كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

«رسائل البحر»

قصيدة من الشعر السينمائى النادر

فى السينما المصرية

بقلم   سمير فريد

عن فيلم

رسائل البحر

   
 
 
 
 

حال مهرجان برلين دون مشاهدتى فيلم داوود عبدالسيد الجديد «رسائل البحر» فى الأيام الأولى من عرضه.

ورغم أننى قرأت السيناريو كأحد أعضاء اللجنة التى وافقت بالإجماع على دعم وزارة الثقافة لإنتاجه، فإننى دربت نفسى على تلقى الأفلام من دون أى خلفيات مسبقة، ولذلك شاهدت الفيلم كأننى لم أقرأ السيناريو، كما أننى من النقاد الذين يعتبرون الفيلم هو الفيلم على الشاشة، وليس على الورق.

داوود عبدالسيد رغم قلة عدد أفلامه من المخرجين الكبار فى السينما المصرية المعاصرة، والقيمة ليست بالكم سواء كان قليلاً أو كثيراً.. وكل فيلم من أفلام داوود حدث فى السينما المصرية لأنه فنان حقيقى يبدو من أفلامه أنه لا يقف وراء الكاميرا إلا ليعبر عن هموم حقيقية يشعر بها.

ورغم أن أفلامه لا تقبل فى المهرجانات الدولية فى أوروبا أو بالاحرى لا تعبر الحدود، وأحدثها «رسائل البحر» الذى لم يقبل فى مهرجان برلين، إلا أن هذا لا يقلل من قيمة الفيلم أو أى من أفلامه.

ويختلف «رسائل البحر» عن أفلام فنان السينما المؤلف الأخري، ففيه، ولأول مرة، فى مسيرته الحافلة عبر أكثر من ٢٥ سنة، يقدم قصيدة من الشعر السينمائى، وهو أسلوب نادر فى السينما المصرية، ولكن كتابة الشعر لا تمثل قيمة فى ذاتها، فهناك شعر جيد وشعر ردىء.

لست من الذين يرون أن تلقى الشعر يعنى إسكات العقل وإطلاق الوجدان، فكل عمل فنى أو أدبى يتطلب إعمال العقل ويحرك الوجدان بالضرورة، وإنما يكمن الفرق فى مراعاة الاختلاف بين طبيعة الشعر وغيره من الفنون والآداب من حيث إنها تقوم على الاقتباس والقابلية للتأويلات المتعددة وعدم ربط المقدمات بالنتائج على نحو عقلى صارم، وهكذا أيضاً يكون التلقى الصحيح لفيلم «رسائل البحر».

هذه قصيدة عن البحر الواسع كالحياة فى هدوئه وثورته وجماله وعنفه، وبساطته وغموضه، وهو الغموض الذى يتجسد فى الزجاجة التى يعثر عليها «بطل» الفيلم اللا بطل، والآتية من البحر، وبها رسالة بلغة لا يعرفها أحد، لا تسأل بالعقل عن لغة لا يعرفها أحد ولا تسأل بالعقل لماذا يترك هذا الشاب عمله كطبيب ويفضل أن يكون صياداً للأسماك، ولا تسأل بالعقل لماذا تترك هذه الفتاة الشاب الذى تتبادل معه الحب وتفضل حب فتاة مثلها، لا تبحث عن إجابات وإنما تأمل الأسئلة.

أما إلى أى مدى كانت الدراما الشعرية معبرة عن الموضوع والمضمون، فهذا يحتاج إلى تحليل مفصل، وما هذا المقال إلا دعوة لمشاهدة هذا العمل الفنى الجميل.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

17/03/2010

 

«رسائل البحر»

مرثية شعرية بالصورة السينمائية لعالم جميل يتلاشى

هاشم النحاس

على رغم تعدد ما طرح من آراء حول فيلم «رسائل البحر» من تأليف وإخراج المبدع داود عبدالسيد، إلا أن قراءة الفيلم ما زالت مفتوحة تتقبل المزيد من التأويل بما يحمله الفيلم من دلالات، والمزيد من التحليل بما يتحلى به من جماليات الصورة السينمائية.

لا يناقش الفيلم مشكلة اجتماعية محددة تؤرق المجتمع أو تفقده توازنه على غرار الأفلام الواقعية، مع احترامنا الشديد للأفلام الجيدة منها، وإنما ينفذ برموزه إلى قلب الإشكالية الأنطولوجية للمجتمع الذي يتعرض وجوده للتهديد... أن يكون أو لا يكون. وهي الإشكالية نفسها التي طرحها شادي عبدالسلام في فيلمه الفريد «المومياء»، وإن جاءت نهاية «المومياء» تحمل الأمل حيث تحتمي المومياوات بأحضان الدولة في النهاية، بعدما كانت مهددة بالفناء تحت معاول اللصوص الذين ينهشونها. أما نهاية فيلم داود فهي بمثابة صرخة تحذير مدوية من الدمار الآتي. وجاء الفيلم – في عمومه بمثابة مرثية شعرية بالصورة السينمائية لزمن جميل يتلاشى. ولم يكن غريباً أن يكون الرمز الحضاري هو حامل الدلالة في الفيلمين. ويتمثل في الآثار الفرعونية التي يتم إنقاذها في الأول، والعمارة التي يجرى هدمها في الثاني.

من خلال يحيى الشخصية الرئيسة في الفيلم، نتعرف إلى شخصيات أخرى، كل منها له عالمه الخاص، وكل منها يرسم لنا ملمحاً من ملامح الصورة لمجتمع يتلاشى. يحيى (الفنان آسر ياسين) لم يستطع مواصلة العمل بالطب لإصابته بلعثمة في النطق تثير سخرية الآخرين. ويضطر أن يترك القاهرة بعد موت أبيه ورحيل أخيه الأكبر إلى أميركا، ويذهب إلى شقة قديمة للأسرة في الإسكندرية ليعيش فيها. ويعمل بالصيد لإعانته على العيش، لكنه يظل مهدداً بالطرد من الشقة لأن مالك البيت الجديد الحاج هاشم (صلاح عبدالله) يريد أن يهدم البيت ويقيم بدلاً منه مركزاً تجارياً (مول)، ويرفض يحيى أن يخرج من البيت إلى أن يطرد من شقته في النهاية.

وفي بيت الإسكندرية، نلتقي بجارته القديمة الإيطالية العجوز فرانشسكا (نبيهة لطفي) التي عاشت في الإسكندرية وأحبت الحياة فيها، وتشعر بالأسى نحو شقتها التي تحمل ذكرياتها، ولكنها تضطر إلى تركها تحت ضغط الحاج هاشم، وتقرر العودة إلى إيطاليا. أما ابنتها كارلا (سامية أسعد) مصممة الملابس، فينتعش حبها القديم ليحيى عندما عاد إلى شقته بعد عشر سنوات. لكن هذا الحب ما لبث أن تلاشى عندما فكرت في الرحيل إلى إيطاليا، وتزامن هذا التفكير مع تعرفها إلى إحدى زبوناتها التي نشأت بينهما علاقة مثلية.

وأما قابيل (محمد لطفي) صديق يحيى الذي يعمل حارساً شخصياً في أحد الملاهي الليلية، فهو مهدد بالموت إذا لم تجر له جراحة في المخ. وإذا أجرى الجراحة فهو مهدد بفقدان الذاكرة. ذلك بالإضافة إلى خوفه من الطرد من عمله إذا علم صاحب الملهى أنه قرر عدم الإقدام على ضرب أي مشاغب في الملهى إذا لزم الأمر، وهو العمل المنوط به، ذلك أنه سبق أن ضرب شخصاً فأرداه ويعاني الندم على ذلك. وليست نورا (بسمة) أسعد حظاً في حياتها، فهي ترفض علاقتها بزوجها الذي يزورها مرة كل أسبوع أو أسبوعين، بينما يعيش حياته مع زوجته الأولى في القاهرة. وترى في علاقته بها أشبه بعلاقته بفتاة من فتيات الليل، لذلك تثور على هذه العلاقة وتضطر إلى إجهاض نفسها، وإذ تواصل علاقتها بيحيى الذي أحبته لبراءته وتمسكه بها على رغم إيهامها له بأنها فتاة ليل ومعرفته بالجنين في بطنها قبل أن تجهضه، إلا أن هذا الحب يظل بعيداً من التمتع بالاستقرار وليس هناك ما يضمن استمراريته.

