كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان فينيسيا

يهدي دورته القادمة ليوسف شاهين

سمير فريد

عن رحيل

يوسف شاهين

   
 
 
 
 
 

مهرجان فينيسيا رقم 65 الذي يفتتح في 27 أغسطس الحالي في المدينة الإيطالية الشهيرة هو أعرق مهرجانات السينما الدولية في العالم. إذ كانت دورته الأولي عام 1932 هي أول مهرجان دولي للسينما علي الإطلاق. وقد أعلن مديره الحالي ماركو موللر أن الدورة الجديدة سوف تهدي إلي اسم مخرجنا الراحل يوسف شاهين. كما أعلن مهرجان لوكارنو في سويسرا. والذي يفتتح اليوم. عن تنظيم تكريم خاص للفنان السينمائي المصري يعرض فيه فيلم "المصير".

لوكارنو كان ثاني مهرجان للسينما بعد فينيسيا. أو الثالث بعد مهرجان كان عام 1946. فقد أقيمت الدورة الأولي لكل منهما في نفس العام. كان في مايو ولوكارنو في أغسطس وهكذا يحتفي المهرجانان الأعرق في العالم باسم مخرجنا الكبير.

وكان مهرجان لوكارنو قد نظم عام 1996 في عيد ميلاد يوسف شاهين السبعين برنامجاً خاصاً عرض فيه كل أفلامه أما مهرجان فينسيا الذي اشترك يوسف شاهين في مسابقته بفيلم "حدوته مصرية" عام 1982. فقد كان آخر مهرجان حضره يوسف شاهين العام الماضي حيث عرض آخر أفلامه "هي فوضي".

الإسكندرية والقاهرة

وفي مصر أهدي مهرجان الإسكندرية الذي يفتتح 26 أغسطس الحالي دورته الجديدة إلي اسم يوسف شاهين وأعلن عن تنظيم ندوة عن الفنان يشترك فيها كبار النجوم الذين عملوا معه.

وأعلن فاروق حسني وزير الثقافة عن تنظيم احتفالية كبيرة في إطار مهرجان القاهرة ال 32 الذي ينعقد من 18 إلي 28 نوفمبر. وإن المهرجان سوف يوجه الدعوة إلي عدد من كبار نجوم فرنسا الذين عملوا مع شاهين مثل ميشيل بيكولي وباتريس شيرو وغيرهما.

علي صعيد العالم العربي أعلن مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي الثاني الذي ينعقد في أبو ظبي من 10 إلي 19 أكتوبر عن إقامة معرض فوتوغراف شامل عن حياة وأفلام فقيد السينما المصرية والعربية والعالمية في قصر الإمارات. ومن المتوقع أن تشهد المهرجانات العربية الأخري التي تنعقد في الخريف والشتاء أشكالاً مختلفة من تكريم اسم الفنان وهي قرطاج في تونس حيث فاز بالجائزة الكبري عام 1970 عن مجموع أفلامه. ومراكش حيث تم تكريمه في الدورة الأولي ودبي الذي كرمه العام الماضي. ودمشق.

ومن المتوقع أيضاً أن يحتفي مهرجان برلين باسم الفنان المصري الراحل في دورته القادمة في فبراير 2009 حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عام 1979 عن فيلمه "اسكندرية.. ليه". وقد صرح سفير المانيا في القاهرة بيرند إربل عند حضوره الجنازة بأن الشعب والحكومة في المانيا يحملان كل التقدير لأعمال الفنان وكذلك مهرجان كان في مايو 2009. والذي اشترك يوسف شاهين في مسابقته خمس دورات من 1952 إلي 1997: ابن النيل 1952 وصراع في الوادي 1954 والأرض 1970 والوداع يا بونابرت 1985 والمصير 1997 حيث فاز بالسعفة الذهبية الخاصة باليوبيل الذهبي للمهرجان الأشهر عن مجموع أفلامه.

مهرجان الإسماعيلية

في الأسبوع الماضي تولي الدكتور خالد عبدالجليل إدارة المركز القومي للسينما. وهو اختيار رائع لوزير الثقافة فاروق حسني لأستاذ السيناريو في معهد السينما. والباحث المتميز في رسالتيه للماجستير والدكتوراه. ويأمل صناع ونقاد السينما في مصر أن يبدأ المركز مرحلة جديدة مع تولي المدير "الشاب" "القوسان عن عمد لأنه في الرابعة والأربعين من عمره المديد إن شاء الله. ولكن هذا مفهوم البيروقراطية المصرية للشباب".

ومن المعروف أن المركز القومي للسينما ينظم مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة. والذي يعقد دورته الجديدة في أكتوبر بعد عيد الفطر المبارك ولا شك أن المهرجان لن يفوته تكريم اسم يوسف شاهين. بل إن لديه الفرصة لبرنامج يمكن أن ينفرد به بين كل المهرجانات الأخري في مصر والعالم العربي والعالم. وهو برنامج يتضمن كل أفلام يوسف شاهين القصيرة سواء الروائية أم التسجيلية.

أخرج يوسف شاهين 45 فيلماً منها 8 أفلام قصيرة و37 فيلماً طويلاً وفي كل قوائم أفلامه التي نشرت بعد وفاته اختلافات حول عدد الأفلام القصيرة. والأفلام الثمانية القصيرة هي "عيد الميرون" 1967. و"سلوي" 1972. و"انطلاق" 1973. و"القاهرة منورة بأهلها" 1991. و"لوميير وصحبه" 1995. و"كلها خطوة" 1998. و"11 سبتمبر" 2002. و"مهرجان كان ال 60" 2007 وبالطبع فإن المركز القومي للسينما بجمع هذه الأفلام. وترميم ما يحتاج منها لترميم. وعرضها بمهرجان الإسماعيلية. يقدم خدمة كبيرة لجمهور وصناع ونقاد السينما لمعرفة هذه الأفلام.

الجمهورية المصرية في 6 أغسطس 2008

 
 

قالوا في وداع يوسف شاهين

بقلم  سمير فريد

* إن إسهام يوسف شاهين المتميز في صناعة السينما المصرية سوف يبقي في ذاكرة الوطن وقلوب المصريين، وسوف يتواصل إبداعه من خلال المخرجين والفنانين الشباب الذين تعلموا علي يديه.

حسني مبارك

رئيس جمهورية مصر   

في بيان رسمي صدر عن الرئاسة

 

* فقدت السينما المخرج الكبير يوسف شاهين، الذي كان شديد التمسك بمصريته، وبالانفتاح علي العالم في نفس الوقت. وكان مدافعًا صلبًا عن حرية التعبير والحريات بصفة عامة، وندد طوال حياته من خلال أفلامه بالرقابة والتعصب والتطرف، لقد أتاحت له موهبته تطوير مختلف أشكال التعبير في جميع أنواع الأفلام، سواء التاريخية أم الموسيقية أم أفلام السيرة الذاتية. كان مثقفًا يتمتع باستقلال كبير، ومدافعًا بقوة عن حوار الثقافات.

نيكولاي ساركوزي

رئيس الجمهورية - فرنسا

في بيان رسمي صدر عن الرئاس

 

* كان يوسف شاهين مقاتلاً لا يكل ضد التطرف والعنف، ومدافعًا شرسًا عن التسامح واحترام الآخر.

جاك شيراك

رئيس الجمهورية السابق - فرنسا

في رسالة إلي أسرة شاهين

 

* العزاء لمصر في وفاة أحد كبار فناني السينما في العالم العربي والعالم.

زين العابدين بن علي

رئيس الجمهورية - تونس

في برقية عزاء للرئيس مبارك

 

* كان يوسف شاهين من أشد الملتزمين بنصرة القضايا العربية، وفي القلب منها قضية فلسطين، وقدم من خلال أعماله الفنية المميزة أفضل مستويات الإبداع في الفن السينمائي. لقد غاب عن حياتنا، وترك فراغًا، نسأل اللّه أن يملأه تلاميذه ومريدوه، وهذا أفضل الوفاء برسالته.

محمود عباس

رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية

في رسالة عزاء إلي الأسرة

 

* سنفتقد نحن كذلك ابنًا من لبنان حمل راية الفن عالية ووصل بجهده المميز إلي هذا الاعتراف الدولي بموهبته ومساهماته الكبري في تطوير السينما.

تمام سلام

وزير الثقافة - لبنان

في بيان رسمي عن الوزارة

 

* لقد جسد الراحل الكبير بفنه الراقي والهادف عنفوانًا قل نظيره، وهو سيبقي ملهمًا للأجيال الطالعة.

وليد جنبلاط

النائب في البرلمان اللبناني

في برقية عزاء للرئيس مبارك

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في 6 أغسطس 2008

 
 

يوسف شاهين..

صورة الممثل الباحث عن المخرج

رمضان سليم

فى فيلم من الأفلام العربية وهو"إسماعيل ياسين فى الطيران" ظهر هذا الممثل وهو يؤدى دور كومبارس بديل يضرب فى مكان البطل، ويتكرر ذلك فى عدة مشاهد على سبيل الإضحاك، ولكى يضمن الفيلم تعاطف الجمهور مع هذه الشخصية "اسماعيل ياسين" ويكون ذلك باعثا ومحركا للدخول فى الطيران الحربي. لقد انتج هذا الفيلم عام 1955 وهو للمخرج فطين عبد الوهاب، وقد ظهر المخرج يوسف شاهين فى دور المخرج الذى يطلب اعادة مشهد السلالم أكثر من مرة، وفى كل مرة يتكرر الضرب وبقسوة أشد.

صناعة قائمة

لم يكن الهدف من اختيار يوسف شاهين، إلا أن يكون صاحب الدور مخرجا فعليا وهذا ما تكرر أيضا من محمد خان وخيرى بشارة وغيرهم.

لكن الأمر بالنسبة إلى المخرج يوسف له وضعية مختلفة، فهذا الدور يحقق له طموحا مركبا ظل يراوده لفترة طويلة، طموح أن يكون ممثلا ويعمل فى السينما، وفى الأفلام الغنائية الراقصة على وجه التحديد.

ولكن لاعتبارات كثيرة، أهمها طبيعة التكوين الجسمانى بشكل عام، واختيار النجوم على نسق معين وبمواصفات لا تتوفر فى يوسف شاهين وعدم وجود المخرج الذى يقبل به ممثلا، كل ذلك كان سببا دافعا له للتركيز على الاخراج، ولا سيما بعد السفر الى أمريكا والدراسة والتدريب فى معهد "باسيدينا"، حيث يبقى المخرج نجما وراء الكاميرا، بل هو الذى يصنع النجم. إنها نجومية بطريقة أخرى مختلفة.

ولكن لم يستطع هذا المخرج ان يتعامل مع صناعة السينما القائمة، الا بحسب ما تفرضه من شروط، ورغم ذلك، فإن الفيلم الأول للمخرج "بابا أمين = 1950" قد جاء مختلفا فى موضوعه، محتفظا بالنجوم الذين يتطلبهم السوق وبالتالى سوف نجد فى الفيلم أسماء مثل فاتن حمامة وكمال الشناوى وحسين رياض وفريد شوقى وغيرهم.

اما الفيلم الثانى "ابن النيل – 1951" فقد سار على نفس المنوال، مع اضافة جديدة للمثل شكرى سرحان والذى كا نجما متواضعا ليتحول الى بطل له خصوصية معينة، يسنده كل من يحيى شاهين وفاتن حمامة.

