كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مور يغضب البيت الأبيض

ويريد التأثير في الناخب الأميركي

بيسان طي

مهرجان كان السينمائي الدولي السابع والخمسون

   
 
 
 
 

نجح "المشاغب" مايكل مور في إثارة غضب البيت الأبيض, فالمخرج الفائز بالسعفة الذهبية عن فيلمه "11-9 فهرنهايت" في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي كان يتوقع أن تستقبل الإدارة الأميركية فوزه بغضب, لكن هل كان يدرك أنه سيكون سبباً في اختلاف وجهات النظر بين واشنطن وهوليوود؟ هذا ما حصل فعلاً إذ وصف البيت الأبيض الأميركي الفيلم بأنه "مضلل في شكل سافر", فيما قابلته هوليوود بحماسة كبيرة, وفق ما نقلت وكالة "رويترز" أمس. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش نفسه قد علق على الفيلم قال لوكالة الصحافة الفرنسية "أترون كيف ان الولايات المتحدة دولة حرة, وكل واحد يعلن رأيه كما يريد".

وقد توقع خبراء صناعة السينما ان يحقق الفيلم نجاحاً كبيراً على رغم ان بعض الكتابات النقدية المبكرة لم تكن في مصلحته. وقال دي ايه بنيبيكر مخرج الافلام الوثائقية للوكالة إن "11-9 فهرنهايت" سيحظى بقدر كبير من الدعاية".

فيما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن دان بارليت مدير الاتصالات في البيت الابيض الاسبوع الماضي قوله ان الفيلم "مضلل في شكل سافر بل انه لا يستحق التعليق".

الفيلم سخيف؟ كثيرون في الولايات المتحدة لا يشاطرون بارليت هذا الرأي فصحيفة "واشنطن بوست" اعتبرت إن حصوله على السعفة الذهبية للمهرجان "ليس مجرد فوز إنه قنبلة يدوية موجهة نحو البيت الأبيض".

على أي حال تبدو آراء وسائل الإعلام الأميركية هي أيضاً متضاربة في شأن فيلم مور, فقد انتقدته مجلة "ديلي فارايتي" المتخصصة في الانشطة الترفيهية ووصفته بانه "منشور سينمائي مكشوف لحملة 2004 الانتخابية وانه فشل في تقديم اي حقائق صلبة". وأبدت مذيعة قناة "فوكس نيوز" المحافظة فرحاً كبيراً برسالة تلقتها جاء فيها: "لم لا يبقى مايكل مور في فرنسا وينزع منه جواز سفره الأميركي".

نجح الرجل الأبيض السمين منذ فيلمه الأول "روجر وأنا" (1989) في تكريس صورته كمعارض شرس للسياسات الأميركية وكواحد من الأصوات الناقدة واللاذعة. يكرهه الجمهوريون ويصنفه الديموقراطيون كواحد من "المتطرفين", ويرفض أعضاء أكبر حزبين في الولايات المتحدة خطابه المعارض للحرب الأميركية على العراق. هو الأميركي المناهض للرأسمالية, واحد من وجوه التيار المعارض للعولمة, صوره في كان برفقة الفرنسي جوزيه بوفيه (في الأيام الأولى للمهرجان هذا العام) جابت العالم واحتلت صفحات رئيسة في المجلات والصحف الأوروبية.

الكل يذكر مور حاملاً جائزة الأوسكار عن فيلمه "بولينغ فور كولومبيا" يصرخ: "عار عليك مستر بوش". والكل سيحفظ ما قاله ساخراً بعد أن حمل جائزة كان, مؤكداً أنه يتمنى ألاّ يقرأ الرئيس الأميركي خبر فوزه وهو يتناول البسكويت المالح.

آخرون - غير بوش - قرأوا الخبر وعلقوا سلباً, وشعرت لجنة التحكيم أن خيارها لن يمر على خير, فعقد رئيس اللجنة المخرج الأميركي كوانتن تراتينو وبعض الأعضاء مؤتمراً صحافياً الأحد الماضي ردوا فيه على القائلين إن الخيار بني على أسس سياسية وليست فنية, وقال تراتينو: "لو كان فيلم مور سيئاً لعارضت فوزه", لافتاً إلى اللغة الساخرة التي تطبعه. وقالت الممثلة الفرنسية إيمانويل بيار في المؤتمر إن "11-9 فهرنهايت" ليس مناهضاً للولايات المتحدة بل هو يتحدث عنها بطريقة أخرى, وأكدت إنه فيلم جميل. وعلق بعضهم على حماسة تارنتينو لفيلم مور بالقول: "اقتل بوش -2" في إشارة الى فيلمه الأخير "اقتل بيل".

معارض لبوش ولسياسة إدارته, هكذا يمكن أن نصف وباختصار "11-9 فهرنهايت", وربما كان هذا سبب الحفاوة به, لكن الجدل حوله كان السبب الرئيس في إشاحة التركيز عن أفلام أخرى مناهضة للسياسة الأميركية في العالم لا تقل لغته أهمية عن فيلم مور, ومنها فيلم أميركي يعارض ما بات يعرف بسياسة المكدنة (في إشارة الى سلسلة ماكدونالد).

مايكل كسب معركته الأولى, كما يرى بعضهم, وهو حالياً لا يخفي رغبته في عرض فيلم "11-9 فهرنهايت" سريعاً كي يؤثر في الناخب الأميركي في انتخابات الرئاسة التي تجرى في تشرين الثاني (نوفمبر) فيعيد بوش الى مسقط رأسه تكساس.

جريدة الحياة في

25.05.2004

 
 

اسكندرية... نيويورك - 2

جابر عصفور

لم أتردَّد في قبول الدعوة لمشاهدة فيلم يوسف شاهين الأخير "إسكندرية.. نيويورك" لأننى عرفت أن الفيلم هو الجزء الثالث من أفلام الإسكندرية التي أرادها يوسف شاهين مرايا لحياته ولتحولات الإسكندرية التي تكثفت في ملامحها الحياة المصرية في علاقتها بالآخر الذي يبدأ من الضفة الأخرى للبحر المتوسط, ويمتد إلى أن يتجسّد في الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو أن يوسف شاهين أراد أن يصنع ثلاثية موازية للأعمال الإبداعية الكبرى عن الإسكندرية, وأهمها "رباعية الإسكندرية" التي كتبها لورنس داريل (1912 - 1990) ونشرها ما بين 1957 - 1960. ولكن إذا كان داريل قد أظهر الإسكندرية من منظوره الأيديولوجي الذي لم ينفصل عن وضعه الوظيفي في الحكومة البريطانية التي كانت تستعمر الإسكندرية وبقية مصر في زمن أحداث الرواية, حيث لا نرى الإسكندرية الوطنية إلا في الهوامش المقموعة المشوهة, فإن يوسف شاهين ظل حريصاً على إبراز الإسكندرية الوطنية, الفضاء الذي انطلقت فيه شرائح الطبقة الوسطى مطالبة بالاستقلال والحرية, وتحركت فيه تظاهرات الطلبة بشعاراتهم التي لم تعرف التمييز الديني ولا التعصب الاعتقادي, مؤكدة المناخ السمح الذي أتاح لابن المحامي المسيحي أن يعرف - منذ الصبا - أن الدين لله والوطن للجميع, بل يخطو خطاه العلمانية في ثقة تتوثب فيها تطلعات الغد الواعد المقترن بالمخرج المصري - العربي الذي حقق ما لم يحققه غيره. وأضيف إلى ذلك فارقاً مهماً يؤكد خصوصية رؤية يوسف شاهين الإسكندرانية, وهو فارق يتصل بهذا "الآخر" الذي تعددت صوره, وبدأ من جنود الاحتلال البريطاني الذين رأيناهم في الفيلم الأول "إسكندرية.. ليه" موضع لعنات القوى الوطنية مع الملكية الفاسدة التي تحالفت مع الاحتلال, وانتهى بالحضور الأميركي القمعي في الفيلم الأخير, حيث تقترن نيويورك بسطوة النفوذ الصهيوني وسيطرة اليمين الرجعي واستشراء النزعات الاستعلائية المعادية لكل ما ليس بأميركي.

وبطل فيلم "إسكندرية.. نيويورك" هو يحيى شكري مراد, الاسم نفسه الذي تكرر في الفيلمين السابقين عن الإسكندرية. وتكراره يدل على تأكيد الرسالة الضمنية التي يراد توصيلها إلى المشاهد, كي تلفت انتباهه إلى أن هذه الأفلام عن يوسف شاهين بوصفها مرايا لحياته, ولكنها ليست عنه في الوقت نفسه وإنما عن يحيى شكري مراد الذي يغدو قناعاً لشخصية المخرج الذي يتحدث في ثلاثية الإسكندرية عن حياته, ولكنه لا يلتزم بوقائع هذه الحياة حرفياً, فيضيف إليها ما هو من جنسها, أو ما كان يتمنى أن يفعله, أو ما كان يمكن أن يقع على سبيل الاحتمال أو الضرورة. ولذلك يضم فيلم "إسكندرية.. نيويورك" وقائع أساسية دالة من حياة يوسف شاهين: ابن المحامي الذي ذهب إلى معهد التمثيل في باسادينا - لوس أنجليس - كاليفورنيا ليدرس التمثيل, والمغرم بتمثيل شخصية هاملت التي تشبهه من حيث ما ينطوي عليه من سؤال الحضور في الوجود, صعوبة الحياة بسبب ضيق ذات اليد أثناء الدراسة في المعهد, العودة إلى مصر وتحقيق حلم الممثل القديم بعد سنوات في "باب الحديد" 1958, المشاهد المنقولة من الأفلام التي أخرجها يوسف شاهين, ألوان التكريم التي نالها على امتداد السنين, الذهاب إلى مهرجان نيويورك الذي قام بتكريم يوسف شاهين وعرض أبرز أفلامه منذ عامين.. إلخ. كل هذه العلامات والوقائع تؤكد أن قناع يوسف شاهين (يحيى شكري مراد) يتطابق في كثير من ملامحه مع المخرج الذي يحاول أن يتباعد عن حياته ليراها في دلالاتها الأعمق.