ولعل أهم ما يميز الفيلم من ناحية الأسلوب السردي هو إيقاعه الهادئ البطيء الذي يستولي على مشاعر المشاهد. ويرتبط هذا الإيقاع بالدعوة إلى التعمق في تأمل ما يراه المشاهد من أحداث وما تثيره في ذهنه من دلالات تتعدد مستوياتها، وهو ما جعل الفيلم قابلاً لقراءات عدة من النقاد.

الصورة السينمائية

ويرتبط إيقاع الفيلم بإثارة الإحساس بالمتعة الجمالية التي تثيرها جماليات الصورة السينمائية ويصل بها الفيلم إلى أعلى مستوياتها العربية. وهو في ذلك يذكرنا مرة أخرى بفيلم «المومياء». في المشاهد الأولى من الفيلم مثلاً تستعرض الكاميرا بحركة ناعمة واجهات بعض المباني القديمة وما فيها من أبواب ونوافذ وشرفات، تكشف عن تناسق أبعادها وجمال زخارفها المعمارية في تشكيلاتها المنسابة في ليونة. يتم عرض اللقطات بإيقاع بطيء يدعونا إلى تأمل محتواها وتذوق ما فيه من جمال، يؤكد هذه الدعوة إلى جانب حركة الكاميرا البانورامية البطيئة، إيقاع الانتقال الهادئ بين لقطة وأخرى، واستخدام وسيلة المزج في الانتقال في ما بينها، بحيث تختفي اللقطة السابقة بالتدريج في الوقت نفسه الذي تظهر اللقطة التالية، وكأن كل لقطة تعانق سابقتها أو تودعها بقبلة بالظهور معاً في منتصف لحظة الانتقال. والموسيقى الخفيفة الهادئة المصاحبة لهذه اللقطات ترحب بخوض المشاهد تجربة تذوق جمال هذا المكان. ولا يأتي هذا العرض الجمالي مجانياً (كما قد يظن البعض)، إذ يعلم المشاهد في ما بعد أن هذا المكان الجميل (الرمز الحضاري) يتعرض للزوال، ليحل محله مول كبير (رمز الحداثة الغثة).

ولا تقتصر جماليات الصورة على إبراز جمال المكان سواء الخارجي منه خصوصاً مشاهد البحر والأمواج، أو الداخلي منه مثل شقة فرانشسكا أو أتيلييه كارلا، (وفيها كلها تبرز مهارة مصمم المناظر مهندس الديكور أنسي أبو سيف، وإنما يمتد جمال الصورة ليشمل إبراز جمال الجسد الإنساني خصوصاً ملامح او إيماءات الوجه المعبرة للشخصيات الرئيسة وفي مقدمها شخصيتا يحيى ونورا. وحتى لا يتحول الجمال الجسدي إلى إثارة من نوع رخيص تبعدنا بالضرورة عن متابعة مضمون الفيلم، يتم تصوير نورا مثلاً عندما تخلع ملابسها الخارجية وتقفز في مياه البحر في لقطة عامة جداً «بعيدة». وكذلك الحال عندما تطلب كارلا من زبونتها خلع فستانها، فيصل المعنى المقصود من المشهد من دون أن يتجاوز إلى الإثارة الحسية.

ويحسب للفيلم جمالياً أنه على رغم تضمنه بـ «الضرورة» علاقات جنسية، إلا أن هذه العلاقات يتم التعبير عنها إيحاءً، بعيداً من مشاهد العناق المعهودة على السرير. ويأتي التعبير واضحاً وقوياً وإن كان غير صريح.

ومن الصور الجميلة المعبرة للأداء الجسدي في الفيلم مشهد الإيطالية العجوز المتهالكة بجسدها الثقيل في مقعدها الوثير تحرك أطرافها على إيقاع الموسيقى الراقصة المصاحبة لرقصة يحيى مع كارلا، ثم لا تلبث أن تتجاوز قصور جسدها وتنهض لتشارك بالرقص وتدور حول نفسها بمساعدة يحيى الذي يحتضنها، فيصل المشهد إلى ذروة من التعبير عن البهجة التي تحتضن الجميع على رغم اختلاف العمر والجنسية واختلاف الدين.

وتلعب إضاءة مدير التصوير أحمد المرسي دوراً أساسياً في كل هذه المشاهد الجمالية المعبرة. ويعمل التكوين في كثير من اللقطات على تحويلها إلى ما يشبه اللوحات التشكيلية.

الصوت جمالياً

ولا يكتمل جمال الصورة السينمائية من دون شريط الصوت الذي يأتي متكاملاً مع الصورة إلى حد يندر وجوده في السينما المصرية. فالموسيقى (إبداع راجح داود) تأتي هادئة ناعمة تدعو إلى التأمل، لا تفرض وجودها على الشاشة. تختفي أو تكاد وراء الصورة، ولا تنافسها في التعبير أو تحل محلها كما هو معهود في أفلام كثيرة. ويتم تضفير المؤثرات الصوتية مع الموسيقى في علاقة جدلية بوليفونية، خصوصاً أصوات أمواج البحر الناعمة حيناً والصاخبة حيناً آخر. أما الأصوات الغنائية التي تهمس من بعيد (عبدالوهاب أو أم كلثوم)، فقد تتماس كلماتها مع دلالة المشهد، ولكن الأهم أنها تحمل عبق الزمن الذي ترمز اليه، ويقدمه الفيلم باعتباره الزمن الجميل الذي أصبح مهدداً.

وإلى جانب دور الموسيقى في الخلفية كشخصية تابعة للصورة السينمائية، نجدها أيضاً في الفيلم تمثل شخصية مستقلة لها دور فاعل في تطوير الأحداث، حيث يدفع عشق يحيى للموسيقى إلى الوقوف على الرصيف في الشارع كل ليلة لسماع نغمات البيانو الرقيقة الصادرة عن نافذة في إحدى العمارات المجاورة. ولا يمنعه المطر في إحدى الليالي من أداء هذا الطقس اليومي. وتنزل صاحبة العزف (نورا) التي تلحظه، تدعوه أن يحتمي معها من المطر تحت المظلة التي تحملها ويقبل يحيى الدعوة ويمشي إلى جانبها، وتبدأ العلاقة بينهما.

ويأتي الحوار على غرار الصورة محكماً في اقتصاده، فالحوار قليل والصورة هي التي تتكلم أكثر وهناك مشاهد كثيرة بلا حوار. ويصل الاقتصاد في الحوار أحياناً إلى حد أن نسمع سؤالاً من إحدى الشخصيات لشخصية أخرى وعلى غير ما نعهده لا تجيب الشخصية الأخرى، وإنما نرى رد الفعل عليها، أو ننتقل إلى مشهد آخر حيث لا حاجة إلى الإجابة التي يمكن أن يستخلصها المشاهد.

وإذا جاء أداء نبيهة لطفي في دور الإيطالية فرانشسكا تلقائياً (ونموذجاً عليه المشهد السابق الذكر) على رغم أن نبيهة ليست ممثلة في الأصل بل هي مخرجة تسجيلية معروفة، فكذلك كان الحال في أداء بقية الممثلين عموماً ومنها أداء يحيى في لعثمته، وإن جاء الأداء نمطياً لدى محمد لطفي في دور قابيل ولدى صلاح عبدالله في دور الحاج هاشم كما ذكرت الزميلة أمل الجمل في نقدها السابق في جريدة «الحياة».

والفيلم إذ ينتهي بطرد يحيى ونورا من شقته، نراهما في آخر لقطات الفيلم داخل قارب صغير وسط مياه البحر التي امتلأت بالأسماك الميتة حول القارب بفعل الديناميت الذي يفجره الحاج هاشم كوسيلة «غير مشروعة» لصيد السمك. وتبتعد صورة القارب بحركة «زوم» طويلة من الكاميرا بزاوية من أعلى، فيتقلص حجم القارب تدريجاً في الصورة حتى يكاد أن يتلاشى وسط المياه التي تنتشر على سطحها الأسماك الميتة. وتمثل هذه اللقطة خلاصة للفيلم، ويصل بها الفيلم إلى ذروة جماليات الصورة السينمائية في تعبيرها عن دلالته.

