كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

ربما انتقلنا من الثرثرة السينمائية والتجارة بالشعارات إلى التفتيش الذاتي

إيليا سليمان: اشتغلتُ مع المحترفين أكثر من غيرهم لأخفف ما لديهم من دراما

نديم جرجوره

المهرجان الدولي للفيلم بمراكش

الدورة التاسعة

   
 
 
 
 

شكّلت أفلام المخرج الفلسطيني إيليا سليمان منعطفاً حقيقياً في كيفية الاشتغال السينمائي العربي. شكّلت تحوّلاً في العلاقة بالصورة السينمائية. باللقطة. بالحراك البصري. بالشخصيات المستلّة من واقع العيش في المسافات الشاسعة بين الواقع والخيال. بالتهكّم الهزليّ الساخر. ذلك أن المخرج المولود في الناصرة قبل تسعة وأربعين عاماً، جعل أفلامه أكثر ألقاً في صنع الحكاية، أو بالأحرى في استعادتها من التجربة الذاتية والسيرة الحياتية للأهل والأقارب. ومن داخل العالم الخاص به، بلغ مرتبة رفيعة المستوى من الحسّ الإنساني العام والعميق والمفتوح على الأسئلة كلّها، في الوجود والهوية والعيش والانتماء والعلاقات بالذات والآخرين.

عاد إيليا سليمان، في فيلمه الروائي الطويل الثالث «الزمن الباقي» (2009)، إلى نكبة العام 1948. من هناك، من الذاكرة الجماعية المختفية في تفاصيل الحكايات الفردية للأب والعائلة، انطلق في رحلته الجديدة إلى عوالم مختلفة واشتغال أنضج وانفتاح أجمل على السينما. حافظ على أسلوبه، من دون أن يبقى أسيره. لأن المخرج منفتح على الاختبارات، ومدرك حجم المسؤولية الملقاة عليه من قبله هو: كيف يُقدّم الجديد، انطلاقاً من السيرة الذاتية.

·     هناك ما يلفت انتباهي دائماً في بدايات أفلامك. هناك شيء ما صادم فيها: الأب النائم في «سجل اختفاء» (1996) أثار قلقاً فيّ إزاء الأب نفسه، وإزاء ما يُمكن أن ينتج عنه النوم. القتل الرمزي لسانتا كلوز في «يد إلهية» (2002): مشهد مضحك. اللون المعتم وسائق سيارة الأجرة والعاصفة والتوهان واللون الرمادي الأقرب إلى الغموض في «الزمن الباقي»، جعلتني أشعر باختناق، أو بما يشبه الخوف مما يُمكن أن يحدث لاحقاً.

ـ كل أول منظر لديّ افتتاحية، تقطع علاقتها بما سيأتي لاحقاً، في غالب الأحيان. في «سجل اختفاء»، هناك امرأة تحكي كثيراً عن تفاصيل متفرّقة، لكنها لا تظهر مجدّداً لنتابع ما يأتي بعدها. القلق الذي تحدّثت عنه هو قلقي أنا أيضاً. قلق على فراق الأهل وخسارتهم. وهذا ما حصل. في «سجل اختفاء»، هناك تلميح. النوم قريبٌ من الموت، بشكل أو بآخر. ثم لا تنس التنفّس. في اللقطة المذكورة، كان هناك تنفّس الأب. هذا نابعٌ من قلقي أنا عليه، عندما كنتُ أراه نائماً أمام جهاز التلفزيون، وأشعر بأنه لا يتنفّس. أقترب منه وأحاول أن أسمع دقّات قلبه. مرّة واحدة ظهر فيها سانتا كلوز مجدّداً داخل المستشفى في «يد إلهية»، لكن بعد مرور نحو نصف ساعة. في «تكريم بالقتل» (1992)، الجزء الخاصّ بي في الفيلم الجماعي عن حرب الخليج الثانية، أظهر جالساً بالقرب من جهاز راديو، منتظراً اتصالاً هاتفياً لحوار إذاعي. لكن جرس الهاتف لا يرنّ.

الآن، بعد مشاهدتي إياها في أفلام كاملة ومتتالية، أرى شيئاً مشتركاً بينها: هذا نوع من افتتاحية، أو إعلان عن بداية فيلم ممزوجة بالتهكّم، إما تُستكمَل، أو تنقطع وتنتهي. أمرٌ آخر: عندما أعثر على بداية فيلم أستطيع إكماله، وإلاّ يصبح الأمر صعباً للغاية. وعندما أبلغ منتصف الفيلم، أتساءل عن نهايته. هذا يُسهّل عليّ العمل. عندما تكون البداية والنهاية معروفتين، وهذا أمر نادر، أستطيع الاشتغال. عندما يُشاهد المتفرّجون هذا النوع من المقدّمات يضيعون، لأنه ما من شيء واضح ومعروف. هذا يجعلهم يفكّرون بأن شيئاً معيناً يبدأ، فيتخيّلون أو يتوقّعون ماذا سيكون عليه الفيلم. أنا لا أنظّم الأمور سلفاً. في «الزمن الباقي»، ظهر التاكسي مجدّداً قبيل انتهاء الفيلم. في «يد إلهية»، لم يعد هناك وجودٌ لسانتا كلوز، والمرأة لا تظهر ثانية في «سجل اختفاء»، مع أنها لم تكفّ عن النميمة، وعن سرد حكايات يظنّ المشاهد أمامها أنه سيتابعها لاحقاً في سياق الأحداث الدرامية.

هذا نوع من كسر للسرد الروائي. ينكسر المشهد الأول، ولا أحد يعلم ما الذي يُمكن أن يحدث.

كسر التقليد

·     هذا الكسر الذي تحدّثت عنه موجودٌ في متون أفلامك كلّها، وليس فقط في مقدّماتها. من يشاهد المتتاليات البصرية التي تصنعها يظنّ، لوهلة أولى، أن لا علاقة لبعضها بالبعض الآخر، قبل أن تنجلي الأمور لاحقاً.

ـ لا أرغب في علاقة المناظر المتتالية بعضها مع بعضها الآخر بشكل مباشر. عندما أكتب مشهداً في السيناريو أصوّره، لكن العمل الأساسي كامنٌ في المونتاج، ليس بالمعنى الكلاسيكي. أعمل على عنصر المفاجأة. لا أريد أي شيء متوقّع، في كل لحظة من لحظات أفلامي. بل على العكس من ذلك، إذا كانت الأشياء متشابهة في السيناريو، ألغيها. أضجر عندما أشاهد أفلاماً يكون العنصر السردي فيها متوقّعاً ومعروفاً. لا أريد أن يخوض المتفرّجُ التجربةَ نفسها التي أعيشها في هذه الحالة. عنصر المفاجأة ينمّي الرغبة عند الجمهور في متابعة قصّة جديدة. يُفكّر في علاقة هذه اللقطة بما يسبقها ويلحق بها. ولهذه المسافة الزمنية نتائجها في مكان معين لاحقاً، ليس بالضرورة في المنظر التالي مباشرة، بل في الخامس أو العاشر مثلاً. عندما يشاهد الجمهور هذا، يشعر بمتعة معينة. ثم إن السيرة في أفلامي واضحة. يخرج المشاهدون من الصالة بعد مشاهدة أفلامي ولا يتساءلون عمّا هو الفيلم. هناك تراكم. يخرجون حاملين معهم السرد الذي شاهدوه، والسرد الذي لم يُشاهدوه. هذا الأخير هو ما تفاعلوا معه أكثر. بهذا المعنى، شاركوا في صنع الفيلم. لا أقول إني أشتغل على الذاكرة بل فيها، لأني لاحظت أن الاشتغال فيها يجعل المشاهدين يتذكّرون أشياء أخرى خارج الصورة. ماذا يُشاهدون وماذا يتذكّرون في اللحظة نفسها التي يُشاهدون فيها. يأتي الناس إليّ ويقولون إنهم بمشاهدتهم هذا المشهد أو ذاك تذكّروا صُوَراً معينة، واستعادوا أشياء أخرى. هناك تفاعل بروستي. هذا ظاهر في «الزمن الباقي» أكثر من الأفلام السابقة، لأن فيه ذاكرة تعود إلى زمن معين.

·         اختلف «الزمن الباقي» عن فيلميك الروائيين الطويلين السابقين قليلاً، إذ بدا جزءٌ أساسي منه أكثر وضوحاً.

ـ ليست لديّ استراتيجية مسبقة وواضحة قبل البدء بتنفيذ أفلامي. هذا منطبق على السرد أيضاً، كما قلت لك سابقاً. أنا أيضاً أريد أن أتفاجأ وأن أفتش. هذا فيلم ملحمي أولاً، مع أني أراه أكثر الأفلام التي شاهدتها لاملحمية. إن العام 1948 فترة زمنية محدّدة. إنها المرّة الأولى التي أشتغل فيها ضمن حقبة تاريخية، من منطلق ذاتي لشخص ليس أنا وإن كان قريباً الي، ولزمن لم أعشه ولطوبوغرافيا لم أعرفها، مع أني صوّرت في الحارة والبيوت نفسها التي عشتُ فيها وعرفتها. الرائحة والألوان، الإحساس الذي يلمّ بك عند ارتدائك هذا القميص أو ذاك البنطال. كانت لديهم طريقة معينة لفعل هذا كلّه. إنها المرّة الأولى التي أقوم فيها ببحث. شاهدت مئات الصوَر. قرأت كتباً عن تلك الفترة. ساعدني في هذا حنا بو حنا، الذي كتب كثيراً عن تلك الفترة في الناصرة. ساعدني لأنه وصف الناس الذين كانوا حوله بدقّة، وبشكل ذاتي.

سينمائياً، لم أكن أستطيع أن أستعمل أسلوبي في «يد إلهية»، وأن أركّبه على حقبة لم أعشها. فكّرت كثيراً في كيفية تصوير شخص في الـ 48 لم أعش حياته. وقعتُ في حيرة. لا أستطيع الاحتفاظ بأسلوب عملي المعتاد، الذي يأتي إليّ بشكل طبيعي أصلاً، لأنه لم يأتِ إليّ هذه المرّة. لتصوير الناصرة في «الزمن الباقي»، عدتُ إلى الطريقة نفسها المستخدمة في «سجل اختفاء» مثلاً، لأن كل شيء مألوف لدي: موقع الكاميرا، ترجمة جغرافيا العاطفة الموجودة، البعد بين الكاميرا والشخص الذي أصوّره. أنت ترى الكاميرا، وهي تحسّ الأشياء. إذا قرّبتُ عدستها أكثر أو أبعدتُها قليلاً، لن تكون لديّ العاطفة نفسها. هي العاطفة نفسها التي يشعر المُشاهد بها. في الـ 48، لم تكن لديّ علاقة بهذا الزمن. العاطفة كانت إزاء سيرة ذاتية كتبها أبي، وحاولتُ من خلالها خلق هذه العاطفة/ التجربة. رفضتُ استخدام الأسلوب السيـنمائي للطرح والتصوير المعتادَ لديّ.

في السبعينيات، لا أقول الشيء نفسه. صارت المسألة أقلّ وضوحاً. كنت أعرف أن الحقبات التاريخية تتطلّب تفكيراً كهذا: أن يكون سردياً في الـ 48، وأقلّ سردية في السبعينيات، ونوعا من تكسير السرد في الثمانينيات، وصولاً إلى أسلوبي المعتاد مع ظهوري في الراهن. أدخل من مكان سردي إلى مكان منتظم على الشعر أكثر. الناصرة الآن مع الأم مثلاً.

ألوان وإضاءة وتقنيات

·         أودّ التوقّف هنا قليلاً عند بعض التفاصيل التقنية، وأبرزها بالنسبة إليّ اشتغالك على اللون. في الـ 48، اللون أوضح وأصفى.

ـ فتّشت كثيراً عن طرق معيّنة للعمل على اللون. في الـ 48، لم تكن توجد سيارات كثيرة ومصانع. كنتَ ترى النجوم. الألوان أكثر وضوحاً ولمعاناً. كانت الهندسة العمرانية مخطّطة بشكل واضح جداً للعيان: البيت. البستان. الزقاق. كان عليّ الانتباه إلى هذا كلّه أثناء التصوير. ثم بدأ اللون يصبح، شيئاً فشيئاً، لا لون. ما فعلته في الـ 48 أقرب إلى المعنى المجرّد. هناك مجاز. للضوء في الخارج علاقة بالعنف. هناك ضوء كثير وباهر. عندما فُتح باب البيت مثلاً والكاميرا في مواجهته، كان اللون الأبيض مسيطراً على الخلفية كلّها. لا شيء واضحا إطلاقاً. تشعر بأن الخارج عنف والداخل دافئ، لأن الداخل مكان كان لا يزال محمياً بعض الشيء حينها. في الخارج، كان رجال الـ «هاغانا» يحتلون البلد.

الصوت أيضاً، استعملته بالطريقة نفسها. عند اعتقالهم فؤاد، أردتُ تسجيل أصوات صراصير «الزيز»، وإظهار الطقس حاراً مع هبّة هواء. وعندما رموه من فوق السور، كان الصوت انعكاساً للمرارة. لعبت على صوت الهواء وأصوات الناس وهي تمشي، على صوت دعسات الجندي في حاكورة الزيتون وهو يمشي على الحشيش، فتسمع انكسار الحشيش تحت جزمته. هذا كلّه في الـ 48، بهدف خلق الجوّ الخاصّ بلحظة سقوط الناصرة. الشيء نفسه حدث في كل حقبة.

·         تساءل أحد الأصدقاء، إثر مشاهدة «الزمن الباقي»، عمّا إذا كانت الناصرة نظيفة وجميلة إلى هذا الحدّ في تلك الحقبة.