أما العلامات والوقائع الأخرى التي ليست من حياة يوسف شاهين في الواقع أو بالضرورة فهي تؤكد حضور القناع المستقل نسبياً عن الشخصية التي يمثلها, والذى تضم ملامحه ما لا ينتسب إلى هذه الشخصية إلا على سبيل التمنّي أو الإمكان أو الرمز. وليس على مشاهد فيلم "إسكندرية.. نيويورك" - والأمر كذلك - أن يتقبل قصة الحب الموجودة في الفيلم بين يحيى الشاب والشابة جينجر على سبيل الحقيقة, أو يرى في ابنهما إسكندر (أو ألكسندر) ابناً فعلياً, أو يأخذ أشكال النبوغ المذهلة للشاب يحيى بوصفها أحداثاً فعلية, فكل هذه الأشياء وأشباهها تدخل في باب المجاز السينمائي وتقنيات الرمز التي تكشف - فنياً - عن أبعاد العلاقة بين ابن الشرق الإسكندراني وابنة الغرب الأميركية, وكيف أن هذه العلاقة انطوت على تفاعل الثقافات والحضارات الذي كان الابن (المتخيَّل) نتاجها, لكن نتاجها الذي يظل مشوها, متنكرا لأصله نتيجة أمرين: أولهما بذرة الخلل الموجودة في أصل العلاقة الملتبسة, وثانيهما تشوّه وعي الابن الذي صاغته الأجهزة الأيديولوجية لأميركا المستعمرة والعنصرية والصهيونية على السواء, أميركا التي تجسّدت إرهابياً في "الآخر" (1999) وعادت لتسقي الابن بسموم عنصريتها فتباعد بينه وأبيه الذي لم تكتمل فرصته بمعرفة الابن, وينتهى الفيلم والابن سادراً في إنكار أبيه الذي لم يسهم في تربيته (لأنه لم يكن يعرف بوجود الابن) التي اكتملت في سياق معادٍ لكل ما يمثله الأب.

ويمكن للعارف بالرواية العربية أن يجد وجه شبه لتيمة الابن الذي ينكر أباه ما بين فيلم يوسف شاهين ورواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" حيث نواجه الابن الذي تركه والده رضيعاً, فأخذته أسرة إسرائيلية وتبنَّته, فأصبح إسرائيلياً. وحين يتاح لأبيه العودة إلى حيفا, ويكتشف وجود ابنه, ويذهب إليه بعد مرور السنوات العديدة, تعظم صدمة الأب حين ينكره الابن الذي تربَّى في سياق أجهزة أيديولوجية معادية, صاغت وعيه الإسرائيلي الذي لم يعد فيه مكان لأي مشاعر إزاء أبيه الطبيعي الذي اضطر وزوجه إلى الفرار من حيفا إنقاذاً لحياتهما, وعلى نحو أذهلهما عن حمل الوليد الذي ضاع منهما في متاهات الرعب.

ويقع يحيى شكري مراد في ما وقع فيه العائد إلى حيفا بالمعنى الرمزي, لكنه لم يكن يعرف أن له ابناً إلا بعد أن فاجأته حبيبته القديمة بكشف السر الذي أخفته عنه منذ لقائهما الذي أثمر الابن سنة 1975, والابن الذي اكتمل وعيه في ظل ثقافة معادية للعرب لا يمكن أن يعترف بالأب, حتى لو كان هذا الأب مخرجاً عبقرياً شاهد أعماله في مهرجان نيويورك السينمائي بضغط من أمه. والأب يبذل أقصى ما يستطيع لاسترجاع الابن الذي يظل نافراً, رافضاً إلى نهاية الفيلم, وذلك على نحو يبدو معه الرفض موازاة رمزية لاستحالة إقامة علاقة ناجحة لها ثمرة مواتية مع الآخر, خصوصاً إذا ما ظل هذا الآخر على ما هو عليه من غطرسة, أو إذا ما ظل العنصر المنتسب فيه إلى أميركا العنصرية هو السائد والأغلب.

ويتجلى التباس العلاقة بين الأنا والآخر على هذا النحو عبر توازيات وتقابلات (بل تداخلات) الأزمنة في النسيج السردي للفيلم. ويمكن التمييز في هذا المجال - بين ثلاثة أزمنة على الأقل: زمن الأربعينيات الذي يمتد من 1946 إلى 1948, وهو زمن الدراسة في معهد باسادينا, حيث أميركا التي كانت لا تزال محافظة في كثير من المناحي التي أغفلها الفيلم وناقضها في غير حالة. وزمن السبعينيات (سنة 1975 إن لم تخن الذاكرة) حيث اللقاء بالحبيبة القديمة التي انحرفت تحت ضغط سوء الأحوال الاقتصادية, وقررت الاستقامة بالزواج من شخص لا تحبه, فتلتقي بالحبيب القديم اللقاء الذي يستعيد الماضي ويرهص بالمستقبل, وتكون ثمرته الابن الذي ظل كأبيه لا يعرف السر الذي أخفته عنهما الأم لسبب لا ندريه على نحو مباشر أو صريح, لكنه يرتبط بطبيعة التشويق في عنصر المفاجأة التي ينبني عليها السيناريو الذي كتبه يوسف شاهين بمساعدة تلميذه خالد يوسف. والزمن الثالث هو الزمن الحالي, زمن بداية الألفية الثانية الذي لا نزال نعيش فيه, حيث يأتي الاكتشاف المتأخّر للأب المعادي للسياسة الأميركية والابن الذي تتجسد فيه عنصرية هذه السياسة ولا إنسانيتها. وبالطبع, فإن كل زمن يحمل ملامحه الخاصة, وذلك على نحو يبرز مفارقة الانتقالات بين الأزمنة في علاقات التوازي أو التقابل. ولكن الملامح الخاصة بكل زمن لم تنل حقها الكافي من عناية المخرج الكبير الذي ظل مشغولاً بالرسالة الإيديولوجية على نحو لم يكافئه الانشغال بتفاصيل بناء علاقات الأزمنة, خصوصاً في اختلافها الذي استحال إلى مشابهة تأكدت بتقارب الأزياء والديكورات وعلاقات الألوان وزوايا اللقطات وحركة الرقصات.

ويبدو التشابه بين الأزمنة مبرَّراً من منظور الزمن الأخير الذي تغلَّب على الأزمنة السابقة, وجعل البطل يحيى شكري مراد (قناع يوسف شاهين) يرى الأزمنة الماضية من عدسات الزمن الحاضر الذي يعيشه, ونكتوي معه بنيران كوارثه. أعني زمن أميركا التي يحكمها يمين متطرف في رجعيته, عنصري في نظرته, استعلائي في علاقته بغيره من شعوب العالم. والنتيجة أميركا المنحازة إلى إسرائيل من دون قيد أو شرط, والمعادية لحركات التحرر القومي الجديد, والغازية بالدمار لكل من أفغانستان والعراق تحت شعارات الحرية والتقدم التي ليست سوى شعارات زائفة تكشفت على نحو فاجع في ما حدث في سجن أبي غريب العراقي. ولأن الأعين المطلة من وراء قناع يحيى شكري مراد هي الأعين التي ترى أبشع وجوه أميركا, في تسلّطها وعنصريتها وقمعها, فإن ما تراه هذه الأعين يفرض نفسه على الوعي, ويصنع له عدسات قاتمة لا ترى الحاضر في مأسويته فحسب, بل تخلع هذه المأسوية على أزمنة الماضي كلها, فيراها البطل من منظور واحد لا يبرز الفوارق ولا يعترف بها, ولا يلمح المتغيرات الدالة أو يضعها موضعها من السرد السينمائي. هكذا, جاءت أميركا مطلع القرن الواحد والعشرين غير مختلفة عن أميركا السبعينيات أو الأربعينيات, حيث المحطات الزمنية التي يتحرك بينها السرد السينمائي ذهاباً وإياباً.

ولذلك فإننا نرى نيويورك في فيلم يوسف شاهين بأعين إيديولوجية لا تهتم كثيراً بموضوعية المغايرة أو رصد المتغيرات الزمنية الدالة, تماماً كما تبدو الإسكندرية من منظور واحد, لا يفارق معنى التثبيت العاطفي, وذلك في التضاد الذي يجعل الأولى نقيض الثانية والعكس صحيح بالقدر نفسه من زاوية الرسالة الإيديولوجية للفيلم.

أما عن الرسالة الإيديولوجية التي شغلت يوسف شاهين بعلاقة الأنا بالآخر: الشرق المُسْتَغَل والغرب المُسْتَغِلّ, إسكندرية التسامح ونيويورك التعصب, نقاء البطل الإسكندراني الذي لا ينحرف وانعدام هذا النقاء في الحبيبة الأميركية التي انحرفت ثم تابت, لكن توبتها لم تمنع من وجود البذرة الفاسدة التي انتقلت منها إلى الابن. ولذلك يبدو هذا الابن ممزقاً بين جينات الأب الفنان العبقري التي تثمر فيه راقص الباليه الموهوب في نيويورك, والجينات السلبية للأم التي أثمرت - على رغم الندم - التنكّر للأب الذي أخفت الأم نفسها ثمرة علاقتها به لسنوات وسنوات. ولم تكشف عن الحقيقة إلا بعد أن تيقنت من نجاح الحبيب القديم الذي أصبح مخرجاً عالمياً يلقى التكريم في كل مكان, ويحتفي به مهرجان نيويورك مؤكداً مكانته بما يجعل الانتساب إليه سبباً للفخار. والمحصلة المتكررة لهذه الثنائيات هي حشد الإيجابيات في ناحية الأنا أو البطل الإسكندراني الذي لا تشوبه شائبة ولا تقترب منه الهاماتاريا الأرسطية في أي مشهد من مشاهد الفيلم, وحشد السلبيات في ناحية الآخر بتمثيلاته المتعددة.

