كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

الفيلم الفائز بجائزة أفضل سيناريو في «كان»

«شعر».. حياة كاملة لكتابة قصيدة

زياد عبدالله – دبي

مهرجان كان السينمائي الدولي الثالث والستون

   
 
 
 
 

تلك المرأة المتأنقة ستقودها قدماها إلى الشعر، والعالم برمته ضد الشعر، كل ما يقع في هذا العالم يناهضه، يقف ضده، ضد جماله، وحياة تلك المرأة تمضي بخطى وئيدة لئلا تفارق القصائد، لكنها سرعان ما تمسي سريعة جارفة وهي مصّرة على التمسك بالشعر وقد وصلت إلى خريف العمر، لا بل شتاءه، هي الدافئة بينما البرد يحاصرها من كل حدب وصوب.

حياة كاملة، حياتها هي بالذات تعاند الشعر أيضاً وهي تبحث عن ما يلهمها كتابة قصيدة واحدة، تكون على قدر جمال ما تقع عليه ببصرها، وهي تشيح بوجهها عن قباحة تأتيها من الآخرين.

فيلم المخرج الكوري لي شانغ دونغ Poetry «شِعر» يمضي في هذا الاتجاه، إنه تحية كبرى للشعر الذي أمسى ترفاً وهو يغيب يومياً عن حياة البشر، وهم منهمكون في حيواتهم ومشاغلها التافهة، وعلى حراك وتنازع دائم على لا شيء، لا بل إن دونغ يتساءل: لماذا أحس بذلك حيال الشعر؟ الأمر نفسه قد يصلح بالنسبة للسينما، لكن مازال هناك من يكتب الشعر ويعشقه ويقدسه، كما هو الحال بالنسبة للسينما، وهو أي دونغ يصنع أفلامه بشغف من يكتب قصيدة.

نقطة ارتكاز

الفيلم نال جائزة أفضل سيناريو في «كان»، وهو لكاتبه المخرج نفسه لي شانغ دونغ، وللأمانة كنت أفكر طيلة مشاهدة الفيلم في أن على جائزة ما أن تطاله، ولم يتبادر إلى ذهني أنه السيناريو، رغم أنه ما من شيء إلاه قد يكون نقطة ارتكاز الفيلم الرئيسة، مع ميلي أيضاً إلى اعتبار أداء يون جانغ، وهي التي قدمت شخصية يانغ ميجا، شيئاً يسترعي الانتباه والتوقف، لكن وبالمقارنة مع الأفلام الأخرى في مسابقة هذا العام في «كان» فإننا ودائماً كنا نقف حيال أداء ممثل، طالما أن تمحور الأفلام في الغالب كان حول شخصية رئيسة، وليكون السيناريو في الفيلم بناء قادماً مما يطمح إلى تقديمه، فنحن حيال ميجا، المرأة الستينية التي مازالت تعيش حياتها بكل ما تملكه من شغف بها، وهي مصرة أيضاً على أن تكون بكامل أناقتها الكلاسيكية إن صح الوصف، إنها في ثياب الحفلات الراقصة في خمسينات القرن الماضي، الورود لا تفارقها، القبعة، وكامل العتاد والعدة التي تجعلها سيدة من عصر مضى ولن يعود، وهي في الوقت نفسه امرأة متوسطة الحال أقرب إلى الفقر، تعيش من خدمتها رجلاً مقعداً، وتعتني في الوقت نفسه بحفيدها.

منعطف رئيس

المنعطف الرئيس الذي يحدث في حياتها يتمثل بحدثين مفترقين، الأول يتمثل بإقدام حفيدها برفقة رفاقه في المدرسة على التسبب في موت فتاة معهم بالمدرسة بعد الاعتداء عليها، والتي يعثر عليها مرمية في النهر، وإلى جانب ذلك تصادف وهي عائدة إلى بيتها إعلاناً عن دورة لتعلم كتابة الشعر فتسجل فيها، وبين قسوة الحدث الأول ورقة الثاني تمضي أيامها، وعلى هدي إصرارها على كتابة القصائد وهي تحمل دفتراً صغيراً تدون عليه خواطرها وملاحظتها، ومشكلة حفيدها، ستكتشف أيضاً أنها مصابة بالزهايمر، لا بل عند ذهابها لدى أم الفتاة المتوفاة لتفاوضها بخصوص قبولها تعويضاً عن ما ألم بابنتها، تنسى تماماً ما جاءت لأجله، تحدثها في كل شيء إلا بخصوص ما جاءت من أجله، وقد كانت كل الآمال معلقة عليها من قبل أولياء أمور الأولاد الذين شاركوا حفيدها الجريمة.

قصائد تسمعها وهي تواظب على حضور الأمسيات الشعرية، محاولات مستميتة منها لتكتب قصيدة حقيقية، وما قد يطال حفيدها يمضي معها أينما ذهبت، وفي مسعى منها لتدبير مبلغ للمشاركة في تعويض يدفع لأم الفتاة الضحية، لا تجد إلا الاستجابة لنزوات الرجل العجوز الذي تعتني به، وهو كل ما يسألها إياه أن تفرغ ما يعتمل في داخله من شهوات.

حياة شعرية

حياة تريدها شعرية في كل شيء، بدءاً من مظهرها وسلوكها والقصائد التي تحلم بكتابتها، وإلى جانبها واقع متوحش من صنيع الآخرين، لكن إصرارها على الشعر، سيكون إصراراً على الحياة كما تراها، كما تطمح إليها، ونحن نراها حين تحاصرها الهموم في ناد تغني وحيدة، ولتتفق مع قصيدة تسمعها من بين قصائد كثيرة تقرأ في الفيلم، بأن «كتابة الشعر فعل تذكر ليدي أم تغسل الرز الأبيض.. أن تكتب الشعر يعني أن تستيقظ وحيداً وتبكي في منتصف الليل، أن تبني عموداً من قلبك المحطم، أن تهدهد طيلة الليل زاوية عارية من نافذة بكل ما أوتيت من قوة».

####

أفلام جزائرية في الدوحة

الدوحة ــ الإمارات اليوم

حفل الأسبوع الثقافي الجزائري في الدوحة عاصمة الثقافة العربية بحضور بارز للسينما الجزائرية، وكان عشاق السينما على موعد مع عدد من الافلام الحاصلة على جوائز عدة. منها فيلم «مسخرة» للمخرج الياس سالم، فضلاً عن الفيلم الروائي الطويل «الأفيون والعصا» للمخرج أحمد راشدي، وهو من تأليف الكاتب مولود معمرين وبطولة سيد علي كويرات، ويعري واقع سنوات النضال في الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي، ودفْع الجزائريين صغاراً وكباراً ضريبة المقاومة. يمثل في الفيلم كوكبة من نجوم السينما الجزائرية، إضافة إلى ممثلين فرنسيين.

ومن الأفلام التي عرضت أيضاً فيلم «نهر لندن» للمخرج رشيد بوشارب، وقد أثار هذا الفيلم وهو من إنتاج مشترك فرنسي ردود فعل متباينة، وهو من بطولة سامي بوعلجية، رشيد زام، صوتيقي كوباتى، وبراندا بليتينن. يسلط الفيلم الضوء على أحداث تفجيرات لندن في عام ،2005 حيث تنسج خيوط صداقة بعيدة الاحتمال، ما بين امرأة بيضاء انطوائية ومتعصبة من «جويرنسي»، ورجل إفريقي حط رحاله في المدينة قادماًمن فرنسا، وجعل المخرج من الاختلاف الديني والثقافي وحدة منسجمة.

ومن الأفلام الوثائقية عرض شريط «سينمائيو الحرية» للمخرج السعيد مهداوي، الذي يبرز نشأة الحركة السينمائية الجزائرية إبان الثورة الجزائرية، ويتضمن الفيلم شهادات حية لأهم الشخصيات الفاعلة في الحقل السينمائي من جزائريين وفرنسيين مناصرين للثورة، على غرار بيا رشولي، والمخرج الفرنسي الراحل بياركليمو الذي كان صديقاً للأب الروحي للسينما والسينمائيين الجزائريين المخرج رونيه فوتييه.

ومن الأفلام الوثائقية عرض فيلم «بوعمامة» للمخرج عمر بختي، الذي يشارك فيه كل من عثمان عريوات، أحمد بن عيسى، روبير بازيل وروني روسال، وينقل الفيلم للعيان ملحمة الشيخ بوعمامة، أحد زعماء المقاومة الوطنية بالجزائر في فترة الاستعمار الفرنسي، إذ تجري الأحداث في جنوب غرب الجزائر، لينقل مراحل مختلفة من يوميات المقاومة، ومن بينها معركة أولاد سيدي الشيخ بوعمامة، حيث عين وقتها الجنرال الفرنسي ليوتي لمحاولة وضع حد لها، وإطفاء فتيلها.

