كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

تحليل لمهرجان ولد كبيرا

الأشقاء الثلاثة‏..‏ هل يكون البقاء للأقوي؟

دبي ـ محمد رضا

مهرجان دبي السينمائي الدولي

الدورة الأولى

   
 
 
 
 

هناك فيلم سابق للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفة عنوانه حكاية الجواهر الثلاث‏,‏ ملخصه أن صبيا وقع في الحب‏,‏ والفتاة الصغيرة التي أحبته طلبت منه ثلاث جواهر من المحال له ـ وهو فلسطيني لا يستطيع حتي الانتقال من بلدته إلي الأخري من دون خطر التعرض للحواجز الإسرائيلية ــ الحصول عليها من دون سفر إلي البلاد البعيدة‏.‏ الفيلم‏-‏ أو علي الأقل‏-‏ عنوانه يعود إلي الذاكرة‏,‏ ونحن نتابع ما حدث مع ثلاثة مهرجانات‏,‏ كل منها يعتبر نفسه جوهرة ومن حقه‏.‏ وكل منها أقيم في وقت واحد ــ إذا كنت سوبرمانا فمن الهين تغطيتها‏,‏ أما إذا كنت مجرد ناقد سينمائي فإن عليك اختيار ما تراه مناسبا لك‏,‏ لكن هل هذا التضارب مقدمة لحرب النجوم علي الطريقة العربية؟

يتحدث محمد العدل عن زيارته لـمهرجان دبي وعن عدم بقائه في جوار مهرجان القاهرة هذا العام‏,‏ مشيرا إلي أن المهرجان اعتاد تجاهل التنسيق مع السينمائيين المصريين في السابق‏,‏ فلم يغضب إذا ما اختار العديد منهم قبول دعوة مهرجان آخر‏,‏ ولو كان يقام في التوقيت نفسه ويضرب مثلا‏:‏فوجئت ذات يوم حين وصلت إلي حيث يعقد مهرجان القاهرة بأن اسمي علي قائمة المحاضرين‏,‏ و لم أكن أعلم شيئا عن الموضوع‏,‏ ووجدت نفسي مطالبا بالحديث فيما لم أكن مستعدا‏,‏ له لم يتصل بي أحد ويسألني إذا كنت أريد التحدث في هذا الموضوع أم لا؟‏.‏

الجلسة كانت واحدة من عدة جلسات ضمت سينمائيين عديدين‏,‏ يتحدثون في موضوع المهرجانات العربية المتضاربة‏.‏ والحديث يدلف في كل جلسة إلي الحديث عن موقع مهرجان القاهرة‏,‏ حيث يري الفنانون أنهم‏-‏ علي نحو أو آخر‏-‏ مستثنون خارج نطاق المقابلة الصحافية‏,‏ حيث أشار مخرج معروف‏:‏ليس صحيحا أننا نقاطع مهرجان القاهرة لكننا لا نشعر بأننا جزء منه ولا أعتقد أن هناك تنسيقا بينه وبيننا‏.‏

رئيس مدينة دبي ميديا سيتي عبد الحميد جمعة‏,‏ قال أكثر من مرة في أكثر من حديث‏:‏ إن مهرجان دبي لم يقصد مطلقا منافسة أي مهرجان آخر وإنه يحترم مهرجان القاهرة ورئيسه‏,‏ وسوف يسعي للتنسيق مع المهرجان المصري الدولي في العام المقبل‏,‏ أما المهرجان الثالث القابع في المغرب البعيد‏,‏ فإنه التزم الصمت تماما‏,‏ كما لو أن المسألة لا تعنيه‏.‏

طبعا في عالم مثالي‏,‏ فإن المنافسة مطلوبة ولا يمكن أن ينتج عنها إلا ما يفرزه التنافس في كل مجال‏:‏ النتائج الجيدة لكن في عالم كالذي نعيش‏,‏ في عصر كالذي نحيا وفي وضع سينمائي كالذي نشهده‏,‏ فإن هذه المنافسة قد تضر بالمهرجان الذي لم تتح له‏-‏ خلال‏28‏ سنة‏-‏ ميزانية فاعلة وفعالة تمكنه من السيطرة علي كل مقدراته المعنوية والمادية والانطلاق من دون عثرات‏.‏

وهناك بعض الكوميديا السوداء الناتجة عن كل ذلك‏,‏ فبينما صب رئيس مهرجان القاهرة السينمائي شريف الشوباشي نقده علي الفنانين الذين تسللوا من القاهرة‏,‏ لحضور مهرجان المغرب أو دبي‏,‏ وجدنا هنا في دبي أن عددا كبيرا من العاملين في قيادة المهرجان‏,‏ أي في لجنته الرئيسية وفي اللجان الأخري القريبة منها‏,‏ وصل إلي دبي مشاركا أيضا بينهم من يقوم عادة بإدارة الندوات الصحفية‏,‏ لإجادته الفرنسية والإنجليزية‏,‏ وبينهم بعض من يختار الأفلام ويساعد في البروتوكولات‏,‏ إذن المشكلة الأولي ليست في قبول الفنانين والسينمائيين دعوة دبي أو مراكش‏,‏ لكن في هجرة عدد من العاملين عن كثب مع إدارة المهرجان‏,‏ أو في تلك الإدارة نفسها‏,‏ إلي هذين المهرجانين من دون أي تبرير سوي تلبية دعوة بدت أكثر إغراء‏.‏

أسئلة وردود

السينمائيون الغربيون الذين لبوا دعوة مهرجان دبي‏,‏ لا يعرفون شيئا عن هذه الإشكالات جميعا‏.‏ بالنسبة إلي أورلاندو بلوم أو مورجان فريمان أو سارا ميشيل جيلار‏,‏ فإن تلبية الدعوة لها علاقة بالسمعة التي سطعت لمدينة دبي عبر سنوات من العمل الشاق والعمل الإعلامي الصحيح‏,‏ كذلك لها علاقة‏,‏ متساوية‏,‏ بالقدرات المالية الوفيرة التي تمتع المهرجان بها‏.‏

