كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

رحيل السينمائية اللبنانية رندة الشهال عن 55 عاماً

مشاكسة ومتمردة.. عاشت حياتها على خط النار

ريما المسمار

رندا الشهال

مفاجأة الرحيل

   
 
 
 
 
 

رحلت رنده الشهال على حين غفلة من الجميع. الناس العاديون الذين عرفوها شخصية عامة من دون أن يعرفوا تفاصيل معاناتها الطويلة مع المرض منذ العام 2005. والصحافيون الذين حسبوا ألف حساب لشخصيتها المشاكسة والرعنة أحياناً من دون أن يدركوا قسوة المرض وحدة صراعها معه. والأصدقاء الذين خبروا فيها الانسانة الملتزمة بعمق معنى الصداقة والمسؤولية والمواقف الصعبة فتخيلوا ان المرض ليس سوى معركة أخرى من معاركها الكثيرة التي لم ترتضِ الا أن تكون الطرف المنتصر فيها وإن بمنطقها الخاص. رحلت على غفلة حتى من نفسها حمالة المآسي بصلابة نادرة وعاشقة الحياة على الرغم من كل شيء. لا أتصورها في قرارة نفسها استسلمت للمرض الذي لولا خبثه لما تمكن منها أبداً. ولكنني أتصورها الآن في غفوة تعيد حساباتها، تهادن نفسها لا المرض وتستعد لجولة ثانية لن تكون هذه المرة في هذه الحياة التي نعرفها وانما في حياة أخرى ستجمعها بمن لا يقلون صلابة وعنفواناً بداية بوالدها الذي ترك فيها أعمق اثر حتى بعد موته في العام 1988وزرع فيها حب الحياة ووالدتها التي علمتها معنى الالتزام بالقضايا الانسانية قبل أن ترحل هي الأخرى في العام 2003 وبينهما مارون بغدادي الذي ربطتها به علاقة صداقة ندية وتوفي في العام 1993 ومروراً بروبي بريدي المصور السينمائي وصديقها ورفيق اولى تجاربها السينمائية في فيلمها الاول الوثائقي "خطوة خطوة" سنة 1979 ووصولاً الى أمبير بلزان المنتج الفرنسي ذي الهوى الشرقي الذي رافقها وغيرها من السينمائيين العرب في رحلات مخاضهم السينمائي قبل ان يستسلم لرغبته القاتلة بوضع حد لحياته في شباط 2005 وذلك بعد ان أنتج لها فيلماً وحيداً هو "طيارة من ورق" (2003). على نفس الدرب سارت أمس رنده الشهال انطلاقاً من محل إقامتها الفرنسي منذ اوائل الثمانينات في رحلة ستمر حتماً فوق بحر بيروت الذي ظل رابطها الأقوى بالمدينة تستعيد طعم ملوحته في كل زيارة وستنتهي في طرابلس مسقط رأسها ومرقد والدها والكثيرين من أصدقاء النضال. في تلك الجبانة التي ستضم رفاتها خلال ايام، تجولنا معها بهدف تصوير وثائقي قصير عن حياتها قبل أقل من عام. هناك استعادت ذكرى الذين رحلوا وبكت أمبير بلزان للمرة الأولى وحكت عن علاقتها بالمرض والحياة فأزالت بصلابتها أية فرصة كان يمكنها ان تحيل المشهد ميلودراما او مرثاة مبكرة. كانت مذهلة في قوتها وفي قدرتها على تجسيد الموت بوجه تستطيع ان تنازله وأن تهزأ منه من دون أن تنكر تأثيره. لم يكن المشهد مفتعلاً او تمثيلياً بل كان تكراراً لروتين أدمنته وهو المرور بقير والدها في كل مرة تحط فيها في لبنان. وهي لم تبخل بتشريع ذلك الموقف الحميم أمام ثلة غريبة عنها وكاميرا استدارت عدستها على غير عادة لتصورها لا لتتلقى أوامرها. جلست على الحافة المواجهة للمدفن المسيج تناجي بصمت ذلك الانسان الذي علمها الكثير وغرس فيها حب الحياة. لا أتخيل تأثيرها في من حولها كان أقل من ذلك من أولادها الثلاثة الذين كانوا نقطة ضعفها أو أصدقائها الذين لم يتبدلوا على الرغم من تقلبات الحياة والتجربة وتباعد المسافات أو حتى جمهور أفلامها الذي لم يكن ليشاهد أعمالها من دون أن تصيبه بشيء من الصدمة أو الدهشة. في معنى آخر، لم تكن رنده الشهال شخصية عادية عابرة سواء لمحبيها او لمنتقديها. كانت شخصية جدلية بامتياز. صدامية ومقاتلة متمردة في كافة مراحل حياتها. في سن الخامسة عشرة، أدركت انها تريد ان "تصنع افلاماً". السينما بالنسية اليها كانت تلك القدرة العجيبة على تحويل القصة حقيقة وعلى ادارة الشخصيات في ادوار لا تشبهها. في سن الخامسة عشرة، أدركت رنده الشهال انها تريد ان "تعمل افلاماً". قبلها، كانت تأتي بأفراد عائلتها وتوزع عليهم الأدوار وتجعلهم يمثلون. السينما بالنسية اليها كانت تلك القدرة العجيبة على تحويل القصة حقيقة وعلى ادارة الممثلين. في الخامسة عشرة ايضاً، شاهدت شريط انتونيوني Blow Up فكانت الصدمة. تسبب الفيلم للمراهقة بصدمة فعلية، فامتنعت عن الطعام لبعض الوقت. كان عالم انتونيوني الحسي والمجرد في آن والغامض والحر شيئاً صادماً لفتاة قادمة من بيئة شمالية محافظة على الرغم من انفتاح عائلتها السياسي والثقافي. ربما نجد لهذا التفتح على عالم جديد صادم اثراً في افلامها، إن من خلال المراهقة في "متحضرات" التي تُغرم بالشاب المسلح وتدخل عالمه الغريب بكل مفرداته وشخوصه او من خلال المراهقة الاخرى في "طيارة من ورق" التي يشكل زواجها وانتقالها الى بيئة مختلفة نقطة تحول في حياتها. مهد لها المناخ العائلي المنفتح الدخول في السياسة مبكراً والالتزام بخط يساري شهد ذروته في ستينات وسبعينات القرن الماضي، فشاركت في التظاهرات الطلابية و اعتنقت القضية في بداياتها السينمائية وصورت الحرب الأهلية على أمتار من الخام قبل أن تقرر الدخول في المواضيع الشائكة. على مر السنوات لم تتبدل مواقفها كثيراً وانما تغيرت مفاهيمها لليسار والسينما.

وُلدت رنده الشهال في طرابلس في العام 1953 ونشأت في بيت سياسي لأم مسيحية عراقية كانت من اولى النساء الشيوعيات في العالم العربي الى كونها كاتبة ومذيعة أخبار وأب طبيب وسياسي ومثقف. السياسة كانت قدراً بالنسبة اليها. على حيطان المنزل كُتبت شعارات من نوع "يا عمال العالم اتحدوا" وشعرت العائلة بمسؤوليتها تجاه كل حالة ظلم في العالم. "حرب فييتنام عشناها في بيتنا" كما تقول.. حتى الببغاء الذي اقتنته العائلة كان يردد "لينين لينين".

ظلت العائلة بالنسبة الى الشهال السند الانساني والفكري والسياسي حتى اذا قررت ابنة التسعة عشر ربيعاً السفر الى فرنسا لدراسة السينما في العام 1972 وجدت الدعم الكامل من والدها خصوصاً. لم يكن مفاجئاً بهذا المعنى أن تشغل عائلة الشهال الاستثنائية كما تصفها الخمس عشرة سنة المقبلة من حياتها اذ شكلت محور أكثر أفلامها خصوصية وذاتية "حروبنا الطائشة". خرج "حروبنا الطائشة" فيلماً وثائقياً ذاتياً قائماً على محاوراتها مع والدتها فيكتوريا وأختها نهلة وشقيقها تميم وغارقاً في مشاهد الحرب التي أرشفتها على مدى سنوات طويلة. شريط يوثق لمرحلة كاملة من الحرب الأهلية ويعيد المخرجة من منفاها الفرنسي لتواجه الماضي من مسافات زمنية عدة ومن موقع المساءلة والادانة. انه رحلة تنطوي على محاولة لفهم هويتها وهوية لبنان الممزقة ابان الحرب.

