كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أحمد زكي في عيون أهل الفن

أمير العمري

عن رحيل الإمبراطور

أحمد زكي

   
 
 
 
 

استطلع أمير العمري، موفد بي بي سي أرابيك أونلاين إلى مهرجان تطوان السينمائي في المغرب، ردود فعل عدد من الفنانين المصريين والعرب المشاركين في المهرجان عن وفاة الممثل المصري أحمد زكي فقالوا:

الممثلة بوسي

كان الزميل العزيز الراحل الفنان أحمد زكي يتمتع بحب الجمهور في أرجاء العالم العربي كافة، وقد تميز بتنوع أدواره من البواب إلى الزعيم السياسي، وكان القريبون منه يشعرون أنه يتوحد مع الشخصيات التي يؤديها إلى حد أنها كانت تترك تأثيرها عليه وعلى شخصيته. وربما يكون الحب الجارف الكبير الذي عبر عنه الملايين بعد أن سقط أحمد زكي مريضا قد عوضه عن كل الأشياء التي كانت ناقصة في حياته. الفنان لا يموت طالما بقيت أعماله، وسيظل أحمد زكي موجودا في حياتنا من خلال أفلامه وتاريخه الفني الذي لا يندثر.

المخرج السينمائي محمد خان

جمعتنا معا بدايات سينما أخرى في مطلع الثمانينات، مليئة بالأحلام والطموحات، وخاصة الذكريات. ومن الأحلام التي تحققت فيلم "زوجة رجل مهم" الذي يجسد في رأيي موهبته الفذة في تقمص شخصية ليست بالضرورة تاريخية، ولكنها حقيقية مئة بالمائة، ومن الحياة. جمعتني معه ستة أفلام وكادت تجمعنا أفلام أخرى عديدة وستظل أفلامنا معا تجمعنا عبر الأزمان مهما كان الفراق.

الموسيقار نصير شمة

ما حققه أحمد زكي في وجوده لدى المشاهد العربي هو وجود خاص لأن الجمهور كان يشعر أنه ممثل جاء منهم ومن بينهم، وكان بتكوينه الشخصي وملامحه الخارجية ينتمي إليهم، على خلاف ما كان سائدا في السينما المصرية في الماضي. وقد تعامل أحمد زكي مع بعض الشخصيات التي أداها من الخارج، ومع شخصيات أخرى من الداخل والخارج، عايشها وحاول إعادة تكوينها من جديد. وقد اكتشف خلال حالته المرضية محبة الناس له ونال في حياته الكثير من التكريم الذي يستحقه. ولعل روحه ترقد هادئة قانعة بما أنعم عليه الله.

الصحفي والناقد السينمائي وائل عبد الفتاح

أحمد زكي هو الممثل الوحيد الذي استطاع أن يربط بين حياته وتمثيله في الفترة الأخيرة من حياته. أسطورة أحمد زكي تتمثل في تمكنه من صناعة بطل عادي لم يكن من الممكن أن يصنعه في البداية أو أنه ووجه بالرفض، لكنه تمكن من فرضه ونجح في توصيله للناس. وكان أكبر ما حققه أحمد زكي من نجاح يكمن في نجاحه في كسر الحدود بينه وبين الشخضيات التي أداها.

د. محمد كامل القليوبي مخرج سينمائي

أحمد زكي هو أهم ممثل في تاريخ السينما المصرية، ورأيي أن خسارته لا تقل عن خسارة فنانين من وزن محمد عبد الوهاب وأم كلثوم. إن موهبته غير قابلة للتكرار. وقد ظهرت أهميته الكبرى في تعبيره عن رجل الشارع المصري ببساطته. وقد كافح كفاحا هائلا لكي يثبت وجوده، وكان يحتفظ حتى أوائل التسعينات بالحذاء الذي جاء به سيرا على الأقدام من مدينته الزقازيق إلى القاهرة قبل أن يلتحق بمعهد الفنون المسرحية. إن وفاته خسارة شخصية أيضا.

صلاح هاشم الناقد السينمائي

حقق أحمد زكي بحضوره الفني أحلام جيل السبعينات في السينما المصرية، عندما اختار رواد هذا الجيل لكي يكون البطل أو الشخصية الرئيسية في أفلامهم الواقعية الجديدة. فشمخ في أفلام عاطف الطيب ومحمد خان وداود عبد السيد، واستطاع أن يغير إلى الأبد صورة البطل أو "الفتى الأول". كان أحمد زكي على الشاشة شامخا شموخ نجوم كبار من أمثال روبرت دي نيرو وجاك نيكلسون من حيث قوة الحضور والقدرة على التقمص إلى حد الذوبان والفناء في الشخصية التي يؤديها.

أسامة فوزي مخرج سينمائي

فقد جيلنا بوفاة أحمد زكي ممثلا خاصا من طراز رفيع ربما يكون أهم الممثلين تألقا في السينما العربية، وقد ترك أحمد زكي بصمته على ما قام به من أفلام بل وعلى أفلام مجموعة كاملة من المخرجين، وأعتقد أن أفلامه سيعاد تقويمها ووضعها في اطارها الصحيح في المستقبل.

موقع الـ "BBC" العربية في

28.03.2005

 
 

نجم .. و55 وجهاً .. وراء كل وجه حكاية

رفض "أنف "عبدالناصر .. رغم " أنف" الجميع.. مع السادات لجأ إلي "الزيرو"

البواب عبدالسميع .. البريء .. سبع الليل .. أدوار لا تنسي

وراء كل فيلم من أفلام أحمد زكي حكاية.. تجسدها صورة بطل الفيلم.. يحتفظ الناس باسم البطل.. وملامحه.. وينسون تماماً أنه "زكي" بكل الوجوه التي جسدها.. وهي 55 وجهاً في أفلامه. علي مستوي الزعماء جسد "ناصر 56".. ورفض أن يتم اللجوء إلي طبيب التجميل لتعديل أنفه.. لكي يطابق أنف عبدالناصر.. وأعلن التحدي وقرر أن يلعب الشخصية من داخلها وليس بملامحها الخارجية فقط.. ونجح في التحدي ونسي المتفرج اختلاف الملامح.. وعاش مع ناصر .56 وعندما قرر تقمص شخصية السادات وهي علي اختلاف تام مع ناصر.. اتهمه البعض بالجنون.. ولكنه كان كالمعتاد.. قرر التحدي وراح يحلق شعر ر أسه بالموس حتي يقترب من صلعة الرئيس السادات.. واستعان بالبايب الشهير.. واستغاد من الحركات التي ارتبطت بالسادات.. بفمه وعينيه ويديه.. وجبهته.

وقبل ذلك بسنوات.. وهو لايزال في المهد صاعداً.. كان يرتدي بدلة طه حسين.. ويتجول في السوربون. كأنه ولد كفيف يعيش بالبصيرة.. رغم فقدانه للبصر.. وفي "مستر كاراتيه" تعلم الرقص والغناء.. وقبلها في "كابوريا" أجاد الملاكمة وأدهش أهل الرياضة.. بطريقة أداء هذه المشاهد.. كأنه من أبطال اللعبة.. وتسريحة الشعر التي ظهر بها في الفيلم أخذت اسمها بعد ذلك من الفيلم ومن أحمد زكي..

إذا ظهر كسائق.. كما حدث في فيلم "طائر علي الطريق" تتوقع أن تراه في أي لحظة يقود البيجو أو الميكروباص علي الطرق السريعة بين المحافظات..

هو الكوافير في "موعد علي العشاء".. وتاجر المخدرات في "الإمبراطور".. والضابط في "زوجة رجل مهم" وعبدالسميع أو "البيه البواب".. وسبع الليل في "البريء".. والمحامي المحتال الذي يعيش علي التعويضات في "ضد الحكومة".. وهو الموظف النمطي. الذي يأخذ العهدة ويسلمها علي "الساركي" كما رأينا في فيلم "أربعة في مهمة رسمية".. هو تاجر السمك الطموح كما ظهر في "شادر السمك".. هو النصاب الذي يلعب ب"البيضة والحجر" الدجال المحترف.. وهو "الطبال" الذي يدق للراقصة "نبيلة عبيد".. وهو أيضاً المهندس والصحفي والمقاتل في حرب أكتوبر.. و"متولي" بطل حكايته الشهيرة مع شفيقة.

هو المصور الغلبان الذي يهاجر مع ابنته طالبة الطب إلي القاهرة ليصطدم بالصراع فيها.. ومع ذلك يضحك لأجل أن تكون الصورة حلوة..

.. وما قولك عندما شاهدناه.. وهو الطيار الذي شارك في حرب أكتوبر والمفصول من الخدمة لخطأ غير مقصود. وتتخلي عنه زوجته. وينحرف.. كما جاء في فيلم "الرجل الثالث"..

ومع كل هذه الوجوه والأقنعة الفنية.. التي وضعها علي وجهه.. وغيرت ملامحه.. لكنه دائماً كإنسان.. ظل بوجهه الواحد.. ولسانه الواحد.. وقلبه الواحد.. ورأيه الواحد.. مهما كان الثمن..

حكايات الأفلام ومنها

* السادات: بطولة ميرفت أمين- مني زكي وإخراج محمد خان ـ ظهر زكي في أروع أدواره قصة حياة الرئيس الراحل أنور السادات من واقع سيرته الذاتية وقد نجح نجاحاً ساحقا في دور العرض وأشاد به النقاد وأصبح علامة في تاريخ السينما المصرية.

* أرض الخوف بطولة سامي العدل- عزت أبو عوف- عبدالرحمن أبو زهرة واخراج داود عبدالسيد.. هو ضابط الشرطة المثالي لأعلي الدرجات. يوكل من قبل الإدارة العامة للمخابرات بأن يصبح فاسداً لخدمة الوطن في مهمة غريبة تسمي أرض الخوف.

* ضد الحكومة: بطولة أبو بكر عزت. عفاف شعيب. لبلبة. أحمد خليل. المنتصر بالله.. اخراج عاطف الطيب.

هو محام اعتاد استغلال سذاجة ضحايا حوادث الطرق فيأخذ من أسرهم توكيلا للمرافعة تعويضا ويحقق أرباحا مع مجموعة من زملائه ومنهم زميلته القديمة سامية. يفاجأ ذات يوم أن عليه أن يأخذ توكيلا من أسرة مطلقته ثم يعرف أنه ابنه. ويتغير سلوك مصطفي يسير في التعويضات. فيرفع قضية ضد الحكومة. ويواجه الكثير من المتاعب. فيتم توجيه التهم له. وتؤخذ قرائن ماضيه ضده لكنه يصر علي موقفه خاصة بعد أن تناصره زميلته.

* الحادثة: بطولة كمال الشناوي وليلي علوي ونجاح الموجي مظهر أبو النجا وأمينة رزق وهو الشاب العصامي أمه واخته من دخل سيارة الأجرة التي يمتلكها. تصدمه الفتاة الثرية نيفين يحطم سيارته. يقودها إلي قسم الشرطة بعد أن يعتدي عليها ضربا. يصل والدها راتب بركات الكبير صاحب السلطة والنفوذ. يثور علي حسين ويرفض أن يعوضه عن خسارته. تصاب الأم ويحتاج حسين إلي المال لعلاجها ويحاول الحصول عليه من راتب ولكنه يرفض. تموت الأم وحسين يخطف نيفين ويطالب راتب بفدية كبيرة. يرفض راتب الاستسلام ويتحدي حسين. يصل بنفسه إلي المكان ومعهم راتب. ينهار حسين قبل أن يحدد موقفه وتنهال عليه طلقات رصاص ويلقي مصرعه.

* الهروب: سيناريو مصطفي محرم واخراج عاطف الطيب وبطولة: هالة صدقي. حسن حسني. عبدالعزيز مخيون. محمد وفيق. زوزو نبيل وأبو بكر عزت.

وهو الذي جاء من أقاصي الصعيد ليعمل بالقاهرة. يعمل في شركة تتولي سفر العمال إلي البلاد يكتشف أن المكتب الذي يعمل به يلجأ إلي التأشيرات المزورة. يدب الخلاف بينه وبين مدحت شريكه فيدبر له تهمة حيازة المخدرات. ويدخل السجن وعندما يخرج يفاجأ بابنة عمه الذي عقد قرانها قد استسلمت لرجوات التي تدفعها للانحراف. يقرر الانتقام من مدحت فيقتله. يتورط أيضا ويتم القبض علي منتصر إلا أنه يتمكن من الهرب وفي إحدي مرات القبض عليه يحاول صديقه ضابط البوليس سالم ولكن يطلق رجال الشرطة في اتجاهمها.