ويبدو أن يوسف شاهين ومساعده التنفيذي - خالد يوسف - انتبها إلى سذاجة الصيغة الحدِّية لهذه الثنائية الضدية, فقرَّرا التخفيف منها في بعض المشاهد, فأظهرا عميد المعهد وأستاذة الدراما بما يدل على خلوهما من التعصب, لكن بما أضاف إلى أوصاف عبقرية البطل ما يؤكد الثنائية نفسها. وقس على ذلك مدير مهرجان نيويورك الذي بدأ محتفياً بيوسف شاهين وانتهى مؤكداً للصيغة الحدية للثنائية في تضادها الفاقع. وأضيف إلى ذلك تكريم مهرجان كان الذي لم يخل من معنى الاضطهاد المطلق لكل ما هو عربي, فأضاف المزيد من اللون الفاقع للثنائية الضدية المتكررة. وأتصور أن البعد الأحادي لهذه الثنائية هو المسؤول عن تصوير "المرأة" الأميركية في الفيلم في صورة سلبية على نحو متكرر, فهي صاحبة المنزل التي تنام مع الطلاب جميعاً في باسادينا, وهي الحبيبة التي لا تقاوم حتى النهاية فتبيع جسدها هي وصديقتها الحميمة. ويبدو الأمر كما لو كانت هذه المرأة الرمز الجنسي الموازي للولايات المتحدة, مقابل الرمز المناقض للبطل الذي تصل به مبالغة المخرج إلى جعله ينشد السلام الأميركي في حفل تخرّجه لأنه فوق الخطأ وفوق التحيّز, مع أن المبالغة تؤدي دلالة مناقضة في إشارتها إلى تهيج آلية دفاعية مضمرة.

والحق أن هذه الالتباسات لم تفسد عليّ متعة مشاهدة "إسكندرية.. نيويورك" فالسيناريو الذي كتبه يوسف شاهين بمعاونة خالد يوسف أكثر إحكاماً من سيناريوهات الأفلام السابقة التي دفعتني إلى استنكار كتابة يوسف شاهين لسيناريوهات أفلامه, والتغيرات الموجودة في النص المكتوب الذي ظهر على الشاشة لا تقلّل من الإحكام النسبي للسيناريو والحوار بالقياس إلى أفلام أخرى. وحرص يوسف شاهين على إمتاع العين بحركة الكاميرا واختيار الزوايا الدالة وصياغة ضفيرة متجاوبة من الصوت واللحن, جنباً إلى جنب مشاهد الباليه الموضوعة في أماكنها داخل السيناريو, مسائل تؤكد أستاذيته, تلك الأستاذية التي تظهر في اختيار الممثلين وتحريكهم وإطلاق الطاقات الخلاقة بداخلهم. ولا بد من تهنئة يوسف شاهين على اكتشافه الممثل الواعد داخل شخصية أحمد يحيى راقص الباليه الذي أدَّى دورين داخل الفيلم: دور يحيى الشاب, ودور إسكندر الابن فكان بارعاً في الاثنين بفضل توجهات المخرج اللمّاح القادر على رؤية ما لا يرى في الممثلين. وكان أداء محمود حميدة مذهلاً في دور يحيى السبعيني, وكذلك يسرا ولبلبة, وكلتاهما تمتلك قدرة عالية على تجسيد الدلالات العديدة - والمتعارضة أحياناً - في المشهد الواحد. وقد أكّدت يسرا قدراتها الأدائية الاستثنائية كما سبق أن فعلت في أعمالها السابقة. والتهنئة واجبة لماجدة الخطيب وسناء يونس وسعاد نصر, ولازمة للشابات ابتداء من يسرا اللوزي التي أدّت بتلقائية دور جينجر الصغيرة ونيللى كريم في كارمن وغيرهما. ولا أنسى إخراج عبدالمنعم كامل للجزء الخاص بباليه كارمن, ولا أعرف إن كان هو الذي قام بإخراج مشاهد الباليه الأخرى التي أدَّاها أحمد يحيى من باليه "زوربا" وغيره, حيث اعتمد يوسف شاهين على تسجيلات فيديو مأخوذة من دار الأوبرا المصرية. أما موسيقى وألحان فاروق الشرنوبي التي أداها علي الحجار وهدى عمار فكانت في مستوى كلمات جمال بخيت والموسيقى التصويرية ليحيى الموجي, وبراعة تصوير رمسيس مرزوق التي تجاوبت مع غيرها من العناصر لتصنع فيلماً عالي المستوى ليوسف شاهين الذي لا يكفّ عن الاستجابة إلى اللهب المقدس للفن في داخله فيمتعنا بتقنياته الجمالية وجسارة معالجاته الإبداعية وطزاجة أحاسيسه الإخراجية حتى لو اختلفنا معه في تفاصيل رؤيته الإيديولوجية.

جريدة الحياة في

26.05.2004

 
 

يوسف شاهين يظهر مرة أخري في فرنسا..عن طريق "نيويورك"

سهر الليالي وخريف آدم.. في باريس

رسالة "كان" من سمير فريد

في حفل خاص أثناء مهرجان كان أعلن معهد العالم العربي في باريس برنامج مهرجان السينما العربية السابع الذي ينظمه من 26 يونيو القادم إلي 4 يوليو حيث يكرم الفنانة الكبيرة مديحة يسري ويعرض 7 من أفلامها. ويرأس الدورة شرفياً المنتج والموزع التونسي العالمي طارق بن عمار.

يعرض في الافتتاح فيلم "اسكندرية نيويورك" اخراج يوسف شاهين خارج المسابقة. ولأول مرة يعرض فيلمان من الامارات العربية المتحدة في مسابقة الافلام الروائية القصيرة.

"جوهره" اخراج هاني الشيباني و"الارضية المبتلة" اخراج لمياء حسين قرقاش ويشترك في لجنة تحكيم الافلام التسجيلية المخرج مسعود أمر الله ولاول مرة ايضاً يعرض من السعودية في نفس المسابقة "أنا والآخر" اخراج هيفاء منصور.

ينظم المهرجان برنامجا "خاصا" عن السينما العراقية يعرض 18 فيلماً من انتاج الفترة من 1948 إلي 2004 كما ينظم ندوه عن السينما العراقية. وأخري عن السينما التسجيلية. وفي برنامج عروض خاصة يعرض 7 أفلام خارج المسابقة هي "باب الشمس" اخراج يسري نصر الله. و"كليفتي" اخراج محمد خان. و"غرفة المراقبة" اخراج جيهان بخيم. و"البادية السمراء" اخراج عبد الله المخيال. و"النساء اليمنيات والديمقراطية" اخراج خديجة السلامي. "الميرون" اخراج نيكول بزجيان. و"الطريق 181" لحظات من رحلة في فلسطين - اسرائيل" اخراج الفلسطيني ميشيل خليفي والاسرائيلي ايان سيفان.

جوائز المهرجان

* الأفلام الروائية :

- الجائزة الكبري "7500 يورو" للمخرج و" 5 آلاف يورو لموزع الفيلم في فرنسا - جائزة مارون بغدادي "4500 يورو" للمخرج - جائزة أحسن فيلم طويل أول "3 آلاف يورو" للمخرج - جائزة أحسن ممثلة - جائزة أحسن ممثل.

* الأفلام التسجيلية

- الجائزة الكبري لأحسن فيلم طويل"3500 يورو" للمخرج - جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الطويل "ألفان يورو" للمخرج - الجائزة الكبري لاحسن فيلم قصير "ألفان يورو" للمخرج - جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم القصير "1500 يورو" للمخرج.

المحكمون : ترأس لجنة تحكيم الأفلام الروائية الممثلة الفرنسية بل أوجييه وتتكون من المصور اليوناني يورجوس أرفانيتيس والناقد الاسباني ديجو جالان والمخرج العراقي قاسم حول والكاتب اللبناني إلياس خوري والمخرج المصري يسري نصر الله.. ويرأس لجنة تحكيم الافلام التسجيلية والقصيرة المخرج البلجيكي تيري ميشيل. وتتكون من المخرج الاماراتي مسعود أمر الله. والمونتيره التونسية كاهنه عطية. والمخرجة المصرية صفاء فتحي. والمخرج الفرنسي فرنسوا مارجولان.

و يعرض في مسابقة الافلام الروائية الطويلة 13 فيلماً من 8 دول عربية هي:

* الجزائر : اغتيال الشمس اخراج عبد الكريم بهلول - المشتبه فيهم اخراج كمال دهان

* مصر : خريف آدم اخراج محمد كامل القليوبي - سهر الليالي اخراج هاني خليفة

* تونس : الكتيبة اخراج نوفل صاحب - دار انعاس اخراج محمد دمق

* المغرب : فوق الدار البيضاء لا تحلق اخراج محمد عسلي - خيط الروح اخراج حكيم بلعباس - جارات أبي موسي اخراج محمد عبد الرحمن قازي

* موريتانيا : فاطمة الجزائرية من السنغال اخراج مدهوندو

* سوريا : ما يطلبه المستمعون اخراج عبد اللطيف عبد الحميد

* فلسطين : عطش إخراج توفيق ابو وائل

وفي مسابقة الافلام الروائية القصيرة 19 فيلماً من 9 دول عربية. وفي مسابقة الافلام التسجيلية الطويلة 16 فيلماً من 7 دول عربية. وفي مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة 12 فيلماً من 5 دول عربية.

ما ان انتهي مهرجان برلين في فبراير حتي يبدأ الحديث عما سيعرض في مهرجان كان في مايو. وما أن ينتهي مهرجان كان حتي يبدأ الحديث عن افلام مهرجان فينسيا الذي يعقد في سبتمبر.

فينسيا ال 61 "1-11 سبتمبر 2004" يعرض في الافتتاح خارج المسابقة "المحطة" اخراج ستيفن سيبلبيرج وتمثيل توم هانكس وكاترين زينا جونز. ويعرض في الختام يوم ذكري احداث 11 سبتمبر عن امريكا "أرض البلنتي" اخراج فيم فيندرز خارج المسابقة ايضاً. والذي يعبر عن تلك الاحداث كما يراها فنان السينما الالماني الكبير والذي سبق ان فاز بالاسد الذهبي للمهرجان.

