كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان كانّ السينمائي في دورته الثانية والستين

الجنس والعنف ثنائيّ كانّ الفضاح

كانّ - من هوفيك حبشيان

مهرجان كان السينمائي الدولي الثاني والستون

   
 
 
 
 

الدورة الحالية من مهرجان كانّ (13 - 24 ايار) مشيّدة على قدر هائل من الغرابة. هي بلا شك واحدة من أكثر الدورات دموية وقسوة وعنفاً: قطع أوصال، اغتصاب، قتل، هتك، وضرب للقيم المجتمعية المعتادة. فالسينمائيون لا يوفرون بالامكانات المتاحة لديهم لقول ما كان يصعب قوله قبل فترة ما. أما نظرتهم فتتضمن سوداوية غير مسبوقة تتجلى في عدد كبير من الأفلام، اولها الفيلم الذي احدث الى حدّ ما صدمة للمشاهدين: "المسيح الدجال" (مسابقة) للدانماركي لارس فون ترير. انها قصة ثنائي ينزوي بعد وفاة ابنهما في غابة عدن حيث يسعيان الى تضميد جراحهما. لكن بدلاً من الانفراج، ستسوء حالتهما.

قد يصعب ايجاد مخرج اكثر لؤماً وتشاؤماً من لارس فون ترير. بعد سلسلة افلام عالجت الظروف الانسانية، بدءاً من عبثية الحب وصولاً الى البؤس الاجتماعي، يقع اختيار مؤسس الـ"دوغما" على مشروع سينمائي يتعذر ايجاد ما يوازيه في السينما المعاصرة، أكان ذلك من حيث الفكرة والمفهوم أم المنظار المستعان به لتصوير شخصيتين (شارلوت غينسبور وويلم دافو) سرعان ما تتحولان دميتين في يد المخرج.

على رغم الرؤية القاتمة التي يرميها فون ترير على عالم يعتقد نفسه بمنأى عن الصراعات ويلفها النفاق والكذب، يكشف "المسيح الدجال"، الذي يهديه الى اندره تاركوفسكي، النقاب عن صراع الانسان مع محيطه. موضوع بسيط للوهلة الأولى يعالجه ترير باستفزاز المشاهد القابع قبالة الشاشة، مطالباً بمنقذ قد يأتينا بعالم أفضل، عالم ليس على هذا القدر من الانحراف والبشاعة. لكن ماذا لو كان هذا المنقذ هو المسيح الدجال الذي لن يتحمل آلام البشرية هذه المرة؟

فكر سينمائي ينطوي على الانصهار بين السينما والمسرح والأدب، يحمل كذلك هموماً فنية من نوع آخر، وتأمل في قضية الخلق ومسألة التجسيد والاحياء. يصور النابغة الدانماركي تراجيديا اغريقية انطلاقاً من لا شيء، درس في الأخلاق الانسانية والعيش الزوجي، لا ادانة للإنسان الذي ليس في نظره جديراً بإنسانيته. نرتعش أمام كل هذه الراديكالية في التعامل مع الجنس والحب والعلاقة بين حبيبين، وننبهر بالبنية الدرامية المقسمة على شكل فصول أدبية مستوحاة من بريخت، وذاكرتنا لا تفارق بسهولة قصة تضمنت جميع الاحتمالات لتسعدنا، وبسحر ساحر تغدو مأساة تفضح الطبيعة البشرية في انحيازها الى الشر والعبث والضغينة. وسط هذا كله، هناك المرأة دائماً وأبداً لدى فون ترير، أساس كل شيء عنده. هذا الفيلم الذي يقول عنه فون ترير انه الأهم في مساره، يتضمن مشاهد بورنوغرافية وأخرى من نوع الـ"غور"، كسوء معاملة للاعضاء الجنسية والى ما هنالك من المشاهد الصادمة التي تقزز الأبدان. يقول فون ترير عن بدايات نشوء فكرة الفيلم: "قبل سنتين، اصبت بالكآبة. كانت تلك تجربة جديدة في حياتي. كل شيء على الاطلاق كان يبدو لي من دون أهمية. وكنت غير قادر على العمل. بعد ستة أشهر، كتبت نصاً بغية أن اداوي نفسي واعالجها. كنت أيضاً أريد أن ارى من خلاله اذا كنت لا أزال قادراً على انجاز فيلم. صوّرت السيناريو بلا حماسة تماماً مثلما كتبته، أي مستعيناً بنصف طاقاتي الجسدية والفكرية. لم اتبع نظام العمل الذي كنت اتبعه في اعمالي السابقة. بعض المشاهد كانت تضاف بلا سبب، ومعظمها كانت أحلاما لي. مرة أخرى كنت اريد فيلماً عن "الطبيعة"، ولكن من زاوية أخرى؛ أكثر مباشرة من قبل وأكثر شخصانية. الفيلم في خاتمة الأمر لا يتحمل أي بند أخلاقي، وفيه أقل قدر من الحبكة".

مستوحى من ستريندبرغ، يري هذا المتهم بكره النساء، عالماً تهيمن فيه الفوضى الى حدّ كبير، وعلى رغم ذلك يبحث فيه عن الشرح والمنطق، من خلال اللجوء الى شخصيتين كما في "مشاهد من الحياة الزوجية" لبرغمان. يعود هذا المحرض والمستفز، الذي شرّع له كانّ أبواب الاستفزاز مرة أخرى، الى هوايته المفضلة: العبث بالسينما "النبيلة" والتجارية التي لا تزال أمامها أيام طويلة

فيلم آخر اغاظ البعض واستفز البعض الآخر هو "مجزرة" للفيليبيني بريانت ميندوزا، الذي يعود الى كانّ بعد سنة على عرضه "خدمة"، أيضاً في المسابقة. انطلق ميندوزا عام 2005، وصوّر مذاك سبعة أفلام. لديه طريقة سريعة جداً في العمل، لتصل به الحال أحياناً الى التصوير أينما كان وكيفما أتفق. على رغم هذه الارتجالية، فإن وصول ميندوزا الى كانّ منذ دورتين، يشير الى انه بات واحداً من ابناء هذا المهرجان المدلل، الذي سيبقى وفياً لهم ما داموا يأتون بأعمال غريبة من بلدان تبقى الصور عنها قليلة. مانيلا، المدينة المليئة بالضوضاء هي مسرح حوادث فيلمه هذا. نتعرف بدءاً الى بيبينغ، شرطي متدرب تستعين به عصابة لإتمام عملية خاصة جداً. الحاجة الى المال (نفقات تربية الطفل، الاعتناء بالحبيبة) تجعله ينضم الى مغامرة ستكون نتائجها كارثية.

بعد افتتاحية ذات نبرة كبيرة تأخذنا فيها الكاميرا في شوارع العاصمة الفيليبينية، نصعد مع الكاميرا والشخصيات في فان ضمن رحلة ليلية طويلة، هي ربما الأغرب والأكثر إثارة للعجب. أشياء كثيرة يصورها ميندوزا خلال هذه الرحلة. ثمة على متن هذا الفان عاهرة مخطوفة لقضية أخلاقية غامضة. في كل حال، لا تستحق "القضية" أن تُخطف المرأة من أجلها. لكن رجال العصابة الذين سيتبين لاحقاً انهم قتلة من أسوأ جنس، مصرون على اهانتها وتقطيعها اشلاء في مشهد مروع. ثم يقدم هؤلاء على توزيع أجزاء الجثة في اماكن مختلفة، قبل أن يذهبوا لتناول الفطور في أولى ساعات الفجر.

ومن الأفلام التي كانت هنا لتثير صخباً غير اعتيادي، "ليالي سكر ربيعية" (مسابقة) للصيني لو يي: وصل الى كانّ متحديا رقابة بلاده التي حكمت على الفيلم بالاعدام، نظراً الى ما يتضمنه من مشاهد جنس واضحة وصريحة بين رجلين. لكن الفيلم لم يثر ما كان متوقعاً له، وكانت اصداؤه فاترة. تدور الحوادث في نانكين الصينية. زوجة وانغ بينغ تشتبه في خيانة زوجها لها، لذا تستعين بأحدهم كي يتجسس عليه ويأتيها بأخباره، لتتجلى الحقيقة في وضح النهار حيث يتبين أن زوجها على علاقة غرامية وجنسية برجل آخر. غيرة وهوس جنسي، هما ما ينتظر المشاهد في هذا الفيلم الجاف والمتقطع. اللافت في الفيلم جانب اوروبي واضح، وتحديداً فرنسي.

الفرنسة لبعض الأفلام الآسيوية في كانّ تشمل ايضاً الشريط الجديد لجوني تاو، "انتقام" الذي يمنح جوني هوليداي واحداً من أدواره الأكثر اهمية في مساره، لكن تمثيله يبقى مرتبكاً وغير متماسك. انه قصة أب يذهب الى هونغ كونغ من أجل أن ينتقم من مجرمين قتلوا زوج ابنته وولديها، تاركين اياها نصف ميتة في أحد المستشفيات. من سخرية القدر انه، من أجل تصفيتهم سيلجأ الى ثلاثة قتلة يعملون لحساب رجل نافذ، يتبين لاحقاً انه كان هو الذي أمر بقتل العائلة. بطلنا هو طباخ كان هو الآخر قاتلاً محترفاً قبل 20 عاماً. هذا ما يمنح الفيلم بعض الطرافة، ولا سيما في مشاهد اللقاء الاول بينه وبين القتلة الثلاثة الذين سيساعدونه على الانتقام. بعد "عصفور الدوري" الذي شاهدناه في الدورة ما قبل الماضية لمهرجان برلين، يأتينا تاو بأسلوبيته الممتازة في تشكيل الكادرات وطريقته البطيئة في التقاط المشاهد. لكن ما كان مبرراً في فيلمه السابق، ضمن لعبة جمالية بارعة، يبدو هنا مفتعلاً، ولا سيما ان الفيلم يمنح الشعور بأننا أمام محاكاة، اذ لا يمكن على من يريد الانتقام أن يرمي أمام فريسته معطفاً، على النحو الذي يفعله هوليداي في الفيلم، قائلاً له "هل هذا المعطف لك؟"، وأن يكون على قدر كبير من الجدية.

آسيوي آخر لم يكن على قدر التوقع: آنغ لي. يعود مخرج "النمر والتنين" الى كانّ محملاً مفاهيم ثورة "السلام والحب" الستينية التي أكل عليها الدهر وشرب. من دون شعارات كبيرة، ومن خلال ساعتين فقط، يفكك التاريخ الأميركي في "اكتساح وودستوك"، أبطاله عائلة أميركية تدير فندقاً مهترئاً على حافة الافلاس.

كل شيء سيتغير عندما تقرر مجموعة اجراء حفل موسيقي هيبي في الجوار. هذا الحدث الأشهر من أن يعرّف والذي يحمل اسم "وودستوك"، سيغير حياة ابن العائلة اليوت، الذي لا يجرؤ بعد على اعلان مثليته الجنسية امام عائلته، وسيغير أيضاً أفكار جيل بأكمله وتوجهاته. العمل لا بأس به، فيه قدر من الطرافة مقترن بانتقاد حاد لرمزية تلك المرحلة. في المقابل لم يتمكن لي من تفادي الثرثرة الطويلة، والمشروع بأكمله يبعث على الاعتقاد أنه ابرع في تصوير المثليين (تذكروا "جبل بروكباك"!) منه في تصوير المتمردين.

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb)

####

"أمريكا" لشيرين دعبس

مكان اسمه الوطن

دراما خفيفة عرضت اول من امس في "اسبوعا المخرجين"، تصور أسرة فلسطينية ومعاناتها مع التهجير، وشعور اعضائها بالحنين إلى الوطن الذي يوجد في ذاكرتها الجمعية ويناضلون من أجل تحقيق الشعور بالانتماء في بلد (الولايات المتحدة) يعطي كل القادمين الجدد إليه فرصة للحصول على المال. يقدم الفيلم لمحة عن الحياة الخاصة للمراهقين من الجيل الأول الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بالتراث العقائدي لذويهم من جانب وبالعالم الغربي الذي يعيشون فيه من جانب آخر. انها قصة عادية بالنسبة الى العديد من المهاجرين الذين قدموا إلى أميركا الشمالية بحثا عن حياة "أفضل". هؤلاء يجدون أنفسهم موزعين بين الحنين الى الوطن والكفاح للاندماج في المجتمع الجديد باحثين عن شعور بالإنتماء في بلدهم الجديد.

تقوم الخطوط العريضة لقصة الفيلم على خبرات المخرجة والكاتبة شيرين دعبس وأسرتها الفلسطينية الأردنية. تقول دعبس: "عندما كان الناس يسألونني من أين أنت كان هذا سؤالا محيرا بالنسبة اليَّ. لقد هاجر والداي إلى الولايات المتحدة قبل أن أولد. وولدت في أوماها ــ نبراسكا، وترعرعت في المناطق الريفية من أوهايو، ومع ذلك كنت أذهب إلى الأردن كل صيف. ولم أكن اميركية بما يكفي بالنسبة الى الأميركيين كما أنني لم أكن عربية بما يكفي بالنسبة الى العرب. أو على الأقل هذا ما شعرت به. لذا لم أشعر قط بأنني في وطني في أي مكان. كانت لديَّ رغبة في أن يصبح لي مكان أطلق عليه وطني، مكان حيث أشعر أنني أنتمي إليه، وكان هذا الأمر يمثل جزءا كبيرا من هويتي. فوق ذلك كله فقد ورثت كفلسطينية أزمة الهوية التي عاناها والدي، والتي تتمثل في عدم وجود أمة أنتمي إليها وعدم وجود هوية وطنية لي، بما زاد شعوري بعدم الإنتماء الى أي مكان".

نشأت شيرين دعبس في بلدة صغيرة وهذا ما ضاعف شعورها بأنها لا تستطيع الإندماج في هذا المجتمع وهي في سن المراهقة. أدى ذلك إلى زرع بذور الإلهام داخلها. "في أثناء حرب الخليج، أصبحنا أكباش فداء. كنا نتلقى تهديدات يومية بالقتل وأتى رجال المخابرات إلى مدرستي للتحقيق في شائعة تقول إن أختي الكبيرة التي كانت في السادسة عشرة من عمرها هددت بقتل الرئيس. كنت في الرابعة عشرة من عمري في ذلك الوقت وكنت أجمع كل ما أحصل عليه من خبرات أثناء رحلاتي إلى الشرق الأوسط وأعود به الى أميركا وكنت أخزن كل ما شاهدته من قنوات الأقمار الاصطناعية العربية والنشرات باللغة الإنكليزية وبدأت أشكك في ما أسمع من الناس. أرى كيف تقوم وسائل الاعلام بإستخدام صور نمطية بحيث أثر هذا الأمر على حياتي في المدرسة وعلى أسرتي في هذه البلدة الصغيرة".

كان إحساس شيرين دعبس بالتقوقع وهي في سن المراهقة يزكي رغبتها في إخراج الأفلام، لكن الحوادث العالمية التي وقعت حولها بعد عقد من الزمان حملتها الى البدء بكتابة أول فيلم روائي لها. "كانت تجربتي وأنا في سن الرابعة عشرة أثناء حرب الخليج هي التي ألهمتني بكتابة "أمريكا" وقد حملت القصة معي طوال هذه السنوات. في النهاية ذهبت إلى مدرسة السينما في مدينة نيويورك في أيلول 2001 ووقعت حوادث الحادي عشر من ايلول، وبعد فترة قصيرة غزت الولايات المتحدة العراق وبدأ التاريخ يكرر نفسه. كنت أسمع قصص ردود الأفعال تجاه القادمين من الشرق الأوسط. عندئذ أدركت أنه حان الوقت لأن أجلس وأكتب أول قصة تدور حول العرب القادمين إلى أميركا".