* البيضة والحجر: بطولة معالي زايد. فؤاد خليل. أحمد توفيق. نجوي فؤاد. صبري عبدالمنعم. عبدالغني ناصر. نعيمة الصغير. محمود السباع. عبدالله مشرف. أحمد غانم. واخراج علي عبدالخالق وعن سيناريو كتبه محمود أبو زيد عن مدرس فلسفة يؤجر حجرة في أحد المنازل- يعتقد سكان المنزل أنه علي صلة بعالم الجن ينجح بلباقته في التوفيق بين زوجين تتكرر خلافاتهما. يتبارك به أهل الحي. يستغل هذا في التلاعب بمشاعر الناس وابتزازهم حتي يسقط.

* اضحك الصورة تطلع حلوة: عن قصة وسيناريو وحوار وحيد حامد واخراج شريف عرفة بطولة: مني زكي. سناء جميل. ليلي علوي. كريم عبدالعزيز. عزت أبو عوف.. وهو مصور فوتوغرافي في مدينة صغيرة يعيش مع أمه روحية وابنته تهاني بعد وفاة زوجته منذ عشر سنوات تحصل تهاني علي مجموع يؤهلها للالتحاق بكلية الطب في جامعة القاهرة. فتقرر الأسرة سفرها إلي القاهرة. يتبادل سيد الحب مع نوسة الأرملة الشابة التي تدير كشكاً علي كورنيش الأمل سيد مصورا متجولا. تتبادل تهاني الحب مع زميلها طارق ابن أحد كبار رجال الأعمال. يحاول أن يمنع زواج ابنه من تهاني. ولكن طارق يتمرد علي والده ويتزوج من تهاني.

* ناصر 56: بطولة فردوس عبدالحميد. أحمد ماهر واخراج محمد فاضل عن سيناريو لمحفوظ عبدالرحمن وفيه يجسد دور عبدالناصر عندما اتجه إلي يوغوسلافيا صيف 1956 للاجتماع مع تيتو ونهرو. يعلن البنك الدولي عدم تمويل مشروع بناء السد العالي في مصر. يعود عبدالناصر إلي مصر ويقرر تأميم قناة السويس.

التأميم في 26 يوليو. وتتوالي ردود الفعل العالمية. ويبدأ العدوان الثلاثي الإسرائيلي الفرنسي البريطاني علي مصر ويعلن عبدالناصر المقاومة.

* الرجل الثالث: بطولة محمود حميدة. ليلي علوي. فتوح أحمد. مها عز الدين ومحمد الصاوي.. اخراج علي بدرخان يقوم بدور طيار مقاتل شارك في حرب 73 ولكنه يفصل من الخدمة بسبب خطأ غير مقصود أدي رلي إصابته أثناء المعركة. تتخلي عنه زوجته وتتزوج من غيره. يعمل كمال علي طائرة هليكوبتر. يتردد علي أحد النوادي الليلية حيث يتعرف علي سهام عشيقة المليونير رستم رجل الأعمال وتاجر المخدرات والتي تفقد الأمل في الزواج منه. يستغل حاجة كمال الملحة للمال ويحاول الايقاع به حتي يقبل العمل معه بأن ينقل بطائرته صفقة المخدرات التي ينتظر وصولها حتي لا يتعرض لمخاطر خفر الوساحل وتفتيش إدارة الجمارك إلا أن سهام وكمال يقع كل منهما في الفخ عندما يعلم رستم بمشاعرهما يتوعد لهما ولكن بعد تنفيذ المهمة. يقوم كمال بالتبليغ عن العصابة ويتم القبض عليهم. يشعر كمال بأنه استعاد كرامته وثقته في نفسه.

* الامبراطور: بطولة رغدة.. وإخراج طارق العريان الذي التقي معه أيضا في فيلم "الباشا" مع مني عبدالغني.. وفي الامبراطور يلعب دور إبراهيم بعد الإفراج عنهما مع تاجر المخدرات سليم. يستقل عنه زينهم ويعاونه إبراهيم علي أعماله غير المشروعة. يخطط سليم للتخلص منه فيقتله زينهم ويتزوج من عشيقة سليم التي تضيق بتكالبه علي المال وجرائمه المتكررة وتستسلم للهيروين. يحقق معه مكتب المدعي الاشتراكي لمصدر ثروته المريب ولكن محاسبيه ومحاميه يثبتون براءته. يستسلم للهيروين بعد يأسه من مجيء الجنين الذي يتوق إليه. يقتل إبراهيم بعد أن يظن أنه قد خانه مع حياة ثم يلقي حتفه علي أيدي أحد منافسيه.

* البرنس: بطولة حسين فهمي وهناء ثروت وفي الفيلم يتخلص من أفراد عائلته حتي يرثهم وليحمل لقب البرنس. ينفذ خطته ويقتل ستة أفراد منهم. يتزوج أمينة أرملة أحدهم. يتهمه رجال الشرطة بقتل سمير زوج حبيبته السابقة وردة بالإعدام. تتفق معه وردة علي تقديم دليل براءته مقابل أن يتخلص من أمينة ليتزوجها. ولكنه ينسي داخل الزنزانة مذكراته التي يعترف فيها بجرائمه الست.

 

"هو" يلحق به .. وبها!!

سمير فريد 

أمس لحق احمد زكي بصلاح جاهين وسعاد حسني وهم ثلاثي مبدع علي نحو فذ ولامثيل له علي كل المستويات. وقد جمعت بينهم اعمال فنية عديدة ومنها مسلسل "هو وهي". ذلك العمل الفني الشامل والعصري والمتميز في تاريخ الابداع التليفزيوني المصري. كما جمعت بينهم "صداقة" نادرة في الحياة. وأمس جمع بينهم ايضا الفراق التراجيدي المدوي لها. فلم يمت أي منهم موتاً عادياً. وانما موت الفرسان النبلاء. وفي ذروة العطاء. وإن اختلف مصيرهم من الظاهر.

عندما علمت بمرضه عبر مكالمة تليفونية في فبراير من العام الماضي كنت متوجهاً الي موعد. فطلبت من سائق السيارة ان يتوجه الي المستشفي. وهناك في ذلك اللقاء وكان معنا صلاح السعدني ونبيل الحلفاوي. ولم يكن الخبر قد نشر في الصحف. كان ما يسعده مكالمة الرئيس مبارك. وكان مايقلقه قرار الرئيس بعلاجه علي نفقة الدولة في باريس.. قال "كما تعلمون لا أدخر ما يكفي ولكن الناس لاتدرك ذلك وسوف يقولون الفقراء أولي بالعلاج علي نفقة الدولة وليس نجوم السينما".

لم يكن يعرف حقيقة مرضه. ولانحن. وعندما أصبح معروفاً أنه السرطان أصبح ذلك اللقاء الأخير معه. لا أملك القدرة علي أن انظر الي من أحب النظرة الأخيرة. أو ما يمكن أن تكون أخيرة. لم نكن نلتقي كثيراً. ولكن بيننا تاريخ مشترك طويل لمدة تزيد علي ثلاثين سنة حافل بالعديد من المواقف والمناقشات التي يطول الحديث عنها.

كان اريستوفان يقول اكتب حتي لا انتحر. وكان احمد زكي يمثل حتي لاينتحر. وعندما أصيب بالمرض القاتل لم يقاومه لمدة سنة كاملة كما يبدو للوهلة الأولي. وانما قاومه بتمثيل دور عبدالحليم حافظ الذي حلم به طويلاً. وحقق له عماد اديب هذا الحلم. كان انتحاراً أن يمثل والمرض يستفحل كل يوم. ولكن كان هذا مايريده ومايسعده. ولو كان صحيحاً انه مثل أغلب دوره في الفيلم يكون قد حقق حلمه. ولو لم يكن صحيحاً فالافضل أن يصبح الفيلم عن حياة أحمد زكي وليس حياة عبدالحليم حافظ. وأن تستخدم المشاهد التي صورها كجزء من الفيلم الاخير في عمل درامي تسجيلي شديد الخصوصية.

احمد زكي مثل صلاح جاهين وسعاد حسني ومن قبلهم محمود مختار وسيد درويش وعبدالعزيز فهمي وغيرهم من المبدعين الكبار في مصر في القرن العشرين يحملون جينات هذه الارض الطيبة صاحبة الحضارة العريقة التي انقطع فيها النحت ألف سنة ثم كان مختار وكأن فنان النحت المصري القديم انتهي لتوه من أحدث اعماله. التحق احمد زكي بمعهد الفنون المسرحية ليتعلم التمثيل. ولكن الحقيقة انه ولد ليمثل. ويعلم فن التمثيل من خلال ادواره الكثيرة والمتنوعة. ورحم الله سبحانه وتعالي استاذنا محمد مندور الذي قال ذات يوم في احدي محاضراته جامعاً بين فلاح الشرقية وخريج السوربون "الموهبة الكبري مثل الملوخية الشيطاني. فالفلاح يزرع الملوخية ويصبر عليها حتي تنمو. ولكن في نفس الحقل تظهر احياناً ملوخية لم يزرعها. وتكون أوراقها أكبر ومذاقها أجمل وأروع".

عندما شاهد بازيل رايت فيلم "المومياء" في لندن عام 1970 سأل عبدالعزيز فهمي اين تعلمت التصوير فرد عليه لم أتعلم في مدرسة. وانما عبر الممارسة. فقام فنان السينما البريطاني والمؤرخ والمفكر الكبير من مقعده وركع علي ركبتيه قائلاً انني اقدم لك التحية علي طريقة المصريين القدماء وعندما شاهد روبرت دي نيرو في مهرجان موسكو احمد زكي في فيلم "زوجة رجل مهم" وكان دي نيرو عضواً في لجنة التحكيم. ذهب اليه في حفل الختام بعد اعلان الجوائز. وقال له انك ممثل عظيم. وكنت جديراً بالجائزة عن حق وعندما عاد عمر الشريف الي مصر بعد غياب طويل وشاهد بعضاً من افلام احمد زكي قال لو كان يعرف التمثيل بالانجليزية لاصبح من كبار نجوم العالم.

هناك تمثيل بالعقل. وتمثيل بالقلب. وتمثيل بكل الحواس. وقد كان احمد زكي الذي فقدته مصر وفقده العالم العربي وفقده الابداع الانساني أمس من الذين يمثلون بكل حواسهم. وكأنه يغني مع كل دور جديد كما لو كان الدور الاخير. ولذلك أحبه جمهوره علي الشاشتين الكبيرة والصغيرة وكان انساناً كريماً يعطي في الحياة كما يعطي في الفن. ولذلك أحبه كل من عرفه ومنذ أعوام طلب مني أن أرافقه في البحث عن شقة جديدة. وقضينا فترة طويلة ومعنا صديقه ورفيق عمره محمد وطني نبحث. وما أن وجد الشقة الجديدة حتي عاد الي الفندق مرة أخري. الفنادق للاقامة المؤقتة. وقد شعرت ان احمد زكي من شدة صدقه ومن دون وعي كامل يفضل العيش في الفندق لانه مؤقت والحياة مؤقتة.

الجمهورية المصرية في

28.03.2005

 
 

اختار أحمد زكي أن يجسد حياة عبدالحليم حافظ سينمائيا

وشاء القدر أن يرحل الفتى الأسمر في يوم رحيل العندليب الأسمر

القاهرة ـ درويش برجاوي

.. يا سبحان الله.. في مثل هذا اليوم (أمس) الأحد 27 مارس قبل 27 سنة، رحل عن الدنيا العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وها هو هذا التاريخ يعيد نفسه بإعلان الأطباء في مستشفى دار الفؤاد وفاة الفنان الأسمر أحمد زكي، الذي وقف أمام الكاميرا قبل شهرين ليجسد قصة حياة العندليب في فيلم سينمائي يحمل اسم «حليم»، وصور غالبية مشاهد الفيلم الداخلية، ولم يتبق الا المشاهد الخارجية التي كان من المقرر تصويرها في العاصمتين المغربية والفرنسية، لكن تصاعد حدة الاصابة السرطانية في جسده، ودخوله المستشفى، وعجز الأطباء وتسليمهم بقضاء الله وقدره، حال دون استكمال تصوير هذه المشاهد. وكأن احمد زكي ومن شدة تعلقه بحياة عبدالحليم وبظروف طفولته المشابهة تماما لحياته، تمنى وهو في مرضه الميئوس من شفائه ان تكون وفاته في يوم وفاة عبدالحليم نفسه، الى درجة انه طلب ان تصور جنازته في الفيلم.

