كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان دمشق يخطو نحو العالمية

بدأ العد الأول لمهرجان سنوى يشق طريقه نحو الدولية

رمضان سليم

مهرجان دمشق السينمائي الدولي

الدورة السادسة عشرة

   
 
 
 
 

نعم لقد صار مهرجان دمشق السينمائى سنويا بعد أن قضّى حوالى ثلاثين عاما وهو ينتظم كل سنتين. فمع الدورة السادسة عشرة بدأ العد الأول لمهرجان سنوى يشق طريقه نحو الدولية وليصبح من أهم المهرجانات فى المنطقة العربية والآسيوية.

والدافع أن هذه النقلة ليست بسيطة كما يتوهم البعض، فالمسألة ليست مجرد إعادة تنظيم المهرجان وزيادة تكاليفه المادية والعمل المضنى فيه والذى يقتضى أن تكون لجانه فى حالة عمل دائم لا يكاد يتوقف.المسألة أيضا ليست على علاقة بالبحث عن الأفلام الجديدة وكذلك الأفلام الجيدة المختارة بعناية لعرضها على ضيوف وجمهور المهرجان.

إن المسألة لها علاقة مباشرة بزيادة الانتاج السينمائى فى سوريا – على مستوى الأفلام القصيرة والطويلة – حتى يكون حاضرا كل عام وكذلك يتطلب الأمر تواجد عدد من الكفاءات الفنية والادارية قادرة على الرفع من مستوى التنظيم والإعداد وبرمجة الأفلام.

متغيرات جديدة

هناك أيضا متطلبات لا علاقة لها بالبنية الأساسية لدور العرض التى ينبغى أن تكون فى حالة جيدة لكى تتلاءم مع تجدد المتغيرات فى المهرجان.. وبشكل عام أظن أن نسبة عالية من التوفيق قد حالفت مهرجان دمشق السينمائى لكى يمضى قدما نحو الدولية، وهو أمر وجدناه ملموسا من خلال متابعة فعاليات الدورة السادسة عشرة التى انتظمت بدمشق من 1 إلى 11-11-2008، فقد بدا واضحا أن هناك درجة عالية من التأهب لدى لجانه التنظيمية تقترب من حالة الطوارئ وذلك لضمان نجاح المهرجان الذى كان ناجحا بالفعل، بصرف النظر عن بعض التفاصيل والجزئيات التى لها طابع المفاجأة وعدم التوقع.

كالعادة يهتم مهرجان دمشق السينمائى بحفل الافتتاح الذى أخرجه مثل الدورة الماضية المخرج ماهر صليبي. وبالاضافة إلى العرض الفنى الراقص والغنائى وكذلك تقديم مختارات سينمائية من أقسام المهرجان، هناك تكريم لبعض الأسماء مثل الفنان نور الشريف من مصر والفنانة سلاف فواخرجى من سوريا والفنانة فاطمة خير من المغرب بالاضافة إلى الممثلة العالمية كلوديا كاردينالي. والحقيقة أن مهرجان دمشق قد صار يركز فى دوراته الأخيرة على استضافة النجوم العالميين وهذه ظاهرة جديدة لها عدة دلالات فنية وثقافية وسياسية ومن النجوم الذين شاركوا فى هذه الدورة وتم تكريمهم أيضا الممثل الايطالى فرانكو نيرو وكذلك المخرج الفرنسى ايف بواسيه وهو الذى ترأس لجنة التحكيم الدولية. ومن المدعوين أيضا نجد الممثل الأمريكى ريتشارد هاريون وكانت الممثلة الفرنسية كاترين دى نوف آخر المكرمات فى حفل الاختتام مع وجوه سورية مثل الفنانة الراحلة مها الصالح والفنانة ناديا الخطاب وكاتب السيناريو حسن م. يوسف وكذلك مدير الانتاج يوسف دك الباب ومدير التصوير ماهر راضى ومن هنا نلحظ توزيع التكريمات بين المحلى والعربى والدولي.

عدد من النجوم

ومن جانب آخر يبدو أن المهرجان سوف يعمل على استضافة عدد من النجوم من أنحاء العالم ولاسيما أوروبا. وذلك لكى يزيد من الرصيد الإعلامى للمهرجان ولتتداخل العالمية مع حالة الانفتاح الثقافى على العالم لأغراض كثيرة تخدم جوانب ثقافية وفنية واعلامية، ولم لا جوانب سياسية أيضا، وبالطبع سوف يجد المهرجان صعوبة فى الحصول على موافقات نجوم عالميين بسبب شروطهم الصعبة أحيانا، وعدم تناسب أوقات عملهم مع موعد مهرجان دمشق بالاضافة إلى المبالغ المالية الكبيرة التى يطلبها هؤلاء النجوم، غير أن السير بالمهرجان نحو العالمية يتطلب العناية الخاصة بالنجوم العالميين، وكذلك المخرجين والمنتجين والنقاد الذين يكتبون فى الصحف والمجلات العالمية.

نعم إن مهرجان دمشق السينمائى قد امتاز بخاصية وجود دور العرض بالقرب من مركز المهرجان والمدينة. غير أن الاعتماد على "دار الأسد للثقافة" قد جعل من مكان العرض بعيدا نسبيا. ولكن التسهيلات المتوفرة وصلاحية القاعة بالنسبة لعروض المسابقة الرسمية وغيرها وإعادة هذه العروض من أماكن أخرى قريبة، قد جعلت من بعض المتغيرات أمرا يسيرا بالنسبة للضيوف والجمهور، وهنا لابد من التركيز على الجمهور الذى يعد جيدا ولاسيما فى العروض المتأخرة، مع وجود بعض العادات المصاحبة للفرجة التى ربما تتناسب مع المشاهد العادية لكنها لا تتناسب مع المهرجان.

وكعادته احتوى مهرجان دمشق السينمائى على أقسام عديدة، أهمها المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة ومسابقة أخرى للأفلام القصيرة، ولكل مسابقة لجنة تحكيم خاصة، شارك فى الأولى كل من ايفابوا سيه من فرنسا وانيندتيا سارباد من الهند وداليا البحيرى من مصر وايتالو سبنيللى من ايطاليا وسيرغى ميخالوفتش من أوكرانيا وكارمن لبس من لبنان وباسل الخطيب من فلسطين ومنال عمارة من تونس ونبيل اللو من سوريا واندرياس ستدول من اسبانيا وايستراورتيغا من اسبانيا أيضا.