شكلت الحرب الاهلية بالنسبة الى جيل رنده الشهال مفصلاً تاريخياً. في شكلها الاول والبدائي، كانت الحرب تطبيقاً للتنظير السياسي اليساري قبل أن تتحول امتحاناً صعباً لكل الافكار اليسارية والقضايا العادلة التي آمنت المخرجة وأقرانها بها. وعلى المستوى الشخصي، كانت الحرب الهاجس الجديد لابنة البيت السياسي والهم الداخلي الموازي للقضايا الخارجية الكبرى. فانتقلت خلالها من عادة كتابة السناريوات الى تصوير اليومي والمعيش.

كمعظم ابناء جيلها من السينمائيين، وجدت الشهال ان شغفها برواية قصة في السينما امر غير ممكن مع اندلاع الحرب. فنسمعها تقول "بسبب اسرائيل والحروب، أصبح عالمنا العربي كناية عن مجتمعات وليس أفرادا"، وتتذكر كيف انها لم تتمكن من سماع الموسيقى اثناء الحرب لأنها كانت في حالة تيقظ دائمة. لقد أجبرت الحرب السينمائيين على إخبار قصتها فقط على حساب هواجسهم الخاصة والفردية. هكذا وجدت نفسها في العام 1976 تصور اول لقطة سينمائية لشاب مسلح على مدخل مبنى أحد الاحزاب السياسية اللبنانية.

تراكمت صور الحرب اليومية في أرشيف المخرجة فخرج منها في العام 1979 فيلمها الاول الوثائقي "خطوة خطوة" الذي يصور تناحر التيارات السياسية على أرض لبنان. لم يكن "خطوة خطوة" فيلماً فنياً بقدر ما كان فيلماً سياسياً حزبياً يعبر عن موقف نضالي ملتزم أنتجته مؤسسة السينما الفلسطينية.

المحطة التالية الحاسمة في مسيرة الشهال الحياتية والسينمائية كانت الاجتياح الاسرائيلي في العام 1982. فعلى الرغم من سنوات الحرب العشر التي سبقت الاجتياح، لم تفقد الامل بإمكانية التغيير. الا ان خبر اجتياح اسرائيل لجنوب لبنان كان بمثابة انكسار لما تبقى من الحلم والبراءة ومشروع التغيير.

ابتداء من العام 1982، دخلت رنده الشهال مرحلة جديدة تتسم بالغموض. ابتعدت من الحياة والسينما كأنها كانت تعيد ترتيب حياتها وأفكارها. توقفت عن توثيق الحرب ربما مستسلمة لشغفها بالسينما الروائية التي ستكون سمة المرحلة المقبلة. بدت وكأنها تنهي حكايتها مع الوثائقي الذي أُجبرت على صنعه في ظل سنوات الحرب وتعد العدة للمرحلة التالية وعنوانها المواجهة. ولكن مهما يكن من تحليلات، لم تبرح ذاكرة الحرب أفلامها المقبلة التي تحفل بتفاصيل تتكرر كأنها تستقر في ولاعيها كما هو مشهد الفتاة الراكضة في فيلمي "متحضرات" و"طيارة من ورق" .

استقرت رنده الشهال في فرنسا منذ اوائل الثمانينات من دون أن تنقطع عن زيارة لبنان إما لتصوير أفلامها أو لرؤية الاهل والاصدقاء. في فرنسا، عثرت على تمويل أفلامها ولكنها ظلت الشخصية المشاكسة التي تصنع أفلاماً مثيرة للجدل ويشبهها كثيرون بشرطي السير المتيقظ للرد على كل موقف يطال العرب.

بعد فترة انقطاع دامت نحو خمس سنوات، شرعت رنده الشهال بكتابة فيلمها الروائي الاول "شاشات الرمل" في العام 1986. خرج الشريط سنة 1991. كان بعيداً من الحرب التي طبعت أفلامها الاولى وأقرب الى تسجيل التحولات الداخلية للشهال المرأة التي عرفت معنى التحولات بدايةً بسقوط الحرب كمشروع تغييري ووصولاً الى انتقالها الى باريس المنفى الاختياري. جاء "شاشات الرمل" فيلماً عن ثلاث شخصيات في بلد صحراوي غير محدد، يصور علاقة امرأتين ورجل في ظل السلطتين الدينية والسياسية.

لم يجد فيلم الشهال التالي "الكفار" عام 1997 مساحة للعرض او للنقاش. كان فيلماً يلامس المحرمات بحسب العقلية السائدة ويعالج موضوعاً شائكاً هو التطرف الديني. ليس بعيداً من لبنان غرست المخرجة شخصيات فيلمها: فريد الاسلامي المتطرف الذي قرر البوح بمعلومات عن متطرفين في فرنسا مقابل اطلاق سراح صديقه المسجون هناك وتشارلز الدبلوماسي الفرنسي. ولكن الصفقة تتعقد عندما ينجذب الرجلان واحدهما الى الآخر.

الى الحرب الأهلية عادت رنده الشهال من جديد في فيلمها الروائي الثالث "متحضرات" عام 1999 كما هي حال سينمائيين كثر آثروا أخذ مسافة من الحدث ليتمكنوا من قراءته بروية. عادت الى الثمانينات لتروي فصلاً هامشياً أبطاله الخدم الذين تركهم مستخدموهم في البيوت قبل أن يفروا الى جهة آمنة. كأن المخرجة كانت قد انتهت من تصوير الحرب بعناوينها العريضة فقررت الغوص على التفاصيل الموجعة وأولها المشهد الافتتاحي العنيف لمسلحين يفجرون القطط طلباً للتسلية والمتعة. كان "متحضرات" فيلماً عن الحرب بلغة الحرب. الشتائم كانت اساس الحوارات والعنف الجسدي واللفظي محور المشاهد. فيلم يدين الجميع ويعلن مسؤولية كل اللبنانيين عن الحرب. أثار الشريط ردود فعل عارمة ومنعت الرقابة عرضه إلا بحذف نحو خمسين دقيقة منه. كانت المواجهة الأعنف التي خاضتها الشهال وكلفتها عدم عرض الفيلم على الجمهور اللبناني والعربي حتى اليوم.

بعد إعصار "متحضرات" ومشكلاته مع الرقابة، لاح مشروع وثائقي جديد في الأفق أعاد الشهال الى موقعها اليساري. "سهى" كان فيلمها التالي عام 2001 وان كانت تصر على انه جاء ليس من التزام وانما من افتتان بشخصية استثنائية هي سهى بشارة. ابنة العشرين ربيعاً تلك التي أطلقت رصاصتها في صدر أنطوان لحد قائد جيش لبنان الجنوبي المتعامل مع اسرائيل، شكلت بسجنها ومن ثم اطلاق سراحها بعد عشر سنوات مادة لفيلم وثائقي حواري يحاول التقرب من عقلية المقاتلة في سبيل قضية تؤمن بها.

حدث ما كان دائماً يستوقف رنده الشهال ويدفعها الى كتابة سيناريو حوله. هكذا خرج فيلمها الروائي الرابع "طيارة من ورق" العام 2003 من مشهد تلفزيوني لفتاة في الجولان المحتل تعبر بفستان زفافها الى الجانب الآخر الاسرائيلي لتتزوج من ابن عمها. بدا المشهد ملائماً للخوض في نقاش حول موضوعات الهوية والحدود والاحتلال. فكان "طيارة من ورق" فيلماً عن واقع جغرافي مجزأ وخيارات الفرد الضئيلة في مواجهة الاحتلال وانما اصراره على تخطي الحدود. تدور أحداث الفيلم حول المراهقة "لميا" التي يُعقد مصيرها على الزواج من ابن عمها المقيم في الجزء المحتل من القرية الحدودية. تعبر الفتاة الى عالم جديد ولكنها تتمرد على الزواج التقليدي المدبر وتقع في حب شاب عربي انما مجند في الجيش الاسرائيلي. نال "طيارة من ورق" جائزتي لجنة التحكيم الخاصة والاسد الفضة في مهرجان البندقية وحقق للشهال ما يشبه المصالحة مع الجمهور المحلي والصحافة والجهات الرسمية التي أدانت فيلمها السابق "متحضرات" بينما كرمتها بعيد فوز "طيارة من ورق".

خلال السنوات الخمس الأخيرة، عاشت الشهال تجربتين مريرتين: المرض وحرب تموز 2006 التي تصفها بالنكسة الثانية في حياتها بعد اجتياح 1982. على الرغم من ذلك، لم تتوقف عن العمل فكانت تحضر منذ العام 2005 لفيلم في عنوان "لسوء حظهم" مع المغنية هيفاء وهبي ولكن تعثر الحصول على تمويل له من جهة ودخولها في نفق المرض من جهة ثانية منعا انطلاق العمل عليه.

