كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

ورقة نقدية حول أفلام الدورة الخامسة

من مسابقة "أفلام من الإمارات"

حسن حداد

مسابقة أفلام من الإمارات

الدورة الخامسة

   
 
 
 
 

أعزائي الحضور.. إخواني السينمائيين..

حينما نكون أمام تظاهرة "أفلام من الإمارات"، فإننا لا نستطيع أن نتجاوز حقيقة أن هذه المسابقة قد أرست دعائم قوية لقيام حركة ثقافية سينمائية إماراتية، منذ انطلاقتها في عام 2001.. ونحن الآن نحتفي بالدورة الخامسة، فإننا لا نبالغ إذا زعمنا بان مهرجان "أفلام من الإمارات" قد أصبح رافدا هاما وأساسيا من روافد انتعاش واقع الفن والثقافة في منطقة الخليج العربي بأكمله.. شكرا للإمارات عموما، وشكرا للمجمع الثقافي بابوظبي والقائمين عليه على وجه الخصوص.

كما يحق لنا تصنيف هذه الاحتفالية السينمائية، بأنها مهرجان تخصصي يعنى بالفيلم التسجيلي والقصير.. وهو يضاهي في ذلك ابرز المهرجانات في العالم، تلك المتخصصة بهذه النوعية من الأفلام.. إذن لماذا يطلق عليه تجاوزاً "مسابقة".. أنا هنا ومن هذا الموقع.. اقترح على القائمين على هذه التظاهرة، بألا يتأخروا بتغيير هذه التسمية، واستبدالها بتسمية تستحقها هذه التظاهرة بحق.. "مهرجان أبوظبي للفيلم التسجيلي والقصير".. ليضم كافة المشتغلين بمثل هذه النوعية من الأفلام في دول الخليج العربي..!!

 

أعزائي الحضور..

لقد اعتبرت اختياري كناقد لأفلام هذه الدورة نوعاً من أنواع التكريم لي شخصيا.. فبقدر سعادتي بهذا الأمر، انتابني شعور هو مزيج من الرهبة والحماس، ساعة طلب مني الأستاذ مسعود أمرالله بأن أكون الناقد الرسمي.. كيف يكون ذلك أمام فنانين ونقاد على قدر كبير من الأهمية، وفي احتفالية سينمائية لها وزنها عربيا.. لذا اتصفت هذه الدعوة بالمباغتة.. إلا إنني لم أكن لأفوت فرصة الالتقاء مع إخواني السينمائيين الخليجيين والعرب.. فالتشوق لمثل هذا اللقاء قد مر عليه زمناً طويلاً، كما انه لابد لي من التعرف والاحتكاك بمن يصنع الصورة السينمائية بحماس في بلداننا، متجاوزاً كل تلك الصعاب والعوائق الخارجية، تلك التي لابد من العمل على هدمها وإطلاق العنان لمخيلة فنانينا للانطلاق بالصورة إلى آفاق فنية رحبة.

أما بالنسبة لهذا التقليد السينمائي (أعني القراءة النقدية للأفلام المشاركة)، والذي حرص عليه القائمين على مهرجان "أفلام من الإمارات".. لهو بحق ظاهرة إيجابية تضيف الكثير لهذه التظاهرة، وتعطي شرعية لأسباب قيامها والاستفادة من فعالياتها.. وهذا بالطبع بشهادة جميع من شارك بهذه التظاهرة منذ انطلاقها.

وهي أيضاً مناسبة هامة للحديث عن حماسة فنية طاغية، بفنانين متعطشين لهذا الفن الجميل.. تجارب خاصة جداً، يمكنها أن تكون نواة أو حجرا صغيرا لفعل سينمائي مستقبلي.. ولن أقول لسينما إماراتية أو خليجية، باعتبار أن جميع هذه التجارب الفيلمية (التي قاربت الخمس مائة فيلم منذ عام 2001 وحتى الآن)، بغض النظر عن مستواها الفني والتقني، هي بمثابة تجارب شخصية في أغلبها نفذت بكاميرات فيديو، وليس هناك عجلة إنتاج سينمائية ثابتة ذات كيان خاص، يمكن أن تشكل استمرارية إنتاجية. وهذا ينطبق على مجمل الأفلام في الدول العربية باستثناء مصر.

