فيلم الافتتاح الذي تم اختياره للدورة التاسعة والستين من مهرجان
فينيسيا السينمائي الدولي هو أهم بكثير من فيلم الافتتاح الذي اختاره
مهرجان «كان» في الربيع الماضي وهو «مملكة سطوع القمر» وأكثر حضورا من فيلم
افتتاح مهرجان «برلين» في مطلع هذا العام وهو «وداعا ملكتي». فنيا أفضل من
فيلم «وز أندرسن» عن رئيس فريق الكشافة الذي يبحث عن كشاف فار، وبالجهد
ذاته الذي مارسه المخرج بانوا جاكو وهو يحكي عن آخر 3 أيام من حياة الملكة
أنطوانيت.
هذا لأن «الأصولي المتردد» للهندية ميرا نير يتعامل وموضوع آني يعيشه
أهل الأرض جميعا، ولو بنسب متفاوتة وهو عن الإسلام والتطرف والولايات
المتحدة الأميركية.
السؤال الذي تنقله المخرجة نير بأمانة من رواية محسن حامد هو: «أيهما
البادئ في صنع الحقد الدموي العابث اليوم؟ والجواب يأتي خلال ربع الساعة
الأخيرة حينما يقول بطل الفيلم جانغيز (ريز أحمد) لطلاب صف في مدينة لاهور:
«نتحدث عن الحلم الأميركي.. إنه الحلم الوحيد.. تجذبنا أميركا إليه.. لكن
سرعان ما نكرهها بسببه ونكره أنفسنا» وهو يسأل طلابه: «هل هناك حلم
باكستاني لديكم؟». ولا أحد يجيب فالأمثولة هو الحلم الأميركي، والنجاح هو
في تحقيقه وقصة جانغيز في هذا الشأن نموذجية: وصل إلى الولايات المتحدة قبل
2001 وغايته تحقيق ذلك النجاح الكبير، وهو كان لا يزال يعيشه ويعد نفسه
بالمزيد منه عندما اكتشف أن العالم، بعد العام 2001، تغير حياله، وأن
أميركا التي أحب، لا تحبه بالقدر نفسه.
يتبع الفيلم رواية محسن حامد، لكنه يتحرر عنها في الوقت نفسه. ففي
السرد يعمد إلى أسلوب التعليق المصاحب للأحداث. في الرواية يجلس جانغيز
للصحافي الأميركي بوبي يسرد عليه تاريخ حياته ويجد القارئ نفسه قد انتقل
زمانا ومكانا إلى كل ما سبق ذلك اللقاء، إلا في الفترات التي يثير حديث
جانغيز تساؤلات الصحافي أو يتحول إلى مادة نقاش.
في الفيلم هذا يحدث، لناحية أن التعليق المصاحب لا يزال مسموعا، لكن
الثراء الإضافي هو أن المادة المصورة (والمكتوبة بعناية كبيرة من قبل
ويليام ويلر) تتيح لنا ما يجب أن تتيحه السينما من حرية انتقال وحركة ومتعة
مشاهدة الكلمات وقد انقلبت صورا. وعلى عكس كثير من الأفلام لا يأتي التعليق
فرضا واجبا، فإذا به يعيق ما قد تأتي به الصورة، بل ينسحب سريعا تاركا لها
الدور الأول للتعبير عما يجول أو يحدث.
جانغيز آت من عائلة برجوازية مسلمة في باكستان لكنها مشرفة على
الإفلاس. وبعد تخرجه في الولايات المتحدة، التي درس فيها بمنحة، يلبي
المواصفات التي يبحث عنها جيم (كيفر سذرلاند) وهو المدير العام لشركة أسمها
«أندروود» ويفوز بالوظيفة، إذ يجد فيها جيم ما يبحث عنه «الجوع». عمل
المؤسسة هو تصفية الشركات الضعيفة لأجل تقويضها وإعادة بيعها. في ذلك
يستخدم جيم، وكما يرد في الكتاب، كلمة «أصولية» ولو بغير معنى من ذلك
المستخدم دينيا، فهو، كما يقول، يبحث عن العناصر «الأصولية» في تلك الشركة
ليستنفذها ويهيمن عليها. والكلمة مستخدمة لوظيفة، فعناصر الأصولية تتألف
لاحقا في ذات جانغيز، ثم هي ذاتها تمنعه من الالتحاق بالجهاديين حين يذكرها
المتحدث باسمهم وهو يطلب منه الانتماء.