ـ أنا لم أجمّل ناصــرة الـ 48. عــدتُ إلى الكتب والأرشيف لأرسم صورتها الحقيــقية. القــصة صارت في الحارة، في بيت أهلي المبني إلى جانــب بيت جدّي. الحارة هي نفسها التي عشت فيها لاحقاً. أحياناً كانت تحدث صدف أثناء التصوير: مثلاً، عنــد سقــوط الجريح، صوّرت اللقطة في المكان نفسه الذي سقــط فيــه الجريح في الـ 48.

أخبرني أحد شهود الواقعة أن آثار إطلاق النار لا تزال موجودة في الحائط، وأراني إياها. هناك المرأة التي قُتلت أيضاً: اكتشفتُ أني صوّرت اللقطة في المكان نفسه أيضاً. هذه صدف جعلتني أصوّر أشياء كثيرة في أمكنة حدوثها. هذا كلّه ناتجٌ من تفكيري بكيفية تركيب المناظر، خصوصاً تلك المقبلة من الذاكرة والتجارب الذاتية. هذا ليس إصراراً، بل لأن الذاكرة بدأت هناك.

·         هل يُمكننا التحدّث قليلاً عن الممثلين، عن كيفية اختيارهم والتعامل معهم، عن أولئك الذين هم غير ممثلين أساساً.

ـ ما يهمّني هو رؤية الناس من حولي. لا أشتغل كاستنغ على الممثلين فقط. أثناء التحضير لتصوير «تكريم بالقتل»، كنتُ أبحث عن شخص يشبهني، لأن الفيلم يتحدّث عنّي وعمن حولي أثناء حرب الخليج الأولى. تساءلت حينها: لماذا أبحث عمن يُشبهني ليتحدّث بالنيابة عنّي؟ لماذا لا أكون أنا أمام الكاميرا؟ هذا أول كاستنغ فعلي قمت به في حياتي المهنية. بدأت أشتغل أمام الكاميرا ووراءها. في «سجل اختفاء»، خفت أن أطلب من والديّ تمثيل نفسيهما. في السيناريو، كانا موجودين. تطلّب الأمر منّي وقتاً طويلاً، وصرتُ أخاف أكثر، لتقدّمهما في العمر، ولثقل السنين عليهما.

هناك كاستنغ ثان قمت به: المكان الذي وقعت الأحداث فيه. أين يعيش الناس كي أضع الشخصيات هناك. كاستنغ صُوَر لأناس كثيرين، بالإضافة إلى صُوَر ممثلين محترفين شكّلوا نحو خمسة بالمئة من مجمل عدد الممثلين. كانت لديّ مشكلة مع الممثلين المحترفين، لأنهم جاءوا من خلفية مسرحية كلاسيكية، تعتمد كثيراً على تعابير وجه مُبَالغ فيها. لا أحبّ أبداً الدراما على الوجوه، لأنها موجودة في المشهد. أنا ضد هذا النوع من التمثيل. اشتغلتُ مع بعض الممثلين المحترفين وقتاً أطول بكثير من ذاك الذي تطلّبه العمل مع غير الممثلين، كي أتوصّل في النهاية إلى تخفيف أكبر قدر ممكن من الدراما لديهم. في المقابل، أطلب من الممثل غير المحترف، أو من غير الممثل بالأحرى، أن يؤدّي هذه اللقطة بهذا الكَمّ من البرود مثلاً، فيفعل هذا ببساطة.

في «الزمن الباقي»، كان الكاستنغ صعباً جداً. هناك 105 شخصيات، وإمكانيات قليلة، وقتاً ومالاً. ازدادت الصعوبة في اختيار من سيؤدّي شخصية الأم في مرحلتين من عمرها: عندما كانت في الأربعين، وعندما شاخت. هناك الولد الذي هو أنا: في العاشرة أو الحادية عشرة من عمره (زهير أبو حنّا)، ثم في سنّ المراهقة (أيمن اسبانيولي)، قبل بلوغ المرحلة التي ظهرتُ أنا فيها. يجب أن يشبهوا بعضهم البعض. أظنّ أني لم أخيّب أمل أحد. هناك من قال لي إن الصبي الصغير يشبهني. هذه المرّة، تعاونت مع عدد من الممثلين أكبر من فيلمي السابقين. الممثل الرئيس هو صالح بكري (فؤاد). إنه ممثل رائع جداً، بكل معنى الكلمة. اللاممثلون كانوا رائعين أيضاً. أخت فؤاد، ناديا (ياسمين الحاج) مثلاً ليست ممثلة. الأم في الأربعين من عمرها محامية أصلاً (سمر قدحا طنوس). خالتي شفيقة بجّالي أدّت دور أمي في الثمانين.

عندما يخوض المخرج تجربة فيها مخاطرة فظيعة، كأن تضع نفسك كلياً في البلاتوه، وأن تعطي نفسك للناس، فهذا كلّه أمرٌ خطر فعلاً. لكن، ما يعطيك إياه هؤلاء الناس في المقابل هو الذي يصنع الفيلم. إياك أن تعتقد أن كل ما فعله صالح بكري أمام الكاميرا، نابعٌ مني. أن تعطي نفسك للناس حولك، ألاّ تفكّر بأحــادية، عندها يملأ الناس الفراغات التي تكون خائفاً منها أحــياناً. إنهم يدخلون ذاتك وخيالك. الفيلم مصنوع بفضل انخراط أفراد طاقم العمل جميعهم في المشروع. يعطونك أحاسيس. صالح بكري ظلّ حاضراً في بلاتوهات التصوير، حتى عندما لم يكن لديه تصوير. كان يتابع التفاصيل. كان يساعد طاقم العمل أيضاً.

تهكّم

·         ماذا عن التهكّم الذي تنضح أفلامك به: هل هو ابتكار سينمائي أم جزء أساسي منك؟

ـ هذا شيء خاص بي بالتأكيد. لكن، تبيّن لي أنه موجود لدى أناس كثيرين. الدليل على ذلك، أنه إذا لم ينوجد لديهم هذا الحسّ الساخر والضحك المرّ، لَما تفاعلوا وأفلامي، ولما عبّروا عن تأثرهم بها. أشبه أناساً كثيرين، والناس يكتشفون أشياء فيّ، وأنا أكتشف أن الناس يشعرون بأنهم موجودون داخل الفيلم، لأنهم مصابون بالجرح مثلي. نحن مجروحون جداً. أخبرتَني قبل بدء الحوار عن مشهد الدبابة (شاب يخرج من منزله لرمي النفايات، فيرن جرس هاتفه الخلوي، وعندما يتحدث مع المتصل به، يروح جيئة وذهاباً أمام فوهة دبابة تلاحقه في مشيته): نحن مجروحون من الدبابة وتوابعها كلّها.

طبعاً تبدأ القصص من شيء خاص بذاتي. المبدع كالاسفنجة يمتصّ كل شيء حوله: الواقع، المرارة، التهكّم، الضحك المرّ. هل من المعقول مثلاً أن تقف دبابة أمام بيت في شارع ضيق؟. أنا أضحك كما ضحكتَ أنت من مشهد سانتا كلوز، مثلاً.

·         كيف خرجت من إنجاز «الزمن الباقي»؟

ـ استخلصت بعض المعاني من تجربة كهذه. هناك شيء ما غيّرني. اكتشفتُ، في هذا الفيلم، أني قادرٌ على الاقتراب أكثر فأكثر من اللحظات الحقيقية سينمائياً، إذا كانت لديّ نيّة كبيرة أن أكون صادقاً مع نفسي. على مستوى التجربة السينمائية، هناك مسألة أراها مهمّة: الرغبة في التعبير عن لحظة معينة، من دون القدرة على إظهار هذا التعبير في الصورة. هناك أشياء صوّرتها، شعرتُ بأنها خطأ فرميتها. هناك التقطيع أيضاً، إذا كان خاطئاً أرميه. في المقابل، هناك أمر جيّد: بقدر ما كنتُ في حالة «صراع من أجل البقاء» لإكمال الفيلم، كنتُ أشعر بأن لديّ خلايا دماغية لم أستخدمها سابقاً. كل يوم، كنتُ أعثر على عشرين بالمئة من الأشياء التي أطلبها. أو خمسين بالمئة. لكن ليس كل شيء. لا إمكانيات. أُجبرت على ابتكار أشياء عدّة بما لديّ من إمكانيات. في البداية، كان هذا نوعاً من المعاناة. أو خيبة أمل. بعد فترة، اكتشفتُ أني أحقّق أفضل الممكن من الأشياء القليلة التي أملكها. كانت تجربة رهيبة. أشعر بأنها تجربة روحانية. لكن، إذا سألتني عمّا إذا كنتُ أعيد التجربة نفسها ثانية أم لا، أقول لك: التجربة المقبلة ستكون مختلفة. هذا ليس عمود التجارب أو مقياسها. ما حدث معي في «الزمن الباقي» حدث للمرّة الأولى.

·     هناك حالة سينمائية عربية جديدة، لبنانية تحديداً، بدأت تنمو في صناعة الأفلام، ترتكز على اختيار مخرجين عديدين، خصوصاً في المجال الوثائقي، لأحد أفراد عائلاتهم (أب، أم، جدّ، جدّة، أقارب قريبين جداً) مادة درامية لنتاجاتهم، للانطلاق منها إلى مشهد عام. كيف تنظر إلى هذه الحالة، علماً بأنك من البارعين في الارتكاز الدرامي والجمالي على سيرتك الذاتية في صناعة أفلامك، والذهاب بها إلى الإنساني؟

ـ لا أستطيع إجابة وافية، لأني لم أشاهد أفلاماً كثيرة في هذا الإطار. لا فكرة لديّ عن الموضوع، خصوصاً الأفلام اللبنانية والجيل الجديد. أنا في حالة تفتيش دائم. أحبّ أن أشاهد ما الذي تنتجه السينما عندنا دائماً. أبحث باستمرار عن مخرج لديه حيوية الابتكار. عن فيلم فيه شيء طازج وموح.

طبيعي جداً أن الوضع تغيّر. صار هناك سينيفيلية أيضاً. لكني لم أعثر على نفسي في المنطقة هنا سينمائياً، مع أن بعض اللحظات مشتركة بيني وبين أفلام أخرى. سأجد نفسي مع جيل جديد يصنع سينما ليست مبتذلة، فيها نوع من الصدق الذي أبحث عنه أنا أيضاً. يجب أن تكون هناك صُوَر سينمائية أيضاً.

ربما انقلبنا من حالة تاريخية موجودة حكماً ومجسّدة بثرثرة سينمائية وتجارة بالشعارات، إلى مرحلة متّسمة بتفتيش ذاتي. أشعر بنفور الجيل الجديد من أنواع الشعارات كلّها. أهذه بداية، أم مجرّد لحظة عابرة؟ سنرى لاحقاً. ربما هناك أشياء من هذا النوع، أفلام أكثر سينمائية، أكثر إنسانية، لا تكون مسألة الهوية فيها طاغية عليها. هناك سينما، إمكانــيات أنسنــتها موجودة أصلاً، وهي تعبر الحدود والحواجز؛ فلماذا نقوقعها داخل حدود وحواجز؟

السفير اللبنانية في

11/12/2009

 
 

كياروستامي: صورة جانبية لفنان غيـَّر صورة إيران في الخارج

مراكش - ابراهيم العريس

منذ فيلمه الرائع «عشرة» الذي حققه قبل سنوات، لم يحقق عباس كياروستامي في ايران اي فيلم روائي طويل من ذلك النوع الذي كان قد صنع له سمعته بصفته الأشهر والأبرز - وربما الأفضل ايضاً، في نظر كثر من النقاد - في بلده إيران. بعد «عشرة» عاش كياروستامي معظم وقته خارج ايران. وهو اذا كان حقق خلال العام الفائت فيلماً جديداً هو «شيرين»، كعمل إيراني خالص، فإن هذا الفيلم اتى اشبه بتجربة فنية، منه بعمل روائي طويل. في «شيرين» تابع كياروستامي ما كان ليود لو ان الدقائق الثلاث التي أعطاها له جيل جاكوب، رئيس مهرجان «كان» ليشارك في العمل الجماعي «لكل سينماه» كانت ساعة ونصف ساعة. ومن هنا جاء الفيلم تجريبياً من الصعب وصفه بـ «العمل الشعبي» لأنه اتى فيلماً عن التلقي: عن مجموعة كبيرة من نساء، بخاصة، يشاهدن شريطاً عن الحكاية الخرافية «شيرين» ويتأثرن به. وهذا التجريب لم يعد، على اية حال، امراً غريباً على سينما «عميد الفن السابع الإيراني» في ربع القرن الأخير. إذ حتى «عشرة» أتى تجريبياً على صعيد لغته السينمائية وموضوعه، من دون ان يعني هذا، ان تجريبيته كانت صعبة. وبعده غاص كياروستامي في التجريب أكثر وأكثر: في السينما (من خلال «خمسة» و «عشرة على عشرة»)، وفي الحوار الفني (من خلال حواره مع زميله الإسباني فيكتور اريس)، وفي التصوير الفوتوغرافي، كما في الشعر والرسم... وصولاً الى التجريب في الأوبرا، حيث أخرج قبل عام أوبرا «هكذا يفعلن جميعاً» لموزار...

خلال كل هذا النشاط، كان ثمة دائماً سؤال واحد:... ولكن اي هو عباس كياروستامي؟

حيث تكون السينما

الجواب اليوم بسيط وبديهي. إنه حيث تكون السينما موجودة. هو اليوم، إذاً، في مراكش، حيث يقوم بمهمة يقول هو نفسه انها شديدة الصعوبة: رئاسة لجنة التحكيم في مهرجان هذه المدينة التي لا يتوقف عن إعلان حبه لها. «إنها مدينة سينمائية بامتياز»، يقول. وحين يتحدث كياروستامي عن مدينة ما، بوصفها سينمائية، يبدو في الحقيقة بعيداً بعض الشيء من العالم الذي التصق به منذ افلامه الأولى: عالم البلدات الريفية. فهو، حتى وإن كان قدم من خلال «عشرة» واحدة من أروع الصور الإنسانية لمدينة طهران، منظوراً إليها من داخل سيارة تقودها بطلته، لم يكن قد أكثر، من قبل اقترابه من المدن. بالأحرى كانت شخصياته مزيجاً من ابناء المدن وأبناء الأرياف يلتقون في ظروف شديدة الخصوصية. وكأن عيني المخرج تستخدم الفيلم لتحقيق عملية استكشاف متبادلة.

