كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

ثقافة الاستعراض تصل إلى استعراض للماعز

وآخر للراقصة والثعبان فى أبوظبى

بقلم   سمير فريد

مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي الثالث

   
 
 
 
 

أعلنت مساء السبت جوائز مهرجان الشرق الأوسط السينمائى الثالث فى أبوظبى، ورغم المشاركة المصرية بعدد من الأفلام يزيد على عددها فى الدورتين الأولى والثانية معاً، وكذلك عدد المحكمين المصريين، لم تفز السينما المصرية بأى جائزة، ولم تحصل إلا على شهادة تقدير للفيلم القصير «ربيع ٨٩» إخراج أيتن أمين.

وليس لى الحق فى تقييم الجوائز، لأننى لم أحضر المهرجان حيث وجهت لى الدعوة قبل يومين من الافتتاح، وقلت إننى لا أقبل أى دعوة لا تصلنى قبل شهرين، وليس يومين. ومن الغريب حقاً أن يتصور بعض مديرى المهرجانات أن الصحفيين والنقاد مثل أعضاء فرق الكشافة فى المدارس وشعارها المعروف «كن مستعداً«!

وكما ذكرت جريدة «الحياة» العربية، التى تصدر فى لندن فى عددها الصادر أمس الأول عرض فى ختام مهرجان أبوظبى الفيلم الأمريكى «رجال يحدقون فى الماعز«، ولكن بدلاً من حضور بطله جورج كلونى، تم تقديم مجموعة من الماعز على المسرح، مما أثار استياء بعض الحضور، ولا أدرى كيف استاء البعض فقط! وكانت نشرة المهرجان، وهى من صفحة واحدة، قد نشرت فى أحد أعدادها صورة لاستعراض آخر لراقصة شرقية ترقص مع ثعبان يلتف حولها، ويرقص معها فى المهرجان.

كل المهرجانات تجمع بين ثقافة الاستعراض واستعراض الثقافة، ولكن ليس إلى درجة الماعز والراقصة والثعبان، فهذا يعنى غلبة الثقافة الأولى ويتعارض مع طموحات أبوظبى الثقافية الراقية، التى لمستها عندما عملت مستشاراً فنياً للمهرجان فى دورتيه الأولى والثانية قبل أن أستقيل فى أول مايو الماضى. وأترك المقارنة بين الدورتين السابقتين والدورة الثالثة للزملاء الذين حضروا الدورات الثلاث، لأننى طرف فى تلك المقارنة.

ولكن كونى طرفاً فى المقارنة لا يعنى السكوت عندما أقرأ أن مدير المهرجان الجديد بيتر سكارليت يبرر كل تقصير بأنه لم يتول الإدارة إلا منذ خمسة شهور. فهو لم ينشىء المهرجان، وكانت خطة الدورة الثالثة كاملة ومعتمدة منذ بداية العام، وهى تحريرية وموثقة.

إن من حق الرجل أن يحول المهرجان من دولى إلى شرق أوسطى، وأن يلغى البرامج الثقافية والمطبوعات، وأن يحافظ على جوائز المليون دولار، التى قصد بها أن تكون كل عروض المسابقات عروضاً عالمية أولى من دون أن يأتى بأى فيلم عرض عالمى أول، بل من حقه أن يتجاهل أن الدورة هى الثالثة فى اللوجو المنقول حرفياً عن لوجو تورنتو العام الماضى، وبعبارة واحدة من حقه أن يفعل ما يشاء طالما توافقه الإدارة التى تمول، ولكن من دون الادعاء بأنه كان يبدأ من الصفر.

المصري اليوم في

22/10/2009

####

اليوم «المسافر» فى افتتاح مهرجان الشرق الأوسط - أبوظبى ٢٠٠٩

بقلم   سمير فريد

يُفتتح اليوم مهرجان الشرق الأوسط - أبوظبى ٢٠٠٩ فى عاصمة الإمارات حيث يعرض الفيلم المصرى «المسافر»، إخراج أحمد ماهر ويُعرض من مصر فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة «بالألوان الطبيعية» إخراج أسامة فوزى، و«هليوبوليس» إخراج أحمد عبدالله، فى عرضهما العالمى الأول، وفى مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة «كاريوكا» إخراج نبيهة لطفى و«جيران» إخراج تهانى راشد، فى عرضهما العالمى الأول أيضاً.

وبينما يشترك من مصر فى لجنة تحكيم المسابقة الأولى المخرج محمد خان، يرأس المخرج يسرى نصر الله لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، ويُعرض له خارج المسابقة فيلمه «احكى يا شهر زاد»، ومن الأفلام القصيرة يُعرض من مصر «ربيع ٨٩» إخراج آيتن أمين، و«إلى البحر» إخراج أحمد مجدى، وبهذه الأفلام الثمانية الطويلة والقصيرة داخل وخارج المسابقات لمخرجين من كل الأجيال، يثبت مهرجان أبوظبى ٢٠٠٩ فى أكتوبر، كما أثبت مهرجان فينسيا فى سبتمبر، أن السينما المصرية تشهد هذا العام طفرة غير مسبوقة منذ سنوات، وفيلمان من الأفلام الثمانية يأتيان إلى مهرجان الشرق الأوسط من فينسيا، وهما «المسافر» الذى عُرض فى المسابقة، و«احكى يا شهر زاد»، الذى عُرض خارج المسابقة.

وإذا أضفنا اختيار منة شلبى لعضوية لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، واختيار الناقد الكبير كمال رمزى ليكون «الناقد الرسمى» للدورة التاسعة لمسابقة أفلام من الإمارات، ونجوم مصر من ضيوف الشرف مثل عادل إمام وأحمد عز ومحمد هنيدى وعبلة كامل وهانى سلامة ومصطفى شعبان وآسر ياسين وشعبان عبدالرحيم، ونجوم الأفلام التى تعرض داخل وخارج المسابقة مثل عمر الشريف وخالد النبوى ومنى زكى ومحمود حميدة وخالد أبوالنجا، يمكن القول إنها دورة مصرية بامتياز فى أول سنة يتولى فيها إدارة المهرجان الأمريكى بيتر سكارليف، الذى اختار الأفلام عندما زار القاهرة، وأعد لهذا الاشتراك المصرى الكبير بالتعاون مع وزارة الثقافة والعديد من السينمائيين.

وهناك ثلاثة أفلام عرض عالمى أول فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة منها فيلما مصر والفيلم العراقى «ابن بابل» إخراج محمد الدراجى.

كما يُعرض فى نفس المسابقة الفيلم الفلسطينى «الزمن الباقى» إخراج إيليا سليمان، الذى عُرض فى مسابقة مهرجان كان، والفيلم السورى «الليل الطويل» إخراج حاتم على، الذى فاز بجائزة مهرجان تاور مينا، والفيلم التونسى «دواحة» إخراج رجاء عمارى، الذى عُرض فى برنامج «آفاق» فى مهرجان فينسيا.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

08/10/2009

 
 

خارج المهرجان داخل السينما

أبو ظبي – فجر يعقوب

انتهت فعاليات الدورة التاسعة من مسابقة أفلام من الامارات الجمعة الماضي، أي قبل يوم واحد من اختتام فعاليات مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبو ظبي، بإثارة نوع من التساؤلات حول مصير هذه المسابقة التي شكلت الحاضن العملي والفعلي لمساهمات الشباب الاماراتي والخليحي السينمائية. وهي ان استطاعت في دورة هذا العام أن تحقق لنفسها خرقاً من نوع ما على صعيد اختيار الأفلام (أربعة عشر فليماً توزعت على أربع مسابقات من أصل مئة وثلاثة وأربعين فيلماً تقدمت للمشاركة بحسب بيان الجهة المنظمة للمسابقة)، فإنها أخفقت في أن تكون حالة موازية لمهرجان الشرق الأوسط، وقد بدا هذا واضحاً منذ لحظات الافتتاح الأولى، فالمدير التنفيذي الجديد للمهرجان بيتر سكارليت لم يأت على ذكرها بكلمة واحدة وهو الذي يشهد له تاريخ حافل باهتمامه بأدق التفاصيل، وهو لم يترك شاردة أو واردة إلا وقدم نفسه من خلالها حتى أخذ البعض عليه تحييده لزملائه المبرمجين العرب، والى درجة أن هذا البعض رأى في سلوكه نحوهم نجاحاً منقطع النظير في وضعهم في خيمة الاقامة الجبرية الخاصة بالترجمة وتنظيم الندوات التي يريد لها أن تنظم. بالطبع لم ينس المدير التنفيذي المخضرم حضور حفل اختتام مسابقة أفلام من الامارات من أجل التقاط الصور التذكارية مع المخرجين الفائزين، وكذلك مع أعضاء لجنة التحكيم لينهي بذلك قوس الاستعراض الذي انتهجه منذ أن دأب على تذكير الجمهور مع كل عرض فيلم بأنه المدير الجديد للمهرجان، وإن الفيلم الذي سيشاهدونه رائع أو أكثر من رائع، وقد تكرر هذا الأمر مع معظم الأفلام التي نجح في الوصول إليها في الوقت المناسب.

على أية حال، ما بين لحظات الافتتاح ولحظات الاختتام مرت أيام المسابقة بهدوء. صحيح أنه كان لها جمهورها الخاص وهذا مؤكد وإن كان لم يلحظ وجوده وسط جمهور مهرجان الشرق الأوسط الذي تخلى في هذه الدورة عن «خجله» وبدأ يقترب أكثر من فعاليات مهرجان العاصمة الإماراتية. ولكن التغطية الاعلامية لها جاءت مخيبة للآمال، ففي الكاتالوغ الذي ظهر بحرفية متقنة تجلت في كتابات نقاد مختصين عن الأفلام المشاركة بدل تعرف المخرجين بأفلامهم كما جرت العادة، وهذه سابقة تحتسب لمهرجان أبو ظبي، فإن التعريف بالمسابقة والمشاركين بها جاء عبر صفحتين أخيرتين فقط. وهذا الأمر دفع القائمين على المسابقة إلى الاسراع بطباعة كاتالوغ خاص بها في الأيام التالية تفادياً للحرج الذي وجدوا أنفسهم فيه. ذلك إن الجهود في السنوات الثلاث الماضية انصبت على المهرجان، وان تبدلت إدارته، وجاءت إدارة مبالغة في حرفيتها إلا أنها لم تلق بالاً للمسابقة التي لعبت دوراً مهماً وأساسياً كما أسلفنا في «توريط» الشباب الاماراتي والخليجي في لعبة انتاج الأفلام، وقد بدا سلوك ادارة مهرجان أبو ظبي وكأن من آخر همومها أن تتابع ولو عن كثب هذه المسابقة التي دفعت ببعض الأسماء إلى الواجهة وجعلت منها مادة مرحباً بها في الكثير من المهرجانات السينمائية المختلفة.