الإمارات اليوم في

02/06/2010

####

سرد آتٍ من المكسيك

«أبل».. البحث عن الأب المفقود

زياد عبدالله – دبي 

ليس لك إلا أن تتابع هذا السرد القادم من المكسيك، ومتى تم إيراد اسم هذا البلد فإن أفلاماً كثيرة تهبط من كل حدب وصوب تجدها تقع على الحدود مع الولايات المتحدة الأميركية، كما لو أن شيئاً لا يحدث إلا على هذه الحدود، بينما المناطق الأخرى غير المتاخمة لبلاد العم سام فلا حاجة لها للسينما، طبعاً هذا افتراض متأتٍ من سيل من الأفلام التي شاهدتها وكلها تهجس بعبور الحدود، بقصص تحدث بين طرفيها، هجرة غير شرعية، وأخرى شرعية لتهريب المخدرات، ومحاولات لا تنتهي للعبور حتى وإن كان الموت مصير من يحاول مراراً تحقيق معجزة الوصول إلى أرض الأحلام التي سرعان ما تنقلب إلى كوابيس.

الفيلم الذي نقدم له هنا ينأى بنفسه عن كل ما تقدم، وهو بعنوان «أبل» اسم ذلك الطفل الذي سيحتل المساحة الكبرى من الفيلم، وستكون تلك الطفولة هنا حاملاً محفوفاً بالبراءة لما يعدنا الفيلم بتقديمه، وليكون وفاؤه لهذا الوعد متأتياً من أبل نفسه، الطفل الذي يعاني مشكلات صحية ونفسية تجعله لسنوات طويلة مقيماً في مستشفى خاص لرعايته، بعيداً عن أمه وأخته وأخيه، لكن في انتصار كامل للأمومة في النهاية وهي تسعى بكل ما أوتيت من حنان الى استعادته.

تحالف خفي

فيلم «أبل» الذي كتبه وأخرجه ديغو لونا في أولى تجاربه الإخراجية الروائية الطويلة، وعرض ضمن أفلام البرنامج الرسمي للدورة 63 من مهرجان «كان»، يدعونا إلى فيلم مأخوذ بشخصيته، والتي ستكون طفولية تماماً، إنه لا يقول لنا ما الذي حل بأبل، لمَ هو كذلك؟ ويترك لنا أن نعثر على ما ألمّ به وفق مسار الأحداث التي سنقع عليها، والتي تكون في الغالب كوميدية وعلى تحالف خفي مع جدية مفرطة سرعان ما تطفو في النهاية.

على كل، الحياة تدفع الى الضحك أولاً، وكلما كانت أكثر جدية كلما كانت مضحكة أكثر، لدرجة قد نموت فيها من الضحك، وعلى هدي ذلك تمسي مأساة أبل معبراً للضحك، فما أن تستعيده أمه وتعود به إلى البيت، حتى تلتبس عليه الصورة، ويمضي هو الذي لم يتجاوز السبع سنوات إلى ممارسة دور الأب، وعلى شيء من التسلط والتحكم بكل شيء، لا بل إن محاولة أخته تخليصه من هذا الوهم ستدفعه الى الدخول بنوبة قاتلة من الجنون، بحيث سيكون قبول ما هو عليه وإن كان شديد الوطأة أرحم بملايين السنين الضوئية مما سيلمّ به وما يصيبه من نوبات هستيرية.

الأب الغريب

علينا أن نعرف أن الأب غائب وقد كان هجر أمه منذ زمن طويل، ولدى ظهوره مجدداً في حياته فإن أبل سيتعامل معه بوصفه رجلاً غريباً، لا بل سيفرض عليه سلطته، ولعل هذا التناقض بين مظهر أبل وتصرفاته سيكون دافعاً للضحك، والمواقف التي ستترتب على ممارساته ستكون موضع استهجان من أخته الكبرى التي سرعان ما تستسلم له حين تجده حريصاً عليها كأب هو الذي يصغرها بـ10 سنين أو أكثر، كذلك الأم، وبالتأكيد أخوه الصغير الذي يقبل أبوة أبل من اللحظة الأولى.

في الفيلم تشعبات كثيرة منطلقها ما يمارسه أبل، سنتعرف الى علاقة أمه بأبيه، والخيانات المتبادلة، الأم التي حافظت على بيتها بكل ما أوتيت من قوة في ظل غياب الأب الذي يلهو مع نساء أخريات، بينما لا يقبل ويجن جنونه لدى اكتشافه أنها مرت بعلاقة وحيدة مع رجل في غيابه.

سيكون على الفيلم ايصال أبل إلى أقصى ما يمكن أن يصل به عند ممارسته دور الأب، وذلك في اللحظة التي يمضي بأخيه الصغير إلى مسبح ليعلمه السباحة، بينما يكون أبل نفسه لا يعرف السباحة، وهذا يحدث في اللحظة التي يقرر فيها الأب اعادته إلى المستشفى الذي كان فيه.

الختام سيكون بنجاة أبل وأخيه من الغرق في مشهد مبني بدرامية تصعيدية، وعودة الأول إلى المستشفى، وقبول الأم ذلك في عجز تام عن النأي به عن هكذا مصير. طفل مثل أبل سيدفع أثماناً باهظة لغياب الأب، غياب لا يعوض إلا بغيابه هو من وطأة ما ألمّ به من جراء ذلك.

الإمارات اليوم في

01/06/2010

 
 

حديث مع جوليت بينوشي..حول فـيـلـم "نـسـخـة مـصـدقــة"

ترجمة: نجاح الجبيلي

اللقاء: كارين بات

فوجئتُ أن جوليت بينوشي- الفائزة بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان الأخير عن دورها في فيلم "نسخة مصدقة" للمخرج عباس كياروستامي- أكثر جمالاً في الواقع مما في الأفلام. بينما تتخذ مقعداً في مطعم "ماندالا بيش" في (كان)

مباشرة أمام البحر الأبيض المتوسط تخطو بخفة وثبات وبحيوية عذبة.تعدل ثوبها الحريري القرمزي مع شرائط سود منتشرة على الجوانب. تتطلع بذكاء وبرشاقة وترد بتفكير تأملي على كل سؤال حول فيلم "نسخة مصدقة" لكياروستامي الذي تمثل فيه. لم اعتد مثل هذا النوع من الحضور الذهني من أي ممثلة.

·         قلت لها:" ماذا تعني لك النسخة؟"

أجابت حالاً بلغة إنكليزية واثقة:" النسخة تكون أصلية أيضاَ. مثلاً الفيلم نسخة من الحياة لكني سأقول إنها إعادة تنشيط للحياة. إنك تختار ما تضعه داخل الفضاء. قوة النتيجة يمكن أن تكون أكبر مما ندعوه الحياة".

وأضافت ببلاغة:" صدق اللحظة هو المهم. وسواء أكان حقيقياً أم لا فهو يشبه الحلم. لا تستطيع أن تقول أنه ليس حقيقياً. والشيء نفسه ينطبق على ذاكرتك. ما تتذكره يبدو حقيقياً. الواقع بالحرف الكبير هو دائماً شيء آخر في مكان آخر. نحن نخلق العوالم. وهذا هو المكان الذي تكون للناس فيه حقائق مختلفة. إنه شأن الاختراع الإنساني. تصور الفضاء الفارغ قبل أن يحدث الانفجار العظيم وقبل أن تنشأ الإنسانية وقبل تجربة الزمن".

أشرتُ إلى أنها بدت مرتبطة تماماً وبصورة حدسية مع مخرجها. وليست هذه دائماَ هي القضية: إذ أخبرتني كاترين دينوف مرة رداً على كيف أنها تجد بونويل كمخرج بأنه يروق لها لأنه بدأ يطلق النار على الزمن".

·         هل جولييت حرباء قادرة على الدخول في هذه النسخة الكونية مع كياروستامي بعد أن صنعت أفلاماً مع كيسلوفسكي عن العقيدة والرب؟"

"لا أراهما ضدين. كسلوفسكي مليء بالشكوك. وذلك هو الشيء الذي أحبه فيه. كما أنه يسائل الأشياء. كان يحب التفاصيل. وبالنسبة له يبدو الصغير كبيراً. في فيلم كسلوفسكي "أزرق" تكون تجربة الشخصية مختلفة عنها في فيلم "نسخة مصدقة". فهي لا تعرف ماذا تحب ومن هي؛ إنها لحظة فارغة محاولة إن تضع نفسها داخل الحقيقة غير عارفة أن تمسك بها وأن ترجع الماضي".

