كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان مراكش السينمائي في دورته الثامنة

سيغورني ويفر تطلّ على ثلاثين ألفاً في القلب النابض للمدينة القرميدية.... المغرب بلد يبحث عن صالات في خمسينية سينماه التي تنظر الى بعيدٍ آتٍ

مراكش ـــ من هوفيك حبشيان

المهرجان الدولي للفيلم بمراكش

الدورة الثامنة

   
 
 
 
 

مهرجان مراكش السينمائي في دورته الثامنة

سيغورني ويفر تطلّ على ثلاثين ألفاً في القلب النابض للمدينة القرميدية.... المغرب بلد يبحث عن صالات في خمسينية سينماه التي تنظر الى بعيدٍ آتٍ

مراكش ـــ من هوفيك حبشيان

كانوا نحواً من ثلاثين ألفاً مساء الأحد الفائت لاستقبال سيغورني ويفر في ساحة جامع الفنا المراكشية. كباراً وصغاراً، أطفالاً ونساء، تابعوا تحت ضوء القمر، الأجزاء الثلاثة من Alien، التي عرضت على التوالي امام حشد تعوّد، منذ بضعة أعوام خلت، المجيء الى هذا القلب النابض للمدينة القرميدية، لمشاهدة شريط على شاشة ضخمة نُصبت بالقرب من باعة البهارات والأعشاب والفواكه المجففة ومخضبات الحناء ومروضي الأفاعي ومدربي القرود والحكواتيين والفلكيين والفكاهيين، حيث الحركة على مدى 24 ساعة، وحيث الليل والنهار حليفان متلازمان. لم تعد العروض التي تنظم في هذا المكان مجرد احتفالية سياحية ومراعاة لـ"كبت" الجمهور المحلي وتلبية رغبات مَن لا يملك منهم بطاقة دخول الى قصر المؤتمرات. طبعاً هي وجدت أيضاً لهذه الأسباب، لكن على مرّ الوقت، باتت أكثر، اذ تجذب منذ دورتين على الأقل، مشاهير لجعلهم يصطدمون بطبقات أخرى من المشاهدين يختلفون قليلاً عن المشاهدين التقليديين في الصالات المظلمة.

في العام الماضي، جاء مارتن سكورسيزي الى هنا، وبعد درس في السينما منحه لجمهور من المثقفين والمهتمين وطلاب المعرفة، ذهب الى حيث اخذته غريزته، فشاهدناه يغنّي ويصفق صحبة "فرقة ناس الغيوان"، التي كانت مصدر إلهام بالنسبة اليه بحسب تصريحاته، الى حدّ انه ساهم في ترميم الفيلم الذي خصص لهذه الفرقة المخرج المغربي أحمد المعنوني سمّاه "الحال". ولم يغب سكورسيزي عن هذه الدورة، وإن يكن غير حاضر، فأرسل الوثائقي، "لمعان ضياء"، الذي انجزه عن فرقة الرولينغ ستونز، وعُرض عشية افتتاح الدورة الثامنة (14 - 22 الجاري)، وذلك على بضعة امتار من مكان شي اللحم وباعة العصير وعروض الفكاهة، علماً أن ساحة جامع الفنا كانت في الماضي البعيد مكاناً لتنفيذ أحكام الاعدام العلني في حق المجرمين. صدام ثقافات أو حوارها، لا يهمّ، ما دامت السينما هي هنا لتوقيف الزمن، أياً يكن هذا الزمن، ولتجميد عقارب الساعة، ولجعل الصمت في صفوف المشاهدين الكلمة الأقوى. هم المعتادون على صناعة الضجيج بشتى انواعه، ربما قد يكونون فوجئوا أيضاً مساء الأحد الفائت، بأن صوت قلي السمك تبخر في السماء الخريفية، وبأن الدخان المتصاعد على الدوام من أكشاك المأكولات الشعبية صار أكثر حشمة وخجلاً.

وبعدما عُرض "مملكة السماء" لريدلي سكوت، الذي صوّرت منه أجزاء في المغرب، سيكون هناك المزيد من المشاهير في جامع الفنا على مدار الأيام المقبلة: رئيس لجنة التحكيم باري لافينسون سيأتي لتقديم فيلمه الشهير "رجل المطر"؛ والممثلة ميشال يو ستحضر هي الأخرى في اطار تكريمها، لتقدم تحفتها الأهم "النمر والتنين"، لآنغ لي. أما مساء الأحد، فكانت الساحة لسيغورني ويفر. ولدى انتهائها من تقديم ثلاثيتها التي مضت على انجاز الحلقة الاولى منها قرابة ثلاثة عقود، وصلت الى قصر المهرجان حيث بضعة الآف من "أنصارها" الفضوليين كانوا في انتظارها على أحر من الجمر خلف السواتر الأمنية والحواجز التي وضعت أمام الادراج المؤدية الى داخل الصالة المكتظة بالناس. ثم كان التكريم الذي خُصص لها والذي جاءت من أجله أسبوعاً كاملاً الى مراكش، وحظيت خلاله باهتمام اعلامي وشعبي ورسمي لم تعرف مثله في حياتها.

ومن يد رومان بولانسكي الذي سبق أن أدارها في "الفتاة والموت" قبل 14 عاماً، تسلمت جائزتها الفخرية. ولم يتوانَ مخرج "تشاينا تاون" عن مغازلة امرأة ساحرة، في الستين من عمرها، وقفت على خشبة المسرح بقامتها الطويلة جداً، فبدا بولانسكي الى جانبها قزماً. فالتفت اليها قائلاً: "لم أرك منذ عام 1994 [تاريخ فيلمهما معاً]، لكن التجاعيد لم تتكاثر على وجهك مثلما لم تكبر قامتي سنتيمتراً واحداً". وبعد تبادل كلمات الشكر والمجاملات الكلاسيكية، خاطبت ويفر الجمهور وحكت عن أوباما والأمل بالتغيير الذي انبعث في داخلها اثر انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. فكان تصفيق مؤيد من جانب المغاربة سدّ الآذان. التصفيق ذاته تكرر في محطات أخرى من كلامها. التصفيق هنا موقف وتعبير، أحياناً نفهم لماذا يأتي وأحياناً أخرى يبقى طيّ السر. وتحدثت ويفر أيضاً عن هيلاري كلينتون وكم عززت المرشحة السابقة دور المرأة في الحياة السياسية الأميركية...