الحياة اللندنية في

02/04/2010

 

بورتريه

طارق الشناوي يكتب:

داود عبد السيد عقلً ميكروسكوبً وقلبً تليسكوبً

امتلك «داود عبدالسيد» ميكروسكوباً وتليسكوباً معاً، كان يقترب بالميكروسكوب من التفصيلة الدقيقة ليصنع منها عالماً مترامي الأطراف.. وفي نفس الوقت كان قادراً بنظرة من خلال التليسكوب أن نري الكون كله في لقطة واحدة، إنها براعة سينمائي قرر أن يمزج وجدانه مع أحاسيس الناس ويحيل كل ذلك إلي أفلام تحفر لها مكانة دائمة في وجداننا بعقل الميكروسكوب وقلب التليسكوب!!

أول مرة تعرفت فيها علي «داود عبدالسيد» ككاتب مقال وذلك في مطلع الثمانينيات لم يكن قد أخرج سوي عدد من الأفلام التسجيلية ولم أكن قد شاهدت أياً منها من قبل وأثناء احتفال أقامه المركز القومي للصورة المرئية بمناسبة بلوغ المخرج الكبير الراحل «صلاح التهامي» الستين من عمره استوقفني مقال كتبه «داود» من بين عشرات المقالات لأول مرة أعثر علي تعبيرات متفردة حميمية وصادقة.. وتعرفت علي صاحب المقال ثم شاهدت أفلامه التسجيلية مثل «رقصة من البحيرة»، «وصية رجل حكيم» ثم بدأت رحلته مع الأفلام الروائية وفي كل مرة أتذكر أن تفرده وصدقه وحميميته في المقال هي نفسها التي تعلن عنها أفلامه!!

تأخر كثيراً دخول المخرج «داود عبدالسيد» لعالم السينما الروائية فهو خريج دفعة 1967 في معهد السينما كان من بين زملائه علي نفس التختة «علي بدرخان» و«خيري بشارة».. «علي» أخرج عام 73 أول أفلامه «الحب الذي كان» و«خيري بشارة» 82 «العوامة 70»، سنوات الانتظار ساعدت «داود» علي طرح ثمار ناضجة.. وكانت أولي الثمرات فيلمه «الصعاليك» 1985 رؤية عميقة لما كان يعرف بسينما الانفتاح الذي كان الطابع المميز لتلك الفترة.

يتناول الفيلم حياة الصعلوكين «نور الشريف» و«محمود عبدالعزيز».. نعود في الفيلم إلي بدايات الستينيات وتستمر الأحداث حتي نهاية السبعينيات وكان التطور في حياتهما انعكاساً لما يحدث في المجتمع.. في المشاهد الأولي نتعرف علي الصعلوكين، فهما يتهربان من دفع الحساب بعد أن تناولا الغداء ولأننا أمام شخصيات عادية وليسوا من محترفي الإجرام فقد حرص السيناريو في المشاهد التالية علي أن يقدمهما لنا بعد أن فشلا في السطو علي محل آخر وأشبعا ضرباً.

وبدقة متناهية وإدراك واع للطبيعة البشرية يختار السيناريست اللحظة النفسية التي يوقظ فيهما النهم الجنسي - بعد هذه العلقة الساخنة - بعد أن شاهدا امرأتين في الطريق.. كان اختيار المكان يشغل بال السيناريست دائماً.. كذلك الانتقالات الذكية بين المشاهد مثل الحوار الذي يدور بين المرأة الداعرة و«نور الشريف» عندما تسأل (كم نفر) فيكون مشهد التالي علي موقف السيارات والنداء التقليدي (نفر واحد).

وانتقل «داود عبدالسيد» إلي فيلمه الثاني «البحث عن سيد مرزوق» ليسبح في منطقة إبداعية خصبة.. البعض يطارد الفكرة التي يكتب عنها والبعض تطارده الفكرة وتلح عليه حتي يقدمها للناس وهذا هو ما حدث لداود عبدالسيد وفيلمه «البحث عن سيد مرزوق».. إن شحنة الصدق والتلقائية في هذا الفيلم لا يمكن أن يصنعها فنان مهما بلغت حرفيته ولكن هذه الشحنة كانت أكبر من أن يكبتها «داود» ولهذا خرجت - ربما رغماً عنه - للناس.. علي مدي ساعتين زمن عرض الفيلم تهيمن عليك أحداثه تماماً وتعيش عالم «سيد مرزوق».. اللقطات السينمائية تقف علي خطوط التماس بين الواقع والحلم والكابوس وحرص «داود» علي أن الشك يظل قائماً ولا تستطيع أن تجزم هل أنت تعيش الواقع أم الحلم؟!

الزمن الدرامي لا يتجاوز 24 ساعة، حيث يستيقظ بطل الفيلم «نور الشريف» من نومه مسرعاً ليلحق بعمله ولكنه يكتشف أن اليوم إجازة ونكتشف نحن بعد ذلك أن «نور الشريف» لم يغادر منزله منذ أكثر من 20 عاماً هل ظل «نور الشريف» بعيداً عن هذا العالم طوال 20 عاماً؟!

الكاتب والمخرج «داود عبدالسيد» يقدم رؤية بصرية وسمعية تستفزك في كل مرة لتشاهد عالم «سيد مرزوق» مرة أخري لتكتشف أشياء جديدة ورؤية أعمق وكأنك لم تشاهده من قبل.. أحداث الفيلم لم تتناول يوماً فقط بل عمراً و«البحث عن سيد مرزوق» لم يكن فيلماً بل حياة وعالماً.. إنه عالم «داود عبدالسيد» وما أجمله من عالم!!

ثم يأتي أكثر أفلامه شعبية والذي من الممكن أن تصبح مشاهدته مضاداً حيوياً موجهاً ضد الاكتئاب إنه «الكيت كات».. يمتزج فيه مرح الطفولة بالشقاوة والذكريات الجميلة في كلمة درجن.. درجن.. درجن.. درجن.. التي يرددها «محمود عبدالعزيز» مع اقتراب نهاية أحداث الفيلم حيث يغني قائلاً ياللا بينا تعالوا نسيب اليوم في حاله وكل واحد مننا يركب حصان خياله.. درجن درجن درجن درجن وما أشد حاجتنا لكي نحلق بعيداً مع هذا الفيلم.

كحة ونحنحة خفيفة يطلقها «محمود عبدالعزيز» أو «الشيخ حسني» الكفيف وهو يغني في اللقطة الأولي مع كتابة «تترات» الفيلم.. إن هذه التفصيلة الدقيقة أثناء الغناء تنقلك علي الفور من مقعدك أمام الشاشة لتجد نفسك تعيش مع شلة أصدقاء «محمود عبدالعزيز» أقصد «الشيخ حسني» وتغني وتنسجم معهم وتكح وتتنحنح مثلهم!!

لسعة البرد الخفيف مع آخر نسمات الفجر تشعرنا بها إضاءة «محسن أحمد» وشلة الأصدقاء تغادر المكان.. لقد نقلتنا الإضاءة إلي عز البرد، حيث تجري أحداث الفيلم.. ديكور الحارة الشعبية تشم من خلاله رائحة كل حوارينا لفنان الديكور «أنسي أبوسيف» وتؤكد عليها موسيقي «راجح داود».

مايسترو يحرك بحرفية شديدة فريق العمل وكأنهم في رحلة فنية ممتعة يتزعمها «داود عبدالسيد».. ليست هناك حدود فاصلة بين الفنان وإبداعه، لأن الفنان الحقيقي يقدم نفسه من خلال لوحة أو قصيدة شعر أو فيلم وهذا هو ما فعله بالضبط «داود عبدالسيد» في فيلمه «الكيت كات» المأخوذ عن قصة إبراهيم أصلان «مالك الحزين»!!