" مع هذا الفيلم شعرتُ تماماً بإني داخل الشخصية: في قلقها الداخلي من الحب، أن تُحب والرغبة في ان يراها الناس. وخلال التصوير وبينما تمشي على ذلك الحصى غير المريح جداً فهي غير متأكدة بأنها ستُرى. كاميرات كياروستامي سخية. فهو لا يحاول أن يحرر ويأخذ شيئاً ما مني. وسمحت لي الرؤية والشركة بيننا بأن تكون هناك مكاشفة بيننا. من النادر أن تجد مخرجا يضع الكاميرا بمنتهى السخاء هذا أمام امرأة".

وأشارت قائلة:" تجربة التمثيل بصورة عامة هي أن تكون قريباً ما أمكن من الكاميرا. الكاميرا هي مرآة. حقيقة أنك تُرى يعني بأن هناك شيئاً ما داخليا يُرى- المناظر في الداخل. وتستطيع أن تدخل فقط أذا كنت ترغب في القفز داخل المجهول".

توقفتْ كي تناقش الصداقة مع كياروستامي. من الواضح أنهما التقيا منذ عقد وصنعا صداقة راسخة – وقد انتظر كل هذه السنين كي يكتب الفيلم المناسب لها. ومن الطبيعي أنهما كانت لديهما " علاقة صداقة" لأنه يحب الشعر كما تحبه هي. وهي ترسم كما يرسم هو.

قالت:" هناك الكثير من الشراكة. بدأ الأمر حين دعاها إلى طهران وفي إحدى الليالي بدأ يتحدث عن قصة حدثت له في إيطاليا حول امرأة أخذت صدارها ولم أعلم إلى أين ذهبت. في النهاية قال: هل تصدقيني .حسن إن الأمر غير حقيقي".

·         على أكثر من مستوى واقعي هل هناك الكثير من التركيز على موضوع العلاقات بين النساء والرجال؟

" عباس متشائم حول إمكانية العلاقة بين الرجال والنساء. الحقيقة أن تلك النساء يتورطن بصورة كبيرة في العواطف أكثر من الرجال. نحن نكشف أنفسنا أكثر من الرجال، ربما السبب لأننا نلد. بطبيعة الحال لا أحب التعميمات: شخصيتي أيضاً ذكورية ونشطة جداً.وقال عباس بأن فيه شيء من شخصية المرأة: فقد ربى أطفاله بنفسه وكان يؤدي دور المرأة. وكرجل إيراني فهو جدّ كريم مع النساء".

استمرت بالحديث عن الجنوسة (الجندر) ربما كمفتاح لهذا الفيلم الذي ينتهي وشخصية البطلة تسفح الدموع بسبب الإحباط وهي تتمدد على الفراش. تقول:" ما يقوله عباس بأن الرجال يميلون إلى أن يضعوا مسافة فكرية بين عواطفهم والعالم من أجل الوظيفة وهذا أمر لا يمكن فهمه لأنه إذا ما أقدم كل شخص على التعبير عن العاطفة فسوف يكون العالم عاليه أسفله. اعتقد أننا ندفع الرجال كثيراً في محاولة الاتصال كي نحصل على المزيد من الحميمية".

وبالنسبة للنساء اللاتي التقت بهن في طهران كانت متحمسة جداً لهن قائلة:" إنهن في غاية الحيوية. يعرفن الكتب والموسيقى. وهن مثقفات جداً و أوربيات بهذه الطريقة. حقاً هناك قوانين. لكن في النهاية ما زلن حيويات مثل النساء الإيطاليات".

المدى العراقية في

02/06/2010

 
 

مكتبان للسينما المصرية فى السوق الدولية بمهرجان «كان»

بقلم   سمير فريد 

سوق السينما الدولية التى تعقد أثناء مهرجان «كان» هى الأكبر بين المهرجانات الثلاثة الكبرى (برلين وكان وفينيسيا).

وقد اشتركت فيه هذا العام ٧ دول عربية هى مصر وتونس والمغرب ولبنان وقطر والإمارات والأردن، وتتكون السوق من قسمين أحدهما فى مبنى خاص امتداد لقصر المهرجانات، والثانى على شاطئ البحر مباشرة وكان للسينما المصرية مكتبان داخل مبنى السوق وعلى الشاطئ، بفضل التعاون بين غرفة صناعة السينما والمركز القومى للسينما ومهرجان القاهرة السينمائى الدولى وشركات السينما الكبيرة فى مصر.

قبل بدء المهرجان نشرت «فارايتى» وهى أكبر صحف صناعة السينما فى العالم قائمة بالملاحق التى ستصدر فى نشرتها اليومية أثناء مهرجان «كان»، وأشارت إلى أن عدد اليوم الرابع سوف يتضمن ملحقاً عن السينما المصرية، وبالفعل نشر الملحق فى ٥ صفحات منها ٣ صفحات إعلانات ٢ عن الشركة العربية (إسعاد يونس)، وصفحة عن شركة مصر العالمية (جابى خورى)، كما نشر أكثر من إعلان عن إدارة تصوير الأفلام الأجنبية فى مدينة الإنتاج الإعلامى (يوسف شريف رزق الله)، ووزعت إدارة مهرجان القاهرة (سهير عبدالقادر)، نشرة تعريف بالمهرجان، ولم يتضمن برنامج مشاركة السينما المصرية إقامة حفلات استقبال.

ورغم حجم المكتبين الكبير، لم يعرض فى السوق غير فيلمين (رسائل البحر إخراج داوود عبدالسيد وبنتين من مصر إخراج محمد أمين الذى ترجم ترجمة سخيفة بالإنجليزية هى عوانس مصر)، ولا أحد يدرى لماذا لم يتم عرض عدد كبير من الأفلام للتسويق، خاصة الأفلام التى عرضت فى المهرجانات الدولية العام الماضى مثل «المسافر» إخراج أحمد ماهر، الذى عرض فى مسابقة مهرجان فينيسيا، و«واحد صفر» إخراج كاملة أبوذكرى الذى عرض فى نفس المهرجان خارج المسابقة، و«احكى يا شهر زاد» إخراج يسرى نصر الله، الذى عرض تجارياً فى فرنسا أثناء المهرجان.

ولا أحد يدرى أيضاً لماذا لم توزع أى مطبوعات عن مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة أو مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط، أو عن عرض فيلم «الفلاح الفصيح»، إخراج شادى عبدالسلام فى برنامج «كلاسيكيات كان»، أو أى تعريف بصناعة السينما فى مصر إنتاجاً وتوزيعاً وعرضاً.

ولماذا كانت الحوائط خالية من أى ملصقات للأفلام إنه اشتراك جيد من حيث حجم المكتبين فقط، ولابد من الشفافية فى إعلان تكاليفه ومصادره ونتائجه.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

02/06/2010

####

غياب سوريا والجزائر عن السوق و٢٠١٠ سنة السينما فى تونس

بقلم   سمير فريد 

المراكز العربية الأساسية فى إنتاج الأفلام هى من دون ترتيب مصر وسوريا ولبنان والعراق وتونس والمغرب والجزائر.. وإذا كانت هناك مبررات يمكن قبولها لغياب العراق عن الاشتراك فى سوق الفيلم الدولية التى تعقد أثناء مهرجان كان، فلا يوجد أى مبرر مقبول لغياب الجزائر، خاصة مع وجود فيلم مشترك فى المسابقة «خارج عن القانون» إخراج رشيد بوشارب، أو لغياب سوريا، وخاصة مع وجود مهرجان دمشق الذى ينعقد كل عام، ويعد من المهرجانات الثلاثة العريقة فى العالم العربى مع مهرجان قرطاج فى تونس والقاهرة فى مصر.

الدول العربية التى اشتركت فى السوق إلى جانب مصر هى الإمارات وقطر ولبنان والأردن وتونس والمغرب.. وفى مكتب تونس التى أعلنت رسمياً أن عام ٢٠١٠ هو عام السينما تم توزيع العدد الأول من مجلة شهرية جديدة تصدر بالعربية والفرنسية بعنوان «شاشات تونس» ناشرها منير الفلاح ورئيس تحريرها عبداللطيف العيونى، وكلاهما من الشخصيات الفاعلة فى السينما منذ عقود طويلة، وتم عرض ٦ أفلام جديدة فى السوق منها فيلمان تسجيليان طويلان «زرزيس» إخراج محمد زرن و«تحيا السينما» إخراج مختار العجيمى و٤ أفلام روائية طويلة منها فيلم يعرض لأول مرة «شهرزاد» إخراج معز كمون و«الدواحة» إخراج رجاء عمارى الذى عرض خارج المسابقة فى مهرجان فينسيا العام الماضى، و«كان ياماكان فى هذا الزمان» إخراج هشام عمار، وأحدث أفلام فنان السينما الكبير عبداللطيف بن عمار «النخيل الجريح».