نحو عشر دقائق فصلت حفل التكريم عن عرض فيلم من بطولة ويفر، خرج خلالها أكثر من 50 في المئة من الحاضرين. وكان واضحاً، في غضون الفترة كلها التي سبقت دخول المشاركين في المهرجان الى الصالة، اهتمام المغاربة بنجومهم. اذ كانت الهيصات والصفير والتصفيق تصل الى مستوياتها الاعلى عند وصول نجم مغربي الى القصر. هم نجوم محليون معظمهم ليسوا معروفين خارج المغرب. لكنّ هؤلاء هم الذين كانوا أسياد حفل التكريم. ومن النجمات غير المغربيات، وحدها دخول يسرا أحدث رد فعل كبيرا لدى الجمهور. كذلك ويفر، وكذلك بولانسكي، الذي بات وجهاً مألوفاً هنا، بعد ترؤسه لجنة التحكيم في دورة عام 2006. والمغاربة لا ينسون الوجوه بسرعة كما يبدو!

بيد أن خيار عرض فيلم "الفتاة في المتنزه" لديفيد أوبرن لم يكن خياراً موفقاً، بمعنى انه كان في الامكان الاستغناء عنه، لأن الفيلم على رغم قصته اللافتة والمؤثرة، ظل نصه مرتبكاً بين المنحى الميلودرامي والمقاربة النفسية لعائلة أميركية متوسطة الحال، من خلال عيني امرأة (ويفر) لا تجد نفسها ضمن التركيبة القائمة، ولا سيما بعد انتكاسة عائلية كبيرة. انها قصة جوليا اذاً، التي، بعد مرور خمسة عشر عاماً على اختفاء ابنتها في ظروف غامضة (كانت في الثالثة)، تلتقي فتاة في عمر يسمح لها بأن تكون ابنتها. وبعدما تتعرف اليها وتستمع الى ماضيها غير الواضح، شيء ما في داخلها يجبرها على الاعتقاد ان هذه الفتاة التي لا مكان تذهب اليه، هي ابنتها! مذاك، سيكون من نصيبها ونصيب المشاهد سلسلة مفارقات. اذ، ما إن تتأكد من نظريتها حتى يأتي ما يثبت النقيض، فيتيه الفيلم في تشويق سخيف لا نهاية له، وحتى المخرج لا يعرف كيف يختمه ومتى، فيختار النهاية المفتوحة والحل السيناريستي السهل حين يبلغ السيناريو جداراً مسدوداً، فيُقفل في وجهه إمكان الذهاب أبعد من هذا. خلافاً لأداء الممثلة النيويوركية في الكثير من الأفلام التي عرفت كيف تستخدم تقاسيم وجهها الحادة وابتسامتها الرقيقة، يسلب "الفتاة في المتنزه" من ويفر كل احتمال لفرض طاقات تمثيلية، فتظل تالياً أسيرة امرأة تعيش في الماضي، ولا تنظر الى المستقبل الذي يتقدم امامها بآمال مختلفة (رجل، نجاح مهني، صداقة...)، الاّ من خلال جرح عميق تسعى الى تضميده، لكنها تُجبَه بالرفض واللامبالاة والأكذوبة.

على رغم ان الفيلم لم يحمل أي مزايا جمالية وتقنية، فإن متابعته لم تكن مزعجة، لكن أقل بكثير مما كانت متابعة الفيلم الفرنسي "من أجلها" (خارج المسابقة)، الذي سمّرنا على كراسينا طوال ساعة ونصف الساعة. مع هذا الثريللر المشوق جداً، أوجد فريد كافاييه حركة تصويرية دائمة وايقاعا لا يهبط الاّ في لحظات قليلة، أي القدر الذي يحتاج اليه الفيلم كي ينطلق مجدداً كما في لعبة كرة قدم. أيضاً وأيضاً انها قصة عائلة متوسطة الحال؛ هناك الزوج والزوجة والملاك الصغير الذي زيّن وجودهما منذ ولادته. لكن ذات صباح مثل باقي الصباحات العادية، وفيما تستعد الزوجة (ديان كروغر) للذهاب الى انشغالاتها، تقتحم الشرطة المنزل وتلقي القبض عليها متهمة اياها بجريمة لم ترتكبها. في لقطة استعادية، نكتشف أن ليزا (هذا اسمها) بريئة وما حصل لها هي "حقيقة" شوهدت من زاوية أخرى، تحجب الحقيقة الأصلية. نتيجة التهمة، يُحكم عليها بالسجن لمدة 20 عاماً، وبعد محاولات متكررة لا تجدي نفعاً من جانب المحامية للطعن في قرار المحمكة عبر جلسات استئناف، لا يجد الزوج (فانسان لاندون، رائع في ادائه المتحجر) المحبط والشجاع حلاً سوى تحضير عملية تهريبها من السجن، بعد استشارة أحد الخبراء. ومن أجل حبه لزوجته (هؤلاء الرجال موجودون أيضا!)، هو مستعد لكل شيء، الممكن وغير الممكن...

الفيلم برمته عن الاستعداد لعملية الفرار التي يخطط لها الزوج بأعصاب مشدودة، ومن دون ان يخبر حتى أقرب المقربين اليه بهذا السرّ. يدرس أصغر التفصيلات من الألف الى الياء، ويعاين المراحل كافة: نقل الزوجة من السجن الى المستشفى بعد أن يكون قد زوّر تحليل المختبر الخاص بها، ثم عملية تزوير الجوازات، والخروج من نقطة مراقبة الأوراق الثبوتية في مطار لياج البلجيكي. الوتيرة لا تنقطع عنها الحماسة ولو لدقيقة واحدة، ولا سيما في مشاهد الفرار التي تقطع الأنفاس من شدة تقارب المسافة بين الشرطة والهاربين الثلاثة. مصوَّر على الطريقة الأميركية من دون توفير في الامكانات، لا يأبه النصّ بما هو سليم سياسياً وما هو غير سليم، فيضع الشخصيات أمام مبادراتهم الفردية لتأخذ العدالة حقها بيديها الاثنتين، في منحى يقوم عليه جزء كبير من السينما الأميركية. طبعاً، هناك بعض الثوابت التي لا بدّ منها: العربي المهاجر مزوّر جوازات السفر واللص، والشرطي المستبد الذي لا يقل عن المهاجر سفالة. فكيف للمُشاهد أن يتعاطف، حتى في ظلّ انعدام البدائل، مع سلطة كهذه ومع قوانين مبرمة في حقه، وان كانت القارة التي نحن نتحدث عنها هي أوروبا، والمدينة مدينة ولدت فيها شرعة حقوق الانسان. لكن هذا كله لا يعني أن الفيلم فوضوي في نظرته الى النظام الأوروبي، وأن المخرج لا يتجاوز كونه مراهقاً مشاغباً.

