كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

من "مهرجان الفيلم العربيّ" في "روتردام"،

إلى "بينالي السينما العربية" في "باريس"

صلاح سرميني

باريس/ خاص بـ"سينماتمك"

بينالي السينما العربية

   
 
 
 
 

·         جديدُ الأفلام الروائيّة القصيرة، والتسجيليّة في السينما العربيّة.

·     من السينما العراقية المُهاجرة، و"دردشة نسائيّة" مع "بقايا زمن، شارع محمد علي"، إلى "ورد وشوك" السينما السورية المُؤثّرة إلى حدّ البكاء

تحظى الأفلام الروائيّة الطويلة -عادةً- على إهتمام الصحفيّين والنقاد، تقديماً، نقداً، وتحليلاً، وتمتلك الأفلام الروائيّة القصيرة حظوظاً أقلّ منها، تليها الأفلام التسجيليّة، بينما يندر الكتابة عن السينما التجريبيّة، والتي بدأت تجد لها مكانةً مُتميّزةً في معظم المهرجانات السينمائية العالمية .

ولهذا، فإنني اليوم، أنتهز الفرصة كي أتحدث عن بعضٍ الإنتاجات العربية الجديدة، والتي عُرضت بمناسبة الدورة الرابعة لـ"مهرجان الفيلم العربيّ" في "روتردام" (من 2 إلى 6 يونيو)، ويُعرض الكثير منها في الدورة السابعة لـ"بينالي السينما العربيّة" في "باريس" (من 26 يونيو، وحتى 4 يوليو) .

السينما العراقية المُهاجرة

"الحرب" (إنكلترة) فيلمٌ روائيٌّ قصيرٌ جداً لمخرجٍ عراقيٍّ شاب، "محمد الدرّاجي"، وهو في لقطةٍ مُتواصلة بطول 4 دقائق، يختصر زماناً طويلاً، ومكاناً مُمتداً، من مجوعة أطفالٍ يعيشون لهوهم اليوميّ في حديقةٍ ما، إلى أبٍّ يودّع إبنه وزوجته، ويذهب للحرب، وفي آخر الفيلم، يعود رفاقه بدونه .

فكرةٌ مُكثفةٌ، ومُركزة، مثل إعلانٍ ضدّ الحرب، أيّ حربٍّ، ذهابٌ وإيابٌّ في لقطتيّن، مثل الحياة والموت، إمتزجتا كي تُوهما المتفرج بإستمراريتهما في لقطةٍ واحدة، وفيهما يعتني المخرج بشريط الصوت، في المزج مابين مرح الأطفال، والإعلانات الرسمية عن الحرب، والتي تمّ إبطائها بشكلٍ متعمدّ، لانفهم تفاصيلها، ولكننا نشعر بتأثيراتها.

وبدون عناء، يكشف شريط الصوت عن إمكانية التحايل على تكاليف باهظة في تنفيذ مشاهد الحرب، والإستعاضة عنها بمجازيّة مفردات اللغة السينمائية .

"محمد الدرّاجي" يقدم نفسه كمخرجٍ ومدير تصويرٍ للفيلم، ويكشف مُسبقاً عن موهبةٍ واعدة .

"خليل شوقي، الرجل الذي لايملّ"(إنكلترة) للعراقيّ "قتيّبة الجنابي" الذي أنجز قبل ذلك أفلاماً روائيةً قصيرةً، ومُتميزة .

هذه المرّة، يقدم فيلماً تسجيليّاً ينطلق من الضرورة القُصوى لتصويره مع "خليل شوقي"، في محاولةٍ متواضعة لتكريمه، وإعادة الإعتبار له كممثلٍ، ومخرجٍ عراقيّ رائد، وهو اليوم يعيش في مدينة "لاهايّ" الهولندية (منفاه)، وتلحقه الكاميرا لتُسجل زيارته إلى "لندن"، وتقديمه عملاً مسرحيّاً من إخراج المسرحيّ العراقيّ "د.عوني كرومي" .

يحكي التعليق، ويُلخص حياة "خليل شوقي"، وفي شريط الصورة نتابع يوميات هجرته الرتيبة، الهادئة، ولكنها المشحونة بالذكريات، والحنين، والآسى .

"صائد الأضواء"(الدانمارك) لمخرجه العراقيّ "محمد توفيق" يقدم فكرةً جديدةً وجديّة، ولكنها ثقيلة الظلّ في معالجتها.

"مُحسن"، الشخصية الرئيسية، يتحدث مع نفسه في معظم مشاهد الفيلم، وهو يتجول في أرجاء بيته، لقد طلب منه المخرج بأن يُطيل لحيّته، ليقدم لنا "محمد توفيق" فيلماً داخل الفيلم، يتأمل "مُحسن" أصحاب اللحى الطويلة، في أرشيف الأنترنيت، كما في الشوارع، ولا يتوقف عن الحديث مع نفسه، واللقاء مع صديقه في إحدى الساحات العامة، وشرحه له الهدف من تطويل لحيته يبدو مُفتعلاً لشرح الفكرة  الفيلم نفسها .

ومع ذلك تتكشف لنا مقتطفاتٍ من حياة أحد المهاجرين في منفاه، أسلوبٌ تسجيليٌّ ليس غريباً عن "محمد توفيق"  .

"رحلةٌ إلى العراق" (ألمانيا) من إخراج "كمال الجعفريّ"، فيلمٌ تسجيليٌّ قصيرٌّ تدور معظم أحداثه الساكنة أمام -وبالقرب- من "الخطوط الجويّة العراقية" في "جنيف" بعد سقوط نظام "صدام حسين"، تتأمل الكاميرا مكاتب فارغة، مهجورة، محطمّة الأثاث، تُحيطها السياج الحديدية المُتحركة .

ويتكوّن الصوت من إنطباعات، وذكريات العابرين، والجيران عن هذا المكان الإسطوريّ، بالإضافة للمؤثرات الطبيعية الموجودة في الشوارع المُجاورة .

لقطاتٌ ثابتهٌ، طويلةٌ زمنياً، وعينٌ سينمائيةٌ، دقيقةٌ، مُتأملةٌ، وصبورة، في فيلمٍ يقدم تشريحاً مكانيّاً يتواكب تاريخه مع أحداث العراق .

السينما السعودية

"هيفاء المنصور"، هي أول مخرجةٍ سينمائيّة سعودية، ولهذا، سوف نقرأ عنها الكثير، ولن تجد عناءً في عرض أفلامها القصيرة، هنا وهناك، وتسليط الأضواء عليها .

وبمعرفتها عن قرب، فهي تُسقط كلّ الأفكار المُسبقة عن المرأة السعودية، بدون أن تُمثل حالةً عامّةً، إنها تمتلك وضعاً "إستثنائيّاً" في مجتمعٍ "إستثائيّ" .

وفيلمها "أنا والآخر" الذي يستوحي عنوانه، وأحداثه من تفاقم التطرف الدينيّ، وضرورة الحوار مع الآخر، تلك التي فرضتها تفجيرات 11سبتمبر 2001 وفيه تقدم وجهات نظرها بإقتران المباشرة مع الإسقاطات الرمزية، فالوطن بالنسبة لها سيارة تعطلت في منتصف الطريق من صحراءٍ شاسعة، وفيها ثلاثة أشخاصٍ يمثلون -برأيها- المجتمع السعوديّ(والعربيّ بشكلٍ عام)، ويعبّرون عن أفكارٍ مختلفة : المُتدين، العلمانيّ، والوسط بينهما .

لقد صورت "هيفاء المنصور" فيلمها في مكانٍ واحدٍ، خلال زمنٍ يمتدّ من النهار إلى الليل، ومن ثم النهار من جديد، وخلاله، تدور محادثةٌ طويلةٌ بينهم، حوارٌ تقريريٌّ، وإتهاماتٌ مُتبادلة، ولاتخفي "هيفاء" أفكارها خلف الشخصيات، فهي تشارك في الحلّ على طريقتها : "الوسط" يقود السيارة المُتعطلة/الوطن، و"الُمتديّن" و"العلمانيّ" يدفعانها .

"هيفاء المنصور" لاتدّعي العبقرية، وهي تريد أن تتعلم، وتكتسب خبراتٍ إضافية، وتراكميّة، ولهذا، لن يقسو عليها الوسط السينمائيّ(يميناً، ووسطاً، ويساراً)، وسوف تلقى الدعم، والتشجيع اللازميّن، كي تُكمل مشوارها السينمائيّ، والحياتيّ مع بعض النقد، والتحليل.. .

السينما الإماراتية

منذ ثلاث سنواتٍ، بدأت تتكشف في المشهد السينمائيّ العربيّ بدايات "سينما إماراتيّة"، شابّة، جميلة، وواعدة، "وليد الشحيّ" واحدٌ منها مع فيلمه الروائيّ القصير "طوّي عشبة".

فيلمٌ شعريٌّ، يُذكرنا بالسينما الإيرانية، وأفلام المخرج التونسيّ "الناصر خمير"، ولن نُبالغ إذا أضفنا إليهما تأثيرات المخرج الأرمنيّ الراحل"سيرجي بارادجانوف".

"وليد الشحيّ" يعيّ تماماً تأثيرات أدواته السينمائية، والطاقة الشعرية الكامنة في الصورة والصوت، ويستعين بممثل هاوٍ، ولكنه مُقتدر بفطريته .

إهتمامٌ بالصورة إلى حدٍّ بعيد، بتكويناتها، ألوانها، أحجامها، تدرّج ألوانها، وحركات الكاميرا،..وشريط الصوت بكلّ صياغته الجمالية .

مخرجٌ موهوبٌ ننتظر منه الكثير، ومع البعض من السينمائيّين الإماراتيّين، سوف يمنح "السينما الإماراتية" خصوصيّتها .

السينما المصرية

يتوزّع إنتاج الأفلام الروائية القصيرة، والتسجيلية (القصيرة، والطويلة) بين عددٍ محدودٍ من المؤسّسات الحكومية، والخاصّة .

ويُعتبر "المعهد العالي للسينما" بالقاهرة، الجهة الحكوميّة الأكثر إنتاجاً للأفلام الروائية القصيرة، يتبعه "المركز القومي للسينما" بإنتاجه لعددٍ من الأفلام الروائية القصيرة، والتسجيليّة، ومن ثمّ، بدأنا نلاحظ دوراً مهماً لـ"قطاع التلفزيون" للقنوات المتخصّصة، والذي قدم أفلاماً ناجحة، ومُبهرة، كحال الفيلم الروائيّ المُتوسط الطول "ليلي" لمخرجه "مروان حامد" .

ومنذ إنتشار الكاميرات الصغيرة (الرخيصة نسبيّاً)، وأنظمة المونتاج الرقميّة، وجدت السينما التسجيلية، والقصيرة إستقلاليّتها من خلال شركاتٍ صغيرة، أو تعاونياتٍ قبلت المُخاطرة بإنجاز أفلامٍ مُستقلّة بميزانياتٍ مُتواضعة، ونظام أجورٍ مُرتقبة، أو مُؤجلة (مايُسمى في أوروبا بنظام المُشاركة في الإنتاج)، والذي قبل سنواتٍ، ماكان الوسط السينمائيّ المصريّ يؤمن به، أو يقتنع بفعاليّته، ولكنّ الوقت قد تغيّر .