وشهد مكتب المغرب إصدار ثلاثة كتالوجات مهمة من إصدارات المركز السينمائى المغربى الذى يديره السينمائى والباحث والناقد الكبير نور الدين صايل، الأول فيلموجرافيا كاملة محققة للأفلام الطويلة منذ بداية عام ١٩٥٨ إلى نهاية عام ٢٠٠٩ باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، والثانى فيلموجرافيا كاملة محققة للأفلام القصيرة منذ بداية عام ١٩٤٧ إلى نهاية عام ٢٠٠٩ باللغتين العربية والفرنسية، والثالث ملف ملصقات الأفلام المغربية الطويلة التى أنتجت عام ٢٠٠٩، وخلف كل ملصق تعريف مختصر باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

وهذه الإصدارات الثلاثة كانت درة المشاركات العربية فى سوق مهرجان كان، ولا يستطيع من يحصل عليها من ضيوف المهرجان الـ١٥ ألفاً ومنهم ٥ آلاف صحفى إلا أن يحملها معه عند عودته إلى بلاده مهما كان وزنها، فهى مطبوعات لا غنى عنها للناقد والباحث وكذلك للعاملين فى الإنتاج والتوزيع والعرض.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

03/06/2010

 
 

الفيلمان الرومانيان «فَجْر» و«الابن الغضّ» المشاركان في مهرجان «كان»

الوحوش قابعة فينا والمسوخ البشرية تعكس صورتنا

زياد الخزاعي

تضخيم القاتل في السينما أمر سهل. نفخ الجريمة كي تستحوذ على كيانات مشاهديها وصل اليوم إلى طبائع فيلمية لا تخشى التطرّف في تصوير الوحشية والعنف والدم، التي تُرتكب خلال الفعل غير السوي. الولع، هنا، كامن في مكر الصدمة التي تراها السينما سلعة باهرة، تصعق القابعين في الظلمة. وهي (الصدمة) تذكير بامتداد الجريمة الخارجية الأكبر، التي تتناسل مع الحروب الاستباقية الكثيرة، الواقعة في كل مكان من العالم. جريمة السينما اختزالية، تذهب نحو المرتكب المستوحد، فيما تسعى جرائم القتل والتصفيات العسكرية الحقيقية إلى تبرير قوانين الفتك، باعتبارها حصانة للحريات وتعميماً للديموقراطيات.

كلا الجريمتين مدان. ذلك أن الأبرياء ضحاياها، وتجزئتهما غير ممكنة. ولئن يضع المجرم ـ الفرد دوافعه مداورة بين حاجته إلى الانتقام من كل شيء، ونزعاته المريضة الى شَفّ الدم، تجد المجموعة العسكرية نفسها أمام إغراء اجتثات العدو ضمن لعبة معقدة، تنتهي في الغالب إلى غلبة السلاح الجبّار. المجرم ـ الفرد يتسلّح بعناده في ارتكاب المعصية. يستخدم سلاحاً مفرداً يزهق روح المقابل، ويكون سهلاً عليه، لاحقاً، إخفاء أداة الجريمة. يتشارك والعديد العسكري في أن الوحش القابع فيهما يملك السحنة نفسها، وفي أن الاثنين متوافران بين النسائج المدنية للمجتمعات، ويعيشان كأناس أسوياء، يهزّهم الحب، وتغمّهم الأحزان، ويهفون إلى لقاء العائلة وتأمين اللقمة لأفرادها. هذا الكلام يتواطأ مع كلمة المخرج الروماني المميّز كريستي بو، القائل إن «ليس هناك شيء اسمه قاتل، بل فقط أناس يقتلون»؛ بينما يُطوِّر مواطنه مخرج الفيلم الإشكالي «دلتا» كورنيل موندرويتشو الرؤية، لتذهب على النحو التالي وهو يصف بطل عمله الجديد «الابن الغضّ» (ضمن المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة لمهرجان «كان») بأن «المسوخ البشرية ليست حقيقية. إنها صُورنا المعكوسة. ذلك أننا ننتجها بأنفسنا، نختارها (...)، ومن ثمّ نوصّفها بالوحوش».

قصاص

يتشابه الفيلمان الرومانيان «فجر» (أورورا) لبو (ضمن خانة «نظرة ما» في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان») و«الابن الغضّ ـ مشروع فرانكستاين» لموندرويتشو، في أن وحشيهما البشريين لا يفترضان القصاص، إذ إنهما جاءا نتيجة له. فبطل الفيلم الأول الشاب فيوريل (أداء محكم للمخرج بو) يخسر عائلته الصغيرة، ويُطرد من عمله، ويتشرّد في شوارع بوخارست، حيث تعتمر في داخله مرارة الخسارة التي تدفعه إلى الصمت الخبيث قبل ارتكابه فظاعاته. أما صنوه رودي، البالغ سبعة عشر عاماً، فهو خرّيج إصلاحية اجتماعية، يجد نفسه أمام سوء ظن الجميع، الذين يرون فيه غولاً دموياً يجب تحاشيه وإقصاؤه. يحمل فيوريل غبنه الشخصي والاجتماعي في حقيبة رياضية، ليدور في الأماكن التي ترفضه، سافكاً الدماء من دون هوادة، في مقابل يدي رودي العاريتين، اللتين تنكّل بثلاثة أشخاص، عقوبة على رفضهم تواجده ضمن عائلة عشيقته، التي التقاها في امتحان اختيار ممثلين لمسرحية مقتبسة عن حكاية الوحش فرانكستاين.

بطل «فَجْر» (180 د.) عامل تعدين، يبلغ الرابعة والعشرين من العمر. يُجبَر على العطالة التي تفسح في المجال له كي يعي حجم خسارته، وتحوّله بشكل خفي إلى عسكري متقاعد بزيّ مدني يُزنّر نفسه بالسلاح الفتاك. ومثل جندي في ساحة وغى، يبقى فيوريل في جيلان نادر بين الأحياء والأبنية القديمة المتروكة والشوارع المتجلّدة. إنه سيزيف معكوس لا يرفع صخرة الوادي، بل يُدحرج ذاته كي يصل إلى عقابه الأبدي الذي لن يقع. تقوده رحلته إلى موقعين: موقف سيارات تابع لفندق فخم، حيث يقتل مديراً في المعمل السابق وعشيقته. والدارة الريفية لقريبته، التي تفتح أمانها العائلي له، فيقتلها مع زوجها. للوهلة الأولى، يبدو المقتلان من دون معنى، لولا أن فيوريل الصموت يمارس ما بعد الجريمتين أفعالاً حياتية شديدة الاعتيادية، على شاكلة أكل سندويتشاته، ومشاداته مع موظّفات متجر وسط بوخارست، ومجادلاته مع معلمة ابنته التي يُصرّ على مرافقتها إلى بيت طليقته، وغيرها من الأمور، لنكتشف أن المخرج بو عمد إلى استغفالنا في كون بطله انساناً بطلّة اعتيادية، لا تثير الشك بسلوكه الدموي. إنه رجل من بيننا، يحمل في داخله العزم على القتل، لكن من دون تحفيزنا على ضرب ناقوس الخطر والانتباه إلى جريمته المقبلة. إنه، على حدّ تعبير بو السابق الذكر، ليس قاتلاً، بل كائناً يقتل على سجية غير مفهومة.

على الطرف الدرامي المقابل، يقف رودي بعناد وصمت ومن دون خوف، كأي جندي مطيع أمام ضحاياه. لا يُطالب بتفسير جرائمه، ذلك أننا نرى وقائعها المرعبة ونكتشف عبثيتها. إنه منتقم كتوم من الآخرين، الذين أبعدوه سنوات عن الجماعية، وها هم مرّة أخرى يحاولون عرقلة اندماجه. يقتل والد الحبيبة لأنه هجس فيه رائحة الدم، ثم الأم كونها عرفت آثامه، ولاحقاً العشيقة الشابة باعتبارها معموديته الشخصية لهروبه المقبل من ماضيه القاتم. إن تحرّك البطل الشاب محصور في جدران بناية خاوية، على عكس والده (المخرج موندرويتشو)، الذي نراه ساعياً في سيارته الفخمة في شوارع العاصمة إلى لقاء المسخ الذي أعطاه الحياة، وأطلق عنانه بين الناس. يجد مشاهد «الابن الغضّ» أن عصرنة الحكاية القوطيّة للكاتبة ماري شيلّي تُشدّد على أن الإثم الأساسي في نشوء الوحش لا يقع على كاهل فرد، بل على نظام اجتماعي عام، يُصعِّب اندماج أبنائه «الذين ينتجهم ويختارهم، ثم ينعتهم بالوحوش»، كما ذكر المخرج النبيه.