على صعيد آخر، وفي حفل توزيع الجوائز بدا واضحاً أن الأفلام الفائزة لهذا العام بدت في وضع جيد نسبياً، بخاصة أن الجوائز الأساسية منحت للأفلام المقتبسة عن أعمال أدبية، وهذا أمر طيب لاحظته لجنة التحكيم برئاسة المخرج العماني خالد الزدجالي في بيانها الختامي، ففي مسابقة الأفلام الاماراتية القصيرة فاز المخرج هاني الشيباني بجائزة أفضل فيلم روائي قصير عن «أحزان صغيرة»، وهو مقتبس عن قصة للكاتب البحريني عبدالقادر عقيل، ويروي قصة ولد يصاب بمرض في فروة رأسه، ويضطر للذهاب إلى المدرسة ليعايش سخرية رفاقه، وفي الوقت نفسه ينشغل أبواه في البيت وسط جو كوميدي مرح بالبحث عن حلول لمشكلته قبل أن يتوصل هو نفسه إلى حل خاص به ينفي فيه ضعفه. كما فاز الفيلم البحريني القصير «زهور تحترق» للمخرج محمد ابراهيم محمد بجائزة أفضل فيلم خليجي قصير، وهو اقتباس عن قصة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني «كعك على الرصيف»، وفيه يقدم المخرج محمد قصة الطالب أحمد الذي يفقد أمه في صغره، والذي يعيش إلى جانب والده المجنون ويعمل ماسحا للأحذية في أوقات مختلفة ما يوقعه في مشاكل مع أستاذه بعد أن يصبح الكذب عادة ملازمة في حياته، وقد نال هذ ا الصبي جائزة أفضل ممثل عن دوره هذا. بالطبع كان لفيلم «غرفة في الفندق» لهاني الشيباني حظ الفوز مرة أخرى بجائزة أفضل فيلم روائي خليجي طويل، وهو مقتبس أيضاً عن قصة ليوسف ابراهيم، وفيه يحكي الشيباني قصة الشاب الذي يجيء من قرية الفرفار ليزور صديقه في المدينة الذي خضع لعملية جراحية، ولكن الصديق عبدالله لم يصل بعد، فيضطر الشاب للبقاء في فندق لبضعة أيام، وفيه يتعرف إلى أشجان الهاربة من جحيم الحياة الزوجية المتمثلة بزوج جشع وجبان وهي تعاني في الوقت نفسه مرضاً عضالاً. معايشة الشاب لقصتها عن قرب تطلعه وإن على نحو ميلودرامي على واقع الحياة المدينية وتشظيها واهمالها للبعد الانساني في مجرى علاقاتها اليومية.

الأفلام التسجيلية، لم تكن بالمستوى الذي تميزت به بعض الأفلام الروائية، فالفيلمان الوحيدان المشاركان في المسابقة هما «الجزيرة الحمراء» و «حقنا في الفروسية» وقد جاءا ببنية ريبورتاجية تلفزيونية محضة، وإن حملا بداخلهما بذور مهمة للتسجيل واقتفاء أثر المكان في الأول، فـ «الجزيرة الحمراء» ناقش قضية آخر الأمكنة التي أصبحت بالنسبة لمخرجين الاماراتيين مثل ديكورات طبيعية يعودون إليها كلما اقتضى الأمر لتصوير أفلامهم، وهذه الديكورات الآن أصبحت مهددة بالزوال مع وصول الشركات الاستثمارية والعقارية إليها. لم يتحول المكان إلى بطل في الفيلم كما ظهر في أفلام بعض المتحدثين مثل نواف الجناحي ومنال بن عمرو وهاني الشيباني وسعيد سالمين وفاضل المهيري.

«حقنا في الفروسية» لحنان المهيري حمل أفكارا جريئة، ولكنه وقع أسيراً لحديث الكثير من الشخصيات التي أسرفت في الحديث عن أفضال الفروسية بدل أن تعمل المخرجة المهيري على خصائصه التسجيلية التي كانت تعد بالكثير، وظل الفيلم يراوح بين الرؤية الربورتاجية والكلام العمومي الذي أفقده الكثير من هذه الخصائص.

الحياة اللندنية في

23/10/2009

####

تهاني راشد: «جيران» ينتقد عبدالناصر من الداخل

أبو ظبي - فيكي حبيب 

بين قصور غاردن سيتي المهجورة وسطوحها المكتظة وشوارعها المحصنة لحماية السفارة الأميركية، تجول كاميرا تهاني راشد في فيلم «جيران» لتعيد قراءة تاريخ مصر الحديث، وتطرح الأسئلة الكبرى حول التحولات التي أحدثتها ثورة عبدالناصر على الحجر والبشر: مبانٍ فخمة أرهقتها السنون لا تزال شاهدة على عصر ولّى الى غير رجعة، تماماً مثل أصحابها الذين يروون رحلة الاضطهاد التي عاشتها بورجوازية غاردن سيتي بعد انقلاب تموز (يوليو). وفي المقابل طبقة فقيرة تقطن السطوح من دون ان تنسى مبدأ التعليم للجميع الذي طبقته الثورة.

باختصار، التناقضات بأصدق تجلياتها قدمتها تهاني راشد في فيلمها الذي عرضته أخيراً في مهرجان الشرق الاوسط السينمائي في ابو ظبي، ومع هذا خرجت من المسابقة خالية الوفاض بعدما راهن عدد من الحضور على إمكان فوزها بإحدى الجوائز. لكنّ الجوائز ليست كل شيء بالنسبة الى تهاني راشد، فالمهم ان يرى الجمهور الفيلم، ويا حبذا لو يتحقق ذلك من طريق الصالات السينمائية التجارية المعروفة عادة بمقاطعتها للفيلم الوثائقي. وقد لا تكون هذه الامنية بعيدة المنال، خصوصاً ان غابي خوري ابن شقيق يوسف شاهين وصاحب أحد أبرز المجمعات السينمائية في مصر أبدى رغبته بعرض الفيلم بعد مشاهدته في أبو ظبي.

جيران السفارة

بدأت الحكاية بعد إنجاز تهاني راشد فيلم «البنات دول» الذي عرض في مهرجان «كان» السينمائي عام 2006، وأثار ضجة كبيرة في مصر حيث اتهم بالإساءة الى سمعة بلاد النيل. يومها طلب السفير الاميركي في مصر التعرف الى صاحبة الفيلم، فلبّت تهاني الدعوة. وفي أثناء اللقاء أخبرها نيته إقامة حفلة تعارف لجيرانه في حي غاردن سيتي، وبينهم تهاني راشد التي تمنت عليه تصوير اللقاء، فكان لها ما تريد. وشيئاً فشيئاً تمخضت في رأس تهاني فكرة فيلم ينطلق من حفلة السفارة الاميركية و«الحصار» الذي تفرضه على مرتادي الحي، ليطرح اسئلته على الحاضر، وما آلى إليه حال هذا الحي الصغير الذي كان يعتبر مركز ثقل القوى السياسية العالمية في العاصمة المصرية إبان نشأته في بدايات القرن العشرين. وسرعان ما أثارت الفكرة إعجاب المنتج كريم جمال الدين الذي ما إن عرضت تهاني الموضوع عليه حتى وضع امامها امكانات كبيرة سهلت لقاءها بنحو 30 شخصية ظهرت في الفيلم لتقدم شهادتها حول الماضي والحاضر. وكأن هذا الشريط الوثائقي محاولة لتصفية حساب مع الماضي، خصوصاً ان صاحبته تنتمي الى تلك الأسر البورجوازية ذات الأصول اللبنانية التي وقع سوء تفاهم كبير بينها وبين الثورة. لكن لتهاني راشد نظرة مختلفة. فهي تشدد على ان هذا الامر لم يكن على الاطلاق هاجسها. «ليس الغرض من هذا الفيلم تصفية حساب مع الثورة، فأنا أحببت عبدالناصر وآمنت به وبالعدل الذي رفع رايته. ولكن لا يمكن ان أغفل الأخطاء التي ارتكبها، والتي نعيش تداعياتها اليوم. من هنا، أنا انتقد عبدالناصر من الداخل لأنني مؤمنة بالأفكار التي حملها، من دون ان أمس الشخص العظيم الذي كانه».

وعلى رغم ما في الفيلم من حنين واضح الى زمن ولّى، كان هاجس تهاني راشد الابتعاد قدر الإمكان من الوقوع في هذا الفخ، كما تقول، «لأنه قد يجرّ العمل الى اماكن لا اريد ان اطأها. الحنين الوحيد الذي تولّد لديّ كان الحنين الى امكانات التغيير. فعندما كنت في العشرين من عمري كنت أؤمن بأننا قادرون على تغيير العالم، والوصول الى مجتمع أكثر عدلاً. كل هذه الأفكار كانت موجودة معنا، وكنا نعيش لتحقيقها. لكن شيئاً منها لم يحدث. من هنا احاول ان افهم في هذا الفيلم ماذا جرى؟ وماذا حلّ بكل تلك الأحلام التي داعبت مخيلتنا في مرحلة الصبا؟ ولماذا ضاعت؟ حاولت ان ارسم التحولات في مصر. ولا يمكن ان اقول انني غطيت كل جوانب الموضوع، لكنني ببساطة سلطت ضوءاً على زاوية من تاريخنا».

وعلى رغم محاولة تهاني راشد إيجاد توازن بين الطبقة البورجوازية والطبقة العاملة في حي غاردن سيتي، إلا ان هناك تعاطفاً واضحاً مع الفئة الاولى. يتجلى هذا في بنية الفيلم الذي يخصص دقائق طويلة في البداية لهؤلاء. وأيضاً، في اختيار شخصيات من الطبقة المترفة ذات حضور وكاريزما قوية للحديث عن تجربتها في هذا المجال. وكأن كل شخصية من الشخصيات البورجوازية في الفيلم تحمل نتفاً مما عاشته تهاني راشد التي ولدت في مصر ثم هاجرت الى كندا حيث أخرجت 11 فيلماً من خلال عملها في المركز الوطني للفيلم، لتعود الى الاستقرار في مصر منذ عام 2005. «لم اقصد ان اجعل مشاهدي الفيلم يتعاطفون مع بورجوازية مصر»، تقول تهاني، «لكن التجربة السياسية لتلك الشخصيات تدعو الى التعاطف معهم على رغم كل شيء. فمثلاً، عندما يقول احدهم انه شعر انه غير مرغوب به في وطنه، افهم تماماً ما يعنيه. وعلى رغم هذا، أعطيت كل شخصية في الفيلم فرصتها. سواء اتفقت معها او لم اتفق. فأنا لا اهتم هنا بالثروة التي ضاعت، ولكن يصعب عليّ حال البلد». وتضيف: «بخصوص بنية الفيلم، لم أضع أي خطة مسبقة، بل تركت الفيلم يأخذني الى حيث يريد. فأنا عند دخولي اي عمل، أضع كل الأفكار المسبقة جانباً، وأبدأ من الصفر. وكما يقول احد الأصدقاء الروائيين ان لكل شخصية في رواياته حياتها الخاصة، أقول ان لكل فيلم وثائقي حياته الخاصة».