وجاء "الوقت" لمُخرجه "أسامة العبد"(إنتاج المعهد العالي للسينما)، فيلمٌ روائيٌّ قصيرٌ، مُتقن التنفيذ-حركات الكاميرا، والمونتاج- ولكنه يحتفظ بأسلوبٍ سرديٍّ تقليديّ، وبعد الدقائق الخمسة الأولى من أحداثه، يتباطئ كثيراً في إيقاعه .

وفي بداية فيلم "بُثيّنة" من إخراج "جمال قاسم"(إنتاج مستقلّ)، تدور النواعير وتئنّ.. وينقلنا الفيلم من "حارة الأربعين" إلى "درب الكاشف" في مدينة "الفيوم"، ليقدم لنا شخصيةً إستثنائيّةً مُبهرة، إنها "الحاجة بثيّنة"، هاوية مسرح، ومتمرسةً -ومتمترسةً- به منذ زمنٍ طويل.

"بُثيّنة"، نموذجٌ جيدٌ للسينما المُستقلة، وأيضاَ، تجسيدٌ مبهرٌ للموهبة، والأداء التلقائيّ الفطريّ، والطاقات التمثيلية الكامنة في كلّ واحدٍ منا، والتي يمكن أن نجدها عند أشخاصٍ ماكنا نتوقع أبداً بأنهم يمتلكون مثل هذه الطاقة، يحبونها، ويحترمونها.

هناك تقاربٌ مابين المسرحية، فكرتها، وتنفيذها (أغنية الموت) التي تحضّرها "الحاجة بُثيّنة" وعائلتها، مع أحوال الحارة، والمدينة، وأهلها، ..كلّ مافيها بسيط .

حيث تتداخل عناصر الواقع الحقيقيّة مع التمثيل : الديكور، أهل الحارة، الآذان،.. قبل ذلك، مثلت "الحاجة بُثيّنة" حوالي 120 مسرحية، ومع إبنها "عادل" المُعوّق، والمُتزوج من "شادية"، ومع "نبيل"، "محمد" ، و"أحمد"،..من أفراد العائلة، تنجز عروضاً مسرحيةً "منزلية"، فكرةٌ لم تخطر على بال "أجدع" مخرجٍ طليعيّ .

وهي تقترب بذلك من حياة الأهالي، وهمومهم،..تتحدث معهم بلغتهم التي تفهمها، ويفهمونها.

إنها تُذكرنا بـ"ماريا كوليفا"، المخرجة البلغارية المُقيمة في "باريس"، والتي تعرض أفلامها في بيتها مجاناً .

ولكنني في آخر الفيلم، كنتُ أتمنى بأن أشاهد مرةً ثانية تلك النواعير، وهي تدور، وتئنّ ... المخرج، والناقد المصريّ "أحمد رشوان"، يمنح -بدون أن يدري- إيحاءً جنسياً لعنوان فيلمه التسجيليّ "بيروت : أول مرّة" .

وليست هي المرة الأولى التي يُحول "رشوان" نزهاته ورحلاته إلى أفلامٍ سينمائية، ويصورها بكاميرته الصغيرة كما يشاء، مثل أيّ سائحٍ، وفي المونتاج، يقسّم فيلمه إلى مشاهد، تحمل عناوين مختلفة ترتبط بمحتوى المشهد نفسه، عناوين فرعية، كما الحال في الكتابة الروائية، وهي كذلك على أيّ حال، فواصل في نصٍّ مكتوب تُرافق الصورة، والتي بدونها، ربما يفقد الفيلم تماسكه، ويبقى في حالته التسجيليّة.. السياحية .

عند "رشوان" رغبة دفينة(ومشروعة) بأن يُنجز فيلماً روائياً، ولهذا نراه في بداية الفيلم يُحضّر نفسه للسفر، ومن ثمّ يجلس على ناصية إحدى مقاهي "شارع الحمرا"، وهو بذلك  لايُسجل رحلته، إنه يحكيها من جديد، هل سبق ذلك سيناريو جاهز، أم تخلّق السيناريو بعد التصوير، وفي مرحلة المونتاج؟ .

وعلاقة "أحمد رشوان" مع النقد السينمائيّ تطبع أفلامه بأسلوبٍ أدبيّ (كتابيٍّ إن صحّ التعبير)، ومع ذلك، فهو يجتهد في تقديم كتابة سينمائية جديدة، ومُتجدّدة .

المخرجة التسجيليّة المُخضرمة "نبيهة لطفي" (اللبنانية المُقيمة في مصر منذ دهر) تؤرجحنا في فيلمها التسجيليّ الآخاذ "بقايا زمن، شارع محمد علي"(من إنتاج المركز القومي للسينما) مابين الحاضر والماضي .

فيلمٌ جميلٌ، ومؤثرٌ يجعلنا نحبّ "القاهرة" مرةً أخرى، ونحنّ للرجوع إليها، على الرغم من صخبها، ضجيجها، زحمتها، وأبنيتها المُتربة، وحرارة طقسها،.. وعلى الرغم من البناء السينمائيّ التقليديّ للفيلم، أسلوبٌ خاصّ بالمخرجة حافظت عليه منذ أول أفلامها .

وفي "دردشة نسائية" لمخرجته الشابّة "هالة جلال" (من إنتاج المجموعة الأوروبية، وأفلام مصر العالمية) نشعر أحياناً بأنها بذلت الجهد الكافي للبحث، التدقيق، والحصول على مصادر أرشيفية، للحديث عن تحرر المرأة، وتاريخ الحجاب، وتطوراته في المجتمع المصريّ، ولكننا، في الجزء الأخير من الفيلم، نشعر بأنها أصبحت كسولة، فتركت شخصياتها تتحدث إلى الكاميرا، أو فيما بينهنّ .

إننا نرى معظم النساء في بيوتهن جالساتٍ، مُسترخياتٍ، ولايتوقفن عن الحديث أبداً، والمرأة الوحيدة التي نشاهدها أثناء عملها، هي الخادمة في منزل إحدى السيدات .

وهذا لاينفي إختياراً تعددياً للنساء التي قدمتهن كنماذج في الفيلم، ولكنني، كنت أتمنى بأن تخرج الكاميرا إلى الشارع، وأماكن العمل، لتستوقف النساء في كلّ مكان.

السينما التونسية

"الروح والقلب" لمخرجته التونسية "مُلكة مهداوي"(إنتاج فرنسا)، ٌفكرة جيدةٌ، ٌوطموحة أفسدتها المُعالجة السينمائية القاصرة، والتبسيطيّة، إذ ّ لايمكن إنجاز فيلمٍ من تتابع مشاهد لفرقة إنشادٍ صوفيّ، ويتخللها بعض اللقاءات المُبتسرة، كي يصبح محصلة ماشاهدناه مقتطفاتٍ من تدريبات الفرقة، وأدائها في أماكن مختلفة، حتى أن المشهد الأخير لحفلة الفرقة في "بيت ثقافات العالم" في "باريس" قد مسح من أذهاننا كلّ ماشاهدناه مُسبقاً، وبدا لي، وكأنني أشاهد نقلاً تلفزيونياً مباشراً لتلك الحفلة، وليس فيلماً تسجيلياً .

لقد سبق للمخرجة بأن قدمت فيلماً قصيراً، وواعداً، ولكنها، في هذه المرة، وفي أول تعاملٍ لها مع الفيلم التسجيليّ الموجّه للتلفزيون، قد أخفقت في مشروعها .

السينما اللبنانية

"رماد"، من إخراج "خليل جريج" و"جوانا حاجي توما"(إنتاج لبنان/فرنسا)، فيلمٌ روائيٌّ قصيرٌ بمعنى الكلمة، تمّ إنجازه بحساسيةٍ مُرهفة، ومُفرطة، يكاد يظهر بالأبيض والأسود مع أنه صُور بالألوان، ويكاد لايُحكى، إنّه فيلمٌ للمُشاهدة، والتأمل، والإنخراط في جوٍّ طقسيّ للموت، والعزاء، ..

الوشوشة، والصمت، وبعض المؤثرات هي العناصر الأساسية لشريط الصوت، بينما تأتي اللقطات الكبيرة، والتفاصيل الصغيرة، لتمنح للفيلم ثراءً لايُضاهى، إنه فيلمٌ مركبٌّ من المشاعر، والأحاسيس، الإشارات، والحركات البسيطة، النظرات، والإيماءات.

فيلمٌ مؤثرٌ، يؤكد بأنّ مخرجيّه قادران على إدارة ممثليهم بطريقةٍ بسيطة، ومُقتضبة، وعلى إختيار إطارات اللقطات، وحركات الكاميرا، وزواياها،..فيلمٌّ سينمائيٌّ بمعنى الكلمة .

السينما الفلسطينيّة

في الفيلم التسجيليّ الطويل "حصار، مذكرات كاتبة" (إنتاج فلسطين) تُمتعنا مخرجته "ليانة بدر" بمشاهدة تفاصيل منزلها، فتتحول اللقطات إلى مفرداتٍ شعرية، ويُذكرنا هذا الإقتران السينمائيّ/الأدبيّ بأفلام السينمائية الفرنسية "مارغريت دوراس".

من جهةٍ، يمكن أن نقرأ النصّ (التعليق)، بدون الحاجة لمُشاهدة الصور، وسماع الأصوات(في الفيلم) .

ومن جهةٍ أخرى، يمكن لنا مشاهدة (الفيلم)، بدون الحاجة لسماع (النصّ) المقروء(التعليق) .

ولكن، في "حصار، .." يتداخل أسلوب الكاتبة، والسينمائية، ويتعانقا، هوبمثابة تداخل الحياة الشخصية الخاصّة، مع القضية العامّة .

وكم هي جميلةٌ لقطات الأطفال أمام بيوتهم، وهم يلعبون بالطائرات الورقية، وقبل قليل، مرّت الدبابات والمُصفحات الإسرائيلية، وأعلنت عن منع التجول، حتى إشعارٍ آخر..

السينما السورية

يقدم الفيلم التسجيليّ القصير "ورد وشوك" لمخرجه "غسان شميط"(إنتاج المؤسّسة العامة للسينما بدمشق)، فكرةً نبيلةً جداً، تجسّد حال المُسنين الذين تركهم أولادهم وبناتهم في "دار الرحمة"،..ولنقل، تخلصوا منهم .

وعلى الرغم من تسجيليّته، لاينقصه الجانب الروائيّ بحسّه الشاعريّ، وإستخداماته للرموز والإستعارات، إنها حالةٌ من العشق الدائم لها في السينما السورية .