متطلبات الإنتاج

ان التعامل مع النجوم التقليديين قد استمر فى باقى اشرطة يوسف شاهين حيث تبقى متطلبات الانتاج هى المتحكمة فى الاختيار ولهذا كان التعامل مع يوسف وهبى فى "المهرج الكبير 1952"– والتعامل مع ليلى مراد فى "سيرة القطار – 1952"– ثم فيلم "نساء بلا رجال – 1953" والذى اجتمع فيه كل من عماد حمدى وهدى سلطان وكمال الشناوى وزينات صدقي، إلا أننا سوف نلحظ أول ظهور للمخرج فى أفلامه من خلال دور صغير، وهذا يمكن أن ينظر إليه على أنه مسألة عابرة، فأكثر من مخرج يظهر فى أفلامه فى لقطة جانبية، إلا أن يوسف شاهين يختار لنفسه دورا فى الفيلم، وهذا ما سوف يتكرر بعد ذلك بطرق مختلفة.

وجوه جديدة

فى عام 1954 قدم يوسف شاهين وجها جديدا، كان قد تعرف عليه أثناء الدراسة فى كلية فيكتوريا بالاسكندرية، وعملية البحث عن الممثل الجديد ليست هاجسا بالنسبة إلى كل المخرجين، بل نجد أن أهم المخرجين فى السينما المصرية يستهلكون النجوم التقليديين ومن النادر أن يجازف أحدهم بتقديم الوجوه الجديدة، وهذا ما حدث مع صلاح أبو سيف مثلا، وكذلك كمال الشيخ ونيازى مصطفى، وهم جميعا يركزون على النجوم بدرجات متفاوتة، ومع بعض الاختلافات بالنسبة إلى المخرج حسن الإمام، وقضية اكتشاف الوجوه الجديدة يمكن أن تنسب الى أصحاب شركات الانتاج الذين يبحثون عن المغاير كما حدث لاحقا مع المنتج رمسيس نجيب.

لقد جاء فيلم "صراع فى الوادى – 1954" مختلفا بالنسبة ليوسف شاهين، لأنه يشير الى الصراع الاجتماعى فى الريف بين الفلاحين والباشاوات، واذا كان الرهان على ممثل جديد وهو عمر الشريف، فإن هناك أسماء تقليدية راسخة، كانت حاضرة وعلى رأس هؤلاء زكى رستم وفاتن حمامة وفريد شوقى وعبد الوارث عسر. وبالطبع يجسد الفيلم صراعا دراميا عائليا، مع توفر عنصر المكان المختلف، والذى اضاف للفيلم أبعادا جديدة غير معتادة.

عملية تعويض

كان البحث عن الممثل فى داخل يوسف شاهين هو الهاجس، وكانت صورة الممثل الجديد هى التعويض لنجومية التمثيل والتى تكاد أن تفر من بين يديه، وحتى فى ظل الاخراج، فإن يوسف شاهين دائم البحث عن الممثل، ثانى أفلام عمر الشريف كان بعنوان "شيطان الصحراء 1954" وهو من أفلام المغامرات الصحراوية البدوية التى لم يكررها يوسف شاهين، ومثل هذه الأفلام كانت منتشرة وتلقى اقبالا جماهيريا واسعا، أما بالنسبة للمخرج، فإن الأمر يبدو وكأنه تأثر بأفلام أمريكية، اختارت الفارس العربى نموذجا لها، وهو تأثر كانت له سوابق فى الأفلام الاولى للمخرج، كما فى فيلم "ابن النيل" المقتبس عن شريط امريكي، وربما ايضا "بابا امين" الغريب من نوعه.

العرب أنلاين في 7 أغسطس 2008

 
 

لطيفة: وصية يوسف شاهين في عهدتي

محمد عبد الرحمن

نفت تهديدها بالقتل في الجزائر، وأكدت عودتها قريباً إلى السينما. الفنانة التونسيّة التي طرحت أخيراً ألبومها الجديد، مرتاحة إلى علاقتها مع «روتانا» التي «لا تحكمها العقود، وقد تستمر مدى الحياة»

بعد أسبوعين من طرح ألبومها الجديد «في الكام يوم اللي فاتوا»، التقت الفنانة التونسية لطيفة أول من أمس الصحافة المصرية، في لقاء نجحت إدارة «روتانا» في تنفيذه، بعدما أعلنت شركتا «ميلودي» و«العربية للإنتاج السينمائي» إقامة حفلات أخرى في اليوم نفسه. هكذا، سارعت «روتانا» إلى تقديم موعد مؤتمر لطيفة قرابة الساعة، وحشدت أكبر عدد ممكن من الصحافيين ومراسلي الفضائيات. وهؤلاء سعدوا بالموعد الجديد حتى يتمكنوا من اللحاق بمؤتمر المغني الشاب حسام حبيب الذي نفى منظموه في اليوم نفسه شائعة إلغائه، ثم اللحاق أيضاً بالعرض الخاص لفيلم «إتش دبور».

حضرت مؤتمر لطيفة المقدمة جومانة بوعيد ومهاب شرفلي، نائب مدير الشؤون الفنية في «روتانا». وهو يطلُّ على الصحافيين المصريين للمرة الأولى بدلاً من المدير الفني طوني سمعان. وكان هذا الأخير قد اضطر إلى مغادرة القاهرة سريعاً، للاطمئنان إلى صحة صديقه الإعلامي نيشان في بيروت. وتمنت لطيفة وجومانة بوعيد سرعة شفاء نيشان من الحادث الذي تعرض له، وأدى إلى غياب طوني سمعان عن هذا الحدث.

وعلى رغم الزحام، جاء المؤتمر الصحافي هادئاً، وخصوصاً أن لطيفة تتمتع بمكانة لدى الصحافة المصرية لكونها قد انطلقت من مصر قبل عشرين عاماً. كذلك مهد نجاح ألبومها الأخير لهدوء المؤتمر، وقد جاءت معظم أغنياته باللهجة المصرية، ولا سيما أغنية «في الكام يوم اللي فاتوا».

خلال المؤتمر، أكدت الفنانة التونسية أن علاقتها بـ«روتانا» غير محكومة بالورقة والقلم والعقود. لكنها في الوقت نفسه، لم تصل إلى مرحلة توقيع عقد طويل لتوزيع ألبوماتها، بل الاكتفاء بالعمل على كل ألبوم، على اعتبار أنه حالة مستقلة. أما عن سبب غياب اسم زياد الرحباني عن الشريط الجديد، فعزته إلى ضيق الوقت نتيجة الأحداث التي شهدتها لبنان أخيراً.

وأشارت لطيفة إلى أن الألبوم يحمل الطابع المصري وتوزيعات موسيقية جديدة، مؤكدة أنها سعيدة برد فعل الجمهور تجاه كل الأغنيات. والدليل أنها محتارة حالياً بين تصوير ثلاث أغنيات، بعد كليب «في الكام يوم اللي فاتوا» الذي وقعه المخرج الفرنسي سيتفان ليوناردو. كذلك أشادت بالملحن وليد سعد والموزع تميم، علماً أنها تتعاون في هذا العمل أيضاً مع الملحن العراقي نصير شمة، وتقدم أغنية لمكتشفها في مصر الشاعر الراحل عبد الوهاب محمد بعنوان «روحي بترد فيا».

ونفت لطيفة ما تردد عن تعرّضها لتهديدات بالقتل في الجزائر، وقالت «كلُّ هذا كلام تافه»، مشيرة إلى أنها مبهورة بالجزائر كبلد حيث تشعر بالأمان، وبالجزائريين كشعب متذوق للموسيقى. وعن حرب التصريحات مع الفنانة فلة، قالت إنها لم تتكلم عنها بسوء ولم يصلها ما قالته فلة عنها. وبالتالي، «لا تعليق»!

وحظي المخرج الراحل يوسف شاهين بنصيب كبير من المؤتمر الصحافي. إذ أكدت لطيفة أنها ستعود إلى التمثيل قريباً جداً، تنفيذاً لوصيته في لقائهما الأخير، سائلاً إياها أن تهتم بالسينما. وقالت إن شاهين الذي قدمها ممثلة سينمائية للمرة الأولى مع «سكوت ح نصور»، كان محطة تحول في مسيرتها كفنانة وإنسانة، وإن ذكرياتها معه تحتاج إلى كتاب، ولا يمكن اختصارها في مؤتمر صحافي كما طالبها بعضهم.

بعد المؤتمر، أجرت لطيفة على مدى ساعتين، حوارات تلفزيونية وصحافية عدة قبل أن تستعد للسفر إلى سوريا، إذ تحيي الليلة حفلة ضمن فعاليات مهرجان «القلعة والوادي» في مدينة حمص، وهي الحفلة التي ستنقل مباشرة عبر هواء «روتانا موسيقى». ثم تشارك غداً في مهرجان «تحية إلى نزار» الذي يكرّم نزار قباني في قلعة دمشق.

الأخبار اللبنانية في 7 أغسطس 2008

 
 

اعتمد على الواقعية المتأزمة والتاريخ والإسقاط الرمزي ..

محطات أساسية في سينما المخرج التجريبي الإشكالي يوسف شاهين

قراءة-عبدالله السمطي

في ساعة مبكرة من صباح الأحد 27يوليو 2008رحل المخرج السينمائي المصري يوسف شاهين عن 82عاماً، تاركاً مجموعة كبيرة من الأفلام السينمائية المتميزة التي أسهمت في صناعة التاريخ السينمائي المصري والعربي، والتي رسخت لجمالية سينمائية ذات أسلوب خاص على مستوى المضمون، والرؤية، واستثمار العناصر السينمائية البصرية والإنتاجية المتنوعة. مثّل يوسف شاهين في السينما العربية مدرسة ذات نسيج خاص، فأفلامه ترتكز بالأساس على ما هو تجريبي في حقل الإخراج السينمائي، وعلى ما هو إشكالي، فسينما يوسف شاهين سينما موقف، وسينما رؤية سواء في مستواها الأولي أم على أساس البنى العميقة لأفلامه.

نوعية الاختيار

إن المرتكزات الأساسية في سينما يوسف شاهين تتمثل في نوعية الاختيار بداءة، من حيث اختيار الموضوع المتميز، واختيار نوعية الممثلين والفنانين الذين سيقدمون هذا الموضوع، واختيار آليات التصوير السينمائي والحبكة السينمائية التي هي نتاج عمل متواصل وشاق. فيوسف شاهين لم يلجأ كثيراً إلى الأفلام التجارية، أو أفلام الموضة والموسم السينمائي، ولم يقدم سينما تجارية على الأغلب، بل قدم سينما تجريبية إشكالية تنهض على طرح السؤال، وإيقاظ المشاهد والابتعاد عما هو سطحي وعابر، من هنا فإنه لم يقدم سوى 37فيلماً سينمائياً فقط على الرغم من مسيرته الطويلة الحافلة في حقل الإخراج السينمائي، بدأها بفيلم (بابا أمين) في العام 1950م واختتمها بفيلم (هي فوضى) في العام 2007م.

كانت المحطات الأساسية في مسيرة يوسف شاهين تتمثل أولاً في استلهام الواقعي، وفي التعبير عن المكان، من هنا جاء فيلمه ( ابن النيل) في العام 1951الذي لعب بطولته شكري سرحان مع فاتن حمامة لينقل أجواء الجنوب القروي المصري حيث الحياة البسيطة الفقيرة وما يمثله الشمال (القاهرة) من أحلام للبسطاء، ثم الصدمة بعالم المدينة والعودة تارة أخرى لفطرية الريف وبساطته، وهو الموضوع الذي تناوله يوسف شاهين في أفلام أخرى أكثر تشويقا وجمالا كما في (صراع في الوادي) لعمر الشريف وفاتن حمامة في العام 1954ثم في فيلم (الأرض) في العام 1970م الذي لعب بطولته محمود المليجي وعزت العلايلي ونجوى إبراهيم ويحيى شاهين، حيث البطولة الجماعية، وكأنها بطولة مكان لا أشخاص فحسب.

واقعية متأزمة

الواقعية المتأزمة، التي يتلازم معها الإسقاط الرمزي والسياسي لم تغادر قيم سينما يوسف شاهين كما في ( باب الحديد) لهند رستم وفريد شوقي (1958) و(صراع في الميناء) لعمر الشريف وفاتن حمامة، ثم في (هي فوضى) آخر أفلامه الذي عرض في العام الماضي. ومثلت هذه الواقعية محطة أساسية لديه نوع عليها كثيرا في عدد من أفلامه الأخرى.