في ظرف أشهر قليلة ينال جانغيز ثقة جيم ويربح حب المصورة التي التقى
بها صدفة إريكا (كايت هدسون) ويبدأ بالسفر مع جيم وأبرز كيانات المؤسسة إلى
دول غير أميركية لممارسة عمليات الهيمنة الاقتصادية ذاتها.
خلال ذلك، وقبل عودته إلى الولايات المتحدة من زيارة إلى الفلبين، تقع
كارثة 2001 وتقترب الكاميرا من وجه جانغيز فإذا بمزيج من الغبطة والرهبة
يعلو وجهة. هنا ينتقل الفيلم مجددا إلى جانغيز، وهو يتحدث إلى الصحافي
بوبي: «لا تعتقد أنني كنت سعيدا لسقوط 3000 ضحية بريئة كما لا أعتقد أنك
كنت سعيدا لسقوط مائة ألف ضحية في العراق».
حال عودة جانغيز إلى الولايات المتحدة يتم سحبه من بين أترابه في
الشركة وتعريضه لتفتيش عام يشمل مؤخرته. لقطة قريبة وجانبية على وجه جانغيز
وهو ينفعل حيال ما يحدث إليه. وهنا تسجل المخرجة أول بوادر التحول الجذري
الذي سيعيشه بطلها. في مرة ثانية يتم إيقاف جانغيز على رصيف مدينة نيويورك
حيث يعمل ويعيش وذلك عن طريق الخطأ (مواطن اتصل بالشرطة لأن هنديا أو
باكستانيا كان يثير الشغب في الشارع واعتقد البوليس أن جانغيز هو المقصود.
هنا يدخل عليه اثنان من المخابرات الأميركية ويسألانه كل تلك الأسئلة التي
هو بريء منها قبل إطلاقه. يواصل جانغيز عمله كما لو أنه ما زال بمنأى عما
بات يشعر به من إحباط، لكنه وخلال رحلة عمل إلى تركيا يقرر الاستقالة
والعودة إلى باكستان).
المحادثة التي تتم بينه وبين بوبي تكشف عن أمور أخرى، فبوبي (ليف
شرايدر) يتعاون مع المخابرات الأميركية ووجوده في ذلك المطعم الشعبي مرصود
عبر شبكة اتصالات مصورة، وفي أذنه جهاز تنصت صغير. وفي مطلع الفيلم نشهد
خطف أميركي من قبل مجهولين يعلم جانغيز ماهيتهم ولو أنه لا يعرفهم بالتأكيد
وما يحاول الصحافي فعله هو استدراج جانغيز للبوح بمكانه. هذا الخط هو الذي
يمنح الفيلم التوتر المفترض به ويشكل في الوقت ذاته، الخيط القصصي الموازي.
فالمسألة ليست كناية عن رجل يستعيد ماضيه في مقابلة صحافية، بل عن رجل
يستعيد ماضيه في مقابلة صحافية ملغومة وبينما هناك أحداثا أخرى تقع في
الزمن الحاضر.
فيلم «ميرا نير» يرتقي بينما هو يُعرض، إذ يبدأ بما يوحي بأن الفيلم
سيكون تنميطا لحكاية أخرى تسير على خط نحيف لا يريد إدانة طرف ضد آخر.
وهناك سبب لذلك: البداية على ضرب طبول وغناء موشحات تغطي على حدوث عملية
الخطف المذكورة. هذا يخبر من شاهد ما يكفي من الأفلام أن رغبة المخرجة في
استنزاف الفولكلور الثقافي والاجتماعي (الموسيقى، الغناء، الوجوه، الجموع)
بدأ مع اللقطة الأولى، ومن الممكن أن يستمر طويلا. لكن نير تدرك، من حسن
الحظ، أن الموضوع هو أهم من أن تلعب به لعبة ذات مصلحة. تنفصل عن موحيات
تلك البداية سريعا، وتسبر غور ما يدور منتقلة بالتدريج من تمهيدات بلا
خصائص فنية إلى ولوج الموضوع بمحاذيره. ذلك الخيط الرفيع الذي يجب أن تمشي
عليه دون أن تسقط في أي من جانبيه لا يزال أمامها، لكنه لم يعد حياديا كما
بدأ. فالجيد هنا هو أن الفيلم لا يسعى لإرضاء أطراف، بل لسبر التراجيديا
الكامنة في وضع شاب انتقل من حب مفعم للنجاح، إلى العودة إلى شرنقته
البيئية وثقافته الأولى، بعدما اكتشف أنه لم يعد مرغوبا فيه حتى وإن تصرف
كما يرغبه الغرب أن يتصرف.