هذا بالطبع لا يُنكر على هذا المهرجان أن يكون من أبرز الفعاليات السينمائية المتميزة في المنطقة، التي أثمرت مجموعة من الفنانين العاشقين للفن السينمائي. بمعنى أن لدينا في دولة الإمارات (مثل بقية دول الخليج) سينمائيون بلا سينما.. وهنا يبرز السؤال: لماذا يكون هناك سينمائيون متحمسون لهذا الفن الأكثر شعبية من بين كافة الفنون، وليس هناك سينما بالمعنى الحقيقي للكلمة؟! والإجابة على هكذا تساؤل ليس بالأمر اليسير.. فالأجهزة الرسمية والشعبية مازالت تشك في قدرات هذا الفنان الطموح من أن يصنع جمهورا سينمائيا يمكن التعويل عليه.. أو لنقل بأن هذه الأجهزة ليس لديها هذه الروح المغامرة لادخار ميزانية أفلام مستقبلها مجهول!!

 

إخواني السينمائيين..

من خلال متابعتي لمهرجان "أفلام من الإمارات" منذ  ولادته.. يمكنني الجزم، بأن السينما كصناعة في دولة الإمارات (كما في بقية دول الخليج)، لن تكون لها قائمة إلا من خلال دعم القطاع العام.. أي الأجهزة والمؤسسات الرسمية الحكومية، باعتبار أن الهم الفني والتثقيفي يتزامنان مع توجهات هذه الدول لتربية جيل مثقف ومهتم بالأدب والفن بشكل عام، والإحساس من جانب هذه الحكومات بالمسئولية تجاه المواطن، بغض النظر عن الربح المادي.. هذا ما يتراءى لنا من خلال تصريحات المسئولين في هذه الدول.

أما التعويل على القطاع الخاص في قيام سينما محلية، فهذا أمر لا يمكن الرهان عليه مرحليا، باعتبار أن رأس المال الخاص، سينتظر كثيراً إلى أن يطمئن بأن هناك جمهور سينمائي.. أو بالأحرى مستهلك جيد لهذه الصناعة المنتظرة!!

ومهرجان دبي السينمائي كمثال، يعتبر خطوة إيجابية حقيقية أخرى لهذا الفن الاستثنائي في ربوع الخليج.. خطوة يرجى منها الكثير والكثير من أجل إرساء قوانين وأسس لمستقبل سينما عربية في دول الخليج.. فكل الدلائل تشير إلى أن هذا المهرجان بمعطياته الحالية كفيل بتحقيق الأهداف التي أنشأ من أجلها.

دعونا نكون أكثر تفاؤلا بالمستقبل السينمائي في هذه المنطقة الحساسة من العالم.. منطقة المال والثروات الطبيعية الكبيرة.. ولابد أن يكون للثروات الثقافية والحضارية الكامنة في إنسان هذه المنطقة، دوراً في إبراز إنسان متحضر وواع لمستوى التفكير والثقافة على المستوى المؤسسي والفردي. 

 

إخواني السينمائيين..

قبل البدء في الحديث عن أفلام هذه الدورة.. لدي بعض الرؤى والأفكار، التي أحب أن أشارككم إياها في هذا اللقاء.. تتعلق بهذا الفن السينمائي الذي نحب.. متمنياً أن يكون لها القدرة في التبلور على هيئة عناوين لحوار طويل لا ينتهي بيننا وبين كل من يصنع الصورة السينمائية.

أثناء اشتراكنا في تحكيم "مسابقة أيام الأفلام البحرينية"، الذي أقامه نادي البحرين للسينما العام الماضي.. وأيضاً من خلال مشاركتنا في هذا المهرجان..سنحت لنا الفرصة لمشاهدة مجموعة كبيرة من الأفلام التي صنعها الشباب المليء بالحماس.. كانت بالطبع تجارب متفاوتة المستوى، بين الجيد والمقبول وحتى السيء.

أول ما لفت نظرنا في هذه الأفلام اتجاهها لذلك الهم الدرامي التقليدي.. (بنسبة 95% في المسابقة البحرينية)، وتراوحت بين (75% ـ 80% في المسابقتين الإماراتية والخليجية من هذا المهرجان)، وهذا بالطبع ناتج لسيطرة الدراما التليفزيونية على المتفرج العربي والخليجي وبالتالي على صناع هذه الأفلام. وهي خاصية ليست بالسلبية، بقدر ما هي مهمة صعبة على شباب ـ ربما تكون هذه هي بدايتهم الأولى في خوض مجال السينما ـ فالدراما لعبة فنية تحتاج إلى متخصص في اختزال فكرة معينة في زمن قياسي يحتاجه هذا الفيلم القصير الذي لا تتجاوز مدته الساعة.

