كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

تسـقــط الرقـابـة

كتب : شوقي عصام

السينما المصرية في عيدها المئوي

   
 
 
 
 

إذا كانت حرية الإبداع والفكر مسلوبة فى بعض العهود إلا أنها ظلت مسلوبة فى كل الأوقات فى تاريخ السينما المصرية، وذلك بسبب القيد الذى ولدت به السينما وهو «الرقابة» التى تشبه عملية الختان التى تفقد الأشياء طبيعتها، فالرقابة هكذا تعاملت مع الأفلام السينمائية على مدار 100 سنة مما قضى على أى إبداع تحت شعار حماية الذوق العام والمجتمع، ويكون هذا التنصت بثلاثة محاذير وهى: الدين والجنس والسياسة فى الوقت الذى تعتبر فيه هذه المحاذير هى الحياة اليومية التى يعيشها أى شخص ويريد أن يراها بأشكال فنية يكون فيه تواصل بينه وبينها.

الآن تغيرت المفاهيم واختلفت النظرة الضيقة وأصبح «الجمهور» هو «الرقيب» الذى يمنع ويصادر ومن هنا طالب الجميع بسقوط «الرقابة» وأوصيائها. التاريخ يقول إن بداية السينما فى مصر بريئة من اختراع الرقابة، حيث كان التعامل الرقابى موجودا على المسرح فى العقد الأخير من القرن الـ ,19 وظهرت أول المحاذير الرقابية فى التعامل بحساسية مع الأمور السياسية، حيث منعت سلطات الاحتلال الإنجليزى المسرحيات التى تتناول قضية الوطن واستقلاله. فى بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 تأسس أول قسم فى السينما للرقابة على الأفلام العربية والأجنبية، (الرقابة) كإدارة تابعة للقسم الفنى (المطبوعات) بوزارة الداخلية وكان أول رقيب رسمى للسينما هو توفيق صليب الصحفى المعروف، وظهرت بعده أسماء أخرى مثل د.يحيى الخشاب ود.عبدالباسط الحجاجى وأنور حبيب المدعى العام الاشتراكى، وكان الرقباء الأربعة الأوائل يعملون فى وزارة الداخلية.. وكان أول مقر للرقابة السينمائية بوزارة الداخلية بلاظوغلى فى الدور الأرضى بأحد المبانى الفرعية القديمة، أما أول قانون صريح للرقابة فصدر عام 1947 وهو القانون الشهير الذى يقضى بعدم جواز إظهار مناظر الإخلال بالنظام الاجتماعى ومعه عشرات التعليمات التى كبلت حرية التعبير لضمان عدم المساس بالملك أو السلطة حتى قامت ثورة يوليو.

ومثل أى نظام يأتى جديدا للحكم يقوم بمحو أمر يتعلق بما سبقه فقد تعاملت الثورة مع أفلام ما قبل يوليو 1952 معاملة جديدة فى الحذف والقطع والتشويش، فأفرجت ثورة يوليو وبتوجهات من عبدالناصر عن فيلم مصطفى كامل الممنوع قبل قيام الثورة بينما شطبت على صورة الملك فاروق أو تشوهها بعلامة سوداء فى الكادر لدرجة أن فيلم «الله معنا» عام 1955 تم منعه من العرض لمدة 3 سنوات لمجرد تصوير بعض لقطاته قبل الثورة. إدارة الرقابة على الأفلام السينمائية انتقلت بعد الثورة إلى وزارة الإرشاد القومى، حيث صدر المرسوم رقم 270 لسنة 1952 بإنشاء وزارة الإرشاد، ووجد القائمون فى الوزارة أن لائحة 1914 لاتساير التطور الاجتماعى فأصدر قانون 430 لسنة 1955 والذى لايزال المرجع والمشرع الأساسى لعمل الرقابة المصرية حتى الآن، وأصبحت الرقابة فى معناها العام هى وسيلة وقائية مقصود بها حماية الآداب العامة والنظام العام ومصالح الدولة العليا والأمن العام. على أبوشادى رئيس الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات السينمائية الحالى يلخص هذه الفترة بقوله: كانت بمثابة المحظورات الأكثر تعقيدا، وذلك فى ظل ولادة نظام عسكرى جديد يتعامل بصرامة وشدة مع نوع من الفن قد يخدمه فى بداية ترسيخ أفلامه بدلا من الحياة التى عاشها المواطنون فى قمقم سينمائى يرون فيه أنه منفذ للسياسة العليا.. ولم يحدث تغيير بين النظام الملكى والنظام الجديد، بل جاء النظام الجديد بممنوعات جديدة يرتبط بها الرقيب وصناع العمل.