السينما الروائية كأرشيف

لا يعتمد فيلم «جيران» على محاورة شخصيات من الطبقة البورجوازية والطبقة الفقيرة فحسب، إنما يستند أيضاً الى السينما الروائية كأرشيف في لعبة متقاطعة بين النوعين السينمائيين. ولم يكن سهلاً أبداً بالنسبة الى تهاني راشد الوصول الى هذا الأرشيف. «فأرشيف السينما المصرية ضائع. ولا أبالغ إن قلت انني بحثت لأكثر من ستة اشهر عن لقطة لفيلم مصوّر على كوبري قصر النيل، وكانت النتيجة لقطة غير نظيفة. فهل يمكن ان نتصور بلداً مثل مصر يمتد تاريخه السينمائي لأكثر من مئة سنة وأفلامه ضائعة؟ ولا شك في ان المخرج المصري يسري نصرالله على حق حين قال بعد مشاهدته الفيلم ان حال السينما المصرية، كما صورتها في فيلمي، من حال البلد... كل شيء الى ضياع». ولكن ما الذي دفع تهاني راشد الى العودة الى مصر بعد سنوات في المهجر؟ تجيب: «حين أسأل في الفيلم شخصية مثل الراحل محمود أمين العالم عن رأيه في كل تلك المتغيرات ويمدني بتلك الشحنة من التفاؤل، فهذا نابع من حبه للناس وللشعب المصري. وهذا بالضبط ما يحضّني على البقاء. الشعب المصري رائع، لكنّ الفرص غير موجودة».

هذا الشعب المصري يكاد محمود امين العالم ينطق بحسه الساخر في الفيلم حين يقول ذات لحظة «نحن موتناهم من ضربنا»، أي انهم هلكوا تعباً لكثرة ما ضربوا هذا الشعب. من هنا أهمية فيلم تهاني راشد الذي يطرح الأسئلة على ماضيه وحاضره.

ولكن، ماذا إن استُقبل الفيلم بالانتقادات في مصر، خصوصاً انه يتناول مرحلة حساسة من تاريخ هذا البلد؟ تجيب تهاني: «نحن جميعاً في حاجة لنعرف ما الذي أدى بنا الى هذا المصير. من هنا حين انتقد فيلمي السابق «البنات دول» واتهم بالإساءة الى سمعة مصر، استغربت ولم أعرف كيف اردّ. أما اليوم فأنا مستعدة للمواجهة».

الحياة اللندنية في

23/10/2009

 
 

أفلام عربية في المسابقة الرسمية لـ«مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي» في أبو ظبي

ماهر وعبد الله يجددان السينما المصرية

نديم جرجوره

على الرغم من غيابها الواضح عن لائحة الأفلام الفائزة بجوائز الدورة الثالثة لـ«مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، أبو ظبي»، التي أُعلنت مساء السبت الفائت في السابع عشر من تشرين الأول الجاري، كشف فيلمان مصريان حديثا الإنتاج نمطاً جديداً في مقاربة المسائل الإنسانية الراهنة. وعلى الرغم من تفوّق النجوم السوريين على زملائهم المصريين في الدورة هذه، خصوصاً في حفلة الافتتاح في الثامن من الشهر نفسه، وفي أروقة الأيام العشرة كلّها تقريباً؛ بدت مشاركة سينمائيين مصريين في لجان التحكيم الخاصّة بالمسابقات الرسمية الثلاث تأكيداً على أولوية النوعية، وانسجام إدارة المهرجان، المعقودة على المدير الفني الأميركي بيتر سكارليت، مع أهمية السينما وإعلاء شأنها، في مهرجان أقيم سابقاً على ثنائية النجومية والاستعراض الإعلامي. ذلك أن اختيار المخرج يُسري نصر الله رئيساً للجنة التحكيم الخاصّة بمسابقة الأفلام الروائية القصيرة، التي ضمّت إليه الممثلة الشابّة منّة شلبي؛ ومشاركة المخرج محمد خان في عضوية لجنة التحكيم الخاصّة بمسابقة الأفلام الروائية الطويلة (التي ترأّسها الإيراني عباس كياروستامي)؛ شكّلا حظوة للمصريين في واحدة من فرق العمل الخاصّة بمهرجان يُفترض به أن يقترب، أكثر فأكثر، من العمل السينمائي السليم، حيث يُمكن للنقاش الجدّي أن يعثر على مكان أوسع وأرحب. يُمكن إضافة اسم الممثلة هند صبري، المنضمّة إلى لجنة التحكيم الخاصّة بمسابقة الأفلام الوثائقية، مع أنها تونسية الأصل والهوية، ومصرية العمل التمثيلي.

شعوران متناقضان

لكن، لماذا التعليق النقدي على المشاركة المصرية؟ هناك سببان متكاملان، يتعلّق الأول بالجودة الفنية والدرامية للفيلمين المصريين المهمّين اللذين شاركا في المسابقة الروائية الطويلة، في مقابل الأهمية الإنسانية الشفّافة لفيلمين آخرين شاركا في المسابقة الوثائقية؛ ويرتبط الثاني بواقع التعاطي مع الأفلام المصرية والنجوم المصريين، الذين «احتلّوا» خشبة مسرح «قصر الإمارات» في حفلة الختام لتوزيع بعض أبرز الجوائز، بعيداً عن الحسابات الجغرافية، إذ بدا التعامل مع الأفلام المصرية والنجوم المصريين كالتعامل مع الأفلام والنجوم الآخرين، المقبلين إلى الإمارة والمهرجان من مطارح جغرافية وثقافية متفرّقة. ولأن المصريين يجتاحون، عادة، المهرجانات السينمائية العربية، بوفود تضمّ أعداداً كبيرة من الأسماء والأقارب والصحافيين الفنيين (لا علاقة لغالبيتهم الساحقة بالهمّ السينمائي، ثقافياً وفنياً)، وأعداداً أقلّ من نقّاد وصحافيين وسينمائيين جدّيين؛ وبأفلام يسعى أصحابها غالباً إلى انتزاع جوائز بـ«القوّة» (مصر أم الدنيا، السينما المصرية هي السينما العربية، وغيرهما من التعابير العنصرية). ولأن إدارات الغالبية الساحقة من هذه المهرجانات خضعت لمشيئة المصريين؛ بدت الدورة الثالثة لـ«مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي» في أبو ظبي (إشراف «هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث») متحرّرة من وطأة الاجتياح المصري لحساب الفن السابع، وإن وجدت إدارته نفسها ملزمة، في بعض الحالات، بتخصيص مكان ما بنجوم مصريين، تمّت دعوتهم بسبب مشاركتهم في أفلام مختارة للمسابقات الرسمية أو للبرامج الموازية. وغياب الأفلام المصرية عن الجوائز الممنوحة في ختام هذه الدورة أفضى إلى شعورين متناقضين، أولّهما إيجابي مفاده أن الحسابات الأساسية تركّزت، غالباً، على الجودة الفنية والدرامية والجمالية، وليس على التوازنات الجغرافية؛ وثانيهما سلبي مرتكز على إحساس بالغبن اللاحق بالفيلمين المشاركين في مسابقة الأفلام الطويلة، اللذين لم يفوزا بشيء، على الرغم من امتلاكهما شروطاً إبداعية مهمّة. فقد أكّد هذا الأمر، مجدّداً، حرصاً واضحاً لدى لجنة التحكيم (وإدارة المهرجان أيضاً) على تحديد الأولوية بالمعايير الجمالية والفنية والدرامية، التي تمتّعت بها أفلامٌ أخرى منافسة، وإن تفاوت النقاش حولها بين أمزجة أعضاء لجنة التحكيم ونقّاد ومهتمّين بالفن السابع.

والفيلمان المصريان المذكوران هما «المسافر» لأحمد ماهر (عُرض في افتتاح الدورة الثالثة هذه) و«هليوبوليس» لأحمد العبد الله؛ بالإضافة إلى الفيلمين الوثائقيين «كاريوكا» لنبيهة لطفي و«جيران» لتهاني راشد. علماً بأن فيلماً روائياً طويلاً ثالثاً كان يُفترض به أن يُعرض في المسابقة الرسمية أيضاً، وهو «بالألوان الطبيعية» لأسامة فوزي، غير أن النسخة الأولى الخارجة توّاً من معامل الطبع كانت سيئة، إلى درجة أن فوزي قرّر سحب فيلمه هذا من المسابقة الرسمية نهائياً، بموافقة إدارة المهرجان. وإذا بدا الروائيان الطويلان أكثر تماسكاً درامياً، وأقوى جماليات فنية، وأفعل تأثيراً سينمائياً وإنسانياً؛ فإن الفيلمين الوثائقيين انطلقا من حالة جغرافية (غاردن سيتي)، بعوالمها الاجتماعية والثقافية والمناطقية والحياتية، وجدت نفسها في مرحلة متناقضة تماماً وذاكرتها الموغلة في الوجدان والحساسية والتاريخ البعيد (جيران)؛ أو من شخصية فاعلة ومؤثّرة في المشهد الفني المصري والعربي، ومن فنانة (تحية كاريوكا) تحوّلت سيرتها في الفيلم (كاريوكا) إلى معاينة شفّافة لتاريخ مصري جماعي منفتح على أسئلة الانتماء والإبداع والتحوّلات. أرادت تهاني راشد استعادة الزمن الجميل للحيّ الشهير في القاهرة، على ضوء المستجدات الأمنية المفروضة عليه بسبب وجود الحراسة الأمنية المشدّدة على السفارة الاميركية، وما أحدثه التشدّد (بالإضافة إلى عوامل أخرى، كاكتساح الفقراء شوارع المدينة والحي مثلاً) من تبدلّ فظيع في أحوال المكان وناسه. وسعت نبيهة لطفي إلى إعادة رسم الصورة الأنقى عن الفنانة الأجمل، معتمدة البناء الكلاسيكي في ترجمة الصُوَر الوثائقية واللقاءات التي أجرتها مع عدد من المثقفين والفنانين المصريين. لم يخرج «جيران» و«كاريوكا» من القالب التقليدي البحت في صناعة الفيلم الوثائقي، ولم يندرجا في السياق الإبداعي المتجدّد في دمج الوثائقي بالمتخيّل، ولم يذهبا إلى أبعد من كونهما «شهادة» جميلة وعادية عن زمن مضى.