وكان الأطباء في المستشفى قد أعلنوا صباح أمس. نبأ وفاة أحمد زكي بعد ان تدهورت حالته الصحية بشكل كبير اثر انتشار السرطان في الكبد والبطن ووصوله الى المرحلة الثالثة، وأكدوا ان الوفاة كانت طبيعية نتيجة الجلطات التي اصيب بها الفنان الراحل في الرقبة والساقين.

وقد توافد على المستشفى عدد كبير من نجوم الفن اثر اعلان الوفاة لالقاء النظرة الأخيرة على زميلهم الراحل، وشوهد فاروق الفيشاوي ومحمد هنيدي وحنان ترك يجهشون بالبكاء الى درجة الانهيار.

وستشيع جنازة الفنان الراحل بعد صلاة ظهر اليوم الاثنين من مسجد مصطفى محمود بالمهندسين في موكب شعبي يشارك فيه عدد كبير من رجال الدولة والمسؤولين وزملاء الفنان الراحل في الحياة الثقافية والفنية والسينمائية.


____________________________*



أحمد زكي.. غياب الجسد وحضور المعنى

العبقري.. أبو وضع مختلف.. الذاهل بسحر السينما عن كل أحلامه الأخرى

سعدية مفرح 

رحم الله الفنان أحمد زكي وجزاه خير الجزاء على ما أضافه من ألوان مبهجة في بانوراما الذاكرة العربية طوال أكثر من 35 عاما، رفد خلالها الشاشة الفضية بأفلام سينمائية لا تنسى قبل ان يرحل صباح أمس عن 56 عاما قضاها عاشقا للسينما، ذاهلا بسحرها الفاتن عن كل أحلامه الأخرى، التي ربما حققها صورة بعد صورة على الشاشة التي صار فتاها الأول في غفلة من اشتراطات المنتجين، ورغبات الجماهير المتكئة على ما يقدم لها من صورة نمطية لأبطال الشاشة غالبا.

رحل أحمد زكي اذن.. قبل ان يتم حلمه الأخير، الذي أراده تجسيدا لحياة الفنان الراحل عبدالحليم حافظ في جملة من التقاطعات الفنية والحياتية بينهما، بدءا من يُتم مبكر، وانتهاء بمجد جماهيري صاخب، مرورا بمحطات كثيرة لا بد للمرء أن يتوقف عندها كثيرا ليتم المشهد المأساوي المثير للشخصيتين، ويردم فجواته بمزيد من الدهشة والمحبة والاعجاب.. والدعاء أيضا. واذا كان «العندليب» عبدالحليم حافظ قد تحوّل الى اسطورة في نظر جماهيره الكثر حتى قبل ان يرحل استسلاما للمرض الذي ألمّ به وراوغ مسيرته طوال حياته، فان «العبقري» أحمد زكي في طريقه الآن إلى ذلك التحول غير المحسوب الذي بدأ حتى قبل وفاته استسلاما للمرض الذي فاجأه في الشهور الأخيرة لكي يكتمل المشهد الثنائي بين الاثنين، وتستمر المأساة في رسم تجلياتها فرحا وصخبا وغناء وموسيقى وسينما جميلة عبر ما هو غير مألوف في ذاكرة الفن ومحفوظاتها التقليدية، فاذا كان عبدالحليم قد ظهر في زمن العمالقة من المطربين العرب، أمثال أم كلثوم، وعبدالوهاب ليحقق قفزته الخرافية عبر موهبة شكك الكثيرون بمستواها، وحماسة لم يتشكك أحد في انها بلغت ذروتها، فان أحمد زكي سار على الدرب نفسه.. ووصل!

فهذا الممثل الذي ظهر ظهوره الأول كواحد من طلبة مدرسة المشاغبين في تلك المسرحية التي قدمها عادل امام مطلع السبعينات بهذا الاسم، وبمساحة دور هي الأقل بالنسبة الى المساحة الممنوحة لبقية الممثلين الأكثر شهرة منه آنذاك كان يردد عبارته الشهيرة في المسرحية مخاطبا ناظر المدرسة بانكسار بالقول «أصل أنا وضعي مختلف».. كمن يتنبأ بتفاصيل هذا الوضع المختلف فأحمد زكي الذي بدأ صغيرا ونحيفا وذا وضع مختلف في تلك المسرحية ـ وكما كتبنا عنه قبل عدة سنوات تعليقا على زيارته للبلاد آنذاك ـ سرعان ما قلب موازين السينما المصرية وغيّر صورة بطلها المثالي الذي قدمته طويلا فتى وسيما بملامح «خواجاتية» في الغالب.

لقد دشن «أبو وضع مختلف» أحمد زكي وضعا مختلفا في الشاشة العربية الأشهر وبدا كأنه فارس السينما المنتظر في سلسلة فيلمية منتخبة عبر تعاونات وثنائيات مختلفة، خصوصا مع محمد خان الذي انجز معه مجموعة من أشهر أفلامه بدءا بفيلم «طائر على الطريق» وانتهاء بفيلم «أيام السادات» مرورا بأفلام أهم منها «موعد على العشاء» و«زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا».

اما الراحل عاطف الطيب فقد انجز لأحمد زكي من الأفلام ما يمكن اعتباره هوية عاطفية ونفسية لهذا النجم المستمر عبر الشاشة كممثل لجيل كامل ولد في ظل المد القومي، وترعرع بين طيات الحلم الناصري الجميل على مدى الستينات الذهبية قبل ان يتحمل مسؤوليات «النكسة» وما خلفته وراءها من نكسات كبيرة وصغيرة وبتجليات مختلفة. ولعل في المشهد النهائي لفيلم «البريء» الذي يعتبر أحد أهم أفلامه صورة نموذجية لانكسار ذلك الحلم الذي قدمه أحمد زكي بتلك العبقرية الذهبية التي وجدت هواها في هذا النوع «الثوري» من أفلام عرف الراحل عاطف الطيب بواقعيته الضرورية وذكائه السينمائي النادر وحسه الفني المرهف كيف يرسمها بمزاج أحمد زكي الذي لا يعجبه العجب.. كما يبدو!

ولعل هذه الصفة الأخيرة، التي تستمد جذورها الخفية من النشأة المرهقة لأحمد زكي عبر طفولة كثيرا ما تذكر مراراتها في لقاءات صحفية نادرة، هي نفسها الضمان الذي اتكأ عليه محبو فنه بعيدا عن الحسابات السياسية للآخرين عندما راهنوا على النجاح الفني الذي يمكن ان يتحقق لفيلم «أيام السادات» في مرحلة الاعداد له، خاصة ان أحمد زكي لم يعجبه العجب فعلا في رحلة الاعداد لهذا الفيلم (...) لكن الفيلم أنجز في النهاية وقدمه أحمد زكي متعاونا مع أحمد بهجت ومحمد خان، وبرؤية خاصة له هو شخصيا حرص على ان «يبصمها» على كادرات الفيلم. ثم ان الفيلم وعبر هذه البصمة الخاصة تحول الى ما يشبه اعادة تقييم السادات ومرحلته برمتها، ففي الوقت الذي هاجم فيه الناصريون الفيلم باعتباره مجرد تسويق للحلول الساداتية لمشاكل «السلام» التي انجرفت المنطقة كلها بوصولها، رحب به الساداتيون باعتباره محاولة لإعادة الاعتبار للرجل الذي ذبح على المنصة في لحظة تاريخية ضحية لسياساته «السلامية» التي مشى عليها الجميع بعد ذلك ببضع سنوات فقط!

لكن أحمد زكي «الناصري» قلبا وقالبا وحلما.. وحده سار على ذلك الخيط الذي يفصل بين الرجلين وبين الزمنين برؤية فنية قدمها من خلال عشق عبدالناصر عما ينبغي ان يكون عليه العشق في فيلمه الأثير الى نفسه «ناصر 56» واحترام متأخر للسادات في فيلمه «أيام السادات».

انتهى بعض كلامنا القديم، لنبدأ كلاما جديدا عن هذا الفنان الذي رحل أمس قبل ان يتم آخر أفلامه «حليم» الذي أراده ايقونة جميلة لزمنه المشوش في مشهد بانورامي ظل يحلم به كعنوان للسينما التي يحب، تلك السينما التي لم تكن مجرد عشق أول في سيرة ذاتية متعثرة بين ثنايا اليتم المستمر وحسب، انما وسيلة ناجعة للعلاج مما يمكن أن يكون قد ترسب في قاع الشخصية من عقد ومشكلات وأمراض.

لكن يبدو ان هناك من الأمراض ما يستعصي على الفن الجميل، ليودي بالجسد الى تهلكة الغياب، على رغم الحضور الذي لا يختلف اثنان من عشاق سينما أحمد زكي على انه سيبقى طويلا وكثيرا في الذاكرة العربية واحدا من المعاني الخاصة والمختلفة جدا.

رحمه الله.. وجزاه خير الجزاء.

___________________________*

 

فنــانـو الكويت: خسارة للسينما العربية

كتب محمد فاخر ومفرح حجاب 

تلقى فنانو الكويت بحزن شديد نبأ وفاة الفنان احمد زكي. «القبس» التقت بعض من عرفوا الفنان الرحل عن قرب، وبعض من أحبوه على الشاشة وتابعوا أعماله.

قالت الاعلامية امل عبدالله: ان علاقتي بأحمد زكي كانت متميزة، وممتدة على فترات طويلة من السنين. تعرفت عليه وعلى اسرته الصغيرة عن قرب، حين كان متزوجا الفنانة الراحلة هالة فؤاد. كان احمد انسانا رقيق المشاعر، يتحسس هموم الآخرين في كل وقت، وكان بسيطا في نجوميته ومجده، وبسيطا عند وفاته. ان رحيله احزنني وابكاني فعلا، ان عزاءنا ان هذه سُنة الحياة.

من جانبه قال المخرج خالد الصديق: اعجبت بأحمد زكي منذ ان بدأ يتألق في مشواره السينمائي، لذا كنت حريصا على ان يشاركني في بطولة فيلم «شاهين» وبالفعل جرى توقيع العقد الا أن ظروفه حالت بينه وبين حضوره للمشاركة في الفيلم عندما بدأ التصوير. لقد احترمه اكثر، وشعرت بأهميته كفنان يعرف ماذا يريد حين احسست انه اعتذر عن العمل لخشيته من عدم قدرته علي ان يقدم الشخصية كما يجب.

كان انسانا بمعنى الكلمة، والسينما العربية فقدت في رحليه نجما موهوبا كان في قمة النجومية.

اما الفنان ا براهيم الصلال، رئيس فرقة المسرح الشعبي فقال: بداية اقدم تعازيَّ وزملائي الفنانين الى ذويه والساحة السينمائية والفنية العربية بوفاته. ان فقدان نجوم امثال احمد زكي يترك مساحات شاغرة في الساحة السينمائية لا يمكننا ان نسدها ونحتاج الى سنوات عدة كي يأتي من يملؤها.

وبين الصلال ان لقاءات عديدة جمعت بينه وبين الفنان الراحل احمد زكي وقال: حضرت اكثر من مرة تصوير افلامه وكانت ذكرياتي معه قد بدأت من «مدرسة المشاغبين»، ان اسم احمد زكي سيبقى منقوشا في ذاكرة الآجيال المقبلة.

وقال الفنان جاسم النبهان: ان احمد زكي وشم الساحة الفنية بأعمال سينمائية ومسرحية اكثر من رائعة ستخلد لفترة من الزمن. كان مخلصا في عمله وصادقا في تجسيد الشخصيات التي اداها، وتمكن من اختراق جدار الفنان الوسيم، ليكون نمر السينما العربية.