يتحرك قطارٌ نحو عمق الصورة، ويخرج من نفق، قطار الحياة، وفيه أنماطٌّ كثيرة من البشر، يسافرون فيه من محطةٍ لأخرى، ومن ثمّ تأتي لحظة الولادة، وفي آخر الفيلم ينظر أحد المُسنين إلى غروب الشمس، ...غروب حياته .

وبغضّ النظر عن التعليق الذي لاأجد له ضرورةً، لأنّ الصور والحكايات تكتفي بذاتها، وبغضّ النظر أيضاً عن الرغبة بتقديم مادة متوازنة مابين حكايات المُسنين عن وصولهم إلى "دار الرحمة"، والأسباب التي دفعت الأبناء إلى إقصائهم، ونفيهم فيها، يبقى الفيلم مهماً، بتذكره لهؤلاء الذين سوف تنتهي حياتهم في الوحدة، والنسيان .

ويبدو بأن المخرخ "غسان شميط"، وعلى الرغم من تعاطفه الواضح مع المُسنين، وحكاياتهم، لايريد أن يؤكد موقفه الأخلاقي، أو ينحاز إلى طرفٍ على حساب طرفٍ آخر، وإن كنت أرغب بأن يظهر إنحيازه الكامل للمُسنين، ويُدين بشدةٍ منطق الأبناء في تعاملهم مع آبائهم وأمهاتهم، وأن لاتبقى العلاقة محصورة بين الآباء والأبناء في تحليل، أو تفسير هذا السلوك، ولكن، التوجّه نحو الأسباب الأخرى المُتعلقة بالتفكك الإجتماعيّ، والأسريّ، والتدهور الأخلاقيّ الذي تعيشه المجتمعات العربية .

هذا الجيل الجديد الذي وُلد، وتربى في أجواءٍ من الأنظمة السياسية المُستبدّة، فلماذا لايستبدّ الأبناء الأقوياء بالمُسنين الضعفاء. ومع ذلك، يبقى الفيلم مُؤلماً، ومُؤثراً إلى حدّ البكاء....

سينماتك/ خاص في

25.06.2004

 
 

بينالي السينما العربية في دورته السابعة تكرم مديحة يسري ويحتفي بالسينما العراقية

ناجح حسن

ضمن برامجه التي تسعى الى التعريف بالسينما العربية في فرنسا والبلدان الاوروبية ينظم معهد العالم العربي بباريس دورته السابعة لبينالي السينما العربية الذي يقام مرة كل عامين، وستنطلق فعالياته الليلة وتستمر حتى الرابع من تموز المقبل، وتشتمل عروض المهرجان على عشرات الأفلام العربية الطويلة والقصيرة بشقيها التسجيلي والروائي جميعها قادمة من بلدان عربية متنوعة، وفي المهجر، حققها مخرجون ومخرجات شباب جدد، ومخضرمون لهم بصمتهم على خريطة المشهد السينمائي في الوطن العربي، وستتوزع الافلام على أقسام المسابقة الرسمية كالأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والأفلام التسجيلية الطويلة والقصيرة، وقسم تحت عنوان لقطة مبكرة وموضوعها لهذه الدورة السينما العراقية، حيث سيحضر مخرجون وكتاب وتقنيون عراقيون عاملون في السينما العراقية منذ سنوات طوال، أو من هم ببداية الطريق، منهم من يقيم داخل العراق،والبعض الآخر خارجه.

وهي التفاتة لها أهميتها في الوقت الراهن لما طرأ على المشهد السينمائي من تحولات بفعل الاحداث الجسام التي يعيشها العراق اليوم، وستتضمن عروض هذه الاحتفالية مجموعة من الافلام العراقية انجزت خلال العقود الماضية ومن بينها عروض لأفلام جديدة لم يسبق لها ان عرضت بعد في اي مناسبة سابقة وعرف منها فيلم «عليا وعصام»، الذي اخرجه اندريه شاتان العام 1948، وفيلم «الحارس» وفيلم «بيوت في ذلك الزقاق» لقاسم حول الذي اختير لأن يكون عضوا في لائحة محكمي المسابقة، وفيلم «زمان: رجل القصب» لمخرجه عامر علوان، كما سيتم تنظيم ندوة موسعة عن حال ومستقبل السينما العراقية يشارك فيها الكثير من الاسماء اللامعة في السينما العربية من مخرجين ونقاد وفنيين ومنتجين، وكتاب والسبل التي بموجبها يمكن من خلالها انعاش السينما العراقية بعد فترة ركود وتوقف صناعها العاملين داخل العراق او خارجه بفعل ظروف الحرب والحصار.

في القسم الثالث من المهرجان تكريم واحتفاء خاص بالممثلة المصرية مديحة يسري ولمشوارها الطويل بالسينما العربية حيث ستعرض لها افلام «الافوكاتو مدية»، «لحن الخلود» وفيلم «حياة او موت».

استطاعت مديحة يسري ان تحافظ على نجوميتها وبقائها في الذاكرة ووجدان المشاهد السينمائي لسنين طوال، لما يحيله نقاد السينما المصرية الى ذلك التوازن بين ادائها التمثيلي، وحضورها الطاغي المليء بالرقة والشبه الصامت كما بدت في اول اطلالة لها على الشاشة البيضاء حين وقفت امام أهم قامة تمثيلية وغنائية في بدايات السينما المصرية وهو محمد عبدالوهاب في فيلمه الغنائي «ممنوع الحب» 1941 ولعبت مشاهد بسيطة دون ان تلفظ فيها كلمة واحدة، ولم يتجاوز عمرها آنذاك العشرين عاما في دور فتاة من صديقات البطل اللواتي يغني لهن جميعا عبدالوهاب لجمالهن ولعيونهن المثيرة تحديدا، وفيها ركزت كاميرا المخرج محمد كريم على عيني مديحة يسري في مقطع «بلاش تبوسني بعينة» وفتنت تلك المشاهد القليلة الجمهور العريض في ارجاء مصر والوطن العربي، مما قادها سريعا الى ادوار الشهرة والبطولة المطلقة وفعلا قامت مديحة يسري بدور البطولة بفيلم «احلام الشباب» 1942 الذي اضطلع باخراجه رائد الواقعية في السينما المصرية كمال سليم وكرت سبحة اعمالها السينمائية في ادوار رئيسية لائقة مليئة بالجاذبية والبساطة في اسلوب الاداء التمثيلي الذي يختلف الى حد بعيد عما هو سائد في اداء زميلاتها بتلك الحقبة نظرا لعدم وقوفها على خشبة المسرح، وانحصرت اعمالها في ادوار المرأة الارستقراطية والتي تملك عناصر القوة والجاه والمال مقارنة مع البطل الذي يتقرب منها او تلك المرأة التي تبحث عن حقها بالعمل وتترأس جمعية نسائية تنادي بتمكين المرأة من حقوقها ومكتسباتها كما جسدته بفيلم «بنات حواء» العام «1954» والذي اخرجه نيازي مصطفى.

لكنها في العام 1955 قامت باداء احد ادوارها اللافتة بفيلم «اني راحلة» الذي شكل منعطفا حاسما في تزايد بريق حضورها وملامح من نوع خاص في نجوميتها لتكون مصدر انبهار واعجاب المشاهدين، لقدرتها على التكيف مع تيار اخر في السينما المصرية يتسم بالواقعية حيث شاركت في أفلام «أرض الاحلام» لكمال الشيخ 1957، وبدت فيها انها تعيش مرحلة نضج حقيقي في تنوع أدوارها «وحياة وموت» 1957 و«قلب يحترق» 1959 لكمال الشيخ ايضا الذي يبدو انه نجح في توجيهها ببراعته الى ادوار متنوعة ما زالت تحتفظ بقدر عال من جمالها وجاذبيتها قبل ان تدخل مرحلة ثالثة في تطورها الفني عندما اخذت تقدم في بداية عقد الستينات في القرن الماضي ادوار الأم بكل ثقة واطمئنان الى أهمية مثل هذه الادوار التي ينفر منها كثير من زميلاتها وصورت فيلم «الخطايا» بكل تحد يمتحن قوة بطلته في مشاهد طويلة وصعبة يسلكها عادة مخرج متمرس مثل حسن الامام، ومنذ تلك الفترة ظلت مديحة يسري اسيرة ادوار الأم المهيمنة، صاحبة القرار الأخير والتي تتمحور حولها الاحداث، والركن الاساسي في بيت العائلة وشديدة الالتزام بقواعد الاسرة وطقوسها في الدين والحياة اليومية والتي تنحدر احيانا من عائلات الطبقة الوسطى، وتباينت ادوارها في تلك الافلام عن ادائها في ميلودراميات السينما المصرية المعهودة، حيث حفلت بالشخصيات التي لعبت ادوارها واكسبتها مزيدا من الصدق والواقعية، من خلال التجسيد المتمكن والاقناع التلقائي، وغذته اسلوبية اداء تعكس حياة المرأة العصرية، الاكثر تفهما للحياة والتي نالت قدرا من المعرفة، وذات ملامح من الطيبة وتشارك افراد عائلتها المواقف المعبرة عن انفعالاتهم، وان تجعل ظاهر الشخصية معادة موضوعيا لداخلها مع القدرة على ضبط واحكام هذه الانفعالات، حيث تلجأ الى الاداء السلس الهادئ البعيد عن الانفعال الزائد.

ورغم العدد الوفير من الافلام التي شاركت فيها فإنها لم تكشف عن امكانياتها الادائية التي يمكن ان تكون كامنة فيها، بسبب عدم اهتمام كثير من المخرجين في السينما المصرية من الاستفادة من الجانب الادائي التمثيلي باستثناء ما ندر، فقد كانت اغلبية اعمالها في النوع التقليدي الذي تسير عليه السينما المصرية ولم تعمل مع مخرجين طموحين لاقتحام جوانب من ذاكرتها الانفعالية وتحميل المشاهد كل عذاباتها واحاسيسها.

وجه المهرجان الدعوة الى عشرات السينمائيين العرب والاجانب بين مخرج، ومنتج، وممثل وناقد من البلدان العربية ومختلف بلدان العالم للاطلاع على فعاليات المهرجان، وسيكون الرئيس الشرفي لهذه الدورة المنتج والموزع السينمائي التونسي الذي يقيم بين فرنسا والولايات المتحدة، وسيتيح المهرجان الفرصة لبلدان عربية لم يسبق لها ان شاركت في فعالياته الماضية بأن تعرض أحدث نتاجاتها السينمائية «الفيديوية» التي حققها مخرجون شباب في الامارات والسعودية.

يذكر ان المهرجان يقدم اكثر من جائزة مادية ومعنوية للفائزين بالدورة من أهمها: جائزة المهرجان الكبرى للأفلام الطويلة وتبلغ قيمتها 15000 يورو، وجائزة المخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي وتمنحها لجنة التحكيم لفيلم روائي طويل، وجائزة العمل الاول، وجائزة افضل ممثلة وممثل، وهناك جائزة كبرى للفيلم القصير، وجائزة اولى وجائزة لجنة تحكيم للأفلام القصيرة، عدا عن تسويق تجاري للأفلام الفائزة في صالات خرشية أو غير شاشات القنوات الفضائية الفرنسية.