"كان "أمريكا" هو الاسم الذي اخترته من اللغة التي كنت استريح إليها ليكون عنوان فيلم يمزج بين ثقافتين ويصور تجربتي وتجربة العديد من الذين ينتمون إلى الجيل الأول من أبناء المهاجرين". عثرت دعبس على روح ثقافية مماثلة لروحها لدى المنتجة كريستينا بيوفيسان من شركة "فيرست جينيريشان فيلمز". التقت بيوفيسان شيرين دعبس عندما كانت تبحث عن فيلم يعكس تجربتها التي تصور حياة والديها المهاجرين. تقول بيوفيسان: "الكثير من أفلامي هي أفلام أجنبية أو ثقافية. إنها أمور أهتم بها. أمي فلسطينية لبنانية وأبي إيطالي. وعلى الرغم من أنني ولدت ونشأت في تورونتو، فإنني نشأت في بيت غني بالثقافة العربية".

كانت القصة التي تشعر شيرين بالرغبة في روايتها مستمدة من الخبرات الشخصية لأسرتها. وبالتحديد هناك شخصيات مستوحاة من افراد حقيقيين في أسرتها. "كانت شخصية منى تعتمد على قصة خالتي. فعندما هاجرت إلى الولايات المتحدة كنت في سن تسمح لي بأن اشهد الصراع. الفيلم عبارة عن قصة حزينة ودافئة لإمرأة مليئة بالتفاؤل وتحاول أن تبدأ حياة جديدة في مناخ يقف كل شيء فيه ضدها. لكنها لديها أمل في أن تقهر العقبات. هذه هي خالتي المتفائلة دائما. وكانت هذه الخصلة فيها هي التي اوحت اليَّ بشخصية منى". 

"تيترو" في "اسبوعا المخرجين" كوبولا بلا سموكينغ!

بعد ثلاثة عقود على نيله "السعفة الذهب" في مهرجان كانّ، يعود المخرج الأميركي الكبير فرنسيس فورد كوبولا بفيلم "تيترو" وهو خلاصة عمله كسينمائي أميركي من أصول ايطالية، نظرته مشبعة بثقافة بصرية عالية جداً. كوبولا الذي ازعج مراراً ومراراً "السيستيم" في المصنع الهوليوودي، افتتح الخميس الماضي قسم "اسبوعا المخرجين" الذي تجري نشاطاته على هامش المهرجان. وكان له مع الجمهور لقاء حميمي (شارك فيه أيضاً كل من زوجته، ابنه رومان، وفريق العمل) هنا مقتطفات منه:

 "عندما أنجزت "العراب" كان العنوان يحمل اسم الكاتب على الشكل الآتي: "العراب لماريو بوزو". فعلت الشيء نفسه مع "دراكولا لبرام ستوكر". وكنت أحلم دائماً بأن يحمل عنوان لفيلم لي اسمي. لكن من أجل ذلك كان ينبغي لي أن أكتب نصاً أصلياً. كنت أعتبر عملية الكتابة شيئاً صعباً، ومن هذا المنطلق لم يكن يحق لي أن اضع اسمي مع العنوان، ما دمت لم أكتب السيناريو، وذلك احتراماً وتقديراً. "تيترو" أتاح لي أن أفعل ذلك للمرة الأولى".

 "الفرق بين "العراب" وهذا الفيلم ان كمية الأطراف المقطعة والجثث التي تسقط واحدة تلوى أخرى قد قلّت عندي. أما الرصاص فهو بدوره اقل مما كان في "العراب".

 "قبل أن يشارك فيلمي "القيامة الآن"، كانت ادارة المهرجان تعتبر انه لم يكن مكتملاً بعد، وانه في حاجة الى لمسات أخيرة. ثم تعلمون ما حصل: فقد جاء الفيلم الى هنا وأحدث زوبعة وعاد بـ"السعفة". الشيء نفسه حدث مع "تيترو". فبعد عدم رغبتهم في أن يتسابق الفيلم ضمن المسابقة الرسمية، اقترحت عليّ الادارة أن أعرضه خارج المنافسة. قيل لي: "تعال في 22 من أيار، سننظم حفلاً خاصاً للفيلم، وستصعد أنت وفريق العمل على السجادة الحمراء". لكن أنا لم أعد أهتم بارتداء السموكينغ وربطة العنق. هذا فيلم أنجزته من اللحم الحي واستثمرت فيه طاقات كثيرة.  فما كان مني الا ان سحبته واقترحته في افتتاح "اسبوعا المخرجين". وهو القسم الذي أجده الأنسب لي. في كل حال، الفيلم الذي يشارك هنا وسط هذا الكمّ الهائل من الأفلام المعروضة، هو فيلم متسابق".

 "كانت لي استقلالية تامة في عملية تصوير ومنتجة الأفلام التي أنجزتها بعد "العراب". ولكن عندما تعرضت لانتكاسة مادية كبيرة، وصرت مديوناً للمصرف، نتيجة ذلك، فإن كل الأفلام التي انجزتها بين الاربعين والخمسين من عمري هي اعمال طلب مني أن أنجزها، ولست صاحب المبادرة. لكن، عندما لم أعد مديوناً، توقفت عن العمل بهذه الطريقة".  

نيكولاس روغ: كلنا ذاهبون إلى النهاية

يعتبر نيكولاس روغ، 80 عاما، واحداً من أهم السينمائيين البريطانيين الذين ابتكروا لغة سينمائية خاصة بهم عصية على التقليد. من أهم افلامه: "الرجل الذي سقط على الارض" (1976). عمل ايضاً مديراً للتصوير، ولا سيما على "فهرنهايت 451" لفرنسوا تروفو. "النهار" التقته في الحوار الآتي.  

·         أنت، نوعاً ما، خارج عن أي حركة سينمائية. لم نستطع تصنيّفك في أي فئة.

- يمكن أن أقول إنني لا أنتمي الى "المؤسسة"، فأنا لا أستطيع أن أكون مستقرّاً وأحصر نفسي في أسلوب أو "جانر" معيّن. أحب قدرة الأمور على التغيير. يحب البعض أن يتبعوا نوعاً من الروتين في الحياة. أما أنا، فلا يمكنني فعل ذلك. لا أرى في رأسي ما سيحصل لي في المستقبل، لأن ذلك سيتسبب لي بالقلق إذ إن الأمور لا تحصل كما نريدها بل تتغيّر طوال الوقت. السينما انطلقت من مكان ما وتتغيّر كما كل الأشياء تتغيّر في العالم.

·         عندما تبدأ بالتفكير في الفيلم الذي ستنجزه، هل ترى صوراً في رأسك؟

- نعم ولكنها تتغيّر، فلدى تطور القصة أو الموقف، تتبدل الصور. لإنجاز فيلم ما، هناك مراحل عدة. فلدينا أولاً الأفكار ثم فترة المناقشة والدعوة للاطلاع على السيناريو، ولكن ذلك يتغير طوال الوقت. ثم يبدأ المرء بالبحث عن أماكن تصوير، فيسترعي شيء ما انتباهك ويغيّر لك فكرك. الأداء يتبدّل أيضاً وكذلك خيار الممثلين. تكون قد انتقيت تلك الممثلة الشقراء الطويلة، لكنك تلتقي لاحقاً بممثلة سمراء قصيرة تجسّد فعلاً روح الشخصية. لا يمكنني فرض شكل معيّن على الآخر بل احاول أن أرى ما إذا كان على علاقة بالشخصية. بهذه الطريقة، يلتقي المرء أيضاً شريكة حياته.

·         تحب وضع شخصياتك في موقف معيّن، لترى كيف تتصرف...

- هذا ايضاً جزء من الحياة. تمرّ بالخوف والسعادة وبشتى المواقف والأحاسيس... كلنا ذاهبون الى النهاية، وبين الولادة والموت نعيش عدداً من القصص. وقد تحصل معنا الأمور التي نراها في الأفلام. مثلاً، قد يقرأ أحدهم أن حادثاً حصل في مكان كان فيه للتو ونجا من الخطر... بالطبع هناك نهايات سعيدة، كما أن هناك نهايات غير سعيدة. ومع أننا نجتمع مع الآخرين ونعيش في مجتمع، الا أن لكل منا قصصه الخاصة ومصيره الخاص. ولا أعتبر أن ثمة شخصية أهم من أخرى في أفلامي، وأحاول أن أظهر مشاعر كل منها، حتى لو كانت أدواراً صغيرة وثانوية. فهي مهمة.

·         أفلامك كلّها محبوبة جداً وهي باتت Cult. ما السبب في نظرك؟

- أظن أن ذلك يعود الى كونها تنبض بالحياة. فالفكرة الأولى التي تراودك لدى رؤية أمر ما، لا تكون هي نفسها عندما تفكّر فيها في ما بعد. أذكر عندما أُطلقت سيارة "سيتروين"، لا أعرف أي موديل تحديداً، اعتبر الناس انها قبيحة جداً ولكنها أصبحت الآن سيارة كلاسيكية. الأمر ينطبق على كل الأشياء التي يسيء الإنسان تقديرها ويعود اليها لاحقاً. من ناحية أخرى، الجميع يبحث عن الحقيقة، على كل الاصعدة، الطبية، الاجتماعية، السياسية، والجنسية...

·         لكنك قلت مراراً إنك لا تؤمن بالحقيقة، وكلما وُضعت الكاميرا قبالة مشهد ما، لا يعود حقيقة...

) - ضحك). قد يكون ذلك سوء فهم اذ لا أذكر أنني قلت ذلك... لا يمكننا أن نتصور شيئاً ما بعيداً عن تجربتنا الخاصة. ولا يمكنك عرض ما لم تختبره على أحد. أحب الخيال العلمي لأنه يحاول تجنّب الأشياء الجلية. فكون شخص ما طويلاً وجذاباً، لا يعني أنه سيكون موفّقاً مع النساء مثلاً.

·     في فيلم "الرجل الذي سقط على الارض"، أردت أن تبتعد عن كل احساس بالزمن. ما أكثر الأمور إثارة للدهشة بالنسبة اليك في ما يتعلّق بالزمن؟

- أنه شيء أحاول التمسك به، وهذا خيالي. قد يكون الأمر سخيفاً لكنني أشك في أن الزمن معيار قابل للتقسيم. ففي حياتي، الوقت يمر بسرعة على المستوى العاطفي ولكنه... يستغرق الوقت (ضحك). عندما تكون مغرماً أو سعيداًُ، الوقت يمرّ بسرعة فائقة. فالزمن يقود حياتنا كلها وأفكارنا.

·         أنت من ابتكرت المونتاج غير الخطي. وحاول عدد كبير من المخرجين أن يقلّدوك على غرار تارانتينو وسواه. ما تعليقك على ذلك؟

- كان هذا الاسلوب يتبلور على اي حال، ولا أظن أن أحدهم ابتكره. فالناس يفعلون هذا الامر وانت كذلك، وأنا. إن سألتك "هل كانت طفولتك سعيدة؟" فقد تجيبني كلا، ولكن إن أخبرتني عنها، فقد أقول لك إن طفولتك كانت سعيدة جداً في نظري. أكره هذه العبارة إعادة ("فلاشباك") الحياة الى اللحظة الحالية. الذاكرة والزمن مترابطان ويحاول المرء تحقيق حقيقة مشهد ما وأن يجعل الناس يفهمونها. وعلى البعض ان يرى الفيلم مرات عدة ليفهم. هذا الأمر خاص بالسينما ولا يمكنك أن تفعله بالكلمات أو في المسرح مثلاً.

·         ما الذي كنت تعنيه عندما قلت إننا كلنا في خطر؟

- هذه هي الحياة. إنها خطرة جداً. فعندما نستقيظ صباحاً وننتعل حذاءنا، فنحن نعرّض بعضنا للخطر. فكل شخص من حولك قد يكون عدوك، سواء أكان صديقاً مقرّباً جداً أم صديقاً عادياً أم حبيباً... انظر الى حالات الطلاق في المحاكم (ضحك). نحن جميعنا جزء خطر من الحياة، تماماً كالسعادة والحب. فالعالم يمرّ بأوقات غريبة. وآلاف السنين منسية، وفجأة نكتشف قبراً يعود الى 4000 سنة ولا نعرف شيئاً عنه، أحدهم يقول لك إن هذه الصخرة قديمة وتعود الى ملايين السنين.  

·         يتردد أن هناك نسخة جديدة عن "لا تنظر الآن"، هل هذا صحيح؟

- لا أعرف حقاً.

هـ. ح.

النهار اللبنانية في 21 مايو 2009

 
 

السعفة الذهبية لنبي أم لضد المسيح أم للفيلم الفلسطيني

ثلاثة أفلام ضعيفة في نهاية عروض المهرجان

قصي صالح الدرويش من كان

صفق النقاد الفرنسيون لفيلم "نبي" ومخرجه جاك أوديار باعتباره يستحق السعفة الذهبية لأفضل فيلم في مهرجان كان،  ولا خلاف في أن هذا الفيلم الفرنسي جميل وناجح، لكن رئيسة لجنة التحكيم الفرنسية ايزابيل هوبير قد لا تؤيد الانحياز لفيلم بسبب هويته الفرنسية فقط، خاصة وأنه لم يسبق أن حصلت فرنسا على الجائزة في دورتين على التوالي، كما أن هوبير تميل إلى الأفلام الإشكالية التي تتناول قضايا نفسية أو فلسفية معقدة فهل يعني ذلك أنها قد تؤيد مكافأة فيلم  Antichrist للدانماركي لارس فون تراير رغم ما أثاره هذا الفيلم من جدل وتفاوت في الآراء، خاصة بالنسبة للوسط النقدي والصحافي الفرنسي، تفاوت تراوح بين الانتقاد الشديد من قبل غالبية الصحافيين وبين التصفيق الحار من قبل أقلية من نقاد الصحافة المختصة على غرار مجلة "لونوفيل اوبسرفاتور" أو "دفاتر السينما"، ومن أصحاب هذا الموقف الثاني نذكر بين النقاد العرب مدير مهرجان مراكش نور الدين الصايل وابراهيم العريس وسمير فريد وكاتب هذه السطور وآمال عثمان وجميعهم يجدون أن "ضد المسيح" مثل التحفة الفنية الأكبر سواء قدم إجابات بديهية للأسئلة الإشكالية أم لا.

الجائزة قد تذهب أيضا للفيلم الكلاسيكي الغامض الجميل "الشريط الأبيض" والذي صور بالأسود والأبيض، أي لفيلم النمساوي ميكائيل هانيكي الذي سبق لرئيسة لجنة التحكيم أن أدت دور البطولة في أحد أفلامه. وربما آلت الجائزة إلى المخرج الشاعر الذي يحبه أنصار الرومانسية ونعني المخرج ألان رينيه الذي أثبت من خلال فيلم "الأعشاب المجنونة" أنه ما زال يملك خيالا خصبا بعد أكثر من نصف قرن على رائعته الشهيرة "هيروشيما حبيبتي"، ويتردد في أروقة المهرجان أن رينية لن يخرج خالي الوفاض وأنه على الأقل سيحصل على جائزة تقدير خاصة لمجمل أعماله. وقد تميل لجنة التحكيم إلى مكافأة الأمريكي الموهوب كوينتن تارانتينو "أولاد حرام غير عظماء" الذي نال الإعجاب لكنه لم يرق إلى مستوى أفلام تارانتينو السابقة التي نال بعضها السعفة الذهبية.