فهل هذا هو ما يفعله في فيلمه الجديد والذي انجز تصويره في إيطاليا (محققاً أول فيلم روائي له، خارج المواضيع الإيرانية)؟ ربما. فقد قيل الكثير حتى اليوم عن هذا الفيلم الذي تقوم جولييت بينوش بالدور الرئيس فيه. وكثر من الذين تابعوا سينما كياروستامي منذ اعماله الكبيرة الأولى «لقطة مكبرة»، «اين هو منزل صديقي» و «الحياة تتواصل»، يطرحون اليوم هذا السؤال الأساس على انفسهم. السؤال الذي يتعلق بما سيضيفه هذا الفيلم الى سينما فنان ارتسمت علاقته بالسينما، دائماً، من خلال مواضيع ذات علاقة وثيقة ببيئته، وأسئلته المحلية.

طبعاً لا يمكن منذ الآن الحكم على هذا الفيلم، ولكن في المقابل يمكننا ان نقول ان صاحبه بات يعتبر ومنذ سنوات طويلة واحداً من أبرز عشرة مخرجين سينمائيين معاصرين (تحقيق نشر في «الغارديان» قبل اعوام قليلة، صنّفه سادساً، بعد دايفيد لينش، وسكورسيزي والأخوين كون وسودربرغ وترنس مالك...). ومن هنا لا شك في انه مساء غد، في الحفل الختامي لمهرجان مراكش، سيكون هو نجم الاحتفال الأول، من دون ان نزعم ان ايرانيته تلعب دوراً في هذا. فقط نقول هنا ان هذا المهرجان المراكشي الذي يزداد عراقة عاماً بعد عام، بات - من خلال اختياره رؤساء لجان التحكيم فيه - يصنف مكانة المخرجين في زمنهم. إذ ها هو كياروستامي يشغل مهمة الرئاسة، بعد ميلوش فورمان وسكورسيزي ورومان بولانسكي... وكلهم كما نعرف من كبار صانعي الفن السابع المعاصرين. صحيح ان كياروستامي يشغل مكانة اساسية بينهم، وأنه يقوم بمهمته على افضل ما يكون - مواظباً على مشاهدة الأفلام، متكتماً كما ينبغي لرئيس لجنة تحكيم ان يكون - لكن هذا ليس غريباً عليه هو المعروف عادة بصمته المدهش، والذي يقول دائماً، وها هو يكرر هذا في مراكش، انه إذا كان لديه حقاً ما يقوله فإنه يقوله في أفلامه، وفي وسائل التعبير الأخرى التي يستخدمها. وهو، على رغم صمته، لا يفوته ان يعبر عن سعادته بهذه «الاستراحة» التي تتيح له، ان يشاهد افلاماً آتية من شتى انحاء العالم، لتقول اشياء كثيرة عن الإنسان... الإنسان الذي هو - كما يذكرنا - موضوعه الأول والأخير. وهو يضيف انها فرصة له، حقيقية طالما انه، ومنذ سنوات، لم يعد لديه ما يكفي من الوقت لمشاهدة ما يحدث في عالم سينما اليوم. فماذا عما يحدث في بلده، ايران؟ هنا يعود الى تكتمه حول السياسة، لكنه يؤكد انه يعرف ان اموراً كثيرة، ايجابية غالباً، تحدث على صعيد السينما الإيرانية، على الأقل.

تعليقات سياسية

والسينما الإيرانية هي، بالطبع، عالم عباس كياروستامي ومجاله الحيوي، مهما شرّق وغرّب. وهو، حتى وإن لم يكن الأكثر شعبية بين صانعي هذه السينما في إيران (ماخمالباف، ابناً وابنتين، وبني اعتماد، ومجيد مجيدي... وغيرهم، هم بالتأكيد اكثر شعبية منه داخل ايران. بل إن شعبية مساعدين وأصدقاء له مثل جعفر باناهي، وقبادي تفوق شعبيته هناك)، يعتبر الأكثر احتراماً. انه، الى حد ما، غودار ايران، ولعل في تجريبيته الدائمة ومسايرته زمنه، ما يبرر هذا، حتى وإن كانت افلامه، وعلى الأقل حتى «عشرة» (ومن أبرزها «لقطة مكبرة» - 1990، و «الحياة تتواصل» - 1991-، و «عبر اشجار الزيتون»-1994، و «طعم الكرز»- 1997-، وهذا الأخير اعطاه السعفة الذهبية في «كان» ذلك العام، شراكة مع ايمامورا، و «سوف تأخذنا الرياح»)، حظيت، حين عرضت في الداخل، ودائماً متأخرة كثيراً، عن زمن إنتاجها، وفي عدد محدود من الصالات، بنجاح شعبي كبير. وفي هذا السياق، قد يكون مفيداً ان نقرأ ما كتبته عنه صحيفة «الغارديان» البريطانية، تبريراً لإعطائه المكانة السادسة في تلك اللائحة التي ضمت اسماء أبرز 40 سينمائياً معاصراً: «ان كياروستامي هو الأول غير الأميركي في هذه اللائحة، وهو يعتبر احد اكثر المخرجين احتراماً في سينما اليوم، من جانب زملائه المخرجين، إن لم يكن من جانب الجمهور العريض. وكياروستامي الذي صوّر في السابق، خصوصاً في المناطق الريفية الإيرانية، غالباً ما أورد تعليقات سياسية موزعة وفي شكل غامض، بين ثنايا أفلامه البسيطة والعذبة. لكنه، في الوقت نفسه، تعمّد ان يعقّد سينماه، وغيرها من وسائل التعبير التي يستخدمها، عبر المزج بين الدراما والتوثيق، والمزج بين ممثلين محترفين وأناس عاديين، للوصول الى تأثيرات مدهشة. ولعل ما يمكن ملاحظته، مثلاً، في فيلمه «عشرة» هو تلك الصورة الجديدة التي يقدمها لطهران، من ناحية، ومن ناحية ثانية تلك الجذرية التي يتعامل بها مع تقنيات سينمائية جديدة.

هذه باختصار، بعض جوانب شخصية هذا الذي يعتبر اليوم صورة فائقة الاحترام للفنان الإيراني في أوروبا والعالم، وعباس كياروستامي الذي يدنو من السبعين من عمره (هو من مواليد طهران عام 1940)، يحافظ دائماً على هذه الصورة، ليس فقط في أفلامه، بل حتى في حياته الشخصية وعلاقته بهذا الفن الذي اختاره لحياته على خطى الكبار الإيرانيين الذين سبقوه (مرجوي، بيزائي، ساليس...)، ومثالاً يقتدى بالنسبة الى الجيل التالي له، الجيل الذي غالباً ما نراه يدعمه، انتاجاً وكتابة سيناريوات بكرم عزّ نظيره لدى اهل السينما.

الحياة اللندنية في

11/12/2009

 
 

داود حسين يسرق الأضواء في مهرجان مراكش السينمائي الدولي

سعيد طغماوي: أفتخر بعروبتي وأعمالي بين هوليوود وباريس

عبد الستار ناجي

عن ماذا يكتب الناقد والمتابع السينمائي حينما يكون علية التحرك بين مهرجانات سينمائية عدة دفعة واحدة وبين اجواء ومناخات سينمائية متعددة ومختلفة لهذا يأتي الحديث اولا عن النجوم لنترك الحديث عن الافلام والتحليل الى مرحلة لاحقة .

رغم أهمية تلك الاعمال والقيم العالية في الاعداد والتنظيم والجدولة وهي بلا ادنى شك انجازات ما كان لها ان تتحقق لولا وجود ادارة سينمائية عالية المستوى تمتلك العلاقات والبعد الدولي ونحن نتحدث هنا في هذه المحطة عن مهرجان مراكش السينمائي الدولي الذي استطاع ان يحقق كما من الانجازات الفنية العالية المستوى من حيث اختيار اعضاء لجنة التحكيم وافلام المسابقة الرسمية والتكريمات بالذات فيما يخص السينمات المكرمة والمبدعين منهم أمير كوستاريكا وكريستوفر والكن وبن كيسنغلي وايضا النجم المغربي الفرنسي العالمي سعيد طغماوي الذي بات اليوم أحد اهم نجوم هوليوود واوروبا من ذوي الاصول العربية.

وفي حيث مطول مع «النهار» نقتطف منه في هذه الرسالة بعض الاشارات حيث يؤكد طغماوي الذي شاهدناه في كم من الاعمال السينمائية العالمية على اعتزازه بأصوله العربية حيث يبادرنا قائلا: انها ليست بالمرة الاولى التي أتحدث بها معك، وهذا أمر يسعدني لانني أتواصل مع القارئ في منطقة الخليج العربية وهي المنطقة التي أتمنى زيارتها بإذن الله ان عملي في السينما الفرنسية اولا ثم هوليوود لاحقا لم تزدني الا فخرا بأصولي والقيم التي تربيت وتعملت عليها، ان عملي في عدد بارز من الاعمال السينمائية في هوليوود وجدولي المزدحم في المواعيد لم يبعدني عن أهلي هنا في المغرب فما ان جاءت الدعوة الرسمية للتكريم حتى جئت وانا في غاية السعادة ان أكون بين أهلي وجمهوري،

وأشار الى ان العمل في هوليوود يخضع لمواصفات عالمية وضوابط واحتراف وهو امر جعلني أحرص على تطوير قدراتي الفنية .

وأشار طغماوي الى انه يمثل بلغات عدة وبطلاقة تامة وهي الانكليزية والفرنسية والايطالية والإسبانية وايضا العربية والالمانية وهو أمر ساعده الى مزيد من الانتشار والحضور السينمائي .

وفي تصريحه ايضا شدد طغماوي على أهمية ان يلتفت الرسمال العربي الى المشاركة في الانتاج السينمائي العالمي من أجل ايصال صورة الانسان العربي وقضاياه وأكد اننا نمتلك الكثير من القضايا الأساسية التي يتمنى العالم معرفتها والتوقف عندها... ولنا وقفة أخرى مطولة مع تفاصيل الحدث .

وفي الاطار ذاته، استطاع الفنان الكويتي المحبوب داود حسين ان يسرق الاضواء والاهتمام خلال ايام مهرجان مراكش السينمائي الدولي في حديث مع «النهار» قال الفنان داود حسين: تلقيت الدعوة الرسمية للمشاركة في مهرجان مراكش السينمائي منذ فترة طويلة ونظرا لازدحام وتداخل المواعيد كان على ان أحضر في الايام الأولى من المهرجان.

وقد حضرت حفل الافتتاح والايام الاربعة الاولى وسأغادر الى دبي حيث سأشارك في مهرجان دبي السينمائي، وخلال وجودي هنا في مراكش وجدت كل الترحاب من الجمهور المغربي ومن أجهزة الاعلام المغربية والعربية والدولية التي توجد هنا في مراكش.

كما كانت فرصة الوجود في مراكش نافذة حقيقية للتواصل مع أهم صناع السينما العالمية وقد التقيت مع النجم العالمي بن كيسنغلي وكريستوفر والكن وعدد من كبار المخرجين من انحاء العالم كما كنت محطة للتحاور مع الاخوة الفنانين المغاربة من أجل افاق متجددة للتعاون الفني السينمائي والتلفزيوني..

ولعل الأيام المقبلة ستحمل أكثر من اشارة في هذا الجانب .

ودُعا الفنان داود حسين الى المزيد من الاهتمام بالسينما في الكويت ودول مجلس التعاون على الصعيدين الرسمي والخاص ما يساهم في تقدم الوجه الحقيقي للانسان العربي الخليجي لأنحاء العالم، وأشار بمزيد من الفخر والاعتزاز بالدور الذي قام به المخرج الكبير خالد الصديق الذي لا تزال بصماته واضحة وصريحة في ذاكرة السينما العالمية فحينما يذكر اسم الكويت والسينما الكويتية يذكر اسم خالد الصديق والتحف التي قدمها ومنها بس يابحر وعرس الزين وغيرها.

ويبقى ان نشير الى ان فعاليات مهرجان مراكش السينمائي الدولي تتواصل تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية الشقيقة، وبحضور مولاي رشيد، ولنا رسالة أخرى.

النهار الكويتية في

10/12/2009

   

وجهة نظر

مراكش 3

عبد الستار ناجي

اقتضت فترة التواجد في مراكش، لزيارة مدينة «ورزازات» يوم امس برفقة عدد من النجوم والمخرجين والمنتجين، وهي المرة الثالثة التي ازور فيها هذه المدينة، التي تحولت بفضل ستديوهات هوليوود الكبرى، الى ستديو ضخم يضم اكبر الاستديوهات والديكورات الطبيعية والخاصة بعدد من اهم الاعمال السينمائية التي صورت هناك.

ورزازات مدينة قد لا تكون على الخارطة، ولكنها في حقيقة الامر مدينة على خارطة السينما وصناعة الفن السابع.

وهنا اتذكر حكاية ذكرها لي النجم الاميركي الكبير مايكل دوغلاس (ابن كريك دوغلاس) بعد ان صور هناك فيلم «جوهرة النيل» (رفضت الرقابة المصرية تصويره في مصر) وصور في المملكة المغربية وبميزانية تجاوزت الخمسين مليون دولار، ويومها قال لي وفي حديث خاص ان المغفور له الملك الحسن الثاني (رحمه الله) امر بتسهيل كل الامكانات من اجل انجاز تصوير الفيلم، حتى انه امر بارسال طائرات من وزارة الدفاع المغربية للمشاركة في احداث الفيلم، وحقق الفيلم عوائد ضخمة للخدمات الانتاجية التي سخرت للعمل.