الخطوات التي اعتمدها المهرجان انطلاقا من فكرة تأسيسه إلي حقيقة قيامه‏,‏ تمحورت حول الاستفادة من موضع دبي الاقتصادي‏,‏ ثم موضع إنشاء مدينة سينمائية حافلة‏,‏ ومن ثم الاستفادة من ذلك الترويج للترويج علي نحو متواز للمهرجان الوليد‏,‏ وضمن ذلك الهدف تمت الاستعانة بخبرة مدير كندي كان قد شارك في إدارة مهرجان تورنتو السينمائي الدولي نيل ستيفنسون‏,‏ وهذا جلب معه فريقا كنديا كبيرا لكنه لم يكتف بذلك بل جلب أيضا نظام مهرجان تورنتو الإداري‏.‏

هنا تبرز الأسئلة الكبري

‏1‏ـ لم قبل فنانون أجانب دعوة مهرجان عربي يقام للمرة الأولي‏,‏ بينما لا يزال العديدون يرفضون دعوة مهرجان القاهرة؟

‏2‏ـ وبالتالي هل كان سينجح المهرجان لو أن إدارته كانت عربية؟

‏3‏ـ هل نجحت الإدارة الأجنبية أم أخفقت؟

نتحدث عن أكثر من‏80‏ فيلما عربيا وعالميا معظمها لم يسبق له العرض في الدول العربية‏,‏ وعن نجوم يتدلعون كلما استلموا دعوة لحضور مهرجان ما‏,‏ كما عن مهرجان صمم علي النجاح ولم يكتف بأنه تمناه‏,‏ أو حتي سعي إليه لم يكن أمام دبي إلا أن ينجح والنجاح كان حليفه‏.‏

ردا علي السؤال الأول‏:‏ هناك لغة مخاطبة وحوار بين أي مهرجان وضيف من النجوم‏,‏ خصوصا الأمريكيين‏,‏ الضيف يريد أن يتأكد من ثلاثة أمور‏:

أن المهرجان يتحمل كل التكاليف بما فيها المبلغ الذي سيدفعه له مباشرة‏,‏ من دون شكوي أو تذمر أو حتي‏,‏ في بعض الأحيان‏,‏ تردد أو مساومة‏.‏

أن المهرجان حقيقي سيؤمه جمع غفير من السينمائيين الأجانب‏,‏ وجمع محترم من الإعلاميين‏.‏

أن يقام في بلد آمن وهناك فرق بين آمن بكلمة واحدة أكيدة وآمن حسب التأكيدات ذات المصدر الواحد‏,‏ ودبي من النوع الأول كل الإمارات كذلك فهي آمنة سياسيا وآمنة أمنيا وآمنة سياحيا‏,‏ وآمنة من حيث التطور التكنولوجي والاقتصادي للبلد‏,‏ دبي لم تسع فقط لتكون هونج كونج الشرق الأوسط‏,‏ بل‏-‏ وحسب إخصائيين في مجالات متعددة‏-‏ أصبحت هونج كونج الشرق الأوسط‏,‏ وخطط الأعوام المقبلة الجاري تنفيذها ستؤكد أنها ستخلف هونج كونج علي الصعيد العالمي بأسره‏.‏

دبي‏,‏ للحقيقة‏,‏ آمن للأمور الثلاثة كلها ما يدلف بنا إلي السؤال الثاني‏:‏ هل كان المهرجان بحد ذاته سينجح لو أن مديره عربي؟

الرئاسة غير الإدارة‏,‏ الرئاسة تخطط وتؤمن الاحتياجات وتترك مهمة التنفيذ إلي الإدارة‏.‏ والحقيقة أن الأذن الأجنبية علي الخط الآخر سترتاح أكثر بكثير لو أن المتحدث كندي أو أمريكي العين‏-‏ حين استلام خطاب الدعوة أو أي خطاب من المهرجان‏-‏ ستقرأ اسم المرسل واسما غربيا‏-‏ بل أمريكيا‏-‏ يعني الكثير من التأكيدات والتطمينات‏,‏ بالإضافة إلي أسلوب اللغة وأسلوب التعامل وعدم التردد والبعد عن المساومة من نوع لا‏.‏ الأجر الذي تطلبه غال هل تستطيع تخفيضه؟ أو من نوع نوفر ثلاث وجبات لكن المكالمات الهاتفية الدولية تتحملها أنت‏,‏ أو أي شيء من هذا القبيل هذا لا يستطيع مدير عليه أن يؤم حقل التواصل مع الغربيين أن يبرز فيه ليس الآن‏.‏

أما من حيث إذا ما استطاع نيل ستيفنسون النجاح فيما قام به‏,‏ فالجواب الشامل نعم الجواب التفصيلي هو أن نظام التذاكر الذي تم تطبيقه‏,‏ لم يكن عمليا إلي الحد الكافي‏,‏ إنه النظام الذي يتبعه مهرجان تورنتو هناك معظم الحاضرين باستثناء كبار الضيوف عليهم الحصول علي تذاكر مسبقة‏,‏ حتي لو كانت بطاقاتهم تخولهم حضور أي عرض‏,‏ كان هذا يعني أنه في كل يوم عليك أن تأتي إلي شباك التذاكر وتقدم لائحة بالأفلام التي تريد مشاهدتها‏,‏ اليوم أو الغد وإذا لم تخولك بطاقتك حجز كل شيء‏,‏ فإن عليك أن تأتي باكرا قبل العرض وتنضم إلي الصف خارج الصالة الواقفون في الصف هم الذين سيدخلون‏,‏ إذا ما بقيت هناك أماكن في الصالة‏,‏ في تورنتو الصالات التي يستأجرها المهرجان كبيرة وكثيرة والأفلام بالمئات‏,‏ ما يعني أن هناك أكثر من احتمال لكن هنا فإن هذا التنظيم خلق ارتباكا بين الضيوف كما بين الجمهور العادي‏.‏