ولعل الجائزة تكون من نصيب "عناق مكسور" للإسباني بيدرو المودوفار الذي ما زال ينتظر السعفة الكبرى  رغم مشاركاته السابقة بأفلام جميلة وخاصة "فولفير"، مع أن فيلمه الجديد لم يكن أيضا بمستوى أفلامه السابقة. وليس مستبعدا أن يكافأ البريطاني كين لوش مخرج فيلم "البحث عن ايريك" بالسعفة الذهبية فالفيلم الذي يلعب بطولته نجم الكرة الفرنسية ولاعب نادي مانشستر يونايتد حظي بإعجاب كبير. حظ البريطانيين قد يكون مزدوجا بفضل فيلم أندريا أرنولد "حوض السمك"، وقد تجنح الجائزة إلى نيوزيلندة لتكافئ جين كامبيون على فيلمها الأنيق الجميل "نجمة لامعة" رغم ما سجل عليه من ملاحظات.

وربما قررت لجنة التحكيم منح سعفتها للفيلم الصيني "حمى الربيع" الذي يتحدث عن المثلية الجنسية والذي صوره المخرج بشكل سري لأنه ممنوع من العمل في الصين، رغم أن هذا الفيلم يفتقد لكثير من عناصر النجاح والتألق الفني. وهل تمنح السعفة الذهبية لفيلم سياسي مثل "انتصار" للمخرج بيلوشيو الذي يحكي قصة عذابات المرأة التي أحبت موسوليني رغم مآخذ الصحافيين الإيطاليين عليه من حيث مصداقية الرواية التاريخية وملامح شخصية البطلة خاصة وأن العلاقة بينها وبين موسوليني كانت مادة لفيلم تسجيلي تلفزيوني معروف جدا في إيطاليا. ولم لا تمنح جائزة السعفة الذهبية لفيلم سياسي آخر جميل جدا لمخرج سطع نجمه في كان قبل سبع سنوات بفضل "يد إلهية" ويعود اليوم ليؤكد موهبته في "الزمن المتبقي" منددا بتغييب الإنسان الفلسطيني وتغييب ثقافته وحضارته على أرضه التي تمتد جذوره عميقا في ترابها، ونقصد هنا إيليا سليمان الذي يستحق بدوره جائزة السعفة الذهبية والذي صفق الجمهور والنقاد لفيلمه، فهل تكون الجائزة إشارة في وقت يؤيد فيه رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما والأسرة الدولية تحقيق السلام العربي الإسرائيلي. 

مهما تكن هوية الفائز بالسعفة الذهبية وبقية الجوائز فإن الدورة الثانية والستين لمهرجان كان تميزت بفضاء التعدد والتنوع السينمائي سواء في الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية أو في مختلف التظاهرات الموازية. وبغض النظر عن هذه الجوائز، كانت هذه الدورة كانت مهمة من حيث مشاركة مخرجين من العيار الثقيل سبق وحصلوا على السعفة مثل تارانتينو وكين لوش ولارس فون تراير وجين كامبيون أو من الذين يستحقونها مثل الدوموفار وبيللوشيو وهانيكي وجوني تو أو انج لي، رغم بعض التراجع عما عرفناه في تجاربهم السابقة. ولا ننسى العملاق كوبولا الذي لم يشارك في المسابقة لأن إدارة المهرجان اقترحت عرض فيلمه خارجة التنافس، وعليه فضل صاحب "القيامة الآن" و"العراب" المشاركة في تظاهرة موازية ليثير حدثا إعلاميا مدويا لصالح تظاهرة نصف شهر المخرجين. وبالتأكيد فإن استبعاد كوبولا من المنافسة لا يعكس ذكاء كبيرا خاصة وأن إدارة المهرجان قبلت بمشاركة حائزين سابقين على السعفة الذهبية.  

يبقى القول إن أفلام اليوم الأخير في المهرجان لم تكن بمستوى سابقاتها إذ تابعنا ثلاثة أفلام متواضعة وأحيانا ضعيفة كما هو حال فيلم "وجه" للمخرج التايواني تسي مينغ ليانغ وهو فيلم ممثل ثقيل لم تنفع معه مشاركة نجوم فرنسيين مثل فاني أردان وجان بيير لو وليتسيا كاستا، كما لم ينفع اختيار متحف اللوفر كموقع للتصوير، إذ بدأ الصحافيون بمغادرة قاعة العرض منذ ربع الساعة الأول أما القلة التي بقيت حتى النهاية فلم تكلف نفسها عناء التصفيق. نفس الاستقبال الفاتر كان من نصيب الفيلم الفرنسي "الفراغ فجأة" للمخرج الأرجنتيني جاسبار نوي الذي يعيش في فرنسا والذي تعرف عليه جمهور المهرجان قبل أعوام في فيلم Irréversible حيث عرض الأحداث بدءا من النهاية بشكل معكوس وصور فيه مشهد اغتصاب عنيف وصادم لامرأة من الخلف أدته مونيكا بيلوشي. ومعروف عن نوي التطويل والغرابة والاستفزاز وهو يعرض في "فراغ مفاجئ" وفي جو من الغموض الممل حكاية أخ وأخته تعاهدا على الوفاء والولاء إثر موت والديهما في حادث سير، لنتابعهما لاحقا يعيشان في طوكيو بعد أن أصبح الشقيق مدمنا للمخدرات ومتاجرا بها بينما شقيقته راقصة تعري في أحد النوادي الليلية، إلى أن يقتل الأخ خلال اقتحام لشرطة مكافحة المخدرات، لكنه يرفض الموت كي لا يخون عهده لشقيقته.

المشاهد الأولى في هذا الفيلم صورت بشكل جميل، لكن الاستغراق في عرض الفضاءات البصرية الملونة وهلوستها تحت تأثير المخدرات كان مبالغا لدرجة أننا نشاهد على امتداد خمس دقائق صورا بيضاء مشعة في الفراغ، ناهيك عن التطويل غير الموظف مما أخرج الفيلم من سيرته البصرية إلى سيرة عبثية ثقيلة. 

اما الفيلم الأسباني "اليابان" الذي صورته المخرجة ايزابيل كواكسيه فكان ضائعا في مزيج غريب بين اسبانيا واليابان وما فيها من تناقضات حياتية  وثقافية. ويبدأ الفيلم بتحلق مجموعة من رجال الأعمال اليابانيين والغربيين حول عشاء أنيق على طاولة هي عبارة عن أجساد أربع نساء أوروبيات عاريات، أحد الحاضرين ثري ياباني يكتشف أن ابنته الوحيدة أقدمت على الانتحار، فيحمل المسؤولية لصديقها الإسباني الذي يعمل تاجرا لبيع الخمر في طوكيو ويقرر استخدام قاتل مأجور للانتقام من الصديق الإسباني. هذا القاتل المأجور هو الشابة الجميلة رفو التي تبدو رقيقة وهشة ظاهريا لكنها تعيش حياة مزدوجة تجمع بين بيع السمك في السوق وبين تنفيذ عمليات قتل بين حين وآخر. لكن رفو تقع في حب الإسباني تحت أنظار مهندس صوت مهووس بضجيج المدينة ومهووس بالجميلة القاتلة. وتحاول رفو الدفاع عن حبيبها الجدي في مواجهة قاتل مأجور آخر فتحميه بجسدها الذي يتلقى الرصاص عوضا عنه.

في هذا الفيلم تصوير جميل لبعض مشاهد الجنس، لكن الايروتيكية التي يقوم عليها تخرج من السياق الدرامي للأحداث لتبدو مجرد مشاهد جنس تجارية رخيصة تؤديها امرأة جميلة وجميلة جدا هي تلك القاتلة الضحية 

موقع "إيلاف" في 24 مايو 2009

####

السعفة الذهبية في مهرجان كان جائزة يطمح اليها الجميع  

إيلاف من كان: "أ ف ب" السعفة الذهبية لمهرجان كان للسينما التي تصنع في مشغل للحُلي الراقية وستوزع الاحد، اختيرت في 1955 بدلا من "الجائزة الكبرى" التي كانت شهادة او دبلوما مزينا بعمل فني.

وتفيد الرواية ان اختيار السعفة الذهبية فرض نفسه بسبب شجر النخيل الذي يحيط بالواجهة البحرية في كان وشعار المدينة. ووضعت مصممة المجوهرات لوسيان لازون الرسم الاول لهذه السعفة.

والسعفة الذهبية بحد ذاتها لم تقدم سوى 48 مرة منذ اعتمادها للمرة الاولى مع احتساب خمس مرات منحت بالتساوي بين فيلمين. وكافأت اول سعفة ذهبية فيلم "مارتي" للمخرج الاميركي ديلبيرت مان. وكانت لجنة التحكيم يومها برئاسة مارسيل بانيول. وانشأ روبير لوفافر لو بريت المندوب العام للمهرجان بعدها جائزة كأس مهرجان كان مرادف الاسد الذهبي في مهرجان البندقية المنافس الاكبر لمهرجان كان.

لكن الكأس لم تحظ بالاجماع وتم التخلي عنها بعد مهرجان العام 1963. وعاد مجلس ادارة المهرجان الى اعتماد الدبلوم قبل ان يتخلى عنه مجددا في 1975 ليعيد الاعتبار نهائيا الى السعفة الذهبية. نادي الذي حازوا السعفة مرتين ضيق جدا ولا يضم اكثر من خمسة اعضاء هم فرانسيس فورد كوبولا (في 1979 و1974) وشوي ايمامورا (1983 و1997) وبيلي اوغست (1988 و1992) وامير كوستوريتسا (1985 و1995) والشقيقان داردين (1999 و2005).

ومنحت جائزة السعفة الذهبية مرة واحدة الى امرأة هي المخرجة النويزيلندية جاين كامبيون عن فيلم "البيانو" في 1993. وفي الذكرى الخمسين لانشاء مهرجان كان في 1977 منحت "سعفة السعف" الى انغمار برغمان وسلمت في غيابه الى ابنته ليف اولمان. وفي 1997 قامت كارولين غروسي شوفيلي رئيسة مجموعة شوبار السويسرية للمجوهرات السعفة الذهبية. وفي اطار شراكة مع المهرجان تقدم دار المجوهرات السوسرية العريقة هذه سنويا السعفة التي تبلغ كلفتها عشرين الف يورو.

والسعفة المقوسة قليلا تحمل 19 ورقة منحوتة باليد وتأخذ عند قاعدتها شكل قلب هو شعار شوبار. وعلى الدوام ثمة سعفة ذهبية ثانية غير مؤرخة في الاحتياط في حال وقوع اي حادث او منح الجائزة الى فيلمين. والجائزة مصنوعة من الذهب من عيار 24 قيراط وتوضع يدويا في قالب من الشمع ثم تثبت على قطعة بلور جندلي محفورة على شكل ماسة.

وتشدد غروسي شوفيلي على ان "الطبيعة لا تولد ابدا بلورتين مماثلتين لذا فان كل سعفة فريدة من نوعها". ومنذ العام 2000 تمنح سعفتان صغيرتان هما نسختان عن السعفة الرئيسية الى الفائزين بجائزة افضل ممثلة وممثل. وتسليم الجائزة محطة مفعمة بالعواطف دائما. وقال موريس بيالا الذي حاز الجائزة العام 1987 عن فيلم "تحت شمس الشيطان" (سو لو سوليي دو ساتان) للجمهور الذي اطلق صيحات استهجان حياله، جملته الشهيرة "اذا كنتم لا تحبونني يمكنني ان اقول لكم انني لا احبكم ايضا".

موقع "إيلاف" في 24 مايو 2009

 
 

السعفة الذهبية للفيلم النمساوي الشريط الأبيض.. وأفضل ممثلة لشارلوت غانسبور عن فيلم "ضد المسيح

قصي صالح الدرويش من كان

بشكل مفاجئ منحت جائزة السعفة الذهبية للفيلم النمساوي الشريط الأبيض للمخرج مايكل هانيكي الذي قدم فيلما جميلا  تقليديا على درجة من الغموض وصور بالأسود والأبيض وتجدر الإشارة إلى أن رئيسة لجنة التحكيم إيزابيل هوبير سبق وأن مثلت في أحد أفلامه.

أما الجائزة الكبرى للمهرجان فكانت لفيلم "نبي" للمخرج الفرنسية جاك اوديار وكان متوقعا له الفوز بجائزة هامة في المهرجان. كما  قررت لجنة التحكيم استحداث جائزة استثنائية غير معتادة باسم المهرجان منحت للمخرج الفرنسي ألان رينية وصفها المخرج بأنها جائزة غريبة. وبالنسبة للممثلين، فازت الفرنسية شارلوت غانسبور بجائزة أفضل ممثلة عن فيلم atnichrist "ضد المسيح" الذي أخرجه لارس فون تراير وآلت جائزة أفضل ممثل للنمساوي  كريستوف والتز أحد أبطال فيلم تارانتينو "أولاد حرام غير عظماء". أما جائزة الإخراج فكانت مفاجئة لأنها ذهبت إلى الفليبيني بريليانتي ماندوسا عن فيلم "كيناتاي". ونال الفيلم الصيني "ليلة ثمالة ربيعية" جائزة أفضل سيناريو حصل عليها السيناريت ماي فينغ، ونذكر بأن هذا الفيلم يعد فيلما معارضا للصين كونه يتناول موضوع العلاقات المثلية وهو فيلم تقليدي يفقتد الكثير من العناصر الفنية بسبب شروط السرية التي رافقت تصويره. أما جائزة لجنة التحكيم فوزعت بين البريطانية اندريا ارنولد عن فيلمها "حوض السمك" تقاسمتها مع المخرج الكوري الجنوبي بارك شان ووك عن فيلم "عطش هذا من دمي".

أما الكاميرا الذهبية فمنحت للمخرج الاسترالي وارويك ثورنتون عن فيلمه "شمشون ودليلة" الذي يحكي عن قصة حب كبيرة. كما منحت تحية خاصة للفيلم الإسرائيلي "عجمي"  الذي يتحدث عن علاقة بين إسرائيلي ومسلم ومسيحي والذي وصفته بعض الصحف الفرنسية بأنه فيلم فلسطيني ـ إسرائيلي.

وعلى صعيد الأفلام القصيرة حصل المخرج البرتغالي جواو سالافيزا على الجائزة عن فيلم "أرينا".

هذا وتجدر الإشارة إلى أن قسما كبيرا من النقاد أسفوا لعدم وجود أية جائزة للفيلم الفلسطيني "الزمن المتبقي" لإيليا سليمان.

موقع "إيلاف" في 24 مايو 2009

####

تحية هيث ليدجر الاخيرة للجمهور في مهرجان كان

ايلاف من كان:  

القى الممثل الاسترالي الراحل هيث ليدجر تحية اخيرة على الجمهور في مهرجان كان من خلال فيلم "ذي ايماجيناريوم اوف دكتور بارانسوس" للمخرج البريطاني تيري غيليام، الذي توفي خلال تصويره .

وغيليام (68 عاما) الذي بدا حياته الفنية في السبعينيات والثمانينيات مع افلام مونتي بايتون الكلاسيكية، معروف بعلاقاته الصعبة مع شركات الانتاج والمشاكل التي تواجهه خلال تصوير افلامه.