واليوم يسير جلالة الملك محمد السادس علىالنهج ذاته، حيث يفتح الباب على مصراعيه، امام كبريات شركات الانتاج السينمائية الاميركية والاوروبية لتصوير اعمالها في ورزازات وغيرها، وقد حط الرحال هنا كبار النجوم اعتبارا من برات بيت الى ليوناردو ديكابيريو مرورا بكبار المخرجين.

ورغم ذلك، لايزال المنتجون والمخرجون والنجوم العرب بعيدين وبمسافات فلكية عن تلك الديار والاماكن والاستديوهات الطبيعية والاحترافية العالية المستوى.

انها دعوة لمد مزيد من الجسور بين الاهل.. والأحبة. وبرافو مروكو...

وعلى المحبة نلتقي

Anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

06/12/2009

 
 

ممثل مغربي عالمي: السينما المغربية تنقصها الهوية

العرب أنلاين/ مراكش

قال ممثل من أصل مغربي شارك في عدد من الأفلام العالمية إن السينما المغربية لا تزال فتية وتنقصها هويتها الخاصة والإهتمام بمواضيع انسانية عامة حتى تصل إلى مستوى العالمية.

وقال سعيد التغماوي الممثل الفرنسي المغربي الأصل -الذي مثل في العديد من الأفلام العالمية إلى جانب ممثلين ومخريجن عالميين- في مقابلة مع رويترز بمناسبة تكريمه في مهرجان مراكش الدولي للفيلم "السينما المغربية تنقصها هوية خاصة بها.. هي سينما لا تزال فتية يجب ان تشتغل على مواضيع تهم المغاربة وباقي العالم لتصل إلى العالمية."

وأضاف قائلا على هامش مهرجان مراكش الدولي للفيلم الدي يسدل الستار عليه غدا السبت "ما ينقص السينما المغربية لكي تسافر إلى كان أو إلى الأوسكار هو أن تشتغل على مواضيع تهم الإنسان في مفهومه المجرد وتبتعد عن المواضيع المحلية الضيقة."

واعتبر أن مشكلة السينما في المغرب والعالم العربي "ليست قضية إمكانيات مادية أورصد ميزانيات ضخمة لأننا لا نتوفر على إقتصاد السينما كما هو الشأن بالنسة للولايات المتحدة الأمريكية فالأمر لا يعدو أن يكون قصة جيدة وكاستينج وإخراج جيدين."

ومضى قائلا "الامريكيون يشتغلون على التأثيرات الخاصة ولهم إقتصاد سينما قوي وثقافة مختلفة. نحن بحاجة إلى قصة سينمائية مغربية جيدة لها بعد إنساني لتتخطى الحدود."

وقال التغماوي الذي مثل في فيلم سينمائي مغربي وحيد حاز على العديد من الجوائز العربية والدولية هو "علي زاوا".. "نحن ليست لدينا ثقافة الخيال العلمي كما في أمريكا لذلك يجب ان نركز على ثقافتنا المتنوعة ونوظفها في السينما."

وأعطى مثالا بأفلام مغربية مثل "علي زاوا" و"البحث عن زوج إمراتي" و"كازانيغرا" قال انها لقيت نجاحا كبيرا لدى الجمهور المغربي وحددت ماذا يريد الجمهور المغربي من السينما.

والتغماوي "37 عاما" ولد لابوين مغربيين في فرنسا ومثل في العديد من الأفلام العالمية خاصة في هوليود إذ شارك في 57 فيلما من بينها 31 لعب فيها أدوار البطولة.

وبدأ مشواره الفني بفيلم "الحقد" لماتيو كاسوفيتس الحائز على جائزة أحسن إخراج في مهرجان كان عام 1995 كما مثل في فيلم "مراكش إكسبريس" للمخرج غيليس ماكينون في 1997 مع الممثلة كيت وينسلت. ومثل مع جورج كلوني في فيلم "ملوك الصحراء" كما إلتحق بالسلسلة الأمريكية الشهيرة "لوست" في موسمها الخامس.

وقال التغماوي في "الحادي عشر من سبتمبر ليست هي التي كرست الصورة السيئة والنمطية عن العرب والمسلمين في السينما الأمريكية والغربية عامة."

"قبل الحادي عشر من سبتمبر أنجزت هوليود العديد من الأفلام سخرت من العرب كما لم تعرف هوليود سوى ممثل عربي وحيد شارك في أعمال سينمائية عالمية هو الممثل المصري عمر الشريف... صحيح بعد الحادي عشر من سبتمبر ساءت الأمور أكثر وأصبح الأمر يتعلق بحملة تتواصل إلى اليوم ضد الإسلام والمسلمين من بينها منع الحجاب والبرقع والمآذن والمساجد.

"هذه نقاشات مغرضة من ورائها أحقاد عنصرية والحادي عشر من سبتمبر لم يعمل سوى على إذكائها."

ويتواصل مهرجان مراكش الذي تميز حسب النقاد بضعف الحضور العربي بالمقارنة مع الدورات السابقة حتى غد السبت حيث سيرفع الستار عن الفيلم الفائز بالجائزة الأولى من بين 15 فيلما مشاركة في المسابقة الرسمية من بينها الفيلم المصري "هليوبوليس" لأحمد عبدالله والفيلم المغربي "الرجل الذي باع العالم" للمخرجين الأخوين سهيل وعماد نوري.

وتنتمي الأفلام الثلاثة عشر الأخرى التي تتنافس في المسابقة الرسمية للمهرجان إلي دول في اوروبا وأسيا وأمريكا.

وتميزت الدورة الحالية بتكريم السينما الكورية التي وصفها منظمو المهرجان بأنها "الأكثر حيوية في العالم". وبالاضافة الى التغماوي تكرم الدورة ايضا الممثل البريطاني السير بن كينجسلي والمخرج البوسني امير كوستوريكا والممثل الامريكي كريستوفر والكن.

العرب أنلاين في

11/12/2009

 
 

جوائز المهرجان الدولي للفيلم بمراكش

مراكش: حسن المرزوقي

حظي الفيلم المكسيكي "شمالا" للمخرج ريكوبيرطو بيريز كانو على جائزة النجمة الذهبية وهي الجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش الذي اختتم فعالياته مساء يوم السبت 12 دجنبر الجاري بعد أسبوع من المنافسة بين 15 فيلما من مختلف الجنسيات من بينها فيلمين عربيين لم يحصلا على أي جائزة وهما: "هليوبوليس" للمخرج أحمد عبد الله من مصر و"الرجل الذي باع العالم" للأخوين عماد وسهيل النوري من المغرب.

يتناول الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى "شمالا" ظاهرة الهجرة السرية من المكسيك نحو الولايات المتحدة الأمريكية حيث يقتفي محاولات أحد الشباب المتعددة للعبور قبل أن يفلح في نهاية الفيلم بفضل مساعدة بعض الأفراد من سكان المدينة الحدودية التي يرتبط بعلاقة خاصة مع بعضهم خاصة إمرأتين

أما الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم فقد توزعت مناصفة بين الفيلم البلجيكي "البارونات" للمخرج نبيل بن يدر والفيلم الماليزي "إبنتي" للمخرجة شارلوت ليم لاي كيون فيما حصلت الممثلة لوت فيريبك على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم الهولندي "لا شيء خصوصي" بينما حصل الممثل سيرون ميلفيل على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الدنماركي "حب وغضب".

ونذكر بأن لجنة التحكيم تكونت من الممثلة والمخرجة الفرنسية فاني أردان والممثلة والمخرجة الهندية نانديطا داس والممثلة الإيطالية إيزابيلا فيراري والممثلة الإسبانية ماريسا باريديس والمخرج البريطاني مايك فيكيس والمخرج المسرحي الفرنسي كريستوف هونور والمخرج الأرجنتيني بابلو طرابيدو والمخرج الفلسطيني إليا سليمان والمخرج المغربي لحسن زينون ويترأسها المخرج الإيراني عباس كيروستامي.

عرض المهرجان طيلة مدة إقامته أكثر من 130 فيلما موزعة على مجموعة من الفقرات الموازية وفضاءات مدينة مراكش حيث كانت سينما كوريا الجنوبية ضيفة هذه الدورة التاسعة بعرض أهم إنتاجاتها منذ سنوات الخمسينات إلى جانب إطلالة على السينما التايلاندية.

الجزيرة الوثائقية في

14/12/2009

 

مهرجان مراكش الدولي: حينما تزور السينما المدينة

مراكش : حسن المرزوقي 

يبدو أن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش قد نجح في الرهان الذي رفعه منذ نشأته. حيث اكتملت ملامح العالمية في هذه الدورة التاسعة سواء من حيث الأفلام المشاركة التي اعتبرها جميع المراقبين أنها من الأفلام ذات الطراز الرفيع. أو على مستوى الشخصيات المكرمة كإمير كوستاريكا وكريستوفر والكن والسير بين كيكنسلي. أو من خلال السينما المحتفى بها وهي السينما الكورية الجنوبية. أو حتى من  خلال قيمة لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الإيراني الكبير عباس كياروستامي.

كما لا تخلو المسائل التنظيمية من جهد واضح يهدف إلى إنجاح الدورة وجعلها على مستوى الصدى الدولي. وقد ساعدت البنية التحتية للسينما في مدينة مراكش على تقديم الأفلام في ظروف تقنية ولوجستية جيدة بشهادة كل من تحدثنا معهم.

أما الرابح الأكبر في المهرجان فكان مدينة مراكش هذه المدينة الرائعة والعالمية بكل المقاييس الطبيعية والثقافية والفنية. وهي بالمناسبة قبلة كثير من نجوم السينما العالمية الذين اقتنوا بيوتا فخمة في المدينة.

في هذه الدورة كان جمهور المدينة من المراكشيين والضيوف الذين لا ينقطع حضورهم على مدار السنة، كانوا في الموعد مع السينما فاكتظت قاعات العرض بجماهير من مختلف الأجناس والجنسيات وكانت ساحة جامع الفنا: "قلب مراكش النابض"، مركزا للفن والامتياز(ساحة الفنا ساحة مشهورة بسبب شهرة جامع الفنا تقام فيها يوميا احتفالات شعبية وألعاب بهلوانية وموسيقى وعادات مغربية تجلب السياح وتعطي طابعا خاصا للمدينة). لقد انخرطت السينما في الخطاب "الكرنفالي" لهذه الساحة حيث تعرض يوميا الأفلام العالمية على شاشة ضخمة.

ولأن الساحة تموج كل يوم كبحر هائج فإن تلك الشاشة التي انتصبت حديثا قد زادت ذلك الموج البشري حيوية فكان الجمهور يروح ويغدو بين قصر المؤتمرات (مقر المهرجان) وساحة الفنا وهو رواح وغدو كما يقول أحد المنظمين يهدف إلى أن يرى الزائرون المدينة في السينما ويعيشون السينما في المدينة. فما إن تقترب من المدينة العتيقة ميمّما شطر "الفنا" حتى تبتلعك شوارعها بشكل ساحر فتجد نفسك "تفنى" بين أشكال شتى من البهجة البسيطة تصنعها رائحة البخور والشواء وأصوات العازفين والبائعين والعرافين.  كل يبيع سلعته ويعرضها بشكل فني ومشهدي. إنها ساحة المشاهدة بامتياز يدخلها الناس ويدفعون ثمن ما يشاهدون...

نوع من السينما في الحياة اليومية لمدينة مراكش من دون مخرج أو مونتاج.. انضافت إليها شاشة عملاقة تعرض أفلاما لمخرجين عالميين ومونتاج عالمي أيضا، يقف أمامها المتفرجون بالساعات ولا ينفضّون إلا بانتهاء الفيلم. وحينما يتسرب الليل إلى المدينة من خلف غابات النخيل والتل الصغير على أطرافها تتلألأ بوابة قصر المؤتمرات بنجوم كثيرة منها ما في السماء ومنها ما فوق الشجر والجدار ومنها ما جادت به السينما العالمية من نجوم البشر يمشون على الأرض مثلما مشوا في أفلامهم وخطّوا الطريق بثبات.. يصعّدون السجاد الأحمر وسط هتافات جمهورٍ لا تعلم من أين أتى ومتى ولكنه كان يأتي كل ليلة قبل الموعد.

يدخل النجوم إلى القاعات ليستقبلهم جمهور آخر لا يقل عددا عن الواقفين خارجا.  أما المفاجأة المعلنة والتي رغم إعلانها ظل بعد المفاجأة ماثلا فيها، فهي السينما الكورية حيث يحضر 44 فيلما كوريا امتد تاريخ إنتاجها من الخمسينات إلى اليوم. وتكمن المفاجأة في أنك تكتشف - لمن لا يعرف هذه السينما جيدا- تكتشف أن فعلا تشاهد "سينما" بما للكلمة من معنى.

وفي كثير من تلك الأفلام مشترك فني ومعنوي بين مجتمعين يقعان في ضلعين بعيدين من أضلاع الأرض. وقد صفّق الجمهور طويلا ليلة تكريم السينما الكورية وحيّوا وفدا ضم أكثر من خمسين عضوا بين مخرجين وممثلين ومتخصصين في السينما الكورية. إنه مظهر آخر من مظاهر حضور السينما في مدينة مراكش. حيث يطير الفن آلاف الأميال ليحط في ساحة مليئة بالبسطاء والعابرين.