###

المشهد بات مألوفاً. مخرج مخضرم يجلس امام حفنة من السينيفيليين وطلاب المعاهد ليعطيهم من باعه الطويل في مجال التصوير وادارة الممثل وكتابة النص واختيار الموسيقى واماكن عملية التقاط المشاهد. لكن المحاضرة لا شأن لها بإحدى مدارس السينما، انما ضمن نشاطات مهرجان، واطلقت عليها تسمية "درس في السينما". كان "مهرجان كانّ" سباقاً في تكريس هذه العادة، واليوم كثر يقلّدونه، وأحياناً بنتائج تفوق نتائج كانّ، مثلما كانت الحال العام الفائت مع "درس السينما" الخاص بمارتن سكورسيزي الذي كان من تنشيط ميشال سيمان. وكان الناقد الفرنسي الكبير سبق له ان حاور سكورسيزي في كانّ، لكن الأخير زاد كرماً في مراكش، بحسب سيمان. في دورة هذه السنة من مهرجان مراكش، فإن المخرج الانكليزي هيو هادسون هو الذي تسلم مهمات اعطاء هذا الدرس

في مهرجان قائم قبل أي شيء آخر على التنوع والتوزيع الملائم غير المجحف بين الفنّ والاستعراض والبهرجة، أخذت احتفالية خمسينية السينما المغربية المكانة الوجدانية الأهم في الدورة الحالية. وكانت بدايات هذه السينما مع "الابن العاق" (1958) لمحمد عصفور. علماً ان بعضهم يعارض اعتباره أول فيلم مغربي، ويقول إن افلاماً كثيرة صوِّرت قبل هذا التاريخ، ولو أُخذت في الحسبان، لكانت السينما المغربية تحتفل هذه السنة بتسعينيتها. قبل انجازه هذا الفيلم، كان عصفور (1926 - 2005) بائعاً متجولاً للصحف في صباه. عندما صار في الرابعة عشرة من عمره ابتاع كاميرا قياس 9 ملم، وراح يصوّر، شاغلاً في الحين نفسه منصب كاتب السيناريو والمنتج والممثل وعامل الاضاءة والمخرج. منذ البداية، اختار غابة سيدي عبد الرحمن ليصور فيها، على الأقل ثلاثة أفلام، أعطى فيها نفسه دور البطولة. وعُرف عصفور بميله الى تدبير أموره بذاته، وهذا ما جعله يبتكر أول المؤثرات الخاصة في السينما المغربية.  

أياً يكن، فإن المشوار الصعب للسينما المغربية بدأ منذ نصف قرن. وظلت هذه السينما يتيمة وأسيرة اللامبالاة طوال 35 عاماً. لكن الأشياء تغيرت في مطلع التسعينات من القرن الماضي، ويعتبر مخرج فيلم "حجاب الحبّ" عزيز سلمي، الذي عُرض في المهرجان في اطار التحية، ان "بحثاً عن زوج زوجتي" لمحمد عبد الرحمن الطازي كان منعطفاً في تاريخ السينما المغربية. منذ تلك الفترة، وتحديداً منذ منتصف التسعينات، تشهد هذه السينما تطوراً لا مثيل له مقارنة بالسينمات العربية الأخرى، وبلغ عدد الأفلام المغربية الروائية الطويلة المنجزة الـ200. في السنة التي شهدت ولادة السينما المغربية، كان الملك حسن الثاني (انذاك ولي العهد)، قد دعا مستثمري الصالات في المغرب الى عقد اجتماع. في السنة عينها، عيّن أحمد بلهاشمي رئيساً للمركز السينمائي المغربي الذي كان تأسس عام 1944، لخدمة الصورة الاستعمارية في المغرب. ولا شك أن "الابن العاق" مهّد الطريق لكثر من السينمائيين الذين شجعتهم خطوة الرائد عصفور الجريئة لمواصلة "النضال". في السبعينات، عصف تيار السينما المستقلة بالمغرب، وجاء على متنه حميد بناني وفيلمه "ياشما" الذي يعتبره كثيرون مانيفست السينما المغربية الحديثة. بيد أن بداية التقليعة الانتاجية الحقيقية كانت مع تأسيس صندوق الدعم الوطني الذي كان خلف انتاج نحو من اربعة أفلام سنوياً في نهاية الثمانينات، وصولاً الى 15 فيلماً روائياً طويلاً في السنوات الأخيرة، بالاضافة الى 50 فيلماً قصيراً. مع العلم أن الموازنة الحكومية المخصصة للأفلام تضاعفت لتصبح 60 مليون درهم (ستة ملايين أورو).

هذا كله جعل السينما المغربية تجسد الأمل الباقي في القارة السمراء على صعيد الصورة. مع ذلك يبدو الاهتمام الشعبي ضئيلاً ("ماروك" لليلى مراكشي لم يحقق الاّ 130 ألف مشاهد، على رغم الجدال الذي أحدثه)، قياساً بعدد السكان وبعدد الأفلام المنتجة. المشكلة، عدا انها متصلة بالقدرة الشرائية، كامنة أيضاً في أن المغرب يفتقر الى الصالات التجارية، وصولاً الى أن ثمة مدنا تنعدم فيها الصالات كلياً. مبادرات كثيرة يقوم بها المركز السينمائي المغربي لتشجيع الناس على الذهاب الى السينما، منها المهرجانات التي تُعقد دورياً. في الواقع، ثمة دراسات اثبتت ان 60 في المئة من المغاربة لا تطأ أقدامهم الصالات المظلمة، وهذا ما جعل جزءا كبيرا منها يقفل من دون ان يلتفت أحدهم الى مصيرها. مع هذا وبحسب مدير المركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل، يحصى في المملكة اليوم نحو من 90 شاشة، وهو رقم بائس، قياساً بعدد السكان، علماً ان بيروت وحدها تحتوي على عدد مماثل من الشاشات، في حين ان عدد سكانها لا يتجاوز خمسة في المئة من عدد سكان المغرب. ويؤكد الصايل، الذي يشغل ايضاً منصب نائب رئيس مهرجان مراكش، أن الهدف الذي وضعه المغرب نصب أعينه، من الآن حتى خمس سنوات، هو ايصال عدد الشاشات الى 250. ولعل التجارب الحديثة لمجمع "ميغاراما" في الدار البيضاء الذي بلغت ايراداته 700 ألف مشاهد من أصل أربعة ملايين بطاقة بيعت في عام 2006، تؤكد ان ثمة فراغا لن يتأخر القطاع الخاص عن سدّه، بالتعاون مع السلطات.   