المرشح المنشوري

من الأفلام المتوقع عرضها في فينسيا "المرشح المنشوري" اخراج جوناثان ديمي وتمثيل ميريل ستريب "انزل واشنطون" من امريكا. والفيلم الايطالي "مفاتيح المنزل" اخراج جياني ايمليو. والفرنسي "5 x 2" اخراج فرنسوا أوزون. والفيلم المجري "ان تكون جوليا" اخراج اشتفان سابو. و"عدالة ابديه" للهندية ميرا ناير التي فازت بالاسد الذهبي منذ ثلاثة اعوام. والفيلم الجديد للمخرج الامريكي سبايك لي "انها تكرهني".

فينسيا 61 ستكون الدورة الأولي للمنتج المعروف ماركو موللر كمدير للمهرجان. وقد سبق ان تولي ادارة مهرجان روتردام ومهرجان لوكارنو.. وقد ألغي موللر مسابقة "ضد التيار" التي كان سلفه مورتيز هادلن قد ابتدعها العامين الماضيين اللذين تولي فيهما ادارة اقدم مهرجان سينمائي روسي في العالم.

وقرر موللر ايضاً اعادة هيكلة المهرجان بحيث يسير علي هيكل مهرجان كان ومهرجان فينسيا. ففي برلين بانوراما تعادل نظرة خاصة في كان وافاق جديدة في فينسيا. وفي برلين الملتقي يعادل نصف شهر المخرجين في كان. وسيكون لاول مرة في فينسيا هذا العام عشرة افلام من اختيار نقابة المخرجين ايضاً. ومن المعروف ان فينسيا ينظم اسبوع النقاد علي غرار اسبوع النقاد في كان. ولكن ليس هناك اسبوع للنقاد في برلين.
هناك احتمال كبير لعرض الفيلم المصري "أحب السينما"اخراج اسامة فوزي في مسابقة فينسيا. واذا تم اختياره يكون أول فيلم مصري يعرض في المسابقة منذ عرض "حدوته مصرية" اخراج يوسف شاهين عام 1982 وربما يتم اختيار الفيلم السوري "باب المقام" اخراج محمد ملص لمسابقة فينسيا 2004 ايضاً.

الجمهورية المصرية في

26.05.2004

 
 

عرب وأفارقة وأفغان يحصدون الجوائز الموازية لمهرجان كان

أحمد عاطف

استطاع مهرجان كان السينمائي الـ‏57‏ اجتياز الانتقادات التي وجهت إليه في الأعوام السابقة لتكون أيامه الاثني عشر‏)‏ مليئة بمتعة السينما الخالصة‏..‏

ورغم أن حفل الختام الذي أقيم السبت الماضي لم يسجل أي جوائز للأفلام العربية إلا أن قضاياهم كانت أهم ماتمت الاشارة إليه في الحفل‏..‏ فالمخرج البلجيكي يوناس جيرنايوت الذي حصل علي السعفة الذهبية للفيلم القصير طلب من كل الامريكيين عدم التصويت لجورج بوش في الانتخابات القادمة لحربه ضد العراق‏..‏ ثم جاءت المخرجة الاسرائيلية كيرين يدايا الحاصلة علي الكاميرا الذهبية لأول فيلم طويل وقالت إنها تتمني أن يتخلص كل المظلومين في العالم من الظلم وعلي رأسهم الفلسطينيون الذين يعانون القسوة من إسرائيل‏..‏ واختتم الحفل بحصول المخرج الأمريكي مايكل مور علي السعفة الذهبية كبري جوائز المهرجان عن فيلمه فهرنهايت‏11/9‏ وقال إن هذه الجائزة لكل الأطفال الذين يموتون في العراق‏..‏ مؤكدا ما جاء في فيلمه من موقف واضح ومناضل ضد الحرب علي العرب مدينا بوش ومساعديه بكثير من الاتهامات الصارخة ـ أما المخرج الكبير يوسف شاهين الذي صعد إلي حفل الختام لتقديم جائزة أفضل مخرج‏..‏ فقد ألقي ثلاث دعابات وقام بتسجيل موقف في هذه المناسبة العالمية الكبيرة خاصة وهو المعروف بوعيه السياسي الكبير‏..‏ والحق أن هذا كان هو الآخر حال فيلمه اسكندرية‏..‏ نيويورك الذي عرض في قسم نظرة خاصة‏.‏

لكن المخرجين الشباب من العرب استطاعوا بشكل متواز أن يؤكدوا أن دماء الموهبة تجري في عروقهم‏..‏ فقد حصدوا الجوائز في كل الأقسام الموازنة بل وأثاروا الاعجاب والاهتمام الشديدين بأفلامهم‏..‏ فقد حصل الفلسطيني توفيق أبو وائل علي جائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية‏(‏ فيبريسي‏)‏ وحصلت اللبنانية دانيال عربيد علي جائزة لابيل يوروبا سينما عن فيلمها معارك حب وعلي جانب آخر حصل المخرج الأفغاني عتيق رحيمي علي جائزة النظرة المتفردة في قسم نظرة خاصة في حين حصل المخرج السنغالي مامبين عثمان علي الجائزة الكبري لنفس القسم‏..‏

وقد جاء الفيلم الأفغاني قصيدة شعر حائرة عن مصير كهل عجوز وحفيده الأصم تائهان في الجبال أثناء الحرب علي أفغانستان يبحثان عن مصير واضح في جغرافيا واسعة لايبدو منها أي طريق يوصل لأي مكان‏..‏

ومن الأفلام الهامة جدا الفرنسي الجدار للمخرجة سيمون بيتون اليهودية من أصل عربي والتي تدين فيه بشكل حاد السياسة الاسرائيلية التي ترسخ الكراهية من خلال الجدار العازل التي أنشأته بدعوي منع الاستشهاديين من الدخول إليها ـ وتفضح المخرجة من خلال حوار مع مسئول إسرائيلي كبير أن الجدار أنشيء لإقتناص مزيد من الأراضي الفلسطينية لكن قضية فلسطين ظهرت بشكلها الأكبر من خلال فيلم يسري نصر الله المصري باب الشمس الذي عرض في القسم الرسمي خارج المسابقة‏..‏ والفيلم انقسم لجزءين مدة كل منهما ساعتان وعشرون دقيقة‏..‏ ورغم أن الجزء الأول يعد من أهم وأجمل ما أنتجت السينما العربية خلال تاريخها فإن الجزء الثاني جاء مسيسا بعيدا عن روح الشعر والبصيرة التي إمتلأ بهما الجزء الأول‏..‏ إلا أن هذا الفيلم هو حدث خاص جدا لابد ان يحتفي به وتتاح له فرصة العرض السينمائي في كل البلاد العربية‏.‏

أما تحفة المهرجان الكبري فكانت فيلم الحياة معجزة للبوسني أمير كوستاريكا الذي يصل بلغة السينما لصلب العلاقة مع الطبيعة‏..‏ ويتحدث عن الروح بلغة الصورة‏..‏ وعن السياسة بلغة الخيال‏..‏ وعن المصير الواحد للإنسان والحيوان في منظومة الكون‏..‏ فالبطل الصربي الذي يقع في غرام الفتاة المسلمة يعطي أكبر مثال علي أن الحب والتواصل الانساني أعظم من كل السخافات ولم يشأ المهرجان أن ينتهي بدون أن يدلو المخرج الكبير جودار بدلوه عما يحدث في العالم في تحفته موسيفانا الذي ربط فيه بقوة بين اضطهاد اليهود في الحرب العالمية الثانية واضطهادهم هم للفلسطينيين الآن بنفس الصورة‏.‏

إن المهرجان قد امتلأ بالفعل بأفلام عظيمة وهامة لكن بالتعمق والبحث نجد أن أغلب الأفلام هي إنتاج فرنسي مشترك‏(‏ أكثر من ثلثي الأفلام‏)‏ رغم أن جنسية مخرجيها من كل بلاد العالم‏..‏ وهذا ما يجعل المهرجان في جانب ماهو مهرجان لأفلام الانتاج المشترك الفرنسي لكن هناك أفلاما أخري عربية وأسيوية ومن أمريكا اللاتينية تنتجها كل دولة ولاتستطيع الوصول لأعتاب مهرجان كان وهذا هو حال أفلامنا المصرية غير الفرنسية‏.‏

الأهرام اليومي في

26.05.2004

 
 

ضمن افلام تظاهرة "نصف شهر المخرجين"

"معارك حب" للبنانية دانيال عربيد و"جدار" للاسرائيلية سيمون بيتون

صلاح هاشم

عرض فيديوتيك باريس FORUM DES IMAGES اليوم فيلم "معارك حب" DANS LES CHAMPS DE BATAILLE الروائي للبنانية دانيال عربيد، ضمن افلام تظاهرة "نصف شهر المخرجين"، الصاعدة لتوها من مهرجان "كان" 57 السينمائي، في تقليد متبع ومعمول به منذ عام 1991 بين المؤسسة المذكورة ونقابة المخرجين الفرنسيين التي تشرف علي التظاهرة، ويتيح ذلك التقليد للفرنسيين المقيمين في العاصمة، فرصة مشاهدة افلام تلك التظاهرة المهمة، وقبل ان تطوف انحاء فرنسا، وتخرج افلامها للعرض التجاري..

ويعرض فيلم "معارك حب" -90 دقيقة- الذي يحكي بحساسية سينمائية جد مرهفة،عن وقع وتأثيرات الحرب الاهلية في لبنان1982 علي فتاة مراهقة (12 سنة)، تنتمي الي عائلة برجوازية مسيحية في بيروت، تتعاطف مع خادمة الاسرة (19سنة) السورية المهاجرة الي لبنان، وتصحبها في انطلاقتها خارج حدود الدار والحرب، الي الهواء الطري الطازج في الخارج، واسرار الجنس والحرية، وتخرج في النهاية من "قمقم" الحبس والقهر الذي تمثله الاسرة والكنيسة، لتصنع حياتها بمشيئتها، وهو من ضمن الافلام الجميلة الجيدة التي شاهدناها، واعجبتنا كثيرا في"كان" وتحمسنا لها، ويكشف عن موهبة مخرجته دانيال عربيد و"بصمتها" السينمائية التي لاتغيب عن ذهن المتابع لاعمال السينما العربية الجديدة، وكان حصل على جائزة في "كان" LABEL EUROPA لتوزيعه وتسهيل عرضه في اوروبا..