ولعل أطرف مظاهر من مظاهر حضور السينما في المدينة أيضا - والذي نتمنى أن يكون تقليدا في كل المهرجانات- وهو تخصيص حيز للمكفوفين سواء بالاحتفاء بهم وإدماجهم في أجواء المهرجان أو التعريف بمواهبهم. أما غاية النبل في هذه المبادرة فتكمن في تطوع الجمعية الملكية المغربية لطب العيون بإجراء 200 عملية مجانا على مرضى العيون في مدينة مراكش وما حولها. أما المنتفعون من الخدمة الطبية فيقدر بـ  2000 مريض بأمراض العيون. واعتبر الأطباء مبادرتهم ، جزءا من فعاليات المهرجان. وتمنّوا أن يعود مرضاهم السنة القادمة ليشاهدوا بشكل واضح أفلاما ستعرض في الدورة القادمة ويروا مدينتهم وهي تستعيد ضوء أبصارهم. وربما يعود سبب اختيار مرض العيون إلى أن البصر هو الحاسة المدللة في حقل السينما. فما الكاميرا إلا عين ترى الخيال وما العين إلا كاميرا ترصد الحقيقة.

إن ما قدمه مهرجان مراكش السينمائي لمدينة مراكش يبرهن على أن السينما ليست ترفا وذلك  عندما نستطيع أن نوزع مزاياها بين أركان المدينة ونقسم خباياها بين الناس لكي نبصر مدننا وأنفسنا على نحو جميل.

الجزيرة الوثائقية في

09/12/2009

 
 

فيلم مكسيكي يفوز بالنجمة الذهبية لمهرجان مراكش الدولي للفيلم

مراكش (المغرب) من زكية عبد النبي

فاز الفيلم المكسيكي (شمالا) بجائزة النجمة الذهبية للدورة التاسعة لمهرجان مراكش الدولي للفيلم التي أسدل الستار عليها مساء أمس.

وفاز بجائزتي لجنة التحكيم للمهرجان الفيلم البلجيكي (البارونات) والماليزي (ابنتي).

وتدور قصة فيلم (شمالا) لمخرجه ريكوبيرطو بييريزكانو حول مهاجر أو مشروع مهاجر يصل إلى الحدود الشمالية للمكسيك بهدف العبور إلى الولايات المتحدة لكن المدة التي قضاها بمدينة تيخوانا المتاخمة تجعله يعيد النظر في إرتباطاته الإنسانية وذاكرته والعديد من الأشياء.

وتشكلت لجنة تحكيم هذه الدورة من المخرج الإيراني عباس كياروستامي والممثلة والمخرجة الفرنسية فاني أردان والمخرجة الهندية نانديطا داس والممثلة الإيطالية إيزابيلا فيراري والمخرج البريطاني مايك فيكيس والفرنسي كريستوف هونور والممثلة الإسبانية ماريسا باريديس والمخرج والمنتج الفلسطيني إيليا سليمان والأرجنتيني بابلو طرابيرو والمخرج المغربي لحسن زينون.

كما فاز فيلم (البارونات) للمخرج البلجيكي نبيل بن يادير وفيلم (إبنتي) للمخرجة الماليزية شارلوت ليم لاي كيون بجائزة لجنة التحكيم في حين عادت جائزة أحسن دور رجالي للممثل الدنمركي سيرون ميلفيل عن دوره في فيلم (حب وغضب) وأحسن دور نسائي للممثلة البولندية لوت فيربيك عن دورها في فيلم (لا شيء خصوصيا).

تضمنت المسابقة الرسمية للدورة التي بدأت في الرابع من ديسمبر كانون الاول الجاري مشاركة 15 فيلما من بينها فيلمان عربيان هما (هليوبوليس) للمخرج المصري أحمد عبد الله والفيلم المغربي (الرجل الذي باع العالم) للمخرجين سهيل وعماد نوري.

وخارج المسابقة تم عرض تسعة أفلام من مصر وألمانيا وإيطاليا والصين وأستراليا وتايلاند وكوريا الجنوبية والهند.

وأنتقذ عدد من المتابعين لهذه الدورة التي تضمنت تكريم السينما الكورية تراجع المهرجان بالمقارنة بالدورات السابقة بسبب عدم حضور نجوم كبار كما في السابق امثال مارتن سكورسيزي والممثل ليوناردو دي كابريو كما قال عدد من النقاد إن الدورة شهدت حضورا عربيا فاترا.

وقال نور الدين الصايل المدير التنفيذي لمهرجان مراكش لرويترز 'مكتسباتنا هي أفلام جيدة من دول عريقة في تاريخ السينما ولجنة تحكيم جيدة وبلد جميل وليس حضور نجوم كبار من عدمهم.'

وأضاف 'أظن بالنسبة لتسع سنوات نحن في الطريق الصحيح. صحيح ليس لدينا تجربة مهرجانات كبيرة مثل (كان) وغيرها.. لكن بالنسبة لرصيد تسع سنوات فنحن في مستوى مهرجان عالمي بسبب جودة الأفلام المختارة والدول الممثلة التي لها تاريخ عريق في مجال السينما وكذلك إختيار لجنة التحكيم من أجود المخرجين العالميين على رأسهم الإيراني عباس كياروستامي.'

كما أشار إلى عدد من الممثلين والعالميين المكرمين في هذه الدورة منهم الممثل البريطاني السير بن كينجسلي والمخرج البوسني امير كوستوريكا والممثل الامريكي كريستوفر والكن والممثل العالمي من أصل مغربي سعيد التغماوي.

وقال الصايل 'لايمكن أن نكون أسرع من التاريخ مهرجان مراكش يراكم التجارب في إطار الإستمرارية. نحن نشتغل على جعل هذا المهرجان من أفضل مهرجانات العالم..يتطلب هذا الكثير من العمل لكننا سنصل.' (رويترز).

القدس العربي في

16/12/2009

 

في يوميات مهرجان مراكش الدولي للفيلم:

ميزانية ضخمة وأفلام متوسطة

عبد الغني بلوط/ مراكش - 'القدس العربي'  

قدرت مصادر مطلعة ميزانية المهرجان الدولي للفيلم بمراكش بحوالي 8 مليارات سنتيم، لم تنجح في إقناع مؤسسات الإنتاج لأجل استقطاب أهم الأفلام العالمية المطروحة هذه السنة وعرضها لأول مرة، مشيرة أن كل من مهرجان القاهرة ومهرجان دبي نجحا في ذلك. وتأتي هذه التقديرات التي قيل إنها تقريبية وسط رفض المنظمين عن المهرجان الإفصاح عن الميزانية على غرار المهرجانات العالمية، بما في ذلك ذكر القيمة المالية للجوائز الممنوحة خلال المهرجان، في الوقت الذي يطالب نور الدين الصايل بالزيادة فيه. وعلى خلاف المعتاد في مثل هذه المناسبات لم يعقد المنظمون أي ندوة صحافية لشرح هذه الأمور للجميع وسط تبرمات من فنانين ومخرجين لم تختر أفلامهم، حيث كانت مؤسسة المهرجان قد رفضت مشاركة خمسة أفلام سينمائية مغربية لكل من محمد اشويكة، وعبد الكريم الدرقاوي، ومحمد مفتكر، وحسن بنجلون، ومحمد عهد بنسودة.

ولم يرق الفيلمان المختاران لتمثيل المغرب سواء فيلم 'الرجل الذي باع العالم' لمخرجيه نور وسهيل نوري المشارك في المسابقة الرسمية، أو فيلم 'تصدعات' لمخرجه هشام عيوش المشارك في فقرة 'نبضة قلب'، باهتمام الجمهور فيما أثارا جدلا حول المعايير المعتمدة في اختيارها، وقوبلا بامتعاض كبير سيما فيلم هشام عيوش الذي امتلأ بلقطات جنسية الأكثر فضحا في الأفلام المعروضة خلال المهرجان، و لوحظ أن الفيلمين المختارين يعكسان نظرة مخرجين مغربيين للأشياء والمواضيع، ويشتركان بالعيش أو الازدياد في الخارج.

وقدم المهرجان في المسابقة الرسمية فيلما كوميديا لمخرجه الياباني ماتسيموتو هيتوشي تحت عنوان 'رمز'، والذي نجح في إضحاك الجمهور باستعمال تقنيات تكنولوجية حديثة ومن خلال تخيل وضعية كوميدية يجد فيها البطل نفسه في غرفة مغلقة، وكلما ضغط على زر عبارة عن عضو تناسلي لطفل، رمي إليه بشيء، ويحاول من خلال الأشياء المتحصل عليها، الخروج من الغرفة، وأثناء ذلك تظهر أحداث حقيقية لبطل في المصارعة المكسيكية، لكن المخرج دخل في العبثية حين أظهر أن كل ضغط على زر من قبل البطل في غرفته المغلقة البيضاء ينتج عنه 'حادث مفاجئ' كسقوط برجي نيويورك أو ضرب جورج بوش بالحذاء أو تعثر رائد الفضاء على سطح القمر في حياة البشر وكأنه يرجع ذلك إلى يد خفية في ذلك دون أن يكون للعالم نواميس تحكمه ودون أن يتحمل الإنسان مسؤولية على أفعاله.

وتميز أول أمس الأربعاء بتكريم الممثل السير بين كينغسلي صاحب دور 'غاندي' في فيلمه يحمل العنوان نفسه لمخرجه ريشار اتينبورو، الذي عرف عرضه إقبالا كبيرا بساحة جامع الفنا، حيث اعتبر تكريم كنغسلي تكرما لغاندي نفسه قائد الثورة الهندية ضد الاحتلال البريطاني. ولوحظ أن المهرجان اختار في المسابقة الرسمية أفلاما طويلة يخرجها أصحابها لأول مرة (9 من أصل 15) فيما باقي الأفلام تعتبر ثاني تجربة لمخرجيها، وتقتسم مجال الغرابة والخروج عن المألوف، وإثارتها للجدل، كما أن جلها متوسطة، ماعدا الفيلم الاسباني 'إرادة بدون بيانو' والفيلم البلجيكي'البارونات'، والفيلم المكسيكي 'شملا'،والفيلم 'ظهيرة حقيقية 'من طاجيكستان الذي عكس واقعا لفتاة في قرية دون التخلي عن خصوصيات الجمهور والذي ينتظر أن يحصد إحدى الجوائز.

القدس العربي في

15/12/2009

 
 

عباس كيروستامي والإصرار على استخدام اللغة الفارسية

د. الحبيب ناصري

اسدل الستار مؤخرا على فعاليات مهرجان مراكش الدولي بتتويج الفيلم المكسيكي بالنجمة الذهبية لكن ما تبقى راسخا في ذهني الالتصاق القوي للمخـــرج الايراني عباس كيروستامي بلغته الفارسية على مدار كل تدخلاته فوق الخشبة الكبرى لقاعـــــة قصر المؤتمرات بمراكش امام من يتنصل منذ الوهلـــــة الاولى من لغته الاصلية مثل حالة مخرجي فيلم 'الرجل الذي باع العالم' ابني المخرج المغربي حكيم نــــوري اذ فرضا التحدث باللغة الفرنسية او الانكليزية لبعض وسائل الاعلام وغيرهم من بعض المخرجين الذين لم يعد من الممكن وباستطاعتهم التحدث بلسان عربي.... الرجل/ المخرج الايراني عباس كيروستامي'الاتي الى السينما من مرجعيات ثقافـــــية ايرانية انسانية كبرى يعي جيدا ما معنى ان يبقى المرء وفيا لخصوصــياته الثقافية في مهرجان دولي تختلط فيه الالسن وكل امكانات الترجمة متوفرة.... انها المفارقة الكبيـــــرة بين من يدير الة السينما وهو متشبع بكل مكوناته الثقافية الكبرى وبين من يلهث على وسائل الاعلام ليشحذ لسانه بلغات الغير وكأنه يريد القول لأهل لسان الغير انظروا ها انذا اتحدث بلغتكم لست منهم.... لست من قومهم.عجيب امر البعض الذي يريد ان يتنصل من كل مكونات هويته الا من لغة واحدة وهي لغة البحث عن المال العام هنا يؤكدون هويتهم في كل الوثائق الموقعة....

لكن مجرد ما يتم التمكن من هذا المال العام هنا يتم التنصل لكل شيء لنقلهــا عاليا وبصوت مرتفع لسنا ضد اللغات الاجنبية انها ضرورة ثقافية بل نحن مع كل انفتاح ثقافي انساني نافع، لكن مع التمسك بكل المكونات الثقافية الكبرى التي تنص كل الوثائق التربوية والدستورية والقانونية والادارية.... عليها ان يرفض المرء التكلم بلغته الاصلية ولوسائل اعلام وطنية عربية هي الاهانة لعمري بعينها اننا مع رفض كل أشكال التطرف وكل اشكال الاصوليات المنغلقة لكن ان نتنصل لكل شيء يحيلنا على مرجعياتنا الثقافية الكبرى فهذا ما نرفضه جملة وتفصيلا...ولا نختم الا بانحناءة اجلال واحترام لعباس كيروستامي المتشبع والى حد النخاع بمكوناته الثقافية الايرانية.

ناقد من المغرب

القدس العربي في

16/12/2009

 
 

السينما أمام جمهور حقيقي

مراكش - إبراهيم العريس

بتوزيع جوائزه الخمس في الحفل الختامي في آخر الأسبوع الفائت يكون مهرجان مراكش السينمائي الدولي، قد حقق رهانه... وهو رهان بسيط على أي حال: تقديم مناسبة سينمائية دولية الاتجاه، عربية الروح، تقوم أساساً على عرض أفلام مميزة وقوية، بعضها سبق عرضه في مناسبات قليلة، وبعضه لم يعرض من قبل. وهذا البعض الأخير، وكما هي الحال دائماً، من المفترض أن يكون في قلب اللعبة السينمائية، إدهاشاً وتجديداً، خلال الشهور المقبلة.