الأخلاق

تُرى، أين موقع السلطة وعقابها؟ متى يتحقّق انقلاب الفاجعة إلى درس الأخلاق الحاسم؟ في «موت السيد لازاريشكو» (2005)، وهو جزء من سلسلة «ست حكايات من ضواحي بوخارست» يتبعه «فجر»، يتحامل المخرج بو على وحشية النظام العام الذي لن يرحم البطل العجوز، ويبقيه رهينة سيارة إسعاف حيث يقضي نحبه لاحقاً بعد أن ترفض المستشفيات استقباله وعلاجه. في العمل الجديد، يجول البطل هرباً من حصاره الشخصي وارتهانه إلى الجرائم التي عليه ارتكابها لاحقاً. وما إن يتحقق ذلك، حتى يفاجئنا بو ببطله وهو يعترف إلى رجال الشرطة بفظائعه. بيد أن بيروقراطية نظام ما بعد تشاوتشيسكو لن تقتنع بتبرّعه وإقدامه، فتعامله كجزء من تهمة ملفقة. وتهكّماً على سوريالية الحالة داخل مركز الشرطة، يطلب فوريل تغيير مكان كرسيه لأنه تضايق من دفق هوائي بارد. بمعنى أن اعتيادية شخصيته لا تجعل منه سفاحاً، بل رجلاً قرّر ببساطة قتل آخرين، بعيداً عن أي تكلّف. وفي حالة موندرويتشو، جاء «دلتا» (2008) صاعقاً في تبرير العلاقة الآثمة بين الشقيق العائد وشقيقته واعتصامهما في وسط بري شديد الجمال، هرباً من العقاب القبلي. لكنه في «الابن الغضّ»، يُصرّ على التباس العلاقة بين الأب ـ المخترع والابن ـ الوحش المخلوق. فالعقاب الآتي يجب أن يتحقّق على يدي خالق كوني أعظم، ضمن وسط طبيعي أكثر سحراً (تصوير باهر لماتاياس آردلي)، متمثّل بثلوج جبال النمسا، حيث تنقلب سيارة الأب ويُصاب الابن بجروح قاتلة، تدفع الأول إلى الذهاب وسط بهاء البياض، حيث معنى الموت يتداخل مع التغييب القسري لكيانه، باعتباره الآثم الأكبر في خلق المسخ الأزلي.

السفير اللبنانية في

03/06/2010

 
 

ألعاب الحرب القذرة

العراق في «كان»

قيس قاسم

يجد زملاء المهنة العرب، من صحفيين ونقاد سينما، في الأفلام التي تعرض في المهرجانات الغربية الكبيرة مثل البندقية وبرلين وكان، وفيها بعد عربي، مادة كتابية حيوية، يتفاعلون معها بقوة، كونها تمس مجتمعاتهم والمشاكل الآنية التي تعيشها بلدانهم. وأكثرها اثارة للإهتمام تلك التي تتناول الحالات السياسية الساخنة، كقضية العراق مثلا. فالعراق مازال في صدارة الاهتمام السينمائي العالمي. وقبل أسابيع قليلة عرض فيلم «المنطقة الخضراء» لباول غرينغراس وفي الدورة الـ63 لمهرجان كان عرض فيلمان عن العراق: الأول للمخرج الأنكليزي كين لوتش وعنوانه «الطريق الايرلندية» والثاني شريط المخرج الأميركي دوغ ليمان «لعبة عادلة».

الفرق بيننا نحن العراقيين وزملائنا في هذه الحالة، انهم يجدون في هذه الأفلام مادة للكتابة وقدراً من الانفعال، أما نحن فنرى فيها بلدنا وما يعيشه. نرى فيها أنفسنا. ولهذا كان الذهاب لمشاهدة هذه الأفلام فيه نوعا من التوجس والترقب، وفيه أيضا قدر من الحزن! فـ«كان» المدينة الساحلية الرائعة تفرض حالتها عليك، فرح أناسها وزوارها طاغ. ورؤية العراق من خلال السينما موجعة.

والدقائق القليلة التي يستغرقها العرض تكفي لاثارة المقارنة بين حالتين ومكانين. وما شفع لنا في هذه الحالة ان السينما لعبت دور المذكر، فنوهت من خلال مخرجين غربيين قادت بلدانهم الحرب مباشرة (بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية) بأن ما جرى كان بسبب سياسات قادتهم وادارات حكوماتهم، وأن ويلاتها ارتدت على مواطنيها أيضا. فالفيلمان تناولا آثار الحرب والطريقة التي تم التحضير لها والتي الحقت الأذى بالكثيرين، ومنهم العميلة السرية للمخابرات الأميركية فاليري بليم ويلسون وزوجها السفير السابق جوزيف ويلسون كما ذهب فيلم «لعبة عادلة».

الفيلم سجل الوقائع الحقيقية التي حصلت لهما، والتي سبق أن نشرتها فاليري في كتاب حمل العنوان نفسه، كشفت فيه التخطيط المسبق للحرب والدعاية المبرمجة التي اتبعتها المخابرات الأميركية، والتي شددت على حصولها معلومات موثوقة تؤكد امتلاك نظام صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، وما تشكله من خطر مباشر على الولايات المتحدة والعالم بأسره. هذه اللعبة التي صار العالم يعرفها ويعرف أن الخطة الموضوعة لاحتلال العراق معدة مسبقا، وان أسلحة الدمار كانت ذريعة مفتعلة، يعود إليها دوغ ليمان عبر قراءة بصرية يسجل من خلالها موقفا من تلك الحرب ومن ادارة بوش التي اعتمدت الكذب وسيلة لتحقيق ما تريد، وأظهرت قساوة في تعاملها مع الذين يقفون ضدها، حتى لو كان عميلا نشطا ومخلصا من عملاء مخابراتها أو سفيرا سابقا خدم بلاده طويلا. لقد كشف مقال كتبه جوزيف ويلسون في جريدة «نيويورك تايمز»، كذب ادعاء ادارة بوش من أن صدام قد حصل على معدات تدخل في صناعة الأسلحة التدميرية من إحدى الدول الأفريقية. والمقال مبني على رد فعل لما توصل اليه السفير (الممثل شون بن) وبتكليف غير مباشر من زوجته (الممثلة ناعومي واطس) التي أقنعته بالقبول بإعداد دراسة ميدانية حول ما إذا كان صدام حسين قادرا على تأمين ما كان يحتاجه لصناعة اسلحة خطرة من ذلك البلد الأفريقي.

وتضمن تقريره صعوبة حدوث مثل هذا الشيء بعدما تأكد بنفسه ومن خلال زيارته الى ذلك البلد واتصالاته بالعديد من المقربين من ادارته. وحتى تتستر على الحقائق التي انكشفت تعمدت المخابرات حرق أوراقه من خلال الكشف عن عمل زوجته كعميلة سرية تعمل لصالحها، بغية تحطيم سمعتها والتقليل من مصداقية زوجها وما كتب. لقد أثارت هذه اللعبة وسائل الاعلام التي ظلت تطارد الزوجة وخلقت القضية مشاكل عائلية كادت تعصف بالبيت الزوجي. ولولا شجاعتهما واقدامهما على نشر الحقيقة لكانا ضحية سهلة لآلة المخابرات الجهنمية.