واحتلت السينما التاريخية جانباً مهماً في سينما شاهين، حيث تمثل ذلك في عدد من الأفلام من أبرزها: (الناصر صلاح الدين) 1963، (وداعا بونابرت) 1985و( المهاجر) 1994و(المصير) 1997، وقد كان الإنتاج السينمائي في هذه الأفلام نوعياً، وحققت هذه الأفلام حضوراً، وأثارت جدلاً وصخباً في الحياة الثقافية أعادت عبرها مساءلة بعض الوقائع التاريخية وبعض الأفكار التي جاءت بها هذه الأفلام، بيد أن التركيز الواضح فيها كان يتمثل في إشاعة التسامح، واحترام قيم الآخر، وعلى الرغم من الهجوم الذي تعرض له شاهين من جراء إنتاج هذه النوعية من الأفلام التاريخية والجدل الذي صاحبها وخصوصاً فيلمي: المهاجر والمصير، إلا أنها تركت أسئلة حادة حول إعادة قراءة التاريخ، وكيفية استلهامه، وهو الأمر الذي جعله يحصد عن فيلمه (المصير) الذي تناول فيه الأندلس وحياة المفكر ابن رشد، وعن مجمل أعماله جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي للعام 1997.

طاقة المكان

ولعل المحطة الأبرز في سينما يوسف شاهين تتجلى في أفلامه التي تعيد قراءة الواقع السياسي -إذا صح التعبير- وهي أفلام أكثر جدلاً وصخباً، ويتسم بعضها بتجريبية متوحشة بالنسبة للمشاهد العربي على الأقل مثل فيلمه (عودة الابن الضال) 1976، أو يتسم بعضها بالحدة في مناقشة الوضع السياسي مثل فيلم (العصفور)، أما فيلمه (جميلة بو حيرد) فكان من الأفلام المعبرة عن الحقبة الاستعمارية الفرنسية للجزائر.

اعتمد شاهين كثيرا على إبراز جمالية المكان، مستخدما الطاقة السينمائية التصويرية في التعبير عن ذلك خاصة في فيلمه (الأرض) وفي أفلامه التي يحتفي فيها بالإسكندرية كمكان شهد قدرا من التسامح والتعايش بين طوائف وجاليات أجنبية مختلفة، وشهد من التعدد الثقافي ما لم تعد تتمثله الإسكندرية اليوم، وهي المكان الذي ولد فيه وشهد فيه نشأته الأولى. من هنا جاءت أفلامه (اسكندرية.. ليه) 1979و(اسكندرية كمان وكمان) 1990و(اسكندرية - نيويورك) 2004.

مواصفات معينة

إن سينما يوسف شاهين سينما مختلفة متميزة، وهي سينما إشكالية ونوعية، تعتمد على وجود مواصفات معينة في فكرة الفيلم ورؤيته، وأبطاله، وعلى رؤيته التصويرية، فأبطال أفلام يوسف شاهين متميزون، حتى إن المشاركة في أفلامه مثلت حلما لدى أغلب الفنانين والفنانات، وهو يعتمد كثيرا على سبيل المثال على استخلاص الطاقة القصوى لدى أبطاله، كما يعتمد أسلوبا تصويريا يتمثل في مقاربة الكاميرا كثيرا لأوجه أبطاله بصنع لقطات مقربة جدا (الكلوز - أب) تركز على شكل العينين واتساع الحدقات، (من عمر الشريف مثلا إلى نور الشريف إلى محسن محيي الدين، ومن خالد صالح إلى هاني سلامة) وعلى التعبير بالوجه (كما لدى المليجي في فيلم الأرض)، وعلى الحركة المفاجئة لأبطاله وشخصياته وسرعة إيقاع هذه الحركة، مع تلازم الانتقال السريع من مشهد لآخر، مع تكوين مشاهد مفارقة لا تتسم بالسلاسة السردية السينمائية كما في (عودة الابن الضال) أو (وداعا بونابرت) أو (الآخر). إنها بإيجاز سينما إشكالية تجريبية تعد نسيجا وحدها في فضاء السينما المصرية والعربية بوجه عام.

إضاءة

زيوسف جبريل شاهين ولد لوالدين مسيحيين مصريين من الطبقة الوسطى، في 25يناير 1926، نشأ بمدينة الإسكندرية ومثل معظم الأسر التي عاشت في الإسكندرية في تلك الفترة فقد كان هناك خمس لغات يتم التحدث بها في بيت يوسف شاهين. وعلى الرغم من انتمائه للطبقة المتوسطة كانت دراسته بمدارس خاصة منها مدرسة كلية فيكتوريا Victoria College حتى حصل على الشهادة المدرسية الثانوية. بعد سنة في جامعة الإسكندرية، انتقل إلى الولايات المتحدة وأمضى سنتين في دار َاسادينا المسرحياسادينا َلاي هاوس - Pasadena Play House) يدرس صناعة الأفلام والفنون الدرامية.

بعد رجوع شاهين إلى مصر، ساعده المصور السينمائي ألفيز أورفانيللي (Alvise Orfanelli) بالدخول في العمل بصناعة الأفلام. كان أول فيلم له هو بابا أمين (1950). وبعد عام واحد شارك فيلمه ابن النيل (1951) في مهرجان أفلام كان. في 1970حصل على الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاُ. حصل على جائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمه إسكندرية ليه؟ (1978)، وهو الفيلم الأول من أربعة تروي عن حياته الشخصية، الأفلام الثلاثة الأخرى هي حدوتة مصرية (1982)، إسكندرية كمان وكمان (1990) وإسكندرية - نيويورك (2004). في 1992عرض عليه ُاك لاسال (Jacques Lassalle) أن يعرض مسرحية من إختياره ل- كوميدي فرانسيز (Comژdie Franچaise). اختار شاهين أن يعرض مسرحية كاليجولا لألبير كامو والتي نجحت نجاحًا ساحقًا. في العام نفسه بدأ بكتابة المهاجر (1994)، قصة مستوحاة من الشخصية الدينية يوسف ابن يعقوب. تمنى شاهين دائمًا صنع هذا العمل وقد تحققت أمنيته في 1994.ظهر شاهين كممثل في عدد من الأفلام التي أخرجها مثل باب الحديد و إسكندرية كمان و كمان. في 1997، وبعد 46عامًا و 5دعوات سابقة، حصل على جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان كان في عيده ال 50عن فيلمه المصير (1997)، منح مرتبة ضابط في لجنة الشرف من قبل فرنسا في 2006.

أهم الجوائز التي حصل عليها يوسف شاهين

التانيت الذهبية مهرجان قرطاج السينمائي عن فيلم الإختيار عام 1970

الدب الفضي مهرجان برلين السينمائي عن فيلم إسكندرية... ليه؟ عام 1979

أفضل تصوير مهرجان القاهرة السينمائي عن فيلم إسكندرية كمان وكمان عام 1989

مهرجان أميان السينمائي الدولي عن فيلم المصير عام 1997

الانجاز العام مهرجان كان السينمائي عن فيلم المصير عام 1997

فرنسوا كاليه مهرجان كان السينمائي عن فيلم الآخر عام 1999

اليونيسكو مهرجان فينيسيا السينمائي عن فيلم 11- 9- 01عام 2003@

المعلومات من موقع الويكيبيديا - الصور من الموقع الرسمي ليوسف شاهين

الرياض السعودية في 7 أغسطس 2008

 
 

قراءات في عالم يوسف شاهين السينمائي (1)...

«المهاجر» ... صراعات متشابكة من أجل الحياة البهية

نور الدين محقق

شكل يوسف شاهين تياراً سينمائياً وحده في العالم العربي، فهو السينمائي العربي الذي استطاع أن يبدع في هذا المجال الفني الصعب، ما يمكن أن نطلق عليه اسم سينما المؤلف أو السينما العالمة / المثقفة، قبل أن ينتبه إليها غيره من السينمائيين العرب، وهو بالتالي، بعمله المتميز هذا، تمكن منذ بداياته الأولى من لفت الاهتمام إلى إبداعاته الجريئة هذه، بحيث عُدَّت أفلامه، لا سيما الأولى منها من أهم السينما العالمية لا العربية فقط، يمكن الإشارة هنا إلى فيلميه النادرين: «باب الحديد» و «العصفور» باعتبارهما البداية الفعلية لهذا الاتجاه مروراً بثلاثيته الإسكندرانية المعروفة: «إسكندرية ليه» و «حدوثة مصرية»، و «اسكندرية كمان وكمان» لتصبح فيما بعد رباعية سينمائية بفيلمه الجميل «اسكندرية - نيويورك» على غرار «رباعية الإسكندرية» الروائية للكاتب البريطاني لورانس داريل. وحتى نقترب من عالمه المثير هذا، سنحاول الحديث عن أهم مميزات فيلمه «المهاجر» كنموذج فني لذلك، هذا الفيلم الذي وإن انحرف نوعاً ما عن الخط السينمائي الذي كان يسير فيه يوسف شاهين، فإنه مع ذلك، حمل الكثير من بصمات هذا الخط، وهو ما يهمنا توضيحه ومناقشته.

تقابلات

إن أول هذه المميزات يتجلى في لعبة التقابلات المتضادة، فهناك صراع بين الإنسان والطبيعة من جهة أولى، وهناك صراع بين الإنسان والإنسان من جهة ثانية، ثم هناك صراع ثالث يتجلى في تلك الصراعات العميقة التي تحدث داخل نفسية الإنسان ذاته، نوازع الشر ونوازع الخير الراسخة فيه، هذا الصراع الأخير الذي لعله أشد قوة وتأثيراً في سيرورة مجرى الأحداث في الفيلم، من تأثير النوعين الأخريين، وهو أيضاً الذي سيسعى الفيلم الى التركيز عليه من دون إغفال صراعات الأخرى، إذ اٍنه سيمتد فيها في شكل عميق جداً. ولقد تمت عملية توضيح ذلك منذ البداية، إذ انفتحت عين الكاميرا على صحراء شاسعة، تمتد إلى ما لا نهاية، ثم سرعان ما تركزت على الناس الذين يقطنون فيها، لتنحصر أخيراً في أهل «رام». هناك أسرة كبيرة تتكون من شيخ تظهر على ملامحه أمارات الهيبة، المستمدة من عمق التجارب الكبيرة التي مر بها، وهناك أبناؤه الأقوياء الذين يشكلون معاً جماعة قوية متماسكة، وهناك أخ من أم أخرى يشكل وحده انحيازاً عنها صحبة أخيه الشقيق، الأصغر منه الذي ليس له أي دور فاعل في سيرورة الأحداث. ومنذ البداية أيضاً، كان الجو العام مهيأ لاشتعال الصراع بين الإخوة الأقوياء من جهة، وأخيهم الرائي: «رام»، إذ ما إن أخبرهم بقرب هبوب إحدى العواصف الرهيبة على بلدتهم، ونبههم إلى الاحتماء داخل الكهوف الصلبة من بطشها، وما أن تحققت نبوءته هذه، وتم بعملية إنذاره السابق لهم تحقيق نجاتهم ونجاة أهل البلدة بصحبة مواشيهم وأمتعتهم، حتى شبت نار الحسد في قلوبهم، وحملت الحطب لتعلن ظهورها وامتدادها وتتحول بالتالي إلى هجوم ضار على هذا الأخ. تمثل هذا الحطب، في محاولة زوجة أحد إخوته إلصاق تهمة السحر به، وقيامه بمنعها من إنجاب الذكور، وبالتالي فإنها بعملها هذا، تصرف أنظار الجميع عنها وعلى رأسهم زوجها، وتوجهها إلى «رام»، وكان لها ما أرادت. أضف إلى هذا، أن «رام» نفسه، كانت لديه رغبة كبرى في الرحيل عن بلدته والذهاب إلى أرض مصر، ليتعلم فيها فنون الزراعة وينقلها إلى أهله وعشيرته ليستفيدوا من منافعها ويحققوا بذلك نوعاً من التطور صوب الحضارة الفعلية، الشيء الذي أعطى إخوته الفرصة الذهبية المناسبة للتخلص منه، إلا أن الأمور سارت على غير ما خططوا لها، سارت على نحو آخر مغاير تماماً. إذ أن «رام» لم يقتل، وإنما وصل إلى مصر آمناً مطمئناً، وبيع إلى أحد أهم قوادها الكبار، بل إلى قائدها الكبير بلا منازع، ودخل إلى معمعان جديد، معمعان البحث عن المعرفة، وكيفية تحصيلها، فكان أن التقى بالكاهنة التي أغرم بها وأغرمت به، وهام بها وهامت هي الأخرى به، لكن في أصعب اللحظات وأحلكها آثر اتباع طريق المروءة، لم يرد أن يخون القائد العظيم، القائد الشهم الذي أواه وأسبغ عليه حمايته، ولم يرد أن يضيع الوقت في شيء آخر، مهما سمت قيمته، وينصرف عن تعلم الزراعة التي لم يأت إلا من أجل تعلمها. فكان أن ابتعد عن الكاهنة الجميلة المتعطشة للوصال والمتأهبة له منذ زمن بعيد، واعتكف في الصحراء محاولاً أن يبذر فيها حبات الزرع، بدل بذرها في بطن الكاهنة، وأن يعيد لها الحياة الزاهية المتجلية في الخضرة، صحبة معلمه المصري الحكيم، الذي قام بتجسيده على أكمل وجه الفنان المقتدر: «سيد عبدالكريم» وزوجته الصغيرة، المحبة له والمقدرة لقوته وفحولته وأخيها المتعاطف مع مشروعه الكبير والمساند للطموح الجامح المتأجج في صدره، لقد كانت الكاميرا هنا، تستنبط خفايا الطبيعة، كانت تظهرها كما أحبت هي أن تبدو قاسية ورهيبة حد زرع الخوف في أعين رائييها، ممتدة إلى ما لا نهاية.