وقال عميد المعهد العالي للفنون المسرحية، الدكتور خالد عبداللطيف رمضان: ان تواجد الفنان احمد زكي على خشبة المسرح وهو في السنة الاولى بالمعهد العالي للمسرح في «مدرسة المشاغبين» كان ينبئ بميلاد فنان حقيقي جاد، وصاحب اتجاه معين، له خصوصية فنية في كل مايقدمه من ابداع، ولعل تجاربه المسرحية القليلة خير شاهد على ذلك، مشيرا الى ان «مدرسة المشاغبين» ومسرحية «العيال كبرت» و«هالو شلبي» ما زالت عالقة في وجدان الجماهير. وزكي فنان متنوع، ولم يحصر نفسه في ادوار معينة، بل صال وجال في السينما والتلفزيون وكان مميزا في كل ما يقدم، حيث قدم للدراما شخصية عميد الادب العربي طه حسين واذهل الجميع بادائه وفي السينما قدم البواب ورئيس الجمهورية بشكل مدهش، وبطريقة مختلفة فيها روح حمد زكي المبدع والفنان.

واكد الفنان القدير علي المفيدي: ان الساحة الفنية العربية فقدت احد أعمدة الابداع الجاد في الفن واخلص الفنانين الذين يحبون اعمالهم.

واضاف: ان احمد زكي اشبه بالريحاني، في حبه للفن، حيث انني كنت من متابعي الخطب التي كان يلقيها في فيلم عبدالناصر ولقد كنت شاهدا على حقبة عبدالناصر وقد ذكرني بها زكي من خلال ما قدمه في هذا الفيلم، كذلك مرافعته في فيلم «ضد الحكومة» وكأنه يقارع الفساد في العالم العربي وينطلق بلسان كل انسان يتحدث اللغة العربية. لقد استطاع زكي ان يكون لسان البسطاء في الفن، ويعبّر عن همومهم.

اما الفنان القدير منصور المنصور، فقال: احمد زكي فنان صعب جاء في زمن صعب، وهو اشبه بالفنانين العظماء في العالم العربي، مثل عبدالوهاب، وعبدالحليم، لانه كان يتقن فنه بشكل عال، ويقدم شخصيات شديدة الصعوبة، لانه كان لا يحب سوى الادوار الصعبة، التي يقتنع بها. لقد اثرى زكي السينما العربية وجعلها تنتعش من خلال ما قدمه من اعمال لها خصوصية.

تلفزيون الكويت يؤبن النجم الراحل

يشارك تلفزيون الكويت في تأبين الفنان الراحل النجم أحمد زكي، حيث يبث في سهرته غدا برنامجا تحت عنوان «الفارس» من اعداد محمد الدريع وتقديم إيمان نجم، واخراج أحمد الظفيري، وإشراف محمد المسري، يتناول سيرة حياة النجم العربي الراحل وأبرز المحطات المميزة في رحلته الفنية.

المخرج أوليفر ستون يقدم من خلال فيلمه هذا، إدانة جديدة لأمريكا وجنودها، كما يقدم إدانة لكل الحروب بشكل أو بآخر. لقد قدم المخرج فيلماً متقناً في حرفيته، يعد من بين أهم أفلام الحركة والتكنيك السينمائي الأمريكي، ولكن هذا لا يجعله يتميز كثيراً عن الجيد من أفلام حرب فيتنام.

 

___________________________*

 

احمد زكى.. وداعا ايها العزيز

عماد النويرى 

وكانت الساعات الاخيرة واللحظات الاخيرة . وكان المشهد الاخير فى اسطورة الفنان.

الفنان الذى مات فنا . وكان لنا ان نحبه .

هذا الحب الجارف سر الحياة .

حياة  احمد سبع الليل فى ( البرىْ ) وشكرى فى ( موعد على العشاء ) وعبد السميع فى ( البية البواب ) وهشام فى ( زوجة رجل مهم ) وطة حسين وجمال عبد الناصر والسادات .

منذ بدايته وحتى رحيله لم يتوقف عن الحياة فى حياة الاخرين  وكان على الانسان داخله من كثرة العمل والابداع والجنون والعبقرية . كان على الانسان داخلة ان ينفجر موتا قبل ان يعيش

عاش احمد زكى لنا منذ ثلاثة عقود او يزيد . عاش ليعزف لنا احلى المقطوعات التمثيلية على اوتار قلبه المكسور وعلى ايقاع احزانه التى سكنته منذ الطفولة .

فى كل شخصية كان يلعبها كان يعطينا قدرا من طاقته  , وبعضا من عطائة الفنى الفياض , وكطفل يتيم فاقد للابوة كان احمد زكى يعطينا الفرح لقاء كسرة اعجاب وبعض الحنان . وسرعان مايرتمى فى بحر عذابات لاتنتهى .

احمد زكى لم يكن شمعة تضىْ لنا لتنير حياتنا حتى تذوب . احمد زكى كان شعلة متوهجة لاتعترف بالذوبان وانما تتجدد نارها عند كل مغيب .

عندما ظهر اول مرة استطاع ان يحطم كل مقاييس النجومية واستطاع ان يقدم للسينما العربية مذاقا مختلفا للبطولة الحقيقية لبطل عربى واقعى تجرع مرارة الهزيمة وتم اجهاض احلامه الكبيرة فلم تبق له سوى احلام صغيرة يتقاذفها شباب ضائع على رمال بلا شطان . ورغم كل الانكسارات استطاع احمد زكى ان يلملم بقايا الاحلام فى حضن دافى من الفن الراقى واستطاع من خلال اختياراته الواعية  ان يكون دائما فى حالة تماس مع الواقع الاجتماعى والسياسى .وان يكون مراة يظهر على سطحها الكثير من المتغيرات التى حدثت خلال الثلاث عقود الماضية .

كان  ( موعد على العشاء ) انتصارا للحب فى مواجهة الجمود والكراهية والتسلط .

وكان ( البرىْ ) صرخة مواطن طاهر برىْ ضد القهر السياسى والفكرى الذى ينتهك حرمة العقل والروح .

وكان ( ضد الحكومة ) دعوة لمحاسبة كل المسؤؤولين عن الفساد , وكل الذين تامروا لتخريب الذمم والتكسب من وراء قتل الحياة .

وفى ( الاحتياط واجب ) و( مستر كاراتيه ) و( احلام هند وكاميليا ) كانت تتدفق الصور لتنقل لنا اصرار الذين يعيشون على هامش الحياة على العيش بشرف رغم قسوة العيش وعتمة الصباح .

وفى  ( زوجة رجل مهم ) ارتفع احمد زكى ليحتل مكانة مهمة بين نجوم التمثيل فى هذا العصر

وفى ( ناصر 56 ) كانت موهبة الممثل وقدرته الفذة على المعايشة .

وفى ( السادات ) كانت عبقرية الممثل ونجاحه الكبير فى التحدى . تحدى الممثل داخلة الذى يرغب فى لعب كل الادوار ومعايشة كل الشخصيات .

وفى رحلة الفن ككل كان احمد زكى مرتبطا بنا كاخ عزيز وصديق مخلص .

وفى رحلة الحياة ككل كان احمد زكى زاهدا فى مباهج الحياة الا قليلا ولم يضبط متلبسا حتى مماته فى مايشين .

نحب صهيل الجياد  الراكضة فى الفضاءات البعيدة .

نحب طيور الصباح وهى تنفض ريشها من بقايا ندى الفجر المغادر فى دلال .

نحب رحيل المراكب ترفع صواريها فى شموخ الى المرافىْ البعيدة .

نحب الاشجار ان تموت واقفة .

رحل احمد زكى الانسان وهو يعطينا درسا فى المقاومة .

مات الانسان فى احمد زكى قبل ان يعيش .

وسيبقى الفنان .

وداعا ايها العزيز .

ولد يتيما واستعان بعالم نفسي لعلاجه من آثار اليتم والطفولة البائسة

___________________________*

 

النجم الأسمر أحمد زكي..  السيرة أطول من العمر

القاهرة ـ علاء طه ـ محمد سليمان  

في الأشهر الأخيرة بدا احمد زكي كمحارب من الأساطير الإغريقية، كان عليه عبء الدفاع عن جسده النحيل، أن يواجه مرض السرطان بشراسة. كان بالضبط مقاتلا في صدره خنجر لكن نبله وتعلقه بالحياة وجنون الفن أمدوه طيلة عام وثلاثة اشهر ـ منذ أزمته الأولى ـ بقوة لا تتوافر للبشر العاديين المصابين بهذا المرض، ضارباً بذلك مثالاً في فن حب الحياة، فلم يستسلم للداء اللعين 00كافحه بالإيمان، والصبر والعمل والأبوة وبالأطباء والإبر الصينية والأحلام والأصدقاء وبالكلام والفضفضة والصدق ولا يهم بعد ذلك كيف جاءت النهاية: مباغته أم مصاحبة بمضاعفات.. بطيئة أم بتفشي الفيروس في كل الأعضاء على سرير المستشفى أم أمام كاميرا التصوير فما تركه احمد زكي من أعمال فنية وما ضربه من صيغة إنسانية للحياة والكفاح ستحفظ اسمه كثيرا في التاريخ العربي والسيرة أطول من العمر.

يليق بأحمد زكي وبموهبته وأعماله الرائعة محاكاة اسمه بالنجوم العالميين كآل باتشينو، وروبرت دينيرو فهو لا يقل عنهم شأنا، وإن كان يفوقهم بالمقاييس العالمية في التمثيل والتشخيص.

لا يمكن سبر غور هذه العبقرية دونما العودة إلى البدايات، إلى الطفولة وأحلام الصبا وعثرات الشباب.. فأحمد زكي عبد الرحمن ـ هذا اسمه بالكامل ـ حينما ولد عام 1949 مع نهاية مرحلة فارقة في تاريخ مصر والعالم بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن يتوقع له أحد بمدينة الزقازيق التابعة لمحافظة الشرقية سوى أن يصير مزارعاً أو عاملاً باليومية، وكان أقصى تقدير لمستقبله في حال أكمل تعليمه أن يتحول إلى موظف بالمجلس المحلي لهذه المدينة الصغيرة.

والده توفي وهو رضيع في عامة الأول، والأم الصبية الجميلة القروية خاف عليها الأهل من لقب الأرملة وما يحمله من مشاكل فزوجوها مباشرة، ليربى الطفل في بيت الجد والعم والأقارب، ولا يهنأ أبدا بنطق كلمة «ماما» أو «بابا» كأقرانه الأطفال.

يحكي عن أمه وعن طفولته الصعبة قائلا: حياتي ميلودراما كأنها من أفلام حسن الإمام. والدي توفي وأنا في السنة الأولى. أتى بي ولم يكن في الدنيا سوى هو وأنا، وها هو يتركني ويموت. أمي كانت فلاحة صبية، لا يجوز أن تظل عزباء، فزوجوها وعاشت مع زوجها، وكبرت أنا في بيت العائلة بلا اخوة. ورأيت أمي للمرة الأولى وأنا في السابعة.. ذات يوم جاءت إلى البيت امرأة حزينة جداً، ورأيتها تنظر إلي بعينين حزينتين ثم قبلتني من دون أن تتكلم ورحلت. شعرت باحتواء غريب، هذه النظرة تصحبني إلى الآن. في السابعة من عمري أدركت أنني لا اعرف كلمة «أب وأم» والى اليوم عندما تمر في حوار مسلسل أو فيلم كلمة بابا أو ماما أشعر بحرج ويستعصي علي نطق الكلمة.

هذه الطفولة الصعبة لم تمر مرور الكرام في حياة أحمد زكي الذي سيصير بعدها بـ25 عاماً أشهر نجم في تاريخ السينما العربية فقد تركت له ذكريات أليمة وندوباً نفسية لا تمحى واضطر بسببها وما تركته بداخله من اكتئاب وانطواء ويأس إلى الاستعانة بطبيب نفسي أكد له أن مشاكله النفسية تعود إلى الطفولة اليتيمة، أيام كان مجرد طفل يود أن يحنو عليه أحد ويسأله ما بك.