الفيلم عانى من نقص كبير في تنفيذه على مستوى مطابقة الأمكنة العراقية والشخصيات الرئيسة التي لعب فيها ممثلون مصريون وعرب منهم خالد نبوي (لعب دور عالم ذرة عراقي) فظلت اللكنة العراقية مشكلة قائمة والشخصيات غير مشدودة دراميا، على عكس شغل كين لوتش الذي راعى في فيلمه «الطريق الايرلندية» (اسم أطلقه الجنود على واحد من أخطر شوارع العاصمة العراقية) كل هذه التفاصيل، وقدم بشكل مقنع الشخصيات العراقية ولهجتها. كين لوتش قدم الحرب من داخل بريطانيا وبالتحديد من ليفربول حيث يعاني العائد لتوه من العراق فيرغوس (مارك وماك) من توتر شديد بعد وصول جثمان صديق طفولته فرانكي (الممثل جون بيشوب). لقد عانى فيرغوس من عقدة الذنب لأنه أقنع صديقه بالالتحاق بالعمل في احدى الوحدات الخاصة العاملة في العراق مقابل راتب شهري مغر يزيد عن عشرة ألاف باوند استرليني، كما فعل هو قبله. يبدأ لوتش حكاية الصديقين بالعودة الى نشأتهما واللحظة التي حلم بها فيرغوس وهو على ظهر سفينة بالبحث عن المغامرة حول العالم، بعدما ترك مقاعد الدراسة. ورغم اقتراب حبكة الفيلم والمعالجة البصرية لها من أفلام المغامرة فإن لوتش يذهب بعيدا ليكشف عن الجرائم التي كانت هذه الوحدات ترتكبها ضد المدنيين والأبرياء في العراق، وربما كانت هذه من الأسباب التي أدت الى مقتل صديقه الطيب. فالصور المسجلة على الهاتف المحمول ساعدت فيرغوس وزوجة صديقه راتشيل على البحث عن الأسباب التي وقفت وراء مصرعه خصوصاً وأن الشركة والمسؤولين لم يزيدوا شيئا الى تفاصيلها مكتفين بترداد العبارة الآتية: لقد تواجد في المكان الخطأ وفي اللحظة الخطأ.

لكن الحقيقة ستتضح بمعونة مهاجر عراقي يجيد العمل على الحاسوب وتقنياته لينقل شريطا مصورا يظهر فيه فرانكي وهو يتجه نحو سيارة مدنية أطلق زملاءه النار على ركابها وأردوهم قتلى. وعندما يفتح فرانكي الباب يرى طفلا مقتولا فيصرخ إنه طفل! ثم ينتهي المشهد المصور. ترى هل قتله الجنود المرتزقة الانكليز أنفسهم بعد رد فعله القوي. حول هذا السؤال يمضي فيرغسون لتقصي الحقيقة التي تنتهي بتصفيته قادة الشركة انتقاما من موت صديقه. دخل «اللعبة الايرلندية» الى المسابقة قبل أيام من بدء الدورة ولهذا توقع الكثيرون أن يخرج بجائزة ما، لكن النتائج لم تأت مطابقة، ومع هذا فإن جائزة لوتش الحقيقية ستأتيه من خارج المهرجان. ستأتي من مشاهديه الذين عرفوه مخرجا مهما وشجاعا عاد هذه المرة ليحاكم سياسة بلير وينتقد مشاركة بلاده في حرب ألحقت الأذى بالعراقيين والبريطانيين أنفسهم، ولم تجلب لبلاده سوى الكراهية والعنف الداخلي. 

الأسبوعية العراقية في

06/06/2010

 
 

حكايات مهرّبة عن حبيبتي آسيا

عن «العم بونمي» وأخوته: عنف ولوعة وشعر وأسطورة

زياد عبد الله

ذهب «مهرجان كان» وبقيت الدهشة. الأفلام الآسيوية تقف على الموقع النقيض من الإنتاج الغربي الغارق في استعراضيته ومشاغله التقنيّة. وقفة عند تجارب مثل «العم بونمي...»، تتأرجح بين الواقع والمجاز، وتغوص في أعماق النفس البشريّة واللاوعي الجماعي. هل تتسع لها شاشاتنا التي يحتكرها الأكشن الهوليوودي؟

أشباح الماضي تتجول في تايلاند، وأب عائد بعد غياب طويل إلى تشونغ كوينغ، والقتل المجاني وبالجملة في اليابان، حيث نتعقب امرأتين كوريتين، الأولى خادمة سيكون انتحارها فعل انتقام، والثانية تتوق لأن تصبح شاعرة في خريف العمر... تلك لمحات عابرة لما حمله إلينا «التنين» الآسيوي. فاليوم، بعدما هدأ الصخب وأطفئت البروجكتورات، بات بوسعنا أن نؤكّد: الدورة الـ63 من «مهرجان كان السينمائي»، كانت دورة آسيوية بامتياز. ليس فقط لأنّ السعفة الذهبية كانت من نصيب التايلاندي أبيشاتبونغ ويراسيتاكول عن «العم بونمي الذي يستطيع استحضار حيواته السابقة». السعفة كانت نتيجة منطقيّة لحضور مميّز طغى على المهرجان ككلّ، فالأعمال الآسيوية كانت حاضرة بقوة في المسابقة الرسمية (أربعة أفلام من 20).

من فيلم تاكيشي كيتانو Outrageلم يتكبد رئيس لجنة التحكيم تيم بورتون وأعضاء اللجنة عناء في تتويج «العم بونمي..» لأسباب كثيرة، أولها أنّ الدورة لم تحوِ أفلاماً ترسخ في الذاكرة. بل إن أفلاماً كثيرة اكتسبت مشروعيتها من أسماء أصحابها قبل أي اعتبار آخر. الفيلم التايلندي قدّم على الأقل مقترحاً جمالياً مغايراً، جانحاً نحو استحضار أساليب سرد خاصة، تمزج الأسطوري بالتاريخي والشخصي، بما يمنحنا فرصةً لدخول عوالم متشابكة عبر شخصية العم العجوز، المريض، الذي يعيش أيامه الأخيرة.

من خلال مرضه، يستعيد بونمي الحاضر والماضي جنباً إلى جنب: البشر الذين ماتوا ورحلوا، والذين ما زالوا على قيد الحياة. ابنه المتوفى تحوّل كائناً أسطورياً على شكل قرد، وزوجته المتوفاة مع أخته التي ما زالت على قيد الحياة. يشحن المخرج تلك الاستحضارات برموز ودلالات مفتوحة على التأويل. لكنّنا سنكون مشغولين عنها بكيفية بناء عوالمها. هذا المونولوج المدهش الذي يردده العم بونمي حين يمضي برفقة البشر الأموات والأحياء إلى مغارة قائلاً: «أنا نائم، لكن عيني مفتوحتين...». ثم تحضر فصائل مسلحة، وتطلّ الكائنات الخرافية التي تلبّست ابنه مجدداً، لتحيط به من كل جانب.

هذه الكائنات ستظهر أيضاً وهي تتوسط الجنود في صورهم الفوتوغرافية. سيقول بونمي الذي يعاني فشلاً كلوياً: «لقد أصبت بهذا المرض قصاصاً على العدد الكبير من الشيوعيين الذين قتلتهم، أو البعوض الذي أقتل منه العشرات يومياً»... إنّها واحدة من الإحالات الكثيرة إلى تاريخ تايلندا. الشريط يسير ضمن إيقاع بطيء، ولقطات متوسطة الطول، وعناية فائقة في التقاط نبض الطبيعة والأدغال.

جديد الصيني وانغ زياوشواي «تشونغ كوينغ بلوز» يحيلنا مباشرة على المدينة، في تناغم تام مع أفلام أخرى له مثل «دراجات بكين» و«أحلام شنغهاي». ويجد في النهر الذي يخترق تشونغ كوينغ معبراً للقصة التي قدمها، ويحكي فيها عن عودة قبطان إلى مدينته بعد غياب مديد، إثر سماعه بوفاة ابنه برصاص الشرطة. هذا الهوس المديني لدى وانغ زياوشواي، سيقابله هوس بالدم لدى الياباني تاكيشي كيتانو. لكنّ تاريخ هذا المخرج الكبير لم يشفع له، ولم يمنع بعض النقاد من وصف فيلمه الجديد «إهانة» بالرديء. الشريط الذي كان مرتقباً بقوة في «مهرجان كان»، امتلك فضيلة واحدة تتمثل في تقديمه اقتراحات مبتكرة في القتل والصراخ، كنّا خلالها وسط حفلة مجانية من القتل والقتل المضاد، بما ضمّخ الفيلم من أوله إلى آخره بسيل متدفق من الدماء التي تبادل إهراقها رجال «الياكوزا» (المافيا اليابانيّة) في ما بينهما.

«شعر» و«الخادمة» مؤشران على صناعة سينمائيّة تعيش نهضتها الجديدة

أما الكوري إيم سانغ سو فبدا مصرّاً، في فيلمه «الخادمة»، على مقاربة المدرسة الـ«هيتشكوكية». فإذا بالتشويق المستوحى من المعلّم البريطاني، لا يتعدى تعقّب مصير خادمة تكون طيبة وشبقة، تستسلم لغواية سيدها، في قالب ميلودرامي يمضي بها إلى الانتحار على مرأى من أفراد العائلة. إذ تشنق وتحرق نفسها وهي تتأرجح مشتعلة في الصالون على مرأى من السيد وأفراد عائلته الذين اجتمعوا لإجهاضها بوحشية.