أن تعرف عين الكاميرا على هذا الوجه الكئيب للطبيعة، هو وسيلة لتقديم وجهها الجميل الآخر، الوجه الضاحك، الدال على الحياة في عنفوانها والمتمثل في تلك المياه المتدفقة بعمق والمشكلة لنهر كبير جداً، كبر آمال «رام» وأحلامه البعيدة، وفي وسط مياه النهر، تم وتحقق بالفعل زواج «رام» بابنة معلمه المصري وارتباطه المقدس بها، وبواسطة مياه هذا النهر نفسه، استطاع أن يجعل «رام» السنابل، تقف متثاقلة بالحب الوفير الذي تحمله في أجوافها، وحين التقى «رام» من جديد بالكاهنة، كانت اللقيا مريرة، كانت المرأة المتشحة بالسواد تعلن رغبتها القوية في احتضانه، وكان هو يقف لها ولعواطفها تجاهه بحياد رهيب، ويقف لنفسه ولعواطفه الذاهبة نحوها بعزم وقوة، حتى لا يضيع رمز الشرف الكامن فيه، هذا الرمز الذي يحمله داخله والذي هو خير ما أورثه أبوه له. كما كانت لقياه بقائده جد مؤثرة، القائد يعلن حبه للكاهنة، زوجته، لكنه عاجز عن إشباع رغباتها الدفينة، وهو يحاول أن يمنعها من جراء ضعفه الجنسي الواضح، من لوثة السقوط أمام الشاب «رام»، الشاب الذي تبناه ومنحه حمايته، إلا أن أنفته تمنعه من طلب ذلك منه، فكيف يستطيع إذاً مثل هذا الإنسان أن يوصل عمق مأساته لغريمه وصديقه في الآن نفسه، كي يشعر بما يشعر به من آلام؟ إنها لحظات عميقة تفوق الممثلون في تجسيدها، تفوقاً كبيراً، إذ استطاعت الفنانة المقتدرة «يسرا» أن تعيش داخل جسد الكاهنة، وأن تلبس روحها، كما تمكن الفنان المتميز «محمود حميدة» من تقمص دور القائد، والتعبير عن خلجاته في شتى المواقف التي تعرض لها، وكان الفنان «خالد النبوي» مقتدراً وهو يؤدي دور «رام» ويوصل للآخرين ما يختلج في تفكيره من رؤى وما يحققه من أعمال، ولا ننسى في هذا الصدد الدور الذي قامت به الممثلة «حنان الترك» والذي لعبته بإتقان.

لقد كانت تعبر عن الفرحة بصدق كبير، وهي تنظر إلى وجه زوجها «رام» والحسرة تملأ عينيها وهي ترى جسد أمها يذهب بعيداً عنها دون أن تستطيع دفع ثمن تحنيطه. إضافة إلى الدور الكبير الذي قام بتجسيده الفنان «ميشيل بيكولي»، إذ نجح في شكل كبير في رسم طبع الشخصية التي جسدها بطابعها الحقيقي المؤسس على الجمع بين الوقار وبين الحكمة من جهة وبين التريث والحسم من جهة أخرى، وهو بذلك منح لهذا الدور، دور أب «رام» بعده الرمزي الجدير به.

إلا أن الفيلم على رغم كل المميزات التي تحققت فيه، وعلى رغم قوته السينمائية، لم تتجل فيه عبقرية يوسف شاهين المشهود له بها كاملة، وإنما تحقق جزء منها ظهر واضحاً في سيطرة الكاميرا على الأجواء التي تقدمها بعمق، وفي التشكيلة الفنية لتلك اللوحات الخلابة المستمدة من روح الطبيعة الحية والميتة في ذات الوقت، في حين أن لعبة الحكي فيه بقيت تسير وفق خطية معتادة، ولم يتم تكسيرها وتشطيرها، كما هي عادة يوسف شاهين في أفلامه السابقة.

الحياة اللندنية في 8 أغسطس 2008

 
 

قالوا في وداع يوسف شاهين

بقلم  سمير فريد

* فقدت مصر يوسف شاهين، أحد أهم صناع السينما في العالم، ورمزاً من رموز الثقافة المصرية الذي قدم الكثير من الأفلام السينمائية التي كانت وستظل من روائع السينما المصرية والعربية والعالمية.

فاروق حسني وزير الثقافة – مصر ـ في بيان رسمي عن الوزارة

 

* يوسف شاهين محارب ضد الظلام ومغن من منشدي الإنسانية، وكان وسيطاً بين الثقافات، ولا يوجد آخر يماثله في التعبير عن الشرق والغرب.

فرنسوا فيون رئيس مجلس الوزراء – فرنسا ـ في بيان رسمي عن رئاسة الوزراء

 

* خسارة فادحة لمصر والسينما العالمية، لقد كان دائماً يشهّر بعدم التسامح وانعدام العدالة.

برنار كوشنير وزير الخارجية – فرنسا ـ في بيان رسمي عن الوزارة

 

* فقدت السينما يوسف شاهين، الذي كان مخرجاً مثقفاً، ومدافعاً عن الديمقراطية، وظل يؤمن دائماً بإمكانية التوفيق بين السينما كفن وبين الرسالة التي تعبر عنها شخصياته السينمائية.

لقد كان صديقًا مخلصاً لفرنسا، ومخرجاً ملتزماً يشع كل فيلم من أفلامه بنور الحرية، ويمثل بياناً للإنسانية، وكان في الشهور الأخيرة من حياته يضع كل طاقته الداخلية الجبارة من أجل تحقيق مشروعات أفلامه الجديدة، سوف نفتقد صوته العذب ونظرته المضيئة.

كرستين ألبانين وزيرة الثقافة – فرنسا ـ في بيان رسمي صادر عن الوزارة

 

* رفع اسم مصر عالياً بموهبته السينمائية الفذة التي أمتعت الأجيال في مصر والوطن العربي والعالم، وستظل تشكل علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية علي مر العصور.

نجيب ساويرس شركة مصر للسينما ـ في نعي نشر علي صفحة كاملة في «الأهرام» و«المصري اليوم»

 

* يوسف شاهين سيظل علامة مصرية للفن السابع بوطنيته ورؤيته، وببصمته الفريدة، رحم الله سفير الفن العربي في العالم.

صالح كامل راديو وتليفزيون العرب ـ في نعي نشر علي صفحة كاملة في «الأهرام»

 

* لقد فقد الفن أستاذاً ورمزاً، ويشرفني المساهمة في أي عمل لتكريمه.

الوليد بن طلال روتانا ـ في مكالمة عزاء لماريان خوري

 

* يوسف شاهين مبدع كبير أغني السينما العربية والعالمية علي مدي عقود، تاركاً بصمة إبداعية تجعله حياً بيننا.

مهرجان دبي السينمائي الدولي ـ في نعي نشر علي نصف صفحة في «الأهرام»

المصري اليوم في 10 أغسطس 2008

 

 قالوا في وداع يوسف شاهين

بقلم  سمير فريد

* يوسف شاهين من أخلص أبناء الشعب المصر، الذي صور آلام هذا الشعب وأحلامه في أفلام عديدة، شكلت نقلة نوعية فارقة في تاريخ السينما المصرية والعربية. إن الخسارة برحيل يوسف شاهين، أحد أبرز أعضاء حزب التجمع، هي خسارة للفن والوطن والوجدان الأصيل، وإن تعويض مثل هذه الموهبة الفذة صعب في هذه الأيام الصعبة.

ويتقدم خالد محيي الدين ود. رفعت السعيد وقادة الحزب وأعضاؤه بخالص العزاء إلي أسرة الراحل الكبير وإلي زملائه وتلاميذه، وكل من سار علي دربه، فناناً ملتزماً ومبدعاً وجسوراً، أفني حياته من أجل الشعب والوطن ومن أجل تقدمه ورفعة شأنه.

«حزب التجمع الوطني الديمقراطي في بيان رسمي صادر عن الحزب»

 

* فنان بحجم وقامة يوسف شاهين لا يغيب ولا يموت، إذ يبقي فنه الراقي حياً دائماً في وجدان عشاقه ومحبيه في أنحاء الدنيا، بعد أن نجح منذ أكثر من ثلاثين سنة، في أن يضع السينما المصرية في قلب العالم، لما تحتويه أفلامه من قيم إنسانية راقية، تدعو للمحبة والتسامح، وتنشد الخير والعدالة والإنصاف، وتسعي لمخاطبة العقول الرشيدة، لا العواطف العابرة.

رحيل يوسف شاهين خسارة كبيرة للسينما العربية والعالمية، لكن عزاءنا الوحيد أنه رحل بجسده، وبقيت منه علامة فارقة في تاريخ السينما العربية.

خالد محيي الدين في تصريح لجريدة «الأهالي»

 

* انطفأ اليوم معلم السينما المصرية وأحد نجوم السينما العالمية.

الحزب الاشتراكي – فرنسا ـ في بيان رسمي صادر عن الحزب

 

* إنه شاعر الصورة، عاشق الحياة وعاشق شعبه، الرجل الملتزم سياسياً بشجاعته في قراءة العالم والتعبير عنه، تحيه الاستقلاله وعدالته وحريته.

«ماري جورج دو بوفيه» سكرتير الحزب الشيوعي – فرنسا

 

* ما إن علمت بالخبر المؤسف يوم الأحد، حتي قررت علي الفور السفر إلي القاهرة.. إنه يوسف شاهين الفنان الكبير الصديق العزيز القديم، ولكني مع الأسف لم أجد مكاناً في طائرة مساء الأحد، حتي ألحق بالجنازة يوم الاثنين.. حسناً فعلت العائلة عندما جعلت العزاء يوم الثلاثاء، فقد وجدت مكاناً علي طائرة مساء الاثنين.