مهرجان مراكش لا يوزع سوى خمس جوائز. بل هي في الحقيقة أربع، أضيفت إليها واحدة استثنائية، إذ رأت لجنة التحكيم أن فيلمين، لا فيلماً واحداً، يستحقان جائزتها الخاصة. وهذا التقشف غير المعهود في المهرجانات السينمائية الكبرى، يؤدي عادة الى ظلم يلحق بمهن سينمائية (ليس ثمة جائزة للإخراج ولا واحدة للسيناريو على سبيل المثال)، كما يؤدي الى ظلم لأفلام كثيرة. والحقيقة أن من تابع معظم الأفلام الخمسة عشر التي عرضت ضمن إطار المسابقة الرسمية، أحس بهذا الظلم. فما شاهده كان شرائط قوية، مدهشة آتية من بلدان يغيب معظمها عن أضواء الاحتفالات والعروض السينمائية الصاخبة. أفلام تقول الحال الراهنة للإنسان. للمجتمع، لنظرة الفنان الى ما يدور من حوله. ولكن دائماً في لغات أخاذة، في ابتكارات سينمائية. من هنا يشعر المرء في الوقت نفسه بكمّ الحيرة والأسى الذي اعترى عباس كياروستامي ورفاقه في لجنة التحكيم، حين وجدوا أمامهم أفلاماً يتعين عليهم حرمان ما لا يقل عن عشرة منها من أي جائزة. ومع هذا، في عودة الى استعراض الأفلام الفائزة، يتبين للمرء أن الاختيارات، حتى وإن كانت شخصية، تمثل إجماع آراء لجنة التحكيم، بدت صائبة. لذا لم يكن من المستغرب أن يكون التصفيق قوياً ومرحباً، لدى الإعلان عن كل فوز. ونقول هذا ونحن نعرف أن الجمهور في اختتام مهرجان مراكش، جمهور من محبي السينما وأهلها. وهذه الملاحظة تقودنا طبعاً الى الحديث عن الجمهور الذي تابع عروض المهرجان المراكشي في شكل عام. فهو جمهور متابع، ومتابع بقوة الى درجة أنه كان من الصعب لمن يصل متأخراً بعض الشيء في أي عرض من العروض أن يجد مكاناً يجلس فيه، سواء كانت عروض افلام قديمة (ضمن التكريمات والاستعادات) أو عروض أفلام المسابقة الجديدة، أو عروض برنامج «نبضة قلب»، الذي احتوى على الأفلام ما تفوق بعض الشيء حتى على أفلام المسابقة. طبعاً هذا الجمهور أسف لقلة الأفلام العربية في شكل عام (بما فيها الأفلام المغربية)، وامتعض في النهاية لعدم فوز «هليوبوليس» للمصري أحمد عبدالله، بأي جائزة، ولغياب فيلم الأخوين حكيم «الرجل الذي باع العالم». ومن هنا، مثلاً، حين أعلن فوز فيلم المخرج المغربي الأصل نبيل بن يدير «البارونات» (وهو فيلم بلجيكي) بإحدى جائزتي لجنة التحكيم، صفق كثيراً. لكنه - طبعاً - صفق أكثر لفوز فيلم المكسيكي ريغوبرتو بيرزكانو «الشمال الناقص» بجائزة النجم الذهبي. فهو يكاد يكون فيلماً مغربياً بموضوعه (هجرة الكادحين الى الشمال المحظور عليهم). والحقيقة ان فوز هذا الفيلم بالجائزة الكبرى لم يكن مفاجئاً لأحد، ذلك أنه جمع العنصرين اللذين يتطلبهما جمهور من نوعية الجمهور المراكشي، الذي يحب السينما القوية العاطفية والجميلة، من ناحية، ويريد لها - من ناحية أخرى - أن تكون سينما ذات رسالة.

جوائز لأفلام أولى

الى «البارونات» و «الشمال الناقص»، كان الفوز أيضاً من نصيب فيلم «ابنتي» للماليزية شارلوت ليم لاي كوين، بجائزة لجنة التحكيم أيضاً. ولقد كانت شارلوت، في الحقيقة، أول المفاجئين بالفوز، ومن هنا لم تجد أمامها إلا أن تغدق حبها وشكرها على المخرج جيم جارموش الذي تولى تسليمها الجائزة قائلة له: «إنني مغرمة بك الى حد كبير». و «ابنتي» يتحدث عن العلاقة الصعبة بين أم وإبنتها المراهقة وسط عالم لا يرحم، عالم يمر به الرفاه الاقتصادي والهدوء الاجتماعي من دون أن يراه.

ويبقى من الجوائز اثنتان: أفضل ممثل وأفضل ممثلة. وهنا أيضاً لم يفاجأ أحد، بل بدت الأمور وكأنها تسير في سياق طبيعي متوقع. فمنذ شاهد الجمهور فيلم «لا شيء شخصياً»، شعر أن أداء ممثلته الرئيسة (والوحيدة تقريباً في الفيلم الى جانب البطل الآخر، الذي تقيم معه علاقة مدهشة في جزيرة بعيدة من العالم في الشرق الإرلندي) أداء استثنائي. فهي (وتدعى لوتي فيربك) حملت الفيلم كله (وهو فيلم هولندي - إرلندي حققته مخرجة من أصل بولندي هي أورسولا انطونياك، كفيلم أول لها) من أول لقطة فيه الى آخر لقطة، وحيدة مشردة من الشمال الأوروبي الى البحر الإرلندي باحثة عن لا شيء حتى تلتقي بالعجوز في بيته المعزول فتقوم بينهما علاقة شديدة الغرابة. منذ شوهدت لوتي وهي تنطلق منذ اللقطات الأولى للفيلم، حسم الأمر كما يبدو. وكذلك كانت الحال بالنسبة الى صاحب الدور الرئيس في الفيلم الدنماركي «حب وغضب» لمورتن جيسي، الذي يقدم هو أيضاً هنا، فيلمه الأول. وهو فيلم قوي ومتماسك عن عازف بيانو، توقعه حاله العائلية في تقلبات تقوده الى العنف المطلق، من دون أن نعرف تماماً - في النهاية - ما إذا كان سبب عنفه وحاله، تصوراته انطلاقاً من ذكريات اخفاق أبيه في الحياة الى حد الانتحار، أو أن ما يعيشه بين أم ماجنة وحبيبة ملائكية، أول الأمر، ملتبسة المشاعر بعد ذلك. حقيقي ان هذا الدور أتاح للممثل الشاب سيرون ملفيل، جائزة أفضل ممثل، أسوة بلوتي فيريك في «لا شيء شخصياً». وكان هذا كل شيء في هذا التوزيع المتقشف لجوائز بدت، في شكل عام مستحقة، حتى ولو أسف كثر من محبي السينما الكبيرة لغياب الجوائز عن فيلمين على الأقل مما عرض في المهرجان، وهما الروسي الرائع «غرفة ونصف» عن رحلة متخيلة للشاعر صاحب جائزة نوبل «جوزف برودسكي»، في عودة الى وطنه الذي كان نفي منه عام 1972، والأميركي «راقص ماو الأخير» عن حكاية حقيقية عن الراقص الصيني لي كونكسين، الذي انشق هو الآخر عن النظام الصيني، كما فعل برودسكي. والحقيقة ان هذين الفيلمين الكبيرين لم يكونا في المسابقة. وسنعود، طبعاً الى الحديث عنهما في كتابات لاحقة...

الحياة اللندنية في

18/12/2009

 
 

'القلب الجيد' فيلم إنساني بمواصفات سينمائية عالية

مراكش ـ من عبد الغني بلوط

في ساعة و38 دقيقة، قدم المخرج الإيسلندي الشاب داكوري كاري، ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، نموذجا جميلا لأفلام المؤلف الناجحة التي استأثرت باهتمام النقاد والمتتبعين والجمهور الواسع الذي تحدث عنه طويلا بعد انتهاء عرضه. وقدم المخرج في فيلمه الذي حمل عنوان 'القلب الجيد'(2009) قصة إنسانية رائعة، ولغة سينمائية مبسطة، فيما كتب السيناريو بحبكة متقنة تضمن دلالات إنسانية واجتماعية واضحة، وبذلك استمر في نهجه الذي سلكه في أفلامه الثلاثة السابقة فيليليوس(2001)، ونوي البينوي (2003)، والحصان الأسود(2005). واستعمل كاري في فيلم 'القلب الجيد' الذي صور في الولايات المتحدة الأمريكية تقنيات عالية في التصوير والموسيقى التصويرية تجعل المتلقي يعيش حالات متأثرة جدا تصل في بعض الأحيان إلى 'الضحك من القلب'، ومرة أخرى إلى 'ذرف الدموع من القلب' مرورا بحالات متباينة استعمل فيها لغة فلسفية جميلة تعطي للمتلقي الفرصة لطرح التساؤل حول تصرفاته مقارنة مع مبادئه، فيما خلا الفيلم من أي لقطات صادمة للجمهور ومنه الناشئ الذي تتبعه بشغف كبير. واستعمل المخرج الإضاءة الخافتة والموسيقى بشكل متفوق، إذ اختار الألوان الغامقة، مضافة إلى اللون الأبيض، أعطتها للمشاهد الجمالية الموجودة في تقنيات التصوير الفوتوغرافي 'أسود وأبيض'، في لقطات مقربة جدا من وجوه الشخصيات تظهر المكامن الداخلية لهم في تناسق مع المحيط.

واختار المخرج أن تدور جل أحداث الفيلم في حانة ضيقة لا تتسع لأكثر من 13 فردا، لا يرحل عنها إلا لإضافة تفاصيل جديدة، ويحكي الفيلم الذي حظي بتصفيق منقطع النظير بقاعة قصر المؤتمرات، عن الشاب لوكاس الذي يمر بمرحلة صعبة وبدون مأوى إلى أن يلتقي بجاك في عقده السابع صاحب الحانة منهك القوى ومريض بالقلب، فيرعاه هذا الأخير ويحاول تعليمه صنعة النادل، وكيف يسبق رغبات زبائنه الذي يبرز المخرج حالاتهم الاجتماعية والنفسية وهم من الطبقة الفقيرة الذي يحاول كل واحد إفراغ همومه في المجيء إليها دون جدوى. وفي لحظات الفيلم يبرز المخرج الفروق بين شخصيتين لوكاس الشاب وجاك والمتقدم في السن بفلسفتين في الحياة متباينتين تقويها ظهور شابة جميلة بدون مأوى أيضا، إلى أن يشعر الطبيب جاك أن قلبه تلف ويجب استبداله بواحد جديد لن يكون غير قلب لوكاس الذي يتعرض لحادث سير وهو خارج من مقر عمله يبحث عن بطة كان جاك قد اشتراها لذبحها وأجل ذلك، وتعتبر لقطة نقل قلب الشاب لوكاس المتوفى في حادث السير وزرعه في صدر جاك دون علمه أقوى اللحظات في الفيلم محت الخط الفاصل بين الصحة والمرض بين الشباب والشيخوخة، بين الأمل واليأس، بين القديم والجديد، بين المألوف والغريب.

وقدم المخرج الأمريكي كاري 'مؤسسة الأسرة' في صورتها التقليدية الجميلة، إذ اختار 'تزويج' الشاب والشابة من أول لقاء بينهما دون أن يسعى إلى استغلال علاقتهما في تقديم مشاهد الفراش، والذي يسعى بعض المخرجين الاخرين إقحامها عنوة دون حاجة فنية، كما قدم جاك ذلك الولهان الذي لا يستطيع السفرالى من يريد الزواج منها، لكنه يبقى ملتزما بعدم لقاء امرأة أخرى طيلة 'قرن' كما جاء في سيناريو الفيلم.

واستطاع الممثل المقتدر المخضرم الاسكتلندي بريان كوكس (جاك) أن يعطي قوة للفيلم بتعبيرات وجهه وبقـــــدرته من الانتقال من حالة نفسية إلى حــــالة اخرى بيسر كبـير، مظهرا كيف يستمر الإنسان وإن شاخ في حاجة إلى ملء فراغاته العاطفية والجنســـــية والاجتماعية، في مقابل تمسكه بالحياة إلى آ خر لحظة،و كيف يفقد الإنسان براءة الطفـــــــولة مع تقدمه في السن ويصبح قاسيا على من حوله، قبل أن يظهر عند حصول النكبات، ذلك الوجه المشرق في النفس البشرية، وقد بدا جاك طيـــلة الفيلم في حالة توتر، وأضيف إلى ذلك له هدوء الممثل الشاب (بول دانو 25 سنة، وهذا هو العمل الـ17 له منذ بدء التمثيل عن سن 16 في ســنة 2000) الذي برع في تقـــــديم صورة الفتى بدون مأوى، الملتزم اللطيف الودود المؤمن بالمبادئ الإنسانية النبيــلة قبل أن تقسو عليه الحيــاة فيبدأ يقســـو على الجميع، ثم الممثلة الشـابة أيسيلد دي بيسكو (أبريل) التي أعطت ظهورها في الفيلم نفسا جـديدا له، دون أن تسقط في الابتذال.

القدس العربي في

19/12/2009

 
 

تنظيم رفيع المستوى واختيارات عالية وحضور متميز

مهرجان مراكش السينمائي... خطوة متقدمة في فضاء الدولية

عبد الستار ناجي

اعترف بأنني كنت اتردد كثيرا في الذهاب الى تلك البقعة البعيدة من عالمنا العربي، حيث مهرجان مراكش السينمائي الدولي، خصوصا، في ظل عدم وجود خط مباشر بين الكويت والمملكة المغربية، فكيف بالوصول الى مراكش الجميلة بأهلها وتضاريسها.. وايضا بمهرجانها السينمائي الدولي، الذي بات اليوم يحتل موقعه البارز.

ومن اجل الوصول الى مراكش، كان لابد من مشوار طويل بدأ منتصف النهار هنا في الكويت، ومنها الى بيروت ومنها الى كازابلانكا تقريبا منتصف الليل وبعدها الى مراكش، حيث اصل ولا تصل الحقيبة، لتبدأ معاناة اخرى تهون امام الاستقبال والحفاوة من اهل مراكش.. وحينما تنطلق فعاليات المهرجان، انسى كل شيء، اضيع وسط ازدحام الاحداث، اكبر عدد من النجوم، والافلام المختارة بعناية، وقبل كل هذا وذاك، التنظيم الرفيع المستوى، اعتبارا من مرحلة المراسلات، حتى ما بعد الوداع، حيث التواصل لا ينقطع، عبر كم من الرسائل الالكترونية اليومية.