ومن أهم السينمائيين الذين برزوا في السينما المغربية منذ مطلع سنوات الألفين، محمد العسلي الذي أنجز "فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق". ومن هواجس العسلي التحدث عن المدن العربية، يقول: "للبورجوازية العربية مسؤولية كبيرة في انشاء المواطن وتعليمه، ولكنها يا للأسف، بورجوازية جاهلة وظالمة. نرى جيداً وجود البورجوازية والبيروقراطية في التطور الاجتماعي، المواطن متروك الى مصيره المجهول والطبقة الميسورة لا تفكر إلا في القوة الاقتصادية والسياسية. في مدننا يسيطر الخوف والنظام القمعي لا يُشعرنا بالأمان. لا أستطيع التجول بحرية في الدار البيضاء، فهي أشبه بمحطة للأوروبيين والأميركيين. لا أعتقد أن المواطن العربي يعيش في مدن، بل في منامات، والعمود الفقري للمدينة العربية ليس الإنتاج والراحة. انها ليست مدناً حقيقية. مدينة كالقاهرة وكازابلانكا توجعني حالاتهما، واذا خيّرت بين بورجوازية عربية بلا وعي ولا مسؤولية وطنية، وبين الأوروبيين أو المستعمرين، أقول ان للآخرين حساً وطنياً أكثر من هذه البورجوازية التي جاءت نتيجة الاستعمار. ما يهمني على هذه الأرض هو الإنسان، ولا أريد ان أفكر في العيش لحظة واحدة وأنا أرى هذا الإنسان ذليلاً ومحطماً على أيدي حمقى هم أناس أيضاً".

###

يشهد المهرجان هذه السنة تعزيزاً للأمن داخل أروقة قصر المؤتمرات والفندق الذي يؤوي الضيوف. حتى بطاقة الدعوة تخضع لمراقبة الكترونية خشية أن تزوَّر، كما لو كانت نقوداً ورقية! رجال الأمن ببزاتهم السوداء هم أسياد هذه الدورة. يحتلون كل الفضاءات الخاوية والممكنة. هناك احساس لدى البعض بأنه مشتبه فيه حتى اثبات العكس، وان المكان عليه أن يستحقه قبل الدخول اليه. هذا الشيء ولّد بعض التململ في صفوف الصحافيين. فالدخول الى السينما، يجب ألاّ يكون كالدخول الى السفارة الأميركية. والمهرجان ينبغي له أن يحرص على حرية تحرك ضيوفه من دون أن يشعر الآتي من بعيد ان كل خطوة له يجب أن تكون محسوبة بالسنتيمترات المكعبة. هذا المهرجان، في بلد منفتح كهذا على أشياء وتناقضات ليس من السهل استيعابها وفهمها، من شأنه أن يلقن درساً للبلدان التي لا تنعم بالحرية الموجودة هنا، وأن يكون مثالاً في رحابة الصدر، ولا سيما انه من هذا الخليط الفرنكومغربي العجيب الذي، إن شئنا أو أبينا، يعطي مهرجان مراكش هوية خاصة، هوية أخرى. مديرون مخضرمون في مهرجانات دولية أخرى قد لا يقولون العكس: هذه أمكنة ليست فقط للوهب ولكنها أيضاً للتلقي.

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb )

النهار اللبنانية في 20 نوفمبر 2008

 
 

مهرجان الفيلم الدولي وإعلاناته

مراكش ليست فقط جدرانا تعار لتعلق عليها لافتات

بقلم: محمد المبارك البومسهولي .عبدالصمد الكباص

وجد عدد من الصحافيين أنفسهم مهانين بفضاء قصر المؤتمرات المقام الرسمي لمهرجان مراكش الدولي للفيلم بعد أن سلطت عليهم مجموعة من عناصر الأمن الخاص لتمنعهم من ولوج قاعة العرض لمتابعة الشريط المغربي ً قنديشة ً الممثل الوحيد للمغرب في المسابقة الرسمية بهذا المهرجان .

التنكيل بهؤلاء الصحافيين ، بدأ بالتدرج عندما أخذ مراقبوا الأبواب في التلاعب بهم ، وتوجيههم إلى وجهة ما وردهم منها ، إلى أن مضت أزيد من 45 دقيقة ذهابا وإيابا ،صعود ونزولا وعبور كل الممرات المؤدية لقاعة الوزراء المختصة للعرض ليفا جأوا في الأخير بصدهم بفضاضة من قبل مسؤول عن الأمن الخاص بالمهرجان.

ورغم المحاولات المتكررة وبأسلوب متحضر للزملاء المنكل بهم ، لافهام هذا المسؤول ومعاونيه الذين يعملون تحت أمرته ، أنهم صحافيون معتمدون من قبل منابرهم صحفا وإذاعات وأنهم يلحون في الدخول إلىالقاعة لآداء واجبهم المهني الذي أتوا من أجله ، وليس من باب التطفل أو إقتناص لحظة فرجة ، إلا أن كل ذلك لم يكن كافيا لاقناع عناصر الأمن الخاص أو الشخص الذي قدم نفسه كمسؤول عن التواصل مع الاعلاميين بالمهرجان .

والأغرب من كل هذا أن إدارة المهرجان عندما عمد الزملاء على إيصال أصواتهم والاحتجاج على هذا التنكيل ، عمدت إلى تفويض شخص أجنبي ، همه الوحيد هو ضمان شروط مريحة للاعلاميين الأجانب ، فقط مع إزداراء الصحافيين المغاربة .

وإذا كانت إدارة المهرجان التي منحت إعتمادات الصحافيين لمتابعة هذه التظاهرة ، تعرف بالدقة والضبط عددهم ، فكان من شروط الضبط التنظيمي ، أن تضمن لهذا أماكن موزاية لهذا العدد ، مخصصة لهم ، لان الاعلام جزء لايتجزا من نجاح التظاهرة ، عوض أن تغرق القاعة بصديقات وأصدقاء بعض المعاونين ومقربيهم، وممن قادتهم صدف المقاهي والأماكن المعتمة ، للالتقاء بهم وتمكينهم من دعوات خاصة وتفويت أماكن الصحافيين لصالحهم .

وكما يقول المثل العذرأقبح من الزلة ، ذلك ما ينطبق على المبرر الذي ساقه المنظمون لهذا الخلل ، حيث قالوا بأنهم فوجئوا بكون منتج الشريط ، قد وزع دعوات إضافية دون علمهم ، وإن صح هذا الكلام ، فإنما يدل على سوء التدبير والتسيير والتنطيم .