عموما فإن الرقابة كان ينظر لها على أنها تشبه الزائدة الدودية التى يجب أن تستأصل مثلما حدث فى إنجلترا وفرنسا وأمريكا، وهنا يعلق «درويش» الذى تولى رئاسة الرقابة بين عامى 1962،1963 بقوله إن قوانين الرقابة المصرية مأخوذة نقلا عن السينما الإنجليزية والفرنسية، ولقد تحررت أوروبا وأمريكا والصين والاتحاد السوفيتى من الرقابة فى الربع الثالث من القرن الماضى ولاتوجد هناك رقابة على السينما مثلما لاتوجد رقابة على الأدب والنحت.. فالمشكلة ليست القوانين ولكن التحرر هو الأمر المهم، فهذه القوانين لم تلغ من هذه الدول ولكنها تحررت منها ولذلك حوصرت السينما المصرية وتراجعت أمام السينما العالمية.. فالفيلم المصرى فى المهرجانات العالمية لايحصل على أى جوائز إلا فى المهرجانات الإقليمية حتى مهرجانات الخليج تراجعنا فيها بسبب عبودية السينما لقانون الرقيب، لأن يخضع لثلاثة موانع تقتل أى عمل ناضج حر وهى الدين والجنس والسياسة.. وحتى إذا استطعت تجاوز هذه الموانع فالثقافة الرقابية الموجودة لدى صناع السينما تجعلها مسخا لا علاقة له بالفن ولايبقى فى الذاكرة وعلى سبيل المثال فيلما «هى فوضى» و«حين ميسرة».. حيث قال إن الفيلمين بعيدان عن الإبداع ووضعت فيهما المتاجرة فى الجنس والسياسة، حيث قدم الفيلم المحاذير الجنسية والسياسية بشكل مبتذل لاعلاقة له بالواقع وذلك يبين مدى جاهزية صناع السينما للتحرر من الرقابة، حيث إنهم لم يستطيعوا التعامل مع هذه المحاذير بالشكل الهادف.. فهذه اللخبطة التى تعيشها السينما المصرية وهذه القوانين التى لاتعدل وإذا عدلت تعدل للأسوأ لأنها وليدة عدم توفر حرية التعبير والابتكار واتساع الأفق. ويوضح «درويش» أن هناك طرقا ملتوية لتجاوز الرقابة يقوم بها الفنانون الذين خرجوا على القانون ويكون هؤلاء الفنانون مستندين على تاريخ قوى أوعلاقات ومصالح مع العاملين بالرقابة مما يجعلنا نجد أسلوب الكيل بمكيالين أمثال يوسف شاهين وعادل إمام ومن قبل رشدى أباظة وأحمد مظهر وصباح وشادية.. وهنا تخضع هذه الأعمال لنزوات الرقابة بحيث تعطى الحرية لمن تشاء وتحجبها عمن تشاء. ويرجع «درويش» إلى عدم تمرد السينما على الرقابة بأن صناع السينما سواء مخرجين أو ممثلين أو مؤلفين ليسوا شجعانا.. فهم يريدون الرقابة، أما إذا كانت هناك شجاعة فى التقديم فستحرر السينما من الرقابة. «اعتدال ممتاز» أول سيدة تتولى مركز مدير الرقابة على الأفلام، ثم مدير عام على المصنفات الفنية لتسع سنوات متتالية من 1968 حتى 1976. وعرفت فترة رئاسة اعتدال بالعصر الذهبى للرقابة نظرا لما شهدته تلك الفترة من جرأة فى الموضوعات الفنية وحرية فى التعبير والإبداع.