أيضا هناك لجنة خاصة بمسابقة الفيلم العربي، وهو قسم جديد اضافى جاء لمساندة السينما العربية بحيث يعطى لها وضعا مختلفا ولا يتم اغفالها نهائيا وهو أمر يكشف عن مخاوف حقيقية من مستوى السينما العربية ولاسيما إذا وضعت فى مهرجان دولى له لجنة تحكيم لا تضع فى اعتبارها حصول أى فيلم عربى على جائزة ما لمجرد أن المهرجان يقام فى بلد عربي. لجنة مسابقة الفيلم العربى تشكلت من قبل الفنان دريد لحام والفنانة لبلبة والمخرج بسام الذوادى من البحرين والسى فرينينى من لبنان وفاطة خير من المغرب.

أهم الأفلام

إذا تحدثنا عن أهم الأفلام العربية سوف نجد الفيلم السورى "حسيبة" للمخرج ريمون بطرس وهو ضمن المسابقة وكذلك فيلم "أيام الضجر" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد والذى فاز بجائزة الفيلم العربي.

من الأفلام المصرية الجديدة، وضمن المسابقة الرسمية، هناك فيلم جديد للمخرج مجدى محمد على بعنوان "خلطة فوزية" وكذلك فيلم "صائد اليمام" لاسماعيل مراد. أما من فلسطين فقد عرض فيلم "عيد ميلاد ليلى" لرشيد مشهراوى وهو الفيلم الذى يشارك فى كل المهرجانات العربية وغير العربية وقد أعيد أيضا فيلم "قلوب محترقة" من المغرب لمخرجه أحمد المعنونى وقد أسهمت تونس بفيلم "جنون" للفاضل الجعايبى وأسهمت الجزائر بفيلم ""مال وطن" للمخرجة فاطمة بالحاج.

من أهم أقسام المهرجان "القسم الرسمي" الذى احتوى على أفلام فائزة بجوائز عالمية. ومن ذلك الفيلم البلجيكى "بن اكس" والفيلم التركى "مناخات" لمخرجه بيليج سيلان والفيلم الصينى "زهور حمراء صغيرة" والفيلم الروسى مونغول وأفلام أخرى من امريكا وكوريا الجنوبية وجنوب افريقيا بالاضافة إلى فيلم من سوريا بعنوان "سبع دقائق إلى منتصف الليل" لمخرجه وليد حريب وفيلم سورى جديد آخر بعنوان "دمشق يا بسمة الحزن" للمخرج ماهر كدو لقد تم انتاج الفيلمين بالتعاون مع تظاهرة دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، وكان المهرجان لهذه السنة قد ارتبط بهذه التظاهرة التى استمرت لمدة عام كامل.

من الأفلام المعروضة أيضا فى القسم الرسمى "فيلم العمى" لمخرجه فرناندو ميديليس وكذلك فيلم "أحرق بعد القراءة" والاخراج للأخوين كويل.

ثم أقام المهرجان اوسكار أفضل فيلم، وقد عرضت فيها أفلام فازت بجوائز اوسكار مثل "زيغمنلد العظيم- ذهب مع الريح – كازابلانكا – عطلة نهاية الأسبوع – كل رجال الملك – على رصيف الميناء – جسر على نهر كواس.

هناك تظاهرة خاصة بالممثلة "جرتيا جاربو" عرضت فيها بعض أفلامها مثل "السيدة الغامضة – ماتا هارى – الفندق الكبير – غادة الكاميليا – آنا كارنينا – نينوتشكا – الشيطان والجسد".

وتجدر الاشارة إلى أن معظم الأفلام تعرض اعتمادا على الأسطوانات الممغنطة "DVD" وليس أشرطة 35م وهذا ينطبق تقريبا على مجمل العروض بما فى ذلك أشرطة المسابقة الطويلة والقصيرة، ولكن بالطبع يكون الاعتماد على أجهزة جيدة تعمل للمحترفين. ولقد ساعد ذلك على ترجمة الأفلام إلى اللغة العربية حيث يتميز المهرجان بأنه يترجم كل أفلامه إلى اللغة العربية بالاضافة إلى توفر اللغة الانجليزية أحيانا وفى بعض الأحيان اللغة الفرنسية، وبالطبع هناك بعض الأفلام التى لا تتوفر على DVD ومن ذلك الأشرطة السورية مثلا.

من الأقسام المصاحبة أيضا تظاهرة خاصة للمخرج مارتن سكورسيزى عرضت فيها مختارات من أهم أفلامه مثل "سائق التاكسى –الفاكس الأخير – بعد ساعات – الثور الهائج – عصر البراءة – عصابات نيويورك – الطيار" ومن التظاهرات المصاحبة قسم خاص لأفلام "اندريه تاركوفسكي" عرضت فيه أهم أفلام المخرج مثل "طفولة أنيان – اندريه روبلوف – سولاريس – المرآة- المقتفى – حنين – التضحية".

من التظاهرات الجانبية تظاهرة خاصة بالمخرج الصينى زائغ بيمو وقد تم عرض بعض أفلام المخرج مثل "ارفعوا المصابيح الحمراء – قصة كى جو – الطريق إلى المنزل – تلاشى شنغهاي".

وتستمر التظاهرات الخاصة فنجد تظاهرة سينمائية للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد وتظاهرة باسم المدينة فى السينما وتظاهرة خاصة بالأفلام المصرية 2008 وتظاهرة باسم البحر والسينما وتظاهرة باسم ذرر السنى وتظاهرة خاصة بالسينما السورية.

أما التظاهرة الأهم فهى باسم السينما السويسرية الحديثة وقد تم فيها عرض بعض الأفلام من سويسرا مثل "فى مهب الريح – رحلة الأمل – فيتوس – توابع الزلزال – سنوات الضوء – غارق فى الحب". ولقد رأى بعض النقاد أن عدد التظاهرات بالمهرجان قد فاق الحد المطلوب الذى يسمح بالمتابعة وخصوصا أن بعض العروض قديمة ووجود الأفلام الحديثة يغطى على الكثير من الأفلام.

تكريمات خاصة

لا ننسى أيضا أن هناك تكريمات خاصة مثل عرض لأفلام فيروز وعرض لأفلام يوسف شاهين وبعض العروض للأشرطة الهندية.