لكنه يقول ان وفاة هيث ليدير في منتصف فيلم "ذي ايماجيناريوم اوف دكتور بارانسوس" البالغة ميزانيته 45 مليون دولار شكلت اسوا تجربة له حتى الان.

وقال غيليام في مقابلة "احتجنا الى تشغيل الخيال لانهاء الفيلم".

واوضح ان "الفيلم يشير في النهاية الى انه فيلم هيث ليدجر واصدقاؤه لان الفيلم تغير بوفاته. لقد ارغمني على ادخال تعديلات".

وتوفي الممثل الاسترالي بطل فيلم "بروكباك ماونتن" خلال تصوير الفيلم في سن الثامنة والعشرين بعدما تناول جرعة زائدة من الادوية بشكل غير متعمد.

وقد حاز الممثل الاسترالي بعد وفاته على جائزة اوسكار لافضل ممثل في دور ثانوي عن تاديته دور الجوكر في فيلم "باتمان ذي دارك نايت" في شباط/فبراير الماضي.

وبدلا من تغيير تسلسل احداث الفيلم طلب غيليام من ثلاثة ممثلين اصدقاء لليدجر وهم جوني ديب وجود لو وكولين فاريل ان يحلوا مكان الممثل الاسترالي بعد وفاته في كانون الثاني/يناير 2008.

وبما ان قصة الفيلم تتضمن دخول الممثل ثلاث مرات الى عالم الخيال، اعاد المخرج كتابة السيناريو للسماح لديب ولو وفاريل لتقمص الممثل في عالم الخيال الذي يلجه.

لكن ماذا اختار ثلاثة ممثلين؟

يجيب المخرج "كيف يمكن لشخص واحد ان يحل مكان هيث. كان من اكثر الممثلين موهبة. وكل فرد من الممثلين واعضاء الفريق كان عازما على انهاء الفيلم".

واضاف المخرج البريطاني "سد جوني وجود وكولين الفراغ الذي خلفه هيث. وهذه بادرة محبة منهم".

واوضح "الامر كان مهما بالنسبة لي خصوصا وانه الدور الاخير" للمثل الاسترالي.

وقد غاب الممثلون الثلاثة ديب ولو فاريل عن مهرجان كان بسبب تصويرهم افلاما اخرى.

واوضح الفرنسي سامويل حديدة من شركة "متروبوليتان فيلم اكسبورت" المنتج التنفيذي للفيلم "لقد صدمنا بوفاة هيث. هيث كان ممثلا رائعا ويحظى بتقدير كبير في هوليوود".

واضاف "عندما توفي كنا قد انتهينا من تصوير كل مشاهد الفيلم في عالم الواقع في لندن. وكان يفترض بنا ان نعاود التصوير في فانكوفر في كانون الثاني/يناير وكان يبقى الجزء المتعلق بالعالم الخيالي اي نصف الفيلم".

وتابع يقول "امضى تيري شهرا كاملا مع مولف الفيلم للاطلاع على كل المشاهد التي تم تصويرها. وبما ان البطل يلج ثلاث مرات الى عالم خيالي اقترح ان يتولى ثلاثة ممثلين في كل مرة دور هيث. حصل دفع فعلي حتى نتمكن من عرض الدور الاخير لهيث ليدجر حتى ابصر الفيلم النور".

وقد استقبل النقاد بحرارة فيلم غيليام وهو قصة مفعمة بالخيال التي تحتفي بقوة الخيال المبدع في عالم بارد تسيطر عليه النزعة الاستهلاكية.

ولا يعرض هذا الفيلم في اطار المسابقة الرسمية لمهرجان كان.

موقع "إيلاف" في 24 مايو 2009

 
 

صفة "الكبير" لها أكثر من مبرر

صراع المهرجانات مشهد سنوي قد يفيد المشاهد

محمد رضا

مع انتهاء مهرجان “كان” يفتح الباب لتهوية الفترة المحدودة بينه وبين المهرجان الكبير اللاحق وهو كارلوي اري التشيكي. إنه ليس مهرجاناً كبيراً بحجم “كان” لكنه من المهرجانات الكامنة في الصف الأول بين الألف مهرجان ومهرجان الذي تتألّف منها الروزنامة السنوية. يتبعه بعد فترة زمنية قليلة، مهرجان لوكارنو في سويسرا، ومباشرة بعد ذلك تكر خرزات السبحة بلا ضابط: قبل نهاية أغسطس/ آب حتى الأسبوع ما قبل الأخير من ديسمبر/ كانون الأول كل أسبوع ينطلق مهرجان كبير في بلد ما في قارّة ما في هذا العالم. ما عليك سوى أن تختار من العشرين مهرجاناً التي تستحق الانتباه والرصد حفنة تعتقدها الأفضل، او أن تجلس في مكانك ترقب حال الدنيا من بعيد.

صفة المهرجان الكبير مختلف عليها لأنها تختلف فعلياً من مهرجان الى آخر.المهرجان قد يكون كبيراً في كل شيء كما الحال في “كان” الذي عرض عشرين فيلماً في المسابقة ونحو 140 خارجها وحشد هذه السنة أسماء “كبيرة” معتبراً نفسه “مهرجان المخرجين” والمعبّر الوحيد عن “سينما المؤلّف” بين المهرجانات الأخرى جامعاً بين المواهب الجديدة وتلك القديمة، وإلى جانب أسماء معروفة جدّاً بين هواة الفيلم وإعلاميي السينما مثل ألان رنيه وميشيل هانيك وكونتين تارانتينو، هناك مجموعة من “المواهب العظيمة التي تتبلور” حسب وصف المهرجان وفي مقدّمتهم الفلسطيني إيليا سليمان الذي قدّم في المسابقة فيلماً من إخراجه وتمثيله بعنوان “الزمن الذي يبقى”.

وقد يكون المهرجان كبير بنوعيّته، كما الحال بالنسبة لمهرجان لوكارنو المتخصص بالسينما التي يطلقها مخرجون جدد، او كبيراً بمساحته وسعة استقباله كما الحال بالنسبة لمهرجان تورنتو. او هو الكبير باستعداداته المالية الكبيرة مثل مهرجان الشرق الأوسط في أبو ظبي ومهرجان مراكش في المغرب او هو كبير بالنسبة لموقعه في المنطقة التي هو فيها كما الحال بالنسبة لمهرجان دبي.

الحاصل حالياً هو أن المهرجانات التي على نسق “كان” و”فينيسيا” و”برلين”، وهي التي عادة ما تأتي في مقدّمة ذلك الصف الأول، باتت تتنافس في ما بينها على الحشد الإعلامي والفني الذي تستطيع أن تأتي به مع ما يعنيه ذلك من ضغوط ومسؤوليات. فحيال نجاح مهرجان “كان” هذه السنة باستقبال ما اصطلح على وصفهم ب”المخرجين الكبار”، لابد أن يسعى مهرجان “فينيسيا” الذي ينعقد في الأسبوع الأخير من أغسطس/ آب ويمتد حتى نهاية الأسبوع الأول من الشهر التالي، للتفوق على منافسه الفرنسي بجلب الفريق الآخر من “المخرجين الكبار” وهو بدأ بالفعل الاستعداد مكثّفاً اتصالاته هذا الأسبوع مع كل مخرج ذا اسم كبير لم يستطع “كان” جلبه او ربما جلبه لكنه لم يختر فيلمه لسبب او لآخر. وأعلن من “فينيسيا” حاضرة المهرجان الفرنسي أنه سيحتفي بانتاجات شركة بيكسار للأنيماشن بعرض الأفلام العشرة التي حققتها حتى الآن- وجاء ذلك ردّاً على اختيار “كان” فيلم “أعلى” (عاشر إنتاجات الشركة) للعرض في الافتتاح.

وما يُقال عن “فينيسيا” يُقال عن برلين، فهو سينتظر -وموعده المقبل في الشهر الثاني من العام المقبل- أن ينجلي غبار “فينيسيا” عن الأفلام التي عُرضت فيه وتلك التي لم تُعرض ليرى إذا ما كان يستطيع أن يأخذها اليه، كما سيحاول استباق مهرجان “كان” بالحصول على الأفلام التي انتهى إنتاجها حديثاً وترى أن “كان” المقبل لا يزال على مسافة أربعة أشهر من المهرجان الألماني.

كل ذلك خلق في الماضي، ويخلق دائماً عملية رفع السقف بالنسبة لما هو مطلوب من قِبل كل من هذه المهرجانات الرئيسية في عملية تنافس وتتكرر كل سنة وينتج عنها ربح هنا وخسارة هناك لكن من دون إصابات كبيرة. عربياً، التجاذب القائم بين مهرجاني الشرق الأوسط في أبوظبي ودبي ومراكش في المغرب والقاهرة في مصر وقريباً الدوحة في قطر، يكشف عن شراسة المنافسة من ناحية والمزيد من رفع سقف هذه المنافسة الى أعلى ما هو ممكن. وهذا أمر طبيعي ويعود بالنفع على المشاهدين إذا ما استحسن استخدام هذه المنافسة لتسجيل انتصارات داخل البرامج التي يتأّلّف منها كل مهرجان وجذب أفلام وسينما تثري المشاهد وتكون لمصلحته أولا وأخيراً.

وسط هذه المعمعمة الكبيرة يبرز من بعيد مهرجانان يبدوان تجاوزا كل ما ذكر هنا من حيث أنهما لا يكترثان لهذه المواجهات بل يؤمّان الساحة في حرص على تلبية الجمهور وحده. هما تورنتو في كندا ودمشق في سوريا.

وعلى الرغم من الفارق الكبير بينهما، بالنسبة للميزانية والتنظيم والشهرة، فإن تورنتو ودمشق يحلّقان خارج الطروحات التي تقوم عليها المنافسات بين المهرجانات الأخرى والأول يحقق منذ نحو عشرين سنة نجاحاً كبيراً في كل عام عائماً على سطح المهرجانات الكبيرة حجماً والجاذبة لكل سينما طافت مهرجانات من قبل بالإضافة الى نحو 40 عرضاً عالمياً في العام. والثاني، في عامه الثالث هذه السنة كمهرجان سنوي، يعمل على الخطوات نفسها بعيداً، قدر الإمكان، عما يُصوغ الشروط الصعبة لمهرجان كبير. 

مؤامرتان ضد الفاتيكان واليمين الأمريكي

هذا الأسبوع، في العروض الجديدة لما توفّره “هوليوود” من أفلام، فيلمان يتعاملان ونظرية المؤامرة. ونظرية المؤامرة تصوّر أن هناك حبكة حاكتها أيدٍ خفية لتحقيق مآربها وتكاد تنجح في ذلك من دون الظهور علناً ومن دون أن يكون لدى كاشف هذه المؤامرة دليل مادي على الأقل في الساعة الأولى من الفيلم.الفيلمان هما “ملائكة وشياطين” لرون هوارد و”حالة اللعبة” لكَن ماكدونالد. الأول هو رديف لفيلم آخر حمل أيضاً هم الحديث عن نظرية المؤامرة هو “شيفرة دافنشي” والثاني هو فيلم جديد تماماً لا يُنتظر أن يثمر عن جزء ثان او رديف من أي نوع.

أفلام “نظرية المؤامرة” ليست جديدة بل تعود في جوهرها الى الخمسينات من القرن الماضي متحدّثة -غالباً- عن جهود مبذولة من فريق قادر على أن يمارس سلطته ونفوذه لتمرير خطّة يخرج منها أقوى مما كان عليه. الأفلام التي ترتدي هذا الموضوع دائماً تشويقية لكنها قد تكون بوليسية كما الحال في “ثلاثة أيام من الكوندور” لسيدني بولاك (1974) او خيالاً علمياً مع خيط من الرعب مثل “غزو ناهشي الجسد” لدونالد سيغال (1965) او دراما سياسية كما حال “منظر بارالاكس” لألان ج. باكولا (1974) و”المرشح المنشوري” لجون فرانكنهايمر (1962) الذي أعيد تحقيقه سنة 2004 من إخراج جوناثان كابلان. بالنسبة لفيلم “ملائكة وشياطين” فإن منواله هو تشويق قائم على نظرية أن هناك مؤامرة تقوم بها منظمة دينية سريّة تعمل كخلية داخل الفاتيكان وخطفت أربعة كارديناليين لإعدامهم بين الساعة الثامنة والساعة الحادية عشرة في يوم محدد. عالم الرموز والأيقونات الأمريكي روبرت (توم هانكس) هو، حسب الفاتيكان وحسب الفيلم، الوحيد المخوّل حل اللغز ومعرفة هوية الخاطف وبل إيقاف الجرائم المزمع ارتكابها وإن كان هذا لا يكفي لإنقاذ المدينة الصغيرة، مدينة الفاتيكان، من انفجار سيقتل معظم من فيها.

ستكشف الأحداث عن أن هذه الخطّة، وبالتالي المنظّمة السريّة، ما هي الا تدبير جهة داخلية أقرب الى المرشّح الرئيسي للباباوية من ردائه، لكنه (لأسباب تمويهية سينمائية بالطبع) لن يكشف عنه الا في الدقائق العشر الأخيرة وحالما يعتقد المشاهد أن كل شيء انتهى على خير.

بالنسبة الى “حالة اللعبة” فإن الفيلم يتصوّر توريط عضو شاب في الكونجرس الأمريكي (يؤديه بن أفلك) صديقه الصحافي (راسل كرو) في قضية جنائية تبحث عن حل. قتلت سكرتيرة عضو الكونجرس وهناك آخرون يتساقطون حولها، وهو عازم على الكشف عن القتلة والمؤامرة التي تحاك في الظلام وكذلك الصحافي الذي كاد يتعرّض بدوره الى نهاية مماثلة إذا لم ينجح في ايجاد المذنبين ويصل اليهم قبل وصولهم إليه.

هناك مفاجأة في الفيلم تكمن في أن “حاميها حراميها” والمؤامرة منفّذة حسب مصلحة شخصية وسياسية كادت أن تمر لولا نباهة ذلك الصحافي.

ما يشترك فيه الفيلمان عاملان بالغا الأهمية: الأول أنهما لا يتساويان مع أفلام “نظرية المؤامرة” التي انطلقت في سبعينات القرن الماضي، ففي أفلام من نوعية “ثلاثة أيام للكوندور” و-خصوصاً- “ووترغيت” و”منظر بارالاكس” سمح المخرج لنفسه بفسحة من التأمّل في الإيحاءات بحيث ما لا تظهره الكاميرا من أحداث (كون المؤامرة يجب أن تبقى خفية) يظهره الإيحاء وإشراك التصاميم الفنية والديكور واللقطات الطويلة والصمت الحائر في إيجاده. بذلك يبقى اللغز مشتعلاً في الخلفية بينما تمضي الأحداث مفاجئة طيلة الوقت. هذا ليس موجوداً في أي من هذين الفيلمين، فالأول مبني على كم من الحوار قاتل، والثاني متعجل في ايقاعه مضحيّاً بقيمة هذا النوع.

الثاني أن كل منهما لديه أجندة لا تخدم الحقيقة، الأول مضاد للكنيسة الكاثوليكية (كمعظم ما توفّره هوليوود البروتستانتية- اليهودية) والثاني يميني الاتجاه يوحي بأن اليمين الأمريكي هو المتآمر ليكشف عن أن اليسار هو الوحيد المذنب. 