ولم يكن وضع الفعاليات الثقافية من كتاب ومفكرين ومبدعين بمراكش ،أحسن مما عاناه هؤلاءالصحافيون ، حيث وجدوا أنفسهم منذ إنطلاق المهرجان عرضة للازدراء من قبل المنظمين ، كما لوكانت فضلة لاقيمة لها ، مع العلم أن مجلس المدينة إنتزع من ميزانيته ، التي هي أساسا من جيوب ساكنة مراكش 300 مليون لدعم هذه التظاهرة ، وكثير منهم يقفون خلف الحواجز الحديدية المنصوبة في محيط قصر المؤتمرات ،وهو يرون غريبات موشحات صدورهن ببادحات المهرجان ويلجن لفضائه ، معززات مكرمات ، أما إقصاء الفعاليات الثقافية بالمدينة .أكيد أن المهرجان بفعل ما راكمه يشكل حدثا إيجابيا لانقاش فيه ، لكن يبقى سؤال دوره الحقيقي بالمدينة وإشعاعه الثقافي في فضائها يبقى مطروحا بحدة ، فمراكش ليس فقط جدرانا تعار لتعلق عليها لافتات التظاهرة وإعلاناتها ،وليس كذلك مجرد لقطات متقطعة لمهرجي ساحتها الشهيرة جامع الفنا ، كما انها ليست علب رقص أو غرف مريحة ، بل هي كذلك عقول مبدعة وشخصيات ثقافية يفتخر بها المغرب بكامله ، ومن العيب أن بسجل على مهرجان مراكش الدولي للفيلم إزدراؤه وإحتقاره لمثقفي المدينة .إننا نتذكر الدورة الأولى والثانية ، عندما كان المنظمون يستدعون بالهاتف مثقفي المدينة واحدا واحدا ، قصاصين ، شعراء ، ومفكرين ةتشكيليين ليمكنوهم من

بطائق الولوج لمتابعة هذا الفعل الذي من المفروض أنه ثقافي بمختلف تفاصيله ....

الإتحاد الإشتراكي ـ المغرب في 20 نوفمبر 2008

 
 

مهرجان مراكش يختتم غداً دورته الثامنة ويوزع جوائزه...

النجوم «مركبات فضائية» وسيغورني تنقل أوباما الى مصنع الأحلام

مراكش - فيكي حبيب

... حتى باراك أوباما لم يغب عن مهرجان مراكش السينمائي الدولي. حضر من خلال «ملائكته»، وخطف من امام اهل الفن السابع تصفيقاً لم يحظ به بعض نجوم المهرجان أثناء تمايلهم على السجادة الحمراء.

بفستانها الأزرق الفيروزي اعتلت الممثلة الأميركية الكبيرة سيغورني ويفر المنصة، وبكلمات فرنسية «مكسرة» أعلنت امام اكثر من الف شخص ولاءها للرئيس الأميركي المنتخب، وإيمانها بـ «العهد الجديد الأكثر عدالة ومساواة».

بثوانٍ خطفت سيغورني قلوب جمهور صالة الوزراء في قصر المؤتمرات، وأثارت الحماسة في النفوس. حماسة لا تقل عن تلك التي استبدت بالثلاثين الف شخص الذين تجمهروا قبل حفلة التكريم في الهواء الطلق في ساحة جامع الفنا للحصول على فرصة رؤية ويفر وهي تقدم الأجزاء الثلاثة من فيلم «اليان».

 في تلك الليلة اعترفت ويفر بشجاعة الحضور لمشاهدتهم الأجزاء الثلاثة دفعة واحدة، «ما لم أفعله إطلاقاً»، كما قالت. ولم تجامل جمهور مراكش حين أبدت سعادتها بعرض أفلامها في هذه الساحة، فـ «ما من مكان أفضل لعرضها».

 سماء مراكش تحولت بسرعة الى جزء من ديكور فضاء «اليانس». والنجوم لم تعد الا مركبات فضائية قد تحطّ في أي لحظة. أين الواقع؟ وأين الخيال؟ اختلطت الأمور على جمهور ساحة الفنا في وقت كان جمهور قصر المؤتمرات أكثر واقعية، يصفق لاوباما ولـ«ممثلته» في مراكش: سيغورني ويفر.

حماقات بوش

جورج بوش حضر أيضاً. ولكن كعادة السينما معه، من خلال الحماقات التي ارتكبها طوال ولايته، خصوصاً الوجود الأميركي في العراق. هنا كان التصفيق من نصيب ريدلي سكوت مخرج فيلم «متن من الأكاذيب» (خارج المسابقة)، ونجومه، على رأسهم ليوناردو دي كابريو وراسل كراو ومارك سترونغ. وهو الفيلم الذي استحوذ على قدر كبير من التزاحم للحضور، ومن خلاله بدا واضحاً اتجاه هذه الدورة بأفلامها التي يغلب عليها طابع يتراوح بين السياسة والنزعة الإنسانية. «متن من الأكاذيب» كان البداية... ولكن أفلام عديدة أخرى آتية من مشارق الأرض ومغاربها، على عادة هذا المهرجان الذي يؤكد مرة أخرى فتح الأبواب واسعة امام الاكتشاف، أي اكتشاف سينمات، لا عهد لصالات السينما التجارية بمعظمها.

في «متن من الأكاذيب» لم يكن البطل، الأميركي القادر على أي شيء. إنما - لمرة نادرة في تاريخ السينما الأميركية - كان البطل عربياً يتمتع بدهاء ومكر قد يتجاوزا «يقظة» الـ «سي أي إي». يتجلى هذا من خلال شخصية هاني سلام (أدى الدور الممثل الانكليزي مارك سترونغ بنجاح كبير) رئيس شعبة المخابرات في الأردن الذي بحنكته يتمكن من القبض على إرهابي لا يقل خطورة عن بن لادن والزرقاوي، وهو امر عجزت عنه استخبارات الولايات المتحدة نفسها بكل تطورها وإمكاناتها. الطعم كان ليوناردو دي كابريو او روجر فارس المسؤول الميداني في «سي أي إي» في الأردن، والهدف رئيس التنظيم الإرهابي في العراق. في تلك اللحظة لم تتدخل المخابرات الاميركية لإنقاذ عميلها من حكم قطع رأسه امام عدسات الكاميرا، إنما كانت المخابرات الأردنية لهذه الجماعة بالمرصاد. عملية ستغير حياة فارس على رغم ما يمثله من وجه إيجابي لأميركا بعدما تخلى عن كثير من الأفكار المسبقة، في مقابل الوجه المتعجرف الذي يمثله رئيسه هوفمان (راسل كراو) الذي يدير العمليات من وراء مكتبه، غير عابئ بالأرواح العربية التي قد تهرق في الطريق. «جميعهم سواسية» يقول هوفمان، أي جميعهم إرهابيون من طينة واحدة. لكنّ لريدلي سكوت رأياً مختلفاً، وما قرار فارس بالتخلي عن مسؤولياته والاستقرار في الأردن إلا الدليل.

