطرف فى تفسير بعض مبادئ الثقافة الإسلامية، والتى يعتبرها
البعض الأصولية الإسلامية، وبين الثقافة الغربية الحديثة التى بدأت مع عصر
النهضة الأوروبية منذ خمسة قرون بعد أن تخلصت من الحكم الدينى المسيحى فى
العصور التى عرفت بالعصور الوسطى. ولم يكن غريباً أيضاً، وهذا موضوع
الفيلم، أن تموله مؤسسة قطر ولا أن ينتجه التونسى طارق بن عمار، فكل العرب
بل وكل المسلمين فى قلب هذا الصراع.
الفيلم البوليسى/السياسى
الفيلم عن رواية للكاتب الباكستانى محسن حميد، الذى يكتب بالإنجليزية
ويقيم فى لندن. وقد صدرت عام ٢٠٠٧ وترجمت إلى أكثر من ٢٥ لغة، واشترك
مؤلفها فى كتابة السيناريو مما يعنى موافقته على العلاقة بين الفيلم
والرواية.
إنه فيلم بوليسى، حسب التسمية العربية الشائعة، ولكنه بوليسى/سياسى،
أى يأخذ شكل الفيلم البوليسى فى التعبير عن موضوع سياسى، وليس موضوع الفيلم
البوليسى الذى يدور عن جريمة جنائية. وقد قال «بريخت» يوماً لا تعبروا عن
المواقف السياسية بشكل غير سياسى، ولكن المحك هو كيف يظل الفيلم سياسياً
رغم شكله البوليسى.
«الأصولى الرافض» عن شانجيز خان (ريز أحمد) وهو شاب باكستانى ينتمى
لأسرة ثرية فى لاهور، ويعشق الثقافة الأمريكية ويؤمن بـ«الحلم الأمريكى»
فيذهب إلى نيويورك ليحقق هذا الحلم، وبالفعل يحقق نجاحاً سريعاً وكبيراً
ويصبح من أهم المحللين الاقتصاديين فى «وول ستريت»، ويعيش قصة حب مع إريكا
(كيت هدسون) المصورة الفوتوغرافية التى فقدت حبيبها فى حادث سيارة كانت
تقودها وهى مخمورة، ووجدت فى «شانجيز» منقذاً من العذاب الذى تعانيه.
ولكن، وبعد أحداث ١١سبتمبر، وبسبب ملامح وجهه واسمه، تحولت حياة «شانجيز»
إلى جحيم يومى، بل ويفقد المرأة التى يتبادل معها الحب، ولذلك قرر العودة
إلى بلاده حيث عمل أستاذاً فى الجامعة. ويتغير «شانجيز» من النقيض إلى
النقيض عندما ينتمى إلى إحدى الجماعات «الجهادية» التى تؤمن بالعنف، وترى
أن تفسيرها لبعض آيات القرآن الكريم هو التفسير الوحيد الصحيح، وأنها التى
تمثل «أصول» الإسلام.
طغيان البوليسى
يبدأ الفيلم فى لاهور عام ٢٠١١ باختطاف أستاذ أمريكى فى الجامعة
والتهديد بذبحه، وتكلف المخابرات الأمريكية الصحفى الأمريكى بوبى (ليف
شيربير) بمحاولة معرفة مكان المخطوف عبر الحوار مع «شانجيز» ودعوته للعمل
معهم. ومن خلال العودة إلى الماضى نعرف قصة شانجيز منذ أن سافر إلى
نيويورك، ويستمر الحوار بين الرجلين طوال الفيلم، ويستمر الانتقال بين
الماضى والحاضر. وفى النهاية يتم إنقاذ المخطوف، ويقتل أحد تلاميذ شانجيز،
ويجرح بوبى ويعالج فى أحد المستشفيات الأمريكية بأفغانستان.