التحدي هو القيمة التي يحملها بطل الفيلم «الشيخ حسني» محمود عبدالعزيز والتحدي أيضاً هو السلاح الذي يحمله المخرج «داود عبدالسيد» فهو يتحدي بهذا الفيلم همومنا وإحباطنا وعجزنا ويجبرنا مهما ضاقت بنا الدنيا علي أن نمرح ونضحك ونحلق ونغني معه درجن درجن درجن درجن!!

لم تنتقل «فاتن حمامة» من جيل الوسط في المخرجين إن صح التعبير «حسين كمال» و«سعيد مرزوق» إلا في تجربتين مع مخرجي الثمانينيات وهما خيري بشارة «يوم مر ويوم حلو» وداود عبدالسيد «أرض الأحلام».. هذا الفيلم يخاطب الطفل داخل كل منا.. إنه ليس فيلماً للأطفال لكنه يعود بنا إلي مرحلة الطفولة.. حيث الصفاء والمرح والضحك من القلب.. لا تصدق أن أمامك سيدة الشاشة «فاتن حمامة» التي تتجسد دائماً أمامنا بأمجادها السينمائية التي وضعتها علي القمة سيدة للشاشة العربية.. إنك أمام فنانة أخري تتحرر من كل القيود التي فرضت نفسها عليها وللدقة لم تكن هذه القيود من صنع «فاتن حمامة» أو علي أقل تقدير - أغلبها - ولكن عشاق «فاتن حمامة» هم الذين فرضوا هذه الشخصية فأصبحت جزءاً من تكوينها الفني أمام الكاميرا!!

إنها «فاتن حمامة» الجادة المعطاءة القوية حتي ولو أدت دور بنت بلد.. ومن هنا كان الرهان صعباً وهو كيف تقدم «فاتن حمامة» أخري؟ وإذا وافقت «فاتن» هل يوافق عشاق «فاتن»؟! إنها «نرجس ريحان» في فيلم «أرض الأحلام» للمخرج «داود عبدالسيد» الأرملة التي لم تعش حياتها لكنها تحولت إلي جسر يعبر عليه الأبناء وهي قانعة بذلك ولكن ماذا فعلت «فاتن حمامة» وما الذي فعله المخرج «داود عبدالسيد» حتي نشاهد أمامنا «نرجس» وليست «فاتن حمامة»..؟ «اللدغة» في حرف الراء التي تميزت بها الشخصية وهو ليس إضافة من أجل الإضحاك عند نطق الكلمات لكنه تعايش أكثر مع الشخصية.. وهو أيضاً ربما يمثل لفاتن حمامة إحساساً بالعودة للطفولة.. وهو إحساس خاص جداً لكنه ضروري في تقديم هذه الشخصية كما رسم ملامحها «داود عبدالسيد».. لقد كانت أيضاً «فاتن حمامة» في طفولتها وشبابها تعاني صعوبة في نطق حرف الراء وأحست في أدائها أنها تريد أن تعود لتلقائيتها وهذه التلقائية مرتبطة نفسياً بالطفولة!!

إن «فاتن حمامة» تتحرر أيضاً في هذا الفيلم من الصراع مع الزمن الواقعي.. وأيضاً الزمن السينمائي.. فهي في أحداث الفيلم تطرق باب الستين وإبناها «هشام سليم» و«علا رامي» يعلنان في كل مشهد ذلك الإحساس.. إن الكاميرا تقترب من «فاتن» لنري بصمة الزمن علي وجهها ولا تخشي «فاتن» من هذا الاقتراب.. الباروكة التي تضعها علي رأسها نشاهدها أمامنا وهي ترتديها أو تخلعها إنه انطلاق وتحرر آخر تمارسه «فاتن حمامة» مع «داود»!!

الخط الأول الذي يقدمه الكاتب «هاني فوزي» هو ضياع جواز السفر والتذكرة ليلة سفر «فاتن حمامة» للهجرة إلي أمريكا إنه يبدو كابوساً عشناه جميعاً من قبل ولكن المخرج يقدمه لنا واقعاً يرتبط أحياناً بالحلم وأحياناً بالكابوس!!

«فاتن حمامة» أقصد «نرجس» لم تقدم لنا فقط صوت وملامح الشخصية ولكن جعلتنا نلمسها ونشمها ونتذوقها ولكي تستمتع بنرجس عليك أن تتعامل بحواسك الخمس وإذا كنت تملك السادسة فسوف تستمتع أكثر وتلك هي سينما «داود عبدالسيد»!!

انطلق «داود» بعد ذلك وتحديداً عام 1995 إلي «سارق الفرح».. القصة القصيرة التي كتبها «خيري شلبي» تتناول لحظات الفرح الضئيلة التي يسرقها البسطاء من الحياة.. «خيري شلبي» يقدم هذه السرقة العلنية في لوحة أدبية حيث نلتقي مع هذا العالم المهمش الذي يعيش أفراده علي جبل المقطم حيث تبدو القاهرة علي البعد متلألئة بالأضواء والعمارات الشاهقة لتؤكد هذا التباين!!

ووضع «داود» نبضه السينمائي علي وريقات «خيري شلبي» وأحالها إلي قصيد سيمفوني تختلط فيه لحظات الشجن مع فرحة العين والقلب.. إن الشخصيات تمتد جذورها إلي تلك التربة التي رواها «خيري شلبي» ولكنها تنمو وتتفاعل مع رؤية «داود» وعالمه السينمائي.. ويلجأ «داود» إلي استخدام الأغنيات بكلمات بسيطة تصبح معادلاً لا شعورياً للحظة الحلم المستحيل.. تبدأ الأحداث مع التترات بموسيقي غنائية وهي بمثابة التعاقد المبدئي مع الجمهور الذي عليه أن ينتظر مزيداً من الأغنيات ومن خلال التلسكوب العتيق الذي اشتراه «حسن حسني» القرداتي نتعرف علي شخصيات الفيلم بينما هو يبحث عن «حنان ترك» إنها الأمل المستحيل لرجل يقف علي عتبة النهاية!!

الفقراء الذين يقدمهم «داود» لا يملكون قيماً مثالية يحطمها الواقع.. ولكنها نتاج لهذا الواقع ولهذا يقدمون تنازلات من أجل أن يسرقوا الفرح!!

تأخر كثيراً لقاء «داود عبدالسيد» مع «أحمد زكي» ولكنه أبداً لم يغب عن أفكاره فمنذ أول أفلامه «الصعاليك» و«أحمد زكي» يشكل لداود أحد الجسور الإبداعية ولكن لأسباب خاصة اعتذر وكان «أحمد» أيضاً هو المرشح الأول لسارق الفرح واعتذر .. وجاء اللقاء المرتقب عام 2000مع «أرض الخوف».

من الممكن قراءة الفيلم بمنظار أحادي مباشر تري أجهزة الدولة من خلال وزارة الداخلية وهي تزرع الضابط الذي يؤدي دوره «أحمد زكي» داخل عصابات المخدرات من أجل أن تكتشف تفاصيل ما يجري في كواليس هذه العصابات!!

هكذا تبدو الحكاية علي السطح أشبه بالعديد من الأفلام الأجنبية والمصرية التي شاهدنا الكثير منها علي مدي سنوات هي عمر السينما نفسها حيث لا يوجد جديد.. ويظل أن هناك إحساساً بأن هذه الأفلام الاستهلاكية قد تعجب الجمهور وتحقق إيرادات.. ولكن بعد أن تشاهدها تفقد ما بينك وبينها من تواصل.. أما في «أرض الخوف» فإن «داود عبدالسيد» يطرح تساؤلات عن التزام الإنسان هل هو مجرد موقف يحاط بقدر كبير من الخوف من العقاب وذلك لو افتضح أمره؟ أم أن بداخل الإنسان دائماً قيماً ومثلاً تحميه من السقوط وتبعد عنه شبح الوقوع في الرذيلة؟!

إن المعادلة التي طرحها «داود» هي أن بطل الفيلم والذي أطلق عليه اسم «آدم» يحصل علي وثيقة من أجهزة الدولة تحميه من أي عقاب قانوني طوال حياته وأيضاً كل أمواله التي يحصل عليها تظل ملكاً له ولورثته من بعده.. ولأن المهمة خطيرة فإنه سوف يمارس نفس المهام الإجرامية التي يرتكبها أفراد العصابات التي يتعامل معها من اتجار في المخدرات وقتل ونهب وضرب.. إلا أنه في اللحظة الأخيرة يشعر بالأمان المطلق فلا أحد يستطيع أن يقترب منه لأن الدولة تحميه!!