مع نهاية الفيلم (حينما تقع مفاجأة ختامية تضع الصحافي في مأزق
أخلاقي) يصبح واضحا أن المشاهد لا يستطيع البقاء حياديا. بل هو آيل إلى
قبول موقف الفيلم، الذي يوحي بأن الولايات المتحدة مسؤولة عما يحدث لها كما
أن التطرف مسؤول عما يحدث له، أو رفضه وذلك يعني الوقوف مع التطرف أو مع
الولايات المتحدة وأسلوبها في المواجهة. لكن حب نير للفولكلورية يعاود
الإطلاق برأسه ولو مرات قليلة. إنها تستخدم الغناء بالأوردية كلما اعتقدت
أن المشهد عليه أن يصل إلى ذروة انفعال عاطفي كبير (كما الحال حين يغادر
جانغيز تركيا بعد تقديم استقالته، أو ذلك الذي يليه بعد زيارة صديقته إريكا
الأخيرة له). بذلك تعود إلى ثقافتها التعبيرية الخاصة. تلك الهندية
المتأصلة في الأفلام المختلفة: توظيف الغناء خلفية للحدث من أجل تعميق
الاستقبال العاطفي لدى المشاهدين - مع اختلاف لا يعمل لصالحها هنا وهو أنها
تتعامل مع جمهور معظمه غربي يكفيه رصد المشهد من دون تلك الخلفية.
إلى ذلك، وأحد هنات الفيلم الأسلوبية، هو أن الكاميرا (غالبا) تستوحي
من مضمون اللقطة حركتها، فهي تتحرك محمولة ومنتقلة إذا ما كان هناك لغط في
المشهد المصور، وثابتة حين يخلو المشهد من تلك الحركة. هذا يخلق تفاوتا
مستمرا وفجوة، ولو أن التصوير ذاته (قام به دكلان كوين) بارع وجيد.
كذلك كان جيدا الممثل ريز أحمد الذي يكاد يخلو الفيلم من مشهد لا وجود
له فيه. هو المحور والفيلم، هو تقديم لطاقة قد لا تبقى بعد اليوم بمنأى عن
سعي هوليوود للاستعانة به، وهو كان قد ظهر في فيلم آخر من تمويل «مؤسسة
الدوحة للفيلم» وهو «الذهب الأسود» لكنه هنا يتولى البطولة منفردا.
* حسابات «الدوحة»
* فيلم الافتتاح لميرا نير هو من تمويل «مؤسسة الدوحة للفيلم» التي تم
تأسيسها قبل سنوات قليلة. خلال هذه السنوات أقدمت على تمويل أو المشاركة في
تمويل مجموعة لا بأس بها من أفلام بينها، عربيا، «وهلق لوين؟» لنادين لبكي،
و، أجنبيا، «ذهب أسود» للفرنسي جان جاك أرنو.
«ذهب أسود» مثل «الأصولي المتردد» يحمل اسم التونسي طارق بن عمار
منتجا. ما يعنيه ذلك هو أنه استلم مهام الإنتاج وتنفيذه لكن التمويل (في
غالبه على الأقل) جاء من مؤسسة الدوحة السينمائية.
«ذهب أسود» لم يكن فيلما رديئا، كما وصفه عدد كبير من المعنيين، لكنه
كان أقل علما بالكيفية التي عليه أن يسبرها لتقديم فيلم يريد إظهار خصال
الإسلام والعرب على نحو صحيح. كانت الرغبة هو تقديم هذا الوجه جيدا، لكن
السيناريو (وضعه المخرج وألان غودار ومينو ماييس عن رواية لهانز رويش) لم
ينجح في صياغة لقاء متين بين المضمون والشكل. بقي الفيلم مغامرة في بلاد
العرب أكثر منه إعادة رصف لحقيقة تلك البلاد. صراع بين القبائل أكثر مما هو
رغبة في ردم تواصل مفقود بين الشرق والغرب. وفي نهاية المطاف غرقت السفينة
بما حملته من دون أن يتمتع بكثير من النجاح لا نقديا ولا جماهيريا. لكن
المستقبل المرصوف هنا مختلف. ميرا ترصد بعناية أوجاع الحاضر السياسي. تدرك
تماما أين يقف الإسلام الصحيح ومخاطر الإسلام المتطرف وكيف يعجز الغرب عن
التفرقة بينهما، وهو يمارس سياسة واحدة حيال كلاهما تقوم على مبدأ: اقتل
أولا ثم اسأل ثانيا.