الرأي الأردنية في

26.06.2004

 
 

منسق تظاهرة السينما العراقية في معهد العالم العربي

انتشال التميمي

لقاء باريس فرصة لتحقيق مشاريع سينمائية مستقبلية

قيس قاسم

كلف معهد العالم العربي الفنان العراقي انتشال التميمي بمهمة الاعداد والتنسيق لتظاهرة السينما العراقية في المهرجان السابع للسينما العربية في باريس، ومع أنطلاق أعمال المهرجان، أتصلنا به وأجرينا معه هذا الحوار الذي بدأناه بالسؤال عن شكل المساهمة العراقية فيه؟ 

تظاهرة السينما العراقية تأتي في أطار ما أعتاد معهد العالم العربي القيام كل سنتين ضمن مهرجان السينما العربية في باريس، والتي تدرج بين فعاليته المعروفة بأسم "نظرة" لسينما بلد معين، والذي ينظمها المهرجان على هامش المسابقة الرسمية للأفلام المشاركة فيه. فقبل سنتين، مثلا، كانت هناك نظرة للسينما الفلسطينية الجديدة وقبلها نظرة للسينما المصرية كما خصص أيضا تظاهرة للسينما اللبنانية الجديدة قبل عدة سنوات. هذا العام وباعتبار ان العراق قد أصبح مركزا للاهتمام العالمي، ولأنه كان غائبا عن فعاليات المعهد العربي لسنوات طويلة ولأسباب مختلفة، قررت ادارته تنظيم  تظاهرة للسينما العراقية في المهرجان السينمائي السابع في باريس، وقد كلفتني  باعداد هذة التظاهرة وتنسيقها. حصيلتها كانت، خروجنا بصيغة، نعتقد انها ملائمة لعكس جزء من تاريخ السينما العراقية عموما وعكس مساهمة فنانيها في المهجر على وجه الخصوص.

·         كمنسق، أريد منك معرفة بعض التفاصيل الخاصة، بطرق حصولكم على الافلام ونقلها، وأيضا المشاكل التي واجهتكم في العراق؟

- في أول لقاء لي مع الاستاذة ماجدة واصف ضمن فعاليات مهرجان دمشق السينمائي الدولي، في شهر نوفمبر من العام الماضي، ووسط أنباء عن حقيقة اندثار أرشيف السينما العراقية تحت القصف الذي تعرضت له وزارة الاعلام والمؤسسة العامة للسينما والمسرح، حاولنا على ضوء هذة المعطيات وضع برنامج واقعي يعتمد أحضار المتوفر من الافلام، وخاصة ال 35 ملم، من السفارات العراقية، اضافة الى البحث في الارشيفات الخاصة أو الحصول على نسخ من افلام يحتمل وجودها في بلدان عربية مختلفة. وبالفعل بدأت العمل بهذا الاتجاه، وعند زيارتي لبغداد بعد هذا التاريخ مباشرة، تعرفت على الواقع المر لأرشيف السينما العراقية.

·         كيف وجدتموه؟

- أحتجنا لأكثر من شهر ونصف من الزمن للوصول الى بعض خامات الافلام الاصلية (ناجتيف) والتي كانت موجودة في داخل المسرح الوطني، أضافة الى ما جمعناه من بقية مناطق العراق الأخرى. وللأسف الشديد، اكتشفنا ان أغلب ما حصلنا عليه من نسخ كانت قد تعرض للتلف نتيجة للأمطار أو لسوء حفظها. وعليه، ادركنا، انه من الصعب الاعتماد على الداخل العراقي في الحصول على شيء مفيد في الوقت الحاضر، لذلك توجهنا بالبحث عن النسخ الأصلية خارج الوطن. كاتبنا تونس والارشيف الجزائري، وعثرنا  في سوريا على نسخة نظيفة من فيلم "الحارس". وبعض النسخ المطبوعة على نظام اليوماتيك، وهو نظام مندثر وغير  مستخدم اليوم، حولناها الى نظام، البيتي كام، كما قمنا، أستعداد للمهرجان، بترجمة بعض الاعمال الى الفرنسية، ومن حسن الحظ عثرنا على فيلم "الظامئون" في السفارة العراقية في باريس، وفي السفارة العراقية في القاهرة، التي تأملنا العثور على مئات من النسخ فيها، لم نعثر سوى على علب أفلام متناثرة لا صلة لها ببعضها.

·         ما الهدف من وراء هذة المساعي؟

- الفكرة الاساسية من هذا العمل هو أعطاء صورة تقريبية عن السينما العراقية، أبتداءا من  فلمها  الاول حتى اللحظة. لذلك انطلقنا من الاربيعات مع فيلم "عليا وعصام" طوله حوالي ساعة ونصف، لكننا عثرنا فقط على 32 دقيقة متبقية منه. ومن الستينيات أخذنا فيلم "الحارس" ومن السبعينيات "المنعطف" و"الظامئون" و"الاهوار".  حاولنا الحصول على نسخ من فيلمي "سعيد أفندي" "ومن المسؤل" لكن مشاكل كثيرة حالت دون توفير ذلك. كما قمنا بجمع نتاج السينمائيين العراقيين  في خارج الوطن وخاصة أفلام الفنانيين المتواصلين بالعمل. فأخذنا من الفنان قاسم عبد، المقيم في  لندن، "حقول الذرة الغريبة" ومن المخرجة العراقية الوحيدة في الخارج ميسون الباججي فيلم "المرأة العراقية، صوت من المنفى" ومن قتيبة الجانبي "حياة ساكنة". وأخترنا "الخرساء" من شغل  زميلنا سمير زيدان، الذي انهى للتو تصوير فيلمه الروائي الطويل الذي صوره في بغداد، والذي سيكون الفيلم الروائي الثاني الذي يصور هناك بعد فيلم عدي رشيد "تحت الانفجار". الذي أخترنا من اعماله فيلمه التسعيني "المدخل الى نصب الحرية" وهو فيلم تجريبي، 27 دقيقة، يكشف عن ملامح مخرج واعد وهناك اهتمام أعلامي وفني بعمله الجديد، الذي من المحتمل اشتراكه في مهرجان برلين العالمي.

·     أحاول انا الأخر الانضمام الى هؤلاء المهتمين بعدي رشيد وأسألك.. ما هي  قصة فيلمه "تحت الانفجار" والظروف التي أشتغل بها؟

- فكرة فيلمه "تحت الانفجار" جاءت نتيجة دراسته لواقع السينما العراقية. التقط فكرة ذات طابع تقني، لكن لها وجها فنيا وتعبيريا، بأعتبار ان العراق كان خاضعا لفترة طويلة ولأسباب مختلفة للحصار، انعدم خلاله استيراد أفلام التصوير السينمائي (النجتيف) فأخذ هو أفلاما قديمة، تالفة، منتهية فترة صلاحية استخدامها، وصور عليها. أخذ عدي هذة الافلام، بالاتفاق مع معمل كوداك في بيروت وبدعمه، وقام بتحميضها. لم يقم بهذا العمل اعتباطا، فقد سبق ان صور عدي على هذة الافلام ثم قام بأرسالها الى بيروت لغرض دراسة تجاربه، بعد موافقتها واصل عمله، لكنه كان يجهل النتائج النهائية التي توصل اليها. لقد أحتفلوا قبل أسابيع قليلة في بيروت بنجاح تجربة تحميضه لهذة الافلام التالفة، وخرجت اول نسخة صالحة منها للعرض،  بعد جهده المضني. لذلك فأن فيلمه لا يقدم موضوعا تقنيا بحتا، قدر  تقديم رؤيته للواقع العراقي.

·     من تجربة عدي يمكن ان ننطلق الى سؤال اخر، هل ستنحصر التظاهرة العراقية بارشفة وتأرخة السينما العراقية نتيجة للظروف التي أشرت لها؟

- لا، لن يقتصر الأمر على عرض الافلام، هناك مجموعة من الندوات، فالزميل قيس الزبيدي، وجل عمله خارج العراق، والذي للأسف الشديد، لن نتمكن من عرض أي فيلم له في باريس، سيكون له دور مهم في ادارة  الندوات التي ستجري هنا والمشاركة فيها. كما أتصلت بنا أكثر من قناة تلفزيونية وطلبت منا أقامة ندوات بهذة المناسبة، فبعد اقل من اربع ساعات على وصولي الى باريس أتصلت بنا قناة " النهرين" وطلبت منا المساهمة في ندوات خاصة تريد تنظيمها عن مستقبل السينما العراقية عموما والتسجيلية خاصة. وبرأي ان أهم من هذا كله هو اللقاء الذي سيوفر لأكثر من عشرين سينمائيا أو مهتما بها فرصة الحوار وتبادل الخبرات والمشاركة في مشاريع جديدة .

·         من غير الاعتماد على وزارة الثقافة العراقية؟!

- هناك فهم، يشترك فيه الكثير من المثقفين العراقيين، وهو ان وزارة الثقافة، ليست أداة لانتاج الثقافة ولا للسينما، انما هي واسطة، لدعم جهود الفنانين. من هنا اتوقع ان نتعرف على مشاريع جديدة ومشتركة يقدمها أكثر من زميل بيننا، يحضر الى هنا وعنده افكارا مشتركة لهذا اللقاء أو تصورات تمهيدية سيقدمها في مهرجان السينما العراقية في المهجر، والذي من المحتمل عقده في  بغداد في شهر اكتوبر القادم. انا على يقين من ان هذة الانشطة ستعطي دفعة قوية للسينما العراقية، وبالنسبة للسينمائيين سيوفر هذا لهم فرصة نادرة للقاء مخرجين ومنتجين عالميين قد تثمر عنها اعمالا ومشاريع سينمائية مستقبلية، كما حدث مع الفنان قاسم حول الذي يتهيأ الأن لانجاز فيلمه الجديد "المغني" والذي يأتي كحصيلة تعاون بينه وبين شركة "ار تي" وبعض الشركات الاخرى.