بين حياة الشهال وأفلامها صلة لا تنقطع. كأنها تستمد منها أدوات الحياة فتقاوم مثل "سهى" وتواجه مثل "لميا". هكذا عاشت سنواتها الأخيرة مع المرض ليس في صراع انما في تحدٍّ ومبارزة.

كل شيء سياسي في عرف رنده الشهال. المواقف والخيارات والافكار والوعي.. وهي ان لم تشأ التصاق صفة السياسية بها لم تستطع ان تنكر انها مقاومة ومشاكسة. المقاومة فعل حياة بالدرجة الاولى والمشاكسة أسلوب عيش وسلوك. تشابكت المراحل في حياتها. كل مرحلة كانت خاتمة وبداية في آنٍ معاً. فما كادت تحط الرحال حتى تبدأ التحضير لرحلة جديدة أومعركة جديدة. هي كما تقول جيدة في المواجهات وصعبة في المهادنات وقد واجهت حتى آخر قطرة حياة وذلك هو الانتصار.

المستقبل اللبنانية في 26 أغسطس 2008

 
 

رحيل المخرجة اللبنانية رندة الشهال

اشادت الصحف اللبنانية الثلاثاء "بجرأة" المخرجة اللبنانية رندة الشهال التي توفيت الإثنين بباريس، و"عنادها" في نقل المعاناة السياسية والانسانية للمجتمع العربي الى الشاشة في اعمال "نخبوية".

لم تكن رندة الشهال مكثرة كمخرجة لكنها رحلت عن ثلاثة أفلام روائية وعدد من الأفلام الوثائقية ومشاريع روائية ووثائقية لم يتح لها المرض الخبيث اتمامها وتأخر تيسر المال اللازم لانتاجها.

وقد انتظر سيناريو فيلمها الاخير طويلا على الورق ورحلت بعد ان كتبته ولم تنجزه وهو نوع من كوميديا موسيقية حول عالم كرة القدم كان يفترض ان تقوم ببطولته الفنانة هيفاء وهبي في دور صاحبة مطعم الى جانب فال كريمر الاميركي والنجمة الاسبانية فيكتوريا ابريل كما سبق للمخرجة ان ذكرت في احاديث صحافية.

وكان فيلمها الروائي الأخير "طائرة من ورق" الذي تدور احداثه في اوساط الدروز في قرية حدودية مقسومة جزء منها لبناني-سوري والآخر محتل من قبل اسرائيل نال جائزة الدب الفضي في مهرجان البندقية عام 2003 وانتجه الفرنسي الراحل امبير بلزان منتج يوسف شاهين وعدد من المخرجين العرب الذين غدوا يتامى من دونه.

وافتتح هذا الفيلم ايام قرطاج السينمائية عام 2005 حيث كان اول فيلم روائي قصير لها فاز بجائزة قبل سنوات من ذلك.

وكانت الرقابة في لبنان منعت فيلمها الروائي الثاني "متحضرات" عام 1998 والا كان على المخرجة ان تحذف منه 47 دقيقة وهو ما رفضته رندة الشهال.

وركز الفيلم في كتابة درامية لا تخلو من سخرية مريرة على شخصيات تعيش حمى الحرب الاهلية اللبنانية وعلى خادمات متروكات في بيروت الحرب.

اما فيلمها الروائي الاول فحمل عنوان "شاشات الرمل" عام 1991 وحكى قصة صداقة حميمة بين امراتين.

وقد تناولت رندة الشهال في اعمالها وباستمرار مواضيع بدا انها ثوابت لديها مثل السياسة والحب والحرب والوطن والمنفى وقد برزت هذه المواضيع في افلامها الوثائقية كما الروائية.

وبعد ان درست المخرجة في باريس التي جاءتها عام 1973 في السوربون وفي معهد لويس لوميير انجزت عددا من الافلام الوثائقية كان اولها "خطوة بخطوة" عام 1997 الذي تناول الحرب والتدخل الخارجي في لبنان.

وبعد عدد من الاعمال الوثائقية وفيلم تلفزيوني عرضته قناة آرتي الفرنسية الالمانية انجزت رندة الشهال احد اهم افلامها الوثائقية "حروبنا الطائشة" الذي صورت فيه الحرب الاهلية اللبنانية من خلال افراد عائلتها ومسؤوليتهم وعلاقتهم بهذه الحرب في مزيج غير معهود بين العام والخاص.

ونال هذا الفيلم الذي يعتبر من اهم اعمالها الوثائقية والذي انجز عام 1995 جائزة الفيلم الوثائقي في بيانالي السينما العربية في باريس.

عام 2000 صورت رندة الشهال بورتريه لسهى بشارة المحررة من معتقل الخيام ايام الاحتلال الاسرائيلي للبنان في خطة اخرى تبين مدى التزامها القضايا الوطنية ومناهضتها للاحتلال عبر اعمالها.

وكانت الشهال قبل ذلك زارت مصر وانجزت عام 1984 فيلما وثائقيا عن الشيخ امام تحول اليوم الى وثيقة حول المغني الراحل.

وهي في رحلتها الفنية لم تتردد حتى في تصوير الفيديو كليب حيث وقعت كليب لطيفة "معلومات مش اكيدة" التي كتب كلماتها ووضع موسيقاها الفنان زياد الرحباني الذي تعاونت الشهال معه لوضع الموسيقى التصويرية لفيلمها "طائرة من ورق" وهو يظهر ايضا ممثلا فيه.

كانت رندة الشهال مخرجة جريئة انجزت افلاما حميمية ملتزمة وبرعت في الوثائقي اكثر منه في الروائي وظلت يسارية بعد ان ارتد الكثيرون عن قناعاتهم في لبنان وظلت طموحة متمردة.

وعاشت رندة الشهال في باريس تحلم بلبنان الآخر وتنجز افلاما عنه تتصارع مع المرض الذي انتصرت عليه سنوات قبل ان يعود وينتصر عليها فتمضي الفترة الاخيرة من حياتها في كفاح مرير ضده لكنها ظلت مقاومة وشجاعة حتى اللحظة الاخيرة.

وذكرت مصادر عائلية في باريس لوكالة فرانس برس ان جثمان رندة الشهال التي توفيت الاثنين سينقل الى لبنان الخميس المقبل ثم توارى الثرى في مدينتها طرابلس الجمعة.

موقع "فرانس 24" في 26 أغسطس 2008

 
 

رندة الشهال:

صوت سينمائي نسائي لبناني متفرد يرحل في المنفى

باريس (ا ف ب) - لم تكن رندة الشهال مكثرة كمخرجة لكنها رحلت عن ثلاثة أفلام روائية وعدد من الأفلام الوثائقية ومشاريع روائية ووثائقية لم يتح لها المرض الخبيث اتمامها وتأخر تيسر المال اللازم لانتاجها.

وقد انتظر سيناريو فيلمها الاخير طويلا على الورق ورحلت بعد ان كتبته ولم تنجزه وهو نوع من كوميديا موسيقية حول عالم كرة القدم كان يفترض ان تقوم ببطولته الفنانة هيفاء وهبي في دور صاحبة مطعم الى جانب فال كريمر الاميركي والنجمة الاسبانية فيكتوريا ابريل كما سبق للمخرجة ان ذكرت في احاديث صحافية.

وكان فيلمها الروائي الأخير "طائرة من ورق" الذي تدور احداثه في اوساط الدروز في قرية حدودية مقسومة جزء منها لبناني-سوري والآخر محتل من قبل اسرائيل نال جائزة الدب الفضي في مهرجان البندقية عام 2003 وانتجه الفرنسي الراحل امبير بلزان منتج يوسف شاهين وعدد من المخرجين العرب الذين غدوا يتامى من دونه.

وافتتح هذا الفيلم ايام قرطاج السينمائية عام 2005 حيث كان اول فيلم روائي قصير لها فاز بجائزة قبل سنوات من ذلك.

وكانت الرقابة في لبنان منعت فيلمها الروائي الثاني "متحضرات" عام 1998 والا كان على المخرجة ان تحذف منه 47 دقيقة وهو ما رفضته رندة الشهال.

وركز الفيلم في كتابة درامية لا تخلو من سخرية مريرة على شخصيات تعيش حمى الحرب الاهلية اللبنانية وعلى خادمات متروكات في بيروت الحرب.

اما فيلمها الروائي الاول فحمل عنوان "شاشات الرمل" عام 1991 وحكى قصة صداقة حميمة بين امراتين.

وقد تناولت رندة الشهال في اعمالها وباستمرار مواضيع بدا انها ثوابت لديها مثل السياسة والحب والحرب والوطن والمنفى وقد برزت هذه المواضيع في افلامها الوثائقية كما الروائية.