من السياسة الى التاريخ

إذاً الحاضر السياسي لا يغيب عن مهرجان مراكش. وفي المقابل لا يغيب التاريخ. يطل من خلال الحرب العالمية الثانية، وتحديداً من خلال فيلم الدنمركي اولي كريستيان مادسن «شعلة وليمون» (فلايم أند سيترون) الذي يتنافس على جوائز المسابقة الرسمية. في هذا الفيلم نجح المخرج في سبر أغوار المقاتلين المؤمنين بقضية، وصوّر أوحال السياسة والحروب، والمصالح الشخصية، وكيفية عمل الجماعات السرية في كوبنهاغن (1944) بينما البلاد تعيش تحت وطأة احتلال المانيا النازية. كل هذا من خلال «فلام» و «سيترون»، وهما اسمان حركيان لمقاتلين في صفوف الدنمرك مهمتهما تصفية الوشاة من مواطنيهم، لكنهما سرعان ما يصبحان عبئاً على تنظيمهما حينما يقرران تحرير الدنمرك على طريقتهما. «انا لا أقتل اناساً إنما أقتل نازيين»، قال أحدهما. وفي هذه الجملة جوهر الفيلم الذي يأخذ بطليه شيئاً فشيئاً الى اماكن لم يستسيغاها حين ينتقلان من مقاتلين يدافعان عن وطنهما الى مرتزقة.

ولا يمرّ الفيلم من دون قصة حب تأخذ صاحبها الى حبل المشنقة، مثله مثل فيلم الفنلندي أكو لوهيمييس «دموع أبريل» (في المسابقة) الذي يدور 1918 إبان الحرب الأهلية في فنلندا بين الاشتراكيين الديموقراطيين الحمر والليبراليين البيض. في هذا الفيلم اشتغل المخرج على سوسيولوجية الشخصيات، وصوّر فظاعة الحرب وشريعة الغاب التي لا تعرف رحمة. كما صوّر الصراع على البقاء وقصة حب صامتة تجمع بين السجينة «مينا» قائدة فرقة النساء من «الحمر» والسجّان «أرلو هارجولا» الجندي الفنلندي الذي يقبل السير طواعية نحو الهلاك في سبيل حرية محبوبته.

التضحية بالنفس في سبيل الحب تقابلها تضحية مماثلة في فيلم «الجوع» (عن فئة «نبضة قلب») للمخرج الانكليزي ستيف ماكوين، وإن كان الحب هنا هو حب «الوطن». «بلانكيت بروتيست» هو عنوان الحركة الاحتجاجية التي أطلقها معتقلون سياسيون يقبعون تحت لواء الجيش الجمهوري الايرلندي عام 1981، وتدعو الى رفض ارتداء لباس المساجين بما أنهم لا يعتبرون أنفسهم مجرمين. تحرك احتجاجي يقابله تعسف وحشي من قبل سلطات سجن ماز في إيرلندا الشمالية، ليتواصل التصعيد بإضراب المساجين عن الطعام بقيادة زعيمهم بوبي ساندس الذي يموت قبل ان تتحقق أمنياته.

شبح الموت يخيم أيضاً على الفيلم البولوني «موعد الوفاة» للمخرجة دوروطا كيدزييرزاوسكا التي نجحت في بناء حبكة متماسكة بإيقاع تصاعدي لافت من خلال قصة بسيطة تدور حول عجوز تعيش وحيدة في ضاحية وارصو في منزل يزخر بأجمل ذكريات الصبا. «حق العجزة بالحياة» شعار يرفعه هذا العمل الذي يصور الإساءات التي قد ترتكب بحق هؤلاء. ما حاجتك الى البيانو؟ ما حاجتك الى منزل كبير مثل هذا المنزل؟ لديك الكثير من الأغراض، ما حاجتك إليها؟ أسئلة لا تنفك تسمعها بطلة الفيلم الثمانينية «انيللا» (ادت دورها دانيتا شافلارسكا ببراعة تؤهلها لنيل جائزة أفضل ممثلة في المسابقة) وكأن المحيطين بها يطلبون منها ان تعتزل الحياة. لوهلة، تفكر بطلتنا بالموت، خصوصاً بعد غدر ابنها لها وتآمره مع جيرانها الذين يريدون سلبها منزلها، لكنها سرعان ما تنتزع هذه الفكرة من رأسها وتسلك درباً مختلفة، إذ تقرر وهب ممتلكاتها الى جمعية موسيقية غير عابئة بما سيقوله الناس بعد ان يشاع خبر حرمانها لولدها من الميراث. وبسرعة يتحول بيت العجوز من بيت لا يضم الا الذكريات، الى خلية نحل تركض وتجول في المنزل. وعلى هذا الإيقاع تسلم بطلتنا الروح، بعد ان ارتاحت الى تسليم بيتها الى يد امينة ستعتني به وترممه من جديد.

استلام دون حزن

«جويس» (ميلين ديزون) بطلة الفيلم الفيلبيني «100» لا تشارك «أنييلا» في محاربة الواقع من أجل البقاء. خبر إصابتها بالسرطان واحتمال وفاتها بعد ثلاثة أشهر لم يوقظا فيها الرغبة في مصارعة الزمن في محاولة لإيقاف انتشار المرض، حتى وإن كانت تدرك ان هذا مستحيل. استسلمت لواقعها لكنها لم تغرق في الاحزان، إنما ارادت الاستفادة من كل دقيقة مقبلة، فكانت فكرة وضع لائحة بالامور التي تبغي تحقيقها على طريقة فيلم «ذي باكيت ليست». واللافت في هذا الشريط انه لم يغرق في ميلودراما على الطريقة الهندية، إنما آثر ان يجعل بعض اللحظات الدرامية مصدراً للكوميديا.

عدم الغرق في الميلودراما نقطة تسجل ايضاً لفيلم المغربي عزيز السالمي «حجاب الحب» (خارج المسابقة) الذي كان يستحق ان يشارك في المسابقة الى جانب فيلم «قنديشة» للمغربي جيروم كوهن اوليفار. فعلى رغم ان الفيلم الأول يحمل توقيع مخرج من الجنس الخشن، فإن كثراً رأوا انه يتكلم بعيني امرأة، ما ضاعفه قوة، خصوصاً ان الموضوع يدور حول تناقضات الفتاة الشرقية، بين الرغبات والممنوعات، المستور والمكشوف، الحب والكراهية، كل هذا من خلال قصة «بتول» (حياة بلحلوفي) التي تعيش مع عائلتها محافظة على القيم والتقاليد الموروثة، لكن كل هذا سيتغير بعد ان تلتقي «حمزة» (يونس ميكري) الذي سيقلب حياتها رأساً على عقب، فتغرق ابنة الثامنة والعشرين في حب أعمى يأخذها الى حيث يريد.