وعلى صعيد الندوات، انعقدت ندوات تكريمية لكل من فرانكو نيرو وكذلك لكاترين دى نوف حضرها بعض الصحفيين. أما بالنسبة للقاءات الصحفية فقد عقدت الممثلة نادية الجندى مؤتمرا صحفيا، وهى التى كرمت فى حفل افتتاح المهرجان وسط آراء متضاربة حول سبب هذا التكريم. ومن الواضح أن المهرجان ينظر إلى السينما نظرة عامة تجمع بين النجم التجارى والنجم الممثل، والتكريم هنا يكون لدور هذا أو ذاك فى انعاش الحركة السينمائية والتأثير فى الجمهور.

من جانب آخر انعقدت ندوات لمناقشة عروض أفلام المسابقة وهى ندوات تبقى قليلة بسبب غياب العناصر الأساسية فى هذه الأفلام. ولقد اهتمت النشرية الرئيسية للمهرجان، بمناقشة العديد من الأفلام القديمة والحديثة وتابعت أيضا ما دار من نقاشات وكان لبعض القنوات الفضائية دور مهم فى تغطية فعاليات المهرجان.

كنا قد ذكرنا قسما مهما وهو القسم الخاص بمسابقة الأفلام القصيرة. ولقد عرضت هذه الأفلام فى عروض متتالية مفصولة عن الأفلام الروائية الطويلة وتشكلت لجنة التحيكم بهذه المسابقة من كل من: رونالد تريش من المانيا رئيسا، وعضوية كل من نجيب نصير من سوريا وآمال عثمان من مصر وجود سعيد من سوريا ومجيدة بن كيران من المغرب.

أما أهم الأفلام القصيرة المعروضة فهي: عيد سعيد من تونس وعكس عقارب الساعة وبنت مريم من الامارات وحبل الغسيل من فلسطين والأرنب الخادم من روسيا وعجاج من سنغفورة وأختى من الجزائر والمحطة الأخيرة من فلسطين وتعليمات من قبرص ونانا من استراليا وساعة عصارى من مصر وتومى من السويد وحكاية اسمها دمشق من سوريا والقارب الورقى من أمريكا.

ندوة موسعة

ومن الندوات التى انعقدت أيضا نجد أنفسنا أمام ندوة موسعة حول النقد السينمائى شارك فيها عدد من النقاد ولقد سلطت الندوة الضوء على قضايا النقد السينمائى ورغم أن الندوة قد قامت على ارتجال الكلمات إلا أن هناك عددا من الموضوعات المهمة قد عرضت بطريقة أو بأخرى وكان من ضمن المشاركين الناقد كمال رمزى والناقد عدنان مدانات والناقد رفيق الصبان والناقد رمضان سليم بالاضافة إلى مشاركين آخرين وعدد من المؤرخين والمهتمين.

أما حفل الاختتام فقد كان منسجما مع نفس أجواء الافتتاح ولاسيما فى اختيارات معينة لها علاقة بالرقص والغناء القريب إلى الصوفية. ولقد كان للممثلة سوزان نجم الدين الدور المهم فى إنجاح الحفل وقد أعلنت الجوائز وكانت كالآتي:

1 - الجائزة الذهبية للمهرجان فاز بها الفيلم التشيكى "قوارير مستعادة"

2 - الجائزة الفضية فاز بها الألمانى "براعم الكرز"

3 - الجائزة البرونزية فاز بها الفيلم المغربى "قلوب محترقة"

4 - جائزة لجنة التحكيم الخاصة فاز بها الفيلم الايرانى "أغنية العصفور"

5 - جائزة أفضل ممثلة فازت بها الممثلة كريستين سكوت عن دورها فى الفيلم الفرنسى "أحبك منذ زمن بعيد".

6 - جائزة أفضل ممثل فاز بها الممثل الايرانى رضا ناجى عن دوره فى فيلم "أغنية العصفور".

7 - جائزة مصطفى العقاد "أحسن مخرج" فاز بها المخرج كارلوس مورينوكس عن فيلم "كلب يقتل كلب"

8 - جائزة أحسن فيلم عربى فاز بها الفيلم السورى "أيام الضجر"

9 - الجائزة الذهبية "أفلام قصيرة" فاز بها فيلم "علامات"

10 - الجائزة الفضية "أفلام قصيرة" فاز بها الفيلم الجزائرى "أختي"

11 - الجائزة البرونزية "أفلام قصيرة" فاز بها الفيلم الصربى "أرجوحة الطفل"

12 - جائزة لجنة التحكيم الخاصة "أفلام قصيرة" فاز بها الفيلم السورى "خبرنى يا طير".

 

لا شك فى أن مهرجان دمشق السينمائى قد امتاز فى هذه الدورة وكما فى الدورات السابقة، بعدد من الخصائص التى تجعله مهرجانا ثقافيا وليس اعلاميا يعتمد على البريق الاعلامى السريع.

ومن ذلك مثلا اهتمامه بالمطبوعات مثل كاتالوج المهرجان الذى جاء فى حجم كبير يغطى كل أقسام المهرجان رغم أن بعض الأقسام يمكن أن تكون خارجية ومن ذلك القسم الخاص بسوق الفيلم الذى عرض عددا كبيرا من الأفلام الأجنبية والأمريكية خاصة، وهى أفلام معروفة على المستوى التجارى وتخدم الجمهور لأنها لم يشاهدها من قبل لكنها تعد خارج إطار المهرجان.

هناك اهتمام فنى بالمطبوعات الأخرى من الناحية الفنية ولاسيما عدد الكتب التى يصورها المهرجان، فضلا عن نشرية المهرجان المتجددة، وكذلك الجهد التشكيلى المبذول فى تصميم شعار المهرجان وجوائزه.

وبالطبع لنا قراءات متعددة للكتب الصادرة عن سلسلة الفن السابع، ولا يمنع ذلك من القول بأن مستوى الكتب المترجمة بدأ يقل من حيث المستوى أولا وثانيا من حيث القيمة الفنية، وتحتاج السلسلة إلى جهد كبير يقوم على فكرة انتقاد الكتاب المترجم من خلال التعاون مع ما يصدر عبر مؤسسات ودور النشر العالمية المتخصصة فى الكتاب السينمائى بالدرجة الأولى، رغم أهمية الكتب المطبوعة حاليا، والمسؤولية سوف تتضاعف عند الحديث عن اصدارات سنوية متوافقة مع كل دورة للمهرجان.