شاشة البيت

الهدف هتلر

Man Hunt (1941) ****

فيلم “صيد رجل” للمخرج الألماني فريتز لانغ يدور حول مؤامرة لقتل هتلر تمّت مباشرة بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وقبل دخول الولايات المتحدة طرفاً فيها.

العام هو 1939 ونرى في مطلع الفيلم الممثل وولتر بيجون وهو يمشي في غابة مكتظّة تقع في منطقة بافاريا. يصل الى نقطة اختارها من قبل ويجعلها نقطة عمله. يوجه بندقية القنص التي كان يحملها على الهدف الماثل أمامه: أدولف هتلر.

فريتز لانغ نفسه كان يهودياً ألمانياً ترك بلاده مع مطلع نشوء النازية في 1934 وقرر العمل في هوليوود. في كل من ألمانيا وهوليوود حقق أعمالاً جيّدة. 

أفلام القمة

إيرادات صعبة

حط فيلم “ملائكة وشياطين” في المركز الأول هذا الأسبوع لكن بصعوبة، إذ لم يستطع أن يرفرف عالياً جدّاً مسجلاً 46 مليون دولار وهي إيرادات ضعيفة بالمقارنة مع ما كان حققه فيلم “ستار ترك” في الأسبوع الأول له الذي تجاوز فيه ال 72 مليون دولار.وفيلم “ستار ترك” حل ثانياً هذا الأسبوع حاصداً 43 مليون دولار أي بفارق لا يتجاوز ثلاثة ملايين دولار ما يدل على قوّة أداء “ستار ترك” وضعف أداء “ملائكة وشياطين”.بالنسبة لمجموع الإيرادات بين الأفلام الرائدة هذا الأسبوع لا يزال الفيلم الكرتوني “وحوش ضد المخلوقات الغريبة” يتقدّم المعروض بعدما وصلت مجمل إيراداته الى 191 مليون دولار. 

قبل العرض

الحيوانات تعلّم الحب

روزاريو دوسون وافقت على بطولة كوميديا عنوانها “حارس حديقة الحيوان” لجانب كيفن جيمس وتود غارنر. الفيلم يدور حول شاب يعمل حارساً ليلياً ومصاب بالكآبة لأنه لا يستطيع التعبير عن حبّه للمرأة التي يعرفها (دوسون). ذات يوم تكتشف حالته بعض الحيوانات فتبدأ بتوجيه النصائح إليه لينجح في مشروع حبه. 

أوراق ناقد

بساط "كان" الأحمر

م.ر

اليوم، الأحد، هو الأخير في مهرجان “كان” السينمائي الدولي الذي حشدت له إدارته بعض أشهر الأسماء حول العالم، لكن ليس بالضرورة أفضلها كما تمادى البعض بالذكر.

والملاحظات، إيجابية وسلبية، بدأت تتجمّع منذ الساعات الأولى للدورة وشملت عناوين ما زال بعضها متداولاً الى الآن مثل الأزمة العالمية وتأثيرها في صرح المهرجان الكبير. من هذه الملاحظات البداية الناجحة للمهرجان بعرض فيلم “أنيماشن”، والابتعاد الأمريكي هذه المرّة (بحجّة الأزمة- لكن هذا ليس صحيحاً)، والانقسام الكبير حيال بعض الأفلام.. الخ.

الملاحظة الأهم ربما تكمن في أن العديد من الأفلام الأوروبية والآسيوية تعرّضت الى مواضيع عنيفة على صعيدي الإساءة الى الغير جسدياً والاعتداء الجنسي، وحتى حين لا يكون الأمر اعتداء فإن العلاقات الحميمة المجسّدة في بعض أفلام المهرجان عنيفة خالية من الرومانسية والحب، عدا عن قصص الشواذ التي اقترب بعضها من مستوى “البورنو”.

مجلة “ذي هوليوود ريبورتر” كانت على حق حينما نشرت عنواناً عريضاً يطرح الموضوع ذاته يتساءل عما يحاول المبرمجون البرهنة عليه من خلال جمع هذا العدد من افلام العنف والعنوان المختار معبّر جدّاً ويقول: “البساط الأحمر المثخن بالدم”.

هذا يذكّرنا بأن الفارق بين فيلم مرهف وآخر غليظ في الواقع بضعة خطوط نحيفة. كذلك الفارق بين مهرجان “كان” ومهرجان لأفلام الرعب او، في بعض الحالات، أفلام الإثارة الجسدية هو أيضاً خيط او خيطان رفيعان.

أنا من الذين يتمنون لو أن مهرجان “كان” يصحو من رغيده ذات سنة ليكتشف أنه ما عاد قادراً على أن يفرض ذوقه على الآخرين مستبعداً أفلاماً ذات شأن لمجرّد أنها لا تتمتّع بالصفات الإنتاجية التي تمر على الشاشة كشيفرة خاصّة والتي من أهمّها أن اسم المخرج يطغى على الاشتراك وهو سببه سواء أكان فيلمه جيّداً ام لا. في حين تستبعد أفلام لا نراها ولن نعلم ما هي لكننا نعلم أن بعضها كان بالتأكيد حاملاً العناصر الفنية التي تؤهله دخول المسابقة.

الى ذلك، هناك الحاجة الماسّة لتبديد مسألة عالقة من عام الى آخر خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل، وهي متمثّلة بحقيقة أن كل ما يعرض على شاشة المهرجان وجد موزّعه غالباً قبل قبوله داخل المسابقة. والموزّع في هذه الحال فرنسي، وبالتالي فإن كل فيلم نراه على الشاشة الرئيسية مسبوق باسم شركة فرنسية، فإذا كان المهرجان للمخرجين، كما تقول إدارته ويردد البعض كالببغاء، كيف حصل أن الدمغة التسويقية موجودة وهي فرنسية بنسبة 95 في المائة؟

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com,3DUfàw

الخليج الإماراتية في 24 مايو 2009

 
 

الفلسطينية شيرين دعبس تفوز بجائزة الاتحاد الدولى للنقاد عن أول أفلامها

بقلم   سمير فريد

تم إعلان جوائز لجان تحكيم برامج «نظرة خاصة» و«أسبوع النقاد» و«نصف شهر المخرجين» أمس الأول «السبت»، وجوائز الاتحاد الدولى للصحافة السينمائية المعروفة باسم «فيبريسى» الحروف الأولى من اسمها بالفرنسية، والتى اشترك فى عضوية لجنة تحكيمها الناقد المصرى أمير العمرى، وجوائز المؤسسة الإنجيلية للسينما، ومن المفترض أنه تم إعلان جوائز المسابقة الرسمية أمس «الأحد»، وسنوالى تغطيتها فى رسالة غد «الثلاثاء».

فاز الفيلم الأمريكى «أمريكا» إخراج شيرين دعبس، بجائزة «فيبريسى» لأحسن فيلم فى برنامج النقاد وبرنامج المخرجين، وهو أول فيلم روائى طويل لمخرجته الفلسطينية، والذى فاز عن جدارة، حيث أعلن مولد مخرجة موهوبة تضيف إلى السينما الفلسطينية فى المنفى.

وكان العرض العالمى الأول للفيلم فى مهرجان «صاندانس» فى يناير، ثم عرض فى «ملتقى الشباب» فى مهرجان برلين فى فبراير، ثم فى «برنامج المخرجين» فى مهرجان كان، ويندر أن يعرض فيلم عرض فى مهرجان برلين.

وكما يعبر فيلم إيليا سليمان «الزمن الباقى» عن ثقافة الشعب الفلسطينى العربية، رغم أنه فيلم فرنسى، كذلك يعبر عنها فيلم شيرين دعبس، رغم أنه فيلم أمريكى. والاختلاف كامل بين الفيلمين من حيث الأسلوب والرؤية الفكرية.

فاز بجائزة «فيبريسى» لأحسن فيلم فى المسابقة الفيلم الألمانى «الشريط الأبيض» إخراج مايكل هانكى، وهو الفيلم الوحيد المصور بالأبيض والأسود فى المهرجان، ولأحسن فيلم فى «نظرة خاصة» الفيلم الرومانى «بوليس، صفة» إخراج كورنيليو برومبيو.

وفاز بجائزة أحسن فيلم فى «نظرة خاصة» التى تقدمها إدارة المهرجان بواسطة لجنة تحكيم خاصة الفيلم اليونانى «أسنان الكلب» إخراج يورجوس لانتيموس، وبجائزة لجنة التحكيم «بوليس، صفة»، واشترك فى جائزة خاصة الفيلم الإيرانى «لا أحد يعرف القطط الفارسية» إخراج باهمان جوبادى، والذى عرضنا له بالتفصيل فى رسالة سابقة، والفيلم الفرنسى «والد أطفالى» إخراج ميا هانسين - لوفى.

وفاز بجائزة المؤسسة الإنجيلية الفيلم البريطانى «البحث عن إريك» إخراج كين لوش، وبشهادة تقدير «الشريط الأبيض».

ثلاث جوائز للفيلم العراقى 

تنظم نقابة نقاد السينما فى فرنسا تصويتاً بين النقاد لاختيار أحسن فيلم طويل عرض فى «أسبوع النقاد». وقد فاز فى التصويت الفيلم الفرنسى «وداعاً يا جارى كوبر» إخراج ناسيم أمايوشى.

وهناك أربع لجان تمثل مؤسسات تمنح أربع جوائز لأحسن الأفلام الطويلة

وقد فاز الفيلم العراقى «الهمس مع الريح» إخراج شاهرام العيدى بثلاث من هذه الجوائز، وفاز بجائزة واحدة الفيلم البلجيكى «منطقة الضائعين» إخراج كارولين ستريوبى، وكلاهما الفيلم الروائى الطويل الأول لمخرجه. 

قصيدة من الشعر السينمائى

«الهمس مع الريح» الفيلم الوحيد الذى عرض باسم دولة عربية فى مهرجان كان ٢٠٠٩، وأول فيلم عراقى يعرض فى المهرجان طوال تاريخه. والفيلم من إنتاج وزارة الثقافة فى كردستان العراق، ولمخرج كردى من أكراد إيران، وناطق باللغة الكردية.

ومن الواضح أن عرضه باسم العراق تأكيد على أن كردستان العراق جزء من العراق، وذلك فى إطار العراق الديمقراطى متعدد الثقافات، الذى تسعى إلى إقامته كل طوائف العراق. واللغة الكردية هى لغة أكثر من أربعين مليون كردى يعيش أغلبهم فى العراق وتركيا وإيران وسوريا، والملايين منهم فى المنافى فى أوروبا وأمريكا وآسيا.

فيلم شاهرام العيدى قصيدة من الشعر السينمائى الخالص عن ساعى بريد فى السبعين من عمره، يتنقل بسيارته القديمة بين القرى الجبلية فى كردستان العراق أثناء الحرب العراقية - الإيرانية إبان حكم صدام حسين. وقد تعرض الأكراد إلى حرب إبادة جماعية فى تلك الفترة، وتكتب هذه المعلومات بإيجاز على الشاشة قبل العناوين.

وليس فى الفيلم نقطة دم واحدة، وإنما مرثية حزينة، وليس فيه تشفياً ولا انتقاماً من عهد الديكتاتور الدموى، وإنما إدانة للماضى الأسود حتى لا يتكرر مرة أخرى. إنه فيلم يعبر عن ثقافة الأكراد بالمعنى الأشمل والأعمق لكلمة ثقافة، أى المقومات الأساسية التى أهلت وتؤهل أى شعب للبقاء، وتحول دون انقراضه.

وهناك خلل فى بعض أوزان هذه القصيدة، ولكننا أمام مولد فنان سينمائى موهوب وأصيل.

المصري اليوم في 25 مايو 2009

####

اليوم.. إعلان الجوائز والمؤكد فوز فيلم فرنسى أو أوروبى بالسعفة

بقلم   سمير فريد

تعلن اليوم جوائز الدورة الـ٦٢ لمسابقتى الأفلام الطويلة والقصيرة فى مهرجان كان، وجائزة الكاميرا الذهبية لأحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول من بين ٢٦ فيلماً عرضت فى برامج المهرجان والبرنامجين الموازيين لنقابتى النقاد والمخرجين.

أمس أعلنت جوائز مسابقة أفلام الطلبة، حيث ترأس لجنة التحكيم فنان السينما البريطانى العالمى الكبير جون بورمان، واشترك فيها المخرج والناقد والباحث التونسى الكبير فريد بوجدير، وهو المحكم العربى الوحيد فى لجان تحكيم المهرجان هذا العام.

ظل مهرجان كان، طوال ما يزيد على عقدين وحتى العام الماضى، المهرجان الدولى الوحيد الذى تصدر فيه عشر نشرات يومية لأكبر صحف ومجلات السينما فى أوروبا وأمريكا إلى جانب نشرة المهرجان الرسمية، فلا تصدر فى برلين غير نشرة واحدة، وكذلك الأمر فى فينسيا، ولكن فى هذا العام بدت آثار الأزمة الاقتصادية العالمية واضحة، حيث لم تصدر نشرة المهرجان، وصدرت خمس نشرات فقط

هى: نشرة السوق ونشرات فارايتى وسكرين إنترناشيونال وهوليود ريبورتر وفيلم فرانسيه. وفى اليوم الثامن من أيام المهرجان الإثنى عشر، صدر آخر عدد من هوليوود ريبورتر، ومن نشرة السوق، وفى اليوم التاسع صدر آخر عدد من فارايتى وسكرين، وفى اليوم العاشر لم تصدر سوى فيلم فرانسيه.

وبالطبع يرتبط صدور النشرات بكمية الإعلانات عن أفلام المهرجان وأفلام السوق، وفى العام الماضى تجاوزت المبالغ التى دفعت للإعلان عن الأفلام فى مختلف الوسائل: فى النشرات والشوارع والفنادق، أكثر من ٥٠ مليون يورو،

حسب إحصاءات المهرجان الرسمية، ولم تصدر بعد إحصاءات العام الحالى، ولكن من الواضح تماماً أنها تقل بمقدار الثلث على الأقل عن العام الماضى، ومن المعروف أنه، ولأول مرة منذ عقود، لم تكن فنادق «كان» كاملة العدد أثناء المهرجان كالعادة.

مسابقة أوروبية فمن يفوز؟

لا يحتاج الأمر إلى فطنة أو خبرة لتوقع فوز فيلم فرنسى أو أوروبى بالسعفة الذهبية للأفلام الطويلة اليوم، فهناك ١٨ فيلماً من ٢٠ من أوروبا، وعشرة أفلام من ٢٠ من فرنسا، وهو أمر يحدث لأول مرة طوال ٦٢ سنة من تاريخ المهرجان العريق،

وإذا فازت السينما الفرنسية بالسعفة اليوم، وللعام الثانى على التوالى، يكون هذا الحدث الأول من نوعه أيضاً فى تاريخ أكبر مهرجانات السينما «الدولية» فى العالم، ولا شك أن هذا يؤثر على «دولية» المهرجان، رغم أن المسابقة جاءت من أقوى المسابقات منذ عشر سنوات وربما أكثر.