اعتدال وتطرف

كل ذلك لم يمنع تدفق الناس علي المهرجان هناك أفلام سمع الجمهور الإماراتي عنها‏,‏ وأقبل عليها بكثير من الشغف الذي يعكس قصور شركات التوزيع العاملة في المنطقة العربية‏,‏ حين تقرر أن الفيلم الوحيد الذي تريد توزيعه هو الفيلم الأمريكي أو المصري أو الهندي وليس كل فيلم مصري أو هندي‏,‏ لكن بالتأكيد معظم ما هو أمريكي‏.‏ الفيلم الذي نفذت تذاكره أسرع من غيره مفكرة الدراجة للبرازيلي وولتر سايلز‏,‏ وبعده خلية هامبورغ لأنتونيا بيرد‏,‏ كلاهما يختلف في اللفتة التي يتعامل معها مع وضع سياسي‏.‏

مفكرة الدراجة‏:‏ لا يحكي عن السيرة السياسية لتشي جيفارا‏,‏ بل عن الرحلة التي قام بها وهو لا يزال في مطلع العشرينيات من عمره‏.‏ في ثلاث دول لاتينية فتحت عينيه علي الوضع الاقتصادي والاجتماعي البائس‏,‏ وأسست لمنحاه اليساري المعروف‏.‏ لكن خلية هامبورج يتعامل مع الوضع السياسي المباشر واحد من مخلفات عالم ما بعد‏11/9‏ مستندا أيضا إلي شخصية عربي محب لزوجته الأجنبية‏,‏ سلس المعشر‏,‏ مسالم الأسلوب إلي متطرف يؤمن بالجهاد العنيف والموت في سبيل ذلك‏,‏ الفيلم لا يناهض الإسلام إنما الإرهاب وفي ذات الوقت يحاول استيعاب المسببات والمبررات التي دفعت أمثال بطله الي هذا الوضع‏.‏

هذا الفيلم من بين عدة أفلام في شتي الأقسام تعاملت ومحور التواصل بين ما هو إسلامي ومسيحي‏,‏ شرقي وغربي متطرف ومعتدل‏,‏ من هذه الأفلام فيلم الافتتاح المغربي ـ الفرنسي الرحلة الكبري مهاجر عربي يقطع المسافة من باريس إلي مكة لكي يحج مصطحبا معه ابنه الشاب غصبا عنه‏.‏ السيد إبراهيم وزهور القرآن الذي سمعنا أنه رفض من مهرجان القاهرة يحتوي علي رحلة تعريف بالدين الإسلامي معتدلا وخارجا من غبار الأيام الحاضرة‏.‏ في هذا العالم لمايكل وينتربوتوم رحلة أفغانيين يحلمان بحياة أفضل من بلديهما إلي بريطانيا‏,‏ واحد منهما فقط يعيش محققا الرحلة إلوها مثل بكهام رغبة في التواصل بين مجتمعين الهندوسي والمسيحي البريطاني ومحاكاة بوليوود بهوليوود‏,‏ موجود في بوليوود‏/‏هوليوود‏.‏

الأفلام العربية كانت متعددة أكثر وفرة من تلك التي اشتركت في القاهرة أو في المغرب الأمير وصندوق عجب والكتيبة من تونس‏,‏ الرحلة الكبري وفوق الدار البيضاء لا تطير الملائكة وخيط الروح من المغرب‏,‏ أحلي الأوقات‏,‏ بحب السيما من مصر زنار النار وطائرة من ورق من لبنان.

كسنة أولي‏,‏ ولد مهرجان دبي كبيرا وهو يعلم أن النجاح نصفان‏:‏ البداية نصف والاستمرار بالنجاح نفسه هو النصف الثاني‏*‏

الأهرام العربي في

18.12.2004

 
 

نجوم مهرجان دبي السينمائي الدولي يناقشون حماية التراث السينمائي

واهمية الفن السابع في التواصل بين البشر 

عمان - ناجح حسن 

نظمت ادارة مهرجان دبي السينمائي الدولي  سلسلة من الندوات والتكريمات لابرز ضيوف المهرجان مثل المخرج المصري داوود عبدالسيد، والممثل الاميركي مورجان فريمان والممثلة الاميركية سارا ميشيل جيللر، والنجم اورلاندو بلوم بطل افلام سيد الخواتم، والبريطاني بيللي لايد وكان قد شارك في فعاليات المهرجان عدد وفير من نجوم الشاشة العربية مثل حسين فهمي، ويحيى الفخراني، ونور الشريف، وليلى علوي، وفاروق الفيشاوي، وايمن زيدان اضافة الى عدد من نجوم السينما الهندية واشار بعض المحتفى بهم الى جملة من القضايا والهموم التي تعاني منها السينما العربية والعالمية والى اهمية عقد مثل هذا المهرجان.

فقد دعا المخرج السينمائي المصري داوود عبد السيد الى العمل من اجل ترميم وحماية الارث السينمائي المصري الذي يواجه خطر الضياع. واشار الى العديد من الافلام التي تعود الى عهد السينما الصامتة  قد تعرض لاضرار بالغة بينما وصلت حالة العديد من افلام الستينات والسبعينات الى مرحلة مقلقة جداً تهدد بضياعها وفقدانها الى الابد.

وفي جلسة حوار صريح على هامش مهرجان دبي السينمائي الدولي تناول داوود عبد السيد مطولاً عدداً من المواضيع بما في ذلك افلامه واعماله الابداعية والسينما الدولية والاقليمية. واعرب المخرج عن اعتزازه، تكريمه في الدورة الاولى لمهرجان دبي السينمائي الدولي.

ويعتبر داوود عبدالسيد أحد رواد حركة «الواقعية الجديدة» في السينما المصرية، حيث اخرج العديد من ضمنها «الصعاليك» و«البحث عن مرزوق» و«الكيت كات» و«ارض الاحلام» ، بالاضافة الى افلام «سارق الفرح» و«ارض الخوف» و«مواطن ومخبر وحرامي» التي حققت له شهرته المميزة.