هذا في عرف الفيلم الذي، ومن وجهة نظر إنتاجية محضة، لديه فرصة للوثوب
إلى عرين الأشهر الثلاثة المقبلة توزيعا وعروضا، بل يقف واحدا من أكثر
الأفلام الحديثة مثل احتمالات دخول مسابقات الموسم السينمائية بما فيها
مسابقة الأوسكار.
الشرق الأوسط في
30/08/2012
يوميات مهرجان فينيسيا
السينمائي الدولي (1)
شمس المهرجانات تغيب لتشرق في سماء الإنترنت
فينيسيا: محمد رُضا
قبل وفاته سنة 2008، أدلى المخرج يوسف شاهين بحديث لاحظ فيه أن كل شيء
بات هينا بالنسبة للمخرجين الجدد.. قال: «أول مرة جئت فيها إلى مهرجان
فينيسيا حملت فيلمي تحت إبطي من مصر إلى البندقية وأخذت أعرضه بنفسي، وفي
بالي أنه إذا لم يختره المهرجان للعرض رسميا، فسأقوم بتنظيم عرض له بنفسي».
ترى ما الذي سيقوله اليوم لو عاش ليرى المهرجان الفني الكبير، الذي
ينطلق اليوم في دورته التاسعة والستين ويستمر حتى 8 (سبتمبر) أيلول المقبل،
وهو يعلن أنه صار بإمكان السينمائيين العمل مع المهرجان من راحة بيوتهم
وعلى شاشات الكومبيوتر الخاصة بهم خلال أيام المهرجان ذاتها. إذا كنت موزعا
أو منتجا وغير قادر على أن تحضر الدورة.. لا بأس.. تشترك مع واحدة من
الشركات التي اختارها المهرجان، فتدفع مبلغا مقطوعا من المال وتشاهد ما
يختاره المهرجان للبث على موقع تلك الشركة. لن يكون بالمقدور مشاهدة كل
شيء، لكن بعضه أفضل من لا شيء بالنسبة لموزع مستقل أو جديد ربما لا يتمكن
من حضور المهرجان المكلف، أو ربما كان مشغولا بالتحضير لمهرجان آخر يقام في
الوقت ذاته مثل سان سابستيان الإسباني أو تورونتو في كندا.
الخدمة ليست محصورة بالموزعين، بل لمنتجين يريدون اكتشاف مواهب جديدة
أو مبرمجي مهرجانات أخرى أو حتى مخرجين سينمائيين يريدون مشاهدة التجارب
المختلفة. لكن بصرف النظر عن الفئة، فإن الخطوة تتيح لكل هؤلاء حضور ولو
جزء من المهرجان من دون السفر إليه.
طبعا، الغاية هي خلق وسيلة لسوق سينمائية متطورة قد تؤثر على، إن لم
تلغ، الحاجة إلى الأسواق السينمائية في المهرجانات التي تتعامل مع هذه
النظم الدارجة. المفارقة هي أن مهرجان فينيسيا الوحيد بين الأربعة الكبيرة
( إضافة إلى برلين – كان - تورونتو) الذي ليس لديه سوق سينمائية (مع العلم
بأن سوق تورونتو لا تقام بوصفها سوقا رسمية كحال ما يحدث في برلين وكان).
وعدم وجود سوق لمهرجان فينيسيا كان دائما سببا من أسباب اعتزاز هواة
السينما الجادة بهذا المهرجان الإيطالي على أساس أنه فصل بين التجارة
والفن؛ فاستبعد الأولى والتزم بالثاني.
صحيح أنه، ومنذ الثمانينات حين عاد بعد توقف، كان دائما ما يتيح
المجال لشركات توزيع ولمنتجين وبائعي أفلام الحضور، لكنه لم ينظم لهم صرحا
أو يضعهم في مبنى منفصل أو يؤسس لهم برنامجا خاصا. ما حدث في السنوات
الأخيرة، أيام رئاسة ماركو مولر (الذي بات الآن مدير مهرجان روما) هو أن
النية لاستحداث سوق سينمائية أدت إلى البدء بحفريات لتأسيس مبنى جديد. في
عام 2010 تم توفير الخرائط للذين حضروا دورة تلك السنة وفي العام ذاته بدأ
الحفر والتأسيس. في العام الماضي توقف العمل وأحيط ما تم حفره بسياج محكم
حتى لا يرى العابرون ما تم حفره. وتعددت الروايات. فريق قال إن أسباب
التوقف مادية، وفريق قال إن الحفر أدى إلى خلافات قانونية بين فرقاء كثيرين
بسبب بعض الآثار التي تم اكتشافها. إذا كان ذلك صحيحا، فإن تلك الآثار إما
ما زالت مطمورة أو تم طمرها من جديد.. لأن مشروع إقامة سوق فعلية اندثر
بالتأكيد.