غياب الزمن الجميل

هذه العودة البصرية إلى زمن مضى ماثلةٌ أيضاً في المناخ العام للفيلمين الروائيين الطويلين، اللذين امتلكا قواسم مشتركة عدّة: فهما «الفيلم الروائي الطويل الأول» لصاحبيهما، وهما من إنجاز مخرجين شابين، بحثا في التحوّلات المدينية والثقافية والإنسانية والتاريخية لبيئة ومجتمع وناس، ورسما معالم الاغتراب الفردي، من خلال شخصيات محطّمة وخائبة ومنزلقة إلى عزلاتها القاتلة. في المقابل، هناك اختلاف واضح في أسلوب المعالجة وإدارة الممثلين والأمكنة الجغرافية، بامتداداتها المجتمعية والحياتية والتاريخية المتعلّقة بالذاكرة، كما في اختيار الممثلين أيضاً، إذ تعاون أحمد ماهر مع «نجوم»، أمثال خالد النبوي وعمر الشريف، بالإضافة إلى سيرين عبد النور؛ بينما تعامل أحمد العبد الله مع ممثلين شباب، انتقى من بينهم خالد أبو النجا لتأدية دور أساسي قد يكون امتداداً شخصياً له، من حيث العين اللاقطة ملامح التغيير والتبدّل في المستويات كلّها، ومن حيث التلصّص على مآزق الناس المهمَّشين، والتحدّيات التي يواجهونها يومياً. بينما ظلّ أحمد ماهر بعيداً عن مفهوم التلصّص والمعاينة المباشرة للحدث والتحوّل والواقع، على الرغم من أن «المسافر» برمّته شكّل مرآة سينمائية له جعلته يلتقط النبض الإنساني في لحظات تاريخية مصيرية، محرّراً خطابه الثقافي من الحشو السياسي والتحليل المجتمعي والثقافي الفجّ، ومحافظاً على حيوية السينما في مقاربتها الأحاسيس المتفجّرة إزاء مواقف وحالات ولحظات. والتلصّص، كأداة سينمائية بامتياز، غاص في متاهة الفرد داخل الجماعة، جاعلاً آلة الكاميرا نافذة على العالم الذاوي في عزلاته القاتلة، بل على ذاكرة لم تعد قادرة على الصمود طويلاً أمام الوحش المتغلغل في ثنايا المجتمع والعمران والفضاء الإنساني، في قاهرة المعزّ، في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين.

اختار أحمد ماهر ثلاث محطّات أساسية لمقاربة المسار التاريخي للتحوّلات الحاصلة في القاهرة، مرتكزاً على تحديد واضح وصريح للحالة المرتجاة في فيلمه. فهو بدأ سيرة بطله (خالد النبوي/ عمر الشريف) في خريف عام 1948، وتوقّف ثانية معه في خريف عام 1973، قبل أن يصلا معاً إلى خريف عام 2001. لكن الإشارات لا تتسلّط على النصّ السينمائي، ولا تفرض حضوراً سياسياً/ تاريخياً قسرياً على المعالجة الدرامية، وإن وزّعت إشارات متواضعة لها في طيّات الحبكة، كدلالات على المضمون الأساسي للحكاية المتعلّقة ببطل يعاني خريفاً دائماً في حياته، منذ اللحظة التي وجد نفسه فيها منتحلاً شخصية ليست له. وإذا بدا مشهد الاغتصاب الملتبس في «خريف 48» إشارة ما إلى نكبة فلسطين على أيدي اليهود المهاجرين إليها بالقوّة؛ فإن الفصل الأول هذا كلّه نجا من ورطة السياسي والنضالي، لأنه ذهب إلى شجون البطل وانفعالاته وبحثه المستمرّ عمّا يؤكّد وجوده داخل الارتباكات الحاصلة. وإذا أفضى الفصل الثاني إلى نهاية متلائمة و«رعشة» الانتصار المصري/ السوري في حرب تشرين (خريف 73)، غلّفها ماهر بصورة انتقادية قاسية (انتصار الغبي على الآخرين، وانتزاع هذا الغبي للمرأة الجميلة الوحيدة بين الجماعة من الرجال كلّهم)؛ فإن الأحداث السابقة للنهاية أمعنت في تغريب البطل عن محيطه، وفي دفعه إلى مزيد من العزلة والوحدة والابتعاد قدر المستطاع عن كل ما يمكن أن يكشف حقيقته. وإذا انطلق الفصل الثالث من سقوط دشمتين كادتا تقتلان البطل، فإن «خريف 2001» انعكاسٌ حاد للمأزق الفردي في مقاربة التحوّل القاتل داخل القاهرة، وارتباك العيش اليومي فيها.

من جهته، فضّل أحمد العبد الله التزام لحظة واحدة محدّدة، تجعله أقدر على الغوص في تداعيات الأزمنة المتلاحقة، التي أفضت إلى العزلات والاغتراب الاجتماعي والثقافي في قاهرة اليوم. فهو، باختياره «مصر الجديدة» (أو بالأحرى منطقة محدّدة فيها)، أراد معاينة الأشياء والهوامش والتفاصيل الصغيرة، التي بدت جداراً فاصلاً ليس بين ذاكرة عتيقة وراهن موحش، بل بين أناس متشابهين لا يعثرون على خلاص لهم من جحيم الأرض. وهو، باستعادته الاسم القديم لتلك المنطقة عنواناً لفيلمه (هليوبوليس)، بدا كأنه يحيل المُشاهد، منذ اللحظة الأولى، إلى مراقب ومشارك في آن واحد: مراقب يُسرف في التلصّص على المدينة وناسها، وعلى الذاكرة وبقاياها، وعلى الراهن وتشعبّاته القاتلة؛ ومشارك يعيد كتابة الآنيّ مع المخرج الشاب نفسه، بدلاً من أن يبقى محايداً في مشاهدته.

أما الشخصيات المرسومة بدقّة درامية جميلة، فقد عكست جوانب متفرّقة من الحياة الآنيّة في القاهرة اليوم: شخصيات مضطربة وقلقة، وشخصيات هامشية معزولة ومهانة، وشخصيات محاصرة بتاريخها الفردي ومحصّنة بتغييب قاس لحقيقتها، وشخصيات مسحوقة أمام قوة التغيير الحاصل، ومستسلمة لمشيئة التحوّل القاتل. لكن خللاً ما أصاب الفيلم، عندما أدخل في سياقه الروائي مفردات العمل الوثائقي، من دون أن يدمجهما معاً في سياق سينمائي واحد. فعندما قرّر الباحث في شؤون الأقليات الباقية في قلب القاهرة، تصوير نتائج التحوّلات التي أصابت العمارة والشوارع والناس، كي تستطيع السيدة اليهودية (أوهمت جيرانها جميعهم بأنها مسيحية) المقيمة في منزلها منذ سنين طويلة معاينة ما يجري خارج جدران بيتها وعزلتها، اهتزّ البناء الدرامي، لأن العلاقة بين النوعين لم تُترجم كما يجب. وهذا لم يؤثّر كثيراً على البنية الدرامية كلّها، لأن إيجابيات عدّة منحت «هليوبوليس» حضوراً متميّزاً في المشهد السينمائي المصري، الخاصّ بجيل سينمائي شاب جديد، لعلّه يؤشّر إلى إمكانية ولادة نمط سينمائي متجدّد ومنقلب على المساوئ الدرامية والفكرية والجمالية للغالبية الساحقة من الإنتاج السينمائي الحالي.

أفلام عربية

إلى جانب الأفلام المصرية الأربعة هذه، هناك «دواحة» للتونسية رجاء عماري و«الليل الطويل» للسوري حاتم علي. لكن «الزمن الباقي» للفلسطيني إيليا سليمان («السفير»، 6 آب 2009) أفضلها على الإطلاق، إلى درجة أن لجنة التحكيم منحته جائزة «اللؤلؤة السوداء» كأفضل فيلم شرق أوسطي (مئة ألف دولار أميركي)، علماً بأن الفيلم الروسي «عشّاق الصرعات» لفاليري تودوروفسكي، الفائز بجائزة «اللؤلؤة السوداء» كأفضل فيلم (مئة ألف دولار أميركي أيضاً) لم يبلغ تلك المرتبة الجمالية البديعة والآسرة، التي بلغها الفيلم الروائي الطويل الثالث لسليمان، صاحب «سجل اختفاء» (1996) و«يد إلهية» (2002). لم يستطع فيلما أحمد ماهر وأحمد العبد الله، اللذين ارتكزا على أسس جمالية رفيعة المستوى (بالنسبة إلى إنجاز الفيلم الأول، على الأقلّ) الفوز بأي جائزة، لأن جماليات الفيلم الأوسترالي «الجولة الأخيرة» لغليندن آيفن، الفائز بجائزة «اللؤلؤة السوداء» كأفضل مخرج أنجز فيلمه الأول، والفيلم التركي «10 حتى 11» لبيلن إسمر، الفائز بجائزة «اللؤلؤة السوداء» كأفضل مخرجة شرق أوسطية أنجزت فيلمها الأول (القيمة المالية لكل جائزة منهما تساوي خمسين ألف دولار أميركي)، تبقى (الجماليات) أقوى وأبرع من تلك المنضوية في السياق الدرامي والفضاء الفني للفيلمين المصريين، المتمتّعين بأشكال مختلفة من البراعة الإبداعية. غير أن المأزق الفعلي قائمٌ في الفيلمين التونسي والسوري، بدرجات متفاوتة. فـ«دواحة» أقلّ «بؤساً» سينمائياً من «الليل الطويل»، والأسلوب الإخراجي لرجاء عماري منتم، بوضوح، إلى العمل السينمائي، على نقيض الأدوات غير السينمائية التي استخدمها حاتم علي في تحقيق فيلميه السينمائيين(!) «سيلينا» (المأخوذ عن المسرحية الرحبانية «هالة والملك») و«الليل الطويل». لن أقول إن علي مشتغلٌ في إنجاز الفيلمين بأدوات تلفزيونية. لأني لم أشاهد أي عمل تلفزيوني له، على الرغم من الضجّة الإيجابية التي أثارتها أعماله الخاصّة بالشاشة الصغيرة. لكن تجربتيه «السينمائيتين» هاتين كشفتا ابتعاده المطلق عن مفردات العمل السينمائي، شكلاً ومعالجة وتمثيلاً (أدّى أحد الأدوار شبه الرئيسة في ليله الطويل هذا) وإدارة فنية. وهذا كلّه مختلفٌ تماماً عن أدوات التعبير السينمائي لدى رجاء عماري، وإن سقط «دواحه»، فيلمها الروائي الطويل الثاني بعد «الساتان الأحمر» (2002)، في مطبّ التصنّع الخطابي والتمثيلي أحياناً، وفي مأزق البناء الدرامي المستند إلى مقولات القمع والسجن والانقطاع عن العالم الخارجي والكذب والقتل. والسجن، الذي بدا واضحاً حضوره الفاعل والمؤثّر في البنية الدرامية لـ«دواحه»، إلى درجة يُمكن القول معها إنه بات شخصية أساسية، شكّل الحيّز المكاني والنفسي والروحي للنصّ السينمائي الذي كتبه هيثم حقي قبل سنين طويلة، والذي فشل حاتم علي في تحويله إلى عمل متكامل في «الليل الطويل».