أما فيلم «قنديشة» فيستعيد بلغة سينمائية متقنة أسطورة مغربية تتناقلها الأجيال عن «عايشة قنديشة» التي صارت رمزاً للدفاع عن المرأة المقهورة. ولكن على رغم جمالية الفيلم تقنياً الى انه وقع في مطب اللغة، إذ تتكلم شخصياته طوال الفيلم بفرنسية متقنة، فلا تفريق، مثلاً، بين لكنة الـ «سنوب» ولكنة المواطن المغربي البسيط. طبعاً لا يمكن هنا التطرق الى كل الأفلام التي يعرضها مراكش، ولكنها عينة بسيطة، تقدم صورة وافية عن سينما شابة تعد بالكثير. وفي الانتظار يقفل المهرجان غداً دورته الثامنة ويوزع جوائزه على الفائزين بعد تسعة أيام من الترحال في رحاب الفن السابع.

الحياة اللندنية في 21 نوفمبر 2008

 
 

إيرو آهو وميليسا أفضل ممثل وممثلة

حقل بري” يحصد ذهبية مهرجان مراكش

مراكش حكيم عنكر

خرجت السينما المغربية التي شاركت بفيلم “قنديشة” خالية الوفاض من مهرجان مراكش السينمائي الدولي في دورته الثامنة التي اختتمت أول أمس بالإعلان عن فوز الفيلم الجورجي “حقل بري” للمخرج الجورجي ميخائيل كالاطوزيشفيل بالنجمة الذهبية للمهرجان. كما فاز الفيلم الصيني “البئر” للمخرج زهونغ تشي بجائزة لجنة التحكيم، وفازت بجائزة أحسن دور نسائي الممثلة ميليسا لو عن دورها في الفيلم الأمريكي “النهر المتجمد” وحصل إيرو آهو على جائزة أحسن دور رجالي في الفيلم الفنلندي “دموع ابريل”.

وقال رئيس لجنة التحكيم باري ليفنسون في كلمة لجنة التحكيم خلال حفل إعلان جوائز المهرجان ان لجنة التحكيم المكونة من يواكيم دي ألميدا، مرياما باري، غيثة الخياط، هيك هيودسون، سيباستيان كوك، كاقرينا مورينو، ناتاشا رينيي وأكوستي فيرونكا، تعاملت بالجدية المطلوبة واحتكمت في قراراتها إلى نقاش واضح وصريح حول مستوى الأفلام ال15 التي شاركت في المسابقة الرسمية.

كما أشار إلى أن هذه الأفلام قد هيمن عليها الجانب الاجتماعي وظلال الحياة العائلية والتحولات التي تمر بها المجتمعات الغربية بمختلف تعقيدات هذه المشاكل وتداعياتها النفسية والثقافية والاجتماعية.

ورصد لفينسون وجود تفاوت كبير في معالجة هذه الأفلام للمشكلات الاجتماعية، على مستوى المعالجة السينمائية في تجلياتها المختلفة صوتاً وصورة وإبهاراً وحبكة وسيناريواً وأداءً.

وأكد أن الأفلام المتنافسة تباينت من حيث مستوياتها الفنية والجمالية، ومن حيث الموضوعات التي طرحتها وعمق تمثل هذه القضايا وأهميتها بالنسبة للشعوب التي تنتمي إليها.

وتحدث لفينسون عن عمل لجنة التحكيم الذي تم بروح الفريق مع احترام كامل للآراء الشخصية والفردية معتبرا أن متابعة 3 أفلام في اليوم الواحد مسألة في غاية الصعوبة والإرهاق.

وكان ابرز سمات حفل الختام الحضور اللافت لنجمات السينما الفرنسية منهن انا باريلود، وروكسان مسكيود والأمريكية هيثر جراهام. ويحكي الفيلم الفائز بالنجمة الذهبية للمهرجان “حقل بري” عن طبيب شاب يختار العمل في منطقة من السهب القاحلة حيث يجد لديه اهلها الملجأ ليس فقط لطلب النصح والارشاد الطبي، بل ليقاسمهم همومهم اليومية، لكنه في طريق اطلالته على مشاكل هذه العائلة يصاب بالاكتئاب، ويقوم الفيلم على استبطان نفسي لمعنى التعايش وايضا لحدود التضحية.

 “حقل بري” من اخراج ميخائيل كالاطوزيشفيلي الذي شارك في الانتاج مع سيركي سينزكين وأوندري بوندارينكو وسيناريو بيوتر لوتسيك وأليكسي ساموريادوف وتصوير بيوتر ديخوفسكوي، وموسيقا، أليكسي ايجي وبطولة اوليك دولان ميتيا، رومان ماديانوف ريابوف، دانيالا ستويانوفيتش كاتيا، يوري سطيبانوف فيدور أبراموفيتش، ألكسندر اليين الأب الكسندر ايفانوفيتش، ألكسندر اليين الابن بيترو، ايرينا بيطاناييفا كاليا.

ويعتبر حقل بري الفيلم الرابع للمخرج الجورجي بعد “ميكانيكي” و”المحبوب” و”غرائب”.

على مستوى آخر لم يخيب الفيلم الصيني “البئر” الظن، ونال جائزة لجنة التحكيم، ويرصد حياة عائلة من عمال المناجم في جبال الصين الغربية عبر ثلاث حكايات مختلفة، لفتاة تريد بدء حياة جديدة لكن عليها الاختيار بين ان تتبع مسلك الحب أو ان تسعى الى تحقيق احلامها وابن يحلم ان يصبح مغنياً بدل ان يكون عامل مناجم واب متقاعد حديثا يود ان يهتدي الى طريق زوجته التي اختفت.

الفيلم من اخراج وسيناريو: زهونك شي وانتاج كونك جيانمين وهو كويبو وتصوير ليو شومين ومونتاج: زهونك شي وموسيقا كيوسيدا وبطولة، ليو ديوان دينك باوجين، لي شين سونك دامينك، زهينك لوكيان دينك جينكشيو، هيونك كسيون دينك جينكشينك، كيان سيتينك ديو ديوم، كونك كيا كسيا وهونك.