ما لم يندثر هي الفكرة! فعوضا عن تأسيس مبنى أو جزء منه ليكون سوقا
تنتشر في أروقته وغرفه شركات الأفلام لكي تعرض وتبيع، قرر المهرجان، تحت
إدارة ألبرتو باربيرا، الاستعانة بفضاء الإنترنت ليشيد جزءا تمهيديا لهذه
السوق.
إنها بداية مرحلة جديدة بالنسبة للمهرجان العريق، لكن يجب أن نعلم أنه
ليس المهرجان الدولي الأول الذي عمد إلى هذه الطريقة.
قبل ثلاثة أعوام قام مهرجان روتردام الدولي (في هولندا) بعرض مجموعة
من أفلامه باتفاق مع مؤسسة «يوتيوب». حينها صرح مديره الفني روتغر وولفسون
بأن المهرجان يساعد الأفلام على الانتشار بين الجماهير. ومعه حق في مبدأ
هذا الادعاء؛ إذ قيل إن عدد مشاهدي بعض أفلام تلك الدورة بلغ تسعة ملايين
فرد، لكن ما إذا كان جمهور الإنترنت هو البديل الفعال الجيد لجمهور
السينما، أو إذا ما كان من واجب المهرجانات الإسهام في تشتيت نظام العروض
السينمائية وتفتيته، فهذا أمر آخر.
في عام 2010 بدأ مهرجان ترايبيكا السينمائي في نيويورك بعرض عدد من
الأفلام على الإنترنت بالإضافة إلى بث النشاطات والحفلات التي يقيمها
المهرجان خلال فترة إقامته. مديره جيف غيلمور لم يبتعد عن منطق وولفسون؛ إذ
قال: «نهدف إلى جعل كل الأميركيين شركاء في معايشة المهرجان وليس فقط
حاضريه». للأسف، لم يُسجل أن أحدا تساءل عما إذا كان ذلك الهدف نبيلا كما
يبدو من الظاهر أم معولا هداما قد يقضي على فكرة المهرجان بأسره.
والواقع أن هناك وجهة نظر مؤيدة لما تقوم به المهرجانات من زاوية أنه
ما دام المهرجان يبث أفلامه للمحترفين، فإن يساعد مخرجي السينما على توزيع
أفلامهم، لكن حيال هذا الواقع هناك مشكلتان: الأولى أن الحال ليست هكذا
دائما؛ فمهرجانا روتردام وترايبيكا سعيا لتوسيع رقعة المشاهدة لتضم الجمهور
الواسع، والثانية، أن المحترفين الفعليين في صناعة الفيلم وتسويقه سيجدون
أن من الصعوبة بمكان بيع أفلامهم بعد توسيع رقعتها على هذا النحو.
فينيسيا لن يكون آخر المهرجانات التي ستعمد إلى هذا الأسلوب، بل ستشهد
الدورة الجديدة من مهرجان تورونتو محاولته إنشاء شبكة خاصة به يعرض من
خلالها أفلامه. والحال أنه مثل أشياء كثيرة في حياتنا، تبدو المسألة تقليدا
لا يحب أحد الخروج عنه أو البقاء خارج حلقته.
* «الأصولي المتردد» يفتتح «فينيسيا»
* يقدم مخرجته ميرا نير طموحة من دون حدود
* فيلم الافتتاح الرسمي هذا اليوم من نصيب المخرجة الهندية ميرا نير.
مخرجة «سلام بومباي» 1988 و«عرس مونسون» (2001) من بين أفلام أخرى. تعود
المخرجة الهندية إلى صرح المهرجانات الدولية بفيلم جديد (وربما كان مختلفا
عما قدمته من قبل) بعنوان «الأصولي المتردد» مقتبس عن رواية الكاتب
الباكستاني محسن حميد التي تمت ترجمتها العام الماضي إلى 25 لغة. بطله شخص
باكستاني الأصل، يعمل لحساب مؤسسة أميركية كبيرة تقوم على تقويض دعائم
مؤسسات تجارية صغيرة لشرائها بأرخص الأسعار وتصفيتها لحساب شركات أخرى.