مراكش في مطلع ديسمبر الحالي، كانت مزيجا من التداخل في المناخات، فمن الدفئ خلال النهار «15-20» درجة وفي الليل تنخفض الى الخمس درجات وربما اقل، ورغم ذلك فان احتفاليات المهرجان لم تتوقف، واجواء قصر المؤتمرات في مراكش، تظل عامرة بالوجوه والشخصيات التي جاءت من انحاء المعمورة، للتماس مع هذه المدينة التي تسترخي على ابواب الصحراء، كيف لا وهي تحمل لقب «بوابة الصحراء».

بمن نبدأ من الوجوه... بالايراني عباس كيار وستامى رئيس لجنة التحكيم ومعه كانت هناك صفوة من الاسماء ومنها الفرنسية فانى اردان وكم آخر من الاسماء الكبيرة، والتي يمثل تجميعها اجتهاد وخبرة عريضة وقبل كل هذا أتحدى، فمن يستطيع ان يجمع كل تلك الوجوه والاسماء. الا ادارة عالية الخبرة والفهم وايضا المعرفة بالاسماء ومكانتها وقيمتها.

لقد كان وراء مهرجان مراكش ومنذ انطلاقته على يد الراحل باسكال بلاتينة، خبرة عريضة وعلاقات اشمل واوسع، وعلى ذات النهج سارت زوجته وفريقها الذي يواصل المشوار.

وبعيدا عن لجنة التحكيم، تأتي التكريمات، التي خصت هذا العام، عددا مهما من الاسماء، ومنها البوسني امير كوستاريكا والاميركي كريستوفر والكن وبن كينغسلي وايضا المغربي الفرنسي سعيد طغماوى. اما عن العروض، فحدث واسهب...

ورغم قلة الاعمال العربية، الفيلم المصري «هليوبولس» والمغربي «الرجل الذي باع العالم» الا ان حضورها جاء متميزا، ومقرونا بالجودة، والاختيارات العالية، مذكرين ان مصر للمرة الاولى في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش «الدورة السادسة». وهذا يعني تجاوز كل مفردات المجاملة، وذات الامر يسري على الجميع، حتى على السينما الفرنسية، فحضورها مرتبط بالتميز... وهو العنوان الوحيد لدخول المسابقة الرسمية، التي اقتنعها هذا العام فيلم مكسيكي.

ولا ينتهى الامر، فعاليات المهرجان تبدأ يوميا من التاسعة صباحا، بافطار عمل مع الصحافيين، يجمع احدى قيادات المهرجان، اعتبارا من نور الدين صايل رئيس المركز السينمائي المغربي، مرورا ببقية الكوادر، في حوار يعتمد الشفافية العالية. والموضوعية الهادفة.

وبعدها تنهمر الافلام كما المطر... والمؤتمرات الصحافية.. واللقاءات وعلى الناقد المتابع، ان يمارس حياة المتسابقين من «الماراثون».

بالمناسبة، نسيت ان اشير الى انني اكتشفت ان الحقيبة لم تخرج من الكويت، وبعد المحاولات حرمنا «حفظها الله» وذهابها لعدة مرات الى المطار، حتى تم ارسال الحقيبة بعد اربعة ايام من سفري، كنت خلالها قد اشتريت احتياجاتي من السوق المركزية «مرجان» في مراكش.. وقد وصلت الحقيبة، صباح يوم سفري من مراكش الى دبي، حيث مهرجان دبي السينمائي الدولي.

ونعود للسينما.. ومراكش...

ومن الشذرات التي نتوقف عندها، تلك المبادرة المهمة من ادارة المهرجان بتكريم السينما «الكورية الجنوبية» من خلال «50 فيلما» وحضور عدد متميز من الشخصيات السينمائية الكورية، وهو امر لم تعرفه من ذي قبل، رغم المكانة والاهمية التي تحظى بها السينما الكورية.

وقد حظيت تلك التجربة باهتمام كبير من قبل الجمهور والنقاد على حد سواء، لان تلك المجموعة من الافلام كانت بمثابة «الكنز» السينمائي.

لقد عمقت تلك المفردات، وقيمها الكبيرة البعد المتميز لتلك الخطوة الجبارة، التي تقدم بها مهرجان مراكش السينمائي الدولي في دورته السادسة، في فضاء الدولية الرحب، ليحتل موقعاً متجدداً ومتميزاً على خارطة المهرجانات السينمائية الدولية، ضمن تصنيف الاتحاد الدولي للمنتجين السينمائيين.

ويبقى ان اقول: ازدحام العروض والمواعيد والتكريمات والنجوم وحقيبتي المفقودة، كلها بكفة، والحضور الشذي للفنان المحبوب داود حسين خلال ايام المهرجان وحرصه على متابعة جميع العروض والتواصل مع الفنانين المغاربة والعالميين منح مهمتي بعداً جديداً، لهذا حينما سأعود الى مراكش.

سيكون برفقة الفنان داود حسين، وحقيبتي المفقودة.

Anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

25/12/2009

 

فيلم روائي عن عبد الكريم الخطابي

مراكش : حسن المرزوقي 

صرح المخرج المغربي المقيم في فرنسا محمد الحافي للجزيرة الوثائقية أنه بدأ في الاستعدادات الأولى للإنجاز فيلم روائي طويل يتناول حياة المناضل المغربي الكبير محمد عبد الكريم الخطابي.

وفي حوار سننشره قريبا أبدى محمد الحافي إعجابه بفيلم "أسطورة الريف" الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية وأخرجه محمد بالحاج. وقال إن الفيلم كان وثيقة مهمة وموضوعية حول هذا الرمز في تاريخ المغرب الحديث. وأن فيلمه الروائي سيتناول جوانب لم يتناولها الفيلم الوثائقي هي الجوانب الحياتية والخاصة لهذا البطل كما سيتوسع في تبيان الإنجازات التاريخية خاصة موقعة "أنوال" التي انتصر فيها المغاربة على الأسبان انتصارا ذريعا ومدويا وكذلك حيثيات تأسيس دولة الريف المغربي.

وفي سؤال عن تاريخ فكرة هذا الفيلم هل كانت قبل الفيلم الوثائقي أم بعده أجاب بأن فكرة الفيلم راودته منذ بداية التسعينات وأنه استشار المرحوم مصطفى العقاد في الموضوع وأنه شجعه على المضي قدما في هذا المشروع.

أما فيما يتعلق بمن سيقوم بدور الخطابي فقد اعتذر عن ذكر الاسم لأن الأمر لم يحسم بعد ولكنه أكد أن الاختيار سيكون بين ممثلين غربيين. وأضاف الحافي أن هذا الاختيار للمثل الأجنبي  كان من ضمن اقتراحات العقاد رحمه الله.

ويذكر أن محمد الحافي له فيلم روائي قصير يتناول موضوع الحدود الجزائرية المغربية وفيلم وثائقي انتهى منه أخيرا حول الموسيقى التقليدية المغربية. ويعتبر فيلمه عن الخطابي أول تجربة روائية طويلة. وهو الآن بصدد جمع التمويل من عدة جهات أوروبية وكان يتمنى لو التمويل عربيا. معتبرا انه سيظل مخرجا عربيا يعبر عن قضايا عربية بنظرة من الخارج وهي نظرة المبدع العربي المهاجر.

الجزيرة الوثائقية في

13/12/2009

 
 

مهرجان مراكش السينمائي التاسع:

طغيان المنحى التجريبي في اختيار الأفلام واعتماد لغة الصمت

مراكش ـ بسنت سلامة

ما بين بداية ألمانية - ختام إيطالي ضمت فاعليات الدورة التاسعة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش مئات الأفلام التي عرضت في اقسام مختلفة تنافس خلالها 15 فيلماً روائياً طويلاً من 15 دولة على جوائز المهرجان الاربع التي منحتها اللجنة المشكلة من 10 أعضاء ضمت المنتج والمخرج الفلسطيني (إيليا سليمان) والمخرج المغربي (لحسن زينون) والممثلة الفرنسية( فاني أردان) والهندية (ناديتا داس) والإيطالية (إيزابيلا فيراري) والبريطاني (مايكل فيكيس) والأرجنتيني (بابلو طرابيرو) والفرنسي (كريستوف هونور) والأسبانية (ماريسا باريديس) ورأسها المخرج الإيراني (عباس كياروستامي) الذي جاء إختياره لرئاسة اللجنة متماشيا مع توجه وانحياز المهرجان هذا العام للتجريب واعتماده الصمت لغة سينمائية خالصة ومعبرة وحرصه على اختيار الأفلام الأولى والثانية لمخرجيها من أجل تقديم رؤى تجريبية مختلفة لمخرجين جدد من شتى بقاع الأرض لأول مرة لعالم السينما. وهو دور يتصدى له القائمون على مهرجان مراكش حاليا باعتبار المهرجان منبرا دوليا لسينما عالمية على ارض مغربية أكثر من كونه مهرجانا عربيا أو مغاربيا خاصة في ظل تراجع مهرجانات كثيرة عن لعب ذلك الدور الهام سينمائيا وعالميا مثل مهرجان نانت الفرنسي للقارات الثلاث والذي قدم من قبل مخرجين لأول مره هم حاليا نجوم وصناع السينما العالمية من أمثال (مخملباف) و(كياروستامي) المنشغل دوما في أفلامه بالبحث في الذات وهموم النفس والاستغراق في التفاصيل الحياتية اليومية التي تعكس عمق الوجود الانساني بثرائه وتناقضاته وتعقيده وهي تيمات سينمائية إنسانية خالصة ظهرت في جميع أفلام الدورة الـ9 للمهرجان وبالتالي كان إختيار كياروستامي رئيسا للجنة اختيارا موفقا ومبررا فتلك هي السينما التي يحبها كيارستامي ويفهمها وينحاز اليها ولقد أفصح كياروستامي في حفل الافتتاح البسيط الانيق عن طريقة عمل لجنة التحكيم المشكلة من أعضاء لهم بطبيعة الحال أمزجة مختلفة بل ومتناقضة أن الأفلام التي سيقع عليها إختيار اللجنة ليست بالضرورة هي الافضل والعكس فالزمن وحدة كفيل بالحكم على تلك الرؤى وفي ختام المهرجان أيضا تحدث كياروستامي قبل اعلان النتيجة النهائية قائلا ان هنالك افلاماً إنحاز لها الكثير منا ورغم ذلك ليست في قائمة الأفلام الفائزة.

وكان الارتياح هو الوصف الدقيق لحال الحاضرين لحفل ختام المهرجان بعد إعلان النتائج ومنح الفيلم المكسيكي الروائي الأول (شمالا) لمخرجه الشاب (ريكو بيرتو بيريز كانو) النجمة الذهبية (الجائزة الكبرى للمهرجان) وهو فيلم يصور سعي شاب مكسيكي لعبور الحدود الشمالية لبلاده للوصول لأرض الأحلام (أميركا) لتحسين أحواله المعيشية وينتهي الفيلم بالفعل عند الحدود بين المكسيك وأمريكا ليبقى السؤال مطروحا حول جدوى الهجرة غير الشرعيه بين هذين العالمين المختلفين وغير المتجانسين، أما جائزة لجنة التحكيم فمنحت لفيلمين اولهما البلجيكي (البارونات) لمخرجة المغربي الأصل (نبيل بن يادير) الذي قدم في فيلمه الروائي الأول تجربة سينمائية إستثنائية من حيث الاتقان والطرح صور من خلالها نماذج لحيوات المغتربين المغاربة في بروكسيل ممن يرغبون في فعل لاشيء بوصفهم بارونات في تلك الحياة وبالتالي يجب أن تكون حركتهم أقل بل وطموحهم معدوماً يتلخص أحيانا في جعل الآخرالطموح يضحك من خيباتهم وخيباته ولكن أن تكون مضحكا أو أضحوكة للآخرين فذلك لا يمثل عملا ولا يمكن أن تظل بارونا على الدوام لذلك ولكي تنجح يجب أن تغادر قديمك أو أن تهرب منه. أما الجائزة الثانية فذهبت للفيلم الماليزي الأول أيضا لمخرجته (شارلوت كوين) وعنوانه ( ابنتي) ويحكي أزمة فتاة مراهقة تحاصرها الشائعات التي التصقت بأمها المحبة للحياة والجمال والتي يعتبرها سكان البلدة امرأة سيئة السمعة، ورغم كون الفتاه هي البطلة الرئيسية للأحداث التي أظهرت كم المشاعر المتناقضة التي تكنها تلك الفتاه لأمها ما بين القبول والرفض، الحب والكراهية إلا أن عنوان العمل يدل على أن الراوية الأساسية للفيلم هي الأم وانها حكت لنا قبل موتها العبثي المفاجئ في حادث طريق حكاية ابنتها وما عاشته من حيرة وتخبط في حياتها وما ستختاره فيما بعد إختفائها من حياتها ويتنهي الفيلم والفتاه تحاول بالفعل لعب نفس دور الأم بل وتقمص أسلوبها في الحياه، فيلم شديد الخصوصية والعذوبة أنجز ببساطة متناهية واعتمد على الكادرات الخاصة التي تعكس رؤية فنية وجمالية واعدة لمخرجة تقف لأول مرة على خشبة المسرح لتتسلم جائزتها من يد المخرج الأميركي (جيم جارموش) لذلك طلبت المخرجة أن تتحدث للجمهور وقالت : لا أصدق انني أقف الآن على المسرح وبجانبي (جيم جارموش) يسلمني جائزة عن فيلمي الأول الصغير البسيط ثم التفتت للمخرج الكبير قائلة : (أنا أحبك) وسط تصفيق الحضور وتعاطفهم الشديد مع المخرجة في تلك اللحظة الاستثنائية والفاصلة في حياتها وهي تحصد جائزة عن فيلمها الأول من مهرجان كبير في حجم مهرجان مراكش.