وفازت الممثلة ميليسا ليو بجائزة احسن دور نسائي عن فيلم “النهر المتجمد” للمخرجة الامريكية كورتني هانت، ويدخل الفيلم ضمن افلام العائلة، الفيلم الأول لكورتني، مدته 97 دقيقة، والمخرجة هي كاتبة السيناريو ويحكي قصة أم على أهبة تحقيق الحلم واقتناء مسكن لأسرتها، لكنها تجد نفسها رفقة ابنيها وحيدة من دون مورد مالي جراء اختفاء زوجها المقامر بكل مدخراتهما. وفي خضم محاولتها اقتفاء آثار الزوج المختفي، تلتقي راي بليلا، امرأة من أصل موهاوك، التي اقترحت عليها وسيلة سهلة لربح المال بأن تقوم بمساعدة مهاجرين على دخول الولايات المتحدة الامريكية بطريقة غير شرعية عبر النهر المتجمد “سانت لورنس”. وفاز ايرو آهو بجائزة احسن دور رجالي عن دوره في فيلم “دموع ابريل” للمخرج الفنلندي أكو لو هيميس، ويتحدث عن الحرب الاهلية في فنلندا سنة 1918 ومدته 109 دقائق.

ويتعرض الفيلم للمشاكل التي عرفتها الحرب الاهلية في ايرلندا والتصفيات العرقية التي تمت في هذا البلد، وبذلك يضاف الى الفيلم الدنماركي “فلام وسيطرون” من حيث طرح موضوع المقاومة وآثارها على الشعوب حين تتحول الى لعبة بيد السياسيين.

اكبر الخاسرين في المهرجان هذا العام ليس الفيلم المغربي “قنديشة” الذي اخرج نفسه من المسابقة الرسمية بسبب قلة الحرفية والتبسيطية التي قدمت بها حكاية مركزية في الثقافة المغربية، ولكنه الفيلم الايسلندي “زفاف في الارياف” الذي يعتبر كوميديا راقية في الأداء، وعملاً احترافياً يتضمن قدرة على السخرية. كما ان خروج الفيلم الهندي  الامريكي “بلا جسور” من دون جوائز يعد خسارة بسبب الخطاب القوي الذي يحمله الفيلم عن مسألة التحولات التي تعيشها المجتمعات النامية وعلاقتها بالتقاليد والاعراف، واشكال الاستمرارية التي توفرها لنفسها من جيل الى آخر.

الخليج الإماراتية في 24 نوفمبر 2008

 
 

في اختتام المهرجان المغربي:

السينما الروسيّة اختطفت «نجمة مراكش»

ياسين عدنان

ميخائيل كالاتوزيشفيلي حاملاً جائزتهالسينما عالم الأحلام. وإذا كانت أكثر الأحلام استحالةً تصير قابلة للتحقيق على شاشتها، فإنّ المخرج الصيني الشاب زهونك شي (1977) حقّق حلمه على منصة التتويج في اختتام الدورة الثامنة من «مهرجان مراكش السينمائي»، حيث وجد نفسه جنباً إلى جنب مع نجمته المفضّلة ميشيل يوه. بل إنّ بطلة «العميل 007» التي كرّمها مهرجان «مراكش» هذه الدورة هي مَن سلّمته جائزة لجنة التحكيم الخاصة التي انتزعها فيلمه العميق والمؤثر «البئر». أما الجائزة الكبرى، وهي «نجمة مراكش الذهبيّة»، فكانت من نصيب آخر فيلم عُرض في المسابقة، وهو «حقل بري» للمخرج الروسي ميخائيل كالاتوزيشفيلي. ويحكي الفيلم قصة طبيب شاب عُيِّن في منطقة من السهوب القاحلة وراء الجبال. لكنّه عوض الاستسلام لليأس في هذا الفضاء المعزول، فضّل التصالح مع ذاته وواقعه عبر التفاني في العمل. هكذا صار أكثر من طبيب، وراح يقدم لهم النصح والإرشاد الطبي، وتحولت عيادته المتهالكة إلى ملاذ لسكان المنطقة الذين صاروا يلجأون إليه ليتقاسموا معه همومهم. المشهد الأخير من الفيلم القوي والمؤثر كان للطبيب الشاب وهو يحتضر. وأهل القرية المغلوبون على أمرهم يرافقونه في رحلة بدت طويلة ولانهائية بل عبثية وسط الأحراج والجبال باتجاه طبيب آخر في قرية أخرى نائية حالَ بُعدُ المسافة ووعورة المسالك ــــ إضافة إلى صعود الجينيريك ـــ دون بلوغها.

باري ليفينسون الذي سلم المخرج الروسي «نجمة مراكش» لم يدع الفرصة تمر من دون منح جمهور مراكش وسام الشرف. فصاحب «صباح الخير فيتنام» رأى أنّ الحضور الكثيف للجمهور المراكشي خلال عروض المسابقة الرسمية بما فيها العروض الصباحية، أمر استثنائي لا يحصل في كل المهرجانات.

لجنة ليفينسون لم تدع أميركا تخرج من المولد المراكشي بلا حمّص. لذا منحت الممثلة الأميركية ميليسا ليو جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «النهر المتجمد». وتقمّصت ميليسا في الفيلم شخصية راي، المرأة التي كانت على مشارف تحقيق حلمها باقتناء بيت لأسرتها حينما هرب زوجها المقامر بكل مدخراتها واختفى. هكذا، من أجل إعالة أطفالها وتوفير المال اللازم لشراء المسكن، بدأت تغامر بمساعدة مهاجرين غير شرعيين على الدخول سراً إلى الولايات المتحدة. أما جائزة أفضل ممثّل فكانت من نصيب الممثل الفنلندي إيرو أهو عن دوره في فيلم «دموع أبريل» الذي عاد بالجمهور إلى أجواء الحرب الأهلية في فنلندا سنة 1918. وإذا كانت مراكش قد افتتحت مهرجانها على إيقاع مجموعة كَناوى، فقد كان عود الفنان المغربي سعيد الشرايبي مسك الختام. أما فيلم الختام، فلم يكن سوى فيلم (8) الذي أنجزه ثمانية مخرجين، من بينهم عبد الرحمن سيساكو وفيم فندرز، حيث حاول كل من المخرجين الثمانية الاشتغال على أحد أهداف الألفية للتنمية التي حددتها الأمم المتحدة في أفق خفض نسبة الفقر في العالم إلى النصف بحلول عام 2015. إلى أي حد يمكن فعلاً تحقيق هذه الأهداف؟ لا أحد يملك الجواب. لكن لنحلم، أليست السينما عالم الأحلام؟

الأخبار اللبنانية في 24 نوفمبر 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)