يطغى البوليسى على السياسى فى فيلم ميرا ناير على نحو يجعل السياسى
مجرد خلفية لا تمس جوهر الصراع. وتحول «شانجيز» غير مقنع بأى حال، والنهاية
بها قدر كبير من الارتباك الذى لا يؤدى إلى شىء. وعنوان الفيلم، وهو ذاته
عنوان الرواية، مجرد تلاعب فارغ بالكلمات، فالأصولية هنا تعنى الأصولية فى
عمل سوق المال، والرفض ليس رفضاً للتعاون مع المخابرات الأمريكية لأنه يخبر
الصحفى بمكان المخطوف. ورغم الأسلوب الهندى الهوليودى البارع الذى عرفت به
المخرجة، فإننا نشعر فى أغلب الأوقات أننا شاهدنا هذا الفيلم من قبل أكثر
من مرة، والأهم أننا لا نريد مشاهدته مرة أخرى.
samirmfarid@hotmail.com
المصري اليوم في
01/09/2012
يوميات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ـ 3
الفيلم الروائي الأول للمخرجة السعودية
هيفاء المنصور: طروحات وقضايا.. لكن هل من فن يحميها؟
فنيسيا: محمد رُضــا
للمرّة الأولى في تاريخ المهرجانات الدولية الرئيسية - غير العربية،
يتم عرض فيلم يحمل الهوية السعودية، كبلد منتج. سابقا عرض المخرج السعودي
عبد الله المحيسن فيلمه الروائي الطويل الأول (والوحيد حتى الآن) «ظلال
الصمت» في مهرجان إيطالي محدود، لكن «وجدة» هو الأول في هذا المجال، والأول
لمخرجته التي تشهد وضعا إعلاميا مريحا كونها محط اهتمام النقاد ووسائل
الإعلام لسببين واضحين: كونها تنتمي إلى بلد يعتبر فيه العمل السينمائي
أمرا محفوفا بالمحاذير والصعاب، وكونها امرأة تنجز، على الرغم من ذلك
الاعتبار، عملها الأول لتقدّم فيه قضية نسائية في وقت ما زالت مسألة قيادة
المرأة للسيارة من عدمها تتردد في الاهتمامات الصحافية المرئية أو
المطبوعة.
إنه وضع مريح الآن. العرض الأول للفيلم «الساعة العاشرة ليلا» لم يكن
حاشدا، لكن عروضا أخرى كثيرة أيضا لم تكن حاشدة. على ذلك، وعلى الرغم من
قيام شركة «بريتي بيكتشرز» بشراء حقوق توزيع الفيلم في فرنسا، فإن رد الفعل
النقدي في الصحف الغربية لم يظهر بعد ليحدد ما إذا كان سيساعد الفيلم في
مهمته الترويجية والتوزيعية أم لا.
بعيدا عن هذا المنحى، فإن «وجدة» كحالة منفردة، يحمل مزيجا من
الإيجابيات والسلبيات بنتيجة نهائية تحمل ذات المزيج. في الأساس، فإن بطلة
«وجدة» (ريم عبد الله) تشبه المخرجة السعودية التي تقدمها هيفاء المنصور في
ناحية واحدة على الأقل؛ إذ تشاهد الفيلم ذا الـ95 دقيقة، يساورك الشعور بأن
المخرجة إنما تتحدث عن نفسها من خلال بطلتها وأحلامها. الدراجة التي تطمح
وجدة لركوبها، هي السينما التي كانت هيفاء المنصور تطمح لتحقيقها. كلتاهما
أنثى تعيش في مجتمع محافظ. كلتاهما تجد تشجيعا محدودا وصدّا كبيرا. كلاهما
تحقق ما تريد في النهاية.