أما الجائزة الثالثة والرابعة في المهرجان فهي جائزة التمثيل التي منحت لبطل الفيلم الدنماركي (حب وغضب) والذي جسد فيه الممثل (سيرون ميلفيل) دور المراهق ذي الموهبه الفذة في العزف على البيانو والذي كما ورث عن والده المنتحر عبقريته الموسيقية ورث عنه أيضا جنونه والذي دفعه في النهاية لقتل استاذه بدافع الشك والغيرة على أمه، نفس الهواجس التي دفعت والده للإنتحار حيث استطاع الممثل أن يصور انفعالات الإبن غير السوية وغيرته القاتله على أمه على طريقة أوديب.
أما أحسن ممثلة فكانت البولونية (لوت فيربيك) عن فيلم (لاشيء خصوصي) وجسدت البطله من خلاله دور فتاه اختارت أن تحيا حياة العزلة والتشرد على الحدود ما بين هولندا وأيرلندا تعمل لدى شاب زاهد يسكن في كوخ على الحدود أيضا مقابل إطعامها فقط شريطة أن يتفادى الإثنان أي حوار بينهما.

رتابة

وكما بدأ أول عروض المسابقة الرسمية للمهرجان بفيلم إسباني ( امرأة بدون بيانو) الذي صور حالة امرأة آثرت الإستئناس بعتمة الليل والغرباء على احتمال روتين حياتها ووجدت في ذلك سلواها الوحيد رغم الإنكسارات والحالات النفسية والنماذج الانسانية الأكثر ضياعا التي إلتقطها في الحافلة وفي الطريق لتعود أدراجها لبيتها وحياتها وزوجها بعد قضائها ليلة مختلفة بكل المقاييس. وإعتبار البعض أن تلك البداية غير موفقه نظرا لرتابتها وإغراقها في التفاصيل لكن سرعان ما يتأكد للجميع أن تلك النوعية الخاصة والمختلفة من الأفلام هي التيمة الرئيسية المختارة عن قصد والمحتفى بها في فعاليات الدورة التاسعة التي تنتصر لسينما الوقائع اليومية بتفاصيلها ورتابتها وبطء إيقاعها وإستغراقها في البحث داخل الذات والميل لأنسنة الأشياء وإعطائها بعدا أكثر شمولية. ولهذا السبب إختار المهرجان فيلما من طاجيكستان (ظهيرة حقيقية) وآخر من أيسلاندا (القلب الجيد) و(رمز) من اليابان و(طوكيو تاكسي) من كوريا التي كرمت في هذه الدورة بعرض 44 فيلماً بمناسبة مرور أكثر من خمسين عاما على السينما الكورية الجنوبية إلى جانب إطلالة على السينما التايلاندية عرض خلالها 12 فيلماً مختلف عن السائد العربي لذلك جاء إختيار الفيلم المغربي (الرجل الذي باع العالم) لمخرجيه (سهيل وعماد النوري) في تجربة إخراجية ثانية لهما بعد فيلمهما الأول (أبواب الجنه) 2006 واللذين قدما من خلاله اقتباسا خاصا لرواية ديستويفيسكي) (قلب ضعيف) والذي أحدث صدمة للمشاهدين لا تختلف كثيرا عن صدمة فيلمهما الأول وهي صدمة جمالية لرؤية ولغة سينمائية مغايرة يمكن إعتبارها مجددة تعتمد على التفكيك لتعطي مناخات أقرب لتكون مسرحية أو تشكيلية أكثر منها سينمائية لكنها في النهاية تعبر عن قدرة بصرية مؤسسة بشكل سليم ولافت للنظر لا تخلو من حدة وتوتر وعصبية وغرابه بل وتعقيد لا يخلو من جمال بصري وتمكن من كافة الأدوات السينمائية خاصة التصوير والمونتاج، ويبدو أنه تيار جديد بدأ يظهر في السينما المغربية أكده فيلم المخرج المغربي الشاب (هشام عيوش) الذي عرض في اطار قسم نبضة قلب الذي ضم 7 أفلام منها ذلك الفيلم المغربي الثاني في فعاليات الدورة وهو فيلم (شقوق) الذي قال عنه مخرج الفيلم أنه صوره بلا سيناريو مكتوب بشكل مسبق وظهرت فيه نفس الرؤية المختلفة وتجولت الكاميرا فيه بين الشخوص والأمكنة بحرية وإضطراب وبلا ثبات لتعطي في النهاية نتيجة مغايرة تعكس رؤية بصرية وجمالية خالصة الصورة فيها هي البطل لا السيناريو ولا الحوار ولا ما يصطلح على تسميته مورال أو رسالة الفيلم.

ولذلك اختير الفيلم العربي الوحيد المشارك في مسابقة المهرجان -إن إعتبرنا الفيلم المغربي هو فيلم الدولة المضيفة - وهو الفيلم المصري (هليوبوليس) الذي ينتمي أيضا إلى المختلف في السينما المصرية التي يصنعها مخرجون شباب منهم (أحمد عبد الله) مخرج الفيلم الذي قضى نحو 10 سنوات يعمل في مونتاج أفلام الغير ويتصدى اليوم لفيلمه الأول الذي صور فيه - ما بين الدراما والتسجيلي- حياً من أحياء القاهرة بعد أن أصابته رياح التغيير البطيئة فغيرت من هويته وبالتالي هوية قاطنيه، فبدا المكان (هليوبوليس ) أو (حي مصر الجديدة) وكأنه شخصية سينمائية قائمة وسط شخصيات الفيلم المحطمة والمنهارة بل المأزومة المهزومة نتيجة للتغيرات الكبرى التي أصابت بنية المجتمع المصري الحديث بعد ثورة يوليو وأزمة الطبقة المتوسطة المصرية التي تشكلت بعد الثورة الناصرية وأطاحت بالملكية وبالبرجوازية ذات الأصول الأجنبية لتعاني بعد حرب االخليج وأحداث 11 سبتمبر من هموم صارت معروفة الآن لجيل بعد 2001 وعلاقة تلك الطبقة المتوسطة العربية بالعالم المترنح أمامها، جميع شخصيات الفيلم تعاني ذات الأزمة وتتحرك في نفس الحيز الجغرافي وتقف عند الأشياء نفسها دون أن تتقابل أو تتقاطع أو تعرف بعضها بعضا وكأن الفيلم سمفونية حزينة طويلة موسيقاها آتية من مذياع متهالك قديم يشبه مذياع جندي الحراسة في الفيلم ولا يهم أبدا متى بدأ العزف أو حتى متى سينتهي أو إلى ما سينتهي المهم هو البكاء والحسرة على زمن صار بعيدا ويستحيل ربما استعادته.

مراكش عاصمة نجوم العالم

ولم تكن المسابقة بأفلامها الـ15 هي عنصر التميز الوحيد في المهرجان بل أن التكريمات اللافته التي يحرص عليها المهرجان سنوياً كانت بطبيعة الحال عنصراً أخاذاً وجاذباً لعدسات المصورين وكاميرات التليفزيون وجمهور مراكش -العاصمة الثقافية والسياحة للمغرب- ا لتي يلتف حولها أهلها دائما في مثل هذا التظاهرات الكبيرة، وعلى نفس المنصة التي وقف عليها نجوم عالميون خلال الدورات السابقة أمثال (سيجور ني ويفر) ( سوزان سارندون) (شون كونري) (ليوناردو دي كابريو) (عمر الشريف) (مارتن سكورسيزي) (رومان بولانسكي) (يوسف شاهين)، وقف في أول ليلة تكريم في المهرجان نجم نيويورك النجم الاميركي (كريستوفر والكن) ليتسلم من الممثل الفرنسي (فاني أردان) عضو لجنة التحكيم نجمة التكريم وبعد الحفل عرض الفيم التايلاندي (سواسدي بانكوك) ثم كرم المهرجان أيضا المخرج البوسني (أمير كوستاريكا) وسط إحتفاء وتصفيق كبير من الحاضرين وكلمات قليلة شكر خلالها المخرج الكبير مهرجان السينما في مراكش الذي ينحاز للسينما الفنية التي تحتضر الآن في أغلب بلدان العالم وبعد تكريمه عرض فيلما هنديا بعنوان ( الأزلي) وفي اليوم التالي شارك كوستاريكا في إعطاء درس في السينما لجمهور المهرجان وهو تقليد متبع بعد الدرس الذي قدمه (مارتن سكورسيزي) عام 2007 لجمهور مراكش ولم يكن المخرج البوسني هو المعلم الوحيد في دروس السينما هذا العام بل ضمت لائحة الأساتذة كل من المخرج والسيناريست المكسيكي (ألفونسو كوارون) والمخرج الإسترالي (كريستوفر دويل) وأخيرا المخرج الأميركي (جيم جارموش) الذي عرض له المهرجان خارج المسابقة فيلمه الأخير (حدود التحكم). التكريم الثالث في المهرجان كان من نصيب الفرنسي المغربي الأصل (سعيد تغماوي) الذي أستقبل بحفاوة من أهل مراكش ومد يده لمصافحة كل يد امتدت إليه بالسلام بل ومال ليقبل أيادي الأمهات المغربيات خلف الحاجز الموضوع ما بين السجادة الحمراء وأهل المدينة وعندما وقف على مسرح قاعة المؤتمرات تحدث بالمغربية وشكر الحاضرين وتمنى للسينما المغربية أن تخترق حاجز المحلية وتصل للأوسكار وطالب بإهتمام أكبر بأبناء الجالية المغربية من المغتربين في الخارج ثم أفصح عن إعتزامه المشاركة في أكثر من فيلم مغربي قادم منها مشروع فيلم مع المخرج المغربي (نور الدين لخماري) بعد أن أحدث آخر أفلامه (كزانيجرا) جدلاً واسعاً في المغرب وحاز صيتا كبيرا في الخارج، لذلك ظهر الممثل العالمي سعيد تغماري في أكثر من مكان وهو يحتضن بطل الفيلم المغربي الشاب (عمر لطفي) وبعد التكريم عرض الفيلم المصري الثاني المشارك في المهرجان خارج المسابقة وهو فيلم (إحكي يا شهرزاد) بحضور مخرجه (يسري نصر الله) وبطله (حسن الرزاز).

آخر التكريمات كانت للنجم البريطاني الهندي الأصل (السير بن كنسنجلى) الذي صور ستة أفلام بالمغرب ووقف على مسرح مدينة مراكش ليتسلم درع تكريمه من الممثلة الهندية عضو لجنة التحكيم (ناديتا داس) والتي تحدثت عن دور الممثل الكبير في تجسيد شخصية الماهاتما غاندي وأشارت إلى جذوره الهندية التي أمدته بطاقة روحية ظهرت على الشاشة وهو يتقمص دور الزعيم والأب الروحي لشعب الهند حتى يومنا هذا، وفي نهاية التكريم عرض فيلم الامريكية الألمانية الأصل (شيري هورمان) (زهرة الصحراء) أو (زهرة المهرجان ) كما أحب أن أنعته نظرا لحساسية وأهمية موضوعه وتعرضه بشكل صريح لقضية ختان الإناث في أفريقيا السوداء من خلال السيرة الذاتية لعارضة الأزياء الأكثر شهرة في العالم الصومالية (واريس ديري).

جامع الفنا

وكما ضمت قاعات مراكش الثلاث عروض المهرجان تحولت ساحة جامع الفنا - التي صنفتها منظمة اليونسكو بإعتبارها تراثا أنسانيا شفهيا- إلى قاعة سينمائية مفتوحة في الهواء الطلق يتلاحم فيها كل شيء ليشكل سيمفونية مغربية خالصة تمتزج فيها رائحة المشويات بالأهازيج الشعبية بالموسيقى التصويرية للأفلام المعروضة وكأن الساحة فاترينه عرض بشرية لا للسينما فقط بل للدنيا بأسرها.

ثم جاء يوم 6 ديسمبر ليكون يوما للبيئة عرضت خلاله ثلاثة أفلام وثائقية بساحة جامع الفنا منها الفيلم الفرنسي الكبير HOME الذي صور في جميع أنحاء العالم بواسطة طائرة هليكوبتر ليرينا الحالة التي آلت إليها الكرة الأرضية والتغيرات المناخية التي حدثت بسبب إستغلال الانسان المفرط للموارد الطبيعية وعدم مراعاته للتوازنات البيئية ومن ثم تدميره لبيته (عالمه) لذلك إختار المخرج الفرنسي (يان أرتوس بير تراند) عنوان HOME لفيلمه الكبير.

السينما في المغرب للجميع

بعد نجاح تجربة ما أطلق عليه في العام الماضي (السينما بتقنية الوصف السمعي للمكفوفين وضعاف البصر) نظمت إدارة المهرجان للعام التالي على التوالي عروضا للمكفوفين رغبة منها في التواصل مع الجميع وتسخير التقنيات لخدمة المعرفة بوصفها حقاً بشرياً يتساوى فيه المبصر والضرير فالسينما للجميع تذهب إلى من يحبها بنفس الشغف الذي يدفع بالمحبين إليها.

أما جديد هذا العام فكان معرض للصور الفوتوغرافية التي إلتقطها المكفوفون بأنفسهم عنوانه (اللمس بالعين والمشاهدة باليد).

فمن كفت أبصارهم لم تكف بصائرهم، وهو مشروع أطلقه طالب فرنسي ضرير شغوف بالتصوير يدعى (جيروم بوكيون) الذي أنجز بمفرده منذ عام 2007 سلسة من المعارض الفوتوغرافية خلال اسفاره، وبناء عليه نظمت إدارة المهرجان معرضا استثنائيا مماثلا ضم 12 صورة لإثنين مغاربة ومجموعة من الفرنسيين ممن أكدوا أن البصر غير البصيرة وأن بإستطاعتهم أن يلمسوا بأعينهم الجمال ويشاهدوه بأيديهم.

المستقبل اللبنانية في

29/12/2009

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)