يعرض"معارك حب" مرتين: اليوم 3 مساء، كما يعرض غداالخميس27 مايو في الثامنة مساء، ونرشحه للمشاهدة عن جدارة..

كما يعرض ضمن التظاهرة في الفوروم ديزيماج فيلم "جدار" MUR الوثائقي (99 دقيقة) للفرنسية الاسرائيلية (من أصل مغربي) سيمون بيتون، الذي يحكي عن جدار العار الذي تشيده اسرائيل في فلسطين المحتلة، ويفضح ويدين سياسات حكومة شارون التوسعية الصهيونية، واعمال القهر والقمع والاضطهاد التي تمارسها ضد الفلسطينيين، وتري سيمون بيتون في فيلمها، ان تشييد هذا الجدار الاسمنتي الرهيب، يقضي علي كافة مساعي السلام، ويقتل حلمها الجميل،.. حلم الدولتين والشعبين في التعايش في امان وسلام علي ارض فلسطين، كما تكشف في فيلمها النبيل، الذي اعجبنا كثيرا، ونعتبره مثل "قصيدة" سينمائية تأملية من ذات حائرة ومعذبة، تكشف كيف يشوه الجدار المنظر الطبيعي الساحر في فلسطين، وصار ذريعة لمصادرة حكومة شارون الارض، وانتزاعها بالقوة من اصحابها، واقتلاع اشجار الزيتون، وتدمير البيوتات الفلسطينية وتشريد اهلها..

ويعرض "جدار" MUR مرتين: الاحد 30 مايو الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، والثلاثاء 1يونيو الساعة السابعة والنصف مساء، ونرشحه ايضا للمشاهدة عن جدارة.

موقع "إيلاف" في

26.05.2004

 
 

يوسف شاهين يسعي إلي الإعجاب المطلق بلا شروط

الإسكندرية ــ نيويورك‏..‏ يصفق لنفسه فـي كـان‏!‏

"كان" من محمد رضا

الحقيقة المرة هي أن لا أحد منا نحن السينمائيين العرب‏-‏ كل العرب‏-‏ ابتكر ما لم يسبقه إليه أحد‏.‏ وبل لا أحد من مخرجينا أضاف علي فن السينما ما لم يسبقه إليه أحد‏,‏ نعم يوسف شاهين‏,‏ صلاح أبو سيف‏,‏ توفيق صالح‏,‏ كمال الشيخ‏,‏ محمد ملص‏,‏ محمد خان‏,‏ إيليا سليمان‏,‏ خيري بشارة‏,‏ الناصر خمير وقلة أخري‏,‏ مخرجون مبدعون وجادون ومهتمون برقي السينما‏,‏ لكن ليس منهم‏,‏ وهذه هي المأساة‏,‏ من سار في درب لم يسبقه إليه أحد‏,‏ بل دائما ما نراه خطا في طريق سبقه إليه إما أندريه تاركوفسكي وإما ألفرد هيتشكوك وإما فيتوريو دي سيكا أو روبرتو روسيلليني‏,‏ لكن في عالم عربي يسعي من فيه إلي كسب الإعجاب المطلق بلا شروط وبلا استثناءات‏,‏ فإن معظم المذكورين لن يقبل أقل من كلمة رائد أو مبدع أو رائع‏,‏ ولن يقبل النقد أو أن يعامل علي أساس أن نقده محتمل‏,‏ الطامة الأخري هم النقاد الذين حفروا أخاديد مائية حول حصون بعض المخرجين‏,‏ استفادوا من بيعهم للمخرجين كلاما معسولا ونصبوا أنفسهم حراسا لهم‏,‏ بذلك أضروا هؤلاء المخرجين وفقدوا ثقة القاريء بهم‏.‏

ليس هناك من مثل أوضح من المثال الواقع مع كل فيلم جديد يطلقه يوسف شاهين‏,‏ بلا ريب‏,‏ يوسف شاهين رائد في إطار السينما العربية ومؤثر في العديد من أبناء الجيل الحالي في مصر‏,‏ وأكثر من ذلك حقق بعض أهم الأفلام التي خرجت عربيا‏,‏ لكن الحقيقة الأخري هي أنه منذ المصير وهو يعلو ويهبط في الفيلم الواحد أكثر من مرة‏,‏ ويعلو ويهبط بين الفيلم والآخر‏,‏ المؤسف للغاية هو أن فيلمه الجديد الإسكندرية‏-‏ نيويورك أسوأ ما حققه‏,‏ هو أيضا‏,‏ وللمفارقة المثيرة للغرابة‏,‏ أكثر أفلامه الحديثة كان بحاجة لأن يكون عملا كبيرا وناجحا‏,‏ ليس لأنه يتبع سلسلة قصيرة من أفلام تضع اسم الإسكندرية‏(‏ محل ولادة المخرج‏)‏ في العنوان‏(‏ الإسكندرية ليه؟ والإسكندرية كمان وكمان‏)‏ وليس فقط لأنه فيلم ذاتي‏,‏ بل أساسا لأنه قد يكون آخر ما يخرجه يوسف شاهين‏,‏ أمد الله في عمره‏,‏ وليس الفيلم الذي كان في حاجة لأن يكون كبيرا ورائعا وناجحا‏,‏ بل نحن الذين كنا بحاجة لأن يأتي فيلمه الجديد هذا كبيرا ورائعا وناجحا‏,‏ عندما لا يحدث ذلك فإن الناقد‏-‏ إذا ما كان جادا ومخلصا لعمله‏-‏ يواجه مسئولية موقفه‏,‏ وإذا لم يكن جادا ومخلصا فإن طرق الهرب سهلة‏:‏ مقال مادح يغمض العين عن العيوب الكبيرة لقاء قضاء مصلحة متبادلة‏,‏ أو الهجوم وصولا الي تلك المصلحة‏.‏

لكن فيلم يوسف شاهين الإسكندرية‏-‏ نيويورك عمل من الصعب الدفاع عنه‏,‏ إنه من تلك التي تهتز بمجرد نقرها‏,‏ فما البال بقراءتها وتحليلها؟

والبداية من العنوان‏:‏ ففي الإسكندرية‏-‏ نيويورك لا وجود للإسكندرية ولا وجود لنيويورك‏.‏ هناك ذكر لهما لكن المدينتين لا تلعبان دورا ولا تعكسان أي شخصية ولا تتركان أي أثر‏,‏ علي عكس الإسكندرية ليه؟ الأحداث هنا لا تقع في الإسكندرية ولا تعكس شيئا من ذكريات المخرج عن المدينة‏,‏ فقط ذكر في حوار لا يرقي الي مستوي العاطفة الصادقة‏.‏
قبل أكثر من‏50‏ سنة بقليل ترك يوسف شاهين الإسكندرية إلي نيويورك قاصدا معهد باسادينا في ولاية كاليفورنيا‏,‏ من نيويورك‏,‏ الواقعة في أقصي الشرق الأمريكي‏,‏ سافر مجددا إلي لوس أنجيليس الواقعة في أقصي الغرب الأمريكي حيث تقع الأحداث هناك‏,‏ ما علاقة نيويورك بالموضوع؟

إنه قصة المخرج يحيي‏(‏ محمود حميدة‏-‏ أفضل من في الفيلم والباقي عادي‏)‏ الذي يعود الي أمريكا في قصة متداخلة بين ثلاث حقب‏:‏ هناك حقبة تقع قبل‏50‏ سنة‏,‏ عندما كان يحيي شابا‏(‏ يلعبه أحمد يحيي‏)‏ وحقبة تقع قبل‏25‏ سنة‏,‏ عندما كان يحيي متوسط العمر‏(‏ حميدة بشعر أسود‏),‏ وحقبة آنية‏(‏ حميدة بشعر أبيض‏)‏ ويوسف شاهين يعمد إلي تركيب وتداخل الحقب الثلاث علي نحو متواصل ليوفر لنا قصته شابا يافعا وصل إلي باسادينا وانخرط في معهدها الفني وتعرف هناك علي فتاة أحبته وأحبها‏(‏ يسرا اللوزي‏)‏ وخلال فترة من الأحداث ارتفع نجم يحيي وعرف بأنه مجنون سينما وتمثيل وإخراج‏,‏ وقبل حصوله علي شهادة التخرج يعلن رغبته في قطع دراسته والعودة إلي مصر مثيرا أعصاب الجميع من حوله وكلهم وقع في حب موهبته وشخصيته‏,‏ لكن منحة أرسلت إلي مصري آخر اسمه يحيي تصله بالخطأ‏,‏ فيدفعها ويكمل دراسته ويحصل علي الدبلوم‏.‏

الحقبة الثانية عودته بعد‏25‏ سنة باحثا عن صديقته جنجر‏(‏ الآن يسرا‏)‏ التي كانت بعد غيبته لخمس وعشرين سنة لا تزال تتذكره وتحن إليه‏,‏ وحاولت التمثيل وأخفقت وتحولت إلي امرأة ليل‏.‏ يمارس معها ليلة حب ويعود‏.‏ تحبل بالشاب ألكسندر‏(‏ أحمد يحيي أيضا‏)‏ وتخفي عنه الحقيقة‏,‏ إلي أن تبدأ الحقبة الثالثة ويعود المخرج يحيي مجددا ليلتقي بجنجر‏(‏ يسرا أيضا‏)‏ ويتعرف للمرة الأولي علي ابنهما الذي ضايقه للغاية أن والده المزعوم هذا عربي إلي أن تجلس أمه معه وتحكي له الحكاية التي لخصناها هنا في عدة فلاشباكات‏.‏ 