·         عدا هذا، اريد معرفة  تصوراتك الخاصة، عن مستقبل هذة السينما و تحديدا دور رافعاتها في بغداد؟

- من المبكر التوصل الى حلول جذرية وحقيقة للسينما العراقية، سواء على مستوى تفعيل مهام وزارة الثقافة لتهيئة استوديوهات تصوير  وبناء قصور للعروض السينمائية وارشفتها، ودعم المشاريع السينمائية ماديا كما هو الحال في اوربا وبعض البلدان العربية. ولكن قبل كل هذا، وكحجر أساس للعمل المستقبلي، على المشرفين والمعنيين في الوزارة نسيان فكرتهم وقناعتهم  بأنهم أولياء على السينما العراقية، وهم مقرروا شكل العمل السينمائي ونوع العمل الثقافي. لابد من تذكيرهم، دوما، بأن مهمتهم هي دعم العمل السينمائي في هذا البلد. نحن بحاجة لمزيد من  الوقت من أجل تشكيل لجنة وطنية للسينما، تضع الاوليات لها. لكن، في ذات الوقت توجد الان فرصة مؤاتية بسبب الأهتمام العالمي بالعراق،  ينبغي استغلالها لانجاز أفلام جديدة وجيدة الصنعة. وان ينصب البحث بشكل اكبر على جهات داعمة عالمية كاليونسكو وغيرها. السينمائيون العراقيين يبحثون، اليوم، بجهودهم الخاصة عن مصادر دعمهم وهذا مؤشر وخطوة على طريق تطوير السينما العراقية. ومن نتائج هذا، ثلاثة افلام روائية عراقية جديدة ننتظر مشاهدتها عما قريب. فبالمقارنة مع السنوات الطويلة العجاف، يعد هذا الانجاز نجاحا ومؤشرا على امكانية نهضة سينمتنا، خاصة في ظرف حرية التعبير المتوفرة الان، والتي خلصت الفنان من الرقابة والممنوعات التي كانت مفروضة عليه سابقا. لا أقول ان الوضع الحالي دون مشاكل ومثالي ولكن الحقيقة هي ان السينمائي العراقي يعمل الأن ويفكر بشكل حر، وهذة أولى شروط أبداعه الحقيقي.  

موقع "إيلاف" في

26.06.2004

 
 

بمشاركة 95 فيلماً وحشد من النجوم 

انطلاق فعاليات مهرجان السينما العربية في باريس

احتشد المئات من صناع وعشاق الفن السابع في تظاهرة جميلة استضافها معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس لافتتاح فعاليات الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية.ورحب رئيس معهد العالم العربي في باريس دينيس بوشار فى كلمة القاها فى حفل افتتاح المهرجان الليلة الماضية بالحضور الذي اكتظت به قاعة الحفل الكبرى في المعهد الذي أصبح مركزا مهماً من مراكز الاشعاع الثقافى في أوروبا بل والعالم.

وألقى بعده المدير العام للمعهد الدكتور ناصر الانصاري كلمة اكد فيها حرص المعهد على تنظيم مهرجان السينما العربية في باريس والذي يحشد له كل الامكانيات البشرية والمادية.واعتبر الدكتور الانصاري ان هذا المهرجان اصبح اكثر مهرجانات السينما العربية شمولا وانفتاحا ولعله المهرجان الوحيد الذي يقام خارج دول العالم العربي عن السينما العربية.

وقال ان سياسة المعهد هذا العام كانت اظهار المرأة العربية بمظهرها الحقيقي خلافا لما يعتقده البعض خارج العالم العربي، مضيفا ومن هنا قدم المعهد هذا العام مهرجان الشعر العربي السنوي وخصصه للشاعرات العربيات، كما قدم الموسم الموسيقي السنوي من خلال فنانات موسيقيات من العالم العربي واليوم في مهرجان السينما نقدم اعمالاً لاحدى وعشرين مخرجة عربية بعضهن يعرضن أفلاما للمرة الاولى.

ويتميز مهرجان هذا العام بمشاركة عربية قوية بلغت احدى عشرة دولة عربية كما يتميز بالمشاركة الاولى للسعودية بفيلم روائي لمخرجة سعودية والمشاركة الاولى لدولة الامارات العربية المتحدة بفيلم روائي طويل. وتميز حفل افتتاح المهرجان بحضور فنانين عرب بارزين كان على رأسهم الفنانة المصرية القديرة مديحة يسري التي سيتم تكريمها في هذه الدورة التي زينت صورتها شعاراتها.

وقام الدكتور الانصاري بتقليد الفنانة مديحة يسري قلادة المعهد تكريما لها بقوله نظرا لتاريخكم الطويل وعطائكم للسينما العربية، أكثر من 140 فيلما، ونظرا للافلام الهادفة والاجتماعية التي خدمتم بها قضية المرأة المصرية خصوصا والمرأة العربية.

وقدمت الفنانة يسري افلاما جماهيرية خدمت قضايا مهمة كثيرة منها حياة التسامح بين أصحاب الديانات السماوية الثلاث في مصر من خلال فيلم «فاطمة وماريكا وراشيل» عام 1949 وقضية عمل المرأة في فيلم «الافوكاتو مديحة» عام 1950 وقضية المساواة بين الرجل والمرأة في فيلم «بنات حواء» عام 1954.

وسيعرض في هذه التظاهرة السينمائية التي تستمر حتى الرابع من شهر يوليو المقبل 95 فيلما عربيا منها 60 فيلما داخل المسابقة وهي 14 فيلما روائيا طويلا و19 فيلما روائيا قصيرا و14 فيلما تسجيليا طويلا و14 فيلما تسجيليا قصيرا تتنافس على 11 جائزة.

كما تعرض خارج المسابقة الافلام الخاصة بالفنانة مديحة يسري صاحبة التكريم في هذه الدورة الى جانب الافلام الخاصة بالسينما العراقية صاحبة التكريم أيضا في هذا المهرجان.وتتميز هذه الدورة لمهرجان السينما العربية في باريس بمشاركة عدد كبير من المخرجين السينمائيين الشباب الى جانب المرأة العربية التي كانت لها مشاركات مهمة فاقت الثلث من الاعمال المقدمة.

البيان الإماراتية في

26.06.2004

 
 

ماجدة واصف مدير بينالي السينما العربية

معهد العالم العربي يبحث عن الاستقلال المادي‏!‏

علا الشافعي

ماجدة واصف امرأة من طراز خاص‏..‏ العمل هو طريقها الوحيد‏,‏ فهي صاحبة هدف تسعي إليه لم تضيع فرصة وجودها في بلد مثل فرنسا‏..‏ بل اختارت أن تبحث لبلدها عن دور‏,‏ لذلك اختارت لغة الحوار والصورة من خلال عملها الدؤوب بمعهد العالمم العربي المنوط بدور ثقافي كبير في باريس‏..‏ أسست د‏.‏ ماجدة أكبر تظاهرة فنية في باريس تحولت بمرور السنوات إلي مهرجان كبير ينتظره محب السينما ومريدوها في موعد انعقاده كل عامين‏,‏ لم تكتف بذلك بل قامت بمجهودات بشأن الارتقاء بمهرجان القاهرة والإسكندرية‏,‏ حيث استطاعت الحصول علي دعم لكلا المهرجانين من وكالة الفرانكفونية‏..‏ وعن الدورة السابقة لبينالي السينما العربية وأزمة معهد العالم العربي تحدثت إلينا‏..‏

·         في البداية ماذا عن فعاليات الدورة السابعة لبينالي السينما العربية التي ستفتح اليوم؟

- بداية أود أن ألفت النظر إلي أن معهد العالم العربي في باريس يواصل رسالته في مجال التعريف بالسينما العربية في باريس وأوروبا حيث ستعرض أفلام المسابقة والتظاهرات الأخري في صالتي‏legranda.ction‏ وصالة عرض‏espacesaint.‏ والجديد هذه الدورة هو إقامة عروض موازية في مارسيليا إلي جانب عروض في الميادين العامة‏.‏

وتشهد الدورة السابعة عرض نحو مائة فيلم ما بين روائي وتسجيلي طويل وقصير في أربعة أقسام قسم المسابقة الرسمية والذي تشارك به ثماني دول عربية‏..‏ بعضها شارك بفيلمين فمصر يمثلها سهر الليالي للمخرج هاني خليفة‏,‏ وخريف آدم لمحمد كامل القليوبي‏,‏ الجزائر‏..‏ فيلمي اغتيال الشمس للمخرج عبدالكريم بهلول‏,‏ والمشتبه فيهم لكمال دهان‏,‏ والمغرب فيلمي فوق الدار البيضاء‏,‏ الملائكة لا قلق‏,‏ إخراج محمد عسلي وخيط الروح لحكيم بلعباس‏,‏ وجارات أبي موسي لمحمد عبدالرحمن تازي‏,‏ وتونس بالكتبية لنوفل صاحب ودار الناس لمحمد دمق‏,‏ وسوريا ما يطلبه المستمعون لعبداللطيف عبدالحميد‏,‏ ولبنان معارك حب إخراج دانييل عربيه‏,‏ وفلسطين بفيلم عطش إخراج توفيق أبو وائل‏,‏ وموريتانيا بفاطمة الجزائرية من السنغال إخراج مد هوندر‏,‏ ونجحنا في أن نكون معظم الأفلام المشاركة لهذه الدورة‏,‏ من إنتاج العام الحالي‏..‏ وتعرض عرض أول في بينالي السينما العربية‏,‏ كما يعرض علي هامش المهرجان ـ فيلم إسكندرية ـ نيويورك للمخرج يوسف شاهين‏,‏ وباب الشمس ليسري نصر الله‏.‏

·     عادة ما يحتفي المهرجان في كل دوراته بإنتاجات إحدي الدول العربية السينمائية وسبق الاحتفاء بالسينما الفلسطينية والجزائرية ماذا عن هذه الدورة؟

- يحتفي المهرجان في دورته السابعة بالسينما العراقية‏,‏ فيضم المخرج العراقي الكبير قاسم حول ـ صاحب فيلم الأهوار والذي يعيش مغتربا في هولندا‏,‏ إلي لجنة تحكيم المهرجان الذي تترأسها الممثلة الفرنسية بل أوجييه وبمشاركة مدير التصوير اليوناني يورجوس أرفاينتس والروائي إلياس خوري من لبنان والمخرج يسري نصر الله من مصر‏,‏ والناقد الأسباني دييجو جالان‏..‏ ويعرض في قسم خاص بعنوان لقطة مكبرة علي السينما العراقية‏18‏ فيلما من بينها أفلام نعيد اكتشافها لمخرجي العراق في المهجر وبعضها صنعها مخرجون فرنسيون‏,‏ وتنتمي بعض من هذه الأفلام إلي إنتاج‏1948‏ و‏1968‏ ومن هذه الأفلام عليا وعصام إخراج أندريه شاتان الحارس إخراج خليل شوقي‏,‏ الظامئون إخراج محمد شكري جميل‏,‏ والأهوار‏,‏ في حقول الذرة الغربية لقاسم عبد وهو من آخر إنتاجات السينما العراقية في عام‏1991‏ وبعد الحرب الكويتية ـ العراقية‏.‏

·         ماذا عن المكرمين؟

- اخترنا في هذه الدورة أن نحتفي بالفنانة القديرة مديحة يسري صاحبة المشوار الطويل من العطاء حيث وصلت مشاركاتها السينمائية إلي‏300‏ فيلم آخرها فيلم الإرهابي مع النجم عادل إمام‏.‏

وأعتقد أننا وفقنا هذا العام في اختيار الرئيس الشرفي لهذه الدورة وهو المنتج التونسي طارق بن عمار‏.‏

·         إلي جانب الاهتمام بالسينما الروائية يحتفي المهرجان بالسينما التسجيلية بالإضافة إلي التجارب الجديدة بالديجتال؟