نعم.. لقد وقفت أتلقي العزاء مع الأسرة والأصدقاء بصفة شخصية، ولكن أيضاً بصفة مدير المركز القومي للسينما في المغرب، بل كنت أمثل المئات من عشاق شاهين في المغرب وعشرات الآف من جمهور السينما فيها، فليس هناك سوي يوسف شاهين واحد في تاريخنا السينمائي.

«نور الدين صايل» في تصريح خاص لـ«المصري اليوم».

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في 9 أغسطس 2008

 
 

أربعة أوهام حقيقية حول مسيرة "بطريرك" السينما المصرية

يوسف شاهين التقني، المعولم، الذاتي والسياسي

هاني درويش

مات البطريرك، رحل "جو" في مشهد لن يسعفه المستقبل لتسجيله. ألم يكن مهووسا بسيرة الكوما، وقد سجلها في فيلمه حدوتة مصرية منتقما بتشفي طفولي من العائلة وأرق البدايات. هذه المرة سقط كطبيب "الحب في زمن الكوليرا"، إختنق كما مارلون براندو في "الأب الروحي". تمدد لساعات وهو ينزف في منزله فتجلط دمه ودخل في الغيبوبة الأخيرة. أي دراماتيكية لائقة أكثر من ذلك لدراماتورجي السينما المصرية الأوحد؟ وأي ذكريات تدافعت في وعيه قبل الدخول في السواد الأخير؟ هل انتهت حياته كـcut عنيف أم بـfade out تدريجي؟.

الكتابة عن يوسف شاهين عرجاء، وطالما ظللتها كآبة الفقد فلا نفع منها. فاللأحزان جلالها الذي يغني عن موضوعية باردة مستحقة. ربما يصدق هنا أكثر من اي موضع آخر تطبيق المثل المصري "أذكروا محاسن موتاكم". لكن الكتابة أيضا، وقد تحررت من وطأة الحضور المزلزل لرجل شغل الدنيا وناسها، كتابة مغوية، خاصة وأن المنحنى الأخير في أعماله الخمسة التجارية الصبغة ( المهاجر ـ المصيرـ سكوت هنصور ـ أسكندرية نيويورك ـ هي فوضي) أحبطتني بطريقة دفعتني للتشكك في مسيرته الكاملة، وعلى صفحات هذا الملحق تحديدا جأرت كثيرا أن كفّي يوسف شاهين، إحتراما فقط لتصورنا الرومانتيكي عن أبو السينما، دخل متأخرا متاهة جنرال متقاعد مخطرف. كان ذلك ـ إحقاقا للحق ـ إنتقاما من خيانته لرهاننا الكامل عليه، بعد أن اغوته الجماهيرية المتأخرة ونضالية الصوت السياسي المتهافت. كان إنتقاما لدموع كثيرة ذرفناها على "علي" عودة الإبن الضال" و"يحيى" سيرته الملعونة. مثّل سقوط شاهين خيانة أخرى متأخرة الى جانب خيانات الخيارات السياسية الخاسرة التي شوشت مراهقتنا الفكرية. كرهنا احتضان اليسار له ضمن كراهيتنا لديماغوجية اليسار ذاته. اليساريون كانوا في مجملهم ـ إبان شبابنا ـ يتعاطفون ويبشرون بنخبوية سينما شاهين في تضاد أصيل مع ثورية الفن كما يعتقدون. بل ان معظمهم لم يستطع أن يقدم برهانا وحيدا على ثورية أعماله. هل كلاسيكية طرح "الأرض" وتربويته الثورية قادرة على صناعة ثورة؟ هل نخبوية وفردية الحل الشخصي في سيرته الذاتية (إسكندرية ليه، إسكندرية كمان وكمان، حدوتة مصرية) تصلح رهانا لتحرر الجماهير؟ ثم اخيرا هل التحذير من فوضى ما بكامل زعيق الهتافات ستدفع الناس لتحطيم أبواب أقسام الشرطة كما اختتم مبشّراً في فيلمه الأخير؟.

هذه الأسئلة شائكة بطبعها وقد ابتلع الجميع الطعم واستعذبوا مذاقه. اليوم، وبمسافة منضبطة ـ عن أحزان فقده ـ علينا الاعتراف بأن سلة كبيرة من الحقائق والأوهام لسيرة هذا المبدع قد تاهت في المسافة المتقطعة بين نحو 40 فيلما قدمها. علينا الاعتراف أيضا بأن التمرد على الأب الذي بشر به في معظم أعماله لم يشفع له عندما تبادل الموقع واصبح أبا مكرسا يرفض تمرد الكثيرين عليه. ثم هناك مجموعة الأوهام الخمسة حوله والتي لابد من مراجعتها اليوم قبل أن تتحول الى حقائق في غياهب الأسطرة المتوقعة مع فقد كل عزيز.

الحالم بهوليوود شرقية في لحظة قومية

أولى تلك الأوهام، وهي المتعلقة بالكادراج، أو ما يسمى بالسيناريو التصويري البالغ الدقة والمتميز لأعمال الراحل، ويضرب كثيرون مثالا بمشاهد تاريخية من افلام مثل "الناصر صلاح الدين" و"عودة الإبن الضال" أو لاحقا في "المهاجر" و"المصير"، حيث العناية الفائقة فعليا بمواصفات وحدة "الكادر" من حيث التكوين والإضاءة والحركة. ولا ينكر عاقل أنه، قبل بداية تجربة يوسف شاهين، كانت فاعلية تلك المستويات المبدئية للإخراج معطلة، فتاريخ السينما المصرية بمخرجيها أهمل تلك المواصفات الأساسية التي يمكن تعلمها من أي كتب حرفية للإخراج. وغالبا ماحملت الدراما (أي الحكاية) والتمثيل القيمة الأساسية للعمل، سواء كان الفيلم كوميديا أو غنائيا أو إجتماعيا، وتحديدا في ما قبل 1950 (تاريخ إنتاج "بابا أمين" أول أفلامه) لم نلحظ أي إهتمام نوعي بأبجديات الصورة الإخراجية. ويمكن إعتبار السينما المصرية في ذلك تلميذا خائبا في مدرسة إقتباس التنويعات التجارية للسينما الغربية.

ما جاء به المثقف شاهين العائد لتوه من أميركا هو إعادة الاهتمام بأصول الحرفة عند حدودها الدنيا. وحتى في ذلك المستوى لم تظهر بشائر ذلك الاستنساخ الشاهيني مباشرة، فـ"بابا أمين" و"أنت حبيبي" ومعظم "صراع في الوادي" و"باب الحديد"، ينتمي الى التنويعات الإخراجية الشائعة في ذلك الوقت، ينتمي إليها وإن إستسهل آخرون إطلاق صفة الغرائبية على أعماله. كان غريبا بالفعل أن تكون السينما المصرية متجهة اكثر نحو أفلام الواقعية كما حدد مجالها صلاح أبو سيف، فيما شاب قادم لتوه من هوليوود المكروهة يقدم سينما تحتفي بالتقنية لمصلحة وجهة نظر فردية وذاتية. السينما في هذا التوقيت أيضا كانت كإبنة أصيلة لتشوهات بداية الفن نفسه عالمياً. كانت تبحث عن شاطئ آمن في تقليدها. بالنسبة لأبي سيف كانت الواقعية الإيطالية مناسبة لفقر إمكانات أصيل في ثقافة البحر المتوسط. بالنسبة ليوسف شاهين كانت مخايلة أميركا هي الرهان. لكن أليس غريبا على عاشق لجين كيلي أن يقدم في تنويعته الغنائية فيلما مثل "انت حبيبي" ؟، إهتمام شاهين بالكادر هو ما أعطاه تلك الذائقة الغرائبية في مرحلته الأولى، تكوينات تعتمد على التقديم والتأخير داخل العمق. حركة كاميرا بدلا من سكونها الدائم إعتمادا على التقطيع اللاحق في المونتاج، وعدسات تعشق ممثليها. كل ذلك في مواجهة مخرجين كانوا أقرب لمن يضعون الكاميرا كيفما أتفق من مشهد لآخر. هل نتذكر كيف كان في "إبن النيل" يصور مشاهد "الخارجي" مع عودة البطل لقريته خلال الفيضان، تلك الجرأة في السباحة بكاميرا ثقيلة داخل مركب في حركة traveling أصرّ أن يصورها خلال فيضان حقيقي.

في فيلم "الناصر صلاح الدين"، وفيما المنتجة الكبيرة آسيا تفلس من اجل تكريس بطولة "ناصر"، واجه صاحب الحلم الهولييودي شرط الإنتاج المتواضع بفهمه العميق للعدسة السينمائية. كان صعبا عليه أن يصوّر تلك الحشود الجبارة من الجنود ـ جنود القوات المسلحة المصرية في الحقيقة ـ بكامل إكسسواراتها وملابسها التاريخية، فماذا فعل؟ جلس مع شادي عبد السلام واتفقا على ان يكون قلب التكوين القريب بكامل إكسسواره وملابسه بينما أطرافه وعمقه تتناقص فيه الإكسسوارات والملابس لدرجة أن الصفوف الأخيرة حملت عصيا وارتدت أسمالا ملونة لا أكثر !

هكذا كان يوسف وفقا للمثل المصري "شاطرا يغزل برجل حمار". لكن هذا التحايل لم يحل دون أخطاء ساذجة في الفيلم نفسه حين ظهر أحد ممثلي المجاميع في معركة بساعة يد في قلب الكادر! هل كان هذا الخطأ ـ ومثله كثير في أفلامه التالية ـ هفوة تمثل الفارق بين منطق "الشاطر ورجل حماره" وبين حلم السينما الأميركية التي بلا خطأ؟

عشق الممثل.. من محسن محي الدين الى هاني سلامة

ثاني الأوهام الحقيقية في مسيرته الكبرى كان عشقه للممثل، فهو نفسه دخل تلك المسيرة بحلم ممثل لا مخرج. سافر الى أميركا ودرس الرقص والسينما. وتاليا عندما حاول أن يعوّض حلمه القديم راقصا وممثلا (جين كيلي ) في أكثر من فيلم. هذا الإصرار على تفجير المواهب صنع من ممثليه دمى لا تتحرك إلا بإشارة من صانعها الأصلي. فتاريخيا لم ينجح ممثل واحد صنعه شاهين من الألف الى الياء خارج تجربته. وكان من نجحوا خارجها عندما يستقدمهم شاهين يتعرضون الى معاملة من إثنين: إما الاستسلام المذل ليد المخرج الصانع ومن ثم يصبح الدور كأن شيئا لم يكن، أو تقديمه بروح من يقدم دورا سينساه وينساه جمهوره سريعا. الاستثناء الوحيد المقاوم لتلك الثنائية العقيمة كان محمود المليجي في فيلم "الأرض". المليجي كان ضد نفسه واستسلم للورق، من يصدق أن الشرير التاريخي للسينما المصرية، الارستقراطي النزعة والتكوين، يقدم دور الفلاح المناضل الطيب الحزين (محمد أبو سويلم) ويتحدث القريبون ممن عاصروا الفيلم عن مغامرات وصولات خارج التصوير جرت بينه وبين شاهين.