تنظم فيلم فرانسيه استفتاء بين ١٥ ناقداً فرنسياً، وتنظم سكرين إنترناشيونال، استفتاء بين عشرة نقاد من أمريكا و٨ دول أخرى، وحسب آخر عددين صدرا من النشرتين، يحوز الفيلم الفرنسى «رسول»، إخراج جاك أوديارد، المركز الأول فى الاستفتاءين، وتتكرر فيهما ثلاثة أفلام فى المراكز الخمسة الأولى

هى: الفيلم الإسبانى «أحضان مكسورة»، إخراج بيدرو ألمودوفار، والفيلم البريطانى «البحث عن اريك»، إخراج كين لوش، والفيلم الفرنسى «العشب البرى» إخراج آلان رينيه، بينما ينفرد استفتاء سكرين إنترناشيونال بالمركز الثانى للفيلم الفرنسى «نجمة لامعة» إخراج جين كامبيون، والخامس للفيلم الإيطالى «النصر لنا» إخراج ماركو بيلوكيو، وينفرد استفتاء فيلم فرانسيه بالمركز الخامس للفيلم الألمانى من الشريط الأبيض، إخراج مايكل هانكى، ولا يقدر النقاد الـ٢٥، ومنهم ١٦ من فرنسا، الفيلم الدانماركى «المسيخ الدجال» إخراج لارس فوب ترير، وذلك رغم أنه تحفة فنية، ولا يقارن من أى ناحية مع مرشحهم الأكبر «رسول».

وآراء النقاد بالطبع لا تتفق بالضرورة مع آراء أعضاء لجنة التحكيم، ولكن المتوقع ألا تخرج جوائز المهرجان عن الأفلام الثمانية المذكورة، بالإضافة إلى الفيلم الفرنسى «الزمن الباقى» إخراج إيليا سليمان، الذى تم عرضه بعد توقف جميع نشرات المهرجان، فلا أمل للفيلم الأمريكى الوحيد «تصوير وود ستوك» لفنان السينما التايوانى العالمى آنج لى، أو الفيلم الآسيوى الوحيد «عطش» إخراج بارك شان ووك من كوريا الجنوبية، وكلاهما لا يستحق الفوز بأى جائزة على أية حال.

جوائز مسابقة أفلام الطلبة

فى حفل رائع حضره عشرات من طلبة معاهد السينما من فرنسا ودول العالم المختلفة، وقدمه رئيس المهرجان جيل جاكوب بنفسه، أعلن جون بورمان جوائز مسابقة أفلام الطلبة هذا العام،

حيث فاز بالجائزة الأولى الفيلم التشيكى «بابا» إخراج سوزانا كير شيزوفا ـ سبيدلوفا، وبالجائزة الثانية الفيلم الصينى «وداعاً» إخراج سونج فانج، وتقاسم الجائزة الثالثة الفيلم الإسرائيلى «دبلوما» إخراج يالى كايام، والفيلم الكورى من كوريا الجنوبية «لا تخطو خارج المنزل» إخراج جو سونج ـ هى، وهو المخرج الوحيد بين الفائزين الأربعة.

وقد رحب جون بورمان بكل الفائزين وتبادل معهم الحوار عند تسلمهم الجوائز، وقال تعليقاً على فوز ثلاث طالبات من الجمهورية التشيكية والصين وإسرائيل: «يبدو أن مستقبل السينما سيكون بين أيدى النساء».

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في 24 مايو 2009

 
 

العودة إلى الأبيض والأسود

'الشريط الأبيض' ينتزع السعفة الذهبية

فيلم نمسوي بالأبيض يفوز بأكبر جوائز كان، وشيخ السينما الفرنسية يحصل على جائزة المهرجان الخاصة.

كان - منحت السعفة الذهبية للدورة الثانية والستين لمهرجان كان السينمائي الدولي الى المخرج النمسوي مايكل هانيكي عن فيلمه "الشريط الأبيض" وذلك في حفل اختتام المهرجان الاحد.

وفي "الشريط الأبيض" يقدم مايكل هانيكي فيلما رائع التصوير بالأبيض والأسود يفصل مساوئ أسلوب التربية الشديدة القمع الذي كان سائدا في بداية القرن العشرين في اوروبا.

ويسبر المخرج النمسوي في افلامه موضوع الشر والاحساس بالذنب كاشفا خفايا النفس البشرية ببرودة اعصاب الاطباء.

وقال هانيكي لدى تسلمه الجائزة "احيانا تسالني زوجتي سؤالا انثويا جدا: هل انت سعيد؟. من الصعب جدا الاجابة. لكن اليوم هذه هي اللحظة من حياتي التي استطيع فيها ان اقول انني في غاية السعادة وانت ايضا على ما اعتقد"، متوجها الى زوجته الموجودة في القاعة.

وقد سبق ان حصل هانيكي على جائزة افضل مخرج في كان العام 2005 عن فيلم "كاشيه" (مخفي) الذي حصل ايضا على سيزار افضل اخراج العام 2006 اضافة الى العديد من الجوائز الدولية الاخرى.

ومنحت جائزة افضل ممثل الى النمسوي كريستوف فالتس فيما حازت الفرنسية شارلوت غانزبور جائزة افضل ممثلة.

ويقوم النمسوي كريستوف فالتس (52 عاما) بدور ضابط نازي في فيلم "انغلوريوس باستردز" للمخرج الاميركي كوينتن تارانتينو.

وقال الممثل متوجها الى المخرج لدى تسلمه الجائزة "بشغفك وحنوك اعدت الي موهبتي"، شاكرا ايضا الممثل الاميركي براد بيت "لانك وضعتني على قدم المساواة معك".

وكريستوفر فالتس ممثل مسرحي في الاساس وغالبا ما اضطلع بادوار الشرير او الكئيب في افلام تلفزيونية قبل ان يلعب دور الضابط النازي المطارد لليهود في فيلم تارانتينو.

وحصلت الممثلة الفرنسية شارلوت غانزبور (37 عاما) على جائزة افضل ممثلة عن دورها في "انتي كريست" للمخرج الدنماركي لارس فون ترير.

وقالت الممثلة التي ختمت كلمتها باشارة الى والدها سيرج غانزبور "يشرفني ويسعدني جدا" الفوز بهذه الجائزة شاكرة الهرجان على جرأته في اختيار فيلم المخرج الدنماركي.

واضافت ان هذا الفيلم "اتاح لي المرور بالتجربة الاقوى والاكثر الما واثارة للحماسة"، مشددة على انها تحرص على "تقاسم الجائزة معه".

وتوجهت ايضا الى عائلتها، زوجها الممثل ايفان اتال واطفالها، مشددة على انهم "مصدر وحي" بالنسبة لها وايضا الى والدتها الممثلة والمغنية جاين بيركين. وختمت في اشارة الى والدها "امل ان يكون فخورا بي، فخورا ومصدوما جدا" في اشارة الى الجدل الذي هز المهرجان بسبب الفيلم القاسي جدا الذي يتضمن مشاهد بتر وتعذيب.

وفي سن السادسة والثمانين، حصل المخرج الفرنسي الان رينيه على جائزة المهرجان الخاصة على مجمل اعماله وقد وقف الحضور ولجنة التحكيم بكامل اعضائها مصفقين للمخرج الكبير.

ميدل إيست أنلاين في 24 مايو 2009

####

ينبغي الا نفكر بالفيلم بل ان نتركه يجرفنا

'انغلوريوس باستردز' يعيد كتابة التاريخ في كان

كان (فرنسا)ـ من ريبيكا فراسكيه  

كوينتن تارانتينو يصور فرقة كوماندوس اميركية يهودية تزرع الرعب في نفوس النازيين معتمداً طريقة أفلام الويسترن.

يعيد كوينتن تارانتينو من خلال فيلمه "انغلوريوس باستردز" الذي عرض الاربعاء في الدورة الثانية والستين لمهرجان كان للسينما، كتابة التاريخ من خلال فرقة كوماندوس اميركية يهودية تزرع الرعب في نفوس النازيين معتمدا طريقة سيرجيو ليوني في افلام الويسترن.

وتنافس المصورون على التقاط افضل الصور لفريق الفيلم على السجادة الحمراء قبل بدء عرض الفيلم.

وقد اعطى ثنائي هوليوود الذهبي براد بيت وانجلينا جولي التي ارتدت فستانا طويلاً من موسلين الحرير مفتوح في الظهر ويظهر اوشامها، تواقيعهما الى بعض المحظوظين ما ان ترجلا من سيارة الليموزين، ما اثار فرحة في نفوس آلاف المعجبين الذين تجمعوا في محيط قصر المهرجان.

وفي هذه الاثناء كان كوينتن تارانيتينو الذي ارتدى الاسود بالكامل يرقص مع الممثلة الفرنسية ميلاني لوران على انغام موسيقى فيلمه الشهير "بالب فيكشن" على السجادة الحمراء ايضاً.

وحول تارانتينو في انطلاقة الفيلم، الريف الفرنسي مع مزرعة نائية وحقل اخضر الى ديكور فيلم ويسترن يخال فيه المشاهد انه في فيلم "وانس ابون ايه تايم ان ذي ويست" (ذات مرة في الفار وسيت).

ويصور هذا المشهد الذي ترافقه موسيقى الفها اينيو موريكوني والمفعم بالترقب ضابطاً نازياً هو الكولونيل هانز لاندا (كريستوف فالتز) يستجوب مزارعاً يخبئ في قبو منزله عائلة يهودية.

ويعطي هذا المشهد نبرة الفيلم الذي يمتزج فيه العنف المذهل بالفكاهة والشاعرية التي تميز عالم تارانتيانيو فيما اضفت نفحة افلام "الويسترن" التي يعشقها المخرج الاميركي، انتعاشاً على فيلم الحرب هذا.

وتدور قصة الفيلم حول مجموعة من الجنود الاميركيين اليهود بقيادة الدو راين (براد بيت) تقوم بغية احباط معنويات العدو، بعمليات دامية تلجأ خلالها الى سلخ رأس النازيين الذين يقتلون على ايدي افرادها.

وهدف المجموعة المتحالفة مع عميلة سرية هي الممثلة الالمانية برديجيت فون هاميرسمارك (ديان كروغر)، القضاء على قادة الرايخ الثالث.

من جهتها تحلم شابة فرنسية (ميلاني لوران) وهي صاحبة صالة سينما بالانتقام لمقتل عائلاتها التي اعدمها الكولونيل لاندا.

وعلى مر المغامرات والتقلبات التي تعيد في الختام كتابة التاريخ، تخطط المجموعة لاعتداء ضخم سيضع حداً للحرب العالمية الثانية.

وفي وقت سابق الاربعاء شذ المخرج الان رينيه عن القاعدة ولم يصعد درجات سلم كان.

وفضل المخرج البالغ السادسة والثمانين ان يستقبل فريقه عند مدخل قصر المهرجان قبل ان يقف جمهور قاعة العرض له تصفيقاً.

وفيلم رينيه الجديد "لي زيرب فول" (الاعشاب البرية) مقتبس عن رواية "لانسيدان" (الحادث) لكريستيان غايي.

وفي الفيلم سرقت حقيبة مارغريت موير (سابين ازيما) وهي طبيبة اسنان وهاوية طيران.

وعثر جورج باليه (اندريه دوسولييه) على محفظتها وسلمها الى مركز الشرطة، ولفتت صورة للمرأة انتباهه فسعى الى الاتصال بها.

وقد تكون القصة عادية، لكنها عكس ذلك في تطورها ومعالجتها من جانب المخرج والروائي على حد سواء.

والفيلم المسلي دائماً، يفاجئ المشاهد بطرق عدة من خلال الحوارات غير المتوقعة وغرابة المواقف.

وقال رينيه "ينبغي الا نفكر بالفيلم بل ان نتركه يجرفنا. انا اجعل افلامي تنبت مثل الاعشاب البرية".

ميدل إيست أنلاين في 21 مايو 2009

 
 

ثقافة فرنسية لجوائز مهرجان كان

أمريكا فيلم فلسطيني جميل

قصي صالح الدرويش من كان

جوائز مهرجان كان هذا العام تبدو فرنسية الطابع، حيث أن المخرج ميكائيل هانيكي فرنسي الثقافة وربما عاش في فرنسا وسبق له الاستعانة بعدد من الفنانين الفرنسيين في أعماله كما هو الحال مع إيزابيل هوبير التي أدت دور البطولة في فيلمه "عازفة البيانو" ونالت عنه جائزة  أفضل ممثلة، كذلك فإن الشركات الفرنسية تساهم في إنتاج أفلامه التي عرضت جميعها في كان باستثناء فيلم واحد. "الشريط الأبيض" فيلم جميل متماسك قاس، بل صارم رغم ما فيه من غموض، لكن منحه السعفة الذهبية يبدو كبيرا خصوصا وأنه فيلم تقليدي تدور أحداثه في قرية بروتستانتية متقشفة خلال العقد الثاني من القرن العشرين وعليه فضل الاستغناء عن الألوان وتصويره بالأبيض والأسود كي يشدد على مسألة التقشف المرتبطة بالبروتستانتية، ومنذ البداية يتردد في ردهات كان أن الذائقة الفنية لرئيسة لجنة التحكيم وحماسها وانحيازها للمخرج سيكون العامل الحاسم في اختياره للسعفة الذهبية، وهذا أمر مشروع لا نقاش ولا جدل حوله.  أما منح جائزة التحكيم الكبرى للفرنسي جاك أوديار عن فيلم "نبي" فكان موضع إجماع وقد سبق لنا الحديث عن هذا الفيلم الجميل.

وشهدت دورة هذا العام استحداث جائزة استثنائية خاصة للجنة التحكيم كانت أيضا من نصيب فرنسي هو المخرج المخضرم ألان رينية، وقرار منح مثل هذه الجائزة لا يعود للجنة التحكيم، فالجوائز محددة حسب قانون المهرجان، ولهذا السبب وصف رينية جائزته بأنها غريبة، والأصح أنها جائزة تكريم استثنائية تحية لمجمل أعماله كالتي تم منحها من قبل للمخرج الإيطالي مايكل انجلو انطونيوني أو ليوسف شاهين، ومثل هذه الجائزة تتخذ بقرار من إدارة المهرجان، وليس من طرف لجنة التحكيم. 

جائزة أخرى كانت من نصيب الفرنسيين هي جائزة أفضل ممثلة نالتها شارلوت غانسبور وهي جائزة مستحقة لأدائها الرائع في الفيلم الدانماركي "ضد المسيح".

بعبارة أخرى، لم تحصل السينما الأمريكية على أي من الجوائز، باستثناء جائزة أفضل ممثل لكريستوف والتز عن دوره في فيلم تارانتينو، لكن والتز الذي استحق الجائزة بجدارة هو نمساوي الأصل ويتحدث الفرنسية. وقد أدى في الفيلم دور ضابط استخبارات نازي شرير إلى جانب مجموعة من الممثلين الأمريكيين يتقدمهم براد بيت. وتجدر الإشارة إلى أن والتز ممثل مسرحي وتلفزيوني، ولم يسبق له أن شارك في عمل سينمائي. 

أما جائزتا أفضل سيناريو للفيلم الصيني "ليلة ثمالة ربيعية" وأفضل إخراج للفيليبني بريللانتي مندوسا عن فيلم "كيناتاي" فتبدوان أقرب إلى جوائز الترضية التي لا تعطى عن استحقاق.

الزمن المتبقي

بالطبع أعرب عدد مهم من النقاد عن أسفهم لتجاهل الفيلم الفلسطيني "الزمن المتبقي"  لكن الجوائز تعكس بشكل عام أهواء أعضاء لجنة التحكيم وأذواقهم  الشخصية ومدى التوافق على هذه الجوائز بما يعنيه ذلك من معادلات قوة بين أعضائها. ورغم إعجابنا بفيلم إيليا سليمان وموهبته وذكائه لا بد من الاعتراف بوجود نوع في التكرار في مواقع من الفيلم، وعليه سوف ننتظر  فيلمه المقبل على أمل أن يخرج من دوامة التكرار.