بطل الرواية يستمد من تاريخه الشخصي حين يلحظ التشابه بين وضعه الخاص
ووضع عمله، فهو آت من أصل عرقي وديني ضعيف كان لا بد له (أي لذلك العرق) من
الانخراط في النظام الأميركي الأكبر والأشمل تماما كحال تلك الشركات
الصغيرة والضعيفة التي تهيمن عليها المؤسسة التي يعمل لديها لكي تستولي
عليها. ولا تنتهي المقارنة عند هذا الحد. الرواية مكتوبة بلغة التعليق وعلى
لسان بطلها ذاك، وتقوم على مواجهة بينه وبين أميركي كان التقى به في
باكستان. المحور هو حياة شانغيز بعد تركه الولايات المتحدة والعودة إلى
باكستان. هنا أخذ يجد نفسه منسحبا تدريجيا إلى ثقافة تركها وراءه حين عاش
في الولايات المتحدة. ثقافة دينية محافظة قد تدعوه إلى التطرف الذي لا
يتمناه (ما يفسر العنوان) لكن ما يراه مسببا له هو الهيمنة الأميركية على
العالم وغرقها في التحول إلى مثيل للشركة التي كان يعمل لها.
إنه موضوع سياسي بالكامل يتعامل ويتساءل الكاتب وبطله كما القارئ حول
ما يتعلق بكل ما نتج من بعد 2001 من تفاعلات وحروب. ما هو غير معروف،
والفيلم لم يعرض بعد، كيف تناولت نير الموضوع. ماذا نقلت وماذا أهملت، لكن
المؤكد هو أن الحكاية التي سنراها (والتي يقوم ببطولتها ريز أحمد وكايت
هدسون وكيفر سذرلاند وليف شرايبر) تم تصويرها بوصفها دراما تشويقية وفي
مواقع متعددة، فهي تنطلق من نيويورك (حي وول ستريت) وتنتقل إلى لاهور
وإسطنبول وبين مدن أخرى.
المؤكد الآخر هو أنه أكثر أفلام نير طموحا.
والطموح هو وقودها منذ البداية، فهي بدأت حياتها مخرجة تسجيلية في
الهند، ثم عمدت إلى الفيلم الروائي عبر «سلام بومباي» الذي أخرجته وعينها
على السوق الدولية. حين التقيتها قبل سنوات قليلة تحدثت عن رغبتها آنذاك
فقالت: «كنت دائما ما أرفض الحدود. وكنت أريد إخراج أفلام لها طابعي
الثقافي الهندي وأسلوبي الفني، لكني كنت أريد لها أن تكون عالمية».
لم يتوقف ذلك الطموح وصاحبها فيلم وراء آخر. من «سلام بومباي» إلى
«ميسيسيبي ماسالا» ومنه إلى «كاما سوترا» ثم «عرس مانسون» وبعده انتكست
مشاريعها بتحقيق فيلم لم يترك أثرا كبيرا هو «ذو الاسم نفسه»
Namesake سنة 2006 قبل أن تتبعه سنة 2009 بفيلم حمل طموحا جديدا يشبه طموح
بطلته هو «أميليا». في ذلك الفيلم أدت هيلاري سوانك دور إميليا إرهارت التي
كانت أول امرأة أميركية تتحول إلى قائدة طيران. إميليا ربما أقلعت في
طائرتها، لكن نير لم تستطع الإقلاع في ذلك الفيلم.
ما حدث، رغم ذلك، أنها تعرفت على أماندا بالمر التي كانت رئيسة مهرجان
الدوحة السينمائي، وعبرها تقدمت إلى «مؤسسة الدوحة للأفلام» بمشروعها
الجديد هذا وفازت بالتمويل المطلوب له.
هذه هي المرة الخامسة التي تعرض نير فيلما لها في فينيسيا وكانت فازت
بـ«الأسد الذهبي» حين شاركت بـ
Monsoon Wedding
* ابن هيتشكوك برايان دي بالما يستلهم فيلما فرنسيا مع ناوومي راباس
وراتشل ماك آدامز
* ناوومي راباس لا تستطيع أن تغفر لرئيستها في العمل راتشل ماك آدامز
أنها سرقت منها فكرتها وصاغتها بكلماتها وبعلاقاتها وحققت من ورائها مزيدا
من النجاح الإداري. لذلك ستضع خطة للانتقام تحتوي على جريمة قتل في خضم
أحداث متشابكة تحتوى، إلى جانب الجريمة، بعض المشاهد الساخنة عاطفيا
بينهما.