فيما عدا ذلك النموذج، كان شاهين خالقا متوحدا مع نجومه. قدم عمر الشريف ـ صديقه في الفيكتوريا كوليدج بالاسكندرية أوائل الثلاثينيات ـ نموذجا لأحلامه عن الذكورة المصرية، بشرة سمراء ذات شامة في الوجه ـ تشبهه ـ وجسد مفتول البنية وعين زائغة لا تستطيع تثبيتها في محجريها مع صوت خنوثي يتدرج من الأنوثة في طبقاته الدنيا وصولا الى جعير جهير في طبقاته العليا. في "صراع في الوادي" دراما الفقر والثورة في صعيد مصر بدا عمر الشريف ابن الفلاح الفقير نموذجا لفلاح عائد من أميركا وليس صعيديا كان يلعب مع ابنة الباشا. وفي "صراع في الميناء" يصيبك الشك معظم لحظات الفيلم في إدغام البطل للحروف في بيئة ساحلية يتحدث الجميع فيها اللغة البحراوية. لاتنطلي عليك الخشونة المفتعلة البادية في محاولات "الشريف" إستمالة ابنة خالته الفقيرة، بل أنك تتعاطف كثيرا مع غريمه "احمد رمزي" ابن الباشا الذي يبدو متوافقا مع ما كتب له في السيناريو الذي حفل بمفارقات كارتونية ضخمة. رحلة "جو" مع ما عمر الشريف تحيلك الى تنافس خفي بين الدمية وصانعها على قلب فتاة مجهولة، حسمها تقريبا الشريف بانتقاله الى السينما العالمية فيما ترك صانعه مغروسا في طين التكيف مع سينما العالم الثالث منخفضة الطموحات. لاحقا، وكلما تصادفك أفلام لعمر الشريف في مسيرته العالمية، لن ترى إلا ظلال يوسف شاهين في عينه وكأنه، وعبر خمسين عاما من السينما، لم يجاوز اللقطة الشهيرة متوسطة القرب له في "صراع في النيل" وهو يجعر في فاتن حمامة مجروحا ونازفا.

شاهين المغرم بتعويض ذاتيته عبر ممثليه لم يؤمن مرة بتوسط المسافة بينه وبينهم، كان غالبا ما ينظر في عيونهم باحثا عن نفسه فقط، وبما أن معظم ممثليه جاؤوا إليه ممثلين أصلا، بذوات شبه مكتملة ومشكلات بنيوية غير قابلة للمراجعة، ظل شاهين يبحث عن خامة عند نقطة التشكل الصفري، صلصال حرّ طري التكوين. لم يجد ذلك إلا في محسن محيي الدين.

الدخول في تلك المسافة الفاصلة بين يوسف شاهين ومحسن محيي الدين هو دخول لعش دبابير عقل وروح المخرج الراحل. فما أحيط عن علاقتهما وتطورها ثم انفصالهما لاحقا عن تديّن محيي واختفائه من العالم وتحريمه للسينما، كل هذه الأراضي مبثوثة بألغام متفجرة حمل الراحل خريطتها الى العالم الآخر. وحجم ما ينسج عن تلك العلاقة الاسطورية سيبقى علامة الاستفهام الأهم في مسيرة البطريرك الراحل. ما هو مؤكد أن الفتي الصغير ذو الثمانية عشر ربيعا قدم مع "جو" بطولة أفلام "اليوم السادس" و"الوداع يابونابرت" و"إسكندرية ليه"، طاقة جبارة وموهبة كبري رقصا وتمثيلا بل وغناء، ولعب أدوارا ستبقى وحدها ما نتذكره من تلك الثلاثية المثيرة للجدل. سيتحدث كثيرون عن سيرة يوسف شاهين اللامنتهية المبثوثة في أعماله أو تشكلها منذ "إسكندرية ليه"، لكن يبقي "محيي" العلامة الفارقة في كل تلك الأعمال. فقد إنطبقت المرآة لأول مرة على الخام. سيرته قبل علاقته بـ"جو" غامضة، وبعدها اكثر غموضا بانسحابه من الحياة وإعلانه تحريمه للسينما. أما "جو" من بعده فيتيم، فقد نصفه الآخر، ينتقم من الإسلاميين لمصابه فيه في "إسكندرية كمان وكمان" ويفتت أبعاد علاقته بغواية الممثل المخرج لاحقا في "المهاجر". يتحدث الجميع خفية عن علاقة عاطفية جمعتهما لم يستطع المراهق الموهوب تحمل أعبائها إجتماعيا ونفسيا فكان الانسحاب والارتداد الى نقطة التدين قبل أن يصبح موضة فنية مربحة لاحقا.

صنع "جو" تمثلا ذهبيا لذاته أخيرا لكنه سرعان ما انكسر. وفي طريق النكبات العميقة اللاحقة حاول صناعة مستنسخ: عمرو عبد الجليل، خالد الصاوي، وأخيرا الكارثة هاني سلامة. الأول كان أضعف في الموهبة من تحمل وزر التعويض المبدئي، الثاني إنتهازي متثاقف في عصبة وبات أكبر من العمل مع استاذه. الثالث (المصيبة) ابن ظلال "محيي" الشكلية وضعف نظر وأمل جو في المواهب قاطبة. في ما عدا ذلك كان ممثلو "البطريرك" عادة أنصاف آلهة، لم تخرج من المعبد، ولم يحبها الناس. هل تتذكرون أحمد محرز البطل الثاني في "إسكندرية ليه" وعلي في "عودة الإبن الضال"؟ (بالمناسبة مات أحمد محرز قبل أسبوعين شيخا عجوزا في شقته بوسط العاصمة وظلت جثته يومين من دون أن يعلم أحد بموته)، أو بأي جرأة أتت للبطريرك قبل ان تمثل "داليدا" دور فلاحة مصرية في "اليوم السابع" ؟ بهذه اللكنة والشعر الأصفر، بهذا "الديفوه" الكبير سقط واحد من أهم أفلامه بعد ان افتقد للصدق، الصدق ذاته الذي افتقده معظم النجوم الذين شاركوه البطولة فنطقوا بلسانه دون أن يتملصوا لحظة من شرك التحكم المفرط الذي نصبه لهم. لم تقنعني يوما محسنة توفيق في أي من أدوار "بهية" التي قدمتها، محسنة البكاءة اللاطمة الأقرب لمريضة نفسية. ممثلو شاهين غالبا ما يستحضرون مخرجهم أمام الكادر. هو من ناحيته قادر على ضبط تلك التنويعات من نفسه المتشظية على أكبر عدد من ممثليه. ينجو فقط اصحاب الأدوار الثانية الذين يتحركون غالبا خارج القبضة الرقيقة المحكمة للبطريرك. هناك مثلا علي الشريف وصلاح السعدني وحمدي أحمد في "الأرض"، هناك المليجي في "إسكندرية ليه"، هناك نادية لطفي وعباس فارس وتوفيق الدقن في "الناصر صلاح الدين"، وهناك سهير المرشدي ورجاء حسين في "عودة الإبن الضال".

المعولم... لا العالمي في لحظات اقتناص الفرصة

كان يوسف شاهين المرتحل بين عالمين أوائل الخمسينات، القادم من أميركا بأحلام هوليوودية بسيطة، كان مدركا لحدود ـ أو هو أدرك بالتجربة تاليا ـ عمق الفارق بين سينما واقعية تجارية بسيطة في لحظة تحول في مصر وبين سينما أميركية راسخة ومتنوعة الهموم وصناعية بامتياز. المنحى الواقعي للسينما المصرية، وقد ارتدت عباءة الثورة، كانت مؤهلة لتتويج صلاح أبو سيف ورفاقه من الواقعيين، ومثّل فيلم "باب الحديد" المعادلة الأهم في تناقضات الهوى الشاهيني. فيلم واقعي لا يخلو من سيكوباتية ذاتية مطعم بحسّ ثوري في صبغة تجارية زائفة، ولنحلل ذلك المركب الفريد أولا.

بذل "جو" مجهودا ضخما ـ باعترافه لاحقا في "حدوتة مصرية" ـ لإقناع حماه المنتج تلحمي بتمويل فيلمه. ضغط على زوجته لتضغط على أبيها. وعد زوج الابنة منتجه بفيلم من بطولة هند رستم وفريد شوقي جناحي الأيقونة التجارية في تلك الفترة. جاءت هند لتجد بطلا معوقا مشوها (قناوي) يربي نيران كبته الجنسي على مشهد غسل قدميها. جاء الوحش فريد شوقي ليجد فيلما بلا مشاجرة واحدة تنكسر فيها الموائد ونيف من الكراسي الطائرة. غلف ذلك كله صراع لتكوين نقابة للعاملين بالسكة الحديد. فشل الفيلم فشلا ذريعا. تنكر فريد شوقي للجماهير التي حاصرته في مكتبه بقوله: لقد ضحك علي المخرج وحذف مشاهد المشاجرات فحطمت الجماهير مكتب شركة فريد شوقي للإنتاج، وبصق أحد المشاهدين في وجه يوسف شاهين في العرض الأول، وأفلس حماه خارجا من صناعة السينما للأبد. من صدق يوسف شاهين في تلك الفترة؟

المؤكد أن ألف مشاهدة لهذا الفيلم لاحقا ستكشف هذا التركيب الرهيف لسينما يوسف شاهين، فالفيلم إستجابة فورية للمرحلة الواقعية. الفيلم ذو إيقاع درامي أميركي زاعق. هو نبوءة شاهين المتأرجحة تاليا بين "عولمة السينما وغبن التلقي المحلي" على مسار حياته الفنية الطويلة.

يستجيب شاهين لاحقا الى غواية تضييق الهوة بين العالمية والمحلية، أو التجارية والفنية من ناحية أخرى. يأتي "الناصر صلاح الدين" تماشيا مع تأليه "ناصر" و"جميلة"، إستجابة للمشروع القومي العروبي التحرري. الفارق بينهما ضخم، في الأول يستسلم تماما لكتاب السيناريو اليساريين الحالمين بحل ذهبي للصراع العربي الإسرائيلي فيقدم درسا تقنيا، في الثاني يبدو أن التسرع في إنتاج فيلم دعائي لم يترك له حتى الفرصة في إقامة ديكور جيد أو العمل على ممثليه. "جميلة" هو أفشل فيلم قدمه "جو"، وكيف لا وهو الذي دخل تصوير الفيلم وهو لا يعلم أين تقع الجزائر أصلا! (وفقا لما ذكره الناقد سمير فريد في حوار جمعهما). ومن ناحية أخرى سيتساءل الجمهور الجزائري بصدق عن ديانة المخرج المصري في أول زيارة له. لن يصدقوا أن هناك "صليبيين" في مصر (أي مسيحيين) فما يعرفونه أن العرب هم إما مسلمون أو يهود !، ونعم أوهام القومية العربية، ومع ذلك سيلقى الفيلم تكريما مبالغا، في مهرجان موسكو عاصمة ثلج الحرب الباردة، وسينبهر الفرنسيون وقد توازن الفيلم في تقديم الفرنسي الشرير والطيب في آن. كل هذا رغم تواضع الفيلم فنيا وفكريا، ونعم الحرب الباردة التي جعلت الجميع يهللون لاكتشاف مخرج نزيه في دولة الصحراء البعيدة تلك.