أيا كان الأمر، شهد المهرجان هذه السنة عرض أربعة أفلام تخص الشأن الفلسطيني، فإلى جانب "الزمن المتبقي" كان هناك فيلم "عجمي" الإسرائيلي الذي حظي بتنويه خاص من قبل لجنة تحكيم جائزة الكاميرا الذهبية والتي حصل عليها الفيلم الاسترالي "شمشون ودليلة". وفيلم عجمي من إخراج فلسطيني من عرب إسرائيل اسمه اسكندر قبطي وإسرائيلي اسمه يارون شاني، ومن هنا وصف بعض الصحف بأنه فيلم فلسطيني إسرائيلي، ويتناول الفيلم مسألة العلاقات بين مختلف الطوائف المسلمة والمسيحية واليهودية في مدينة يافا التي يجتمع فيها هذا الخليط وقد عرض الفيلم في إطار تظاهرة نصف شهر المخرجين. يافا أيضا كانت مسرح الأحداث في فيلم تم اختياره ضمن العروض الخاصة وحمل اسم المدينة "يافا" ويحكي أيضا عن قصة حب بين فلسطيني ويهودية.

أمريكا

لكن الفيلم الفلسطيني الجميل جدا الذي عُرض في تظاهرة نصف شهر المخرجين ومنحته جمعية نقاد السينمائيين الدوليين جائزة أفضل فيلم في هذه التظاهرة  فهو فيلم "أمريكا" للمخرجة شيرين دبس التي تعيش في الولايات المتحدة. وفي فيلمها الروائي الأول تأخذنا المخرجة إلى عوالم منى المرأة الفلسطينية التي تعيش وحيدة مع ابنها فادى بعد أن تخلى زوجها عنها ليعيش مع صبية أصغر سنا. منى متعلمة وتعمل في أحد المصارف أما فادي فيحلم بأن يعيش ويتعلم بعيدا عن حياة الإرهاب والمضايقات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، وربما بسبب ضيق الحياة أو خوفا على فادي، تقرر منى السفر إلى الولايات المتحدة حيث تقيم شقيقتها التي غادرت البلاد ولم تعد منذ 15 عاما. وتنفذ منى قرارها رغم إحساسها بالذنب تجاه أمها الوحيدة التي لم يبق لها سوى شقيق منى الذي قد لا يتمكن من زيارتها بوتيرة تكسر وحدتها. 

انطلاقا من مغامرة غير محسوبة النتائج تصل منى وابنها إلى أمريكا بعد سفر طويل وجلسة تحقيق متعبة في المطار، وفي أثناء التفتيش يضطر فادي للتخلي عن علبة الحلويات التي صنعتها جدته لأن إدخال المواد الغذائية ممنوع من دون أن يعرف بأن أمه خبأت داخل العلبة ثروتها الصغيرة البالغة 2500 دولار. وفي أمريكا تنزل في ضيافة أختها وزوجها الطبيب وأولادها من دون أن تسمح لها كرامتها بإخبارهم عن خسارة النقود التي حملتها، لذلك تسعى فورا إلى البحث عن عمل في المصارف وعندما تجد الأبواب مغلقة تعمل من دون علم أسرتها في مطعم وجبات سريعة بما يتيح لها تأمين مدرسة ابنها. لكن الأمور تتجه نحو الأسوأ بسبب السياسة المعادية للإرهاب وما ينجم عنها من عداء للعرب والمسلمين وينعكس هذا الأمر على الصهر الطبيب الذي يخسر نسبة من زبائنه ويتدهور وضعه على المستوى الحياتي، في نفس الوقت الذي يتعرف فادي من خلال ابنة خالته وصديقها على المخدرات كما يصطدم في المدرسة بتلاميذ عنصريين يتهمونه وأمه بأنهم من أنصار أسامة بن لادن. وتواجه منى نفس العنصرية من نفس التلاميذ حيث تعمل فتحاول طردهم، لكنها تقع أرضا وتكسر ساقها. وعندما يحاول فادي الانتقام لها يجد نفسه في السجن، لكن أمه تنجح في إطلاق سراحه بمساعدة أستاذ يهودي أصبح صديقاً لها ولأسرتها. ضمن هذه الظروف المضطربة تتطور حياة الأسرة ليدرك فادي أن حياته تغيرت وأصبح يتذوق متعتها.

الفيلم بسيط وحرفي، لا أخطاء فيه ولا ملل ولا ادعاءات غير ادعاء الواقع وكل ما فيه من مشاكل ومن متعة. بموهبة أكيدة نجحت المخرجة في ضبط إيقاع فيلمها وتصويره وفي إدارة ممثليه وخصوصا منى المرأة الجميلة المليئة القوام والمتألقة التي لم نعتدها في السينما العربية من قبل. إن هذا الفيلم يستحق التصفيق فيما تؤكد مخرجته قدرة على الحرفية والتطور في السينما الأمريكية أو العربية، إذ نجحت وفي قالب بسيط حرفي بتحميل الفيلم ودون خطابية هموم الإنسان الفلسطيني سواء داخل فلسطين أو بعيدا عن أرضها.

كوكو شانيل

نشير أخيرا إلى فيلم ختام المهرجان الذي كان كالعادة خارج المنافسة والذي حمل عنوان "كوكو شانيل وايغور سترافينسكي" للمخرج جان كونين والذي  يعود إلى علاقة الحب الكبيرة التي جمعت بين مصممة الأزياء الفرنسية كوكو شانيل وبين الموسيقي الروسي ايغور سترافينسكي. تبدأ الأحداث عام 1913 عندما يقدم سترافينسكي أحد أعماله في مسرح الشانزيليزه الباريسي، عمل استهجنه الجمهور لأنه خرج عن القالب المعتاد لكنه أعجب كثيرا كوكو شانيل التي كانت بين الحضور. سبع أعوام مرت قبل أن يلتجئ الموسيقي إلى فرنسا هربا من الثورة الشيوعية في بلده حيث يلتقي بشانيل التي أصبحت مشهورة والتي مات حبيبها السابق، فتعجب به وبفنه وتدعوه إلى الإقامة مع زوجته وأولاد في منزلها الفاخر قرب باريس حيث تبدأ بينهما قصة حب صاعقة تنعكس سلبا على مؤلفاته الموسيقية كما على حياته الزوجية، وتتطور الأحداث بما يجرح كرامة شانيل ومشاعرها فترفض أن تصبح مجرد معشوقة وتبتعد عنه رغم حبها له ورغم سفر زوجته مع أولادها بعيدا كي تفسح له المجال ليعيش حريته. بين الشوق والحب والحنين والتعب يبدع سترافينسكي في موسيقاه ويحقق النجاح الذي ألهمته إياه كوكو بجمالها وذكائها. الفيلم أنيق، لكنه لا يخلو من الافتعال أحيانا، فالتصوير مركب والإخراج غير موفق دائما كما أن أداء الممثلين جاء متوسطا. صحيح أن آنا موجلاليس التي أدت دور كوكو شانيل جميلة، لكن نبرة صوتها منفرة وخشنة، أما مادس ميكليسن فكان باردأ في أداء شخصية سترافينسكي. 

لعل الفيلم ممتع من حيث الفرجة وسرد حكاية حميمة جمعت بين نجمة في عالم الأزياء والعطور ونجم في عالم الموسيقى، لكن هذه الفرجة تظل مجتزأة الحيوية وبالتالي مجتزأة النجاح. 

موقع "إيلاف" في 25 مايو 2009

 
 

مايكل هانيكي... مفكّكاً آليات النازيّة

تحيّة استثنائيّة لآلان رينيه والجائزة الكبرى لجاك أوديار

كان ــ عثمان تزغارت

أُسدلت الستارة أمس على الدورة 62 من «مهرجان كان»، بعد فوز «الشريطة البيضاء» بالسعفة الذهبيّة. المخرج النمساوي يقدّم من خلال هذا العمل الأكثر اكتمالاً في مسيرته، تشريحاً صارماً بالأبيض والأسود لمجتمع ما يزال يرزح تحت وطأة الماضي الفظيع

بعدما نال الجائزة الكبرى عام 2001 عن شريطه «معلّمة البيانو»، ها هو النمساوي مايكل هانيكي ينتزع السعفة الذهبيّة في الدورة 62 من «مهرجان كان» الذي اختُتم أمس. «الشريطة البيضاء» يعود إلى نشأة النازيّة، وإلى تأثيرها في النفوس والذهنيات، من خلال تصوير وقائع الحياة في قرية صغيرة في الريف النمساوي خلال الثلاثينيات. وكالعادة في أفلامه، يبدع صاحب «اختفاء» في حفر الأخاديد النفسية لشخصيات رمادية ومعذبة تدور في فلك ملتبس يتداخل فيه الخير والشر، والبطولة بالجبن. وقد استقبل خيار لجنة التحكيم بالترحيب، ذلك أنّ هانيكي قدّم في هذا الفيلم المصوّر بالأبيض والأسود، عمله الأكثر اكتمالاً على صعيد الرؤية الإخراجية، معيداً إلى الأذهان فيلماً ألمانياً من كلاسيكيات السينما التي تناولت الموضوع ذاته، هو «الأقزام أيضاً بدأوا صغاراً» لفيرنر هيرتزوغ (1972).

ورغم غنى التجارب التي دخلت المسابقة الرسمية هذه السنة، إلا أنّ توجّهين أساسيّين غلبا عليها. تمثّل الأول في موجة الأفلام ذات الطابع السياسي الذي تنوعت بين مساءلة التاريخ ورصد انشغالات الراهن. بينما اتسم الثاني بأفلام حميمية ذات منحى نفسي.

الأفلام ذات النبرة السياسية، انصبّ بعضها في رصد جوانب من تاريخ الحرب العالمية، من منظور مقاربات مختلفة جذرية. وهي: «سفلة سيّئو الصيت» لكوينتن تارانتينو (جائزة أفضل ممثّل لكريستوف وولتز)، و«الشريط الأبيض» لهانيكي، و«نصر» لماركو بيلّوكيو. بينما اتسمت أفلام أخرى بنبرة يسارية تناولت تيمات اجتماعية متقاربة، عن شخصيات مسحوقة تناضل لتحقيق ذاتها في محيط بالغ العنف: مثل شريط «نبي» للفرنسي جاك أوديار (الجائزة الكبرى)، و«حوض الأسماك» للبريطانيّة أندريا أرنولد (جائزة لجنة التحكيم مناصفةً مع فيلم «عطش» للكوري الجنوبي بارك شان ووك). بينما احتلّ فيلم سياسي آخر مكانةً على حدة هو «الزمن الباقي» لإيليا سليمان الذي استعاد وقائع 60 سنة من حياة الشعب الفلسطيني منذ النكبة، عبر بورتريه عائلي مستوحى من السيرة الأوتوبيوغرافية لثلاثة أجيال من آل سليمان (جدته ووالده وهو). واللافت أن السينمائي الفلسطيني أقصي تماماً من قائمة الجوائز، أسوة بسينمائيين كبار مثل الإسباني بيدرو ألمودوفار والنيوزيلانديّة جين كامبيون.

أمّا في «سفلة سيئو الصيت»، فاختار تارانتينو الأسلوب الملحمي لتقديم بورتريه جماعي عن حفنة مجرمين تحوّلوا إلى شخصيات بطولية بعدما زُجّ بهم في أتون الحرب العالمية لمقاومة النازية. من جهته، سلك مايكل هانيكي لمقاربة الموضوع ذاته منحى نفسيّاً في «الشريطة البيضاء». والمنحى النفسي ذاته سلكه الإيطالي ماركو بيلّوكيو، حيث واصل في «نصر» مساءلة التاريخ الإيطالي المعاصر من خلال بورتريه نفسي لموسوليني. لكنّ العمل الذي أعاد بيلّوكيو إلى «كان» بعد غياب ثلث قرن، لم يكن في مستوى التوقعات.

من جهتها، قدّمت أندريا أرنولد في «حوض الأسماك» عملاً آسراً اتّسم برؤية إخراجية محبكة وسلّط الضوء على أزمة الهوية التي تعصف بوجدان مراهقة تحاول الانعتاق من ضغوط الوسط العائلي والاجتماعي المحيط بها. الفيلم اكتسب تميزه من لغته البصرية المختزلة ورؤيته الإخراجية المينيمالية.

وضمن الأفلام الحميمية، نجد أعمالاً بارزة، كانت لها حصة الأسد من حيث الحفاوة النقدية، وهي «نبي» لجاك أوديار (راجع بروفايل الممثل طاهر رحيم في الصفحة المقابلة)، و«العناقات المحطّمة» لبيدرو ألمودوفار، و«النجمة الساطعة» لجين كامبيون و«الأعشاب البريّة» لآلان رينيه (نال جائزة «كان» الاستثنائية التي استُحدثت خصيصاً هذا العام)، و«المسيح الدجّال» للارس فون تراير الذي صدم كثيرين بعنفه (جائزة أفضل ممثلة لشارلوت غينسبور).

وعلى رغم أنّ بيدرو ألمودوفار خرج من المهرجان بخفّي حنين، إلا أنّه أبهر الجميع في «العناقات المحطّمة» بحبكته الأسلوبية المتقنة التي حققت نوعاً من التناص، غير مسبوق في السينما، مع بعض أفلامه السابقة. وكان لافتاً أن الفيلم يستعيد في قالب تراجيدي تيمة تناولها وودي ألن في «نهاية هوليودية»: القلق الوجودي الذي يسكن كل مبدع.

«كيناتاي» للفيليبيني بريانتي مندوزا (جائزة أفضل إخراج)، اتّسم بنبرة سوداويّة في تناوله العنف والفساد في صفوف الشرطة الفيليبينية. أمّا الصيني لو ـــــ يي الذي أطلقه المهرجان عبر «الفراشة الأرجوانية» (2003) ثم «شباب صيني»، فنال شريطه «حمى الربيع» جائزة السيناريو. يتناول الشريط قصّة حبّ مثلية، في سابقة هي الأولى على الشاشة في الصين. اللغة البصرية المتقنة التي اتسم بها وموضوعه الحساس، والروح المتمردة التي اشتهر بها مخرجه، دفعت النقاد منذ الأيام الأولى للمهرجان لترجيح حصوله على إحدى الجوائز. وأخيراً، كان نصيب جائزة «الكاميرا الذهبيّة» (تُمنح عن أوّل عمل روائي طويل) من نصيب الأوسترالي وورفيك ثورنتون الذي يعيد الاعتبار في «شمشون ودليلة» إلى سكّان بلاده الأصليّين... أي «الأبورجيان».

الأخبار اللبنانية في 25 مايو 2009

####

إيزابيل هوبير... توّجت مخرجها المفضّل

منذ أن أُعلن، مطلع السنة الحالية، قبول إيزابيل هوبير تولّي رئاسة لجنة التحكيم الدوليّة للدورة الـ62 من «مهرجان كان»، كان واضحاً أنّ النجمة الفرنسيّة التي خرجت من معطف «الموجة الجديدة» الفرنسية لن تمرّ على الكروازيت مرور الكرام، بل إنّها ستترك بصمة خاصة تماثل تلك التي خلّفها رئيس لجنة تحكيم العام الماضي، النجم الأميركي المشاكس شون بن. وقد كان اختيار إيزابيل هوبير لرئاسة لجنة التحكيم، في هذه الدورة بالذات، متجانساً مع برنامج بدا حافلاً بتجارب بين الأكثر تميّزاً وتجديداً. وقد ظهرت بصماتها جليّة على نتائج «كان»: جائزة خاصة استثنائيّة للمعلّم الفرنسي ألان رينيه... والسعفة الذهبيّة لمخرجها المفضّل النمساوي مايكل هانيكي الذي أعطاها أحد أجمل أدوارها في «معلّمة البيانو» (2001) المقتبس عن صاحبة نوبل يلفريد يلينيك.