ورداً على سؤال حول كونه مؤلفاً وكاتب  سيناريو ومخرج العديد من افلامه، اجاب داوود عبدالسيد: «رغم ان مسيرتي بدأت مع الاخراج، الا انني انتقلت ايضاً الى التأليف وكتابة السيناريو. وهذا لا يعني انني لا اثق بالمؤلفين الاخرين، بل ان ذلك  يعود الى رغبتي في ان اشارك في هذه التجربة الابداعية بقدر ما استطيع. واعتقد ان تفاصيل رؤيتي يمكن ان تظهر على الشاشة بشكل افضل كلما ازدادت نسبة مشاركتي في العمل. وكمخرج سينمائي، اشعر بأنه ينبغي علي ان اكتب واصور مشاعري واجسد رؤيتي بأصدق شكل ممكن على هذه الشاشة».

وتعليقاً على فيلمه «الكيت كات» الذي يعرض  في المهرجان، قال داوود عبدالسيد: «الكيت كات» هو فيلمي الوحيد المأخوذ عن رواية كنت قد قرأتها عدة مرات. وتدور احداثه حول رجل كفيف استطاع ان يتجاوز اعاقته ويكتسب بصيرة نافذة ويميط اللثام  عن واقع المبصرين. لقد حقق الفيلم نجاحاً تجارياً كبيراً وأثار  انتقادات عديدة في كل مرة عرض فيها».

وقد اثنى المخرج على الجهود التي وقفت وراء تنظيم مهرجان دبي السينمائي الدولي ، وقال ، تستحق هذه المبادرة الثناء، ليس لانها تسلط الضوء على السينما الاقليمية فحسب، بل لانها تشكل جسراً يربط بين الثقافات العالمية ويفتح ابواب الحوار على مصراعيه من خلال السينما التي تمثل وسيلة فعالة في نشر الوعي والتعريف بمختلف الحضارات والثقافات».

من جهة اخرى قال مورجان فريمان، احد اشهر نجوم السينما العالمية واكثر ممثلي هوليوود شعبية، ان بامكان الفن السابع ان يبني ويعزز التفاهم والتسامح بين ثقافات العالم، واكد على اهمية تنظيم مهرجان دبي السينمائي الدولي، مشيراً الى انه وسيلة مثالية لبناء جسور ثقافية بين الثقافات والحضارات المختلفة.

وخلال مؤتمر صحفي نظمته ادارة مهرجان دبي السينمائي الدولي وحضره عدد كبير من ممثلي وسائل  الاعلام العربية والعالمية، قال فريمان: «يتيح لنا الفن السينمائي ان نتبادل حكاياتنا وتجاربنا ونطور فهماً لاوضاعنا ومنظورنا للحياة». واشاد فريمان بالمهرجان، منوهاً بامكانياته على تنظيم حدث عالمي المستوى، وتحدث عن فيلمه الناجح «بوفا» الذي يتعاطى مع قضية التمييز العنصري في جنوب افريقيا، وعن مشاريعه المستقبلية.

ويمثل فيلم «بوفا» المنتج عام 1993 اول تجربة للاخراج يخوضها فريمان. ووصف تجربته بقوله: «رغم حدوث العديد من التحولات في جنوب افريقيا بعد نهاية حقبة التمييز العنصري، لا تزال رسالة الفيلم حية لان التغييرات تأخذ وقتاً طويلاً في بلد كبير مثل جنوب افريقيا، وقد تحسنت الاوضاع في جنوب افريقيا، لكن ليس الى الحد  الذي يمكن ان نعتبر الفيلم فيلماً وثائقياً تاريخياً، لا يزال  الفيلم يثقف المشاهدين حول اوضاع السود في بلدنا».

وتشمل مشاريع النجم العالمي المستقبلية المشاركة في  فيلم «رقم سبعة المحظوظ» حيث سيسافر مباشرة  الى تورنتو لتصوير الفيلم، وهناك مشروع فيلم  آخر حول حياة نيلسون مانديلاً، وعندما سألناه  ان كان اخراج فيلم «بوفا» سيساعده في تصوير شخصية  مانديلا على الشاشة الفضية ، كانت اجابته بالنفي.

وكان قد حضر الى المشاركة بالمهرجان القس الافريقي  ديسموند توتو الذي عرف على الساحة الدولية  لموقفه الاخلاقي تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية ونشاطه ضد نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا.

وشاهد الحفل الختامي  للمهرجان الذي عرض خلاله فيلم «الغبار الاحمر» الذي يحكي قصة الاحداث المثيرة  التي تلت فترة التمييز العنصري في جنوب افريقيا، وهو ايضاً من الافلام المصنفة في قسم «جسور التواصل الثقافي».

ويعتبر القس ديسموند توتو من ابرز الرموز الدولية الداعية الى التسامح وازالة اثار التمييز بشتى صورة مع  اهتمامه بنشر روح المحبة والتآخي بين طوائف البشر المختلفة على تنوع خلفياتها الثقافية والعرقية والمذهبية، وهي كلها مباديء تتطابق مع لب الرسالة التي يسعى الى توصيلها مهرجان دبي السينمائي الدولي، حيث كان هذا التطابق سبباً رئيسياً وراء دعوته  للمشاركة في  فعاليات المهرجان.

وقد وجه نيل ستيفنسون، المدير التنفيذي لمهرجان دبي السينمائي تحبة ترحيب بالضيف وقال: «يشرفنا حضور هذه الشخصية الكبيرة كما تسرنا مشاركته في مهرجان دبي السينمائي الدولي،  فحياته وانجازاته دليل علي الحاجة الملحة لجسر الهوة بين الثقافات، وهي من اهم اهداف المهرجان».

واضاف: «يعرف القس ديسموند توتو بأنه يقول الحقيقة دائماً في اي مكان يتواجد فيه حول العالم، وخاصة في جنوب افريقيا ، والعالم  بحاجة الى صوته الآن اكثر من اي وقت مضى. لقد اخترنا فيلم (الغبار الاحمر) لانه افضل فيلم من جنوب افريقيا - تلك الدولة التي تركز الى الحوار الثقافي والتسامح». ولقد استطاعت لجنة الحقيقة والتوافق التي شكلها نيلسون منديلا وترأسها ديسموند توتو ان تتجنب دورة العنف والثأر التي تسيطر علي جميع الصراعات الانسانية.