ولأن فترة «اعتدال» فترة ثرية بالأحداث الرقابية فلابد من التطرق إلى فيلم «ميرامار» الذى أتى بمساوئ الاشتراكية المجسدة فى شخصية سرحان البحيرى عضو الاتحاد الاشتراكى وتقول اعتدال فى مذكراتها إن الفيلم حصل على ترخيص من الرقابة أثناء قضائها للعطلة السنوية وأرسل المسئول السياسى بالاتحاد الاشتراكى لرؤية الفيلم وكان هذا المسئول ضياء الدين داوود رئيس الحزب الناصرى وقام بحذف كلمة «طظ» التى وردت على لسان طلبة بيه، وحذف جملة الفلاحين وقعوا مع المثقفين وحذف «قلق الاشتراكية» لأنها قيلت بصورة تهكمية وحذف جملة «الحراسة أخذت اللى ورانا واللى قدامنا» وحذف عبارة «المرتبات بتنزل» والاكتفاء بعبارة «الأسعار بتطلع» وتخفيف منظر «فخذ» الراقصة على السرير.. ولقد لاقت هذه الحذوفات غضب القائمين على إنتاج الفيلم.. وتقول اعتدال أنها علمت أن جمال عبدالناصر بدأ يضيق بالاتحاد الاشتراكى ومستقبله وأرسلت إليه رسالة شخصية عن الفيلم ومادار حوله وأن هذا الفيلم سيمتص غضب الجماهير عن الاتحاد الاشتراكى واتصلت بها رئاسة الجمهورية وأبلغوها أن أنور السادات رئيس مجلس الشعب سيحضر لمشاهدة الفيلم والمفاجأة أن السادات كان اعتراضه الوحيد على تحقير المرأة وسبها قائلا: «إن المرأة شريك» ووافق على الفيلم.. وقد تعرض فيلم «شىء من الخوف» لنفس هذه الملابسات حيث رأت الرقابة أن هذا الفيلم يسىء للرئيس جمال عبدالناصر والنظام وأن الفيلم يشبه عبدالناصر «بعتريس» وأن فؤادة هى مصر ومع ذلك شاهد الرئيس عبدالناصر الفيلم بنفسه ووافق على عرضه ونجد هنا أن الرئيس عبدالناصر والرئيس السادات حلا محل لجنة التظلمات فى فيلمى «ميرامار» و«شىء من الخوف»، وكذلك لم يصرح لفيلم «المتمردون» عام 1969 بالعرض إلا بعد تغيير نهايته. فى عام 1995 تولت د. درية شرف الدين جهاز الرقابة ولكنها سارعت إلى تقديم استقالتها بعد عام واحد وذلك بسبب رفضها تدخل وزير الثقافة «فاروق حسنى» ويعود ذلك بشكل مباشر للأمر الذى كان يحول بينها وبين تنفيذ السياسة التى كانت تريدها. توضح «د.درية» هذه الفترة أكثر بقولها: الفترة السابقة لدخول الرقابة كان بها إنتاج سينمائى ردىء، وكنت أريد أن أخرج بالسينما بعيدا عن الرقابة بإعطائى هوامش الحرية المطلوبة ولكن لايزال القائمون على العمل السينمائى سواء ممثلين أو مخرجين أو مؤلفين أو منتجين يريدون أن تكون الرقابة موجودة لأنهم لايستطيعون إيجاد إنتاج سينمائى جيد يخرج للناس دون التحجج دائما بأن الرقابة أفسدت العمل. وتفجر د.درية مفاجأة بقولها إن المحظورات الجنسية غير معمول بها فى مصر؛ لأنه لايوجد لدينا كيان يستطيع عمل فيلم هادف يحتوى على مشاهد جنسية وأنها قد تستغل بشكل آخر كما هو الآن فى الفيديو كليب.. أما بالنسبة للمحظور الدينى فمصر غير قادرة على إنتاج فيلم دينى منذ 40 سنة لأن ذلك مرتبط بحملات التطرف الموجودة والنظرة العاجزة للدين.. وتنتقد رفض ظهور الشخصيات الدينية كدولة فى حين أن الكنيسة لديها الجرأة فى إنتاج أفلام بها شخصيات دينية، ولقد حاولت الوقوف أمام ذلك الفكر برغبتى فى قبولى لأفلام دينية قبطية، ولكن كانت اللجنة تواجه ذلك بالرفض، ولكنى أجزت «فيلم هندى» الذى يتناول علاقة المسلم بالمسيحى وذلك كان أقصى ما فى استطاعتى.. وبسبب الضغوط الفنية قدمت استقالتى. وبعد استقالة «درية» انتدب د.