في العديد من المشاهد كان «داود عبدالسيد» يريد أن يقول لجمهوره الذي تعود علي أن يري السينما السائدة بكل تقليديتها إننا أمام رؤية أبعد ولهذا كان يحرص علي أن يقدم تبريراً يشرح فيه بطل الفيلم «أحمد زكي» مواقفه وإحساسه بالتناقض والصراع الداخلي في أعماقه.

لعبت موسيقي «راجح داود» دوراً إبداعياً حيث حملت النغمات التي قدمها قدراً من الفطرية والبدائية وكأنها تحاول أن تستعيد مرة أخري صوت الطبيعة في بكارتها الأولي.. وكذلك استطاع مدير التصوير «سمير بهزان» والمدير الفني «أنسي أبوسيف» والمونتير الراحل «عادل منير» أن ينقلوا لنا حالة من الانسياب في الرؤية البصرية.. وكانت عين المخرج «داود عبدالسيد» قادرة علي أن تنقل لنا تفاصيل الصورة بكل درجات الإيحاء الجميل والنبيل أيضاً!!

كان «أحمد زكي» في هذا الدور في حالة إبداعية خاصة.. ولذلك توهج إبداعياً مع تفاصيل شخصية «يحيي أبودبورة» أو «آدم» في «أرض الخوف» وكم كنا نتوق للقاءات أخري تجمعهما معاً لكنه القدر الذي حال دون اللقاء الثاني في «رسائل البحر»!!

ثم نأتي إلي «مواطن ومخبر وحرامي» عام 2001 عندما ذابت الفروق بين اللصوص والشرفاء وانهارت قوة القانون أمام قانون القوة.. الصراع الذي كان حتمياً في الماضي بين الحق والظلم.. بين الجمال والقبح.. بين النغم والنشاز.. تحول مع مرور الزمن إلي تعايش سلمي يأخذ الحق الظلم بالأحضان.. ويتغزل الجمال في مفاتن القبح.. ويقول النغم للنشاز «الله.. الله»!!

ربما كانت رؤية المخرج «داود عبدالسيد» في فيلمه «مواطن ومخبر وحرامي» شديدة الاستسلام للواقع القاسي الذي نحسه وكأنه يقول «لا داعي للمقاومة» إما الخضوع المطلق أو الطوفان الذي ينهي الحياة!!

تأمل «داود» الواقع المصري واستطاع أن يحيله إلي ثلاث قوي تبدو متعارضة وهي المواطن الذي يمثل الشعب بكل طبقاته لكن «داود» سلط الأضواء علي المثقف واختار من السلطة أصغر من يمثلها ويعبر عنها وهو المخبر ثم الحرامي وهو الخارج علي القانون.. هؤلاء الثلاثة يتأرجح بينهم الصراع واختار «داود» مكان المعركة في بيت قديم متهالك لكنه يتشبث بالماضي العتيد وكأنه الوطن الذي يحمل الكثير من القيم النبيلة.. لكن الزمن جار عليه واللصوص عبثوا به والمواطنون رفعوا أياديهم واستسلموا!! وقف مع «داود» عين المدير الفني ومهندس الديكور «أنسي أبوسيف» الذي قدم لنا تفاصيل موحية أذكر منها منزل «خالد أبوالنجا» بهذا الجمال المعماري الذي يهزمه الزمن.. ثم العشة التي يقطن بها «شعبان عبدالرحيم» حيث الكتب علي الرف والنار تبدو وكأنها تنتظر ما تلتهمه من كتب.. وحقق «سمير بهزان» في تنفيذه للصورة درجة عالية من الإتقان.. وقدم «راجح داود» موسيقي لا تعبر عن الحالة بأسلوب مباشر تنتقل فيه من بيت «خالد الكلاسيكي» إلي عشة «شعبان الشعبية» كان من الممكن أن تتباين النغمات والإيقاعات بين الروح الكلاسيكية والشعبية ولكن هذا بالطبع تناقض مع العمق الذي أراده «داود» لفيلمه وهو أن نتأمل ما وراء الحكاية المباشرة وكانت موسيقي «راجح» هي الجسر الذي عبرنا به إلي شاطئ التأمل. وفي «مواطن ومخبر وحرامي» قدم وجهة نظر لحياتنا المعاصرة.. إنها رؤية تخلو من بطولة لأن المقاومة كما يقدمها ويراها «داود» مستحيلة في زمن القهر.. ولهذا لا يملك المواطن سوي أن يتصالح مع المخبر والحرامي واللي يتجوز أمي أقوله يا عمي!!

ثم جاء في 2010 بعد تسع سنوات من الانتظار فيلمه «رسائل البحر» بهذا الغموض المحبب ليطرح علينا هذا السؤال ما الذي تحمله تلك الرسالة التي نراها في بداية الفيلم داخل زجاجة ثم يلتقطها صياد يخشي منها ويقذفها بعيداً عنه لتطفوا مرة أخري عبر الأمواج حتي تأتي إلي الشاطئ يلتقطها بطل الفيلم «يحيي» الذي أدي دوره «آسر ياسين» بعد أن يستيقظ من إغفاءة.. قبلها بلحظات كانت أمواج البحر تهدر وتثور وترتطم بالصخور وتصل إليه وهو يسأل الله أين الرزق، جاءت له الرسالة التقطها وأخذها معه إلي بيته إلي أرضه؟! هل توقفت رسائل الله إلي البشر مع انتهاء رسائل السماء التي اكتملت مع نزول القرآن..؟ التواصل بين الله وعباده لم يتوقف، دائماً ما يرسل الله شفرات لا نستطيع أن نقرأها وهذه واحدة منها لا يهم كلماتها ولكنها لو تأملناها أكثر لاكتشفنا الرسالة وفهمناها كما بالضبط يريدها الله.. رسالة الله هي أن نقبل الآخر أن نتقبل الجميع كما خلقهم لا كما نريدهم أن يكونوا عليه.. ولهذا كان «داود عبدالسيد» يملك عمقاً فكرياً وهو يذهب بهذه الرسالة داخل أحداث الفيلم إلي العديد من مختلفي الجنسيات وبكل اللغات من أجل أن يفك شفرتها ولم يتمكن أحد لأنها لا هي إنجليزية أو إسبانية ولا روسية وبالطبع ولا هي عربية.. إنها لغة أخري رسالة الله مثل الإيمان بالله ينبع من داخلنا نؤمن به ونعبده ونتوجه إليه غير قائم بالضرورة علي منطق عقلي بل كثيراً ما يعجز الإدراك عن التفسير.. ما الذي أراده «داود عبدالسيد» بهذا الفيلم وتلك الرؤية.. بطل الفيلم لديه مشكلة في التواصل مع المجتمع عبر عنها مباشرة بهذا التلعثم فهو يعرف نفسه جيداً ولهذا في حواره الداخلي ينطلق ولكن جسور التواصل مع الآخر تظل هي التي تشكل المأزق الأكبر في حياته.. ولد الإنسان وبداخله كل عوامل المقاومة لكي يتواصل مع الحياة مهما بلغت عوامل الطرد فهو يبحث عن قنوات اتصال!!

قدرة «داود» علي أن يضع نجومه في مناطق إبداعية ووهج وألق خاص هكذا رأيت «آسر ياسين» لم تكن المرة الأولي له في البطولة سبق أن لعبها في «الوعد» إخراج «محمد يسن» هذه المرة أري درجة حميمية عالية جداً مع الكاميرا تنقل إلينا قدرة علي التلوين الحركي والنفسي في أداء درامي لواحدة من أدق الشخصيات المرسومة درامياً إنه محتفظ بالبراءة التي لم تلوثها قسوة الزمن.. «بسمة» أمسكت بمفردات الشخصية.. اقتصاد وتكثيف هي ليست داعرة ولكنها تدعي ذلك أمام «آسر» وهكذا صار عليها أن تمثل أنها تمثل والتعبير عن الاحتياج العاطفي أكثر مما هو احتياج جنسي وتلك هي المعضلة الرئيسية في الفيلم وهو ما نجحت «بسمة» في اجتيازه والتعبير عنه بتألق وحضور «محمد لطفي» يبدع في دور عمره إنه «قابيل» الذي قتل أخاه «هابيل» لكنه رفض أن يكرر فعل القتل!!