صبـي خجـول

وهذه الطفولة أيضا شكلت صباه.. كان صبيا ساكنا لا يتحدث كثيرا، خجولا، ومنطويا وهذه صفات اليتيم الفقير.. كان يتأمل ويتفرج ويشاهد وبداخله صدام مع العالم، وغليان أكبر من طاقة صبي وفي المدرسة الابتدائية كان لابد من تفريغ الغليان لابد من لهو يشبع الطفولة فالتحق بفرقة التمثيل، وواصل التمثيل في الإعدادية بعد أن صار أهم مشاهد لأفلام الترسو (الدرجة الثالثة) بدور عرض الزقازيق الرخيصة. لكن الحظ حالفه في الثانوية بمدرسة الزقازيق حيث كان ناظر المدرسة هاويا للتمثيل فوجهه لإكمال تعليمه في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان أحمد قد نال شهرة بالزقازيق على أنه فنان هاو صعلوك عاشق للتمثيل لأقصى الحدود.

ومثلت هذه الفترة «الثانوية العامة» وانتقاله إلى القاهرة بعدها نقطة مضطربة لكل من يكتب عن حياة أحمد زكي فهناك روايات تردد أنه حصل على دبلوم الصنايع وجاء إلى القاهرة، وفشل في الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية لأنها تشترط في الطلاب الملتحقين الحصول على الثانوية العامة، ووصل به الأمر إلى أن يعمل سائسا لسيارات المدرسين والدكاترة بالمعهد حتى ساعده أحدهم في الالتحاق بالمعهد، ويستدلون على ذلك بكلام أحمد نفسه الذي أكد في أكثر من حوار أنه جاء إلى القاهرة كشاب ريفي وعمره 20 عاماً عقب انتهائه من الدراسة وهو ما يعني أنه نال دبلوم الصنايع 5 سنوات لأن طلاب الثانوية ينهون هذه المرحلة وعمرهم 17 عاما وآخرون يرون أن أحمد كان متعثرا في دراسته الثانوية وهذا سر عمره المتقدم عندما التحق بالمعهد. وحرص أحمد زكي دوما على الكلام بعمومية عن هذه الفترة من حياته.

لكن المهم أنه كافح للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية حيث إنه جاء إلى القاهرة من دون سند أو معين سوى موهبته وحبه الجارف للتمثيل وهو قال عن هذه السنوات في حياته (السنوات الأولى في العاصمة القاهرة): يا لها من سنوات صعبة ومثيرة في الوقت ذاته من يوم ما أتيت إلى القاهرة اعتبر أنني أجدت مرتين في امتحان الدخول إلى المعهد ويوم التخرج وثلاثة أرباع طاقتي كانت تهدر في تفكيري بكيف أتعامل مع الناس، والربع الباقي للفن كم مرة شعرت بأنني مقهور، صغير، معقد بعدم تمكني من التفاهم مع الناس، فقد كنت أعيش في وسط مشحون بالكثير من النفاق والخوف والقلق، أشاهد الناس يسلّمون على بعضهم بحرارة وأول ما يدير أحدهم ظهره تنهال عليه الشتائم ويقذف بالنميمة. ومع الوقت والتجارب، أدركت أن الناس في النهاية ليسوا بيضاء السرية دائما أو سوداءها، إنما هناك «المخطط والمنقط والمرقط والأخضر والأحمر والأصفر» أشكال وألوان.

قسـوة القاهـرة

والحياة لشاب يتيم عاشق للفن في القاهرة بلا عمل اشد قسوة وتخيلوا كيف كان ينام، ويأكل، ويلبس ويذهب إلى المعهد، ويحب، ويصادق من دون أن يمتلك شيئا..

إنه المستحيل.. خاصة أنه حسب جداول المعهد ونتائجها كان متفوقا في الدراسة فكان تقديره عند التخرج عام 1973 من قسم التمثيل ممتاز والأول على دفعته، وهو التقدير الذي حصل عليه في كل سنوات الدراسة.

أثناء دراسته في المعهد ظهر بمسرحية «هالو شلبي» لكن بدايته الفنية الحقيقية كانت مع «مدرسة المشاغبين» مع عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وهادي الجيار وسهير البابلي ثم انطلق في السينما مبكرا بفيلم «بدور» عام 1974، ثم تلاه بأفلام مهمة صنعت هالة من النجومية مع مطلع الثمانينيات هي «أبناء الصمت» و«صانع النجوم» و«العمر لحظة» و«وراء الشمس» و«شفيقة ومتولي» و«إسكندرية ليه» و«الباطنية»..

وكما لمع سريعا في المسرح والسينما تألق كما لم يتألق أحد في مسلسل «الأيام» قصة حياة عميد الأدب العربي طه حسين وهذا المسلسل تحديدا كان نبوءة العبقرية عنده وأنه الفنان الذي لا يحاربه أحد، والمنفرد في أدائه وقد قال للكاتبة سناء البيسي في جلسة خاصة ضمتهما مع مفيد فوزي وآمال العمدة أنه كي يقوم بالدور الصعب المقنع لطه حسين درس ما يقرب من 40 شخصية أعمى منها الضرير الذي يولد فاقدا للبصر وكيف يتصرف داخل المكان، والأعمى الذي فقد نظره بعد أن رأى النور وطريقة سيره في الحارة مائلا برقبته تخوفا من أن تلقي إحداهن بمياه قذرة على رأسه، والأعمى الذي عاش مبصرا، أصابه مرض بعينيه في كهولته والذي غاب بصره إثر حادث مؤلم.. ومن هنا جاء صدقه في هذا الدور الذي يعد من كلاسيكيات الدراما التلفزيونية.

على أن الموهبة وحدها لا تكفي، والحب والعشق للتمثيل لا يصنعان نجومية فكيف صعد إلى سلم الشهرة والأضواء من دون تنازلات تذكر ووسط احترام الجميع، هذه نقطة مهمة جدا وتختص بتكوين الفنان بداخله.

الـذكـاء الحـاد

ولعل أحمد امتلك ذكاء حاداً، ووعياً مرهفاً جعله يلتقي دوماً بصانعي الإبداع والثقافة وينضج في تؤدة على نار أفكارهم. ومن الذين ارتبط بهم وصادقهم وتأثر بهم بشدة وترسخ بسببهم الاكتئاب بداخله صلاح جاهين، وعلاقة أحمد بصلاح لم تكن علاقة فنان بآخر متعدد المواهب والإبداعات: شاعر ملهم، ورسام كاريكاتير شهير، وسيناريست، وممثل، ومنتج، وإنما كانت علاقة صعلكة وخواطر، فالعين الذكية لصلاح جاهين التقطت احمد زكي وتبنته كممثل وصديق وزميل صعلكة وقهاوي وجلسات خاصة وكان من الطبيعي أن يكتب له والسندريلا فيلم «شفيقة ومتولي» وينتجه أيضاً، وأن يكرر معهما التجربة في مسلسل «هو وهي» مع الكاتبة سناء البيسي وهو لا يزال من أجمل والطف المسلسلات المصرية التي تجمع خفة الدم بالحس الاجتماعي بالغناء والشعر والأداء الراقي وتسبر غور المرأة والرجل بشكل فريد ولصيق بعلاقاتهما الخاصة.

واثر صلاح جاهين على أحمد زكي عميق جدا إلى درجة أن أحمد يحفظ عن ظهر قلب رباعيات صلاح جاهين وقال: «لم يمر على يوم اسود كيوم وفاة صلاح جاهين»، وانحياز أحمد زكي في أفلامه العديدة «البيه البواب» و«مستر كاراتيه» و«كابوريا» و«شادر السمك» للبسطاء والهامشيين الذين يعيشون في منطقة محايدة بعيدا عن القانون والتقاليد هو انحياز لفكر صلاح جاهين.

التصق أيضا أحمد زكي بتيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية بالثمانينات ومبدعيها المخرجين: عاطف الطيب، وخيري بشارة، ومحمد خان، وداود عبدالسيد، وصادقهم وصنع معهم أهم أفلام الربع الأخير من القرن العشرين في السينما العربية «عيون لا تنام» و«موعد على العشاء» و«طائر على الطريق» و«العوامة 70» و«الاقدار الدامية» و«درب الهوى» و«المدمن» و«النمر الأسود» و«الحب فوق هضـبة الهـرم» و«البريء» و«أربعة في مهمة رسمية» و«زوجة رجـل مهم» و«أحـلام هند وكاميليا» و«الدرجة الثالثة».

وذكاء أحمد زكي دفعه إلى عدم تسييس نفسه كنور الشريف، ولم يجاري الواقع السياسي للارتباط بالمؤسسة المركزية الحاكمة كعادل أمام، ولم يستغفل الجمهور بشعارات واهية وبراقة وكاذبة وخادعة.. كان دوما تعبيرا عن نبض المواطن المصري وعن أحلامه وهذا سر حب الجميع له من دون أدنى تحفظات.

المرأة في حياته

على أن نقاط ضعف أحمد زكي كانت بداخله نفسه بمشاكلة النفسية وبعلاقته المتوترة مع المرأة. كان من الطبيعي أن يتزوج الجميلة التي أحبها الممثلة هالة فؤاد والتي كان يهيم بها عشقاً، وأن ينجب منها.. لكن نهاية علاقتهما كانت أمرا غير طبيعي. لا دلالات لها سوى أنه رجل مجنون بشيء أكبر من العلاقة مع الأنثى، والاستقرار والأبوة، وأكثر خلوداً من السلطة والتعامل مع السياسيين.. شيء يحقق له النشوة وهو بلا جدال الفن.

وتصوروا أن أحمد زكي بكل قوته الشخصية ونجوميته لآخر إطلالاته رجل خجول ورقيق يحدث المرأة فلا يتطلع إلى عينيها ولا إلى وجهها.. خاض علاقات نسائية كثيرة ارتبطت بإشاعات وأحاديث نميمة لكنها كانت تتحطم دوما عند حافة أحلامه الفنية، والعجيب أن كل النسوة اللائي مررن بعلاقات سريعة أو ممتدة على فترات معه عشقنه وما زلن يحتفظن بذكريات جميلة معه فقد كان قادرا أن يحول كل قصة حب إلى وردة لا تذبل، وعطر لا يضيع شذاه، وإلى صداقة تدوم إلى النهاية. والأمثلة كثيرة لكن من العيب الحديث عن أسمائها وتفاصيلها فهذا لا يليق الآن.

وهو الممثل الذي لم يختلف معه الكثيرون عندما فاجأهم بـ«ناصر 56» كل الألوان السياسية شاهدت الفيلم وقمة السلطة سمحت له بالعرض، وحتى عندما قدم «أيام السادات» لم يختلف معه الذين عارضوا كامب ديفيد وذاقوا ويلات اعتقالات سبتمبر.. هو ممثل قادر على إقناع الجميع، وعلى جعل الفن رسالة بسيطة يفهمها الجميع، ولمقطوعة موسيقية يستمتع بها الجميع ولم يكذب عمر الشريف عندما قال عنه «الواد أحمد لو متعلم انكليزي وسافر لهوليوود سيكون أشهر ممثل في العالم».

ولو اكتمل فيلم «حليم» آخر مشاريع أحمد زكي بطريقة أو بأخرى خاصة أن 80% من مشاهده صورت بالفعل سيكون هذا ختام مسك لحياته وهو المشروع الذي يظل يحلم به لسنوات عديدة لأنه يرى تشابها كبيرا بينه وبين عبد الحليم في الكفاح والشقاء والنجومية واليتم والغريب إنه منذ أربعة أعوام يعد لهذا الفيلم وواصل بكفاءة حلمه وهو على سرير المرض.. لكن المدهش هو ما اكتشفناه عند النظر في أرشيفه ففي فبراير 1988 نشرت مجلة الموعد الفنية على 8 صفحات في العدد 1302 تحقيقا مصورا عن احتفال الوسط الفني بعيد ميلاد الفنانة نبيلة عبيد، وكان حفلا أسطوريا قدمت فيه فرقة عمرو سليم موسيقي استعراضية، وشدت مطربة الفرقة مها كمال بأعذب الأغنيات، وجعل المطرب الشاب عمرو دياب الساهرين لا يكفون عن التصفيق، وغنت صابرين مع فرقتها، وحيت شريفة فاضل صديقتها بأحلى الأغنيات، ورقصت فيفي عبده على رغم أنها كانت في شهر الحمل السادس مخالفة تعليمات الأطباء، وغنى محمود عبد العزيز أغنيته الشهيرة «ياقفا» ورقصت يسرا.. أما النجم الأسمر أحمد زكي فقد وقف على المسرح وأخذ يقلد عبد الحليم حافظ ويغني له.. فهل كان يستعد لنهايته منذ 17 عاما، وهل صبر على حلمه طيلة هذه الأعوام؟ ويا ترى ماذا كتب أحمد زكي في وصيته التي وضعها تحت مخدة المرض خاصة أنه لا يعد ولا يحصى ما يمتلكه لابنه هيثم ولا ما يتبرع به وإنما اشياء فضل الا يعرفها أحد ألا بعد رحيله!