إذن هذه هي الحكاية‏.‏ كم هي صادقة؟ كم نسبة الخيال فيها؟ كم نسبة الحقيقة؟هناك لحظة صريحة نادرة في فيلم الإسكندرية ليه؟ عندما يصل يحيي‏(‏ وأداه حينها محسن محي الدين‏)‏ إلي لندن لإجراء فحوصات‏,‏ في أول ليلة له يشعر بالوحدة‏,‏ يتصل بالسائق الذي كان أعطاه بطاقته الخاصة ونظرة سريعة أكثر خصوصية‏,‏ هنا ليس سرا أن يوسف شاهين كشف جانبا من شخصيته الجنسية‏,‏ ولا تفرق كثيرا كم كان شجاعا‏,‏ بل تفرق أكثر كم كان مذواقا ورقيقا في عرض ذلك الجانب‏.‏

هنا‏,‏ وإذا ما صدقنا ما نراه‏,‏ فإن يحيي لم يكن سويا فقط‏,‏ بل محط إعجاب النساء‏,‏ جنجر وقعت في حبه كما وقع هو في حبها ولم يكن صعبا عليه أن يمارس الحب مع مدبرة بيت الطلبة التي زارته كل يوم قبل أن تطردها جنجر‏,‏ إذا صدقنا ما نراه‏,‏ فإن هذا جانبا جديدا لم نكن نعرفه والمشكلة هي أنه معروض علي نحو فيه نزعة نرجسية وخال من الرقة مع درجة عالية من الادعاء بحيث أنك لا تستطيع أن تصدق ما يدور‏,‏ تحس دائما أن العاطفة الخالصة مفقودة فيه‏.‏

ويحيي‏-‏ شاهين لم يكن فحلا في الحب فقط‏,‏ بل أيضا بالإنكليزية‏.‏ تقف المدرسة التي وقعت أيضا في حبه إنما في حب شخصيته وموهبته‏,‏ لتقول في اجتماع عاصف لمجلس إدارة المعهد‏:‏ يعرف إنكليزي أكثر مني ومنكم‏.‏

ويحيي‏-‏ شاهين لم يكن فحلا في الحب والإنكليزية فقط بل في الدراسة أيضا‏.‏ في نهاية فترة دراسته نال دبلوما لم ينله أحد‏,‏ والعبارة مكررة ثلاث مرات‏,‏ في تاريخ المعهد‏:‏ درجة تميز في كل الحقول للمرة الأولي في تاريخ المعهد‏.‏

المؤسف هنا هو إذا ما كان شاهين‏,‏ والفيلم يدعي إنه سيرة ذاتية‏,‏ فحلا في الدراسة إلي هذا الحد‏,‏ كيف حدث أنه صنع فيلما رديئا إلي هذا الحد؟ 

ما سبق وحده كفيل بشد الفيلم إلي الأسفل‏.‏ ما سيلي يشده الي القاع‏.‏ الفارق هو أن ما سبق وروده يتمحور حول رغبة سينمائي تخليد نفسه إذ يكتشف عدم رضاه‏,‏ كما يعترف في الفيلم‏,‏ بما حققه إلي الآن من شهرة‏,‏ الأمريكيون لم يعترفوا به إلي اليوم‏,‏ يقول‏,‏ وهذا الفيلم مصنوع لكي يصل إليهم لعلهم ينتبهون إليه ويمنحونه الاعتراف الذي يعتقد إنه يستحقه‏.‏

إنه أمر مختلف أن يعترف العالم بقدرتك وأمر مختلف جدا أن تسعي لانتزاع اعترافه‏,‏ وكيفية تطبيق مبدأ سأمنحهم فيلما فيه عن نفسي ما يشد الاهتمام بي ويجعلني محط تقديرهم هو الطريق إلي القاع‏.‏ ويبدأ بأن كل الشخصيات تتكلم بلا أدني مشكلة اللهجة المصرية‏,‏ باستثناء يحيي‏,‏ فإن كل الشخصيات الأخري أمريكية ــ أمريكية بالجغرافيا فقط‏,‏ لكنها تتحدث بالعربية‏,‏ هذا ربما‏-‏ وربما فقط‏-‏ مقبول ومعقول إذا ما كان الفيلم موجها إلي جمهور عربي‏,‏ لكنه من حيث المبدأ والجوهر والهدف‏,‏ موجه إلي جمهور غربي‏,‏ وإلي جمهور أمريكي حسب رغبة المخرج الوصول إلي هناك‏,‏ كيف إذن يرضي بأن يكون وصوله كرتونيا إلي هذا الحد؟

وإذ يدخل المخرج ويخرج من بين الحقبات متوزعا بين حالات مبنية علي العاطفة وحدها‏,‏ فإن خطابه السياسي معدوم القيمة ذلك لأنه خطاب نظري فقط وليس خطابا فعليا‏,‏ في مطلع الفيلم حوار حول موقف أمريكا من فلسطين وتشجيعها إسرائيل علي ما تقوم به وتردد المخرج في قبول دعوة الأمريكيين لعرض نخبة من أفلامه هناك‏,‏ حين يتغلب علي تردده من زاوية أنها فرصة لمخاطبة الأمريكيين يقدم مشهدا كاريكاتوريا لمؤتمر صحافي يشرح فيه موقفه السياسي ويرد فيه علي صحافي أراد السخرية منه وقلب السخرية عليه‏.‏

رائع‏,‏ كم استفدنا؟ وليرفع كل أمريكي غير رأيه بيوسف شاهين أو بفلسطين أو بأي شيء عربي يده‏,‏ ما لي لا أري أحدا؟

وكل شيء في الفيلم يسير لأن كاتبه ومخرجه أراده عنوانا لنفسه‏.‏ ليس ضروريا أنه يتنافي والتاريخ الشخصي والعام‏,‏ وليس ضروريا إنه لا يؤدي الي نتيجة فنية أو سياسية‏,‏ المهم هو أن يؤكد شاهين لنفسه وللمشاهدين أنه موجود ويستحق ما حققه من نجاح وشهرة‏.‏ شاهين يقولها في أكثر من مكان ويعيد مشاهد من باب الحديد ويركب مشاهد لاستلامه جائزة اليوبيل الفضي من مهرجان كان من باب هذا التأكيد‏.‏ ويستدرج‏,‏ ويا ليت كان في الحفلة التي حضرها نقاد أجانب‏,‏ المشاهدين للضحك والسخرية خصوصا عندما يهوي الموضوع بالمخرج فيصبح عاطفيا بحتا حول تمزق فتي بين حبه لأمريكا وحبه لمصر‏,‏ بين حبه لأمه وحبه لجنجر‏,‏ ثم بين حبه وحب زوجته‏(‏ نيللي‏)‏ لابنه ألكسندر‏.‏ وتنهمر الدموع كلما كان ذلك مناسبا‏,‏ هل كنت أشاهد فيلما ليوسف شاهين أم لحسن الإمام؟

من أخرج ماذا؟

لعله فيلم درامي‏.‏ بالتأكيد ليس كوميديا ولو أن الجمهور كان يجابه المحطات الهشة بالضحك‏.‏ لكنه ليس دراميا صافيا‏,‏ الأزمات مصطنعة والشخصيات ليست أعمق من لوح زجاجي سميك‏,‏ ثم أن هناك نزعة شاهين للرقص والغناء ولديه فرصة مثالية فأحمد يحيي راقص باليه‏,‏ دعه يرقص ويغني ويفرح شبابه علي الشاشة‏,‏ ودع المشاهد يتبرم متسائلا ما دخل هذه الأغاني والرقصات في القصة؟

السينما الميوزيكال لا تطبق عادة قوانين واقعية صارمة بين المشاهد‏,‏ لكنها في الأفلام الجيدة مربوطة جيدا إلي تلك المشاهد الدرامية الممثلة‏,‏ قد يتوقف الفيلم عن الحياة لخمس دقائق يرقص فيها أبطال الفيلم ويغنون‏,‏ لكن مشهد الأغنية والرقصة في الفيلم الجيد مربوط بما سبقه وبما سيليه‏.‏ عند شاهين هنا لا بأس إذا ما كان المشهد الراقص محشورا‏,‏ خذ مثلا مشهد خروج يحيي الشاب من أول زيارة له للأستديو‏,‏ يجد عند باب ستديو كولومبيا بائعة همبرغر علي عربة‏,‏ يرقص ويمثل لها مشهدا من كارمن وتنتقل الكاميرا من الرقص في الشارع إلي الرقص في الاستديو مع فرقة استعراض كاملة وعازفين وديكورات وفصل كامل من الحركات والغناء تبعا للمسرحية المعروفة‏,‏ ثم ننتقل مجددا إلي يحيي وقد انتهي من رقصه وغنائه وهو لا يزال أمام العربة علي قارعة الطريق‏,‏ لقد رقص للبائعة لكي يحصل علي همبرغر مجانا ولم تعطه‏.‏ ما علاقة ذلك كله بـ كارمن؟‏.‏ هل يستطيع يوسف شاهين أن يقول لي ما العلاقة؟

الفيلم في مقدمته يذكر أن المخرج المنفذ هو خالد يوسف‏,‏ وسأقولها مرة واحدة وأخيرة‏:‏ لا يوجد شيء اسمه مخرج منفذ‏.‏ إما أن هناك مخرجا‏,‏ وإما ليس هناك فيلم‏,‏ المخرج هو المنفذ الوحيد والفيلم إما أن يكون ليوسف شاهين أو لخالد يوسف‏,‏ وليس لخالد يوسف ويوسف شاهين معا‏,‏ علي هوان هذا الفيلم ليس لدي مانعا أن أصدق أن خالد يوسف هو المخرج‏,‏ لكن بصمات يوسف شاهين عليه في كل مكان بحيث يصعب اعتبار أن خالد مسئول عن هوانه‏.‏

في السابق‏,‏ حين نقدت بعض أعمال شاهين السابقة‏,‏ هوجمت علي ما قلته‏,‏ وحين أعجبني سكوت حنصور لم يكترث أحد لأن يجادل الرأي‏,‏ لكن المرء لا يكتب لكي يعجب أو لا يعحب‏.‏ فقط ليتمني أن يقرأ المخرجون المادة بعقولهم وليس بقلوبهم‏*

الأهرام العربي في

29.05.2004

 
 

"عطش" للفلسطيني توفيق أبو وائل

يتوهج كعمل أول بسحر الفن وشفافية السينما الخالصة ويخطف جائزة "الفبريسي"

صلاح هاشم

تعرض مؤسسة السينماتيك الفرنسيي، دار الافلام الشهيرة في باريس، مترو "بون نوفيل"، تعرض مجموعة الافلام التابعة لتظاهرة "اسبوع النقاد" التي عرضت في مهرجان "كان " 57،، ومن ضمنها فيلم "عطش" للفلسطيني توفيق ابو وائل(من "أم الفحم" في فلسطين) وفيلم "الملائكة لا تطير في الدار البيضاء"  للمغربي محمد أصيلي..