يُمكن الاستناد إلى مراجع معروفة في قراءة «دواحه»، لعلّ أبرزها «جزيرة الماعز» لإيغو بيتي، التي أوحت، في مطلع التسعينيات الفائتة، بفيلمين مصريين هما «رغبة متوحشة» لخيري بشارة و«الراعي والنساء» لعلي بدرخان. هناك أولاً النسوة الثلاث المقيمات في قبو قصر مهجور، هرباً من خطأ، أو تنصّلاً من خطيئة، وإن لم يعثرن على رجل يُفكّك عقدهنّ وحصارهنّ، ويجعلهن منفتحات على الشبق والنشوة المنقوصة. هناك ثانياً الإسقاط السياسي/ الاجتماعي، المتمثّل بالقمع والأسر والانغلاق. هناك ثالثاً دخول العنصر الخارجي الذي ساهم في تدمير الجدران المرتفعة بين النسوة الثلاث، وصولاً إلى القتل المفضي بالإبنة الصغرى إلى حريتها. لكن هذا كلّه مشغولٌ برؤية درامية مرتبكة؛ وبتمثيل سقط، مراراً، في فخّ التصنّع؛ وبمعالجة عادية. أما «الليل الطويل»، المنطلق من عناوين القمع والاعتقال السياسي ومفهوم النضال الإيديولوجي ضد الطغاة، فتفتّتت بناه الدرامية ومناخاته الفنية والإنسانية سريعاً، لأن حيوية المادة وقصّتها بدت أقوى من أن يستوعبها المخرج، فضاعت المسارات والتفاصيل، على الرغم من أن الحكاية قابلة لأن تكون ركيزة درامية لصنيع سينمائي جميل. فالمعتقلون الثلاثة الذين أطلق سراحهم فجأة، بدوا مضعضعين في السياق الدرامي، لأن أحدهم طغى على الآخرين، ولأن المعاجلة الإخراجية تاهت وسط انفلاش الحكايات والمصائر والهوامش المهمّة.

السفير اللبنانية في

23/10/2009

 
 

كياروستمي: لا يمكن للرقابة أن تمنع المخرجين من الإبداع السينمائي

نبيلة رزايق / أبو ظبي

عباس كياروستمي من ابرز المخرجين المخضرمين بإيران تألق بأفلامه ورؤيته السينمائية فاستحق التموقع بإبداعه الفني بالمشهد السينمائي الأسيوي و العالمي برمته. ترأس مؤخرا لجنة تحكيم الأفلام الطويلة للمهرجان السينمائي الدولي للشرق الأوسط في أبوظبي وسيكون رئيس لجنة تحكيم مهرجان مراكش مستقبلا. إلتقته "إيلاف" وسألته عن تجربة التحكيم السينمائي ورأيه في السينما العربية والإيرانية وسر نجاح هذه الأخيرة على الرغم من الرقابة الحكومية والدينية المتفشية في المجتمع الإيراني، وكيف افلتت موجة السينمائيين الإيرانيين الشباب من الرقابة فأبدعت وجددت بالسينما الإيرانية وحققت لها النجاحات بالمحافل السينمائية الدولة. وفيما يلي نص الحوار:

·         ما رأيكم وتقيّيمكم لتجربة رئاستكم للجنة تحكيم المهرجان السينمائي الدولي للشرق الاوسط؟

-سُعدت كثيرًا بهذه التجربة لكن مهرجان الشرق الأوسط السينمائي ليس المهرجان السينمائي الوحيد الذي أشارك في لجنة تحكيمه وتحديدًا كرئيس للجنة فقد سبق وأن شاركت في العديد من المهرجانات السينمائية التي تعنى بالمشهد السينمائي الشرق الأوسطي منها مهرجان "نانت" بفرنسا الذي خصص في فعالياته وإختياره قسمًا للأفلام من منطقة الشرق الأوسط وقريبا سأكون رئيس لجنة تحكيم مهرجان مراكش السينمائي.

مهرجان أبو ظبي بالنسبة لي كان فرصة لمشاهدة أفلام المنطقة والجميل فيه أن الجماهير والأفلام المتنافسة من جنسيات مختلفة، تلتقي وتشاهد تجارب بعضها البعض.

اللغة السينمائية

·         هل بإمكان السينما العربية أن تنافس السينما الإيرانية الرائدة في العالم ومارأيكم فيها؟

-أولا هذا السؤال في الحقيقة صعب ولا يمكن الإجابة عليه. ثانيًا يمكنني أن  أقول وأذكر أن السينما الإيرانية قديمة ويعود وجودها لمئة سنة حاليًا، وأنا بلجنة تحكيم المهرجان لا أحكم على الأعمال السينمائية من ناحية البلدان التي تنتمي إليها، وإنما من ناحية الإبداع والتميز السينمائي فيها.

بخصوص رأيي في السينما العربية لا يمكنني أن أحكم عليها في العموم، ولا يمكنني إلا أن أعلق على الأفلام العربية القليلة التي أشاهدها بهذا المهرجان، لكن يجب أن أشير هنا انه كانت هناك صعوبة للأفلام الإيرانية خلال السنوات الماضية لكي تُشاهد عبر العالم وتحقق وجودها بالعالم لتركيزها بالأساس على الجانب العاطفي، لأن اللغة السينمائية العالمية تحثنا بالأساس الابتعاد قدر الإمكان عن العاطفة والعزف عنها برغم أهمية هذا العنصر بأحداث وتفاصيل أي فيلم إلا أنني أعتبر الأمر خطيرًا لأنه يخلق صعوبة في فهم القضايا التي يثيرها الفيلم وتشوش على الموضوع في حد ذاته، وهذا الأمر أو التيار بدأ ينحسر في السينما الإيرانية خلال السنوات الأخيرة وبدأ الاتجاه نحو الواقعية أكثر فأكثر وانحسار الجانب العاطفي.

نبض الواقع

·         الواقعية التي تتحدثون عنها أصبحت من أهم مميزات سينما الشباب في السنوات الأخيرة لماذا وما تقييمكم لها؟

-هناك موضوعات سينمائية جديدة، ووسائل وطرق تصوير وإخراج مبتكرة تستخدم من طرف هؤلاء السينمائيين الشباب كل هذا لأنهم يعبرون على نبض الواقع والزمان الذي يعيشون فيه الآن ولا يلتفتون للوراء أو لتجارب السينمائيين القدماء أو لتجارب أفلام غيرهم في العالم وأنا أعتبر هذا الأمر يضيف لنجاحات السينما الإيرانية عبر العالم ويزيد في تميزها وتألقها.

·         هل بوجود النظام السياسي الحالي الذي يرقاب ويحاصر العديد من السينمائيين الإيرانيين سيستمر التألق؟

-في كل الأحوال عاجلا أم أجلا الوضع يجب أن يتغير حتى وإن أخذ الأمر وقتا طويلا، لكن جيل الشباب المولود في إيران بعد الثورة الإسلامية والذين يعيشون تحت النظام الحالي يعارضون الواقع القائم وفي حالة ثورة على استمراره.

لست صحفيًا

·         هل ستقدمون فيلمًا عما يحدث في إيران؟

-ممكن وبطريقة غير مباشرة لأنني بالأساس لست صحفيًا وإنما مخرج سينمائي أتميز بالأسلوب غير المباشر في أعمالي السينمائية، والأكيد أن هذا الموضوع سينعكس من خلال أعمالي السينمائية مستقبلا.

رؤية سينمائية

·         تُتهم السينما الإيرانية في كثير من الأحيان بأنها تنتزع الجوائز لأنها تعزف على وتر المعارضة السياسية الذي يريده الغرب ماذا تقولون في هذا؟

-لا أعتقد ذلك وهذا الأمر غير صحيح فعندما تحصل على جوائز فهذا يعود بالأساس لتميزها السينمائي، لأن الفيلم ليس بيانًا سياسيًا، بل هو عمل سينمائي أولا وقبل كل شيء، يرتكز على رؤية وإبداع سينمائيين.

اثبات الذات

·         هناك رقابة سياسية ودينية على الأفلام الإيرانية كيف تمكنتم من الإفلات منها واثبات ذاتكم السينمائية وتحقيق النجاح؟

-أنا أفلت منها وأثبت ذاتي من خلال صناعتي للأفلام والتواجد بلجان تحكيم المهرجانات السينمائية عبر العالم نثبت ذاتنا السينمائية ولا يمكن للرقابة مهما كان نوعها أن تمنع المخرج من الإبداع السينمائي، والأمر الذي تأكد يومًا بعد يوم أن الرقابة لا يمكنها أن تمنع الكم الهائل من الأفلام الجيدة التي تصور وتخرج الآن بإيران. 