___________________________*

 

كلمات الوداع بدموع الفنانين

القاهرة - علاء طه - محمد سليمان 

دموع اهل الفن تنثال على فقيدهم النجم الاسمر وهي لن تجف سريعا، لان الفقيد له مكانة حب كبيرة في قلوبهم، يصفها النجوم بأنها «جدعنة» وتصفها النجمات بأنها «رجولة» فيما يراها النقاد «عبقرية» لذلك انثالت كلماتهم تودع أحمد زكي كأنها فضفضة «المحبين الملتاعين»

رغدة ورحلة الأصدقاء

تتماسك رغدة، وترتجف وهي تتحدث عبر الهاتف، كأنها لا تريد أن تفقد تماسكها، وتقول وهي تهرب من وصف الموت، في اجترار للايام والساعات واللحظات الاخيرة الى جوار أحمد زكي: «يوم الاحد قبل الماضي، كانت الامور طبيعية، لكن في المساء التالي ساءت حالة احمد زكي الصحية وتدهورت، وكان أحمد يشعر بأنه في أيامه الاخيرة، وكان منفعلا جدا إلى درجة انه بكى وقال بصوت مرتفع «أريد ان اخرج من المستشفى، واطلبي وزير الصحة، وعايز اشوف الدكتور احمد عكاشة».

وتضيف رغدة: انا بدأت أقوم بما طلبه احمد مني في قمة توتري، فيما دخل هو في شبه غيبوبة كاملة، ومن الواضح ان الاطباء كانوا يعلمون بها، ففوجئت بمنعهم كل المقربين اليه من زيارته، وخصوصا انا، واعتقد انهم فعلوا ذلك لانهم يعلمون انه لن يفيق مرة اخرى.

وتشير رغدة إلى ان احمد زكي في المرات السابقة، عندما كان يصحو من الغيبوبة او اغفاءته يسأل عمن معه، وتقول: «كان يلقي علينا بعض النكات» رغبة منه في ان نطمئن عليه، إلى درجة اننا تعودنا على ذلك، وفي احدى المرات قال لي: عندما نخرج من هذه الازمة يا رغدة سوف نذهب في رحلة يكون فيها كل اصدقائي، وطلب مني ان اكتب معه قائمة الاسماء التي سترافقه في الرحلة، وكان كلما صحا من غيبوبته، يتساءل: هل سجلنا اسم «فلان» ضمن القائمة؟

وتختصر رغدة ذكرياتها مع احمد قائلة: لقد كتب احمد قائمة اصدقائه لكي يقضي معهم اجازة يبتعد فيها عن الألم، لكنه رحل وترك القائمة كلها، كان فارسا وشجاعا، واخا وصديقا، وتحدى المرض الى آخر لحظة في حياته، وحتى هذه اللحظة اشعر بأنه في غيبوبة كالعادة، وسوف يصحو مبتسما.

نحيب يسرا

اما الفنانة يسرا، فقد لازم البكاء والنحيب صوتها على الهاتف وقالت: «احمد ليس صديقا، انه أهم واكثر من احبهم في حياتي، عندما قالوا «انني مت» لم اتضايق، لكن عندما قالوا ذلك عن احمد، انهرت وغضبت جدا، وكنت خلال الايام الاخيرة كالمجنونة ما بين المستشفى والهاتف، وما بين اتصالات الاصدقاء لنبحث له عن دواء جديد او وصفة، أو لنخفف عنه محنته، وانا اشعر الآن بعدم تصديق رحيله، واشعر بخوف حقيقي، فأحمد كان يملأ حياتي وحياة الجميع بالامل والحب والصداقة والعفوية.. الله يرحمه.

منى زكي.. الوالد والحبيب

منى زكي، اصغر النجمات اللائي وقفن امام احمد زكي على الشاشة، تقول عنه: كان احمد بالنسبة الي الوالد والحبيب واليوم اشعر بأنني افتقد شيئا مهما في حياتي الفنية والانسانية بشكل عام، ولا اصدق انه مات فعلا، واشعر بان خبر الوفاة مجرد اشاعة «بايخة» جدا وليست حقيقية.

حنان ترك: فقدت نفسي

عندما تلقت حنان ترك خبر وفاة احمد، وكانت في الاستديو تصور احد مشاهد مسلسل «سارة» انهارت واوقفت التصوير، واخذت تصلي وتقرأ القرآن لكنها غالبت دموعها وقالت على الهاتف: الحقيقة انه عندما مات الراحل علاء ولي الدين شعرت بأنني فقدت جزءا من حياتي، واما اليوم فبرحيل احمد زكي اشعر بأنني فقدت نفسي، فأحمد كان المثل الاعلى والقدوة وهو استاذنا جميعا، الله يرحمه، ودخلت في هستيريا بكاء، بعد ان انهارت في زيارتها للمستشفى فور اعلان الوفاة.

محفوظ عبدالرحمن: فنان عبقري

ويقول الكاتب محفوظ عبدالرحمن، مؤلف فيلم «حليم» الذي رحل احمد من دون ان يكمل تصوير مشاهده، «لقد فقدنا واحدا من اهم الفنانين في الوطن العربي، من الصعب تعويضه، ولقد اقتربت جدا من احمد زكي منذ قدمنا «ناصر 56» وكنت في مرحلة التحضير للفيلم، وسمعنا معا تعليقات كثيرة من شخصيات كبيرة شككوا في قدرة احمد زكي على تجسيد شخصية جمال عبدالناصر، وعندما عرض الفيلم كانوا اول من اتصل به لشكره.

ويضيف محفوظ: الشيء نفسه حدث مع بداية التحضير لفيلم «حليم» إلى درجة انني شخصيا شعرت بالخوف، وكنت مترددا في الكتابة، فاتصل بي احمد زكي، وقال بالحرف الواحد: انا مريض يا استاذنا، هل ترغب في زيارتي والاطمئنان عليّ؟ فذهبت اليه مسرعا، فإذا به يجعلني اشاهد بروفة قام بتصويرها لاغنية «قارئة الفنجان» وكان التصوير بلا ماكياج فانبهرت، إلى درجة البكاء الداخلي، وقلت له بالحرف الواحد: «انت عبقري يا أحمد».

هند رستم: وجه مشرف

وتقول هند رستم: «انا حزينة جدا على رحيله فهو فنان قوي، ووجه مشرف لمصر، امتعني عندما شاهدته في فيلمي «ناصر 56» و«ايام السادات» والغرابة ان نهايته شبيهة بنهاية عبدالحليم حافظ، لقد كان يجسد شخصية العندليب ومات من دون ان يكملها، كما مات العندليب قبل ان يكمل مشواره الفني.

حسن يوسف: كما ولدته أمه

ودعا الفنان حسن يوسف لاحمد زكي بأن يكون مثواه الجنة، وقال: لقد اغتسل احمد زكي من ذنوب الدنيا بهذا المرض وآلامه، ومدى شدة ازمته دليل على حب الله له لكي يصل اليه نظيفا كما ولدته امه، وادعو له بالرحمة، وكان رحمة الله عليه من الفنانين المقربين الى قلبي .

القبس الكويتية في

28.03.2005

 
 

احمد زكي طلب استخدام جنازته لتصوير رحيل عبد الحليم في الفيلم!

الاجماع علي محبة الممثل يشبه الاجماع علي حب المطرب الراحل والتشابهات بينهما غريبة

ليلي علوان وناجي طرابلسي

متعب في خطواته. هناته لا تخفي نفسها، كان يتقدم ببطئ مشوب برعشة خفية، يده اليمني تتراوح بين ملامستها لقلبه، وبين محاولة رفع كلتا يديه لتحية الجماهير، ثم يبتسم، إبتسامة مسحوبة من رحم الموت لتعلن عن نفسها أنا أحيا ، يتقدم الي المنصة، يصافح الاعلامي عماد الدين أديب، يسلم علي سلاف فواخرجي التي كان من المفترض أن تكون حبيبته في فيلم حليم ، ثم يعانق الممثل السوري جمال سليمان، قبل ان يتقدم للمنصة ليحكي عن مأساة مرض شرس ظل يعاني منه لمدة عام كامل. كان هذا هو الظهور الأعلامي الأخير لاحمد زكي، في المؤتمر الذي عقد للأحتفال ببدء تصوير اللقطات الأولي من قصة حياة عبد الحليم حافظ .. هل كان ثم ما يربط بين هذا النجم الذي يخطو لامعاً صوب نهايته وبين الشاب الخجول الذي ظهر في مدرسة المشاغبين أقل زملائه في المسرحية نجومية، غير قادر علي مجاراة سعيد صالح وعادل إمام في إطلاق النكات، ويبدو أن مخرج المسرحية قد وضعه في دوره الحقيقي، شاب فقير ضعيف، لا يتحدث إلا إذا طلب منه ذلك. ربما تكون البراءة العميقة لسمرته هي الشيء الوحيد الذي لم يتغير بين المشهدين، تحركاً ما بين البداية والنهاية.

يتفق الجميع في الشارع المصري علي حب أحمد زكي، ليس هناك إجماع علي فنان بقدر الاجماع عليه، تقريباً مثلما اجمعوا سابقاً علي حب عبد الحليم حافظ، لكن لعنة حليم طالت أحمد زكي وحالت دون براعته في إحياء تلك الروح وبثها حية أمام المشاهدين. هذا الفنان الذي لم يختلف عليه الناس حين أدي دور جمال عبد الناصر، ولا حين جسد السادات بكل مميزاته الشخصية، بذاك الغليون، والصلعة، ونفحة الكلام الخاصة، إذ لم يبخل أحمد زكي علي محبيه بأي تنازل عن شخصيته الحقيقية في سبيل إخلاصه للدور تماما.. يتبرأ هو من عاداته، يخلع زي عبد الناصر ليرتدي بذلة السادات ويتأقلم مع مقاييسها بسهولة، لذا لم يكن من الصعب عليه أبدا بلوغ حزن العندليب الأسمر. الكل كان متشوقاً لرؤية أحمد زكي في زي حليم ، فالجمهور يضع ثقة بصرية تامة في أداء أحمد زكي، لم يساور الشك أحداً ما علي قدرته تلك. في السابق حين كان احمد زكي ممثلاً لجيل الشباب الطائش، أيام (كابوريا) و(مستر كاراتيه)، شكك الجميع في تمكنه من تأدية دور حليم، وتم الحديث عن العبث بالرموز وعن غلظة صوت وملامح أحمد زكي في مقابل رقتهما لدي عبد الحليم، أما الآن فهناك إتفاق فرح علي أنه قادر علي ذلك بلا رهان ولا منافسة، وأحمد زكي بثقة الحكماء وبصيرتهم يعرف أيضا أنه سيتمكن من ذلك، غير أنه كما هو معروف، فالموت لا يهتم كثيرا بالبشر، يترفع عليهم، يتجاهل متعمداً ما يفعلونه، ويتركهم يتأسفون علي ما كان يجب أن يحدث.

يموت أحمد زكي في لحظة حافلة بالميلودراما وبالدلالات الأسطورية، بينما هو يمثل عبد الحليم. إنها لعنة المرآة القديمة: (يموت البطل فورما يري انعكاسه في المرآة)، والتي يتحداها أحمد زكي، فيما تكون هذه اللعنة صادقة علي غير عادتها وتفترس النجم في ذروة أداءه. يموت زكي بينما يؤدي دور الشخص الوحيد الذي يطاول قامته لا من حيث النجومية فحسب وإنما من حيث الكاريزما الخاصة.