وحتى إذا قبلنا بما قدمته هذه الأفلام الروائية القصيرة من دراما.. فإننا لاحظنا أن أغلب صناع هذه التجارب قدموا الدراما كما عهدوها في التليفزيون.. وهذه مسألة أوقعت الكثيرين منهم في السطحية وعدم التركيز.. باعتبار أن الدراما التليفزيونية تعتمد على ملء ساعات الإرسال التليفزيوني بالغث أو بالسمين من الدراما والمنوعات.. والفيلم لابد له من التركيز في اختزال فكرته والهروب بها من التطويل والمط.. وهو الشيء الذي لم تجسده أغلب التجارب التي شاهدناها.

 

ومن خلال متابعتي لكل هذه التجارب الفيلمية، إن كان في البحرين أو الإمارات.. راودتني الكثير من التساؤلات المكبوتة والمشروعة، أهمها، تلك التي تتحدث عن أهمية التسجيل في السينما.. تتحدث  عن تلك اللامبالاة التي يخصها المهتمون بالسينما والصورة المتحركة عندنا لأهمية هذه الصورة التسجيلية.

شخصياً.. لا أجد سبباً معيناً ومقنعاً لتلك اللامبالاة.. فإلى متى سيستمر هذا التجاهل لدور الصورة التسجيلية والتوثيقية، من قبل المهتمين بهذه الصورة، وكذلك من قبل الأجهزة الرسمية والمؤسسات الثقافية عندنا.. تجاهل لا أجد له أي مبرر تماماً. وأهمس بحميمية في إذن المشتغلين بهذه الصورة.. فأقول: لا تفوتكم فرصة التجريب والتعلم من التسجيل، فهي غايتكم في صنع المستحيل. هذا إضافة إلى اكتساب الخبرة الفنية التي تنطلقون منها إلى أجواء فنية أرحب وأهم.

لذا نرى بأن التوجه للتسجيل في مثل هذه التجارب سيكون في متناول الكثيرين ممن يعشقون هذا الفن.. فالفيلم التسجيلي يعطي مساحة أكبر وفرصة أهم لهذه المواهب لإبراز إمكانيات دفينة قادرة على فعل المستحيل.. واهتمامهم بالدراما سيكون بالطبع على حساب مستوى الفيلم الفني بشكل عام. فمواضيع الفيلم التسجيلي متاحة للجميع، للتخلص من قيود الدراما وتكاليف الإنتاج الصعبة لها.. فيمكن أن تعمل من أي موضوع فيلماً سينمائياً.. المهم الاهتمام بالصورة كموصل أساسي لفكرة الفيلم.. والتفكير في كيفية تلقي المتفرج لهذه الصورة.

شخصياً.. أميل إلى التسجيل في السينما، في مثل هذه الحالة.. أقصد أمام تجارب مازالت في بداية طريقها للتعبير عن طريق الصورة.. بل وتجاهد لأن تصل للمتفرج بشتى الطرق.. فلماذا يكون اختيار الطريق الأصعب..؟! مع ملاحظة أن الأفلام التي قدمت التسجيل في هذا المهرجان، وصلت إلى مستوى فني وتقني راقي.. لم يصل إليه الفيلم الروائي في كل الأحوال.

إن السينما في كل مكان بدأت تسجيلية وثائقية، فلماذا يصر المهتمون والمشتغلون بالصورة المتحركة عندنا، على صنع السينما الروائية أولاً ؟! لابد من هؤلاء، أن يدركوا بأن الأفلام التسجيلية، هي في الأساس تجريب وتعلم على طريقة صنع الصورة الصحيحة ومعرفة إمكانياتها وقدرتها على التعبير، هذا إضافة إلى أنها فن إبداعي في أساسه.

 

إخواني السينمائيين..

عموماً.. بعد مشاهدتي لهذا الكم الكبير من الأفلام في مهرجاننا هذا العام.. كان لابد لي من تسجيل بعض الملاحظات الضرورية العامة الأخرى، أقول العامة، لأنه ليس بالأمر اليسير أن أتحدث عن كل فيلم على حدة في حيز زماني كهذا.. هذه الملاحظات تتجسد في:

أولاً: الصورة:

نحن من هذا الموقع.. نعول على أن من يصنع هذه الأفلام لابد له من التركيز أكثر في التعبير بالصورة قدر الإمكان.. بل والذهاب بها إلى أبعد من هذا، وذلك بابتعاده عن الحوار التقليدي المكرر لما قدمته الصورة مسبقاً، هذا طبعاً بمساعدة العناصر الفنية والتقنية الأخرى.. ومن ثم الاهتمام بخلق كادرات جمالية معبرة وزوايا تصوير لافتة تضيف كثيراُ للحدث وتؤثر فيه.. وهذا ما لم نلحظه في غالبية الأفلام.. اختيار حركة الكاميرا وزواياها جاء عشوائياً وبشكل غير مدروس تماماً.. علماً بأن من يصنعون الصورة هنا، يكونون بمعزل عن مؤثرات خارجية كثيرة أبرزها المؤثر التجاري والترفيهي.. لذا كان عليهم التركيز والاختيار الدقيق والاهتمام بتكوين الصورة وجمالياتها، وذلك للارتفاع بمستوى الفيلم الفني والتقني.

لاحظنا أيضاً.. بأن الأفلام القليلة التي أبدت اهتماماً واضحاً بالصورة والكادر الجمالي.. لم تنجح في استثمار ذلك لتجسيد فكرة خلاقة مبتكرة لافتة.. فأي اختيار لحركة معينة للكاميرا.. أو أي كادر سينمائي لابد له أن يكون مدروساً ومبرراً لإضافة بعد جمالي وفكري للفيلم. صحيح بأن هناك بعض الأفلام التي أكدت على التعبير بالصورة الخالصة.. أي أنها استبعدت الحوار تماماً.. وهذا في حد ذاته إيجابية، إلا أن الملاحظة هنا هي.. اتجاه هذه الأفلام نحو الميلوداما البكائية الكئيبة.. فلماذا يكون الفيلم الصامت ميلودامياً دائماً..؟

 

ثانياً: الفكرة والسيناريو:

كما أسلفنا، لابد أن تكون الفكرة مركزة ولافتة في الفيلم القصير بالذات.. وفي نفس الوقت لابد أن تطرح فكراً مختلفاً عما تعودناه في الفيلم الطويل وفي الدراما التليفزيونية التقليدية.. إلا أن غالبية الأفلام هنا ينقصها الفكر أساساً، وبالتالي نجدها تتوه في عوالم الغيب والنسيان.. إذن الفكر أولاً قبل الفن.. فلابد أن يطرح الفيلم فكراً مصاحباً للرمز وبعيداً عن المباشرة.. فالمباشرة في الفن هي مقتل الإبداع.. أينما وجدت المباشرة يختفي الإبداع، فالاثنان لا يلتقيان على الإطلاق.. هذا وإلا سيكون مصير الفيلم الإهمال والنسيان.

هذا إضافة إلى أن بعض الأفلام لم تنجح في تركيز الفكرة واختزالها قدر الإمكان، ومن ثم الهروب بها من ذلك التطويل الممل. بل أن هناك أفلاماً حاولت التطرق لأكثر من فكرة، وعدة مواضيع في آن واحد.. وهو الأمر الذي ساهم في تشتت تركيز المتفرج.. وإخفاق الفيلم بالتالي في توصيل فكرة معينة واحدة له.. كما أن الفيلم القصير بشكل عام يحتاج أن تكون فكرته جديدة مبتكرة وغير تقليدية، ليكون تأثيره قوياً وينجح في شد الانتباه، وحتى إن كانت هذه الفكرة مكررة، فلابد أن تكون المعالجة جديدة ومغايرة عما هو سائد.. وهنا يأتي دور السيناريو في صياغة الفكرة بشكل غير مباشر ولماح.

 

ثالثاً: المونتاج:

كما نعرف بأن للمونتاج دور كبير في نجاح أي عمل سينمائي، باعتباره يعطي للفيلم تفرداً لابد منه عن بقية الفنون البصرية الأخرى كالمسرح والفن التشكيلي.. هنا يبدأ الحديث عن إيقاع الفيلم ونجاحه في شد انتباه المتفرج.. وإعطائه جرعات من الصور المتلاحقة والمؤثرة.

من جهتنا.. لاحظنا بأن الغالبية ممن يشتغلون في الصورة المتحركة عندنا، لا يدركون أهمية المونتاج في نجاح أي فيلم.. شاهدنا في الكثير من الأفلام تلك الصورة الميتة الثابتة، التي تصيب المتفرج بالملل والنفور من العمل.. ولاحظنا كيف أن مشاهد كثيرة تعتمد تلك اللقطات الطويلة المملة التي تتابع حركة الممثل أينما ذهب، وكأننا أمام خشبة مسرح وليس كادراً سينمائياً.. وإن حدث وكان المونتاج سريعاً.. نكتشف بأن هناك عدم فهم واضح في استخدامه، لدرجة أن يجعل المتفرج يلهث وراء الحدث دون أي مبرر منطقي.. فلا بد من صانع هذه الصورة أن يعطي للفيلم إيقاعاً متناسباً والحدث الدرامي المتناول وذلك باستخدامه للمونتاج بشكل متناغم ومؤثر.