وقال ستيفنسون: «اننا فخورون بكون فيلم الغبار الاحمر، برسالته الانسانية والثقافية، العرض الختامي لمهرجان دبي السينمائي الدولي».

وكانت النجمة الاميركية سارا مييل جيللر، التي نالت شهرة اسثنائية  لدورها في المسلسل التلفزيوني «بافي» ، قد حضرت فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي وخاصة العرض الاول في الشرق الاوسط لفيلمها الجديد «الحقد» لمخرجه الياباني.

وتلعب جيللر في الفيلم دور طالبة تجد نفسها في بيت مليء بالرعب في طوكيو، ويدمر الوباء العنيف المعروف بـ«الحقد» حياة كل من يصيبه مسبباً موت ضحاياه تحت سيطرة نوبة من الانفعال الشديد. استخدمت في الفيلم، الذي تم اختياره للعرض الرئيسي الرابع في مهرجان دبي السينمائي الدولي، العديد من التقنيات والمؤثرات الخاصة المبهرة.

الرأي الأردنية في

19.12.2004

 
 

علي هامش دورته الأولي واسئلة التشكيك بـ ادارته الكندية:

هل ينجح مهرجان دبي السينمائي في اجتياز امتحان التكريس؟

الجواب: الاستثمار واستقطاب الرؤوس الآسيوية الكبيرة!

زياد الخزاعي *

العشرة ملايين دولار التي صرفت علي الدورة الاولي لمهرجان دبي السينمائي الدولي ليست ثمن تنظيمه وحسب، بل كانت ثمن وجوده وتكريسه علي الجدولة الرسمية لمهرجانات العالم والتي تتطلب شروطا وانظمة ومستويات محددة، يبدو ان الوليد العربي الجديد استجاب لمعظمها بكثير من الدراية والفطنة، ذلك ان اعتماد الادارة الاماراتية علي حشد من الخبراء الغربيين (كثرتهم من كندا) مكنها (اي الدورة) من تجاوز ارتباطات الولادة واضفي علي نشاطها صبغة متأوربة من تقاليد المشاهدة الصارمة (بدءا بالعروض حسب المواقيت المعلنة، نسخ نظيفة، سيطرة علي القاعات اثناء دخول وخروج الجمهور، القضاء علي آفة استخدام الهاتف الجوال وتعليقات المستهترين من الحضور، الالتفاتة الذكية في تقديم المخرجين واستقدامهم للحوار مع المشاهدين في ختام كل عرض، وهو تقليد غائب في المهرجانات العربية الاخري). وهي تقاليد لا علاقة لها بنظيرتها الشعبية التي تشهد فورة غير مسبوقة في هذه الامارة.

وعلي رغم ان جل مركبات دور العرض متوافرة داخل المجمعات التجارية وهو خيار ناجح في اصطياد أكبر عدد من المتبضعين، او فاقدي الوجهة، ولهؤلاء اخلاقيات معينة داخل الصالات وخلال العروض، فان جمهورا نخبوياً ولد فجأة ضمن الايام الستة التي احتشدت فيها اشرطة عربية وعالمية ذات نبرة ثقافية وذائقية مضادة للكم الهوليوودي والبوليوودي وبعض الرداءات المصرية التي تعرض بعد مرورها علي رقابة يقظة، محكمة. ليس هذا حسب، بل ان المداخلات والنقاشات ما بعد العروض شكلت معلما مضيئا في الدورة الاولي، وبانت حاجة جمهور دبي المتنوع الاتجاهات والانتماءات والثقافات والاعراق الي خطابات سينمائية تحترم وعيه وذوقه ومداركه. هذا الاختراق المتواضع هو لبنة المهرجان الساعي الي التحول من سلة عروض الي نشاط سينمائي ولاد لنتاج وطني او عربي. وهو مسعي لم يغفله عبد الحميد جمعة الرئيس التنفيذي لمدينة دبي الاعلامية الذي صرح لـ القدس العربي ان هناك عزماً اماراتيا في انشاء استوديوهات ضخمة وصناديق دعوم انتاجية ومعهد اختصاصي لتخريج الفنيين والفنانين. واذا تحقق هذا مستقبلا فان دبي ستضيف مغامرة اخري الي كم المنجزات الاقتصادية والعمرانية التي لا تقف امامها عراقيل او تثبط همهم السينما. لكن ما الذي يدفع بدولة لا تمتلك انتاجا سينمائيا ما وتفتقر الي بنية تحتية ومعاهد اختصاصية في ركب موجة الفن السابع ـ الجواب جاهز وسهل: الاستثمار!.
فهذه مدينة ناهضة ومتعجلة علي تنفيذ افكار كبري علي الاصعدة الانمائية والحضرية والخدمية، لم تكفها الارض والرمل فسعت الي ماء البحر لـ تكتب وترسم عليه اشارة الي الجزر السكنية العملاقة التي بدأت تظهر ملامحها فوق سطح الخليج العربي.