«وجدة» هو الفيلم الروائي الأول للمخرجة الطموحة التي كانت حققت عددا
من الأفلام القصيرة بعضها أفضل من بعض، لكن ليس من بينها ما هو رديء. على
ذلك، تحقيق فيلم روائي طويل هو أمر مختلف. الأفلام القصيرة تستطيع أن
تتخلـى عن شروط الرواية وعناصر القصة، لكن الفيلم الطويل ليس متحررا من
الحاجة (إذا ما كانت الإجادة مطلبا) إلى تلك العناصر، إلا إذا أريد للفيلم
أن يكون طليعيا أو تجريبيا أو منتميا إلى وضع سوريالي. وأول ما يلحظه المرء
هنا هو أن ملكية المخرجة للكتابة (بما في ذلك كتابة الحوار) وصفية، ومن
مصدر واحد يطغى بمواقفه على الجميع. فالأم تتصرّف حسب المنهج المرسوم لها،
والمعلمات حسب المنهج المرسوم لهن. لا مناطق رمادية تثري الشخصيات، ولو أن
ما يفعله الفيلم، ولو تعويضا، هو استخدام هذه المواقف الممنهجة كأنماط
لإيصال رسالة مفادها العالم المحبط والممانع لبطلتها لمجرد أنها تحلم بأن
تشتري دراجة (هوائية) تلعب بها.
تبدأ المخرجة فيلمها بلقطات على أقدام الفتيات المتوجهات إلى المدرسة.
ثم تفتح على نحو عريض لتشمل الصف الذي تدرس فيه وجدة. ثم تتابعها إلى البيت
وتعرفنا بوالدتها الطيبة وبأبيها الذي سترغمه أمه على الزواج من امرأة
أخرى، لأن الأولى (والدة وجدة) لم تنجب له صبيا. الفيلم ينجح هنا ثم في
المفاد الأخير المكون من مشاهد نهائية، في تسليط الضوء مزدوجا على مأزق (أو
سمه أزمة إذا أردت) الفتاة والأم، فكما أن الأولى تمر في عنق زجاجة الوضع
الاجتماعي المحافظ، مرّت الأم به، بل لا تزال، من خلال النظرة المتداولة،
وهي أن على المرأة أن تنجب ولدا ذكرا لزوجها كشرط لاستمرار الحياة الزوجية
من دون ضرّة (ربما).
بعد التمهيد يدخل الفيلم في توليفة من المشاهد المتكررة التي تعيد شرح
وضع الفتاة في المدرسة وموقف المديرة المتجمدة صوبها نتيجة ما تراه خروجا
لها عن التقليد، الذي يجب أن يُتّبع. فهي تطلب منها تغطية شعر رأسها، وتطلب
منها تغيير حذائها (الملون إلى واحد أسود) وتصادر بعض ما كان في حقيبتها من
صور وكتب تصفها بالغرامية (رغم أننا لا نرى وجدة تقرأها). وجدة لديها ابن
عم اسمه عبد الله، ربما يصغرها بسنة أو سنتين، ويصاحبها أحيانا ما بين
المدرسة والبيت؛ المسافة التي تشعر فيها وجدة بأنها حرة لدرجة أنها قد تغير
طريقها إلى البيت، أو تركض الشارع مع ابن عمّها من دون خشية من عواقب أو
محظورات. في أحد الأيام تشاهد الدراجة في محل فتقرر أن تشتريها. لا تملك
بالطبع ثمنها ووالدتها لن تعطيها هذا الثمن، لأنها تعارض أن تقوم ابنتها
بركوب الدراجة، لأن ذلك عيب اجتماعي.
هذا الفصل من الأحداث هو ما يمر باهتا، وهذا القول لا علاقة له بأهمية
المضمون وطرحه، بل بالكيفية التي تصوغ فيها المخرجة حاجاتها من المشاهد،
فإذا بها عامة، لا خصائص فنية لها لا تصويرا ولا توليفا ولا أجواء. إنه كما
لو أنها تعتقد أنها تتوجه لجمهور إذا ما تعبت على مثل تلك العناصر خسرته.