- بالتأكيد السينما التسجيلية هي سينما جادة وعادة لا يتم تقديرها بالشكل الكافي‏..‏ علي الرغم من أنها سينما الحقيقة إلي جانب أننا لا نستطيع تجاهل التطور التكنولوجي والتقني الواقع في المجال السينمائي‏..‏ لذلك سنحتفي بتجربة المخرج الكبير محمد خان كلفتي‏,‏ وهو الفيلم الذي صوره بكاميرا الديجتال إلي جانب تجارب أخري الطريق‏181‏ لحظات من رحلة في فلسطين ـ إسرائيل للمخرج الفلسطيني الكبير ميشال خليفي وإيال سيفان‏.‏

·     لو عدنا إلي الوراء قليلا‏..‏ وتحدثنا عن الأزمة المالية التي يعاني منها معهد العالم العربي‏,‏ نتيجة لعدم قيام الدول العربية بدفع حصصها المالية بانتظام‏..‏ مما ينعكس علي نشاط المعهد ودوره الثقافي؟

- بالفعل كنا منذ ثلاث سنوات نعاني من هذه الأزمة‏,‏ إلي أن وصلنا إلي ضرورة تغيير اللائحة‏,‏ بمعني أن يتم تحصيل الحصص المالية وإيداعها في أحد البنوك كوديعة نصرف من عائدها‏..‏ وبمنتهي الصدق هذا حل لنا جزءا كبيرا من المشكلة‏..‏ وهذا علي أمل أن نصل إلي مرحلة نستقل فيها ماليا‏,‏ ولكن ما نحاول التفاوض بشأنه حاليا هو ضرورة العمل علي زيادة النسبة المخصصة لفرنسا خاصة بعد تغيير العملة الرسمية من الفرنك إلي اليورو والمفارقة إن حصة فرنسا كما هي منذ الثمانينيات‏.‏

·     في ظل تغيير الأوضاع السياسية‏..‏ والمتغيرات المتعلقة بالعالم العربي فيما يتعلق بالنظرة الأصولية؟ هل هذا ينعكس بشكل كبير علي دور المعهد ونشاطه؟

- بالفعل‏..‏ أنت وضعت يدك علي الأزمة الحقيقية فنحن نتأثر بكل المتغيرات الدولية‏..‏ بدءا من حرب الخليج الأولي وصولا إلي الثانية‏..‏ حتي وصم العالم العربي والإسلامي كله بالأصولي والإرهابي‏..‏ تلك النظرة العدائية للإسلام وكل هذه الظروف تزيد من صعوبة عملنا‏,‏ ولكننا كمجموعة عمل مصممون علي النجاح‏,‏ ونحاول العمل طيلة الوقت علي دعم الصورة الحقيقية للعرب بعيدا عن أية مزايدات‏..‏ وللأسف لدينا عامل آخر يؤثر علي أنشطتنا‏..‏ ويزيد المناخ صعوبة‏,‏ وأقصد تحديدا المفهوم المحلي الذي تتعامل به الدول العربية معنا بمعني أن كل دولة تشعر بأن لها الأولوية في الاحتفاء بها وبحضارتها وأنشطتها‏..‏ ولكن أؤكد للجميع أن المسألة أكبر من ذلك فمعهد العالم العربي يقوم بدور سياسي كبير‏,‏ داعم لصورة العرب‏,‏ وهي مؤسسة ليس لها نظير في العالم‏..‏ وببساطة أطرح علي الجميع فكروا في عدد الأشخاص الذين يرتادون المعهد من عرب وأجانب‏,‏ وعرب المهجر الذين يعاودون اكتشاف أنفسهم ويتعرفون إلي جذورهم وحضارتهم من خلالنا‏..‏ والأجانب الذين يأتون بدافع الفضول‏,‏ ويرغبون في معرفة الآخر ولحين انفراج الأزمات المتكررة نعمل علي ممارسة أنشطتنا‏..‏ وما ينقذ المعهد عمليا هو إيماننا بدورنا‏.‏

·         ‏تقومين بدور نشط ومؤثر فيما يتعلق بدور الوكالة الفرانكفونية لتعمل علي دعم السينما المصرية التي تأخر دورها كثيرا في مصر؟

- أود أن أشير إلي أن الدور الفرانكفوني تأخر في مصر نتيجة لأن مصر كانت طوال الوقت خاضعة للاحتلال الإنجليزي‏.‏

·         ولكنها عمليا كانت أكثر تأثرا بالثقافة الفرنسية؟

- عندك حق تماما خاصة النخبة المصرية‏..‏ وهذا المنطلق هو الذي بدأنا منه التعاون مع الوكالة التي تدعم العديد من إنتاجات السينما العربية في مختلف الدول‏,‏ كما ساعدنا أكثر انضمام مصر إلي المنظمة الفرانكفونية‏,‏ ثم انتخاب د‏.‏ بطرس غالي سكرتيرا عاما للمنظمة‏..‏ وعمليا أنا أعمل علي تنشيط دور الوكالة في مصر منذ أيام الراحل سعد الدين وهبة‏,‏ وتمكنا من عقد مجموعة من الندوات‏..‏ ونجحت في أن أحصل علي نسبة دعم إلي مهرجان القاهرة من الوكالة‏..‏ كما أبذل محاولات أكثر في محاولة دعم تجارب إنتاج مشترك‏.‏

·         لكن هناك عادة تحفظات مسبقة علي فكرة الإنتاج المشترك؟

- أعتقد أن ما يتردد من تحفظات هي مغلوطة تماما‏,‏ فلا أحد في اللجان المخصصة لدعم السيناريوهات المقدمة يملي شروطا معينة‏,‏ أو يطالب بنوعية معينة من الأفلام‏..‏ لكن المسألة ببساطة أن كل لجنة يكون لها ذوقها وتوجهها السينمائي‏,‏ ليس ذلك فقط‏..‏ بل الوكالة وحرصا علي الحيادية والمصداقية تقوم بتغيير تشكيل هذه اللجنة كل عامين‏.‏

وقد يكون شاهين هو المخرج المصري الوحيد الذي عرف الطريق الصحيح للإنتاج المشترك منذ الثمانينيات‏..‏ وبحسه العالي استطاع التعامل مع صعود اليسار في فرنسا وانفتاحه علي دول الجنوب‏..‏ وتعامل بشكل شديد العملية حيث أعد ملفات كاملة‏,‏ عن تجارب وعن ما يريد تقديمه‏,‏ وهناك عدد من الشباب المصريين يحاولون حاليا في نفس الاتجاه ـ خاصة وأنهم محبطون من واقعهم السينمائي في مصر ـ ومنهم سعد هنداوي وأحمد رشوان وعاطف حتاتة‏,‏ وما ينقصنا في رأيي لنصبح مثل دول المغرب العربي وبعض الدول الإفريقية هو الدأب‏..‏ لأن ما يحدث ببساطة أن هناك مشروعا قد يحصل علي الموافقة أو الرفض وهو طبيعي ويحدث مع أي منتج وبنظرة أوسع لن تجدي في العالم إنتاجا مستقلا سوي في أمريكا ومعظم سينما الدول الأوروبية قائمة علي الإنتاج المشترك‏..‏ ودعم التليفزيونات وهذا ما يجب أن ننظر إليه‏..‏ بأفق أوسع بعيدا عن نظرية المؤامرة‏.‏

·     علاقتك قديمة بمهرجان القاهرة وبذلت لتطويره مجهودا كبيرا وأصبح وجود السينما الفرنسية ملحوظا‏,‏ وحصلت علي دعم للمهرجان وأخيرا انقطعت علاقتك بالمهرجان؟

- ببساطة وقع خلاف مع رئيس المهرجان شريف الشوباشي‏,‏ من المفترض أننا أصدقاء قدامي‏,‏ وعلي الرغم من هذه الصداقة إلا أنني شعرت بأنني لن أستطيع العمل معه‏,‏ واكتفيت بتحضير كل شيء خاص بالدورة الماضية ثم توقفت‏,‏ والمهم إن باقي أعضاء إدارة المهرجان مازالوا أصدقائي‏.

الأهرام العربي في

26.06.2004

 
 

ينطلق اليوم في باريس وتتنافس على جوائزه اعمال من دول مختلفة

مهرجان السينما العربية يحتفي بالابداعات العراقية ويكرم مديحة يسري

محمد رضا

هناك الآن مهرجان عربي في واشنطن، وآخر في سان فرانسيسكو وثالث في روتردام وواحد او اثنان في إيطاليا، وهي محتفى بها كطرف من دول البحر المتوسط في مونبلييه وفالنسيا ثم كجزء من العالم الثالث في نانت، لكن مهرجان معهد العالم العربي في باريس الذي ينطلق اليوم يبقى الأب لها جميعاً. المهرجان السينمائي الذي استطاع استقطاب اهتمام السينمائيين العرب خارج دولهم.

البداية لم تكن سهلة. بل تعثّرت الخطى كثيرا ووجه المهرجان أفضل مما كان عليه بكثير ولذا فإن السينمائيين القادمين الى هنا يعلمون قيمة المنافسة التي يخوضونها.

نحن، ما شاء الله، غزيرو الإنتاج والكثير مما ننتجه جيّد لدرجة أننا متخمون بحيث لو أننا أقمنا هذا المهرجان كل ستة أشهر لكان سيأتي غزيرا وناجحاً - ياليت! حقيقة أنه يُقام مرة كل عامين (ليس بالتناوب مع أحد) جاهدا في سبيل أن يجد الأعمال التي يمكن أن تتناسب ومحفلاً كهذا. لكن هذا ما يجعله -في ذات الوقت- قادراً على أن يختار أفضل ما تفرزه السينماتان الروائية والتسجيلية.

الموضوع مثير للاهتمام هنا لأن علاقة الناقد بالسينما باتت تمر كثيرا من باب علاقته بالمخرج، لدرجة إنه حين أعرب ناقد عربي عن عدم اعجابه بفيلم عبد اللطيف عبد الحميد الأخير، “ما يطلبه المستمعون”، وهو معروض هنا في الدورة، كان جواب المخرج: “الم تر كيف نال إعجاب كل زملائك؟”. أمر لا صلة له بمن هو على خطأ ومن هو على صواب. فقد يكون الناقد مخطئاً في رأيه وقد يكون باقي النقاد مخطئين في رأيهم او ربما معظمهم لم يرد البوح بكلمة. في نهاية المطاف قليلة هي المقالات التي نشرت لذلك الفيلم من بعد عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي الماضي دلالة على أن قلة هي التي نقلت آراءها الى الورق.

“ما يطلبه المستمعون” هو الفيلم السوري الوحيد في المسابقة وهذا لا يساعد المشاهد العربي المهاجر في باريس او الفرنسي الذي يود التعرّف الى السينما القادمة من بلد معيّن، على إنجاز هذه المهمة. فيلم واحد مع استبعاد فيلمين في مهرجان يُقام مرة واحدة كل عامين ليس الرد المناسب على حاجة المشاهدين -والمهرجان بالتالي- للإقبال والتعرّف وتشكيل الصورة الإجمالية.