وبعد ان درست المخرجة في باريس التي جاءتها عام 1973 في السوربون وفي معهد لويس لوميير انجزت عددا من الافلام الوثائقية كان اولها "خطوة بخطوة" عام 1997 الذي تناول الحرب والتدخل الخارجي في لبنان.

وبعد عدد من الاعمال الوثائقية وفيلم تلفزيوني عرضته قناة آرتي الفرنسية الالمانية انجزت رندة الشهال احد اهم افلامها الوثائقية "حروبنا الطائشة" الذي صورت فيه الحرب الاهلية اللبنانية من خلال افراد عائلتها ومسؤوليتهم وعلاقتهم بهذه الحرب في مزيج غير معهود بين العام والخاص.

ونال هذا الفيلم الذي يعتبر من اهم اعمالها الوثائقية والذي انجز عام 1995 جائزة الفيلم الوثائقي في بيانالي السينما العربية في باريس.

عام 2000 صورت رندة الشهال بورتريه لسهى بشارة المحررة من معتقل الخيام ايام الاحتلال الاسرائيلي للبنان في خطة اخرى تبين مدى التزامها القضايا الوطنية ومناهضتها للاحتلال عبر اعمالها.

وكانت الشهال قبل ذلك زارت مصر وانجزت عام 1984 فيلما وثائقيا عن الشيخ امام تحول اليوم الى وثيقة حول المغني الراحل.

وهي في رحلتها الفنية لم تتردد حتى في تصوير الفيديو كليب حيث وقعت كليب لطيفة "معلومات مش اكيدة" التي كتب كلماتها ووضع موسيقاها الفنان زياد الرحباني الذي تعاونت الشهال معه لوضع الموسيقى التصويرية لفيلمها "طائرة من ورق" وهو يظهر ايضا ممثلا فيه.

كانت رندة الشهال مخرجة جريئة انجزت افلاما حميمية ملتزمة وبرعت في الوثائقي اكثر منه في الروائي وظلت يسارية بعد ان ارتد الكثيرون عن قناعاتهم في لبنان وظلت طموحة متمردة.

وعاشت رندة الشهال في باريس تحلم بلبنان الآخر وتنجز افلاما عنه تتصارع مع المرض الذي انتصرت عليه سنوات قبل ان يعود وينتصر عليها فتمضي الفترة الاخيرة من حياتها في كفاح مرير ضده لكنها ظلت مقاومة وشجاعة حتى اللحظة الاخيرة.

وذكرت مصادر عائلية في باريس لوكالة فرانس برس ان جثمان رندة الشهال التي توفيت الاثنين سينقل الى لبنان الخميس المقبل ثم توارى الثرى في مدينتها طرابلس الجمعة.

فرانس برس في 26 أغسطس 2008

 
 

رحيل رندة الشهال

غزالة السينما اللبنانية

توفيت ليل الاثنين في فرنسا المخرجة اللبنانية الشهيرة رندة الشهال عن عمر ناهز 55 عاماً بعد صراع طويل مع مرض عضال.

وتوفيت المخرجة اللبنانية التي عرفت بجرأة نادرة في معالجة مواضيع تشغل الانسان العربي، الاثنين، كما علم من مصدر عائلي.

وتميزت الشهال بمعالجتها مواضيع سياسية تحكي الحب والحرب والوطن والمنفى وتنبع من هم ثقافي يدور في فلك القضايا التي تشغل الانسان العربي، ومن أبرز أفلامها الروائية "متحضرات" و"طيارة من ورق" الذي نال جائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي.

واشادت الصحف اللبنانية الثلاثاء "بجرأة" المخرجة اللبنانية رندة الشهال التي توفيت الاثنين، و"عنادها" في نقل المعاناة السياسية والانسانية للانسان العربي الى الشاشة في اعمال "نخبوية".

واكدت الشهال (55 عاما) مرارا اعتزازها بالتزامها القضايا العربية، ورددت مرارا "احرك الكاميرا من اليمين الى اليسار مثل الكتابة بالعربية".

وذكرت صحيفة "اللواء" بان الشهال رفضت في 1999 ان "تتقاسم جائزة اليونسكو (منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم) للسلام مع المخرج الاسرائيلي عاموس غيتاي".

وكتبت صحيفة "النهار" ان "الشغل الشاغل للشهال كان العبث بالمسلمات" في افلام "نخبوية" "اتسمت "بالذاتية والحميمية" وواجهت "سيلا من الانتقادات وسوء الفهم والتحليل".

ولفتت الى ان الشهال "يسارية مناضلة بقيت على موقفها بعد انهيار كل الايديولوجيات" وانها "استفزازية في طباعها مشاكسة متعنتة في قناعاتها عنيدة وطموحة".

وعنونت صحيفة "السفير" مقالتها بعبارة "رحيل غزالة السينما اللبنانية".

وكتبت الصحيفة انها "صنعت مسارا من التساؤلات الجمة وتمارين خصبة في الية صنع سينما لبنانية عربية منفتحة على افاق الاختبارات الانسانية والثقافية والفنية العالمية".

وقالت صحيفة "المستقبل" ان رندة الشهال كانت "شخصية جدلية بامتياز صدامية ومقاتلة ومتمردة في كافة مراحل حياتها".

لم تكن رندة الشهال مكثرة كمخرجة لكنها رحلت عن ثلاثة أفلام روائية وعدد من الأفلام الوثائقية ومشاريع روائية ووثائقية لم يتح لها المرض الخبيث اتمامها وتأخر تيسر المال اللازم لانتاجها.

وقد انتظر سيناريو فيلمها الاخير طويلا على الورق ورحلت بعد ان كتبته ولم تنجزه وهو نوع من كوميديا موسيقية حول عالم كرة القدم كان يفترض ان تقوم ببطولته الفنانة هيفاء وهبي في دور صاحبة مطعم الى جانب فال كريمر الاميركي والنجمة الاسبانية فيكتوريا ابريل كما سبق للمخرجة ان ذكرت في احاديث صحافية.

وكان فيلمها الروائي الأخير "طائرة من ورق" الذي تدور احداثه في اوساط الدروز في قرية حدودية مقسومة جزء منها لبناني-سوري والآخر محتل من قبل اسرائيل نال جائزة الدب الفضي في مهرجان البندقية عام 2003 وانتجه الفرنسي الراحل امبير بلزان منتج يوسف شاهين وعدد من المخرجين العرب الذين غدوا يتامى من دونه.

وافتتح هذا الفيلم ايام قرطاج السينمائية عام 2005 حيث كان اول فيلم روائي قصير لها فاز بجائزة قبل سنوات من ذلك.

وكانت الرقابة في لبنان منعت فيلمها الروائي الثاني "متحضرات" عام 1998 والا كان على المخرجة ان تحذف منه 47 دقيقة وهو ما رفضته رندة الشهال.

وركز الفيلم في كتابة درامية لا تخلو من سخرية مريرة على شخصيات تعيش حمى الحرب الاهلية اللبنانية وعلى خادمات متروكات في بيروت الحرب.

اما فيلمها الروائي الاول فحمل عنوان "شاشات الرمل" عام 1991 وحكى قصة صداقة حميمة بين امراتين.

وقد تناولت رندة الشهال في اعمالها وباستمرار مواضيع بدا انها ثوابت لديها مثل السياسة والحب والحرب والوطن والمنفى وقد برزت هذه المواضيع في افلامها الوثائقية كما الروائية.

وبعد ان درست المخرجة في باريس التي جاءتها عام 1973 في السوربون وفي معهد لويس لوميير انجزت عددا من الافلام الوثائقية كان اولها "خطوة بخطوة" عام 1997 الذي تناول الحرب والتدخل الخارجي في لبنان.

وبعد عدد من الاعمال الوثائقية وفيلم تلفزيوني عرضته قناة آرتي الفرنسية الالمانية انجزت رندة الشهال احد اهم افلامها الوثائقية "حروبنا الطائشة" الذي صورت فيه الحرب الاهلية اللبنانية من خلال افراد عائلتها ومسؤوليتهم وعلاقتهم بهذه الحرب في مزيج غير معهود بين العام والخاص.

ونال هذا الفيلم الذي يعتبر من اهم اعمالها الوثائقية والذي انجز عام 1995 جائزة الفيلم الوثائقي في بيانالي السينما العربية في باريس.

عام 2000 صورت رندة الشهال بورتريه لسهى بشارة المحررة من معتقل الخيام ايام الاحتلال الاسرائيلي للبنان في خطة اخرى تبين مدى التزامها القضايا الوطنية ومناهضتها للاحتلال عبر اعمالها.

وكانت الشهال قبل ذلك زارت مصر وانجزت عام 1984 فيلما وثائقيا عن الشيخ امام تحول اليوم الى وثيقة حول المغني الراحل.