ويعتبر فيلم "عطش" الذي اعجبنا به كثيرا في "كان"، من أحسن الافلام العربية التي عرضت في المهرجان، وتوهجت بالفن السينمائي الاصيل، والتعبير من خلال عنصر الصورة فقط ومن دون " تصريحات" و" هتافات" وحشو استعراضي فارغ، اذ يحكي ATASHعن اسرة فلسطينية تعيش منفردة تحت سيطرة الاب وجبروته، في عزلة عن المجتمع الفلسطيني، وتعمل بصناعة الفحم..

وكان الاب بعد ان اغتصب احدهم ابنته الكبري، قرر الرحيل مع اسرته، درءا لعاره،وعلي الرغم من ان ابنته لم يكن لها ذنب في ماوقع لها، والاستقرار في تلك المنطقة المنعزلة او الارض المهملة المهجورة التي يستخدمها الجيش الاسرائيلي بين الحين والحين، كساحة لتدريبات اطلاق النار..

ويسحبنا توفيق ابو وائل داخل فيلمه الرائع- البعيد جدا عن الصراعات والمواجهات والمشاحنات المكررة المعادة في الافلام الفلسطينية المعتادة التي تكشف عن عذابات الفلسطينيين ومحنتهم- يسحبنا الي داخل فيلمه، لنعيش مأساة الاسرة الفلسطينية من الداخل، في الباطن، التي يشمخ فيها الاب بسلطته، ( فتش عن الاب) وينجح في تحويل ذلك الخلاء في الهواء الطلق، الي مستعمرة كافكاوية من القسوة والحبس، اذ يدوس علي رقاب الصغار، و يمنع ابنته الكبري من الخروج حتي تضطر الي الهرب،من فرط الظلم الواقع عليها، وعلي افراد الاسرة جميعا، ويعنف ابنه البالغ 16 سنة علي تسلله وهروبه الي المدرسة علي ظهر حمار، ويضربه ضربا مبرحا، وكأنه يحفزه علي قتله، وتخليص الاسرة من استبداده..

وتنحصر اعمال الاسرة في قطع اخشاب الشجروحرقها لصنع الفحم، وتبدو هذه النار المشتعلة في الشجر، امتدادا لنار الغضب والكراهية والحقد علي هذا الاب الظالم في الصدور، وكأنها ستلسع في النهاية مع تطوراحداث الفيلم، ستلسع افراد الاسرة، وتأتي عليهم جميعا وتلتهمهم..

فيلم "عطش" لتوفيق ابو وائل الذي يحكي ايضا عن تركيب ماسورة مياه لتزويد الاسرة بالماء، وتكون بمثابة صلتها الوحيدة بالعالم الخارجي في اسرائيل، وتجلب عليها المشاكل، هو اشبه مايكون بقصة قصيرة لتشيكوف الروسي العبقري، فهو عن اناس عاديين، لكنهم فجأة يتحولون عند النفاذ الي عوالمهم الداخلية،كما في قصص تشيكوف، يتحولون الي" ابطال تراجيديين "، يتجاوزون حدود عالمهم الخاص جدا والضيق، لكي يعانقوا فينا انسانيتنا، ويعبروا حدودهم الاقليمية الي العالمية..

فيلم " عطش" الذي بدا لنا مثل "تراجيديا" يونانية لاسخيلوس او سوفوكل، بايقاعه البطيئ واجوائه، يتوهج سينمائيا في حكايته وتصويره وشخصياته، يتوهج بتركيزه ورموزه وبساطته وشفافيته، مثل قصيدة لليوناني كفافي، او الفرنسي جاك بريفير، ويتألق بتمثيل مجموعة من الممثلين الهواة من غير المحترفين، تضم حسين ياسين مهجان وأمل بويرات وروبا بلال وجميلة أبوحسين وأحمد عبد الغني، ويخلو من " نجوم" السينما العربية، من أنصاف المواهب،وتجدهم يامؤمن في كل فيلم، حتي خربوا السينما الفن في بلادنا،وجعلوها بسبب حضورهم وطلباتهم ونزواتهم في كل فيلم، تقف عند حدود تصوير اناس بلهاء يتكلمون ويثرثرون،كما في جل أفلامناومسلسلاتنا التلفزيونية العربية للاستهلاك المحلي، من أجل ارضاء "الذائقة" الفنية العربية التي انحدرت ووصلت في اطار التدهور الشامل العام الي الحضيض..

فيلم "عطش" لتوفيق ابو وائل- فيلمه الروائي الطويل الاول- حصل في "كان" 57 علي جائزة "الفبريسي"ا تحاد نقابات و جمعيات النقاد السينمائيين في العالم، وهي جائزة ذات قيمة ووزن كبيرين، اذ تمنحها مجموعة من النقاد المختصين في مهرجان "كان" كل سنة لأفضل فيلم من افلام تظاهرتي "نصف شهر المخرجين" و"اسبوع النقاد" في المهرجان، وهو يستحق المشاهدة عن جدارة، فترقبوه، وتحية الي توفيق ابو وائل علي فيلمه الجميل الذي يعكس موهبة سينمائية حقيقية، ويعلن عن ميلاد مخرج فلسطيني جديد ومتميز، من قلب نار الحطب في "أم الفحم" واحتلال فلسطين..
ويعرض "عطش" في اطار التظاهرة المذكورة يوم السبت 5 يونيو الساعة 7مساء، اما فيلم "الملائكة لا تطير في الدار البيضاء" للمغربي محمد أصيلي فيعرض يوم الاحد 6 يونيو الساعة 7 مساء.

والجدير بالذكر ان فيلم "ذهبي" OR الحاصل علي جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان " كان " ويحكي عن الدعارة في المجتمع الاسرائيلي، وكانت مخرجته كيرين يدايا المناضلة الاسرائيلية اليهودية في حفل تسليم الجوائز، ذكرّت في كلمتها بمحنة الفلسطينيين وعذاباتهم، و طالبت العالم ان ينهض لمساعدتهم في نضالهم ضد الاحتلال والقهر والقمع في فلسطين المحتلة، ونقلت تصريحاتها عبر البث المباشر للحفل،شاشات التلفزيون في انحاء العالم،و بحضور اكثر من 4 الآف صحفي في المهرجان..

سوف يعرض ايضا فيلم "OR " ضمن افلام التظاهرة يوم الخميس 3 يونيو في التاسعة والنصف مساء، وسنعود اليه في ( حصاد "كان" السينمائي) قريبا علي صفحات إيلاف.

موقع "إيلاف" في

29.05.2004

 
 

السينما الأمريكية تتواجد بقوة في كان

عنف آسيوي‏..‏ وهواجس أوروبية تسيطر علي أفلام المهرجان

أحمد عاطف

استطاعت أفلام مهرجان كان السينمائي الدولي الأخير أن تدخل تحت مسام شعوب العالم وتكون مرآة حقيقية لحال الإنسان الحائر بين ظروف مجتمعه وبين أحواله الشخصية‏..‏ وكانت أبلغ الظواهر تجليا هي سيطرة ثقافة العنف علي أفلام جنوب شرق آسيا‏..‏ ومطاردة الماضي السياسي للحاضر في أفلام أمريكا اللاتينية‏..‏ والبحث عن الحب الضائع والأسرة الغائبة في الأفلام الأوروبية‏..‏ ففي فيلم مثل صورة للفرنسية أنييس جاوي‏(‏ الحائز علي جائزة أفضل سيناريو‏)‏ تبحث كل الشخصيات عن السعادة مثل الفراشات التي تدور حول النار‏..‏ لكنها تحترق جميعا بنار الحيرة‏..‏ فهي شخصيات تعرف جيدا ماذا تفعل اذا كانت في مكان الآخرين لكنهم لايعرفون التعامل مع حياتهم هم‏.‏

أيضا في الفيلم الفرنسي أكثر من منفي لتوني جاتليف‏(‏ الحائز علي جائزة أفضل مخرج‏)‏ يقود البطل البحث عن جذوره في الجزائر في رفقة فتاة عربية مثله ويقرر ان يقطع الرحلة برا وبحرا من فرنسا لأسبانيا للمغرب للجزائر‏..‏ إنه نفس شعور المخرج الذي ولد بالجزائر ويحمل جذوره من الغجر بالاضافة لجنسيته الفرنسية‏..‏ والحق أن فكرة امتزاج الدماء التي أصبحت من سمات أغلب بلاد العالم‏(‏ خاصة أوروبا‏)‏ مازالت تؤرق البشر هناك رغم مرور وقت طويل علي الحياة التي عاشها الأجانب في بلاد غير بلادهم‏.‏

أما فيلم نظيف للفرنسي أوليفيه أساياس‏(‏ الحائز علي جائزة أفضل ممثلة للصينية ماج شونج‏)‏ الحائر في حواره بين الانجليزية والفرنسية معا وفي أحداثه التي تدور بين كندا وباريس ولندن وسان فرانسيسكو‏..‏ لكن بطلة الفيلم حائرة أيضا بين رغبتها في ان تصبح‏(‏ نظيفة‏)‏ وتتخلص من الإدمان ولكن حياتها تجبرها الا تكون كذلك‏.‏

ان حيرة أوروبا لاتجدها فقط من خلال موضوعات الأفلام لكننا نجدها أيضا علي مستويات أكبر وأكثر أهمية‏..‏ فمهرجان كان خصص يوما للسينما الأوروبية تحت عنوان كيف تصبح سينمائيا في أوروبا وتمت دعوة‏25‏ وزير ثقافة أوروبيا ليصعدوا السلالم الحمراء الشهيرة‏..‏ وأقام المهرجان داخل أروقته عشرات الأنشطة الخاصة بالسينما الأوروبية‏..‏