والتطوّر الذي يفاجئنا ليس في أن الفتاة الصغيرة تبدأ بجمع المال بطرق
خاصة، مثل بيع بعض مقتنياتها أو تلقي مبلغ من المال لإيصال رسالة، ثم تلقي
مبلغ مماثل ممن تسلم الرسالة، بل بالتبرير الذي توفره المخرجة لبطلتها
لتفعل جل ما تستطيع. روائيا، ليس لدى هيفاء المنصور طريقة أخرى لتظهر
اضطرار بطلتها لمثل تلك التصرفات كرد فعل للمنع الذي تواجهه حيال قيامها
بشراء دراجة. لكن أن تفعل ذلك بتلك الخفة وبقدر من الخبث وافتعال الحذق
يحوّل عنها صفة الضحية. تلك الابتسامة الماكرة، وهزة الرأس الهازئة، هما
أكثر قليلا مما تحتاجه المخرجة لتبرير أفعال بطلتها.
هناك حكاية جانبية لا تترك إلا القدر المحدود من الأهمية بصريا
ودراميا، على الرغم من أنها تضيف لطروحات الفيلم طرحا مهما آخر، وهو حكاية
العلاقة بين المرأة الممنوع عليها قيادة السيارات، والسائقين الآسيويين
الذين يوظفون هذا الضعف لمعاملة غير لائقة (مثل خروجهم عن اللياقة حين
التعامل مع المرأة ورفع الصوت عليها.. إلخ). هذه المسألة معروضة بنفس
الأسلوب العابر، لأن الهمّ هو عرض وطرح الموضوع، وليس إلحاقه بأسلوب بصري
فاعل.
سيبقى الفيلم عملا مهما لصاحبته، كما سيلقى رد فعل إيجابيا مستندا إلى
أنه أول فيلم سعودي لامرأة، لكن المسألة تبقى عند هذا الحد. لا استغلال
للفرصة لإطلاق فيلم يمكن له، لجانب إثارة القضايا (وهو أسهل الأمور في كل
الفنون)، طرح ما هو فني وإبداعي وتشكيلي في المقابل.
بين الأفلام
* «تكفير»
SHOKUZAI
***
* «تكفير»
* إخراج: كيوشي كوروساوا (اليابان)
* هذا الإنتاج المصنوع للتلفزيون في الأصل، هو الفيلم الأول للمخرج
كيوشي كوروساوا (لا قرابة مع أكيرا) منذ أن قدم فيلمه الجيد «طوكيو سوناتا»
قبل أربع سنوات. حكايات كوروساوا الجديد (هو كاتب المشروع) عميقة ومتشابكة
وتأملية وطويلة، وأسلوبه يأخذ وقته، وهذا كلـه جيد لترسيخ الأفكار
المتداولة حول 4 أصدقاء طفولة يكبرون من دون أن تبارح حادثة اغتصاب وقتل
صديقة لهن مخيلاتهن. يحاولن انتهاج حياة هادئة، لكن ذلك لا يحدث كون والدة
القتيلة كانت عزمت على أن تدفع كل فتاة منهن «كفّارة» عن إخفائها الحقيقة،
فهن شاهدن القاتل وكن يستطعن التعريف به للبوليس. الفيلم المشاهد كونه
تلفزيوني الحلقات يتداول حاضر كل فتاة على حدة، لكنه يربط تاريخهن ومصيرهن
في عقدتين أو ثلاث على طول الخط. الديكور الذي يوظّفه المخرج للأحداث بارد
كبرودة أجواء الفيلم، والتصوير بالـ«ديجيتال» يشعرك بأنك أمام فقر إنتاجي
(رغم أن الأمر ليس كذلك). على الرغم من هذا، فإن محتويات اللقطة (تصوير
أكيكو أشيزاوا) ومسافتها من الموضوع مرسومة بدقة ودائما موحية. إلى ذلك،
ليست كل مراحل الفيلم متساوية.
هذا مفهوم كونه عملا تلفزيونيا قُدّم في حلقات ثم جمعت هنا لتأليف
فيلم واحد. لا يعني ذلك أن متابعة الفيلم، على الرغم من ساعاته الطويلة،
تصبح مرهقة أو مملـة. إذا ما فعلت فإن ذلك قد يعود إلى مشاهد غير معتاد على
هذا النوع من الأعمال. المخرج يتمتع بموهبة إبقاء الاهتمام منصبا على ما لا
تعرضه الكاميرا أيضا ما يضفي ثراء للعمل.