افتتاح واختتام

لقد امتاز مهرجان دمشق السينمائى بجودة اختياره لأفلام الافتتاح عموما وهذه السنة اختار فيلما مهما وهو "ثلاثة قرود" من تركيا. وهو الفيلم الفائز بجائزة الاخراج من مهرجان كان 2008 والمقصود بالطبع تلك القرود الرمزية التى لا تسمع ولا تتكلم ولا ترى. وكل ذلك من خلال تصوير الفيلم للعلاقات الانسانية بين عائلة مكونة من أم وابن وزوج سجين ومسؤول له علاقة مع الأم.

إذا انتقلنا إلى فيلم الاختتام وجدناه قد اختير بعناية، فهو الفيلم الفائز بجائزة الدب القطبى فى مهرجان برلين 2008. وتدور أحداث هذا الفيلم البرازيلى حول فرقة مخصصة لقمع العصابات داخل أوكار المناطق الداخلية فى البرازيل، وما يتعرض له أفراد هذه الفرقة من ظروف فضلا عن ابراز عوامل الفساد وأسباب الجريمة والدور المشبوه لبعض أفراد الفرقة فى مساندة العصابات وتزويدهم بالأسلحة. مخرج الفيلم البرازيلى "خوسيه باديلها"، والذى سبق له أن أخرج فيلما تسجيليا بعنوان "الحافلة 174" وهو أيضا عن العنف فى مدينة ريودى جانيرو البرازيلية.

بين الفيلمين - فيلم الافتتاح وفيلم الاختتام - جاءت فعاليات مهرجان دمشق السينمائى فى دورته السادسة عشرة لتحمل العديد من الاشارات والتساؤلات حول ما ينتظر هذا المهرجان وما يمكن أن يحققه للسينما السورية وخصوصا أن هناك نقاشات طويلة تدور حول الكيفية التى يمكن بها النهوض بالسينما السورية لتصبح واجهة أخرى متطورة تقف إلى جانب الدراما السورية.

وبالطبع هناك فرق شاسع بين السينما والدراما. حيث تعتمد الأولى على دور العرض وتعتمد الثانية على القنوات المرئية، واصلاح وتطوير دور العرض يحتاجان إلى تصور بعيد التحقيق فهو جزء من عملية تجارية واسعة. ورهين بما يحدث للسينما نفسها من متغيرات عالمية.

لم يحمل مهرجان دمشق السينمائى فى دورته الجديدة أى شعار فهو معنى بالسينما فى كل اتجاهاتها، وهو معنى أيضا بأن يضع نفسه على خارطة المهرجانات العالمية، وربما استطاع أن يحقق ذلك فى أقرب فرصة له!

العرب أنلاين في 19 نوفمبر 2008

 
 

"قوارير مستعادة" يقطف الذهبية.. مهرجان دمشق السينمائي:

لا جائزة لمصر، و"أفضل فيلم عربي" للبلد المضيف

دمشق ـالاتحاد: ابراهيم حاج عبدي

أسدل الستار على فعاليات الدورة السادسة عشرة لمهرجان دمشق السينمائي الدولي الذي أقيم في الثلث الأول من الشهر الجاري، والذي حفل بتظاهرات سينمائية قيمة عرضت خلالها ما يقرب من ثلاثمئة فيلم من مختلف الاتجاهات والمدارس والتيارات، وسنسمع، خلال الأسابيع القادمة،  الكثير من التقييمات التي ستتراوح بين السخط الشديد والرضا التام .

ولن يستطيع أحد أن يفسر هذا الانقسام الحاد في الآراء بشأن مقاربة مهرجان سينمائي بات يحتل مكانة بارزة ضمن خارطة المهرجانات السينمائية العربية والعالمية.

ستنصب الانتقادات على خلل في التنظيم هنا، وعلى ترجمة رديئة في فيلم ما، وسيشير البعض إلى غياب النخبة المحلية عن فعاليات المهرجان، وسيشير آخر إلى العدد الكبير للوفد المصري، وسيقول ثالث أن النشرة اليومية اهتمت ببعض السينمائيين وتجاهلت البعض الآخر، وسيعترض البعض على آلية الرقابة على الأفلام، وسيحتج آخر على بعض المظاهر السياحية؛ الدعائية... وغير ذلك من الانتقادات والملاحظات التي باتت معروفة وتتكرر في كل دورة. وإذا كان مدير المهرجان؛ الناقد السينمائي محمد الأحمد يرى في أن ميزة المهرجان الرئيسة تكمن في قدرته على جمع هذه الكوكبة من النجوم: ريتشارد هاريسون، كلوديا كاردينالي، فرانكو نيرو، ايف بواسيه...وسواهم للتعرف على سوريا، فان الأهم، في اعتقادنا، هو أن هذا المهرجان يتيح لعشاق الفن السابع مشاهدة أفلام سينمائية من مختلف سينمات العالم لا يمكن لهم مشاهدتها خارج أيام المهرجان، خصوصا وان مهرجان دمشق السينمائي يحظى بحضور جماهيري كثيف، وها هنا تكمن خصوصية مهرجان دمشق عن سواه من المهرجانات التي يكاد يقتصر الحضور فيها على الضيوف فحسب، وفق غالبية التقارير الصحفية.