«داود» يقدم رسالة من الله ولكن من قال إن كل البشر يستطيعون قراءة رسائل الله.

الحصيلة التي قدمها لنا «داود» حتي الآن ثمانية أفلام روائية.. تعيش فينا أكثر مما نعيش معها.. تشاهدنا قبل أن نشاهدها!!

الدستور المصرية في

06/04/2010

 

قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يتخيل نفسه مخرجا في التلفزيون ولا يحب المسلسلات

داود عبد السيد: أنا بريء من لافتة «للكبار فقط» على أفيش «رسائل البحر»

سها الشرقاوي

بعد ثماني سنوات منذ آخر تجاربه السينمائية «مواطن ومخبر وحرامي» يعود داود عبد السيد بـ«رسائل البحر».. رسائل كان من المفترض أن ينقلها أحمد زكي لكن الأجل كان أسرع، فاستقرت في الأدراج تقاوم رفض المنتجين راغبي المكسب السريع إلى أن جاء الفرج وقرأها الناس في وجوه آسر ياسين وبسمة.

داود واحد من أهم أعضاء جيل الثمانينات في السينما.. شكّل مع خيري بشارة وعاطف الطيب ومحمد خان وغيرهم أبجديات جديدة أعادت رونق الواقعية الجديدة بأبجدية تختلف عن تلك التي حفرها صلاح أبو سيف منذ الستينات وإن استدعت عبقها.. يكتب داود أغلب أعماله بنفسه فتخرج كجدارية تشع فلسفة ورؤية ولا تخلو من المتعة.. هو صاحب «الكيت كات» و«البحث عن سيد مرزوق» و«أرض الخوف».. التقته «الشرق الأوسط» في القاهرة لتعرف مكنون ما بين السطور في رسائله عبر البحر:

·         أليست ثماني سنوات مدة طويلة للتجهيز لفيلم «رسائل البحر»؟

- التأخير لم يكن بسبب الكتابة، فقد انتهيت من السيناريو منذ فترة زمنية طويلة واخترت فريق العمل وأماكن التصوير، التي ربما أخذت وقتا ولكنها لم تكن السبب الحقيقي، فمحاولة العثور على شركة إنتاج مناسبة لإنتاج الفيلم هو ما أخذ وقتا طويلا.. فالشركات تنتج الأفلام الخفيفة، إضافة إلى الأفلام الرومانسية والكوميدية، وهذا ظهر جليا في الفترة من بداية الألفية الثانية وحتى عام 2007، فلو أمعنا النظر فيها لوجدنا أفلامها تحمل مضمونا خفيفا بعض الشيء.

·         هل ترى أن هذه الأزمة الإنتاجية ستستمر طويلا؟

- أنا متفائل دائما وصبور لأقصى درجة، وأعتقد أن الأمور بدأت تختلف باختلاف الجمهور الذي زاد وعيه بشكل ملحوظ، وأصبح يبحث عن الأفلام المهمة، كما أن الشباب بات ناقدا ولا يكتفي بالمشاهدة فقط.. والدليل أن «رسائل البحر» عندما بدأ عرضه فوجئت بقاعات العرض ممتلئة بالجمهور بأعمار متفاوتة رغم صعوبة التوقيت.

·         وهل أنت راض على استقبال الجمهور للعمل؟

- أنا متابع لجميع دور العرض، وأنا أفرق بينها، فكل دار لها جمهورها، ووجدت في بعض الدور جمهورا يبكي بعد مشاهدته للفيلم، وصفق آخرون في أماكن أخرى. وعلى المستوى الشخصي لم أكن أتوقع تلك الردود، وهذا ما طمأنني أن الجمهور ما زال بخير ويستطيع الحكم على الأفلام الجيدة وتذوقها.

·         ولماذا رُفعت على الأفيش لافتة «للكبار فقط»؟

- هذا لم يكن اختياري، لكن الرقابة رأت ذلك، وأنا أختلف مع تلك الرؤية لأن العمل يناقش قضية مهمة جدا وهي قضية تهم المراهقين بداية من سن الـ11، ويتحدث الفيلم عن فكرة شرعية الزواج، فالزواج ليس مجرد عقد، والعقد ركن من أركان الزواج، وليس من شروط صحته، فتوجد معايير كثيرة للزواج، فعلى سبيل المثال الفتاة التي تتزوج برجل مسنّ على الرغم من شرعية الزواج فإنه يفقد ركنا من أركانه، فهذا الزواج زواج مصلحة، وهي قضية هامة يجب أن يشاهدها الصغار قبل الكبار كي نوضح لهم ماهية الزواج.. كما أنني أرفض أن أقارن بالأفلام الأخرى التي صاحبتها هذه الجملة، فـ«رسائل البحر» قدمت فيه مشاهد جريئة موظفة دراميا بعيدة عن الابتذال.

·         هل قابلت شخصيات «رسائل البحر» من قبل؟

- «رسائل البحر» مزيج من الواقع والدراما، وشخصياته موجودة بالفعل، ولكني وضعت لمسات درامية عليها.. وأنا قمت بتجميع خيال مع واقع مع إحساس للوصول إلى هذه الخلطة التي ظهرت بها الشخصيات، المليئة بلغة العقل والمنطق والإحساس.

·         هل وجدت صعوبة في اختيارك لفريق العمل؟

- بالطبع تجهيز فريق العمل يحتاج إلى تركيز شديد، وأنا أعتبره من أصعب المراحل ابتداء من الموسيقى التصويرية والمونتاج والممثلين.. واجهت صعوبة في اختيار ممثلة تؤدي دور نورا التي جسدتها بسمة.. وبعد استقراري عليها اكتشفت أنها الوحيدة التي تصلح لهذا الدور، وأيضا شخصية يحيى التي قدمها آسر ياسين، وكذلك باقي فريق العمل، فجميعهم تم اختيارهم بعناية شديدة وكانوا موفقين جدا، وأنا سعيد بالتعامل معهم.

·         ولكن قبل ذلك كان الراحل أحمد زكي مرشحا لدور يحيى؟

- لا توجد أي مقارنة، والفروق بينهما كبيرة جدا لكن آسر ياسين ممثل بارع وله مستقبل جيد جدا، وشخصية يحيى كانت مكتوبة لشخص في مثل سنه، ولو كان أحمد زكي على قيد الحياة كنت سأعدل الشخصية لتتناسب معه.

·         ليس في تاريخ بسمة الفني ما يتشابه مع دورها في «رسائل البحر».. لما وقع اختيارك عليه؟

- مع احترامي لكل أعمال بسمة التي قدمتها من قبل، لم يتم اكتشاف تلك المساحات التمثيلية لديها، وهي فنانة موهوبة، والمخرج يجب عليه أن يكتشف في الفنان تلك المناطق التي لا يشاهدها المشاهد العادي.

·         العمل يضم مشهدا جريئا يرصد واقعة سحاق. ما مبرره الدرامي؟

- الشذوذ الجنسي يلجأ إليه الأشخاص كنوع من الهروب، وهذا ما كان واضحا في الحوار بين الفتاتين في الفيلم، فرغم حب إحداهما لرجل حقيقي فإنها لجأت إلى إقامة علاقة مع بنت للهروب من واقعها، وتم تقديم المشهد بغير ابتذال.

·         وما الحكمة في إصابة يحيى بالتلعثم؟

- التلعثم كان مقصودا لزيادة التشويق للجمهور ولفت الانتباه ومحاولة استحضار تركيز المشاهدين طوال الفيلم واستجلاب تعاطف الجمهور مع يحيى، لأن التلعثم حالة نفسية وليست مَرضية، ولا أنكر أن آسر ياسين بذل مجهودا كبيرا للوصول إلى تلك الدرجة من تقمص الدور، وبهرنا جميعا في أثناء تصوير العمل.