إيلاف في

27/10/2009

####

خان يهاجم سمير فريد ويتهمه بالتناقض

كتب محمد عبد العزيز

شن المخرج الكبير محمد خان عضو لجنة التحكيم بمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الذي اختتمت آخر دوراته في أبو ظبي مؤخرًا هجوما كبيرا علي الناقد السينمائي سمير فريد، حيث أكد خان عبر مدونته علي شبكة الإنترنت "كليفتي" أن الدورة الأخيرة للمهرجان كانت الأفضل بين الدورات الثلاث بشهادة الجميع وذلك بسبب تلميحات فريد وانتقاداته وتشكيكه في نتائج الدورة الأخيرة من المهرجان بإحدي الجرائد اليومية من خلال عموده اليومي وتلميحه في عدة مقالات إلي الجوائز التي منحت للأفلام الفائزة، وخروج الأفلام المصرية خالية الوفاض بالرغم من عرض أكثر من فيلم بها وخاصة فيلم المسافر - الذي يدافع عنه سمير فريد باستماتة رغم هجوم بطل الفيلم "عمر الشريف" نفسه عليه، وكذلك فيلم "هليوبوليس" للمخرج الشاب أحمد عبد الله، وبرر فريد عدم حضوره هذه الدورة من المهرجان إلي توجيه الدعوة متأخرة له قبل يومين من بدء المهرجان، وهو ما رفضه تماما واصفا إدارة المهرجان بأنها تظن أن النقاد والصحفيين عبارة عن فرق كشافة مستعدين دائما للسفر، وأكد فريد خلال إحدي مقالاته أنه لا يحق له عقد مقارنة بين الدورات الثلاث لأنه حضر دورتين فقط عندما كان يعمل مستشارا فنيا للمهرجان "قبل أن يقدم استقالته"، وهاجم أيضا بعض الاحتفاليات التي أقيمت هناك وخاصة دخول مجموعة من الماعز مع عرض الفيلم الأمريكي "رجال يحدقون في الماعز" بدلا من دخول بطل الفيلم نفسه "جورج كلوني"، وهاجم فريد أيضا مدير المهرجان الجديد الأمريكي بيتر سكارليت مؤكدا أن ما يفعله يعد تعارضا مع طموحات أبو ظبي الثقافية الراقية.

محمد خان من ناحيته شن هجومًا شديدًا مؤكدًا أن ما يكتب هو أقرب إلي اللغط عن أنه جدل حول مهرجان الشرق الأوسط الأخير بأبو ظبي، مضيفًا: "يدعي المصاب الاستقالة، بينما في الواقع كان استغناء عن خدماته المغرضة بجانب مواقفه المتناقضة علي بعض الأفلام"، وأكد أن الدورة الثالثة كانت أنجح دوراته، والدليل هو الإقبال الشديد علي كل ما عرض سواء أفلاما روائية أو تسجيلية، مؤكدا أن لجان التحكيم لم تتأثر سواء بأفلام مدفوعة الثمن أو غيره ولم تقع في فخ مسكنة أصحاب بعض الأفلام المتسابقة عن طريق دعاية فجة أو طرح زائف في أعمالهم، مضيفا أن هذه اللجنة كانت أفضل لجنة تحكيمية اشترك فيها حتي الآن، من ناحية الصدق والديمقراطية وحسن الاختيار.

من ناحية أخري فبالرغم من كل الاتصالات علي مدار ثلاثة أيام بالناقد سمير فريد لمعرفة رده علي هذا الهجوم، إلا أنه لم يرد علي هاتفه بالرغم من وجوده في مصر، وخاصة بعد الهجوم الذي شنه عليه المخرج محمد خان، وأيضا بسبب الاتهامات التي وجهت إليه من بعض الصحف لدفاعه المستميت عن فيلم "المسافر" والذي كان أحد مستشاري وزارة الثقافة في اختيار هذا السيناريو ليكون أول انتاج للوزارة، في محاولة لإثبات أن هذا الفيلم مستواه الفني متميز.

روز اليوسف اليومية في

27/10/2009

####

ما كتبه المخرج محمد خان في مدونته:

هو أقرب الى اللغط عن انه جدل حول مهرجان الشرق الأوسط الأخير بأبو ظبى .. فى عموده اليومى بأحدى الجرائد ـ لا يستحق ذكر اسمه ـ ما يكتبه مجرد سم الأفعى المصابة التى تقذف بما تبقى من سمومها .. يدعى المصاب بالإستقالة بينما فى الواقع كان إستغناء عن خدماته المغرضة .. تابع مواقفه المتناقضة على بعض الأفلام ..الواقع هو ان هذه الدورة الثالثة للمهرجان كانت أنجح دوراته بدليل الإقبال الشديد على كل ما عرض سواء أفلام طويلة أو قصيرة كانت روائية أو تسجيلية .. ونزاهة لجان التجكيم لم تتأثر سواء بأفلام مدفوعة الثمن أو غيره ولم تقع فى فخ مسكنة أصحاب بعض الأفلام المتسابقة عن طريق دعاية فجة أو طرح زائف في أعمالهم. وبالنسبة للجنة التى اشتركت بها فى التحكيم للأفلام الروائية الطويلة فأحب أن أعلن عن انها أحسن لجنة اشتركت فيها حتى الآن من ناحية الصدق والديموقراطية وحسن الإختيار.

وإلى اللقاء

عن مدونة محمد خان ـ كلفيتي

http://klephty2.blogspot.com/

 
 

فنون يقدمها: محمد صلاح الدين

مخرجة حصلت علي شهادة التقدير الوحيدة لمصر من مهرجان أبو ظبي

آيتن أمين: نحتاج لسنوات حتي تعبر السينما عن مشاعر المرأة الحقيقية

"ربيع 89" يحكي ذكريات سنوات المراهقة لفتاتين من حلوان

حسام حافظ

عادت المخرجة الشابة آيتن أمين من مهرجان أبوظبي بعد أن حصل فيمها "ربيع 89" علي شهادة تقدير. وهو التنويه الوحيد الذي حصلت عليه السينما المصرية من هذا المهرجان. الفيلم روائي قصير كتبته السيناريست وسام سليمان التي قدمت للسينما عددا من الأفلام الناجحة مثل: "أحلي الأوقات" و"بنات وسط البلد" و"شقة مصر الجديدة".. أما "ربيع 89" فهو يحكي عن ذكريات مرحلة المراهقة لطالبتين في المرحلة الثانوية عام .1989

لم تصعد آيتن لاستلام شهادة التقدير لأنها عادت إلي مصر قبل نهاية المهرجان بثلاثة أيام.. سألتها:

·         هل مخرجو الأفلام القصيرة تدعوهم المهرجانات لعدد أيام أقل من مخرجي الأفلام الطويلة؟!

"تضحك".. بالتأكيد هذا لا يحدث!

منافسة قوية

·         ما الذي تميز به مهرجان أبو ظبي هذا العام؟

- قالت: تنافس علي جوائز الأفلام الروائية القصيرة 26 فيلما. وجميعها أفلام قوية ذات مستوي فني وفكري عال. وكان ذلك من أسباب سعادتي أن فيلمي ينافس أفلاما قوية. وهذا يعني أن المهرجان منحني نوعا من التقدير منذ البداية. لأن لو فيلمي ضعيف كان من الصعب أن يتم عرضه وسط هذه الأفلام المتميزة.

·         ما الذي أعجبك في الأفلام التي شاهدتها؟

- تقول آيتن أمين: الفيلم النيوزيلندي الذي حصل علي الجائزة الكبري. يحكي عن تلميذ وتلميذة في المرحلة الابتدائية. الولد يهتم بشكل خاص بالبنت ولكن زملاءه يعكرون عليه هذه المشاعر. فيتمني أن يصبح مثل الرجل الأخضر ليضربهم جميعا. كذلك الفيلم الأرجنتيني "رسوم متحركة" ويحكي عن تحول الانسان إلي ترس في آلة وتستمر تنازلاته حتي يصبح في نهاية الفيلم "دواسة" علي باب الشقة!!

·         أعلم انك لم تدرسي السينما في المعهد.. كيف اتجهت للعمل في الاخراج؟

- تقول: تخرجت في كلية التجارة القسم الانجليزي جامعة القاهرة. ودرست السينما في "أرت لاب" التابع للجامعة الأمريكية. وكان فيلم التخرج بعنوان "راجلها" عن قصة للروائية المصرية المهاجرة أهداف سويف. ثم أخرجت فيلم "أنا عارف هي مين" انتاج منظمة الصحة العالمية عن زوج يرعي زوجته مريضة الزهايمر وحصلت به علي جائزة من ساقية الصاوي العام الماضي. ثم فيلم "ربيع 89" الذي شاركت به في مهرجان أبو ظبي وهو من انتاج المركز القومي للسينما. وعملت مساعدة مخرج مع المخرج أحمد رشوان في فيلم "بصرة". ومع المخرج عمرو سلامة في فيلم "زي النهاردة".

كاميليا وسارة

·         حديثنا عن قصة فيلم "ربيع 89"؟

- الفيلم كتبته وسام سليمان منذ 7 سنوات. ووافق المركز القومي للسينما علي انتاجه وعرضت عليّ وسام اخراج الفيلم وبدأنا البحث عن أماكن التصوير الخارجي. واخترنا منطقة حلوان لتدور فيها الأحداث لأننا أنا ووسام ننتمي لتلك المنطقة. ويتحدث الفيلم عن البنتين "كاميليا وسارة" وتحكي كل واحدة كراوية تجربتها مع الأخري لنعرف كيف تنظر كل واحدة لأخلاق الأخري. فالفيلم عن العالم الداخلي للفتاتين. هما من الخارج يبدوان مختلفتين تماما عن بعضهما ولكن في الحقيقة تركيبتهما النفسية والاجتماعية واحدة!

·         اعتقد البعض أن الفيلم ينتمي لأدب الاعترافات؟

- السيناريو اعتمد علي السرد الشخصي للبطلتين. في البداية كانت كاميليا هي التي تروي الأحداث من وجهة نظرها ثم في النصف الثاني من الفيلم أصبحت سارة هي التي تروي نفس المواقف ولكن من وجهة نظرها التي تختلف عن وجهة نظر زميلتها. صوت الراوية يعطي الانطباع بالاعترافات خاصة عندما يكون الكلام صادقا وبعيد عن الكذب.

·         ولماذا دارت الأحداث في الثمانينات وليس الآن؟

- لأنني وكاتبة السيناريو عشنا مرحلة المراهقة في أواخر الثمانينات. لذلك لدينا نوع من الحنين لهذه الأيام. وقدمنا علي شريط الصوت ما يوحي بتلك الفترة. وكذلك ساعدني الانتاج في الملابس والاكسسوار الخاص بتلك الأيام. وكذلك مدير التصوير المتميز محمود لطفي الذي أعطي للصورة اللون الأصفر والبني. وقد قام بعد ذلك بتصوير فيلم "هليوبوليس" مع المخرج أحمد عبدالله الذي شارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في أبو ظبي.