وهي في رحلتها الفنية لم تتردد حتى في تصوير الفيديو كليب حيث وقعت كليب لطيفة "معلومات مش اكيدة" التي كتب كلماتها ووضع موسيقاها الفنان زياد الرحباني الذي تعاونت الشهال معه لوضع الموسيقى التصويرية لفيلمها "طائرة من ورق" وهو يظهر ايضا ممثلا فيه.

كانت رندة الشهال مخرجة جريئة انجزت افلاما حميمية ملتزمة وبرعت في الوثائقي اكثر منه في الروائي وظلت يسارية بعد ان ارتد الكثيرون عن قناعاتهم في لبنان وظلت طموحة متمردة.

وعاشت رندة الشهال في باريس تحلم بلبنان الآخر وتنجز افلاما عنه تتصارع مع المرض الذي انتصرت عليه سنوات قبل ان يعود وينتصر عليها فتمضي الفترة الاخيرة من حياتها في كفاح مرير ضده لكنها ظلت مقاومة وشجاعة حتى اللحظة الاخيرة.

وذكرت مصادر عائلية في باريس ان جثمان رندة الشهال التي توفيت الاثنين سينقل الى لبنان الخميس المقبل ثم توارى الثرى في مدينتها طرابلس الجمعة.

ميدل إيست أنلاين في 26 أغسطس 2008

 
 

هوفيك حبشيان يكتب عن رندا الشهال

كان قلبها ينبض بالقضايا العربية. لبنان، فلسطين، العراق. وقضيتها الأخيرة كانت هذا المرض السرطاني الذي هزمها أمس في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية. كانت تبلغ من العمر 55 عاماً، أمضت الجزء الكبير منه وهي تحاول ألا تكون في موقع الضحية. وأن تقاوم الاحتلال للانسان، جسداً وعقلاً، أياً يكن شكله. اتسمت أفلام المخرجة الطرابلسية رندة الشهال صباغ بالذاتية والحميمية وكان شغلها الشاغل العبث بالمسلمات، نتيجة خوضها ما يسمى "سينما المؤلف"، على طريقتها الخاصة جداً. وأكثر ما كان يغضبها ويثير حفيظتها في علاقتها بالأوروبيين، تلك النظرة المنمطة الى العرب، ولكن كانت تعترف بأننا نحن المسؤولون عن ذلك، لأننا لا نفعل شيئاً لتحسين صورتنا. لا نفعل شيئاً للتخلص من الاستعمار الاسرائيلي للمنطقة. لا نفعل شيئاً كي نكون أقوى، فكراً وسلطة.

كانت الشهال يسارية مناضلة من النوع الذي بقي على موقفه ثابتاً حتى بعد انهيار كل الايديولوجيات. أحلامها النضالية والتغييرية التي جاءت بها من ستينات القرن الماضي، في زمن مراهقتها، تكسرت شيئاً فشيئاً على أبواب الرقابات والاخفاقات والعلاقات المكلومة بينها وبين الجمهور، من جهة، والكرّ والفرّ بينها وبين النقاد والصحافة من جهة أخرى. والشهال لم تقصر في ردود أفعالها. بل كانت استفزازية في طباعها. مشاكسة، متعنتة في اقتناعاتها، عنيدة وطموحة، ولا ترحم عندما تدعو الحاجة الى ذلك. لا تتوانى عن الرد على مقالة عنها نشرت في صحيفة ولا يعجبها مضمونها. ولا تخاف اعتماد مبدأ العين بالعين والسن بالسن مع الرقابة اللبنانية التي منعت فيلمها "متحضرات" بعدما أرادت حذف أكثر من نصفه، في اطار قضية شغلت الرأي العام اللبناني طوال عام 1999. في المقابل، كان يسهل انتقادها على بعض الخيارات التي قامت بها، كمثل قبولها وسام الأرز الوطني من السلطة اللبنانية في مناسبة نيل فيلمها "طيارة من ورق" الأسد الفضي في مهرجان البندقية، بعدما كانت مرغت في الوحل سابقاً على يد السلطة نفسها!

"في اليوم الذي سأقوم فيه برقابة ذاتية سأعتبر انه قُضي عليّ"، كانت تقول، وفي نبرة صوتها شيء من التحدي والتوكيد. ومع ذلك، كانت تجد أن لديها رقابة فكرية وايديولوجية، كونها تعيد النظر باستمرار في ما تكتبه وتصوره. هذا لم يمنعها من أن تطرح على نفسها التساؤلات من غير ان تضع حدوداً لخيالها. وكانت الشهال ترفض تحويل المناقشة في شأن "متحضرات" جدلاً حول بعض الشتائم التي وردت فيه. ان الخلاف على الفيلم، في رأيها، كان يتعلق بالنظرة الى الحرب الاهلية اللبنانية. في حين أنها، هي، كانت ترغب في تناول بشاعة الحرب سبيلاً لتجاوزها ومنع تكرارها، كانت الرقابة تعتمد سياسة النعامة.

بعد صفعة "متحضرات"، بدا "طيارة من ورق" مزحة. كان الشريط قائماً على لقطات شاعرية تنتمي الى الفن السابع في خصائصه الاستطاطيقية. صورته الشهّال في قرى هانئة ضمن التنوع الجغرافي للطبيعة اللبنانية. لكن الشريط جاء حافلاً بالمغالطات، وبالنزق اللفظي والشخصيات التي ظلت ملامحها منقوصة. حاولت المخرجة اقتحام بيئة (الموحدين الدروز) لها حرمتها الشديدة وخصوصياتها الفريدة، لكنها بقيت سجينة في متاهات الخفة وشح المخيلة. وبدا الفيلم نتيجة تمرد صبياني على العادات والتقاليد.

والشهال، كنا اعتدناها تقول كلمتها وتمشي. وتلوم من العرب مَن لا يحرك ساكناً لتحرير القدس. وعلى رغم ذلك، لم تكن تكترث كثيراً لإمرار فكرة ما في أفلامها، على نحو خبيث أو مضمر أو رمزي. وهذا ما جعلها تبدو مباشرة في معالجتها لمسائل شائكة. كمخرجة كانت تشكو دائماً من كون همومها تنتمي الى الجماعة أكثر من انتمائها الى الفرد. شيوعية الى أعمق مكان في وجدانها، كانت تقول إن أميركا نجحت في تعميم ثقافة الفراغ من حولنا.

مثل غالبية السينمائيين اللبنانيين، ظلت تجربة الشهال منقوصة. أواخر عام 2005 كان قد عقد لها مؤتمر صحافي أعلنت فيه أمام حفنة من الصحافيين عن بدء استعدادها لتصوير عمل عنوانه "لسوء حظهم". توقع منتجه ايلي سماحة مشاركة كل من الاسبانية فيكتوريا ابريل والفرنسية فاهينا جيوكانتي فيه، لكن العمل لم ينجز لأسباب غير واضحة. ربما بدء اكتشافها المرض حال دون ذلك. والفيلم، لو أنجز، كان سيكون الرابع في سجل المخرجة بعد "شاشات الرمل" و"متحضرات" و"طيارة من ورق" الذي عرض في الصالات العالمية بعد تكريمه في البندقية، في الدورة الأولى التي تسلم ادارتها ماركو موللر الذي كان يقدرها، اذ عاد ومنحها عضوية لجنة التحكيم في أحد أقسام المهرجان الشهير العام الماضي. في المدينة العائمة كانت لنا محطة معها. ولم نكن ندرك أنها ستكون الأخيرة.

في الفترة الأخيرة، كانت للشهال رغبة في العبور الى خارج الحدود التي عملت ضمنها سنوات طويلة، وخارج المناخ الثقافي الذي كانت فيه، وبعيداً من الجمهور النخبوي. كانت لديها رغبة حقيقية في التواصل مع جمهور حجمه أكبر. بالنسبة اليها، كانت تلك خطوة اساسية مكملة لمسيرتها التي بدأت خلال الحرب الأهلية بأفلام وثائقية ومن ثم أعمال روائية في مناخ مشابه. وكان بديهياً ان تفكر في التوسع متفادية التكرار. هذا القرار اتخذته الشهال، بعدما تعرضت افلامها السابقة لسيل من الانتقادات وسوء الفهم والتحليل من صحافة متسرعة ولا ترى جيداً، بحيث بدأت تسأل نفسها: "الى من أتوجه بأفلامي وأين موقعي؟"، معترفةً بأنها تعبت من الجمهور النخبوي وهو على الأرجح تعب منها.