في حفل الختام، الذي عرض خلاله الفيلم البرازيلي "فرقة النخبة" للمخرج خوسيه باديلها، الحائز على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين الأخير، كانت الممثلة الفرنسية كاترين دونوف نجمة الحفل بامتياز، فقد أضفى حضور "حسناء النهار" على الحفل بريقا أخاذا أعاد إلى أذهان محبي السينما أسماء عباقرة الفن السابع الذين وقفت دونوف، ذات يوم، أمام كاميراتهم من أمثال بولانسكي ولوي بونويل، وتروفو وغيرهم، وقد حظيت دونوف بتقدير خاص من قبل وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا، ومن قبل مدير المهرجان، فبعدما تم تكريمها وسط غابة من الكاميرات الفوتوغرافية التي تلتقط حركاتها وسكناتها، اختيرت لتعلن عن اسم الفيلم الفائز بالجائزة الذهبية في مسابقة الفيلم الروائي الطويل، وكانت من نصيب الفيلم التشيكي "قوارير مستعادة" للمخرج جان سفيراك الذي كان قد كرم في حفل افتتاح المهرجان، لكنه غاب عن حفل الختام ليتسلم الجائزة بدلا منه سفير بلاده لدى دمشق. سفيراك هو واحد من ألمع المخرجين التشيكيين، إذ حققت أفلامه أعلى الإيرادات في شباك التذاكر، وفيلمه "قوارير مستعادة"، الذي حقق أعلى الإيرادات في تاريخ السينما التشيكية، يكمل ثلاثية كان قد بدأها سفيراك، مطلع التسعينيات، بفيلم "المدرسة الابتدائية" الذي نال ترشيحا لاوسكار أفضل فيلم أجنبي، ثم تبعه بالجزء الثاني "كوليا" منتصف التسعينيات. يميل سفيراك إلى البساطة في معالجة المواضيع التي يطرحها في أفلامه، وهو في فيلمه "قوارير مستعادة" يتحدث عن شخصية مدرس في خريف العمر؛ سريع الغضب، يجسدها والد المخرج (زديناك سفيراك) الذي يمل من تعليم طلبة مشاغبين لا يكفون عن التذمر، ومطالبته بأمور كثيرة، ما يدفعه إلى ترك هذه المهنة المتعبة. ومع أن زوجته، التي يخونها بشكل متكرر، تتحمل تصرفاته وتجاهله لها، إلا أن هذا المدرس، الذي تقاعد مبكرا، سرعان ما يشعر بحاجة إلى عمل يعينه على رتابة الحياة وجمودها الذي لا يطاق، فضلا عن توفير مصدر رزق جديد، فيعمل في وظائف مختلفة، بعيدة من طبيعته وسلوكه، ولعل العمل الذي يستهويه هو جمع القوارير الفارغة، فهذا العمل الذي اكتشفه بالصدفة أتاح له التعرف على أنماط غريبة من الحياة، وجعله يقترب من قاع المجتمع ليتعرف على نماذج وشخصيات طريفة، وفي غضون ذلك يهمل ابنته لكنه يظل يحلم بإقامة علاقة مع مديرة المدرسة التي كان يعمل فيها سابقا، وهو ما يحدث اضطرابا في علاقته مع زوجته. تكمن قوة الفيلم في موضوعه المبتكر، وفي قدرة المخرج على ضبط إيقاع الفيلم على نحو متقن أرضى لجنة التحكيم التي منحته جائزتها الذهبية. 

وفي حين كان لافتا أن مصر خرجت من المهرجان بلا أية جائزة رغم مشاركتها بفيلمين هما "خلطة فوزية"، و"صياد اليمام"، فان جائزة المهرجان الفضية لم تبتعد، جغرافيا، عن الذهبية إذ قطفها الفيلم الألماني "براعم الكرز" للمخرجة دوريس دوري، والذي يتحدث عن رجل لم يتمكن من معرفة حجم التضحيات التي كانت تقدمها زوجته إلا بعد رحيلها. عندئذ، يشعر برغبة عارمة في التعبير عن عواطفه الجياشة لكن الأوان فات، وما عليه الآن سوى إحياء ذكرى زوجته الراحلة، ومحاولة تحقيق الأحلام التي لم تتمكن زوجته من تحقيقها، فيسافر إلى طوكيو للاحتفال بذكراها خلال مهرجان تفتح أزهار الكرز، وهو مهرجان يرمز إلى الجمال والى البدايات الجديدة. أما الجائزة البرونزية فكانت من نصيب الفيلم المغربي "قلوب محترقة" للمخرج أحمد المعنوني الذي يقدم في هذا الفيلم تحية حارة، بالأبيض والأسود، لمدينة فاس التي يعتبرها المعنوني إحدى أجمل مدن العالم، فخشي من أن تطغى جمالية المدينة على موضوعة الفيلم، فأراد التخفيف من تلك الجمالية عبر اللجوء إلى خيار فني جريء تمثل في تصوير الفيلم بالأبيض والأسود. يسترجع المعنوني في فيلمه الجميل جانبا من سيرته الذاتية عبر رحلة سينمائية تطلعنا على ذاكرة الطفل الذي كان يقفز ذات يوم في حارات المدينة ثم هاجر، وغاب سنوات طويلة في بلاد الغربة ليعود مفعما بأسئلة مؤلمة؛ مقلقة لا يجد لها جوابا. ويسلط المعنوني الضوء في فيلمه على قضية عمالة الأطفال، كما يوجه عدسته نحو جدران المدينة العتيقة، وشوارعها، وناسها بحميمية نادرة استطاعت أن تستنطق روح المكان بكل بهائه، وقسوته، وحضوره في ذاكرة الطفل ووجدانه، وبدا المعنوني في هذا الفيلم متمكنا من أدواته السينمائية التي نجحت في تأليف (أو توليف) قصيدة بصرية تجمع بين العمق والبساطة في آن، وتذهب إلى أكثر الأماكن عتمة في النفس، وقد أجاد بطل الفيلم (هشام بهلول) في التعبير عن حالات الوجد والمكابدة والحنين التي أراد المخرج إظهارها في فيلمه المهدى إلى أمه الراحلة التي لم يعرفها قط.