على أبوشادى فى أغسطس 1996 بعد أن ظل المنصب شاغرا لمدة 4 شهور وظل أبوشادى فى منصب رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية حتى عام 1999 وكان من أبرز ما قام به أبوشادى هو ظهور مشهد حرق العلم الإسرائيلى لأول مرة فى فيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، وكذلك تم التصريح بعرض جملة «تسقط إسرائيل» فى فيلم «فتاة من إسرائيل».. وقد شهد فيلم «العاصفة» أزمة مع المخابرات الحربية ولكن تم القيام ببعض التعديلات حتى تمكن الفيلم من الحصول على تصريح الموافقة.. وقد امتاز على أبوشادى بحرصه على إيجاد علاقات طيبة مع المسئولين والجهات الحكومية. وفى نوفمبر1999 ترأس الرقابة مدكور ثابت الأستاذ بقسم الإخراج بالمعهد العالى للسينما حتى عام ,2004 تميز عهد «مدكور» بضرورة إطلاع الجمهور على اتجاهات التفكير الرقابى لطرحها ومناقشتها وإيجاد حلقات اتصال بين الرقابة من جانب والنقاد والمتخصصين والمفكر من جانب آخر. ومدكور فى نظر بعض النقاد قد حاول تجزئة المسئولية وعدم تحملها كاملة وأن الرقابة مسئولية الجميع. فى عام 2004 عاد أبو شادى ليظل حتى الآن رئيس جهاز الرقابة ويقول أبو شادى : السينما العالمية قد تحررت من الرقابة ونحن لم نتحرر بسبب الخضوع تحت قيود سياسية ومجتمعية، فدول العالم جميعها لديها قوانين رقابية، ولكنها تتحرر منها بالتحايل عليها بالأفكار المتطورة والإبداعات ، أما فى مصر فلا يوجد فكر مناسب يمكنه فك قيود القوانين .. وأضاف أبو شادى: أن هناك أفلاما وقفت بجانبها كرقيب لاقتناعى بهدفها مثل فيلم «أبو الذهب» الذى قمنا كرقابة بحذف مشهد تعرى فيه صدر معالى زايد، ولكن المنتج أعاد المشهد للنسخة مرة أخرى وتحول أبطال الفيلم للمحكمة، ولولا وقوفى بجانبهم لحكم عليهم بالسجن . هناك بعض المنتجين والكلام مازال لأبوشادى يخرجون دائما، ويقولون إن الرقابة حاليا تتعنت وتحذف مشاهد وجملا فى وقت لا نحذف فيه أى مشهد ولا نرفض فيه سيناريو ، ولكنهم يفعلون ذلك للترويج لفيلمهم قبل النزول على شاشات السينما .. يتحدث أبو شادى على آليات العمل الرقابى حاليا بقوله : مراحل الرقابة على الفيلم السينمائى، حيث تبدأ بالمؤلف الذى يقوم بتقديم الفكرة المبدئية للفيلم لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية ، وفى حالة الموافقة يتم تقديم السيناريو كاملا ثم يقوم المؤلف بالبحث عن منتج للفيلم الذى بدوره يتولى ترشيح بقية أفراد طاقم العمل الذى يقوم باختياره من حيث التمثيل والتصوير والإنتاج والإخراج ثم تعرض الصورة النهائية للفيلم بعد انتهاء التصوير على الرقابة مرة ثالثة، والتى إما أن تمنحه ترخيصا بالعرض أو ترفض عرضه أو تطلب حذف مشاهد منه.. وفى حالة الرفض يتم اللجوء إلى لجنة التظلمات التى تعيد النظر فى الفيلم وعادة ما تقبل التظلمات ويتم النظر فيها .

يعود الناقد «مصطفى درويش» ليتحدث عن مستقبل الرقابة واتساع مساحة هامش الحرية بقوله أنه لابد من التخلص من القيود الرقابية الموجودة حاليا حتى يكون لدى المبدعين قدرة على توصيل الواقع إلى الجمهور متوقعا أن الأخطاء التى يقع فيها الممثلون والمخرجون حاليا فى التعامل مع الأفلام سيأتى فى الفترة السابقة برقابة متحررة بعيدة عن أى قيود . بينما ترى د.« درية شرف الدين» أن الرقابة لن يكون لها دور فى الفترة القادمة ، وذلك لعدم وجود الجرأة والفكر الذى يمس المحاذير «السياسة والدين والجنس» ، وذلك لعدم وجود الدافع داخل صناع السينما، فالرقابة الآن ليست موجودة ، ولكن الصناع حاليا ليست لديهم الشجاعة على الإبداع وأعتقد أن ذلك نتيجة الفترة الكبيرة التى فرضت فيها الرقابة نفسها.

روز اليوسف المصرية في 5 يناير 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)