كانت ترى أن أصعب ما في الدنيا هو العمل باسلوب خفيف. لذلك، تغيرت نظرتها الى السينما عبر الزمن، وليس دائماً في اتجاه ما هو أنضج. لكنها تغيرت. تكفي المقارنة بين "متحضرات" و"طيارة من ورق". سمعناها تقول: "اغير النهج الذي اعتمده عند انتقالي من فيلم الى آخر. والاّ سأشعر بالملل اذا قمت بالشيء ذاته في كل الأفلام. لكل عمل خصوصيته، وتالياً يفرض عليّ الاستجابة لمنطق معين. ولكن، اذا شاهدت كل أفلامي بتمعن تكتشف ان فيها قاسماً مشتركاً. مثلاً، انا اصور وأحرك الكاميرا من اليمين الى اليسار وليس العكس، تماماً مثل الكتابة العربية. في أفلامي تجد دائما احداً يجتاز مساحة معينة وهي مساحة ممنوعة".

شبكة السينما العربية في 26 أغسطس 2008

 
 

وفاة رندة الشهّال الحائزة على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان ڤنييسيا عن فيلمها »طائرة من ورق«

محمد رضا

أشعر بالحزن لرحيل رنـدة الشهّـال بـعـد معـاناة سنوات مع السرطان. واحدة مـن ثلاث مخرجات لبنانيات بدأن تحقيــق الأفلام تقريباً معاً في مطلع السبعينات٠ غداً مداخلتي متحدّثاً عن فيلمها الأخيـر »طـائرة مـن ورق« الحائـز على جائزة لجـنـة التحكيم الخاصة مـن مـهرجان فانيسـيا سنة 2003 لكنـي اليوم أحيل الكلمة الى الزميل هوڤيك حبشيان الذي نعاهـــا في عدد يوم الإثنين من صحيفة »النهار« اللبـنانية بمقالتـه التالية٠

 

حاربت لأجل القضايا العربية وهزمها الموت

بقلم: هوفيك حبشيان

كان قلبها ينبض بالقضايا العربية. لبنان، فلسطين، العراق. وقضيتها الأخيرة كانت هذا المرض السرطاني الذي هزمها أمس في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية. كانت تبلغ من العمر 55 عاماً، أمضت الجزء الكبير منه وهي تحاول ألا تكون في موقع الضحية. وأن تقاوم الاحتلال للانسان، جسداً وعقلاً، أياً يكن شكله. اتسمت أفلام المخرجة الطرابلسية رندة الشهال صباغ بالذاتية والحميمية وكان شغلها الشاغل العبث بالمسلمات، نتيجة خوضها ما يسمى "سينما المؤلف"، على طريقتها الخاصة جداً. وأكثر ما كان يغضبها ويثير حفيظتها في علاقتها بالأوروبيين، تلك النظرة المنمطة الى العرب، ولكن كانت تعترف بأننا نحن المسؤولون عن ذلك، لأننا لا نفعل شيئاً لتحسين صورتنا. لا نفعل شيئاً للتخلص من الاستعمار الاسرائيلي للمنطقة. لا نفعل شيئاً كي نكون أقوى، فكراً وسلطة.

كانت الشهال يسارية مناضلة من النوع الذي بقي على موقفه ثابتاً حتى بعد انهيار كل الايديولوجيات. أحلامها النضالية والتغييرية التي جاءت بها من ستينات القرن الماضي، في زمن مراهقتها، تكسرت شيئاً فشيئاً على أبواب الرقابات والاخفاقات والعلاقات المكلومة بينها وبين الجمهور، من جهة، والكرّ والفرّ بينها وبين النقاد والصحافة من جهة أخرى. والشهال لم تقصر في ردود أفعالها. بل كانت استفزازية في طباعها. مشاكسة، متعنتة في اقتناعاتها، عنيدة وطموحة، ولا ترحم عندما تدعو الحاجة الى ذلك. لا تتوانى عن الرد على مقالة عنها نشرت في صحيفة ولا يعجبها مضمونها. ولا تخاف اعتماد مبدأ العين بالعين والسن بالسن مع الرقابة اللبنانية التي منعت فيلمها "متحضرات" بعدما أرادت حذف أكثر من نصفه، في اطار قضية شغلت الرأي العام اللبناني طوال عام 1999. في المقابل، كان يسهل انتقادها على بعض الخيارات التي قامت بها، كمثل قبولها وسام الأرز الوطني من السلطة اللبنانية في مناسبة نيل فيلمها "طيارة من ورق" الأسد الفضي في مهرجان البندقية، بعدما كانت مرغت في الوحل سابقاً على يد السلطة نفسها!

"في اليوم الذي سأقوم فيه برقابة ذاتية سأعتبر انه قُضي عليّ"، كانت تقول، وفي نبرة صوتها شيء من التحدي والتوكيد. ومع ذلك، كانت تجد أن لديها رقابة فكرية وايديولوجية، كونها تعيد النظر باستمرار في ما تكتبه وتصوره. هذا لم يمنعها من أن تطرح على نفسها التساؤلات من غير ان تضع حدوداً لخيالها. وكانت الشهال ترفض تحويل المناقشة في شأن "متحضرات" جدلاً حول بعض الشتائم التي وردت فيه. ان الخلاف على الفيلم، في رأيها، كان يتعلق بالنظرة الى الحرب الاهلية اللبنانية. في حين أنها، هي، كانت ترغب في تناول بشاعة الحرب سبيلاً لتجاوزها ومنع تكرارها، كانت الرقابة تعتمد سياسة النعامة.

بعد صفعة "متحضرات"، بدا "طيارة من ورق" مزحة. كان الشريط قائماً على لقطات شاعرية تنتمي الى الفن السابع في خصائصه الاستطاطيقية. صورته الشهّال في قرى هانئة ضمن التنوع الجغرافي للطبيعة اللبنانية. لكن الشريط جاء حافلاً بالمغالطات، وبالنزق اللفظي والشخصيات التي ظلت ملامحها منقوصة. حاولت المخرجة اقتحام بيئة (الموحدين الدروز) لها حرمتها الشديدة وخصوصياتها الفريدة، لكنها بقيت سجينة في متاهات الخفة وشح المخيلة. وبدا الفيلم نتيجة تمرد صبياني على العادات والتقاليد.

والشهال، كنا اعتدناها تقول كلمتها وتمشي. وتلوم من العرب مَن لا يحرك ساكناً لتحرير القدس. وعلى رغم ذلك، لم تكن تكترث كثيراً لإمرار فكرة ما في أفلامها، على نحو خبيث أو مضمر أو رمزي. وهذا ما جعلها تبدو مباشرة في معالجتها لمسائل شائكة. كمخرجة كانت تشكو دائماً من كون همومها تنتمي الى الجماعة أكثر من انتمائها الى الفرد. شيوعية الى أعمق مكان في وجدانها، كانت تقول إن أميركا نجحت في تعميم ثقافة الفراغ من حولنا.

مثل غالبية السينمائيين اللبنانيين، ظلت تجربة الشهال منقوصة. أواخر عام 2005 كان قد عقد لها مؤتمر صحافي أعلنت فيه أمام حفنة من الصحافيين عن بدء استعدادها لتصوير عمل عنوانه "لسوء حظهم". توقع منتجه ايلي سماحة مشاركة كل من الاسبانية فيكتوريا ابريل والفرنسية فاهينا جيوكانتي فيه، لكن العمل لم ينجز لأسباب غير واضحة. ربما بدء اكتشافها المرض حال دون ذلك. والفيلم، لو أنجز، كان سيكون الرابع في سجل المخرجة بعد "شاشات الرمل" و"متحضرات" و"طيارة من ورق" الذي عرض في الصالات العالمية بعد تكريمه في البندقية، في الدورة الأولى التي تسلم ادارتها ماركو موللر الذي كان يقدرها، اذ عاد ومنحها عضوية لجنة التحكيم في أحد أقسام المهرجان الشهير العام الماضي. في المدينة العائمة كانت لنا محطة معها. ولم نكن ندرك أنها ستكون الأخيرة.

في الفترة الأخيرة، كانت للشهال رغبة في العبور الى خارج الحدود التي عملت ضمنها سنوات طويلة، وخارج المناخ الثقافي الذي كانت فيه، وبعيداً من الجمهور النخبوي. كانت لديها رغبة حقيقية في التواصل مع جمهور حجمه أكبر. بالنسبة اليها، كانت تلك خطوة اساسية مكملة لمسيرتها التي بدأت خلال الحرب الأهلية بأفلام وثائقية ومن ثم أعمال روائية في مناخ مشابه. وكان بديهياً ان تفكر في التوسع متفادية التكرار. هذا القرار اتخذته الشهال، بعدما تعرضت افلامها السابقة لسيل من الانتقادات وسوء الفهم والتحليل من صحافة متسرعة ولا ترى جيداً، بحيث بدأت تسأل نفسها: "الى من أتوجه بأفلامي وأين موقعي؟"، معترفةً بأنها تعبت من الجمهور النخبوي وهو على الأرجح تعب منها.