الفيلم الإيرانــــي "أغنيــــة العصفور الدوري" لمجيد مجيدي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة، بينما نال بطل الفيلم رضا ناجي جائزة أفضل ممثل، وكان قد نال الممثل ذاته الجائزة ذاتها في مهرجان برلين السينمائي الدولي الأخير. يذهب مجيدي، صاحب "أطفال الجنة"، و"باران"، يذهب في هذا الفيلم إلى الريف الإيراني البكر ليرصد حكاية أسرة تعيش في ألفة وبساطة غير أن ثمة أحداثا تقع لتربك إيقاع تلك الحياة الرخية؛ المتساهلة. مجيدي في هذا الفيلم وفيّ للمدرسة الإيرانية التي نجحت في التركيز على عوالم الطفولة، والنهل من كنز الثقافة الشفاهية الإيرانية العريقة، وهو في هذا الفيلم وفيّ كذلك لرهافته المعهودة، ولحسه السينمائي الشاعري الذي يفلح دوما في رسم كادر بصري أقرب إلى اللوحة التشكيلية، ورغم أن بعض النقاد حاول تأويل الفيلم سياسيا عبر الإشارة إلى أن طائر النعام يرمز إلى المحافظين، والأسماك الذهبية تشير إلى الإصلاحيين غير أن هذا التأويل لا يخدم الفيلم بقدر ما يفسد عوالمه البسيطة؛ الجذابة، ولعل أقصى ما يقال في هذا الفيلم انه كان أشبه بأغنية شجية، ليكون بذلك أمينا لعنوانه: "أغنية العصفور الدوري". والواقع أن ثمة مفارقة مريرة ظهرت في حفل الختام، إذ كيف تسنى لمجيدي صنع كل هذا الجمال بينما رفض مواطنه؛ المستشار الثقافي والإعلامي لسفارة إيران بدمشق، مصافحة الفنانة سوسن بدر؟ كما رفض أن يأخذ باقة ورد من الممثلة اليونانية، لدى اعتلائه المنصة لاستلام جائزتي الفيلم! كان هذا السلوك موضع استهجان من قبل الجمهور الذي غصت به القاعة الرئيسة في دار الأوبرا بدمشق، ذلك أن السينما فن يدعو إلى قيم التسامح والجمال والخير... فكيف يمكن لرجل يــأبـى أن يقبل وردة من يد فتاة أن يتسلم جائزة تحتفي بالسينما وتنتصر لها؟!. وكـــان متوقعــا ألا تخـــرج سوريا من المهرجــــــان دون جائـزة، ولئـن اخفق "فيلم حسيبة" لريمون بطرس في نيــل أيــــة جائزة، باستثناء التنويه الخاص الذي حظيت به سلاف فواخرجي عن دورها في الفيلم، فان عبد اللطيف عبد الحميد استطاع أن ينتزع جائزة أفضل فيلم عربي، وهي، بالمناسبة، جائزة جديدة في مهرجان دمشق استحدثت لأجلها لجنة تحكيم خاصة برئاسة دريد لحام الذي منح الجائزة لفيلم عبد الحميد بعدما رأى فيه فيلما يجمع بين العمق الفكري والبساطة في آن، أي انه حقق معادلة الجماهيرية، وأرضى النقاد في الآن ذاته، ويعد عبد اللطيف عبد الحميد (المولود في مدينة حمص سنة 1954 لعائلة تعود أصولها إلى لواء الاسكندرون) صاحب اكبر رصيد من الأفلام قياسا إلى جميع المخرجين السوريين، وهو يجتهد في تقديم سينما غير مكلفة ماديا، وهو يقول بان لديه سيناريوهات يتطلب تصويرها مبالغ باهظة فلا يقترب منها، لكنه يقترح دائما سيناريوهات تتلاءم مع الوضع المادي للمؤسسة، ومن هنا فقد أنجز ثمانية أفلام روائية طويلة، وهو رقم لم يحققه أي مخرج سينمائي سوري. جائزة مصطفى العقاد للإخراج ذهبت إلى الفيلم الكولومبي "كلب يأكل كلبا" للمخرج كارلوس مورينو، بينما حصلت الممثلة كريستين سكوت توماس على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم الفرنسي "احبك منذ زمن بعيد" للمخرج فيليب كلوديل الذي طغت شهرته كروائي على شهرته السينمائية.

أما في مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة فقد نال الفيلم القبرصي "تعليمات" الجائزة الذهبية، بينما ذهبت الفضية إلى الفيلم الجزائري "ختي" للمخرج ينيس كوسيم، في حين حصل الفيلم الصربي "أرجوحة الطفل" على الجائزة البرونزية، بينما حاز المخرج السوري سوار زركلي على جائزة لجنة التحكيم الخاصة للأفلام القصيرة عن فيلمه "خبرني يا طير".

الإتحاد العراقية في 20 نوفمبر 2008

 
 

'عيد ميلاد ليلى' فيلم فلسطيني حظي باهتمام الجمهور وأغفلته لجنة التحكيم في مهرجان دمشق السينمائي

دمشق - من أنور بدر

رغم أنّ الفيلم الفلسطيني 'عيد ميلاد ليلى' للمخرج رشيد مشهراوي سبق له وعرض هذا العام في مهرجانات 'تورنتو' في كندا، 'سان سيباستيان' في إسبانيا، مهرجان 'أبوظبي الدولي' حيث حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وفي مهرجان 'قرطاج' السينمائي حاز على 'التانيت' الفضي، كما نال 'محمد بكري' فيه جائزة أفضل ممثل، إلا أنه في مهرجان دمشق السينمائي وعلى الرغم من الإقبال الجماهيري الشديد على عرضي الفيلم: الأساسي في دار الأوبرا والاستعادي في صالة سينما الكندي ضمن أفلام المسابقة الرسمية، إلا أنّ لجنة التحكيم للأفلام الروائية الطويلة قد حجبت عنه أي جائزة واكتفى بجائزة الجمهور إن صح التعبير.

رشيد مشهراوي من مواليد 1962، نشأ في مخيم بقطاع غزة، وبدأ العمل في السينما وعمره 12 عاماً، وفي عام 1993 أخرج أول أفلامه الروائية الطويلة 'حظر تجوال' ونال عليه جائزة 'اليونسكو' في مهرجان 'كان' السينمائي، وجوائز أخرى في مهرجانات برشلونة، القدس، تونس. ثم صنع فيلمه الثاني 'تذكرة إلى القدس' عام 2002 وفيلمه الثالث 'انتظار' عام 2005، وما بينهم صنع العديد من الأفلام الوثائقية القصيرة.

إلا أنّ فيلم 'عيد ميلاد ليلى' صنع هذا العام تحديداً في الذكرى الستين للنكبة كما يقول أحد منتجي الفيلم التونسي محمد حبيب عطية بهدف تأكيد الوجود الفلسطيني في هذه المناسبة في كل المهرجانات الدولية. وقطع الطريق على أي تسلل ثقافي إسرائيلي باسم الكيان وأرض الميعاد. وقد أضاف عطية أنّ العنوان الأولي للفيلم كان 'يوم عادي' كما يقول البطل في نهاية الفيلم، إلا أنهم ولأسباب تسويقية جرى استبداله بعبارة 'عيد ميلاد ليلى' حيث تعاقدت شركة هولندية على تسويق 40 نسخة من هذا الفيلم في أنحاء العالم.