·         ولماذا اخترت مهنة الطب ليحيى؟

- كنت أريد أن يملك مهنة إنسانية ثرية بالأحاسيس، كما أن شخصيته مركبة، فهو ابن لعائلة أرستقراطية درس الطب وهرب إلى مهنة الصيد كي يبتعد عن سخرية الناس منه، فالصيد يغرق الشخص في الوحدة، حيث يجلس لساعات طويلة بمفرده وهو ما يقربه من نفسه ومحاولة فهم الذات.

·         اختيارك لاسم قابيل، هل له علاقة بأي مأثور ديني؟

- الاختيار له عمق إنساني، واسم قابيل يذكرنا بقصة قابيل وهابيل ولكن مع الاختلاف أن قابيل في الفيلم قتل شخصا خطأ في حادثة، ولم يكن يعد لذلك، وحاولت إظهار الجانب المتناقض داخل النفس البشرية، فتحول من شخصية سلبية إلى شخصية إيجابية عبر موقف واحد فقط.

·         المشاهد الخارجية كثيرة جدا في الفيلم. ما سر ذلك؟

- اختيار أماكن التصوير أخذ وقت طويلا.. فالمشهد المصور في البحر كان يتطلب منا الوقوف كثيرا لاختيار اللحظة المناسبة ومن أي زاوية مناسبة وكيف يكون شكل البحر والأمواج، وكذلك عند اختيار بناية قديمة، فلا يصح أن يكون الاختيار عشوائيا، بل هناك اعتبارات كثيرة.. وأنا أحاول التركيز على إحساسي بالمشهد وتكويناته.. وهذا كان سبّب لي إرهاقا شديدا وصعوبات ومشكلات كثيرة استطعنا التغلب عليها.

·         نهاية الفيلم كانت نهاية مفتوحة.. فما المقصود بها؟

- لو كانت النهاية تقليدية يتزوج فيها يحيى ونور فسوف تتسم بالسخافة، وأنا أرفض تلك النهايات.. والنهاية لم تكن مفتوحة ولكن مشهد ركوبهم للمركب في البحر يحمل معنى واحدا، أنها تركت كل شيء وذهبت معه، وأنه اكتفى بها عن الوجود، وكانت نهاية مُرضية جدا وتناسب الفيلم.

·         ما الرسائل التي خرج بها المخرج والكاتب داود عبد السيد؟

- هناك أمور كثيرة تعلمتها من الفيلم وأضافت لي شخصيا، وأنا استفدت من جميع الشخصيات الموجودة فيه، فشخصية يحيى أخذت منها رفض العنف، وتعلمت من شخصية نورا أيضا ومن شخصية قابيل، والرسالة الأساسية هي عدم الهروب والتفكير جيدا في المشكلات ومحاولة حلها والتغلب على إحساس الغربة، وأنا عشت التناقض في الشخصيات في أثناء كتابتها ومن خلال تأدية الأبطال لهذا العمل.

·         أين جيلك الآن من المخرجين؟

- موجودون بالطبع، ولكنهم يحتاجون إلى بذل جهد أكبر للوصول إلى الجمهور بمشروعات جديدة، وأتمنى منهم المحاولة أكثر من مرة للتواصل مع المتلقي، فهذا الجيل من المخرجين لا يعوض، إضافة إلى أن نجاح «رسائل البحر» جماهيريا سوف ينعشهم، وسيقبل المنتجون عليهم، فنحن مدرسة واحدة. وأنا أحزن بشدة على مخرج بقيمة خيري بشارة يكتفي بمسلسل واحد خلال العام.. يجب أن يعود إلى السينما.

·         لماذا لا تخوض تجربة العمل الدرامي؟

- أنا لا أحب الدراما التلفزيونية، وأنا لست من أنصارها، فأنا أعشق السينما ولا أتخيل نفسي أخرج مسلسلا.

·         هل لا تزال مصر رائدة سينمائيا في رأيك؟

- تاريخيا مصر هي صاحبة الريادة، لكن هناك مشكلات كثيرة الآن، منها الاتجاه إلى نوعية الأفلام التجارية.. فنحن لدينا أكبر صناعة في السينما، لكن اختيارنا لنوعية رديئة من الأفلام جعلنا نتعامل بالكم لا بالكيف.

·         من ستصوت له في انتخابات نقابة السينمائيين القادمة؟

- علي بدرخان.. فهو الأنسب والأصلح والأحق بمنصب النقيب، وهو صاحب خبرة كبيرة، وأعتقد أنه إضافة لهذا المنصب.. وفي الانتخابات الماضية كان من المفترض أن يفوز هو بها، ولكن ممدوح الليثي استطاع أن يفوز بفارق بسيط جدا - عن طريق الدولة - فجاءت أتوبيسات من الإسكندرية والإسماعيلية ليصوتوا له في الانتخابات.

الشرق الأوسط في

16/04/2010

 

قالت لـ«الشرق الأوسط» إنه جرئ ويحترم عقلية المشاهدين

الفنانة بسمة: فيلم «رسائل البحر» أعادني لطبيعتي الأنثوية

سها الشرقاوي

الفنانة بسمة بدأت حياتها الفنية مذيعة في إحدى القنوات الفضائية إلى أن اختارها المخرج شريف عرفة، حيث كان قد رأى تمثيلها في فيلم «المدينة» ليسري نصر الله ليرشحها لدور في فيلم «الناظر» مع الراحل علاء ولي الدين.. وقدمت أدوارا مساعدة في «حريم كريم» و«لعبة الحب» و«مرجان أحمد مرجان» مع الزعيم عادل إمام.. ثم توالت أفلامها فقدمت «النعامة والطاووس» و«ليلة سقوط بغداد» وهما فيلمان حملا لافتة «للكبار فقط».

كما خاضت بسمة بعض التجارب الدرامية فشاركت في بطولة مسلسل «رمال» وقدمت «ست كوم» العيادة لعامين متتالين كما ستقدم العام القادم الجزء الثالث منه.. وتعترف بسمة في حوارها مع «الشرق الأوسط» من القاهرة، أنها دقيقة في أعمالها ولا تخوض إلا التجارب المدروسة. وعن آخر تجاربها في السينما، فيلم «رسائل البحر»، الذي لاقى استحسان الجمهور وكان هناك جدل واسع حول شخصية «نورا» التي قدمتها فيه فإلى نص الحوار:

·         قدمت شخصية نورا في «رسائل البحر».. ما الجديد الذي تقدمينه؟

- الفيلم من إخراج داود عبد السيد وهذا هو الجديد، فهو مخرج رائع ومتميز ولديه عمق في أفكاره ومشاعره ويستطيع توظيف الفنان بشكل جديد، أما بالنسبة لدور نورا فهو دور جديد ولأول مرة أقدم دورا بهذا الشكل فأنا لا أحب أن أقدم شخصيات قدمتها من قبل وبنفس الشكل.. فمنذ فيلم «زي النهاردة» عاهدت نفسي أنها ستكون بداية جديدة لمرحلة فنية أخرى وأعمالي السابقة أنا راضية عنها جدا. وبالفعل تعاقدت بعدها على فيلم «رسائل البحر».. ونورا شخصية موجودة في الحقيقة.

·         هل أعاد داود عبد السيد اكتشاف بسمة؟

- المخرج داود عبد السيد مرحلة مهمة جدا في حياتي لأنه أعطاني فرصة للنضوج بشكل أكبر وأكثر وعيا وهو ترتيب منطقي لمراحلي الفنية فكل مرحلة أمر بها أتعلم منها ولها دور للوصول إلى المرحلة التي تليها بأعمال أفضل فأنا قدمت أدوارا من قبل لم تكن هناك مساحة لإظهار مواهبي.. وأنا أشعر كأنني جبل ثلج كلما نزل عليه الماء أظهر الجديد.