كانت ترى أن أصعب ما في الدنيا هو العمل باسلوب خفيف. لذلك، تغيرت نظرتها الى السينما عبر الزمن، وليس دائماً في اتجاه ما هو أنضج. لكنها تغيرت. تكفي المقارنة بين "متحضرات" و"طيارة من ورق". سمعناها تقول: "اغير النهج الذي اعتمده عند انتقالي من فيلم الى آخر. والاّ سأشعر بالملل اذا قمت بالشيء ذاته في كل الأفلام. لكل عمل خصوصيته، وتالياً يفرض عليّ الاستجابة لمنطق معين. ولكن، اذا شاهدت كل أفلامي بتمعن تكتشف ان فيها قاسماً مشتركاً. مثلاً، انا اصور وأحرك الكاميرا من اليمين الى اليسار وليس العكس، تماماً مثل الكتابة العربية. في أفلامي تجد دائما احداً يجتاز مساحة معينة وهي مساحة ممنوعة"

مدونة "ظلال وأشباح" في 26 أغسطس 2008

 
 

رنـده الشهـّال..

 نقـص شـيء مـن الجمـال والجـرأة والمشـاكسـة فـي حياتنـا

رنده الشهّال انطفأت عن خمسة وخمسين عاماً. سينقص من حياتنا شيء من الجمال والذكاء والجرأة والاستفزاز في آن معاً. لم تكن رنده سينمائية فحسب، بل مناضلة في سبيل السينما، كما كانت مناضلة في كل شيء. إصرارها على أن تُخرج وتُنتج أفلاماً متلاحقة على الرغم من جبال العقبات، التي تواجه سينمائيينا الجدد، كان بحدّ ذاته معركة دائمة. لم تكن رنده لتيأس، على الرغم من ذلك. كانت تستطيع، بمعجزة أو بأخرى، أن تطلق دائماً فيلماً جديداً. جديداً، لكن صادماً ومثيراً وإشكالياً، وموضع سلب وإيجاب، وأخذ وردّ.

لقد ذهبت بعيداً في كل شيء، وما كان في مقدور أي كان أن يتخيّل أن هذه الشعلة الجامحة ستواجه المرض عند المفترق، وسيجبرها المرض على أن تتوقف. لا بُدّ أن أفكاراً كثيرة جديدة ومشاريع بلا عدد لقيت الصمت نفسه. فرنده الشهّال في معاركها الدائمة، أوحت لنا بأنها دائماً في البداية، وأن أمامها الكثير الكثير. هذا الكثير الذي نعلم الآن أنه بات في السرّ وضرب عليه الكتمان.

هنا مقالة وشهادات عنها.

محمد ملص:  على »شاشات الرمل«

حين نظرت إلى شاشة الموبايل وقرأت اسم راشد عيسى، انقبض صدري وشعرت بالخوف. مَن الاسم الذي سيقوله لي اليوم أيضاً؟ حين قال لي رندة الشهّال، بعيداً عن أي مقدمة، فقد ألقمني حجراً. سادني صمت بهيميّ، وازدردت الكلمات في الحلق، وتبددت الصُوَر. انتابتني الرغبة في الهروب إلى السرير، والذهاب بعيداً بعينين مغلقتين، لا يتناهى معها إلا دقات القلب، فبدت لي بيروت تلك. بيروت تلك، التي كنا نفر من خوفنا إليها! بيروت »السينما«. بيروت الحركة الوطنية بكل صبوتها، بيروت مارون بغدادي وجوزيف سماحة و...

بيروت، هذه الصبية الطرابلسية الصغيرة بكل ألقها السينمائي، وألق السينما الوثائقية آنذاك. بيروت ورندة الشهّال تحتضننا في »ظريفها«، وتفتح لنا وأمامنا كل الحوارات والمرجعيات الشخصية والعامة، الصاخبة والهادئة، السياسية والسينمائية.

بيروت، وهذه الصبية الصغيرة تراجع الحوارات عبر هاتفها مع أمها أو أبيها، أو مع نهلة، أو مع نصير، أو مع جوزيف، وهي تخرج إلى الشرفة لتعرف من الذي يقصف من، وأين سقطت القذيفة. ثم وهي تخرج على عجل لتمضي بنا إلى ميشيل سورا، ريثما تعود بعد أن تصوّر لقطةً أو مشهداً في فيلم لم تختره بعد.

بعد ثلاثين عاماً، حين احتضنتها في قرطاج بقوة، بعد عرض فيلمها الأخير »طيّارة من ورق«، انكمشت ألماً من قوة احتضاني، وقالت لي: »صدري يؤلمني«. كنت دائماً يا رندة تبدّدين توقعاتي، تفاجئينني بقوتك وحيويتك وشجاعتك، بعناوين أفلامك، بسينماك، باختياراتك، بنصوصك الجميلة، بأمك، بأبيك، بـ»نهلاك«، بوفائك لصداقاتك، بغياباتك الطويلة وبقائك كما عرفتك مشبعة بالحماسة لأي منا، ولأي مشروع سينمائي لأصدقاء الصبا في بيروت أو دمشق أو القاهرة أو باريس. كأننا معاً طيارات من ورق، نطير ولا نطير، وكأنك تدركين أننا جميعاً شاشات على الرمل.

لن أعترف يا رندة بفراقك لنا، لأننا لا نزال نريد أن نهرب من شاشات آلامنا، وأعدك بأننا سنكتب ونصوّر ونعارك، لا لكي ننجو من الوجع الذي يحاصرنا، بل لكي نمدّ صورة العمر المشتهاة أبعد قليلاً... قليلاً فقط.

أسامة محمد:  في منام اسمه بيروت

ثم نهضت عن كرسيها في آخر الطاولة الاحتفالية، المأدبة، الثرية بالغرائب، ثم التفّت حول المدعوّين: عمر أميرالاي، الياس خوري، محمد ملص، مارسيل خليفة، إلى أن أصبحت في موقع الملاك خلف كتفي الأيمن. وعندما توقّع الإيقاع أنها ستكمل دورتها، لم يحصل، لم تظهر من اليسار، حيث ريجيس دوبريه.

اختفت ورائي. كانت مرئية من الجميع، إلا أنا.

كان الياس خوري يرفع للمرة العاشرة نخب »العام القادم في القدس«، مغيظاً ومربِكاً بطريقة عبثية السيد دوبريه. هنا، هبطت يدها فجأة، كأنما من لا وعي اللقطة البصرية. أمسكت بباطن كفي، حيث خطوط الـ DNA. سحبتها (كفي) من داخل جيبي ولامستها الطاولة، ثم دخل همسها من البعد الثاني للأصوات: »تناول هذا يا هذا«. وكان وجهها الذي تذكرون، ولداً جنياً شيطانياً، يحبني ويلاعبني ويسخر من ارتباكي ورفضي الغامض للطقس الملكي.

حين أكملت رندة دورتها، كان دوبريه قد غادر من كثرة المرّات الأولى التي تخرج لي رندة كفي من جيبي. صار هذا مجاز لعبنا. تفاجئني. تقبض على نفسي المرتكبة، المرتبكة.

كان هذا ما كان منزلها في باريس في العام .١٩٨٨ قبلها، التقينا في بيتها، في منام اسمه بيروت. كان الجدار أبيض عارياً نظيفاً، تزيّن بحرف الألف بمنحوتة اسمها الكلاشينكوف. كنا أسرة سينمائية، لمّت شملها اليساري بثوان. ولنثبت إنسانيتنا، كان علينا أن نلج الخطر، المخيمات، الحروب الطائشة، ومعارضة الاستبداد. في باريس، لم تعد كفي إلى جيبي مثلما خرجت، فلقد أقرضتني رندة مجازاً »......« ألف فرنك فرنسي، ليطبع »معمل جوان فيل« نسخة »نجوم النهار« وترجمته، فيخرج الفيلم من جيب السينما.

رحلت أختنا الثرية رندة. رحلت أختنا التي كنت أظن أنها ثرية. لا أعرف إن كانت تظن هي كذلك، قبل حربها الأهلية الدامية.

أم أن كفّها كانت في جيبها... بصّرت، فأبصرت كفي.