الفيلم هو «عاطفة»
Passion
والمخرج هو الأميركي برايان دي بالما، لكن الأصل فرنسي؛ إذ كان المخرج
الفرنسي الراحل ألان كورنيو كتبه وحققه فيلما سنة 2010 قبل وفاته بأشهر
قليلة تحت عنوان «جريمة حب». في النسخة الفرنسية، جريمة قتل خططت لها موظفة
مرموقة في شركة هندسية كبيرة (لودفين سانييه إحدى أهم الممثلات الجديدات في
السينما الفرنسية وظهرت مؤخرا في «الفتاة مقطوعة لاثنين» و«بيتوش») للتخلص
من رئيستها التي دأبت على مضايقتها. تؤدي دور الرئيسة البريطانية التي تجيد
الفرنسية كالفرنسيين تماما كريستين سكوت توماس. سيدفع السيناريو، الذي كتبه
كورنيو مع نتالي كارتر، باتجاه علاقة بين عشيق كريستين ولودفين تقع بعد
الدوام وبعيدا عن ناظري الرئيسة التي حين تدرك وجود العلاقة تتغير تماما
لناحية لودفين. وهناك مشهدان ذوا دلالة: الأول حين تكتشف كريستين أن
اتصالات لودفين مع زبائن أميركيين قطعت شوطا كبيرا، فتتصرف في الاجتماع
الذي ضمها ولودفين ومندوبين أميركيين كما لو كانت تشرف على المشروع، لكن ما
إن ينصرفا حتى تبادر لنهر لودفين متسائلة عن السبب في إقدام هذه على العمل
من ورائها. المشهد الثاني حين تلتقط كاميرا الأمن لودفين وهي تغادر العمل
منفعلة فتصطدم سيارتها بعمود. كريستين تستغل الموقف لتثير سخرية موظفي
المكتب. كل هذا لا يمضي بعيدا عن مراقبة موظف يعمل مباشرة تحت لودفين
(باتريك ميل) الذي يتابع أيضا سلسلة تحولات تظهر على السطح بالنسبة لتصرفات
لودفين. لكنها تصرفات وهمية مقصودة ناتجة عن قرار لودفين تنفيذ الجريمة
الكاملة وقتل كريستين والتربع مكانها والتمتع بعشيقها؛ ولو أن الأمور لا
تسير تماما على هذا النحو حينما يفاجئها مساعدها في اللقطة ما قبل الأخيرة
بمعرفته خطتها تلك التي قضت بدخول لودفين السجن على أساس أنها قاتلة قبل أن
توظف الظروف للبرهنة على أنها كانت في مكان آخر وقت حدوث الجريمة، دافعة
البوليس للارتياب بالعشيق.
الشرق الأوسط في
29/08/2012
اليوم افتتاح مهرجان فينيسيا السينمائي الـ69
مشاركة عربية وإسرائيلية كبيرة
أمير العمري- فينيسيا
تفتتح مساء اليوم (الأربعاء 29 أغسطس) على شاطيء الليدو
الدورة التاسعة والستون من مهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي الدولي
التي تحتفل هذا العام بمرور ثمانين عاما على تأسيس المهرجان.
وتتواصل عروض وفعاليات الدورة حتى الثامن من سبتمبر حينما
تعلن نتائج المسابقات، وأهمها جائزة الأسد الذهبي لأحسن فيلم والتي تنص
لائحة المهرجان على عدم الجمع بينها وبين جوائز التمثيل والإخراج عن نفس
الفيلم.
وكان المهرجان قد توقف 11 سنة غير متصلة، تارة بسبب الحرب
العالمية الثانية، وتارة أخرى بسبب الاضرابات والاضطرابات العمالية
والسياسية التي شهدتها ايطاليا في السبعينيات.
يتوقع أن تتميز الدورة الجديدة بسبب تدقيق المدير الجديد
العائد إلى المهرجان ألبرتو بابيرا، في اختيار الأفلام، وتقسيم البرنامج بل
وفي تأسيس سوق صغيرة لتبادل وشراء الأفلام للمرة الأولى.