ولئن جاءت فكرة مهرجان مراكش المغربي كداعم استقطابي للاستثمارات والمشاريع الضخمة (خاصة من الولايات المتحدة)، فان دبي لا تقل شراهة في استهداف صناعات سينمائية ناهضة علي شاكلة السينما الصينية والكورية الجنوبية وقبلهما الهندية. ان قرب موقع دبي وسمعتها الضاربة في العمق الاسيوي حرضا علي المناداة بمشروع المهرجان وما ستتبعه من خطوات تقنية واجبة، الامر الذي يفسر عجالة القرار في ولادة مهرجان في اقل من عام. لكن الاسئلة كثيرة: هل سيتمكن الاماراتيون (المشهود لهم بالاختراقات في المجال الاعلامي) في كسب الرهان؟ وهل سيجدون حقا اعفاء يقودونه محليون نحو التكريس؟ صحيح ان تقديم اغراء التسهيلات الضرائبية والتبرع بالاراضي للاعمار والتواجد بالنسبة للقنوات الفضائية، قد مهد الي اكتساحها قطاعات واسعة في منطقة جميرا الناهضة، لكن هذا لن يفي بشيء بالنسبة الي الاشتغال السينمائي الذي يقوم علي جملة معقدة من العمليات والخبرات والأنظمة والتجهيزات والتقنيات.. واخيرا اقناع الطرف الاقوي المنتج الاجنبي الذي لن يقدم الي المنطقة من دون ضمانات طويلة تبدأ بالمواصفات وتنتهي بالأمن. من الواضح ان الرهانات الاماراتية كثيرة ومتشابكة، وما حالة التريث التي يبديها المسؤولون سوي علامة علي ان في جعبتهم مفاجآت لن يقيض للمتطفلين اقتناصها في هذه الدورة، وعليهم انتظار ما ستتمخض عليه الاجتماعات ودراسات الجدوي (التي ذكرها جمعة) من أجل تجاوز الاخطاء والانتكاسات فيها.

هل يلغي الاماراتيون مهرجانهم الوليد بعد الهجمات المصرية والتنديدات المتواصلة بتسليم مفاتيح الادارة الي اغراب علي رأسهم مديره نيل ستيفنسن وهو محام كندي لا يملك خبرة حقيقية في تنظيم مهرجانات سينمائية بهذا الثراء واحاط نفسه بمجموعة متضاربة من الاعضاء المنظمين الذين انجزوا خانات صغيرة الحجم علي شاكلة البريطاني توني سلومان الذي لم يسمع به احد في لندن، فيما قبضوا مبالغ طائلة كرواتب ومكافآت عمل. اما الطرف العربي فلم يسلم من المهانة التي طالت باختيار اثنين من الناشطين السينمائيين (مقابل 9 اجانب) هما مؤسسا مهرجان الشاشة العربية المستقلة السينمائية محمد مخلوف، وزميله الاماراتي مسعود امر الله آل علي مؤسس ايام الامارات السينمائية. حيث اشرف الاولي علي خانة الافلام العربية القصيرة (التي امتازت باستقطاب معتبر للجمهور والسجالات) فيما اختار الثاني اشرطة خانتي ليال عربية و مخرجون تحت الضوء واللتين حصدتا اهتماما لافتا نظرا للخيارات العربية المميزة (علي رغم انسحاب السوري محمد ملص وفيلمه الجديد باب المقام الذي قيل انه فضل مشاركته في الدورة القادمة لمهرجان برلين السينمائي في شباط (فبراير) والتونسي ناصر خمير بابا عزيز الذي خانته العمليات التقنية الاخيرة من تحقيق شعار عرض اول في العالم وهي عناوين تفاخر بها مهرجان دبي للتدليل علي مساعي ادارته في اختطاف اشرطة جديدة بين اسنان مهرجانات راسخة وعريقة.

عودة الي السؤال هل سيلغي الاماراتيون مهرجانهم؟ ما سمعناه هو كلام كثير عن نجاحات غير متوقعة: جمهور كثيف، نقود حصافية تمجد الفعاليات، اماس ناجحة تقلد ما يحدث في اشهر عواصم اوروبا، ضيوف عالميون لبوا الدعوة وما فتئوا يقدمون النصح والمديح في آن واحد (منهم الممثل الامريكي الشهير مورغان فريمان الذي عرف في اشرطة مثل سبعة و تأهيل شوشانك ). الجواب اذن استمراره، لكن ما ينضح تحت انائه العديد من المثالب والتوقعات: هل سيصر الاماراتيون علي الفريق الاجنبي؟ وهل سيسمح لادارته الغربية ان تتحكم بذهنية المهرجان التي اراد المدير ستيفنسن اختزالها بسلة عروض (75 فيلما في جميع الخانات) ولخصها بفكرتين: انه اراد مهرجاناً يكون استعراضا حيا للمستوي الذي وصلته السينما العربية وان يكون الوجهة التي يتمكن من خلالها المجتمع السينمائي العالمي التعرف علي آخر ما توصلت اليه صناعة الافلام العربية وتقنياتها المتطورة وهذا كلام يدل علي جهل فاضح بالخراب الذي يطال صناعة السينما في العالم العربي، واذ تمكن هذا المدير من مشاهدة بعض الاختبارات التي جالت في عشرات المهرجانات قبل دبي، فعليه اعادة النظر بـ تفاؤله المبالغ فيه. اما كلام حول الطموح في ان نبني جسرا ثقافيا جديدا مهما، يساهم في التأسيس للحوار الشامل والمثمر حول قضايا العالم الهامة، مستعينا بالفيلم السينمائي كلغة للحوار وهو كلام مكرور قيل في القاهرة وقرطاج ودمشق وبعض المهرجانات العربية التي اندثرت، من دون ان يتحقق ذلك الحوار او ان يبني ذلك الجسر، وكما قالت المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر وعن حق خلال الحلقة الحوارية التي شكلها السينمائي محمد مخلوف بجهد شخصي وبدعم من المخرجين الشباب الذين استقدمهم لخانته، ان من الواجب بناء جسورنا العربية لتأمين موارد للجيل الجديد من السينمائيين لانجاز اعمالهم لا ان يتحولوا الي شحاذين في عواصم اوروبا.

ان كلام ادارة مهرجان علي هذا المستوي من العمومية يتطلب ان يفتح الاماراتيون بصيرتهم في واجب تحويل تلك الذهنية التنظيمية القاصرة في فهم حاجتنا (كمشاهدين ورواد سينما ومهتمين بالشأن السينمائي) الي مهرجانات تتكرس كمؤسسات نفعية تقدم العون والاختيار الصائب لا ان تتفاخر بالكلام والشعارات التي سيكون مآلها بيروقراطية ضاربة تتخاتل خلف عناوين كثيرة تخفي مفهوم التسهيل والكسل في اعتبار ان كل دورة هي عبارة عن سلة عروض ومؤامرات وحسابات وانتفاعات شخصية. ان علي مهرجان دبي السينمائي المتحول في دورته المقبلة الي شركة مساهمة كبري تتداخل فيها رؤوس اموال متنوعة توالف بين الاستثمار والانتاج، تشرف عليها هيئة من الخبراء (عرب او اجانب) في مجالات التخطيط والمحاماة والتوزيع والانتاج والتقنيات اضافة الي الاستئناس برأي خبراء اعلاميين ونقاد ضليعين يؤتمن الي افكارهم وآرائهم.