إميل شاهين:  أختي الصغيرة

بالنسبة إليّ، فإن رنده الشهّال أختي الصغيرة. عشتُ في طرابلس التي ولدت فيها رندة. كنا هواة سينما من جيلين مختلفين، إذ أني أكبرها بعشر سنوات تقريباً. كنت دائماً أنظر إلى الذين يحبّون السينما. هاوية السينما رندة تتحوّل إلى مخرجة، وأنا بتّ الشخص الذي يتابع أعمال صديقته.

لا شكّ في أنها فنانة عظيمة. كنت أتمنّى دائماً أن تكون أفلامها أقلّ تحدّيا أو تحريضا. من الزاوية الفنية، كان الشكل سينمائياً. لكني، كما الأخ الأكبر، يُداري شقيقته الصغرى، لهذا كنت أقول دائماً، كهاوي سينما، لو أن أفلامها، التي صنعتها خارج لبنان وفي داخله، تُعرض في الصالات للناس جميعهم، كي نفرح بها ونفتخر. كانت تصطدم بالرقابة، وكنتُ من الذين يرفضون أن يتحوّل الفنانون إلى ضحاياها. أذكر »متحضّرات«: كم عانى وواجه صعوبات.

لا أتحدّث عن أفلامها الغربية، كـ»الكفّار« (الخائنون)، الذي تناول مواضيع أساسية ومهمّة، كالمثلية الجنسية التي يعيشها أبطاله. هناك دائماً تحدّ/تحريض في أفلامها.

تجلّت فرحتنا الكبيرة عند حصولها على جائزة من مهرجان البندقية، عن فيلمها الجميل جداً »طيّارة من ورق«، الذي تعاملت فيه مع عدد من الفنانين الجيّدين، كجوليا قصّار ورندى الأسمر. كما أدخلت الفنان زياد الرحباني من خلاله إلى السينما اللبنانية للمرّة الأولى، بعد مشاركته سابقاً في فيلم جزائري. عرفت كيفية الاستفادة من موسيقاه. »طيّارة من ورق« من الأفلام التي توضع في خانة السينما اللبنانية التي تشقّ طريقها محطّة تلو أخرى على طريق الإقناع.

صُدمت عندما بلغني نبأ رحيلها. لم ألتق بها منذ وقت طويل، ولم أكن أعرف أنها مريضة. صدمني نبأ وفاتها. إذ دائماً كنتُ أنتظر أن أسمع منها أو عنها أنها أنجزت فيلماً جديداً وجميلاً، لكن الفاجعة الكبيرة كانت أني سمعت هذا النبأ الأليم. مع هذا، تبقى تعزية الفنانين أنهم، عندما يرحلون، فإن أعمالهم تخلّدهم، فنذكرهم ونتذكّرهم من خلالها.

لا يسعني هنا إلاّ أن اذكر مارون بغدادي، الذي رحل باكراً تماماً كما رندة الشهّال. لقد حافظا على لبنانيتهما، وأعطياها عالميتها.

سمير ذكرى:  »متحضّرات« في الذاكرة

أسف وحزن شديد لغياب السينمائية رندة الشهال. لقد حقّقت شيئاً ليس من السهل أن تحقّقه امرأة، كشخص أو كمخرجة. كما أن الأشواط التي قطعتها للوصول إلى هذه المكانة، التي تتّسم بالتحرّر والجرأة والانفتاح الداخلي والصلابة، هي أشواط بالغة الصعوبة، باعتبارها من بيئة محافظة.

من الجميل أن سينماها وطنية ومتحرّرة في آن واحد. في هذا الزمن، هي رمز للمرأة التي ظلّت، حتى آخر لحظة، تدافع عن فكرة الحرية في زمن ظلاميّ وصعب وشديد التخلّف. وللمفارقة، كانت دائماً تخطر في بالي، هي وأختها أطال الله في عمرها، حين أرى على الشاشة أقرباءهم من زعماء التيار السلفي المتطرّف في طرابلس.

أفلامها تظل في الذاكرة. يعجبني من بينها فيلم »متحضّرات«، الذي اتّسم بجرأة ونضج سينمائي، واشتغال على الأسلوبية.

بهيج حجيج:  جرأة واستفزاز

تعرّفت إليها في باريس في السبعينيات الفائتة، عندما كنت أنهي دراستي السينمائية. وصلت حينها. كانت ضائعة ومهضومة. وسريعاً، بتنا صديقين. ثم أنهت دراستها هناك. إنها من النساء القلائل في تلك الفترة اللواتي اخترن السينما، على نقيض هذه الأيام التي تشهد حضوراً نسائياً كبيراً في المجال السينمائي. يومها، لم تكن هناك إلاّ هي وجوسلين صعب وهيني سرور.

لديها أسلوبها الخاص في العمل: نوع من الجرأة في طرح المواضيع، بل واختيارها أيضاً. فيلما »متحضّرات« و»طيّارة من ورق« مثلاً: فيهما شيء من الاستفزازية. هذه طريقتها في تحريك الفكر اللبناني والعربي. حتى في فيلمها الوثائقي أيضاً، »حروبنا الطائشة«، الذي يُعتبر نوعاً من سيرة ذاتية مطبوعة بالجوّ الثوري الذي كانت مؤمنة به، هي المتحدّرة من عائلة مناضلة. إن سينماها نضالية مغلّفة بمناخ روائي.

ثم إنها كانت تدرك كيفية استعمال الرموز بشكل ذكي. مثلاً: تعاونها مع زياد الرحباني في »طيّارة من ورق«. في سينماها هذه، جمالية خاصّة بها. ففي »طيّارة من ورق«، كانت طريقة تصويرها النساء جميلة. لديها شغفٌ بتصوير النساء، أكثر من تصويرها الرجال.

إن موتها مؤسفٌ للغاية.

عبد اللطيف عبد الحميد:  ذكرى بيضاء

التقيت رندة الشهال في القاهرة لمرّة واحدة وأخيرة. كان اللقاء، بكل ما جرى فيه، أشبه بطقس سينمائي حزين. في العام ،٢٠٠٣ كان هناك عرض خاص بفيلمها »طيّارة من ورق«، وقد حاز حينها جائزة مهرجان فينيسيا. كنتُ أعرض فيلمي »ما يطلبه المستمعون«. بدت المناسبة، بكل ما جرى فيها وبمن فيها من السينمائيين، كأنها مشهد من فيلم. شاهدت رندة في تقديم الفيلم، وقد قدّمه حينها المنتج الفرنسي آمبير بازان، وتحدّث بحب عن الفيلم. كان يرتدي لباساً أبيض، هو الذي انتحر في ما بعد. في تأبينه، كان المعزّون جميعاً يرتدون الأبيض. ثم سلّم الحديث إلى يوسف شاهين، الذي تحدّث عن فيلم رندة، وعن رندة كذلك. كان بدوره يرتدي الأبيض، وكان التعب بادياً عليه، وهو بدوره قد رحل أيضاً.

انطفأت الأضواء. دخلنا في أجواء الفيلم، لنرى عروساً سورية ترتدي الأبيض. إنها حقاَ ذكرى بيضاء لأناس رحلوا. هذا الأبيض هو ما يعزيني، وهو ما يبقى.

أكرم الزعتري:  المشاغبة

عندما بلغني نبأ وفاتها، كان أول شعور انتابني هو أني مشتاق إليها كثيراً، وأن وقتاً طويلاً قد مرّ من دون أن نلتقي.

أما أفلامها، فتحتاج إلى نقاش كثير، لأن لا اتفاق حولها. ربما هنا تكمن أهميتها، إذ لدى رندة شيء ما في شخصيتها مُشاغب. في »الكفرة« مثلاً، ذهبت بموضوعه إلى الحدّ الأقصى. لكن، على الرغم من المآخذ التي يُمكن سوقها حول صناعتها السينمائية، فإنه من الواضح أنها حين تتناول موضوعاً معيناً، فإنها تذهب فيه إلى الآخر.

الفيلم المفضّل عندي هو »حروبنا الطائشة«، لأنها التقطت فيه مرحلة في لبنان لم يلتقطها أحدٌ، والتقاطها هذه المرحلة جاء صادقاً وصريحاً.

تكمن أهميتها في محاولتها أن تدفش الأمور إلى النهاية. ربما شخصيتها وطبعها ساعداها على هذا. لا أنسى أحد أفلامها، وهو »شاشات الرمل« مع ماريا شنايدر. هذا فيلم منسيّ كلّياً في السينما اللبنانية والعربية، مع أنه طرح مواضيع مهمّة. »الكفرة« أيضاً منسيّ، وحظوظ عرضه قليلة جداً. على كل حال، من يصنع أفلاماً مشاغبة، يدفع ثمناً باهظاً يتمثّل في أن حظوظ عرضه قليلة.

السفير اللبنانية في 27 أغسطس 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)