نفس الشيء يُقال بالنسبة الى الفيلم اللبناني. ثلاثة، جديدة خرجت هذا العام واحد منها فقط في المهرجان الباريسي (السابع) هو “معارك حب” لدانيال عربيد. لكن الخيار لم يكن في يد المعنيين بهذا المهرجان الذي تديره ماجدة واصف (نشأت كناقدة سينمائية ومارست الكتابة في مجلة “المستقبل” حين كانت تصدر في باريس قبل خمسة عشر عاما او يزيد) عندما وصل الأمر الى اختيار فيلم فلسطيني. هذا العام هناك فيلم واحد يصلح للتسابق هو “عطش” لتوفيق أبو وائل. لكن الفيلم الذي يدور حول عائلة فلسطينية في معزل عن الأحداث، من تمويل صندوق دعم وشركة إنتاج اسرائيليتين. المؤيدون له يقولون هذا هو واقع الحال وعلينا أن نقبل به لأنه لا وجود لأرضية إنتاج فلسطينية خالصة تستطيع تأمين استمرارية عمل لأي من السينمائيين الفلسطينيين الطموحين. المعارضون له يقولون ان على المهرجانات العربية وضع خط تتوقف عنده الإنتاجات التي تحمل أسماء فلسطينية لكنها من تمويل “اسرائيلي” لأن هذا هو بمثابة فتح ثغرة في جبهة المثقفين العرب. وكلاهما على حق. لكن في النهاية هل لدى العرب خطة ثقافية تقضي بمساعدة هذه السينما وجعلها تعبّر عن نفسها وتحتل موقع المموّل البديل؟ مطلقاً. لا تلم إذاً المخرج الفلسطيني بل لم العالم العربي اللاهي خارج فلسطين لأن المشكلة تكمن فيه.

الأفلام القادمة من الساحل الشمال الإفريقي متعددة. هناك “سهر الليالي” و”خريف آدم” المصريان. هناك “اغتيال شمس” لعبد الكريم بهلول (الجزائر) و”المشتبه بهم” لكمال درهان (الجزائر أيضا). ومن تونس هناك “دار الناس” ومن المغرب هناك “الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء” و”خيط الروح” و”جارات أبو موسى”. وفيلم موريتاني لمحمد هندو عنوانه “فاطمة الجزائرية” وكلها الى حد بعيد جديدة لم تعرض في مهرجانات او لم تعرض في مهرجانات رئيسية سابقة.

والى جانب هذا هناك أفلام روائية خارج المسابقة ومسابقة أخرى للأفلام التسجيلية تحتوي على أفلام تمتد عبر البلاد العربية بأسرها من المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة الى مصر ولبنان والجزائر والمغرب وتونس.

وهناك تكريم للفنانة مديحة يسري يلوّن المنهج الثقافي الذي يتّبعه المهرجان بقدر لا بأس به من التاريخ. مديحة يسري لم تكن مجرد ممثلة كبيرة، بل ممثلة موهوبة كبيرة. الحق على التلفزيون إذ ضمّها الى خضم ما يعرضه من أفلام الأمس ما جعلها تتحوّل الى مجرد وجه آخر من وجوه الترفيه السينمائي هذه الأيام.

كذلك هناك احتفاء خاص بالسينما العراقية حيث ستعرض شاشة المهرجان عدداً من الأفلام القديمة والأحدث قليلاً مما أفرزته السينما العراقية من جهود خلال السنوات النشطة من حياتها قبل أن تقع في شرك الروتين والتفكير الوظيفي الذي قتل سمات الإبداع فيها.

الخليج الإماراتية في

27.06.2004

 
 

60 فيلما تتنافس على 11 جائزة

افتتاح الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية في باريس

باريس ـ كونا ـ احتشد المئات من صناع وعشاق الفن السابع في تظاهرة جميلة استضافها معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس لافتتاح الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية.

ورحب رئيس المعهد دينيس بوشار في كلمة ألقاها في حفل افتتاح المهرجان الليلة قبل الماضية بالحضور الذي اكتظت به قاعة الحفل الكبرى في المعهد «الذي أصبح مركزا مهما من مراكز الاشعاع الثقافي في أوروبا، والعالم».

وأكد المدير العام للمعهد الدكتور ناصر الانصاري حرص المعهد على تنظيم المهرجان الذي اصبح «أكثر مهرجانات السينما العربية شمولا وانفتاحا ولعله الوحيد الذي يقام خارج دول العالم العربي عن السينما العربية».

وقال: «ان سياسة المعهد هذا العام كانت اظهار المرأة العربية بمظهرها الحقيقي خلافا لما يعتقده البعض خارج العالم العربي»، مضيفا: «ومن هنا قدم المعهد هذا العام مهرجان الشعر العربي السنوي وخصصه للشاعرات العربيات، كما قدم الموسم الموسيقي السنوي من خلال فنانات موسيقيات من العالم العربي واليوم في مهرجان السينما نقدم أعمالا لاحدى وعشرين مخرجة عربية بعضهن يعرضن أفلاما للمرة الأولى».

ويتميز مهرجان هذا العام بمشاركة عربية قوية بلغت احدى عشرة دولة عربية، كما يتميز بالمشاركة الأولى للسعودية بفيلم روائي لمخرجة سعودية والمشاركة الأولى لدولة الامارات العربية المتحدة بفيلم روائي طويل.

وتميز حفل افتتاح المهرجان بحضور فنانين عرب بارزين كان على رأسهم المخرج يوسف شاهين والفنانة المصرية القديرة مديحة يسري التي قام الدكتور الأنصاري بتقليدها قلادة المعهد تكريما لها بقوله: «نظرا الى تاريخكم الطويل وعطائكم للسينما العربية أكثر من 140 فيلما، ونظرا الى الأفلام الهادفة والاجتماعية التي خدمتم بها قضية المرأة المصرية خصوصا المرأة العربية».

وسيعرض في التظاهرة السينمائية التي تستمر حتى الرابع من يوليو المقبل 95 فيلما عربيا منها 60 فيلما داخل المسابقة وهي 14 فيلما روائيا طويلا و19 فيلما روائيا قصيرا و14 فيلما تسجيليا طويلا و14 فيلما تسجيليا قصيرا تتنافس على 11 جائزة.

كما تعرض خارج المسابقة الأفلام الخاصة بالفنانة مديحة يسري صاحبة التكريم في هذه الدورة الى جانب الأفلام الخاصة بالسينما العراقية صاحبة التكريم أيضا في هذا المهرجان.

القبس الكويتية في

27.06.2004

 
 

انطلاق الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية في باريس

سيرة يوسف شاهين للافتتاح وفقرة متعجلة عن بعض السينما العراقية وافضل الرهانات.. في خانة الافلام القصيرة

زياد زياد

مع انطلاق عروض ومسابقات الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية التي بدأت السبت في باريس (بدعم رئيسي من معهد العالم العربي)، وقبله باسابيع ما شهدته مدينة روتردام الهولندية من عروض وجوائز الدورة الرابعة لايامهاالسينمائية، يكون موسم المهرجانات العربية قد شرّع يافطاته التي ستغلب عليها الاعادات، الامر الذي سيجعل من تشابه العناوين مؤشراً علي الكساد الانتاجي للشريط المميز. ولنضع هذه الجردة: مهرجان قرطاج التونسي الذي تناقلت اخبار عن توظيف المنتج احمد بهاء الدين عطية مديراً عاماً سيكون امامه رهان التجديد وتقديم افكار كفيلة بنقله من تقليدية شعاره الاثير العربي ـ الافريقي الي توازنات عالمية اشمل، قد تسعفه من التكرار. في دبي التي تشهد فورة عروض شعبية للفيلم الامريكي وتوسعاً مشهوداً لمجمعات دور العروض، تجري الجهود حثيثة لتشكيل ملامح اول دورة لمهرجانها الذي طُبل له اعلامياً في مهرجان كان بدورتيه الاخيرتين كسلة عروض ستستقطب افلاماً ونجوماً عالميين، ولم يكشف احد ما هو الحيز الذي سيفرد الي افلام العرب، فيما تنتظر العاصمة البريطانية عودة متوقعة (اذا سارت امور الاتفاقات والتعهدات كما ينبغي) لمهرجان الشاشة العربية المستقلة الذي قُطعت اخباره منذ دورته الثانية في الدوحة قبل اعوام وساهم كثيراً في جمع اكبر جمهرة من افلام الشباب من الداخل او المنافي، في حين ستشهد اصيلة وضمن مهرجانها اياماً سينمائية تحت عنوان ملتقي افلام جنوب ـ جنوب الذي سيساير الغرض الثقافي الصرف الذي عُرف به ، اما مهرجان مراكش فقد شهد انتفاضة ادارية قد توسع من حضور الصوت المغربي في قراراته التي هي حكم في يد اقطاب فرنسية لم تغفل العنوان العربي في فقراته خلال الدورتين الاخيرتين بالذات، فيما يبقي مهرجان القاهرة (سيخصص دورة هذا العام الي السينما الايطالية بعد ان احتفي بالفيلم الفرنسي) متحيناً الفرصة لاستقطاب اي عنوان عربي الي مسابقته، ناهيك عن الاشكالات شبه السنوية في اختيار الشريط المصري المناسب، الي ذلك يسعي مهرجان بيروت الشرق اوسطي الي تجاوز الجغرافيا ليضمن عالميته موفراً توازناً في عروضه لا يخشي فيها من فروض الهوية.

هذه الحفنة من العناوين تثبت ان الغالبية بدأت تعرف سبيلها الي موضة تنظيم المهرجانات السينمائية (حتي وان جاءت بتسميات ملتوية)، وهي حالة علي رغم فوضاها ستمثل اختراقات جذرية في مفهوم المشاهدة الشعبية، وهو عنصر لم يول اهتماماً دراسياً ونقدياً كافياً، فاذا كان المواطن العربي في المنافي الاوروبية اكثر استسهالاً في اختيار مشاهداته المتنوعة، فان ابن الداخل العربي مازال سجيناً لخيارات سوقية الذائقة، تعتمد علي نفعية الموزع التاجر واستحكامات الشريط التجاري الامريكي لسوق عروضنا، اضافة الي هجيننا السينمائي الولوع اليوم بالكوميديات والسفاهة! ولا يمكن اغفال ايجابيات اي مهرجان سينمائي في اي مدينة عربية، فان احسنت النية وتم اختيار الافضل والاكثر تمايزاً في المشهدية السينمائية العالمية، فان فضول مشاهدنا سيكون مدفوع الثمن.