مهرجان دبي السينمائي هو طينة جديدة في مفهوم التنظيم (يأتي بعد مهرجان مراكش في هذا المضمار) الذي نأمل ان لا يقع في فخ الادارات الفاسدة والبيروقراطية والمحسوبيات والشراهة التي نضع نصب عينيها ميزانية العشرة ملايين دولار ونغفل حقنا بالتباهي بمهرجان وليد في مدينة ستتحول قريبا الي متروبوليس دولي لن يتمكن احد من مقارعته او تجاوزه.

علي مستوي العروض تألق شريط المخرج الايطالي سافيريو كوستانزو منعزل (Private) وعنوانه له توريات عديدة منها عسكري و خصوصي وهي الترجمة التي اختارها المهرجان عنوانا، واراه اختيارا غير مناسب لحكاية مضنية حول عائلة فلسطينية تواجه حصارا واجتياحاً اسرائيليا من نوع آخر، هو احتلال الطابق الاعلي من بيتها المنعزل علي رابية مطلة علي احدي القري. حضور الجندي الاسرائيلي المفاجئ، يمتحن ارادة الأب (اداء مميز من محمد بكري) في الحفاظ اولا علي ارواح اولاده وزوجته، وثانيا توكيد شرعية انتمائه الي مكانه (تورية اخري عن فلسطين)، لكن هذا الأب الجهادي سيضغط بدوره علي الآخرين، فهو يطيع الأوامر تجنباً لاية مواجهة مع المحتمل العصابي، فيعمل جاهدا علي تحييد ابنائه من اي بادرة عنف (الأبن الأكبر سيفرغ غضبه وحقده في سماع موسيقي عالية داخل سيارة والده مدير المدرسة)، غير ان شقيقته لا تقف علي هامش عذابها ومهانتها، فتخترق سلمية الوالد، لتتحول الي قدرة هائلة من الاعتراض والاتهام والمواجهة، وسيدفعها حنقها الي اختراق الحاجز الذي يفصل بين الغرفة السفلي وغرفتها في الطابق العلوي حيث يتحصن جنود الاحتلال. تراهم بعيني لصة (تتستر داخل خزانة ملابس) وتنقل لاحقاً حكاياتهم الي اخيها الصغير. هذه الارادات المقموعة سيتحقق لها نوع من الانتقام علي يد الأخ المراهق الذي سيفخخ احد البيوت الزراعية بقنبلة يدوية في انتظار دخول الاسرائيليين فيها. ولكي يفتح المخرج كوستانزو حكايته علي اكبر قدر من الاحتمالات، سنري جندين يتوجهان الي البيت، لكننا لن نري ما سيحدث لهما. وان هذا المخرج الشاب يتخذ موقفا حاسما من العسكراتية التي تحكم عقلية الاسرائيلي ولهفته في سرقة الأرض والكرامة الفلسطينية (مشهد تعذيب وترهيب الأب) كما وضع المخرج الايطالي علنا تنديده بالقسوة الاسرائيلية عبر شخصية الطفلة الصغيرة التي ستمتنع عن الكلام بسبب الرهبة التي واجهتها وحيدة، بعد ان رفض الجنود الاسرائيليون دخولها الي الغرفة ـ السجن مع اهلها.

هذا الشريط الذي حاز علي جائزة الفهد الذهبي في مهرجان لوكارنو السويسري، واجه كما من السجالات بعد عرضه الاماراتي، برهنت الاسئلة والتعليقات علي توجس من اي اجنبي يتعاطي في شأن الصراع العربي ـ الاسرائيلي، فالجميع لم يتوقع ان يري شريطاً يتمتع بقدر كبير من التوازن والاتمام للطرفين من باب الاندفاع نحو العنف المشترك. كما ان المخرج كوستانزو لم يقع في مطب الشعار السياسي الذي ميز كثرة من الافلام التي قاربت هذا الصراع، اضافة الي نأي حكايته وشخوصها عن مطب العنصرية، انه شريط حول الشراسة التي يفرضها طرف قوي علي آخر لا يملك من ادواته سوي هويته واصراره علي حقه وبقائه.

زنار النار للبناني بهيج حجيج يأخذ الحرب ايضا لكن من زاوية اكثر تقليدية، عزلة بطلته وجبنه في مواجهة الخراب الداخلي. فما يحدث حول شفيق الاستاذ في جامعة بيروت والمسموم بتلقين طلابه كيفية ترجمة طاعون كامو، ينسي ان شرط عزلته يماثل ما لدي بطل الرواية الفرنسية! سوء الفهم! فحين يشتد القصف ويقترب من حرم الجامعة، يهرع الجميع الي احد الملاجئ الذي تحول الي سكن لاحد الحرس، وبين حالة الخوف والجزع، يتخيل (او هكذا يبدو) شفيق اقدام احدي طالباته علي ممارسة الجنس معه (او مداعبتها)، انه مستمتع الي اقصي حدوده، من دون ان يكتشف هويتها بسبب العتمة الضاربة من حوله، وحينما يسعي الي معرفتها، يتحول الاستاذ الجامعي الي رجل عصابي يشكك بالجميع ويخلط بين أوهامه ومرارة حياته.

ان الكيانات التي تحوم حول شفيق هي رموز لانحطاط القيم: البواب الذي يستغل الجميع بما فيها قريبته الحامل التي يراودها عن نفسها، الاستاذة العصابية التي تكشف عن عورتها النفسية، الطلبة المهووسون بنضالات مقطوعة النفس تنتهي دائماً بالخيبة، فرؤوس الحرب كثيرة وساعية للموت.