الفيلم الفائز بجائزة أفضل سيناريو Poetry (شعر) للكوري لي شانغ دونغ، يتمحور حول شخصية ميجا بأداء مميز ليون جانغ ــــ هي. وقد كانت هذه الصفة لصيقة بممثلين كثر في أفلام الدورة الـ36 من «كان». إذ إن معظم الأفلام تمحورت حول شخصية رئيسية، مثل ميجا المرأة الستينية التي تعيش حياتها بشغف، وبأناقة كلاسيكية مفرطة. هي الفقيرة التي تعيش من خدمة رجل مقعد، يستوقفها معهد لتعليم الشِّعر. ونراها تمضي طوال الفيلم وهي تلاحق الشعر الذي يحيطها من كل جانب، وتحاول كتابة قصيدة حقيقية، فيما مرض الألزهايمر يتهددها ويتهدّد أيضاً مصير حفيدها المتهوّر الذي نراها مستعدة لفعل كل شيء كي لا يودع السجن.

«مهرجان كان» توجّه أكثر هذه السنة صوب العملاق الآسيوي الذي يشهد نمواً مطرداً في الإنتاج السينمائي، مع ثيمات ركزت على صورة الشباب المتهوّر... فيما حضرت المرأة بوصفها ضحية المجتمع الذكوري، كما يبدو جليّاً في «شعر» و«الخادمة». عملان مميزان ليسا سوى الجزء الظاهر من صناعة سينمائيّة تعيش نهضتها الجديدة.

الأخبار اللبنانية في

07/06/2010

ألعاب الحرب القذرة

أفلام «غير شرعية» وصولاً إلى إيطاليا

«حياتنا».. حصار المهـاجرين وموتهم

زياد عبدالله – دبي 

كم من الهجرات غير الشرعية يحدث يومياً! كم من المصائر تبقى معلقة بتسربها عبر الحدود براً وبحراً وجوا! لكن يبقى البحر أشدها بلاغة على مبدأ غدره ربما، وهو يحمل جثثاً طافية دفع أصحابها أثماناً باهظة لقاء رغبة في حياة أفضل، أو حلم سرعان ما تحول كابوساً مروعاً.

هذا السؤال الكمي، يصلح عن الأفلام التي تناولت هذه الظاهرة التي تقف دائماً على أعتاب المأساة، والتي ستكون غير صالحة للعد على الأصابع، ونحن نشاهد جديد ميغل انخل اناريتو في «جميل» وكيف لتلك الجثث أن تطفو على سطح البحر، وكيف يختنق المهاجرون الصينيون وهم نيام بسبب مدفأة تعمل بالغاز، بينما يحضر على الفور فيلم المخرج اليوناني -الفرنسي كوستا غافراس (غرب عدن)، حيث الرصد للهجرة يتم عبر مجاز له أن يضعنا أمام ملهاة المهاجر، عبثية الهجرة، سراب أوروبا، كما لو أننا أمام أوديسة العصر البعيدة عن أية أساطير.

ومن الضفة الأخرى، يطفو على الفور فيلم الجزائري مرزاق علواش «حراقة» إذ يمكن لعنوان الفيلم نفسه أن يختزل ما أمسى مصطلحاً عالمياً للمهاجرين الشرعيين الذين يحرقون أوراقهم الثبوتية وصولاً إلى شواطئ البلد المقصود التسلل إليه، وهو يقدم العام الماضي فيلماً متمحوراً حول الهجرة ومصائر المهاجرين غير الشرعيين.

هذا الحديث الموجز والمكثف عن أفلام تناولت ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وكلها أفلام سبق أن كتبنا عنها، ستقودنا إلى فيلم ايطالي بعنوان «حياتنا» وسيحضر بوصفه فيلماً لم نتناوله بعد، وقد عرض ضمن أفلام المسابقة الرسمية للدورة الـ63 من مهرجان كان السينمائي، ونال إليو غيرمانو عن دوره فيها جائزة أفضل ممثل إلى جانب خافيير بارندم عن دوره في فيلم أناريتو «جميل»، وليكون فيلم «حياتنا» ليس فيلماً عن الهجرة غير الشرعية تماماً، بل على شيء يجعل منها، أي هذه الهجرة، ملمحاً رئيساً في الحياة الأوروبية، وحجر أساس في أية مقاربة لحياة أوروبية أو ايطالية كما سنرى في هذا الفيلم الذي أخرجه دانيال لوتشيتي.

فيلم «حياتنا» سيجعل من الدراما التي يقدمها من خلال شخصية كلوديو (إليو غيرمانو) الذي تلتقي فيه كل تناقضات الحياة الإيطالية الحديثة وصراعاتها، معبراً نحو مقاربة هذه الحياة والبناء عليه بما يجعل أخلاقيات كلوديو نموذجاً سينمائياً لما يسود إيطاليا المعاصرة، ما يمنحه وهو يعيش حياته خيارات ما إن يقع عليها حتى تكون متأتية من محيطه وظروفه، ونحن هنا حيال إنسان عادي يعمل في البناء سرعان ما يفقد زوجته أثناء وضعها لابنه الثالث، وليجد في المال والأعمال مساحة لانغماسه بما ينسيه مأساته ويمنحه استمرارية حياتية نحو غاية وهدف يمسي تحقيقهما بديلاً لا بأس به لإبعاده عن يأس يقعده.

لكن يمضي الفيلم نحو إحداث منعطف، أو يتكشف القدر عنه يجعل ذلك الطموح ممكناً، وذلك باستغلال عثوره على جثة رجل ملقى في منور بناية قيد الإنشاء، إنه مهاجر لا يستدعي الأمر التبليغ عنه -سنعرف بعد ذلك أنه روماني - أو تسليم جثته لتلقى مراسم دفن لائقة، وهذا ما يفعله صاحب العمل، يتركه في مكانه ولتصب فوقه الأعمدة الخرسانية، وليستغل كلوديو ذلك بتهديد صاحب العمل بالتبليغ عنه ما لم يعهد له بمشروع يستثمره، وليكون لكلوديو ما أراده.

فيلم «حياتنا» فيلم شخصيات بامتياز، واصطياد دقيق لتناقضاتها التي تفرز في النهاية أخلاقياتها، كلوديو وأحياناً يمسي عنصرياً لكنه يضع ابنه الصغير في عهدة زوجة صديقه الزنجية وهو ممتن لها وحريص عليها كما لو أنها أخته، كلوديو أيضاً يعشق العمالة المهاجرة، لكنه سرعان ما ينفض عنها عندما يقدم له عرض من عمال إيطاليين يضمنون تنفيذ العمل له بسرعة ودقة ولو بأجور مضاعفة، وهو مع العمال وضدهم، وابن ذلك الرجل المتوفى في منور البناية سرعان ما يمسي في عهدته عندما يصادفه يبحث عن والده مع أمه التي يقيم معها علاقة عابرة، وعندما يخبر كلوديو الابن بحقيقة ما حل بوالده، يقول له ما أهمية أن يدفن، فالموت متشابه ولن يكون هناك من فرق، مع أن زوجته المتوفاة راقدة في قبر لائق له أن يتفقده كلما اشتعل في داخله الاشتياق. الفيلم كلوديو، وكلوديو الفيلم، الأرمل والأب، المسرف والمبذر، ومن ثم المدبر والمقتصد، المحاط بالحب من أخوته وأصدقائه وحين يخذلهم لا يستسلم للخذلان، فسرعان ما ينهض بمشروعه ويقوده إلى النجاح معيداً كل الأموال التي اقترضها ممن حوله، لكن يبقى المهاجر هو معبره، وسيلته في ابتزاز رب العمل، المهاجر غير الشرعي الذي سيكون موته دائماً مشكلة تستدعي التخلص منه كما في كل شيء آخر.