يعي أحمد زكي هذا، فهل يتصور أحد أن يطلب فنان من منتج الفيلم الذي يؤديه أن يصور مشهد جنازته حال موته ويعرضها بدلاً من مشاهد جنازة بطل الفيلم الذي يمثله، اي بدلاً من مشاهد جنازة عبد الحليم حافظ، والذي مات في 30 مارس، مثلما مات احمد زكي في السابع والعشرين من نفس الشهر. هكذا أشيع عن احمد زكي انه فعل واعياً ليس فقط بأهميته المطلقة التي تطاول أهمية عبد الحليم وبطبيعة المرآة التي تفصل بينهما بل أيضاً واعياً بموته القادم. ذلك الموت الهادئ والمتوقع. هنا يكمن اختلاف هام بين النجمين: بالتحديد ففي اللحظة التي يتحقق فيها الوعي الصريح بالتشابه بينهما، من قبل أحمد زكي، يتم اختراق هذا التشابه، عبر اختلاف طفيف بين طبيعة تلقي نبأ موت أحمد زكي وتلقي موت العندليب.

كان الموت في حالة حليم موتاً مدوياً (انتحار الفتيات بإلقاء أنفسهن من البلكونات)، اما في حالة زكي فهو موت كموسي ثلمة، إنه موت بطيء وسرطاني بامتياز، كل يوم ينهش جزءاً جديداً، لا نفاجأ بالموت، علي الرغم من تفاقم كابوسيته في الأيام الأخيرة قبل وفاته. قبضة الموت تزور بلداً بأكمله (هل أقول عالماً عربياً؟). الكل كان يسأل متي سيموت (يختلف هذا السؤال بالبداهة عن سؤال هل سيموت أم لا؟) من هنا كان الحزن مضاعفا في زمن ما علي عبد الحليم حافظ، والآن الحزن أكثر علي أحمد زكي. يلتقي أحمد زكي مع حليم في عدة نقاط، بدءاً من الميلاد، فكلاهما فلاح شرقاوي، ينتمي لمحافظة الشرقية علي دلتا النيل، ورغم إختلاف نوعية عملهما الفني، كون زكي ممثلا، و حليم مطرباً، فكلاهما تمكن من الوصول لقلب الجمهور ببراءة نقية من المساومة علي الوسامة. لا يتمتع أيهما بمواصفات شكلية نموذجية تمكن الفتيات من عشقهما، والرجال من الغيرة منهما، كلاهما راهنا علي فنهما رغم المنافسات ووصلا لمكانتهما المميزة عبر إبداعهما الخاص، وكلاهما أيضا إشتركا في معاناة خبيثة مع المرض، انتهت بموت أوقف اي مشروع إبداعي مرتقب، فالموت الذي حال أيضاً دون تأدية حليم لأغنية من غير ليه التي غناها فيما بعد عبد الوهاب، حال أيضا هذه المرة دون تجسيد أحمد زكي لحياة عبد الحليم .

الكل يحسون أحمد زكي قريباً منهم، برغم كونهم لا يعرفونه إلا قليلاً.. حياة النجم الأسمر محاطة بالغموض نسبياً أكثر من بقية زملائه.. وكذلك فنه .. من منا يستطيع الإشارة إلي شخصية أداها ويقول: هذا هو أحمد زكي الحقيقي. وعندما أهداه إثنا عشر معتمراً عمرتهم في العشر الأواخر من رمضان الأخير كان هذا تصرفاً غير مسبوق مع نجم لا يمت للجمهور بصلة شخصية غير ما يرونه في أفلامه، وهو، يا للدهشة، يختلف في كل مرة عن المرة السابقة، لأنه دائما ما يعيد إنتاج شخصياته، يتقمص الشخصية المنوطة به أن يمثلها فيؤديها ببراعة تامة، فيتحرك من طه حسين إلي آدم ابو خطوة الي السادات الي حليم بسرعة وبمهارة. إنه الإخلاص المطلق لموضوع فنك لا لذاتك،وكأنه بذلك يؤكد العبارة التي قالها يوما عن نفسه في أحدي حواراته (أنا مجرد شخبطات علي ورق، يخرج منها الضابط والمدمن، والاستاذ، والرئيس). من هنا جاء ما أشيع عن احمد زكي أنه طلب من منتج الفيلم تصوير جنازته بدلا من جنازة عبد الحليم في فيلم العندليب: وكأنه بذلك يجعل من فيلم العندليب مستحيلاً بدون موته، أي بدون موت أحمد زكي نفسه. كأن الجمهور يتشوق لرؤية فيلم يحوي موت بطله الحقيقي، فيلم لم يكتمل كما أراده مخرجه وكاتب السيناريو وإنما كما أراده بطله الأسطوري المحاط بألحفة المرض البيض، تسكنه مندوزا وحشية، هي الوحيدة التي كان بيدها تحديد كم من الوقت سيعيشه النجم المريض، كما حددت من قبل كم من الوقت سيعيشه النجم الذي كان مريضاً. هكذا تطابق المندوزا الصورتين في المرآة علي بعضهما، تضعهما مقابل بعضهما وتجعل الواحدة منهما تستمد من الأخري وجودها.

كاتبة من مصر

كاتب من لبنان

القدس العربي اللندنية في

28.03.2005

 
 

تشييع جنازة أحمد زكي من مسجد مصطفى محمود

- عشرات الآلاف يشيعون جنازة الفنان  - العزاء فى نفس المسجد مساء نفس اليوم

- تفاصيل الأيام الأخيرة فى حياة الفنان الكبير  - ملف خاص عن الفنان والانسان

شيعت بعد صلاة ظهر الإثنين 28 مارس 2005 جنازة الفنان أحمد زكي من مسجد مصطفى محمود بالمهندسين وقد حضر الجنازة الآلاف من المشيعين من الشخصيات الهامة والفنانيين والمواطنين المصريين والعرب ، وقد توافد المواطنون من محافظات مصر المختلفة لحضور الجنازة  .

حمل المشيعون الجثمان خارج مسجد مصطفى محمود ملفوفا بعلم مصر لوضعه في السيارة المخصصة لنقله إلى مثواه الأخيرة وسارت السيارة ببطء شديد نظرا لشدة الزحام

وقد كانت الجنازة عبارة عن تظاهرة حب للفقيد ، الكل حرص على المشاركة وحمل الجثمان لنقله إلى المدفن الذي أشرف على بنائها بنفسه فبعد صراع طويل ومرير مع المرض فقد الملايين من المصريين والعرب نجمهم المحبوب الفنان أحمد زكي (56 عاما)الذي دخل المستشفى من حالة صحية حرجة نتيجة لمضاعفات الورم السرطاني في صدره وانتشاره الى الكبد والغدد اللمفاوية في البطن. ومعاناته من "استسقاء بروتيني واصابته بالتهاب رئوي وضيق حاد في الشعب الهوائية" وكان من المقرر وصول الطبيب الفرنسى اليوم لمتابعة حالة أحمد زكى و ذلك بعد أن أصيب بغيبوبة عميقة لم يفق منها و أظهرت التحاليل وصول المرض الخطير إلى المخ و حاول الأطباء كل مافى وسعهم لكى تمر اللحظات الأخيرة فى حياة الفنان بدون ألم. وكان الفنان أحمد زكى قد دخل فى حالة غيبوبة عميقة أثناء تجوله بالكرسى المتحرك فى حديقة المستشفى الذى يعالج به فى الوقت الذى كان يقيم معه بشكل دائم ابنه هيثم (ابن الفنانة الراحلة هالة فؤاد) كما تواجدت بجوارة بشكل شبه دائم الفنانة رغدة.

وقال الإعلامى عماد أديب تعليقا على وفاته  أنه قاتل حتى النهاية وفى كل مرة كنا نتوقع نهايته التى كان الطب يعلمها جيدا كان يعود من جديد ويقول " أنا قاعد على قلبكوا"

وكان يطمئن على العمل فى فيلم حليم و المدى الذى وصلنا إليه و عن اللحظات الأخيرة قبل دخوله فى الغيبوبة قال عماد أديب أنه قبل يدي أحمد زكى فجذبه أحمد زكى من رأسه ووضعها على صدره و أوصاه بعدة أشياء و قال أنه اعتاد فى الأيام الأخيرة استقبال الشيوخ و قراءة القرآن الكريم و أنه صلى الجمعة السابقة صلاة الجمعة جماعة قبل الدخول فى الغيبوبة -  هذا و سوف تقام الجنازة الساعة 12 ظهرا يوم الاثنين من مسجد مصطفى محمود و يقام العزاء مساء فى نفس المسجد بشارع جامعة الدول العربية بالمهندسين

هذا وقد توافد مئات الفنانين و المواطنين على المستشفى  وحاول العديد من المواطنين دخول المستشفى

وكان الفنان الذي يتمتع بشعبية كبيرة اكتشف اصابته بسرطان في الرئة قبل سنة تقريبا وبدأ علاجه في مصر ثم انتقل الى باريس حيث طلب منه الاستمرار بالعلاج الكيماوي. وبعد عودته ساهم في علاجه فريق طبي صيني.

وتعرض احمد زكي خلال قيامه بتصوير فيلم عن الفنان عبد الحليم حافظ الذي كتب له السيناريو محفوظ عبد الرحمن ويقوم بإخراجه شريف عرفة الى جلطات في اوردة الركبة والساقين الا انه كان يعود لاستكمال التصوير الذي انهى منه ما يقارب 90% من المشاهد التي يتضمنها الفيلم باستثناء مشهد الوفاة. وكانت الشركة المنتجة (جود نيوز) اقامت حفلا حاشدا بمناسبة بداية تصوير الفيلم حضره غالبية نجوم السينما المصريين وبعض النجوم العرب وكانت مناسبة لاظهار الحب الذي يكنه اصدقاؤه وزملاؤه.

وكان من المفترض ان يبدأ بتصوير فيلم "رسائل البحر" لداود عبد السيد قبل فيلم عبد الحليم الا ان الطبيب الفرنسي المعالج نصح في حينه الفنان المصري بعدم القيام بذلك لأن الفيلم يتضمن مشاهد مرهقة.

وفي الكلمات الاخيرة للنجم الراحل قال إنه استعان في "معركة المرض الشرسة بحلفاء كثيرين من الزملاء (الفنانين) والجماهير كل لحظة قاومت فيها المرض كانت حياة. هذه دعوة ونصيحة لنحب الحياة".

وأضاف أن لحماسه لتجسيد شخصية عبد الحليم أسبابا فنية وشخصية منها التشابه بينهما في الإصابة بمرض البلهارسيا وموت أبويهما، مشيرا إلى أن المطرب الذي نشأ يتيما "استطاع أن يشق طريقه من الملجأ إلى أن أصبح سيداً للغناء العربي".

ويعد أحمد زكي من وجهة نظر السينمائيين أهم موهبة في فن التمثيل في مصر خلال الثلاثين عاما الأخيرة من خلال أفلام منها (البيه البواب) و(سواق الهانم) و(أرض الخوف) و(شفيقة ومتولي) و(كابوريا) و(هستيريا) و(ضد الحكومة) و(الهروب).

ويعد أحمد زكي من أكثر الممثلين المصريين تجسيدا لحياة المشاهير منذ قدم قبل أكثر من ربع قرن مسلسل (الأيام) عن حياة عميد الأدب العربي طه حسين وجسد دور الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في مرحلة صعوده في فيلم (ناصر 56) الذي تناول مقدمات تأميم شركة قناة السويس عام 1956 وانتهى الفيلم بإعلان العدوان الثلاثي (البريطاني الفرنسي الإسرائيلي) على مصر.

كما جسد زكي حياة الرئيس المصري السابق أنور السادات في فيلم (أيام السادات) ومنحه الرئيس المصري حسني مبارك وساما عن أدائه. وكان زكي مغرما بتقليد السادات حتى في حياته.

واكتسب الفنان أحمد زكي شعبية كبيرة لدرجة انه تلقى على مدار ثلاثة اشهر حوالي مليون رسالة ما بين مكتوبة عبر الهاتف أو إلكترونية أو بالبريد العادي في مقر إقامته بالجناح 2007 بفندق رمسيس هيلتون على نيل القاهرة، وقد شملت الرسائل خليطا من الدعوات بالشفاء ووصفات علاج بالطب التقليدي والشعبي وقصائد شعر واطمئنان على صحته وغيرها.