علي وجه العملة الاخري، فان العربي المهاجر سيكون في انتظار وجبته، وعلي شحتها فهي ستمثل مقاربة اساسية في التعامل مع المنجز السينمائي الوافد الي غربته، لكن التعويل الهام علي مثل هذه الفعاليات سيكون رهناً بالمشاهد الاجنبي (او الآخر للولوعين بمثل هذ المسميات)، فهو المقصد الذي يجب ان توضع له الاولوية، اي ان اختراق قناعاته السينمائية، وتعريفه بمنجزنا الفني مهمة يجب ان تضطلع بها مثل هذه الاحتفائيات. من هنا فان مهرجاناً اساسياً مثل بينالي باريس يحمل بالضرورة استحقاقاته كجبهة اعلامية وتخاطب معرفي وليست سلة عروض فقط. ويمكن القول ان الدورات السبع الماضية شكلت للجميع (اعداء او اصدقاء) ذاكرة سينمائية ووسيلة تعريف لا غني عنها تحديداً في التعريف بالاصوات الجديدة في المشهد السينمائي العربي، وهذه واحدة من فضائله.

مسابقة دورة 2004 (رئيسها الفخري المنتج التونسي طارق بن عمار ورئيسة لجنة تحكيمها الممثلة الفرنسية بل أوجييه واعضاؤها يورغوس أرفانيتيس ـ مدير تصوير يوناني، دييغو غالان ـ ناقد اسباني، قاسم حول ـ مخرج عراقي، الياس خوري ـ كاتب لبناني، يسري نصر الله ـ مخرج مصري) ظاهرتها شبابية الاسماء، شبابية الرؤية والتجريب، وان حافظت علي ملامح سردية تقليدية، فشريط خيط الروح للمخرج المغربي حكيم بلعباس والذي سبق وان قدمه في خانة مواهب في مهرجان مراكش السينمائي الثالث (ولد عام 1961) يستعيد ذاكرته حول عائلته ومسقط رأسه قرية بيجاد، عبر حكايات ست شخصيات منها: الطفل كريم المرعوب من التمهيدات الاحتفالية لختانه، والصبي علي الذي يجاهد لانقاذ حياة شقيقته. وجواد ابن الفخارالذي يواجه ارادة والده في ارث معمل الفخار، هذه بعض المصائر التي يقاربها بلعباس عبر عيون المهاجرة حياة رفقة والدها المحتضر، بكثير من التمعن الدرامي، فهم مرايا صيرورته وارثه الشخصي. فيما يقصر مواطنه محمد عسلي (ولد في الدار البيضاء عام 1957) من عدد ابطال شريطه الاول فوق الدار البيضاء، الملائكة لاتحلق (انظر قراءتنا في القدس العربي العدد الصادر في 19 ايار (مايو) الماضي) الي ثلاثة شبان يعملون في احد المطاعم: سعيد المهموم بحمل زوجته ومن ثم انتكاستها وموتها التراجيدي علي قارعة طريق جبلي، وعثمان المهووس بتجميع رواتبه لشراء حذاء مستورد! واسماعيل الذي يكافح ضد ضغوط الديون كي لا يبيع حصانه الثمين.

في باكورتهما اجتمع كل من اللبنانية دانييل عربيد في معارك حب والفلسطيني توفيق ابو وائل في عطش (انظر القدس العربي للعددين الصادرين يومي 15 و22 ايار) وعلي ثيمة الصدود والمواجهة، فبطلة الاول الصبية لينا ستوجه صدودها للجميع، خصوصا والديها وجدتها فهم نتاج ممسوس بالفساد والانانية بسبب استثنائية الحرب الاهلية، اما الصبي وشقيقتاه فسيواجهون عصابية الاب الفحام الذي يمارس عليهم غّل تسلطه، قبل ان يرديه الابن برصاص القصاص الملتبس الدوافع.

من تونس سيشارك (اضافة الي جديد محمد دمق دار الناس ) المخرج نوفل صاحب بعمله الاول الكتبية (سبق وان عرض في برلين 2003) حول ثلاث ارادات انسانية (زوجان شابان والعامل الكتوم العائد من غربته الفاشلة) تجتمع في اقدم مكتبة في العاصمة.

المصري هاني خليفة (ولد عام 1970) سيعرض سهر الليالي المعزز بنجاحاته التجارية في السوق المحلي، حول حياة اربعة اصدقاء، الاول يخون زوجته، والثاني مرتهن بعلاقته مع ابنة راقصة ثرية، والثالث هو الشاب المحافظ الذي تعرقله تقليديته من بث الحياة في علاقته الزوجية، اما الاخير فعلاقته مع خبيرة الادارة الطموحة الي المناصب والثراء فيشوبها الشك وخوف الفشل.

الي ذلك هناك اسماء مكرسة امثال الكبير يوسف شاهين الذي سيفتتح شريطه الاخير اسكندرية ـ نيويورك ايام البينالي، وهو استكمال لافلام سيرته الذاتية، وسيعرض شريط مواطنه يسري نصر الله باب الشمس (انظر عرضنا للشريط في القدس العربي العدد الصادر في 19 ايار (مايو) الماضي)، ويشارك محمد كامل القليوبي بفيلم خريف آدم (2002) حول ظاهرة الثأر في ريف مصر مع القليل من الغمز السياسي، في حين يشاكس السوري عبد اللطيف عبد الحميد في مايطلبه المستمعون عناوين ذات وهج تهكمي حول السياسة والهزيمة والحب يستكمل في خطابه السينمائي منذ ليالي ابن آوي و نسيم الروح . ويقتبس صاحب الشاي بالنعناع و الاخوات هاملت الجزائري المميز عبد الكريم بهلول في اغتيال الشمس الفترة الاخيرة من حياة الشاعر جان سيـــــناك الذي اغتيل في الجـزائر عام 1973 وهــناك جديد المغربي ــــ عبد الرحمن التازي جارات ابي موسي والمـــــوريتاني مد هنـدو فاطمة الجزائرية من السنغال .

الثقل الحقيقي لهذه الدورة في تقديري يكمن في خانة المسابقة الرسمية للافلام الروائية والتسجيلية الطويلة والقصيرة التي تضم 46 عملاً عربياً (لجنة التحكيم برئاسة المخرج البلجيكي تييري ميشال وعضوية الاماراتي مسعود أمر الله والمونتيرة التونسية كاهنة عطية والمخرجة المصرية صفاء فتحي وزميلها الفرنسي فرانسوا مارغولان)، فهي البوتقة الذهبية التي تكشف عن اسماء واعدة وانجازات ذات تمايز وجدة، وسنعود لاحقاً لنستعرض خيارات هذه الخانة بقراءة نقدية موسعة. التحية الخاصة لهذه الدورة ستكون من نصيب بعض السينما العراقية (اقدمها شريط عليا وعصام لاندرية شاتان ـ 1948 واحدثها 16 ساعة في بغداد لطارق هاشم ـ 2004)، وهي انتقاءات كان من المفترض ان تسلط الضوء (عرضاً ونقاشاً) علي مآلاتها التي اوصلتها في نهاية الحقبة البعثية الي شلل كامل، غير ان المطلع علي العناوين سيحتار في:اين هي النظرة المكبرة علي السينما العراقية ؟ فقد بان علي سلة عروضها المجاملة واكثر جهدها في التجميع المؤرشف الاكاديمي (نقول هذا من دون اغفال ما حدث من جرائم النهب والحرق التي طالت مؤسسات الدولة ومنها مؤسسة السينما والمسرح، وصعوبات الحصول علي نسخ صالحة للعرض). في تصوري النقدي ان هذه الخانة سابقة لاوانها (مع التوكيد علي نيتها الحسنة). فالسينمائيون العراقيون، وفي هذا الوقت الاستثنائي، ليسوا في حاجة الي استعادات بقدر حاجتهم القصوي الي الدعم المادي لاعادة الكفاءة الانتاجية لسينمائيين عانوا من الاقصاء والترهيب او الارغام علي فبركة اشرطة دعائية تنتصر للحروب والتصفيات وتزييف التاريخ. من هنا اتساءل: ألا تستحق الاشرطة المزيفة عن الحرب مع ايران القراءة باعتبارها الجزء المكمل للحملات الدعائية للنظام المخلوع في تبرير دم الابرياء الذي سُفح علي جبهات خاسرة باسم الوطنية؟، ومثلها الاشرطة الخاصة ببطولات الازلام الحزبيين، وافلام الفكاهات السقيمة، وافلام اعادة كتابة التاريخ السيئة الصيت.

التكريم الخاص سيوجه الي الممثلة والمنتجة وعضو مجلس الشوري المصري مديحة يسري (اسمها الحقيقي هنومة خليل حبيب، ولدت في العام 1921) التي رسخت طلتها الارستقراطية في الكثير من نتاجات الحقبة الذهبية للسينما الرومانسية المصرية، والتي غامرت في تجسيد شخصيات كثيرة متنوعة (ظهرت في 90 فيلماً). بدأت مشوارها الفني كرسامة قبل ان يكتشفها المخرج محمد كريم، وكان اول ادوارها في فيلم احلام الشباب ، وشاركت يوسف وهبي الذي وقع معها عقداً لانجاز ثلاثة افلام اولها ابن الحداد . وانتجت الأفاكاتو مديحة عام 1950 وهو الاول من ستة افلام كمنتجة سينمائية اغلبها للقطاع العام (سيعرض هذا الشريط ضمن التكريم مع لحن الخلود لهنري بركات ـ 1952، و بنات حواء لنيازي مصطفي ـ 1954، و حياة وموت و ارض الاحلام لكمال الشيخ ـ 1954 و1957، و إني راحلة لعز الدين ذو الفقار ـ 1955، و وفاء الي الابد لاحمد ضياء الدين ـ 1962).

العروض الموازية (ستة اعمال) تحمل تمايزات مواضيعها وتقنياتها: فالمخرج المصري محمد خان انتصر الي تجربة الديجيتال في نصه الاخير كلفيتي في محاولة لتكريس استقلالية انتاجية ضمن وسط سينمائي مريض، ورصد فيه التحولات الاجتماعية لقاهرة اليوم عبر بطله النصاب الشاب (الممثل باسم سمرة) الذي يساير احواله الشخصية والعائلية مع خطيبته (رولا محمود) ووالدته (سناء يونس) يوماً بيوم، فالغد عملة نادرة للحظ الشخصي. اما الفلسطيني ميشال خليفي فسيقدم مع إيال سيفان شريطهما الوثائقي الطريق 181، لحظات من رحلة في فلسطين ـ اسرائيل (4 ساعات ونصف الساعة) حول تعقبهما لخط الحدود الذي رسمته الامم المتحدة عام 1947 ليقسم فلسطين الي دولتين عربية ويهودية والذي تحوله اليوم حكومة شارون الي جدار فاصل عنصري، متعرضين للحياة اليومية للناس علي طرفيه. وتقدم الاردنية الاصل جيهان نجيم صورة توثيقية عن قناة الجزيرة وتغطياتها للحرب علي العراق في شريطها غرفة المراقبة . وعلي نفس المنوال يجول عبد الله المخيال في البادية السمراء ، فيما تسجل كاميرا خديجة السلامي جهود النساء اليمنيات والديمقراطية .

القدس العربي في

28.06.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)