حاول مشهراوي في هذا الفيلم عبر الكاميرا الخاصة به مراقبة شخص عادي 'محمد بكري' أبو ليلى خلال يوم يُفترض أنه عادي، إلا أنّ زوجته 'عرين العمري' تذكره وهو خارج من المنزل أن يعود في الثامنة مساءً، فهذا اليوم يُصادف عيد الميلاد السابع لابنتهما الوحيدة ليلى 'نور زعبي'. وينتهي الفيلم مع عودة أبو ليلى إلى المنزل. لكن الكاميرا التي جالت مع المخرج وبطل الفيلم خلال هذا اليوم لرصد الحياة العادية لمواطن عادي تمكنت بذكاء من تعرية مأساة الشعب الفلسطيني ليس تحت الاحتلال فقط، بل وتحت بؤس السلطة الفلسطينية، وتناقضات الفصائل، وضغط الأعباء المعيشية، والتي تتضافر كلها لتحويل حياة الناس العاديين إلى ما يشبه الكابوس.

اختار المخرج وكاتب السيناريو رشيد مشهراوي شخصية القاضي الذي عمل لمدة عشر سنوات في إحدى الدول العربية الشقيقة، وطلبته السلطة الفلسطينية التي ولدت إثر اتفاقيات 'أوسلو' للمساهمة في تأسيس منظومة القضاء الفلسطيني، ليكتشف مع تبدل الحكومات وغياب أي اعتماد مالي أنه عاطل عن العمل، طالما أن الأموال تصرف على تغيير الستائر وأثاث المكاتب مع كل تغيير في المناصب، كل هذا جعله مضطراً للعمل كسائق تاكسي (سيارة أجرة) تعود ملكيتها لشقيق زوجته.

اختيار شخصية القاضي تحمل دلالتها في التزام القانون، بدءاً من وضع حزام الأمان داخل السيارة، وصولاً إلى رفض المرور على الحواجز الإسرائيلية، وما بينهما رفض التدخين داخل السيارة، رفض نقل المسلحين ضمن سيارته... ألخ بالمقابل نجد أن خيار العمل كسائق تكسي أتاح لأبي ليلى - ولنا كمشاهدين- أن نعبر بكل تناقضات الحياة الفلسطينية داخل مدينة رام الله المحاصرة، من الأسير الذي أمضى سنواته في السجن كما تحترق السجائر مخلفة الدخان فقط، إلى المرأة باللباس التقليدي، وهي مترددة بين زيارة المقابر أولاً حيث يرقد زوجها الشهيد، أو المستشفى حيث هي مريضة، فيعلق أبو ليلى بسخرية مريرة أن العادة تفترض زيارة المستشفى أولاً ثم المقبرة. وحتى العاشقان اللذان لا يعرفان وجهة لهما إلا الاحتماء ضمن صندوق السيارة، طالما أنه ارخص من أي مكان يمكن أن يقصداه. بين شخصية القاضي وسائق التاكسي نوع من المفارقة أو الكوميديا السوداء، وإن كان المخرج لم يذهب في هذا الخيار حتى نهايته، لكن مجموع تلك المفارقات التي تعترض مسيرة أبو ليلى في هذه الليلة، راكب ينسى الموبايل في السيارة، وعليه إعادته إليه مما يعرضه لتحقيق في مخفر الشرطة، تعطيل السيارة، الغارة الإسرائيلية، والكثير من المفارقات التي تمنع وصوله إلى صاحب الموبايل، وتحوّل في الوقت ذاته دون شراء هدية لابنته في عيد ميلادها، خاصة وأن المحل الذي يقصده أبو ليلى لشراء الهدية نكتشف فيه يافعاً يمارس ألعاب العنف على الكومبيوتر وهو في شبه غيبوبة، بينما والده غائب عن المحل لسبب الصلاة في الجامع، وهي رمز للخيارات المتاحة أمام الشعب الفلسطيني، ما بين اللعب في التكنولوجيا التي تسرقنا بعيداً عن الواقع، أو الأصولية الإسلامية التي تبني لنا واقعاً آخر لنحيا به.

يمر أبو ليلى في لحظة انهيار خلال هذا اليوم الصاخب، حين تتشكل عقدة ازدحام على مفترق الطرق والشرطي غائب، فيتبرع لتنظيم السير في هذه اللحظة، لكنه يخاطب الطيران الإسرائيلي الذي حلق لحظة ذاك قائلاً : 'حلّو عن سمانا ...خنقتونا، نعرف أنكم أقوى جيش في العالم ولديكم الدبابات والطائرات والأساطيل، اتركونا نعيش'.

هذه الرغبة بالحياة شكلت إحدى المحاور الأساسية في العمل، رغم أن المخرج أبدى اهتماماً وتركيزاً أقوى على التناقضات الداخلية في المجتمع الفلسطيني، فساد السلطة، أزمة الشبيحة والمسلحين من كل التنظيمات، التقاط التفاصيل الصغيرة في حياة الشعب الفلسطيني وضغط الهموم المعيشية من انقطاع الكهرباء إلى عدم توفر المواد الأولية، لكن دون إغفال التناقض الأساسي مع الاحتلال الصهيوني. والذي لا يكاد يظهر إلا في غارة عابرة ضمن الفيلم، مع انه يكمن بشكل أساسي وراء كل معاناة هذا الشعب ومآسيه.

من الواضح أنه لا يوجد حدث مركزي في الفيلم، ولا يوجد خط درامي متصاعد إلى الذروة ثم الحل. لكنها كاميرا ذكية تذهب وراء التفاصيل، تنتخب ما يمكن أن يشكل مقولة الفيلم، وقد كان اختيار المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري للعب دور أبو ليلى أثراً كبيراً في إنجاح هذا الفيلم، وفي تقديم التناقض المر بين شخصيتي القاضي السابق وسائق التاكسي الراهن، وهو في اتزانه وحكمته وعقلانيته يرفض أن يتجاوز القانون، لكن أين هو القانون في ظل سلطة لا تتوفر لها الاعتمادات المالية لتطبيق القانون؟ في ظل فساد طال الجميع حتى غدا التمسك بالقانون نكتة؟ في ظل احتلال يشجع كل ما هو فاسد ومخرب وغير شرعي؟

اعتقد أن هذا الشريط السينمائي ومسيرة أبو ليلى خلال 71 دقيقة كانت مملة، وتكاد تدفع باتجاه الإحباط، أو كما عبر احدهم 'رتم العمل ممل وبطيء' ولكن إيقاع الحياة الفلسطينية في بلدة محاصرة كرام الله ومحكومة بسلطة فاسدة هل يمكن له أن يدفع باتجاه الخروج من حالة الركود والممل؟ هل يمكن له أن يخلق التغيير والديناميكية المطلوبة؟!