الميل لتجسير الفجوة بين الطموح الهوليوودي وسينما عالم ثالثية اتسم لدى شاهين منذ البداية بمفهوم التناص. ففيلم "إبن النيل" الذي عرض في كان في العام التالي لإنتاجه (1952) مأخوذ من فيلم أميركي، وفيلم السيرة الذاتية "حدوتة مصرية" يكاد يكون نقلا حرفيا لفيلم أميركي آخر لبوب فوس "كل هذا الجاز"، لكن طموح العالمية ذلك لم ينسه كون مجاله هو مجال الصنعة، فيما يعني ضمنيا مواصلة الإنتاج. لذا ومنذ البداية وعبر أفلام مثل "المهرج الكبير" 1952، و"نساء بلا رجال" 1953، و"سيدة القطار" 1954، و"شيطان الصحراء" 1955، ثم تاليا وبمعدل فيلم أو إثنين في العام كان "جو" يستعيد مسيرة صعبة في التكيف مع مواصفات صناعة السينما في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وبدا اقترابه من تسجيل إعتراف عالمي قريبا مع دخوله مرحلة الإنتاج المشترك (جزائري فرنسي في الغالب) في أربعة أفلام هي ("العصفور"، "الاختيار"، "عودة الإبن الضال"، و"إسكندرية ليه")، فحاز على جائزة لجنة تحكيم مهرجان برلين الدولي عام 1979 عن "إسكندرية ليه"، وهذه الدورة تحديدا في برلين شابها صخب سياسي ضخم بعد إنسحاب معظم الأفلام مع إصرار لجنة التحكيم على فوز فيلم "صائد الغزلان" بجائزته الكبرى. رفض شاهين الانسحاب طمعا في جائزة ونالها بالفعل. لكن ذلك لم يكن كافيا لتكرار نفس الجائزة من نفس المهرجان عام 1982 مع فيلم "حدوتة مصرية". في هذه المرحلة إفتقد شاهين لرافعة جيل كامل من المبدعين الذين لعبوا دورا في بلورة ثورية أفلامه مثل عبدالرحمن الشرقاوي ونجيب محفوظ وعلي الزرقاني وصلاح جاهين، وهم مثقفون ذوو حس ثوري خاص عبروا بشاهين مرحلة المطبات الصعبة لنقد ثورة يوليو والتمرد على أبوية "ناصر". فمرحلة الرباعية الشهيرة أوائل السبعينيات مثلت قمة إنجاز شاهين السينمائي. كان هناك الى جواره كوكبة راهنت على ثورية المضمون فتفرغ تقريبا للمحتوى التقني وضمن النقاش مع هذه الأسماء الكبيرة تقسيم عمل رائعا وحرفيا سيفتقده لاحقا، تحديدا حين جاءت لحظة الاحتفاء اللا نهائي بالسيرة الذاتية متناغمة مع التمويل الفرنسي لأفلام "وداعا يابونابرت" و"اليوم السادس" وإسكندرية كمان وكمان"، وهو مايفسر تاليا التدهور المتتالي لأفلامه بعد فراغ جعبة الذكريات الشخصية والهواجس.

لابد هنا من الإحاطة بمشهد إحتفاء العالم في الثمانينيات من القرن الماضي بتجارب السينما العالم ثالثية. كانت نهاية الحرب الباردة قد وضعت أوزارها، و"جو" في قلب هذه المنظومة يسأل أسئلته الذاتية عن الهوية: هل الغرب هو المستعمر النبيل كما يبدو في بونابرت؟، أم أن هويتنا البحر متوسطية في خطر "إسكندرية كمان وكمان"؟، ويمكن إضافة سؤال الهوية أيضا معكوسا على صعود التيار الديني الذي طال "المهاجر" بعد أن كان ألمح لمأزقه الخاص في "كمان وكمان"؟

في قلب تلك الأسئلة كانت الإستجابة الأوروبية أعلى لفهم مايجري في "القاهرة منورة بأهلها". في كل تلك التفاعلات كان الارتباك في الرؤية هو سيد الموقف بين المبدع وطرفي الرهان، عالمية تتعامل مع أعماله كمبحث إستشراقي و"محلية ذات غبن" يرتحل هو بذاتية أفكاره بعيدا عن جذورها الضحلة، وفي قلب تلك الهوية المختلطة لم يتبقَ إلا الكلاشيه التقني للعجوز الذي تؤلمه سهام النقد. ماذا يفعل الدراماتورجي الكبير امام خطأ بنائي بحجم زمن رحلة "يوسف" بكتب ابن رشد في فيلم "المصير"؟

في فيلم "المصير" هناك رحلتان داخل زمن الفيلم في محاولة إنقاذ كتب ابن رشد، الأولى يقوم بها تلميذ فلسفة أجنبي ينتقل خلالها من أسبانيا الى فرنسا (لاحظ الزمن جغرافيا) وتستغرق نحو نصف الفيلم، فيما رحلة بالكتب يقوم بها إبن الخليفة الى مصر من الأندلس وتستغرق عشر دقائق في الزمن الفيلمي!

وضع فرنسا في جملة مفيدة دائما ودون مبرر درامي واضح كان المثلب الباقي دائما في عالمية شاهين، عالمية أتضح لاحقا ملله من متابعة سرابها فانكفأ الى الداخل زاعقا بوهم السياسة.

المراهقة الثورية المتأخرة..في موازاة الانحطاط التقني

تبدو "سياسية" أفلام شاهين قدرا محبطا، فهو لم يكن مسؤولا بالكامل، عبر مسيرته، في بث ما يمكن تأويله سياسيا، ليبراليته الشخصية القادمة من زمن التكوين الأول ثلاثينيات القرن الماضي لا تحتمل تعبئتها بمدلولات أمعن مثقفو الستينيات بتوليفاتهم الناصرية والماركسية على شحنها من مرحلة الى أخرى. لذا تبدو العشر سنوات الأولى في مسيرته استثمارا جيدا لبقايا زمن إنتاج ما قبل الثورة، حقل تجارب كبير للبحث عن هوية لا تتجاوز طموح ابن طبقة وسطى سكندرية ذي عبق كوزموبوليتاني. حافظ "جو" بذاتيته وتركيبته الخاصة على مسافة مناسبة أكسبها بريقا لقب "الخواجة" الذي شتمه به مجايلوه، لكن حين إحتاجت الثورة إستعراضا سينمائيا ضخما ومبهرا عالميا سقط "جو" ملك الاستعراض في حجرها فورا. تلقف الموهوب "الناصر صلاح الدين" من أستاذه عز الدين ذو الفقار ليؤسطر عبد الناصر في ملحمة تاريخية خاصة. ولأن زمن الملاحم كان في مجد تدشينه تورط في الفيلم الوثائقي الدعائي "الناس والنيل" عن ملحمة بناء السد العالي، استشعر من موقف الرقابة من الفيلم الممول من الإتحاد السوفيتي خريف الأب الكبير، إنفعاله بهذه اللحظة أنتج ثلاثية نقد الثورة "الاختيار"، "العصفور"، "عودة الابن الضال"، محمولا بهاجس تصحيح مسار الثورة بعد نكستها الشهيرة. كان اعمق تلك الأعمال وأكثرها اقترابا من ذاتيته هو "عودة الابن الضال". إلتحم في هذا الفيلم هاجس الهزيمة مع الانهيار البطيء للطبقة الوسطي الريفية في أسرة تتبادل الأحقاد الدفينة على خلفية صراع الأجيال الدائم. المقاربة الفيلمية ضبطت الوعي الذاتي بالوعي الموضوعي في لحظة إستثنائية من مسيرته، وهو وعي جاء محمولا على أكتاف جيل بالكامل كما سبق ذكره. لكن في نهاية الثمانينيات وحرب الخليج الأولى، وتحديدا منذ فيلمه التسجيلي "القاهرة منورة بأهلها"، استند وعيه السياسي أو سياسية أفلامه على إنفعالية واضحة، تأسّ كلاسيكي على لحظة مضيئة ذهبت بلا عودة. بقي من هاجس الاختلاف فقط مزاولة الصدمة من تصاعد التيارات الدينية، "المهاجر" 1994 كان مفتتحا لذلك العلاج بالصدمة، نشطت ضده قوى الإسلام السياسي ودخلت سينماه تحت مقصلة التأويل الديني الرائجة حول قصة يوسف عليه السلام. كان دفاعه عن فيلمه ينطلق من مبرر ليبرالي مصدوم ببلاهة النخبة التي عادت للشارع مرة أخرى. الفيلم اشتبك أيضا مع لحظة مراجعة سياسية لجدوى السلام مع إسرائيل وحُمّل الفيلم فوق طاقته الفنية والفكرية. طاقة بدت مستنفدة فعليا في تهافت المضمون وتواضع الطرح وشكلانية الإبهار الإخراجي. ثم أكمل مسيرة المواجهة بـ"المصير" الذي بدا قراءة تنويرية مبسطة لخطاب قومي عروبي يتأسى على لحظة ليبرالية سياسية إسلامية ماضوية.

في العرض الذي شاهدته لفيلم "المصير"، وقفت أنا وأحد زملاء المرحلة نسبّ يوسف شاهين علنا في قاعة السينما التي يملكها في وسط البلد. كان الفيلم إستفزازيا لأقصى درجة، مهندسا ليدخل الأزهر في غمرة المؤسسات التي حمت تراث ابن رشد، محافظا في طرحه لإشكالية خلط الديني بالسياسي وهو خطاب الدولة بمؤسساتها الثقافية ونخبها المجوفة، متهافتا وكاريكاتوريا في عرض المتطرفين كدراويش بلهاء، إنسانيا مبتذلا في شخصنة ابن رشد لمستوى أن يدعو الرجل بعامية مصرية زوجته لتذكر مغامرتهما الجنسية على إحدى الصوفات، مفتعلا تمثيليا لمستوى أن الجميع يجعرون بلا مناسبة ويجحظون في كل مشهد قريب، ممتلئا بالأخطاء لدرجة أن ماسورة غاز وكراسي بلاستيكية تظهر في بعض المشاهد، لكنه كان ناجحا جماهيريا ومناسبا لدخول الدولة طرفا في إنتاج أفلامه، للدرجة التي حولته لمقرر صيفي على شاشات التلفزيون الأرضي كلما حدثت عملية تفجير إرهابية.

يعود "جو" لاحقا للسينما الذاتية وقد تهافتت إمكاناته الدرامية والتقنية بتوأمة مشروعه مع خالد يوسف في "سكوت هنصوّر" و"إسكندرية نيويورك"، فتضمحل الصورة الشاهينية عند أدني ظلالها، لا طعم ولا رائحة إلا في كادر هنا، وإطلالة ممثل هناك، لكنه يلقى أخيرا إعترافا جماهيريا ودوليا فيكرمه مهرجان كان ويظهر مرحبا به في البرامج التلفزيونية، ويصبح موضة بين الشباب الذين يشتاقون الى كتف عار أو قبلة أو لفظ جارح.

المدهش أن "هي فوضي" آخر إبداعاته والذي لم يشارك في 90% من تصويره أكسبه سمة المناضل أخيرا، فلقي ترحيبا من النقاد الديماغوجيين، وعبّر بعنف عن شوق الملايين لرؤية ثورة سينمائية مفبركة.

المستقبل اللبنانية في 10 أغسطس 2008

 
 

يوسف شاهين..

ظاهرة فنية يصعب تكرارها .. رحيل فنان لا يحارب طواحين الهواء

د. عمار هادي العرادي

في عالم الصحافة و النقد ،ما ينفع الناس هي المعلومة. لابل ان اساس كل كتابة و جوهرها هي المعلومة، التي تبقى و تستقر في ذهن القارىء. و يوسف شاهين كظاهرة فنية انسانية مشاكسة مجبولة عل التحدي و المغامرة يصعب تكرارها !. و لا اظن ان هناك معلومة ما قد اغفلت في حياة هذا الفنان ولم يتعرض لها النقد.. فضلا عن الكتب والرسائل و البحوث التي تناولت ظاهرة يوسف شاهين السينمائية. ولا يكاد هناك ناقد سينمائي غفل عن ابداع هذا الفنان. اذا لم يكن الجميع قد تحرقوا وتحمسوا بشدة للحديث عنه وعن افلامه سواء كان ذلك بالتعريض المسّهب او التقريض المذهب .. الذي لم يسلم منه !.و هو من طبائع الامور، اذ ليس بالضرورة ان تكون الرؤى متطابقة ، ولن تكون كذلك. لان الجانب الفكري في السينما هو المقياس النقدي الامثل.