 

رابعاً: الموسيقى:

هذا العنصر الفني لابد أن يكون له دوراً رئيسياً في الحدث.. بل لابد أن يكون دور معبر ومشارك، وليس فقط خلفية للحدث.. وعلينا كمتفرجين أن نلاحظ ذلك الذوبان من جانب الموسيقى في الفيلم لدرجة عدم الشعور بها.. وبالتالي تكون عوناً في توصيل صورة نظيفة لا ترهق العين والحواس الأخرى.. ما شاهدناه من أفلام، اعتمدت غالباً على موسيقى مختارة من أعمال سابقة، وهذا ليس عيباً في حد ذاته، إنما على صانع الفيلم أن يكون دقيقاً في اختياره هذا.. شعرنا فعلاً انزعاج المتفرج من موسيقى الكثير من الأفلام.. وشاهدنا مثلاً فيلماً إنسانياً اجتماعيا بموسيقى رعب، موسيقى لا تمت للفكرة والحدث بصلة.. لذا يجب الانتباه للموسيقى التصويرية، وحتى الأغاني المصاحبة.. التي أشعر بأنها تخل بالعمل السينمائي بشكل عام، أكثر ما تفيده.. فالصورة هنا أجدر على التعبير السينمائي من الأغنية.. إن للموسيقى دوراً هاماً في الارتفاع بمستوى الفيلم أو النيل منه.. لذا أدعو الجميع بالاهتمام بها إذا أرادوا أن يحافظوا على مستوى الفيلم وجاذبيته.

 

خامساً: الأداء التمثيلي:

هنا أحب أن أنوه بأن العنصر البشري في الفيلم، إن كان يمثل في الفيلم الروائي أو يعلق في التسجيلي، لابد له أن يدرك ذلك الفرق بين الأداء المسرحي والأداء السينمائي.. فالمتفرج هنا لابد أن يشعر بتلك الحميمية التي يمكن أن تنشأ بينه وبين شخصيات الفيلم الذي أمامه.. فأقرب شيء على الشاشة للمتفرج هو العنصر البشري.. لذلك على الممثل أن يحاول توصيل فكرة الفيلم بشكل تلقائي سلس، وليس بشكل فج وقسري، مستعيناً بكل وسائله لتجسيد ذلك.. لاحظنا بأن الأداء التمثيلي في كثير من الأفلام قد جاء مبالغاً وغير مقبول لدرجة الإحساس بالتعب.. التمثيل أساس هام جداً في تعاطف المتفرج مع شخصيات الفيلم.. لابد من إعطاء فرصة أكبر للتمرين الأدائي قبل التصوير.

كل هذه عوامل مساعدة للصورة التي تخيلها المخرج.. عوامل تحافظ على إيقاع سينمائي متناسق يزيد من شد انتباه المتفرج وتحافظ على متابعته.. وإذا نجح المخرج في الحفاظ على ذلك التناغم فيما بين هذه العناصر الرئيسية في أي فيلم سينمائي.. تكون مهمته أسهل بكثير.. لتقتصر فقط على إضفاء رؤيته الفكرية والفنية لفيلمه.

 

ختاماً.. لابد من الإشارة إلى أن هناك محاولات قليلة هامة جداً، شاهدناها واستمتعنا بها، أبرزها حسب الترتيب الأبجدي (الجساسية ـ القرم ـ أسرار سارة ـ أشياء ـ أفكار انتحارية ـ تحت الشمس ـ حياة تخشبية ـ خوف ـ سراب ـ سماء صغيرة ـ نساء بلا ظل ـ هبوب)، استطاعت هذه الأفلام أن تقول الكثير عن السينما والصورة.. ولكن الأهم هو الاستمرارية والعمل على صنع تراث تراكمي للصورة السينمائية في المنطقة بشكل عام.. فالسينما هي الحلم بالواقع.. السينما تاريخ.. ولعلنا نقترح بحرا صار عصياً على الجميع.. فهل من بحار ينقش تاريخاً جديداً لهذه السينما.

 

حسن حداد

مارس 2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)