فيلم الافتتاح هو فيلم "الأصولي المتردد"
The
Reluctant Fundamentalist
للمخرجة الهندية الأصل ميرا ناير (التي اشتهرت بفيلم سلام بومباي).
وكان باربيرا قد تولى إدارة المهرجان في الفترة من 1999 الى
2002 قبل أن يتولى ادارته ماركو موللر الذي استمر في منصبه لثماني سنوات
وترك فينيسيا لكي يصبح مديرا لمهرجان روما السينمائي في محاولة لانقاذ
مهرجان العاصمة الذي فشل منذ تأسيسه في منافسة أعرق مهرجانات الأرض
السينمائي، فينيسيا- البندقية.
مسابقة المهرجان تشهد عرض 18 فيلما روائيا طويلا من بينها
فيلم إسرائيلي ينافس على الجوائز هو فيلم "املأ الفراغ" اخراج راما
بيرشتاين.
وبالاضافة الى فيلم المسابقة من إسرائيل هناك فيلمان للمخرج
الاسرائيلي آموس جيتاي هما :كارمل" الذي سيعرض في قسم "آفاق"، وفيلم "أغنية
قبل النوم لوالدي" الذي يعرض خارج المسابقة.
وهناك أيضا من إسرائيل فيلم "الرجل الذي يقطع الماء"
The Cutoff Manوهو
من اخراج إيدان هوبيل وسيعرض أيضا في قسم "آفاق".
اما في تظاهرة "أيام فينيسيا"- وهي تظاهرة موازية للمهرجان،
فسيعرض بها الفيلم الإسرائيلي "مقدمة: خيوتا وبيرل" للمخرج عمير مانور.
وهناك فيلم إسرائيلي- فرنسي- فلسطيني ايضا هو فيلم "ماء"
الذي سيعرض في افتتاح قسم "أسبوع النقاد" الذي ينظمه اتحاد نقاد السينما في
ايطاليا. وهو من إخراج ثلاثة سينمائيين هم الاسرائيليان نير سار ومايا
سرفاتي والفلسطيني محمد فؤاد. والفيلم من إنتاج جامعة تل أبيب ضمن مشروع
لتشجيع الطلاب على الاهتمام بالتعبير من خلال السينما.
بهذا يبلغ عدد الأفلام الإسرائيلية في المهرجان بكل اقسامه
ستة افلام.
اما الأفلام القادمة من العالم العربي أو من إخراج مخرجين
عرب، فيبلغ عددها أيضا ستة أفلام.
أول هذه الأفلام الفيلم المصري "الشتا اللي فات" للمخرج
ابراهيم البطوط (صاحب عين شمس والحاوي) من بطولة وانتاج الممثل عمرو واكد.
وهو أحد الأفلام المستقلة التي تدور حول موضوع الثورة المصرية وتناقضاتها.
وهناك الفيلم التونسي التسجيلي الطويل لهند بوجمعة بعنوان
"كانت أفضل غدا"، وهو أيضا من الأفلام التي تصور أحداث الثورة التونسية من
وجهة نظر فتاة، وسيعرض في قسم "العروض الخاصة" خارج المسابقة.
ومن اخراج الممثلة الفلسطينية هيام عباس، ومن الإنتاج
الفرنسي الإسرائيلي الفلسطيني، يأتي فيلم "الميراث"
Inheritanceالذي
تدور أحداثه في قرية فلسطينية في شمال إسرائيل، حيث يتصارع مجموعة من
الأبناء حول الميراث بينما يرقد والدهم على فراش الموت، في حين تدور قصة حب
في الخلفية، بين فتاة من العائلة وشاب مسيحي. وسيعرض الفيلم في تظاهرة
"أيام فينيسيا".
ومن الجزائر يأتي فيلم "يامة" للمخرجة جميلة صحراوي التي
سبق أن قدمت فيلمها المدهش "بركات" (2006). ويتناول الفيلم الذي سيعرض ضمن
قسم "آفاق" ويروي الفيلمقصة صمود أم بعد أن مقتل ابنها على يدي شقيقه الذي
يتزعم جماعة إسلامية متطرفة في إحدى قرى الجزائر. وشأن معظم ما يمثل
الجزائر من أفلام فالفيلم من الإنتاج المشترك مع فرنسا.
أخيرا هناك أول فيلم روائي طويل لمخرجة سعودية هي هيفاء
المنصور التي ستقدم فيلمها الجديد (من الإنتاج الألماني) "وجدة" في قسم
"آفاق" أيضا.
عين على السينما في
29/08/2012
|