اعتقد أن ذلك الإيقاع البطيء شكل جزءاً من مقولة العمل، والتي انتصر عليها المخرج حين جعل بطله محمد بكري ينسى كل تلك التفاصيل مع دخوله إلى المنزل، إذ يبتسم وهو يشعل شمعة جديدة لعيد ميلاد ابنته ليلى وعندها تسأله زوجته كيف كان يومك؟ فيجيبها إنه 'يوم عادي'.

القدس العربي في 24 نوفمبر 2008

 

كاترين دونوف أيقونة السينما الفرنسية:

سورية بلد رائع لم يعطِ كل أسراره بعد

دمشق - من أنور بدر 

إحدى فضائل مهرجان دمشق السينمائي تكمن في النجوم الذين هطلوا علينا ضيوفاً ومشاركين ومكرمين، ففي اليوم الأخير للمهرجان كان موعدنا مع كاترين دونوف أيقونة السينما الفرنسية في مؤتمر صحافي سبق تكريمها في حفل الختام.

دونوف إحدى ساحرات الفن السابع، وقد لعبت أدواراً معقدة في السينما، تركت في ذاكرة المتلقين طيف امرأة هي مزيج من السحر والجمال والفن والأنوثة، كان اول أفلامها 'حسناء النهار' مع لويس بونويل، واستمرت خلال أربعة عقود من العطاء الثر والجميل حتى فلمها الأخير ' بدّي تشوف' الذي يصور في لبنان حالياً.

قال السيد محمد الأحمد مدير المهرجان في تقديمه خلال المؤتمر الصحافي: 'كاترين دونوف إحدى ألمع نجمات السينما في تاريخها... أضاءت عوالم أفلام كبار المخرجين أمثال: لويس بونويل، راؤول لويز، كلود لولولش، شابرول، تروفو، فيريري... وغيرهم، مخرجون عظماء شاركتهم دونوف ألق أفلامهم بحضورها ونجوميتها الطاغية'.

وأضاف 'أن فيلم كريستينا الذي شاهدناه قبل يومين لم يكن بهذا الألق لولا وجود كاترين دونوف فيه' وذكر من أفلامها الــــخالدة 'بيلد جـــور، الميترو الأخير، ساغان...كمـــا رُشحت للأوســــكار أكثر من مرة، وكرمت في مهــــرجان كان السينــــمائي، ومعــــروف عنها الوقوف دائماً إلى جانب المخرجين الشباب في تجاربهم السينمائية الأولى، فمن ينسى دورها في فيلم 'راقصة في الظلام' مع المخرج الدنماركي فون تراير'.

كاترين دونوف تحدثت عن سعادتها بزيارة سورية الآن، وقد زارتها قبل 13 سنة، لكنها زيارات قصيرة للأسف، وأضافت 'هذا البلد الرائع لم يعطِ كل أسراره بعد، فهو ينطوي على تاريخ عريق وقديم يغريني بزيارته كسائحة مستقبلاً، لكنها ستكون زيارة طويلة... ربما لشهر مثلاً، كي أتعرف عليها بشكل أفضل، وحظي جيد الآن إذ تمكنت من زيارة مدينة حلب وآثار تدمر'.

أما عن السينما السورية فقالت أنها لم تشاهد أفلاماً سورية سابقاً، وهذه إشكالية تقع على عاتق التوزيع، وأهمية مهرجان دمشق السينمائي كونه يشكل فرصة كي ترى أفلاماً غير أمريكية.

كما أنه لم يسبق لأي مخرج أن عرض عليها المشاركة في فيلم عربي، حتى جاءت الفرصة هذا العام للمشاركة مع فنانين لبنانيين في فيلم 'بدي تشوف'.

يقوم الفيلم على فكرة أن ممثلة فرنسية تأتي إلى لبنان للمشاركة في احتفال خيري، لكن الفرصة تقودها لرحلة مع صحافي لبناني لترى الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي عام 2006 في الجنوب وحتى الحدود مع إسرائيل' وتضيف أنها كإنسانة ولدت في نهاية الحرب العالمية الثانية ورأت شيئاً من ويلاتها ونتائجها، فوجئت بحجم الدمار الذي خلفته إسرائيل هناك، ولم تعرف له مثيلاً في حياتها.

وأضافت دونوف 'أن هذه الرحلة كانت مشروع فيلم قصير في البداية، لكنها طالت مع تفاصيل الوقائع، لأنه من المفيد لنا أن نرى الأشياء على حقيقتها، لا أن نقتصر على ما يصلنا عبر الإعلام فقط'.

من جهة ثانية قالت دونوف أن أعماله قليلة في هوليوود، كون ما يُعرض عليها من أدوار قلما يُعجبها، مؤكدة أن في هوليوود ممثلين وممثلات رائعين، لكنه من الصعب إيجاد دور مهم أو مثير للقادمين من القارة العجوز.

بالمقابل هي ترى أن السينما يجب أن تبقى قريبة من الثقافة كي تُجابه تيار العولمة الطاغي وفقدان الهوية، وهذا لا يكون إلا بإنتاج الأفلام المحلية حتى لو كانت بأعداد قليلة، لأن السينما والمسلسلات الأمريكية تكاد تبتعد عن الحياة اليومية للناس وهموم السياسة باتجاه الأكشن والمغامرات وأفلام الخيال، لكنه تحافظ في الوقت ذاته على سوية تقنية للأفلام التي تصنع بشكل متقن ورائع.

وحول تجربتها مع بونويل قالت دونوف: إن فيلم 'حسناء النهار' مازال يُقيم بين أهم الأفلام العالمية الحديثة، لأنه يقوم على قصة واقعية واستثنائية بآن معاً، فهو يمس التخيلات والأحلام الجنسية التي مازالت تعتبر تابوها لا يجرؤ كثيرون على الاقتراب منه.

أما مهنة التمثيل فهي تعتبرها حرفة رائعة، وعلى الممثل أن يُطور أدواته باستمرار ويتكيف مع التقنيات الحديثة في هذا المجال، ولا سبيل أمامه إلا التجربة الشخصية التي تجعله أقرب وأقدر على مواجهة الواقع وصعوبات الحياة اليومية.

وأنهت كاترين دونوف حديثها بالتأكيد على دور السينما في إرساء قيم الجمال والمحبة بين الناس والتقارب بين الشعوب، لأن معرفة الآخرين عبر السينما هي الشرط الأول لتقبلهم، ومن ثم بدء الحوار مع الآخر.

القدس العربي في 24 نوفمبر 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)