الإمارات اليوم في

07/06/2010

 
 

ريدلكي سكوت: «روبن (قبل) هود»

يوم اكتشفت هوليوود بشاعة الحرب

عماد خشان

مقاربة مختلفة لأسطورة زعيم الخوارج الذي سرق الأغنياء ليطعم الفقراء. حروب أميركا الاستعماريّة وأزماتها المالية مرّت من هنا

ربّما كان «روبن هود» من أكثر الشخصيات التي أحبّتها الشاشة، وتعاملت معها حتّى الاستنفاد! تاريخ السينما مليء بالأفلام التي أعيد إنتاجها مراراً وتكراراً، عن شخصيّة معيّنة، على مراحل وحقبات مختلفة... لكنّ البطل الذي أعاد ريدلي سكوت إحياءه أخيراً، يحتلّ بلا شكّ مكانة على حدة بين أساطير الفنّ السابع. منذ عام ١٩٢٦، هناك ٩٩ فيلماً أو مسلسلاً عن ذلك النبيل الخارج على القانون، والمختبئ في غاباته دفاعاً عن العدالة، سارقاً من الأغنياء ليعطي الفقراء.

وإذا كانت معظم تلك الأعمال متشابهة في تصويرها لـ«روبن هود»، فإن السينمائي البريطاني يقدّم هنا مقاربة مختلفةً كلياً للحكاية... إلى درجة يصبح عنوان الفيلم «روبن هود» غير دقيق. لعله كان من الأنسب تسميته «روبن (قبل) هود». أي حين كان اسمه روبن لونغسترايد، قبل أن يعلن العصيان على النظام الجائر الذي يرمز إليه الملك جان، وريث ريتشارد قلب الأسد على عرش إنكلترا، وقبل أن يصطفي الغابات جمهوريّة فاضلة مع رجاله الظرفاء ومحبوبته ليدي ماريان.

روبن هود في نسخته الجديدة ليس سوى جندي في جيش الملك الصليبي ريتشارد قلب الأسد، يحارب معه ويعود مدحوراً من فلسطين، ليبدأ بشن حروب على فرنسا وملكها فيليب. لكن ما إن يُقتل ريتشارد (داني هستون) في إحدى المعارك، حتى يتسلّم أخوه جان الحكم، وتبدأ أسطورة روبن هود. روبن قبل هود، يؤديه الأوسترالي راسل كرو بجدية نفّرت النقاد والمشاهدين الذين اعتادوا صورة البطل المرح، الذي يرافقه رجال شجعان... لكن ظرفاء.

لكنّ ذلك زمن مضى. ونحن الآن في عصر جورج بوش وحروبه المستمرة. مع أنّه هو الآخر مضى، وصارت مهمة هوليوود إطلاق الرسائل الأخلاقية عن بشاعة الحروب والظلم وعلاقة الدولة بالمواطن. هكذا يبدأ الفيلم بإخبارنا أنّ إنكلترا في مطلع القرن الثالث عشر كانت تعاني من الظلم والطغيان، وأنّ تلك الظروف هيّأت التربة لبروز رجال من نوع روبن هود.

إنكلترا في ظل غياب ملكها المحبوب ريتشارد، وقعت فريسة نزوات جان. وما إن اعتمر التاج، حتى أحكم قبضته على السلطة، وبدأ بممارساته التعسفية، ناهباً الناس باسم الضرائب المستحقة للخزينة. يخدع الملك جان شعبه، ويعده بإجراء الإصلاحات المطلوبة، مقابل أن يحارب إلى جانبه ضدّ الغزو الفرنسي لإنكلترا. لكن ما إن ينتصر الجيش الإنكليزي على ملك فرنسا...

أسلوب تصوير المعارك يليق بأحدث أفلام الحركة

بفضل «روبن» طبعاً في الفيلم، حتى يعود الملك عن وعوده، مختبئاً خلف «الحق الإلهي» ليتفرّد بالسلطة، ثم يعلن روبن مجرماً ويطارده لإعدامه. هكذا، يتوارى بطلنا عن الأنظار في الغابات، ويتوقّف الفيلم عند بداية هذه المرحلة الجديدة من حياته. مرحلة روبن هود التي يعرفها الجميع.

كالعادة مع صاحب «مملكة السماء»، الفيلم ممتاز تقنياً. يستخدم سكوت أسلوباً في تصوير المعارك، يليق بأحدث أفلام الحركة. لكنّه يختار أيضاً أفكاراً حديثة في مقاربة الحرب، ويسقطها على الحروب الأميركية الحالية. وهذا هو مزاج السينما الأميركية اليوم: انتقاد الحروب والحكومة، ودعوة إلى إعادة النظر في توزيع الثروة، في ظل أزمة مالية خانقة، والحدّ من بذخ الطبقة الحاكمة. لكن هل ينجح الشعب الأميركي في خلق روبن هود جديد؟

أما المشاهد العربي، فيشعر بأنّ الفيلم ـــــ بما فيه من خونة وعملاء وجواسيس ووصوليّين ــــ صنع من أجله فقط! مشهد الملك جان الذي يتفاوض مع أعيان شعبه، واعداً إيّاهم بأن يحكم بالعدل، فيما السفن الفرنسية تقترب من شواطئ إنكلترا، يحيلنا على الراهن العربي مع فارق بسيط: أن الحكام العرب، غالباً، يتوطأون مع الغزاة على شعوبهم، فتسلم أنظمتهم وعروشهم.

الأخبار اللبنانية في

07/06/2010

####

محمد صالح هارون... أحزان أفريقيا

سعيد خطيبي 

لطالما اقترنت صورة القارة السمراء بجملة مسلمات وأفكار جاهزة، تتمثل خصوصاً في الفقر، والمجاعة، والحروب الأهلية... وهي تمثّل محاور سيناريو «رجل يصرخ» للسينمائي التشادي محمد صالح هارون. الشريط عُرض أخيراً ضمن المسابقة الرسمية في «مهرجان كان»، وفاز بـ«جائزة لجنة التحكيم»، مؤكداً عودة السينما الأفريقية إلى المهرجان العريق بعد طول غياب.

تعود أحداث الفيلم نفسه إلى تداعيات الحرب الأهلية في تشاد التي دارت قبل أربع سنوات بين القوات الحكومية والمتمردين، وأدت إلى مئات الضحايا. وقد اتّخذ المخرج محوراً لفيلمه هذه المرحلة التي عايشها. لقد أوضح هارون في حديثه للصحافة: «عشت الحرب الأهلية في بلدي، ثلاث مرات: حين أصابتني رصاصة طائشة عام 1980، وحين هاجرت مرغماً إلى الكاميرون المجاورة، على متن عربة يجرها والدي، ثم في عام 2006، على هامش تصوير فيلم «دارات»».

ربيع 2006، كان هارون يصوّر في العاصمة نجامينا مشاهد من فيلمه «دارات» (جائزة لجنة التحكيم في «مهرجان البندقية»)، حين وصلت قوات المتمردين إلى أبواب المدينة، وفُرض قانون منع التجول ليلاً، فاضطر إلى توقيف التصوير. وشرع هارون يومذاك في تدوين ملاحظاته التي مثّلت لاحقاً مادة «رجل يصرخ». يسرد الفيلم مشاهد من يوميات عائلة تشادية بسيطة، تتألّف من الوالدين أدام (يوسف جاورو) ومريم (فاطيمي نجوا) والابن عبدل (ديوك كوما) الذين تفرّق بينهم عبثية الحرب. يضطر الابن (20 سنة) إلى الالتحاق بالجيش الحكومي لأنّ العائلة فقيرة لا تستطيع دفع المستحقات المالية المفروضة عليها. لكنّه يتعرض بعد وقت قصير لإصابة خطيرة، يموت على أثرها، تاركاً وراءه حبيبته المغنية الشابة الحامل بطفله. وقد أراد المخرج من خلال ذلك، إيصال رسالة مفادها أن الحياة تستمرّ رغم الحرب والموت والدمار التي تشهدها بلداننا في مختلف البقع «الملعونة» من العالم.

«رجل يصرخ» في جحيم الحرب الأهليّة

يتذكر محمد صالح هارون المواجهات العنيفة، قبل أربع سنوات، بين الجيش والمتمردين: «بعد بضع دقائق من المواجهات، سقط ما لا يقل عن 300 قتيل». معاناة بلغت ذروة من البشاعة واللاإنسانية، جاءت استعادتها على الشاشة، لتؤكّد اللحمة التي تربط بين المخرج ووطنه الأم. السينمائي الذي خصّته لجنة التحكيم الدوليّة بجائزتها الخاصة، اختار أن يدخل «مهرجان كان» تحت راية تشاد، مع العلم بأنّه أخرج، خلال السنوات الماضية، عدداً من الأعمال، التي نالت جوائز دولية، لكن بالتعاون مع منتجين أوروبيين، على غرار فيلمي «باي باي أفريكا» (1999ــــ جائزة أفضل باكورة سينمائية في «مهرجان البندقية») و«أبونا» (2002ــــ جائزة السينما الأفريقية في واغادوغو).

الأخبار اللبنانية في

07/06/2010

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)