العلاقات الانسانية

·         هل تتجهين لاخراج الأفلام الروائية الطويلة بعد نجاحك في تقديم الأفلام القصيرة؟

- تقول آيتن أمين: أتمني ذلك وان كان سوق الانتاج السينمائي في مصر لا علاقة له بأي حاجة "!!". بالطبع من المفترض ان النجاح في تقديم أفلام روائية قصيرة يعطي المخرجة نوعا من المصداقية. وعندما يتم ترشيحي لعمل فيلم طويل سيكون عندي بعض الخبرة الشخصية. وبشكل عام أنا أحلم بتقديم العلاقات الانسانية علي الشاشة حتي من خلال فيلم بوليسي أو كوميدي.. المهم "البني آدمين" في الفيلم.

وتضيف: في فيلم "ربيع 89" تجد أن الفتاة في سن المراهقة تري عيوبها الشخصية بينما تنظر لمزايا الأخريات وهذا طبيعي في مثل هذه السن. لذلك أحلم بتقديم الأحاسيس الحقيقية للفتاة أو المرأة في مجتمعنا المصري. لأن مشاعرها الحقيقية لم تخرج علي الشاشة بعد وسوف نحتاج إلي سنوات حتي نستطيع القول بأن السينما عبرت عن مشاعر المرأة وهي مسألة تحتاج عشرات التجارب الجديدة. وكذلك تغيير نظرتنا للسينما سوف يؤثر كثيرا في تقديم هذه النوعية من الأفلام.

الجمهورية المصرية في

29/10/2009

 
 

أفلام وثائقية في المسابقة الرسمية لـ«مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي» في أبو ظبي

نساء وحروب ومدن وسير وامبرياليات... الوثيقة جِلدْ العالم

نديم جرجوره

بلغت صناعة الفيلم الوثائقي مرتبة مغايرة للسائد التقليدي. هناك إبداع مختلف، منح النصَّ التوثيقي أبعاداً جمالية وفكرية ودرامية أفضل وأهمّ. التمازج الفني بين النوعين الوثائقي والروائي، أسماه البعض «الوثائقي الإبداعي». جعل هذا الأخير اللغةَ السينمائية المستخدمة في إنجاز الفيلم الوثائقي أمتن في تفعيل الرؤية السردية والتحليلية، محرّراً إياه من النمط الكلاسيكي الباهت. لا يقتصر الأمر على الفيلم الوثائقي الغربي فقط. أدرك سينمائيون وثائقيون عرب أهمية تطوير أدوات التعبير الوثائقي. أبدوا اهتماماً لافتاً للانتباه بقدرات هذا الشكل البصري على بلورة متجدّدة لأسلوب القول السينمائي والبوح الفني. أنجزوا أفلاماً اتّسمت بابتعاد مطلق وواضح عن قيود النصّ الكلاسيكي، وبجماليات التوغّل في أعماق الموضوع المختار، وببراعة ابتكار الأشكال القابلة لتخفيف وطأة الجانب المعرفي/ التحليلي، من دون الانتقاص من حيوية المادة وفضاءاتها الشكلية.

في الدورة الثالثة (8 ـ 17 تشرين الأول 2009) لـ«مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي» في أبو ظبي، اختيرت أفلامٌ وثائقية متفرّقة للمسابقة الرسمية ولبرنامج «عروض السينما العالمية». تميّز بعضها بخليط جمالي بين التوثيق والأرشفة البصرية من جهة أولى، والتفلّت الخيالي القادر على توظيف مادته الفنية في خدمة النصّ الوثائقي من جهة ثانية. ظلّ بعضها الآخر أسير النمط التقليدي في مقاربة مواضيع مهمّة، إنسانياً وتاريخياً وثقافياً. لا يعني هذا أن غياب المتخيّل عن الفيلم الوثائقي دليلٌ على استخدام الأخير شكلاً تقليدياً بحتاً، لأن أسلوب التوليف قادرٌ على جعل الفيلم أجمل وأنقى.

توثيق وابتكار

«غاندي الحدود: بادشاه خان، شعلة من أجل السلام» (أفغانستان/ الهند/ باكستان/ الولايات المتحدّة الأميركية، 2008) لتي. سي. ماكلوهان، الفائز بجائزة «اللؤلؤة السوداء» (مئة ألف دولار أميركي)، دليلٌ أول على نمط جمع شيئاً من التقليد ببراعة التوليف وجماليته: استخدام موفّق للأرشيف البصري. مسار درامي بديع، لمزجه الجميل بين السيرة الذاتية والمحطات التاريخية. انتقال سليم بين المناطق الجغرافية والأزمنة التاريخية. اثنان وتسعون دقيقة كافيةٌ لمنح الموضوع حقّه. لجعل المُشاهد المهتمّ مُصرّاً على متابعة دقيقة للتفاصيل الجمّة، المتعلّقة بحياة بادشاه خان ونضاله اللاعنفي من أجل شعبه الباشتون. قدّم الفيلم كَمّاً هائلاً من المعلومات المعرفية والوقائع الحسّية، بدت مهمّة ووافية لمن لا يعرف شيئاً عن بادشاه خان (أو حتى لمن يعرف عنه شيئاً أو أكثر). شكّل التوليف ركيزة أساسية لبناء درامي متماسك وحِرَفي في مواكبة المسار التاريخي، وفي معاينة مباشرة للتحوّلات المقيمة داخل تلك البؤرة الجغرافية الحاملة تاريخاً من المصائر والتبدّلات.

«مبدأ الصدمة» (المملكة المتحدّة، 2009) لمايكل وينتربوتوم ومات وايتكروس، دليلٌ ثان: المتتاليات البصرية السريعة والصادمة، انعكاسٌ للمأزق الإنساني الناتج من الغزو الليبرالي للولايات المتحدّة الأميركية، في الاقتصاد وشؤون السياسة والاجتماع، لبلدان مناهضة للأخطبوط الأميركي. قسوته ناشئة من قسوة الخطط الجهنمية المعتَمَدة في تدمير أنظمة مناوئة للاقتصاد الحرّ، وللآثار السلبية للانقلابات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي يقودها خرّيجو «مدرسة شيكاغو». هذا كلّه وفقاً للمناضلة الكندية الأصل نعومي كلاين، وكتابها «استراتيجية الصدمة: صعود الرأسمالية من الكارثة». الوحش الرأسمالي، بحسب الفيلم، يلتهم العوائق كلّها المانعة إياه من تطبيق برنامحه. الأسماء كثيرة. الحالات/ النماذج متنوّعة. هناك ميلٌ واضحٌ إلى ممارسة فعل يساري، مغطّى بهاجس مقارعة تنانين المال المتدفّق بسبب تطبيق قواعد تحقيق الأرباح، في السياسة والاقتصاد والأمن، فقط.

«عصر الغباء» (المملكة المتحدّة، 2009) لفراني أرمسترونغ دليلٌ ثالث: ليس سهلاً التغاضي عن مسألة جوهرية، متعلّقة بالإنتاج الإنكليزي لأفلام وثائقية كهذه. «مبدأ الصدمة» و«عصر الغباء» متأتيان من حيوية الإنتاج الإنكليزي، وانشداده إلى مراقبة تحوّلات البيئة والمجتمع والدول وأنماط العيش. الأول اقتصادي. الثاني بيئي. أطلقا إنذاراً مخيفاً للحدّ من مخاطر التدمير الذي يمارسه الناس بحقّ أنفسهم. شكّلا دعوة إلى العمل الجدّي على مواجهة تحدّيات العصر. الأول مرتبط بحالة إنتاجية معتادة في النشاط السينمائي. الثاني مختلف، قليلاً: بدأت فراني أرمسترونغ العمل على تنفيذه في العام 2005. لم تحصل على إنتاج ضخم. جمعت نصف مليون جنيه استرليني من 223 شخصاً، دفع كل واحد منهم مبلغاً معيناً، تراوحت أرقامه المالية بين ثلاثين و15 ألف جنيه استرليني. مضمونه قريبٌ من مادة الفيلم الوثائقي السابق عليه «هوم» (الكلمة الإنكليزية HOME تعني منزلاً أو وطناً، والفيلم نفسه متعلّق بالمفردتين المهمّتين) ليان أرتوس ـ برتران (إنتاج لوك بوسّون). إنهما صورتان متكاملتان عن الخطر الشديد الذي سبّبه البشر في مسألة البيئة والتبدّل المناخي. إنهما شهادتان قاسيتان عن المآل التي صنعها الإنسان بحقّ مستقبله البشري. الفرق شكلي: في «عصر الغباء»، عكست الكلمات والتعابير والحوارات قوّة المأزق وخطورته. في «هوم»، لعبت الصورة هذا الدور. الأول أقرب إلى المنحى التلفزيوني المتمكّن من شكله الوثائقي الصادم بمضمونه. الثاني سينمائي، لاعتماده الصورة لغة تعبير. الأول (عصر الغباء) موغل في قراءة الأسباب التي أفضت إلى تبدّل المناخ، ما يعني أن الكرة الأرضية مقبلة على الخراب. الأسباب كثيرة: عدم التزام الأنظمة الحاكمة بقوانين حماية البيئة. التطوّر التكنولوجي. النفط. الصراعات العنيفة. اهتمام بعض الناس بالمناظر الطبيعية، ما أدّى إلى رفضه استخدام أدوات مفيدة للبيئة، بحجّة أن هذه الأدوات «تحجب المنظر الطبيعي الجميل». الثاني (هوم) بديع على الرغم من قسوته. لم يجعله مخرجه فيلماً عن الكارثة. أراده «رسالة أمل»، مذكّراً البشر في الوقت نفسه بأن أمامهم عشرة أعوام فقط للتحرّك الفعلي لإنقاذ الأرض من موتها.