ورغم ذلك ينتابك الإحساس بأن المهرجان أمريكي في أحد جوانبه‏,‏ فأربعة من أعضاء لجنة التحكيم‏(‏منهم الرئيس‏)‏ أمريكيون‏,‏ وبالمسابقة عدة أفلام تجارية أمريكية منها‏(‏طروادة‏)‏ الذي عرض في نفس التوقيت بدور العرض العالمية‏,‏ وفيلم الرسوم المتحركة‏(‏ شريك‏2),‏ وبالطبع كان لنجوم هوليوود الذين حضروا المهرجان مثل‏(‏براد بيت وكايمرون دياز‏)‏ الاهتمام الأكبر‏,‏ وأيضا النشرات اليومية للمهرجان تصدرها المجلات الأمريكية الشهيرة مثل فارايتي‏.‏

لكن في الجانب الاخر من العالم كان فيلما أمريكا اللاتينية المهمان بالمهرجان يتذكران زعيمين أيقظا روح الثورة علي مدار تلك القارة بأكملها‏,‏ أولهما‏:‏ هو يوميات الموتوسيكل‏,‏ للبرازيلي والترسالاس ـ من أجمل أفلام المهرجان ـ عن رحلة الزعيم جيفارا علي موتوسيكل لاكتشاف الواقع السياسي في بلاد القارة وقراره بضرورة تحريرالشعوب‏,‏ وثانيهما عن زعيم شيلي الحالم سلفادور الليندي‏,‏ الذي ملأ قلوب أولاد بلده بالهواء النقي‏,‏ ثم تآمرت عليه الولايات المتحدة وأطاحت به بأوامر من رئيسها ريتشارد نيكسون‏,‏ وبرغم أن هذا الفيلم تسجيلي إلا أنه أثبت حضوره الطاغي وسط الأفلام الكبري بنبرة الصدق التي سادته‏.‏

أما أكثر ما صدمني بالمهرجان فقد كان كم العنف المجاني المتفجر من الأفلام الآسيوية الصفراء‏,‏ فالكوريالولد العجوز امتلأ باقتلاع الأسنان والأعين التي يمارسها المخرج بمتعة واضحة غير مبررة‏!‏ والصيني آخرالأخبار ممتليء بالقتل‏,‏ حتي المخرج الصيني الكبير زانج ييمو اتجه لأفلام الأسلحة الحربية‏(‏مارشيال أرتس‏),‏ وهو المعروف بولعه للعالم الداخلي للإنسان‏,‏ لكنه فيمنزل القتلة الطيارين يبدومتأثرا بالفيلم العظيمنمر رابض وتنين مختبيء‏,‏ الذي أوجد وراءه موجة كاملة من أفلام المحاربين الآسيويين الذين يقاتلون وهم يطيرون في الهواء‏.‏

الأهرام اليومي في

02.06.2004

 
 

أهدت فيلمها الفائز بالكاميرا الذهبية إلى المحرومين من الحرية

كيرين الإسرائيلية: ساعدوا الفلسطينيين

فازت المخرجة الإسرائيلية الشابة كيرين يدعيا بجائزة <<الكاميرا الذهبية>> عن فيلمها الروائي الطويل الأول <<كنز>>، الذي شارك في التظاهرة الثالثة والأربعين ل<<الأسبوع الدولي للنقّد>>، التي أقيمت في خلال الدورة السابعة والخمسين لمهرجان <<كان>> السينمائي الدولي (2212 أيار الفائت). روى الفيلم حكاية العلاقة الناشئة بين فتاة وأمها العاهرة، في محاولة من الأولى رعاية الثانية، وإنقاذها من البؤس والضياع اللذين تعانيهما الأم.

إثر فوزها بالجائزة، أهدت كيرين يدعيا الفيلم والجائزة معاً <<إلى الناس المحرومين من الحرية>>، متمنية لو أن هناك إمكانية ما ل<<بناء ملجأ للنساء اللواتي يردن التوقّف عن ممارسة الدعارة>>. لكن الفقرة الأبرز في تعليقها هذا أمام مئات ملايين متابعي وقائع الحفلة الختامية، جاء في قولها: <<من الصعب جدا عليّ أن أقول ما سبق، لأني جئت (إلى هنا) من إسرائيل، ونحن مسؤولون عن معاناة أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني. أنا أحبّ بلدي إسرائيل. لكن، هناك أناس كثيرون في إسرائيل يناضلون ضد هذا الاحتلال. أرجوكم ساعدوهم، ساعدوا الفلسطينيين>>.

هنا مقالة تعرّف بها وبأعمالها، مترجمة عما نشرته المجلة الفرنسية الشهرية المتخصّصة <<دفاتر السينما>>، في عددها الصادر في أيار الفائت.

درست كيرين يدعيا (31 عاما) في مدرسة السينما والتصوير الفوتوغرافي في تل أبيب، وقدّمت نفسها أولا في المشهد الإسرائيلي بفضل النضال السياسي، إذ إنها مناضلة في صفوف اليسار الراديكالي، وعضو في حركات احتجاج على احتلال الأراضي الفلسطينية، ومناصرة مستبسلة للنزعة النسائية، وأحد الأصوات العالية التي التزمت (ولا تزال) قضية المساواة بين الرجل والمرأة في إسرائيل. شكّلت أفلامها امتدادا مباشرا لالتزامها السياسي، وعرفت كيف تُجنّبها الأفخاخ المعتادة ل<<الواقعية الاشتراكية>> و<<أفلام القضايا>>. نتاجها موسوم بأسلوب مرتكز على عمل مفصّل ذي لقطات طويلة ثابتة، ومتحرّر من أي تحليل نفسي، إذ إن المخرجة تهتم أكثر بوصف الوقائع المادية التي غالبا ما تُعطي لأفلامها مظهرا فظّا. شخصياتها النسائية ضحايا محيطهنّ العائلي والاجتماعي، ويتصرّفنّ في إطار تدمير ذاتي قاس، إلى درجة أن هذين المحيط والتصرّف لا يتركان لهنّ أي منفذ أو باب للخروج.

بدأت كيرين يدعيا حياتها الفنية بفيلم روائي قصير، أنجزته في العام 1994، في ختام دراستها الأكاديمية، بعنوان <<إلينور>>: وصف الحياة اليومية لشابة تُستدعى للخدمة في الجيش الإسرائيلي. بعيدا عن أي فعل بطولي، تخدم المجنّدة في ثكنة صغيرة، وتُكلّف بتنفيذ الأعمال المنزلية الأكثر إذلالاً، كتنظيف مراحيض الجنود. صوّرت المخرجة هذا العمل شبه الساديّ بتفاصيله الأكثر فظاظة وشراسة، الذي انتهى إلى تحطيمها شيئاً فشيئاً. في <<لولو>> (1998)، فيلمها الروائي القصير الثاني، تناولت المخرجة يدعيا موضوع الدعارة، للمرّة الأولى، برسمها بورتريه لعاهرة إسرائيلية شابة، تعيش كراهية اجتماعية ونفورا نفسيا. لا يقف الفيلم عند هذا الحدّ، إذ إنه بدا وسيلة للتفكير في كيفية تقديم جسد المرأة وموضوع الجنس في السينما، من دون تناسي رغبة المخرجة، بهذا الفيلم أيضا، في تطوير استراتيجيّتها الخاصة بتسييس المُشاهد. عُرض <<لولو>> في مهرجانات عدّة، منها <<مهرجان أفلام النساء في كريتاي>>، حيث شاهدته فيرجين ديسبانت، التي تحمّست له ولمخرجته، فعرّفت كيرين يدعيا على المنتج الفرنسي إيمانويل أنيريه (بيزبي للإنتاج)، الذي اقترح عليها العمل في فرنسا.

كنز

في باريس، حقّقت فيلمها الروائي القصير الثالث <<البواطن>> (2000)، الذي فاز بجائزة النقّاد في <<مهرجان غرونوبل>>: دارت أحداثه كلّها في غرفة صغيرة في داخل محل لبيع الألبسة، مخصّصة بقياس الثياب. امرأة شابة بدينة تجرّب عددا من الملابس الداخلية من دون أن تعثر على أفضل ما يلائمها. على الرغم من مظهره الحكائي المبسّط، فإن <<البواطن>> تعرّض لعملية تسييس واضحة، إذ وجد كثيرون فيه نوعاً من <<احتفال قاس، وضع شوائب الجسد في مواجهة السياسة الإعلانية المفروضة>>. لكن كيرين يدعيا لم تكن راضية كلّيا عن فيلمها هذا، إذ رأت أن الموضوع والحدث <<بورجوازيان جدا>>.

في هذه الفترة، بدأت كتابة سيناريو فيلم روائي طويل تدور أحداثه في حيّ شعبي في تل أبيب، ويصف العلاقة القائمة بين عاهرة وابنتها. هنا، ارتبط انعكاس حالة المرأة بتحليل العلاقة القائمة بين الطبقات، خصوصا أن العلاقة الثنائية <<الأم الابنة>> بدت منقلبة: فالابنة تهتم بأمها، وتحاول أن تحميها من بشاعة الواقع الذي تعيشه، وأن تُخرجها من عالم البغاء. لكن الفقر ولامبالاة المحيط المجتمعي جعلاها ترزح، بدورها، تحت وطأة هذا العالم. في العام 2001، حصلت كيرين يدعيا على منحة <<المساعدة على تطوير السيناريو>> من <<مهرجان سينما البحر المتوسط في مونبيلييه>>، التي سمحت لها بإكمال مشروعها والعمل على تحسينه وتطويره، في خلال عامين اثنين فقط. في نهاية العام 2003، تمّ تصوير الفيلم، الذي حمل عنوان <<كنز>> (عنوانه بالفرنسية <<كنزي أنا>>)، وهو إنتاج فرنسي إسرائيلي (>>بيزبي للإنتاج>> و<<ترانسفاكس للإنتاج>>).

السفير اللبنانية في

03.06.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)