اقترن اسم هوبير، منذ بداياتها، بـ«سينما المؤلف»، سواء في بلدها فرنسا ـــــ حيث ارتبطت باكراً بأبرز أقطاب «الموجة الجديدة» ـــــ أو في الخارج. هكذا مثّلت تحت إدارة بيرتران تافيرنييه، وجان لوك غودار، وبونوا جاكو، وكلود شابرول... ونالت جائزة أفضل ممثّلة في «كان» عن دورها في فيلم شابرول Violette Nozière (1978)، قبل أن تنال الجائزة ذاتها مرة ثانية، في عام 2001، عن أدائها المبهر في «معلّمة البيانو» للسينمائي النمساوي الكبير مايكل هانيكي.

وعلى رغم نجوميتها وشعبيتها، ظلت إيزابيل هوبير متشددة في خياراتها الفنية، فابتعدت عن السينما التجارية، وارتبط اسمها دوماً بأبرز رموز «سينما المؤلّف»، من موريس بيالا وأندريه تيشيني إلى أوليفيه أساياس وفرنسوا أوزون بالنسبة إلى فرنسا. ومن مايكل تشيمينو وماركو فيريري إلى مايكل هانيكي والأخوين تافياني، على الصعيد العالمي.

ومع أنّها تشتهر بوفائها لعدد من السينمائيين الكبار أمثال النمساوي مايكل هانيكي والفرنسي كلود شابرول اللذين تمثّل في أغلب أفلامهم، إلا أنّها تحرص دوماً على المشاركة في أعمال سينمائيين جدد. هكذا، أدت في السنوات الأخيرة بطولة العديد من الأفلام الأولى للجيل الناشئ من السينمائيين الأوروبيين الذين قفزوا إلى الواجهة في مطلع العشرية الحالية، أمثال كريستيان فانسان ولورانس فيريرا بربوزا وجواكيم لافوس. وفعلاً، جاءت نتائج «كان» لتؤكد شخصيّة هذه الفنانة «الطليعيّة» ورهاناتها الجريئة.

في عام 2005، أقيم معرض فوتوغرافي في نيويورك (ثم في باريس)، ضمّ أعمالاً لـ25 من أشهر مصوّري العصر، بينهم هيلموت نيوتن وهنري كارتييه ـــــ بروسون. المعرض الذي لقي رواجاً واسعاً، كان بعنوان «بورتريهات امرأة»، وقد تمحور حول التجربة السينمائية لإيزابيل هوبير.

الأخبار اللبنانية في 25 مايو 2009

 
 

سينما الهجرة طرحت القضايا الأساسيّة حضور عربي لافت والصّدارة لفلسطين

عثمان تزغارت

من إيليا سليمان إلى شيرين دعيبس، مروراً بنسيم عماوش وشهرام العيدي وديما حمدان... سجّل العرب حضوراً لافتاً في «كان»، من خلال أفلام ذات إنتاج أجنبي غالباً

خلافاً للمظاهر، لم يقتصر الحضور العربي في «كان 2009» على حضور إيليا سليمان في المسابقة الرسمية بفيلمه الأوتوبيوغرافي «الزمن الباقي» الذي لم يجد له موطئ قدم ولو صغيراً في قائمة الجوائز! فقد شهدت الكروازيت مفاجآت عربية عدّة، من أنواع مختلفة. وكان لافتاً أنّ هذا الحضور جاء من خلال مخرجين شباب يقدّمون غالباً أعمالهم الروائية الأولى، وكلّهم تكوّنوا في المهاجر الغربيّة.

في «أسبوع النقاد»، أحرز الجزائري نسيم عماوش «الجائزة الكبرى» بباكورته «وداعاً غاري». ويصوّر الفيلم وقائع الحياة في حي عمّالي هجره أغلب سكانه، بعد إغلاق المصنع الذي كانوا يعملون فيه. ولم يبق في الحي المهجور سوى حفنة سكّان، في مقدمّهم فرانسيس العامل الستيني الذي يصرّ، رغم إغلاق المصنع، على الاستمرار في الاعتناء يومياً بالآلة التي عمل عليها طوال حياته... وماريا التي تربّي ابنها جوزي، وهو يتوهم بأنّ والده المجهول ليس سوى بطل أفلام الويسترن غاري كوبر، فيقضي وقته في البحث عنه بين أزقة الحي. في «أسبوع النقاد» أيضاً، حصد الفيلم العراقي «همس مع الريح» لشهرام العيدي ثلاث جوائز، بينها جائزة «النظرة الشبابية». وهو فيلم يعبق رقّةً وشاعرية، يروي قصة ساعي بريد في كردستان العراق، يقوم بتسجيلات صوتية من شتى الأنواع يتبادلها سكان القرى والأرياف الكردية، ما يجعل منه حافظ أسرار المنطقة وذاكرتها.

في تظاهرة «أسبوعي المخرجين»، احتلّت القضية الفلسطينية مكانةً مركزية عبر فيلمين. الأول هو «أمريكا» (بطولة هيام عباس ونسرين فاعور)، باكورة المخرجة الأميركية الفلسطينية شيرين دعيبس التي صوّرت بأسلوب تراجيكوميدي مغامرات أمّ فلسطينية وابنها يحصلان على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. وبعد أن يعتقدا بأنّ الحلم الأميركي سينسيهما جحيم الاحتلال في بيت لحم، يتزامن وصولهما إلى هناك مع احتلال العراق، فيجدان نفسهما وجهاً لوجه مع العنصرية الأميركية بمختلف أشكالها. أمّا الفيلم الثاني فهو فلسطيني من داخل الخط الأخضر، وعنوانه «عجمي» لإسكندر قبطي ويارون شاني. ويروي المصائر المتشابكة لمجموعة شباب عرب وإسرائيليين في يافا، بدءاً بعمر الذي يعيش متخفّياً مع عائلته لأنّ أحد أعمامه جرح أحد أعيان المدينة، ومالك اللاجئ الفلسطيني الذي يتسلّل إلى إسرائيل للعمل من دون ترخيص، وناجي المراهق الفلسطيني الذي يحلم بحياة أخرى مع حبيبته الإسرائيلية. ورغم حب الحياة الذي تتسم به هذه الشخصيات، إلا أنّ العنف والحقد سرعان ما يخيّمان على كلّ أحلامها. وتجسّدَ ذلك عبر شخصية شرطي إسرائيلي عنصري يستبد به الحقد، فينتقم من كل ما يرمز إلى التعايس.

يافا أيضاً هي مسرح أحداث «يافا» لكارين ييدايا الذي عُرض في تظاهرة «نظرة ما»، ويروي قصة حب بين فلسطيني وإسرائيلية. تدور أحداث الفيلم في ورشة تصليح سيارات تشرف عليها امرأة إسرائيلية مع ابنها وابنتها، ويشتغل فيها عاملان فلسطينيان، هما: حسن وابنه توفيق اللذان يُعامَلان من صاحبة الورشة كأنهما من العائلة. لكن القناع سرعان ما يسقط، حين تنشأ علاقة حب بين توفيق وابنة صاحبة الورشة، لتطفو إلى السطح الذهنية العنصرية التي تتحكم بقطاعات واسعة من الإسرائيليين ذوي الأفكار اليسارية ممن يزعمون أنهم يؤيدون السلام، لكنهم في أعماقهم يتماهون مع أسطورة «النقاء العرقي» الصهيونية...

وأخيراً كانت فلسطين حاضرة أيضاً في تظاهرة Short Film Corner عبر شريط الأردنية ديما حمدان «غزة ـــــ لندن»، عن قصة شاب فلسطيني مقيم في لندن يحاول التواصل مع أهله في غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. وضمن «أسبوعي المخرجين»، قدّم السوري رياض سطّوف شريطه الأول «القبلة الفرنسية» الذي صوّر فيه قصة حب إشكالية بين مراهقين فرنسيين من أصول ثقافية مختلفة. ولم يكتمل الحضور العربي من دون مشاركة مجموعة أفلام في «السوق الدولية للفيلم»، أبرزها شريطان مصريان، هما «دكان شحاتة» لخالد يوسف و«إبراهيم الأبيض» لمروان حامد. 

طاهر رحيم مفاجأة المهرجان

حين يُحكم بالسجن لمدّة ستّة أشهر على مالك الجبانة، بطل فيلم «نبي» لجاك أوديار، يعتقد الجميع بأنّ هذا الفتى الذي لم يبلغ بعد التاسعة عشرة من العمر، سيكون فريسة سهلة للمافيات التي تتقاسم النفوذ داخل جدران السجن. مالك المتحدر من عائلة مهاجرين عرب، شاب خجول لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وليس لديه أي سند بين المساجين. لكن غريزة البقاء سرعان ما تولّد لديه عبقرية من نوع خاص، تجعله يسحب البساط من تحت أقدام المافيا الكورسيكية، والجماعات الأصولية الإسلامية، ليبسط نفوذه على المساجين بلا منازع. وإذا بالفتى الخجول يتحول إلى وحش كاسر، كاشفاً عن «كاريزما» لم يكن يتصورها أحد.

لتصوير هذا التحول الذي يحدث في أعماق شخص مسحوق يتحول إلى بطل من نوع خاص، بدافع واحد لا غير هو غريزة البقاء، اختار جاك أوديار ممثلاً مغموراً يؤدي هنا أول دور مركزي على الشاشة. إنّه طاهر رحيم. على غرار الشخصية التي تقمّصها على الشاشة، لم يكن أحد يراهن في بداية هذه الدورة من «مهرجان كان السينمائي» بأنّ رحيم سيستقطب الأضواء. لكنّ أداءه المبهر في هذا الفيلم، جعل منه أكبر اكتشافات المهرجان هذه السنة، وأحد المرشحين الأساسيين لجائزة أفضل ممثّل التي سرقها منه بطل تارتنتينو، كريستوف وولتز. قبل أن يتقمص دور مالك الجبانة، كان قد تعرّف إلى كاتب سيناريو «نبي» عبد الرؤوف ظافري، من خلال مشاركته تحت إدارته كمخرج في دور صغير ضمن مسلسل تلفزيوني عن «كومونة باريس» قُدّم العام الماضي على شاشة Canal Plus الفرنسية.

إلى جانب ذلك الدور التلفزيوني الصغير، ظهر طاهر رحيم أيضاً في دور ثانوي في فيلم الرعب الفرنسي «في الداخل» (إخراج ألكسندر بوستيلو وجوليان موري ـــــ 2007). وقد قدّم تحت إدارة المخرج سيريل مينيغن، في عام 2005، فيلماً بيوغرافياً زاوج بين التوثيق والتخييل، تحت عنوان «طالب اسمه طاهر». في هذا الشريط، عبّر طاهر رحيم ـــــ كان آنذاك طالباً في معهد السينما في مونبولييه ـــــ عن أحلامه بأن يصبح ممثلاً سينمائياً كبيراً. وها هي أحلام الممثّل الشاب، المولود عام 1981 في مدينة بلفور، شمال فرنسا، من أبوين مغربيّين، تتحقق بعد أقل من سنتين، بفضل الفرصة التي منحه إياها جاك أوديار في فيلم «نبي» حدث الدورة الحالية من مهرجان «كان».

الأخبار اللبنانية في 25 مايو 2009

####

السوق الدولية للفيلم: 1400 عقد و36 مليار دولار!

عثمان تزغارت

«كان» ليس أشهر المهرجانات السينمائية العالمية فحسب، بل هو أيضاً أضخم فعالية اقتصادية تُعنى بصناعة الفنّ السابع وتمويله. أبرز أفلام السينما العالمية لا تُعرض في «كان» فحسب، بل إنّ كلّ مراحل تصوّرها وإنتاجها تجري هنا في «السوق العالمية للفيلم» التي تقام على هامش المهرجان. رغم تأثيرات الأزمة المالية العالمية، سجّلت دورة هذا العام مشاركة 1018 مُخرجاً و4264 موزّعاً و4943 منتجاً، إضافة إلى 3964 ناقداً وصحافياً، من 120 دولة. فيما شهد المهرجان عرض أكثر من ألف فيلم روائي طويل، منها 20 في المسابقة الرسمية، و64 في التظاهرات الموازية. أما الباقي، أي حوالى 920 فيلماً، فعرضت في «السوق العالمية للفيلم» التي تعدّ أكبر تجمّع لمنتجي وموزّعي الأفلام في العالم. وقد جرى في إطارها توقيع ما لا يقل عن 1400 اتفاقية في صيغة عقود إنتاج أو توزيع سينمائي. وقد بلغت قيمتها الإجمالية 36 مليار دولار!

لضبط ذلك، يستند «كان» إلى جهاز تنظيمي وفريق عمل ضخم يضمّ 850 موظفاً من مختلف الاختصاصات، يشرف عليهم مجلس إدارة يضم 30 شخصاً. فضلاً عن هذا الفريق، نسج المهرجان شبكة عنكبوتية عالمية تضم المئات من «الأعين» و«الجواسيس» المكلفين برصد كل جديد من التجارب السينمائية في مختلف الدول.

وبذلك، أصبح الجهاز الإداري للمهرجان أشبه بشركة ضخمة متعددة الجنسيات، تتوزع فروعها عبر القارات الخمس، وتصل ميزانيتها السنوية إلى 25 مليون دولار. ورغم أنّها لا تدرّ أرباحاً بالمعنى التجاري، إلا أنّ مدينة كان التي تعدّ المموّل الرئيس للمهرجان، إلى جانب وزارة الثقافة الفرنسية، تجني خلال فترة انعقاده ـــــ أي خلال أسبوعين فقط ـــــ عائدات سياحية ضخمة تقدّر بـ400 مليون دولار!

أدرك المهرجان باكراً أن البقاء في المصاف الأول أبرز تظاهرة سينمائية عالمية لا يتأتى فقط عبر استقطاب أشهر رموز السينما المكرّسة، بل يحتاج أيضاً إلى مواكبة التجارب الناشئة في العالم، لأنها تضخّ في المهرجان دماءً جديدة، وتعطيه فرادة تقديم أكثر التجارب تجديداً ومغايرةً. وهو الأمر الذي يفسر تحوّل «كان» تدريجاً من قلعة ضيّقة لـ«سينما المؤلف»، ليصبح اليوم محجّاً سينمائياً شاملاً، لا يستقطب فقط المخرجين والنجوم، بل يجتذب أيضاً آلاف المنتجين القادمين لعقد صفقات وعقود الإنتاج المشترك، والمؤلفين الذين يبحثون عن مموّلين، والموزعين الذين يفتشون عن أعمال جديدة تتوافر فيها مواصفات الجودة. كل واحد من هؤلاء يجد ضالته في «كان»، حيث يمكن لمن يريد، خلال أسبوعين فقط، أن يشاهد من العروض ويعقد من اللقاءات والاتفاقات ما لا يستطيع تحقيقه على مدار الموسم السينمائي بأكمله! وهنا تكمن فرادة المهرجان.

الأخبار اللبنانية في 25 مايو 2009

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)