نمط تقليدي

هذه أشكال وثائقية متفرّقة، التقت عند كونها تقليدية الشكل من دون أن تفقد حيويتها الإبداعية في تقديم قراءاتها الإنسانية والأخلاقية. الشكل الكلاسيكي، وإن كان مشغولاً بحرفية واضحة في هذا المجال الضيّق وغير القادر على ابتكار نصّ سينمائي مختلف، كامن في فيلمي «كاريوكا» لنبيهة لطفي و«جيران» لتهاني راشد. الأولى لبنانية الأصل، تقيم في القاهرة منذ سنين بعيدة. الثانية مصرية، تعيش في كندا. تميّزت غالبية أفلام لطفي بالنضال السياسي المتلائم ومرحلة العمل الفلسطيني والصراع بين أطراف لبنانية وأخرى لبنانية/ فلسطينية/ عربية. قبل أعوام قليلة، أنجزت فيلماً عن الشارع الفني المشهور في القاهرة «شارع محمد علي». اختارت اليوم الفنانة الراحلة قبل عشرة أعوام تحية كاريوكا، لإنجاز شهادة إنسانية مؤثّرة عن زمن وبيئة اجتماعية وثقافية، باختيارها فنانة رائعة مادة لمنتوجها الأخير هذا. بدت راشد منفعلة إزاء مسائل اجتماعية وسياسية. أنجزت سابقاً «أربع نساء من مصر» (عن أربع ناشطات مصريات انتمين إلى أحزاب وعقائد متناقضة في الستينيات والسبعينيات)، قبل أن تتجوّل والكاميرا في شوارع العاصمة المصرية، بحثاً في شؤون الفتيات المصريات في زمن الانهيارات والفوضى والعفن (البنات دول). عادت إلى المزج الثقافي بين السياسي والمجتمعي والإنساني، بإنجازها «جيران». إنه بحث «سوسيولوجي» منقوص في جذور الحيّ المصري المشهور في قلب القاهرة، «غاردن سيتي». إنه مرافعة بصرية ضد الهيمنة الامبريالية وسطوة التحوّل الخطر في البنى المجتمعية المصرية بين الريف والمدينة. فالحيّ محاصر بحواجز حديدية ورجال الشرطة، بسبب التدابير الأمنية المتّخذة لحماية السفارة الأميركية. الحيّ نفسه واقعٌ في التخبّط المديني والعشوائية الفظيعة اللذين ألغيا الحدود القائمة بين منطق الريف وحيوية المدينة. فيلما نبيهة لطفي وتهاني راشد منتميان إلى سلسلة أفلام مصرية روائية ووثائقية حديثة الإنتاج، تشابهت في رثاء زمن مضى، وفي نقد عنيف للراهن. منتميان أيضاً إلى الشكل التقليدي البحت للفيلم الوثائقي، الذي يُكثِر اللقاءات والكلام الطويل، بدلاً من أن يُكثّف مادته ويُضمّنها صُوَراً مطلوبة في صناعة الفيلم السينمائي. الأرشيف مهمّ، خصوصاً في «كاريوكا». الزمن الماضي محتاجٌ إليه، وإلى شهادات أناس عرفوه واختبروه، كما عرفوا الفنانة وأدركوا دورها المهمّ في صناعة الرقص الشرقي وبلورة أفقه الإبداعي. لكن استخدامه التوثيقي حافظ على بساطة لم تعد تُحتمل في زمن «الوثائقي الإبداعي». الشهادات ضرورية لدعم الحكاية، لكن إطالتها مسيئة للبنية الجمالية لـ«جيران». كلام أقرب إلى الثرثرة والتكرار منه إلى إعادة رسم الملامح المختلفة للحقبة التاريخية والبقعة الجغرافية. الموقف السياسي حقٌّ للمخرجة. هناك مسألة مهمّة في فيلم تهاني راشد: السياسة ضربت الذاكرة وحوّلت الآنيّ إلى نقيض قاتل للجمال والسكينة والحيوية التي ميّزت الحيّ سابقاً. لكن تدفّق الفقراء واتّساع المدينة (القاهرة) على مزيد من الضيق، سبّبا انكماشاً لهذه الذاكرة، وأفقداها روعتها المكانية والروحية والإنسانية.

بدا «1958» للّبناني غسان سلهب و«ميناء الذاكرة» للفلسطيني كمال الجعفري متحرّران، إلى حدّ كبير، من أي نمط وثائقي معروف. ليسا فيلمين وثائقيين تقليديين، لكنهما لم يدمجا المتخيّل بالتوثيق، كلّياً. أميل إلى اعتبار الأول منسجماً والـ«الوثائقي الإبداعي» أكثر من الثاني، لأن فيه جانبين اثنين: توثيقٌ ما، وإمعانٌ في جعل النسق الروائي امتداداً لهذا التوثيق. أرى الثاني روائياً قصيراً جميلاً، مع أنه يؤرشف بصرياً مأزقاً إنسانياً وتاريخياً واجتماعياً، ويوثّق واقعه. إنهما يعيدان صوغ الشكل بما يتلاءم والهوس الذاتي باختبار قدرات الكاميرا، والفضاء الدرامي على سرد الحكاية. إنهما يرسمان الذات في مقاربتها الإنسانية أولاً، والجماعة في سردها تاريخاً ما ثانياً. لا يشبه الفيلمان بعضهما البعض، لكنهما يلتقيان عند أدوات التعبير الروائي، من دون أن يتخلّصا من سطوة الوثائقي الإبداعي. أشرت أعلاه إلى أن «1958» أقرب إلى هذا من «ميناء الذاكرة». حاور سلهب والدته، ليجلب التاريخ إلى الراهن. ابتعد الجعفري عن الكادر، مانحاً نصّه متتاليات قصصية. بدا الأول منشغلاً بأدواته التجريبية المعتادة في أفلام قصيرة سابقة له. بدا منسجماً ومسار بصري لا يتغاضى عن قوّة التعبير الشعري، ولا ينسى أولوية الصورة وأهميتها السينمائية. طوّع الثاني المضمون الوثائقي لمصلحة السرد، مشتغلاً على الصُوَر وحركات الناس وأفعالهم اليومية، وعلى المَشَاهد الصامتة.

الذات والآخر

اختار غسان سلهب العام 1958 عنواناً لفيلمه هذا، الذي شهد ولادته في داكار (السنغال). لكنه لم يشأ التقوقع في ذاتية مطلقة، بالمعنى الساذج للكلمة، لأن الفيلم ذاتيّ بالمعنى الإبداعي الذي يجعل الفنون كلّها ذاتية، أي منطلقة من داخل المخرج، أفكاراً وهواجس وأحلاماً ولغة بصرية وأسلوباً سينمائياً.

اختار هذا العام ليسرد شيئاً من تفاصيل ذاكرة فردية، تناغمت والتاريخ الجماعي. في ذاك العام، عرف لبنان حرباً أهلية خاطفة. كان المدّ العروبي/ الناصري في ذروته، واليمين اللبناني مستنفِر. حصل المخرج على صُوَر تلفزيونية نادرة، عكست بعض الأحداث الميدانية. في المقابل، احتلت يافا المساحة البصرية في «ميناء الذاكرة». المدينة معرّضة دائماً لتهجير أبنائها الفلسطينيين. اليهود يسعون إلى «تطهيرها»، تماماً كما يفعلون في الجغرافيا الفلسطينية كلّها. لم يسعَ كمال الجعفري إلى مقابلات مباشرة مع سكّان المدينة. لم يُسجّل معاناتهم بالشكل المألوف. لم يضع أحداً منهم أمام عدسة الكاميرا. صنع فيلماً روائياً قصيراً، أبطاله الأساسيون عائلة مؤلّفة من عجوز وولديها، تكافح من أجل البقاء في منزلها التاريخي. هناك المرأة المسيحية المهووسة بغسل يديها. أبطاله الآخرون شخصيات متفرّقة، تمضي وقتها في صمت مطبق، في شرود لعين، في ألم داخلي. الصمت أساسي جداً. إنه الشخصية الرئيسة الأولى. المادة مقدَّمة بشكل سينمائي. المواجهة لا تقع بين العائلة الفلسطينية واليهود، بل بينها وبين محام فلسطيني أضاع الأوراق الرسمية بسبب لامبالاته. النقد العنيف موجّه ضد المحامي (بعض المنطق الفلسطيني/ العربي في التعاطي مع القضايا العامة)، أكثر من أي طرف آخر. البقاء مقاومة طبيعية ضد الاحتلال الإسرائيلي (رفض المرأة المسيحية السماح ليهودية بزيارة منزلها. سائق الدراجة النارية يُطلق صراخاً عنيفاً في الفضاء. الجلوس طويلاً في المقهى. إلخ.). غير أن هذه الجمالية مضروبة بإدخال مشاهد سينمائية أجنبية ومغنّ إسرائيلي في السياق الدرامي، بطريقة غير موفّقة.

في برنامج «عروض السينما العالمية»، شاهد المهتمّون بالنتاج الوثائقي العربي فيلماً لبنانياً بعنوان «ما هتفت لغيرها» لمحمد سويد. الوثائقي الإبداعي خيار لسويد، المقبل إلى الإخراج من تجربة الكتابة النقدية. يريده اختباراً لقدرة الصورة على تحقيق مكانتها السينمائية في المشهد. يريده تمريناً على المقاربة الإبداعية للمسائل الحسّاسة، في السياسة والاجتماع والذاكرة. بات السينمائي حرفياً بارعاً وجميلاً في صناعة هذا النمط من الأفلام. يغوص في أعماق المادة المختارة، كي يُفكّك الأفكار والحالات سينمائياً. يرتكز على ثقافة واسعة وحسّاً مرهفاً ورغبة صادقة في تفكيك كل شيء وإعادة تركيبه بشكل سينمائي محترف. أقول هذا، وفي البال عناوين عدّة سابقة، كـ«عندما يأتي المساء» و«حرب أهلية» و«السماء أينما شئت» وغيرها. فيلمه الأخير «ما هتفت لغيرها» (أنهى مؤخّراً فيلماً جديداً بعنوان «بحبّك يا وحش»، لم يُعرض بعد لغاية الآن) استكمال لمشروعه السينمائي ولقناعاته الفكرية والثقافية. التزامه الصورة أداة قول طريقٌ إلى الإبداع. اليسار والأفكار الشيوعية والتحوّلات الحاصلة في التاريخ العريق للمجتمعات العربية ونضالات ناسها، نقاطٌ أساسية. الاقتصاد الحرّ والفكر الشيوعي والذاكرة الفردية، أمور حاضرة أيضاً. المدن المختارة (هانوي، دبي، بيروت) لها دلالات تاريخية وثقافية ومجتمعية ونضالية. ابتكار الروائي المتخيّل امتدادٌ للقول الوثائقي. الإنتاج تلفزيوني، لكن هامش الإبداع السينمائي واسعٌ.

هذه نماذج حيّة عن أنماط عدّة في صناعة الفيلم الوثائقي. هذه أمثلة تعكس جانباً مهمّاً من التطوّر الوثائقي الإبداعي الحاصل في السينما الغربية والعربية. تستحق أفلام مذكورة أعلاه قراءة نقدية مستقلّة، ومعاينة خاصّة بعلاقتها بالنتاجات السابقة لمخرجيها. ورودها هنا نابعٌ من مشاركتها في «مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي»، ومن تأثيراتها الجمالية المتفرّقة، أشكالاً ومضامين.

السفير اللبنانية في

06/11/2009

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)