* سنوات الجندول1950
* الأسد الذهبي، في ذلك العام، انتهى إلى يدي المخرج الفرنسي أندريه
كايات عن فيلم «العدالة تمت» حول محاكمة لعدد من القضاة الفرنسيين وأحكامهم
الخاطئة بحق بعض الأبرياء. لكن المرء له حق التساؤل عما إذا كان قضاة لجنة
التحكيم في تلك الدورة، برئاسة المخرج ماريو غرومو، أخطأوا الاختيار نظرا
لأن الأفلام المشتركة كانت، في معظمها، أكثر أهمية، وربما أكثر جودة من
فيلم كايات. فالمخرج الأميركي جون هيوستون عرض فيلمه الرائع «غابة الإسفلت»
في تلك الدورة، وهو الفيلم الذي سريعا ما دخل كلاسيكيات السينما البوليسية
ولا يزال. كذلك الحال بالنسبة لفيلم إيليا كازان «رعب في الشوارع» (رتشارد
ويدمارك في دور طبيب يحاول منع كارثة وباء يحمله مجرم هارب). الإيطالي
روبرتو روسيلليني أنجز «سترومبولي» الذي يُعاد اكتشافه اليوم على أساس أنه
أحد أهم إنجازات المخرج الواقعي المعروف. في حين قدم روبرت روزن «كل رجال
الملك» الذي وإن لم يكن أفضل من تلك المذكورة إلا أنه اقتنص أوسكار أفضل
فيلم وأفضل ممثل (بروديريك كروفورد).
جائزة أفضل ممثل ذهبت إلى سام جوفي عن «غابة الإسفلت» (أداء معقول
لكنه ليس أفضل أداء في الفيلم، وبالتأكيد ليس أفضل من أداء سترلينغ هايدن)
في حين نالت إليانور باركر جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «محبوسة»:
دراما من إخراج جون كرومول.
لقطات
* وقع فيلم الافتتاح «الأصولي المتردد» لا يزال قويا بين الأوساط
العالمية مع نسبة لا بأس بها من النقاد المعجبين بالفيلم. لكن المفارقة هي
أن ناقد مجلة «فاراياتي» الأميركية جوستين تشانغ نشر نقدا سلبيا للفيلم في
الوقت الذي نشرت فيه المجلة دعاياتها الإعلانية عنه. لا تناقض هنا، فقط
مسألة لافتة.
|*| أفلام الأيام الثلاثة الأولى متنوّعة، لكن الزخم الذي يصاحب
العروض لا يزال حذرا. ربما الحق على الأفلام: «رجل الثلج»، وهو فيلم أميركي
مستقل الإنتاج من بطولة كريس إيفانز وجيمس فرانكو أخفق في أن يجد معجبين
كافين. «بأي ثمن» للأميركي الإيراني الأصل رامين بحراني، قسّم الموجودين من
حوله، كذلك فعل الروسي «خيانة» لكيريل سيرينبريكوف. الأكثر نيلا للإعجاب
حتى الآن فيلم ياباني عرض خارج المسابقة بعنوان «تكفير».. المشكلة هو أنه
فيلم مصنوع للتلفزيون.
|*| الجميع يتحدّث عن مهرجان تورونتو، وكثيرون سيشدّون الرحال في
الخامس أو السادس أو السابع من (سبتمبر) أيلول للحاق بالمهرجان الكندي الذي
يعد بالكثير في كل الجبهات. فهو يقع في مدينة كاملة لها مستويات من الثقافة
والترفيه، ومستويات من التكلفة أيضا (النسبة الأكبر من الموجودين هنا تشكو
من الغلاء) والأهم، أكثر من 350 فيلما تعرضه كما لو أن المهرجان هو كتاب
ضخم من الصور. في العام الماضي رأيت أن تورونتو قد يكون المستقبل بين
المهرجانات. هذا العام أقول: «هو المستقبل بين المهرجانات».
الشرق الأوسط في
01/09/2012 |