·         ألم يقلقك أن الدور جريء وأن تصنفي كممثلة إغراء؟

- شخصية نورا جريئة في تفكيرها وهي أنثى جدا فمن الظلم أن تحكم الناس عليها حكما أخلاقيا وغض الطرف عن الأبعاد النفسية. وبالفعل أنا كنت قلقة جدا قبل عرض الفيل أن يُشاهد بشكل سطحي، ولكن فوجئت بتعاطف غير عادي من الجمهور الذي عاش حالة من الإحساس فشخصية نورا شخصية تحس كثيرا وتتكلم قليلا، وتصنيفي كممثلة إغراء ظلم شديد فالشخصية ليست جريئة ولكنها حالة والمشاهد الجريئة كانت موظفة دراميا بحيث لا تجرح عين المشاهد بل هي تحمل معنى.. وبعض الجمهور علق على مشهد البحر بطلبهم أن تكون الكاميرا قريبة أكثر لإظهار حالة الحب بين يحيى ونورا.

·         الرقابة وضعت لافتة «للكبار فقط» بسبب دورك في الفيلم؟

- بالفعل علمت ذلك واستغربت كثيرا لأن الدور لم يكن يستدعي أن يقال عليه هذا. فلا يوجد به أي ابتذال أو تحرر دون وعي.. بالإضافة إلى أن الفنان يجب أن يكون لديه إحساس عميق كي يتفاعل معه الجمهور ويلمس قلوبهم وعقولهم ونورا استطاعت فعل هذا.. وأنا أعترض على هذه اللافتة.

·         ولكنها ليست المرة الأولى التي نرى فيها هذه اللافتة على أفلام لبسمة؟

- بالفعل هذه هي المرة الثالثة. فمن قبل وضعت على «النعامة والطاووس» و«ليلة سقوط بغداد»، ولكن كل منها له مضمونه وجرأة الفكرة هي السبب وليس المشاهد. وأعتقد أن هناك قصورا في تقسيم الأفلام في الوطن العربي، فإما أن يكون الفيلم للكبار فقط أو لكل أفراد الأسرة. وفي «رسائل البحر» العبارة موجودة لأن بعض الأفكار التي طرحها الفيلم تكون صعبة لمستوى إدراك الأطفال دون العاشرة وتحفظي على اللافتة على فيلم «رسائل البحر» لأن هناك فكرة يجب أن تناقش.. ففكرة الزواج فكرة عامة ويجب أن تناقش وبكل الأشكال لتصحيح المفاهيم وزيادة الوعي خاصة لدى الشباب في سن صغيرة.. ولي أبناء أصدقائي من الفتيات الصغيرات فوجئت بهن يناقشنني في فكرة الفيلم.

·         كيف تعاملت مع شخصية مليئة بالإحساس أكثر من الصورة؟

- قمنا بجلسات عمل كثيرة مع المخرج داود عبد السيد وتناقشنا وتطرقنا لكل التفاصيل حتى الصغيرة منها كالضحكة وردود أفعالها وتعبيرات وجهها فكنا دائما نركز على إحساسها أكثر من كلامها لذلك كان يجب أن تظهر تعبيراتها أكثر لتوصيل المعنى المطلوب.. ولم يكن الأمر صعبا بالنسبة لي فعندما قرأت الشخصية دخلت فيها بقلبي وعقلي.

·         في مشهد النزيف ظهر كأنه حقيقي.. فكيف كانت تأدية هذا لمشهد الذي أثر كثيرا في الجمهور؟

- ظهر المشهد بدرجة واقعية وشاهدت بنفسي ردود فعل الجمهور والمشهد كان من أسهل المشاهد التي قمنا بها ولكن الرسالة التي كان يحملها هي التي استغرقت منا وقتا في التحضير لها.. وكذلك مشاهد العزف على البيانو ظهرت أيضا بواقعية على الرغم من أنني لا أستطيع العزف عليه ولم يكن هناك وقت لتعلمه وسمعت تعليقات من بعض الجمهور كيف أنني أستطيع العزف على البيانو ولو توافر لي الوقت فسوف أتعلمه فأنا أحب الشخصيات التي تضيف لي.

·         مشهد النهاية هل كان مناسبا لأحداث الفيلم؟

- فكرة النسبية في التلقي من أفضل الطرق في إنهاء أي عمل وترك مساحة للجمهور للتخيل والمشاركة تفيد جدا في توقفه عن أداء دور المتلقي البحت وتركه يفكر في نهايات مختلفة يجعله يفكر أكثر من مرة في الفيلم وهو نوع من التشويق المقبول.

·         اختيارك للملابس الكلاسيكية لشخصية نورا، هل كان رسالة لبنات جيلك؟

- بعد قراءتي للسيناريو ومعايشتي للشخصية وضعت صورة أولية لملابسها وشكلها وبدأت في التفكير في أن نورا يجب أن تكون أنثى بشكل ملحوظ لأنها كانت كذلك على الورق، فالفستان من ملابس البنت مهما طالت فترة غيابه وهو دلالة على الأنوثة وبدأت في جلسات العمل بعرض الفكرة وتم الترحيب بها. وبالفعل كان من المقصود أن نعود إلى هذا الأسلوب فيذكرنا بفساتين سعاد حسني وهند رستم.. ووجدت نفسي في حياتي الشخصية بعيدا عن الفن أنا وأصدقائي أننا نرغب في العودة إلى هذا الأسلوب الكلاسيكي وبعد الانتهاء من التصوير وجدت نفسي ما زلت أرتدي هذه الملابس.

·         لاحظت سعادتك البالغة بهذه الشخصية، فما الذي أضافته للفنانة بسمة؟

- نورا كان لها الفضل في رغبتي في اكتشاف الجانب الأنثوي داخلي وجعلتني أقول ما أحلى الرجوع إلى كوني امرأة والتخلي عن البنطلون والتي شيرت الذي يقربنا إلى الرجال.. وعلى الجانب الشخصي تعلمت منها كيفية إجراء حوار بيني وبين نفسي لاكتشاف أسباب الحالة المزاجية السيئة التي قد ندخل فيها ولا نعرف سببها الحقيقي.. وشعرت برغبة شديدة في خوض تجربة حب في إطارها السليم.

·         ألم تؤثر عليك بعض مشاهد الفيلم التي كانت كئيبة بعض الشيء؟

- منذ بداية التصوير كنت أحاول اللحاق بها للدخول في العالم الذي يخص نورا، أرهقتني جدا للظهور بهذه الحالة وكنت أعايش المشاهد بشكل قوي جدا قبل وأثناء التصوير ولكن فوجئت بأن الحالة التي أكون فيها لا تنتهي بانتهاء المشهد.. فنورا تزوجت بطريقة المصلحة ومع مرور الوقت وجدت أن هذا القرار كان خطأ كبيرا ودخلت بعد ذلك في حالة حب فكانت شخصية مليئة بالتناقضات ولم تكن الكآبة فقط هي المحرك لها ولكن كان هناك خليط من الأحاسيس.

·         هل شاهدت أسرتك الفيلم؟

- كنت مرعوبة قبل عرض الفيلم. فمن أكثر الأشخاص الذين أهتم بأمرهم أبي وأمي وأخي. وكنت أخشى من غيرتهم لأن الفيلم يحتوي على مشاهد جريئة وخاصة أني كنت أخشى على أخي الذي لم يبلغ الحادية والعشرين وكنت أخاف أن يتعرض للإيذاء بسبب الفيلم ولكن بعد الفيلم جلس أبي معه وتحدث معه عن فكرة الفيلم وفكرة الزواج واكتمال شرعيته وأسعدني جدا رد فعلهم، فنظراتهم كانت مليئة بالسعادة.

·         ما آخر أعمالك الفنية؟

- هناك مسلسل «حضور وانصراف»، وهو درامي اجتماعي، وسيعرض في شهر رمضان المقبل.. أقوم بعمل بروفات له الآن، وأنا بصدد التجهيز لدخول التصوير. والمسلسل من بطولة الفنان السوري جمال سليمان ومن إنتاج جمال العدل، وهو دور مختلف وأنا أتوقع أن يكون هناك رد فعل إيجابي جدا للدور بعد عرضه.. وأحضر للجزء الثالث من الست كوم «العيادة» وهو آخر جزء لي وأنا أشكر الفنان عادل إمام الذي شجعني لخوض تجربة الكوميديا فهو الذي اكتشف في الحس الكوميدي.

الشرق الأوسط في

16/04/2010

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)