ما نقص في شريط حجيج (درس المسرح والفلسفة قبل السينما التي تدرب عليها في باريس ويصبح استاذا في معهد الفنون الجميلة ببيروت) والمأخوذ عن رواية رشيد الضعيف المستبد هو اغفالها للعنصر الاساسي الذي شاع في اعمال الضعيف الاخري: سقوط اخلاقية اللبناني ـ الفرد ونفعيته التي ولدت مجتمعا جديدا لما بعد الحرب الأهلية عماده: الفرصة التي يجب خطفها بأسرع وقت، وبأقل ثمن.

وحينما قارب حجيج شخصية شفيق رأي فيها كائنا محصنا من الخطأ، انه عقلاني علي رغم صمته، لكنه يصرخ بألم حينما يحتل مشهده اليومي، غياب الحاجز الأمني للمليشياوي. شفيق انموذج للمصارع الاجتماعي الذي يملك وظيفته ومحيطها ويتحصن بسمعتها، وحين يواجه اول استحقاق لامتحان رجولته، سيفرد عضلات محنته الجنسية وأوهامها. صحيح ان شريط زنار النار يضع اصبعه علي جرح الحرب وخرابها، لكنه لا يضيء كثيرا من وجهة نظر الضعيف بخصوص انحطاط الفرد اللبناني وغياب وازعه الاخلاقي والاجتماعي. اسوأ ما في شريط حجيج هو تصويره (توقيع مكسيم هيرو)، الذي امعن في اقتباس مشهديات بصرية مشهورة (مثل ملتزم الايطالي برناردو برتولوتشي) خصوصا داخل شقة شفيق، وهي حلول مصطنعة لم تغن الشخصية ولم تلق وقعا دراميا.

أحلي الأوقات للمخرجة المصرية هالة خليل صاحبة الفيلم القصير طيري يا طيارة لا يختلف عن موجة الاشرطة المصقولة علي شاكلة سهر الليالي ، وحكاية تتقاطع فيها موجات الحب والصداقات والعائلة والمشاكسات والكثير من فهلولة الشخصيات المنمقة التي تحتفي بمصريتها اكثر من حياتها التعيسة. سلمي (حنان ترك) الشابة الحسناء الوحيدة بعد وفاة والدتها المفاجئ (مشهد شديد السوء وكثير الافتعال) تعيش حالة من الشكوك بعد ان تصلها مظاريف تضم علامات سابقة في حياتها: اغاني المطرب محمد منير، صور عائلية، اشارات كتابية لتواريخ معينة. هناك من يحاول سحبها الي تاريخ منسي، لكن كيف السبيل الي معرفة الشخصية الغامضة ونواياها.

لا تتأخر سلمي من طلب مساعدة صديقتيها الشابتين (هند صبري ومنه شلبي) القاطنتين في حي شعبي شهير هو شبرا ، فيما تقطن هي في حي المعادي الراقي. لكن هاتين الشابتين (الاولي متزوجة ولها اولاد كثر، فيما تسعي الثانية الي الاقتران بحبيبها الشاب الذي يعمل في محل لاستنساخ الوثائق) تعقدان الامر بظنونهما، فأول المتهمين هو زوج والدتها الراحلة والذي سيحاول اغراء احداهن الحالمة بالتمثيل في السينما (وطبعا لا بد ان يكون تحت ادارة مخرج كبير مثل خيري بشارة!!)، لكنها ستفلت في نهاية المطاف، ليس بسبب اخلاقها الحميدة وحسب بل لـ جدعنة بنات شبرا. تصل سلمي الي فك اللغز عبر صورة طفولة تحمل خلفها علامة الاستوديو الذي انتجها احلي الاوقات ، ولتواجهه والدها (حسن حسني) الذي طلق والدتها منذ سنوات طويلة، وغابت ملامح ابنته عنه (وهو احتمال برد في الدراميات المصرية). نهاية مطاف سلمي في طريق اسكندرية ـ القاهرة حيث يعرض عليها الحبيب (عمرو واكد) الاقتران. تتردد الشابة في الاجابة لكن الانقاذ يتجدد علي يدي الصديقتين. فحسب شريط هالة خليل هناك الكثير من أحلي الاوقات في مصر اليوم. وهو خطاب كاذب لا يتماشي مع حالة السواد الاعظم من الشعب المصري. واذا كان هاجس خليل ومنتجها محمد العدل هو رواد سينما المجمعات التجارية التي تشهد توسعا لا نظير له، فان جهدها ضاع هباء في تصوير احوال اناس لا يمكن ان يتواجدوا الا في شريط مصري مزوق الديكورات ومحسن في سحن ابطاله، كل شيء في احلي الأوقات مصطنع، حتي في اقصي احوال عائلته الشعبية التي لا يجد فيها الزوج الذي تأكل الغيرة قلبه، سوي التسامح بعد ان هدد زوجته بالطلاق اكثر من مرة. ومثله صحوة الضمير التي تهبط فجأة علي زوج والدة سلمي حين اكتشفت خسته في الايقاع ببنت شبرا!

اما حكاية والد سلمي، فهي طينة اخري لمفهوم بساطة المصري الشعبي، فهو يبرر ما حدث من دون ان يتقاطع مع من يفترض انها ابنته التي لم يرها منذ عقود، وبدلا من ذلك يطلق حكما شعبية تحوله الي صنو للملاك الذي لا يريد سوي الخير للجميع حتي وان كان علي حساب تاريخه العائلي.

واذا كان شريط طيري يا طيارة الذي عرض في الدورةالاولي لمهرجان الشاشة العربية المستقلة في دورته اللندنية قد شاع تفاؤلا بولادة مخرجة موهوبة، فان احلي الاوقات اثبت ان نظام الانتاج التجاري المصري لن يرحم احدا، وان فرصة تثوير طاقة سينمائية مثل خليل لا بد ان تنتهي بنص باهت وصنعة شديدة التقليدية.

* ناقد سينمائي من العراق يقيم في لندن

القدس العربي في

20.12.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)