وهذا ما يُشكل الكتابة عن يوسف شاهين، الذي تثير افلامه جدلا و انقساما ، انطلاقا من تقنيته واسلوبه المتطور، ومن مضامينه ومواقفه التي توصف لدى البعض بالمبهمة. غير انني اجده فنانا عاش ومضى في زمن صعب ؛ كلمّا ما يزداد تعقيدا وصعوبة ومشقة. لكنه كان بمشاكسته و تحديه منفردا ومتميزا، يمارس هوس التحريض لاجل حياة انبل و اشرف. سبعة وخمسين سنة قطعها للفن من اثنين وثمانين سنة مع الحياة..بابا امين اول افلامه عام 1950 و كان عمره آنذاك اريعة وعشرين سنة عاد من دراسته في امريكا ليسند له الاخراج دونما أن يمر بمراحل الممارسة كمساعد اخراج!. و يذكر انه في دراسته درس الاخراج المسرحي ، لذلك لا يخفى على المتابع او المتذوق انه استخدم تقنيات المسرح في فيلمه (حتوتة مصرية) و (اسكندرية كمان وكمان) ، وكذلك اخراجه لمسرحية (كاليكولا) عام 1992 ضمن مشاريع مختلفة لعدد من غير الفرنسين للمسرح (الكوميدي فرانسيز) الفرنسي واستخدامه الغناء والانشاد من خارج الكادر في بعض افلامه مثل (جميلة بوحريد) (الارض) (عودة الابن الضال) و(المصير). ولان سرد بلغرافيا عن يوسف شاهين وانجازاته الفيلمية متيسرة ومعروفة، الا ان اللافت انه اخرج ست مرات فيلمين في السنة في مشاورة مع الفن (1952/1956/1958/1960/1986/1970 ) واخرج ثلاثة افلام انتاج مشترك مع الدول الاوروبية (رمال من ذهب) مع اسبانيا (الناس والنيل) مع الاتحاد السوفيتي ـ سابقا ـ (وداعا بونابرت) مع فرنسا. وهو انتاج متفرد ، تميز انتاج يوسف شاهين بالنوعية وهو مقل قياسا لحياته الفنية الطويلة التي عاشها. و قد حصل على الجائزة المستحدثة لمرور نصف قرن على مهرجان (كان) السينمائي لمجمل اعماله الكاملة و هي جائزة تمنح كل نصف قرن تقديرا لمشواره الطويل وقد اهداها لبلده مصر التي ولد عليها .

يوسف شاهين فنان راديكالي لا يحارب طواحين الهواء بالرغم من الكتابات النقدية التي تثيرها افلامه وخصوصا فيلمه (الاسكندرية ليه) الذي واجه بسببه في حينها تهم محاباة الصهيونية و نظام السادات مما حدا لطفي الخولي المثقف اليساري المعروف للرد و الدفاع المقابل عل مثل هذه التأويلات.

يوسف يقول: (انا افكر اذا انا يوسف) وكان المشاهد يتنفس انفاسه في فيلم (الناصر صلاح الدين) عاد 1963 و يتمثل معه راديكاليته القومية، وشدة تأثره بجمال عبد الناصر، والحماسة الثوية و القومية التي كانت سائدة في وجدان جيله التي كانت نقطة صراع واستقطاب دولي. وهذا الفيلم قابل للتسويق في يومنا هذا لشحنه بالتسامح الديني مشكلة العصر الراهنة. وكذلك بقية افلامه التي كلما مرّ عليها الزمن تبقى قابلة للقراءة والتأويل.

يوسف مخرج صاحب قضية واضحة منذ بداياته، ففي فيلم (صراع في الوادي) ُُُُُُُيعرّي فساد النظام السياسي و الاقتصادي. وفي فيلم (باب الحديد) يغوص في قاع المدينة ومجتمع المقهورين. و فيلم (الارض) ملحمة النضال الطبقي و القيم و الاخلاقيات. والاختيار والعصفور والابن الضال يفضح المواقف الانتهازية و صراع الذات والانهرام امام استشراف الامل و الثبات المبدئي ، وفي فيلم ( المصير) يكشف عن الارهاب الفكري البغيض الذي يصادر الحريات . الذات الفنية والانسانية ليوسف ذات منطلقة من الوطن الى العالم اجمع.

يوسف شاهين وهب اكثر من خمسين عاماً من نشاطه الابداعي لقضية الانسان وهو واحد من الاساتذة الذين اسسوا للاخراج وعلوم السينما كمعلم.

ان الحديث عن يوسف شاهين لن يكون في يوم من الايام الحديث عن الماضي ولا اظنه سينتهي. كان يوسف يتمتع بحس وطني نادر ، وحماسة الشباب المستديمة، و فكر جدلي واعٍ عبر عنه في افلامه دونما وجل او مواربة. واذكر انه عندما زار بغداد في فترة الحصار لم يجامل احدا حينما قال في كلية الفنون الجميلة وهو يخاطب شريحة من الطلبة (انتم مش شهداء أوي) كان صريحا ومختلفا عن بقية الوفد المدفوع بالمحاباة والمجاملة الدبلوماسية التي أساسها المصالح !. كم بودي لو كان هناك متسع للحديث أكثر، لوكان هناك متسع أن نحيط بوطأة الخسارة الثقافية والسينمائية بفقدنا هذا الفنان المصري العربي العالمي، إلا أن عزاءنا أنه ترك لنا تراثاً فنياً ضخماً يُدرَس ويُدرس، عسى أن يخفف عنا هذه الخسارة .

المدى العراقية في 11 أغسطس 2008

 
 

عندما قدمت نفسى لـ«شاهين» كممثل فى فيلم «المصير»؟

ذكريات تتحدى الغياب!

محمد جمال

انبهارى به.. وبحالة الصخب والجدل التى يثيرها بشخصه وأفلامه.. لم يكن إلا انبهار بنموذج مصرى عاش زمن التسامح الذى كثيرًا ما سمعت عنه من أمى يوم أن كان جيرانهم الست إيميلى.. وعم خورى.. وعم دبانة بجانب صابر أفندى «أبو توكل».. وكان ذلك فى مدينة «المنصورة»! عشت هذه الحالة مبهورًا لأول مرة فى فيلم «الوداع يا بونابرت» حين قدّم بونابرت وحملته من منظور تأثير «المطبعة» وليس «المدفع» على مصر! 

وكنت بصدد إجراء حوار لصحيفة «عكاظ» السعودية.. وأحمل فى يدى نسخة من الصحيفة بها ترجمة لرواية أندريا شديد «اليوم السادس» التى قدمها كفيلم بطولة داليدا.. وفوجئت به يسألني: أنت حصلت على إذن من المؤلفة بترجمة روايتها؟.. وفى تأتأة وتلعثم قال: اتعلم أنك تحترم جهد المؤلف علشان تبقى صحفى أمين! 

ثم سألني: وهمّ السعوديون مهتمون بالسينما المصرية علشان يقرأوا حوارا لواحد بيقول للأعور يا أعور فى عينه! 

ولمّا شعر أننى تحولت أمامه إلى كتكوت مبلل!!.. فوجئت به وفى عاطفة لم تخلت من الدعابة تشرب إيه يا واد.. أنت بتفكرنى بـ «على الشريف»!.. وكانت هذه بداية حميمية لأفك عقدة لسانى.. ودار الحوار وكان أبرز سؤالين فيه: 

ـ البعض يراك مخرجًا مصريًا ترتدى «القبعة».. أو بالأحرى بوقًا للفرانكفونية؟! 

ورد فى غضب: إذا كان هذا ينطبق على فيلم زى «بابا أمين» و«الأرض» و«باب الحديد» و«صلاح الدين» فهم «حمير»!.. وإذا كنت تقصد بهذا البعض «النقاد» فليس عندنا نقاد باستثناء اثنين أو ثلاثة.. والنقاد لم أستفد منهم إلا بمقدار ما أسهموا به فى ذيوع صيتى.. وماعدا ذلك فالنقد قائم على الشللية ومين عارف مين فى الوسط الفنى والصحفي! 

ثم أردف: وعلى فكرة الكلام ده قيل بعد فيلم «القاهرة منورة بأهلها»!.. وده من أجمل وأصدق أفلامى لأننى لم أُقدم فيلمًا سياحيًا فهذا ليس شأنى.. أنا قدمت هموم القاهرة بسلبياتها. 

وأنا أقدم أفلامى من منظور «مواطن غير راضٍ عن الأوضاع العامة».. لأن الفنان الذى ينظر نظرة وردية لمجتمعه عليه أن يعمل فى شركة سياحة.. أو شركة إعلانات، وأنا لن أصفق لأحد!.. ولن يشترينى أحد!! 

أما السؤال الثانى فكان إسكندرانيًا بامتياز: إسكندرية دايمًا حاضرة فى أعمالك بكل ما فيها من «تعايش وتسامح» بين المصرى.. والخواجة.. هل هذا حنين أونوستالچيا لزمن جميل؟ 

ـ شوف.. إسكندرية هى «الآخر» وكان جيراننا فرنسيين ويونانيين وإيطاليين.. وأنا مزاجى زى البحر لأننى مولود فى وقت «النوة» 25 يناير 1926!.. كتير كنت أروح «الميناء» وأستمتع بمشاهدة السفن.. وأسأل ماذا وراء هذا الأفق!.. وفى فيكتوريا كوليدچ كان المسلم والمسيحى واليهودى فى فصل واحد! 
فى الفترة دى كنت مبهورا بالسينما.. وأمريكا.. ومثلت على مسرح كلية فيكتوريا.. وكانت إسكندرية هى «مهد السينما» التى عرفتها مصر عام 1907، ولكن إسكندريتى تغيرت بعد أن نال منها التطرف.. والعشوائيات. 

بعد هذا اللقاء كان ذهابى إلى مكتب الأستاذ دائمًا.. وهناك توطدت صداقتى بتلميذه المخرج خالد يوسف وبالمخرج الواعد كمال منصور، وعماد البهات والمخرج محمد على ومدير الإنتاج هشام سليمان والفنان سيف عبدالرحمن والمنتج جابى خورى.. وحين رغبت فى البقاء فى أن أرافق هؤلاء الأصدقاء أثناء تصوير فيلم «المصير» لم يكن أمامى سوى تقديم نفسى كممثل.. وأسند لى خالد يوسف دور شيخ متطرف من معارضى ابن رشد.. وأذكر أننا كنا نصور فى بيت زينب خاتون بـ «الأزهر».. واتصلت للاطمئنان على أمى وعرفت أنها فى «غيبوبة سكر» ولم أتردد فى الانطلاق وأنا بالملابس التاريخية فى شوارع الأزهر والناس تنظر لى فى ذهول وأعدت الاتصال بالبيت مرة أخرى، وفى هذه المرة ردت أمى وقالت لي: أنا بخير خليك فى شغلك! 

وحين عدت كان الأستاذ وكاست الفيلم فى دهشة لتصرفى.. وبالطبع نالنى جانب من التعنيف الشاهينى.. وانتهى الأمر ونحن جميعًا حوله نتناول الغداء! 

أما ثانى المواقف الطريفة فكان فى مطار القاهرة أثناء تصوير فيلم «الآخر»!.. وكنا فى مطار القاهرة وكان المفروض أننى ضابط شرطة.. واندمجت فى الدور مع بعض رجال الشرطة الحقيقيين.. وحين كشفوا أمرى.. ذهب أحدهم إليه وشكانى فما كان منه إلا أن استدعانى بالميكروفون وهو يوبخنى.. ثم تصالحنا.. وهكذا ظلت علاقتى بالأستاذ.. ومكتبه.. وتلاميذه.. متصلة.. وحين التقيته فى مدينة السينما مع خالد يوسف أثناء تصوير «هى فوضي» سألني: أنت ليه مش معانا؟.. فقلت له: أمى مريضة وأخشى عدم الانتظام.. فضحك طويلاً وهو يقول: أنت أهبل!! 

وحين فوجئت بوقوعه على رأسه ودخوله فى «الغيبوبة» تذكرت ما حدث لأمى.. ولم أملك إلا البكاء.. وبقدر ما كانت «الغيبوبة» قاتلة.. بقدر ما كان الحضور قويًا.. أمى نقشت عمرها على قلبى.. ولم تغب.. وشاهين رسم فى ذاكرتى صورة مصر الجميلة بأكملها.. مصر المنورة.. بأفلامه أمس.. واليوم.. وغدًا. 

العربي المصرية في 12 أغسطس 2008

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)