وطبقا للإحصائية التي أجرتها إدارة فندق رمسيس هيلتون عبر منظومة الـF.C.S الإلكترونية التي تتولى إدارة جميع أنواع الرسائل التي تصل لنزلاء الفندق، فإن أحمد زكي استقبل خلال الفترة من 18 أبريل الماضي وحتى 18 يوليو الماضي 422 ألف رسالة إلكترونية من جميع دول العالم و187 ألف رسالة بالبريد منها حوالي 50 ألف رسالة من داخل مصر فقط، في حين تلقى 391 ألف رسالة خطية عبر الهاتف، هذا بخلاف 17 ألف باقة ورد وصلت زكي من معجبيه من المصريين والعرب بالإضافة إلى 3250 طردا من جميع أنحاء العالم يحمل بعضها "حبة البركة" من اليمن ومياه زمزم من السعودية وأعشابا طبية من الصين والسودان ونباتات برية للعلاج من موريتانيا وغذاء ملكات نحل أرسله عربي مقيم بالدنمارك جلبه من أوزبكستان، بالإضافة إلى آلاف المصاحف والسبح والتعويذات.

تعويذة من عظم التمساح

وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" أن أكثر التعاويذ إثارة كان تعويذة من عظم التمساح النيلي السوداني أرسلها له مسؤول سابق في جنوب السودان. وقال منير سامي مدير عام رمسيس هيلتون إن الضغط الهائل على البريد الإلكتروني للفندق وخطوطه الهاتفية بشكل ضخم للغاية كان وراء تدشين الفندق لخط هاتف ساخن لتلقي رسائل مكتوبة للنجم زكي بالإضافة تخصيص بريد إلكتروني.

موقع "إيجبتي" في

28.03.2005

 
 

احمد زكي.. المصري الطيب

يعتبر الفنان المصري أحمد زكي الذي توفي الاحد بعد صراع مع مرض السرطان استمر أكثر من عام من أبرز نجوم السينما المصرية في الاعوام الثلاثين الاخيرة.

وبرع زكي في أداء أدوار متنوعة وقدم أفلاما كوميدية وأخرى تناولت قضايا اجتماعية وسياسية مهمة.

ولد أحمد زكي يوم 18 تشرين الثاني /نوفمبر عام 1949 بمدينة الزقازيق في شمال مصر. والتحق بمعهد الفنون المسرحية بالقاهرة وتخرج فيه عام 1973. وأثناء دراسته جذب اليه الانظار بدور صغير في مسرحية (هالو شلبي) أمام الفنانين عبد المنعم مدبولي وسعيد صالح.

ثم ألقت المسرحية الشهيرة (مدرسة المشاغبين) أضواء على موهبته التي تفجرت فيما بعد في مسرحية (العيال كبرت) ومسلسل (الأيام) الذي جسد فيه حياة عميد الادب العربي طه حسين.

وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996 اختار سينمائيون ستة أفلام قام ببطولتها أو شارك فيها زكي ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي (زوجة رجل مهم) و(البريء) و(أحلام هند وكاميليا) و(الحب فوق هضبة الهرم) و(اسكندرية ليه) و(أبناء الصمت).

وكان فيلم (أبناء الصمت) الذي أنتج عام 1974 من المحطات الاولى في مسيرته وقام ببطولته الفنان المصري محمود مرسي الذي توفي عام 2004. ثم جمع زكي ومرسي فيلم اخر هو (سعد اليتيم) الذي أخرجه أشرف فهمي عام 1985.

واعتبر كثير من النقاد أحمد زكي من أهم المواهب في فن التمثيل في مصر في الاعوام الثلاثين الاخيرة إذ يأتي في مقدمة من استطاعوا أن يجمعوا بين النقيضين.. (النجم) و(الممثل) من خلال عدد من الافلام من بينها (النمر الاسود) و(العوامة 70) و(عيون لا تنام) و(البيه البواب) و(سواق الهانم) و(أرض الخوف) و(شفيقة ومتولي) و(كابوريا) و(مستر كاراتيه) و(البطل) و(ضد الحكومة) و(هستيريا) و(ضد الحكومة) و(الهروب) و(اضحك الصورة تطلع حلوة) .

وحقق زكي نجومية هائلة كسر بها نموذج البطل شديد الوسامة فوجد فيه الكثيرون نموذجا للشاب المصري العادي الذي استطاع أن ينطلق في عالم السينما ويغير الكثير من قواعده القديمة.

وتميز زكي بأداء صادق وتقمص كامل لكل شخصية أداها فتمكن من الوصول إلى كل المشاهدين على اختلاف ثقافاتهم ووجد فيه كثير من الشبان نموذجا حتى أن كثيرا منهم قلدوا بعض شخصياته في الملبس وقصة الشعر التي عرفت بينهم باسم فيلمه (كابوريا).

وحصل زكي على عشرات الجوائز اخرها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2002 عن دوره في فيلم (معالي الوزير).

وقالت الناقدة المصرية ماجدة موريس لرويترز إن أداء زكي التمثيلي يمكن أن يوضع في كفة ميزان ويصبح أكثر عمقا وثقلا من أعمال فناني جيله لأنه "الوحيد الذي تماهى مع الشخصيات التي أداها بصدق يصل إلى درجة الجنون. ومن الطبيعي أن يصل هذا الصدق إلى النقاد والجمهور."

وأضافت أن زكي تلخيص لنموذج وقيمة غير موجودة الآن في الوسط الفني في مصر إذ كان يعمل بلا حسابات كتحقيق شهرة أو مكانة لدى سلطة ما أو اكتساب ثروة "ولكنه كان مخلصا لفنه بصورة دفعت الناس إلى تصديقه بدون أي تنظير. أما النقاد فوجدوا في أعماله مستوى رفيعا."

وأشارت إلى أن المشاهدين العاديين بوعي فطري حاولوا في التعبير عن حبهم لزكي الامساك ببقية النماذج الحقيقية في الحياة حتى أن بعض هؤلاء "كتبوا في سجل الزيارة في المستشفى الذي كان يعالج به أنهم مستعدون للتبرع له بأي شيء.. من المال إلى الاعضاء كي يواصل حياته."

ووجد المخرجون من جيل الواقعية الجديدة في السينما المصرية في الثمانينيات في موهبة أحمد زكي فرصة لانجاز مشاريعهم المؤجلة وهم رأفت الميهي ومحمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد وعلي بدرخان وعاطف الطيب.

وجسد زكي دور الرئيس المصري الاسبق جمال عبد الناصر في مرحلة صعوده من خلال فيلم (ناصر 56) الذي تناول مقدمات تأميم شركة قناة السويس عام 1956 وانتهى الفيلم باعلان العدوان الثلاثي (البريطاني الفرنسي الاسرائيلي) على مصر.

كما جسد حياة الرئيس المصري السابق أنور السادات في فيلم (أيام السادات) ومنحه الرئيس المصري حسني مبارك وساما عن أدائه الذي تماهي فيه مع السادات تماما حيث كان زكي مغرما بتقليد السادات حتى في حياة الأخير.

وشارك أحمد زكي الفنانة المصرية الراحلة سعاد حسني بطولة المسلسل التلفزيوني الشهير (هو وهي) ويعد مرحلة في تعاونهما الفني المشترك الذي أثمر عددا من الافلام من بينها (شفيقة ومتولي) و(موعد على العشاء) و(الدرجة الثالثة) و(الراعي والنساء).

ولاحمد زكي ابن وحيد (هيثم) من الفنانة المصرية الراحلة هالة فؤاد (1958 -1993) ابنة المخرج الراحل أحمد فؤاد.

موقع "البوابة" في

28.03.2005

 
 

أحمد زكي.. ممثل البسطاء في بورصة الأحلام

أحمد السيد**

لا تكمن قيمة الفنان الراحل الكبير أحمد زكي الذي وافته المنية صباح الأحد 27 مارس 2005، في أدائه لأدوار شخصيات تاريخية معاصرة كان لها تأثيرها القوي على المجتمع المصري مثل "طه حسين"، و"السادات"، و"عبد الناصر"، لكنها تمتد إلى أدواره على مدى أكثر من 30 عاما، والتي شكلت ملامح من اعتبرته جموع المصريين واحدا منهم، حيث جسد في مجمل أعماله نماذج البسطاء في أفراحهم القليلة وأتراحهم الكثيرة.

ولعل ملامح أحمد زكي ساعدته في ذلك كثيرا، حيث ذلك الفتى الأسمر ذو الشعر المجعد، حاد النظرة، الذي تميزه نحافة نتجت عن فقر وسوء تغذية في الصغر، وتكسو ملامحه أحزان عمر يجرها معه أينما ذهب.. فقد نشأ أحمد زكي ابن قرية الحسينية بمحافظة الشرقية (في دلتا مصر) المولود في 18-11-1949 يتيم الأب، ورباه جده بعد زواج أمه التي لم يرها إلا في سن السابعة.. وبين بيوت الأقارب عاش غربته الخاصة وتعلم التأمل من الصمت الذي فرضته عليه غربته، فاختار أدواره بعناية خاصة، وعاشها وعايشته بشكل جعل انبهار الجمهور والنقاد به لا ينقطع.

حصل الفنان الراحل على دبلوم مهني يؤهله للعمل في ميكانيكا السيارات، وأثناء دراسته الثانوية استطاع أن يعتلي خشبة المسرح ليغادر صمته بالانطلاق في الكلام والصراخ، وأخرج عددا من المسرحيات، ونصحه البعض بالالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة ليتخرج فيه بامتياز عام 1972، وهو العام نفسه الذي شارك فيه بمسرحية "مدرسة المشاغبين" الشهيرة مع كل من "عادل إمام" و"سعيد صالح" و"يونس شلبي" و"هادي الجيار" الذي كان زميلا له في نفس دفعة الدراسة، وكانت هذه المسرحية الهزيلة بمثابة نقطة الانطلاق لبدء نجومية معظم من شارك فيها.

صدمة البداية

رشح أحمد زكي الذي حمل ثقته في نفسه معه منذ البداية لبطولة فيلم "الكرنك" الذي بدأ به مؤلفه وصانعوه حملة للهجوم على الثورة المصرية، وكانت البطلة أمامه "سعاد حسني" التي كانت في قمة نجوميتها في ذلك الوقت. وبعد توقيع عقد الفيلم وفي أول أيام التصوير اكتشف أن أكبر موزع للأفلام في العالم العربي حينها "رمسيس نجيب" قرر استبعاده، فصدم وتحول من يومها إلى كتلة من الأعصاب المتوترة بشكل مستمر، وأقسم يومها أن كل من استبعده من هذا الفيلم سيندم.

وكانت الفرصة التالية هي "شفيقة ومتولي" مع سعاد حسني أيضا، وانطلق أحمد زكي ليقدم مع المخرج "محمد خان" مجموعة من أهم أفلامهما معا بدأت بـ"موعد على العشاء" مرورا بـ"زوجة رجل مهم" الذي قدم فيه شخصية ضابط أمن دولة مصري تجاوزته المرحلة، وكانت الحرفية الشديدة التي قدمها بها بمثابة برق في ظلمة الإهمال الذي يعاني منه الأداء التمثيلي في ذلك الوقت، وأخيرا قدما معا فيلم "السادات" الذي أثار لغطا كبيرا قبل تقديمه، باعتبار السادات نفسه "رئيسا وشخصية" يثير الجدل حوله من كل الاتجاهات، ثم أثار الفيلم نفسه جدلا حول مستواه الفني الذي جاء مخيبا للآمال.

وإذا كان أحمد زكي قد عبر عن توجهاته السياسية في حياة السادات، وأكد اختلافه معه وطالبه بتبرير اعتقال 1500 مفكر مصري في ليلة واحدة، فإنه وبعد رحيل السادات بسنوات طويلة خاض معركة مشابهة ليقنع الآخرين بأنه "مشخصاتي" وتقديمه للسادات لا يعني اتفاقه معه، ولكن يعني أن شخصيته ثرية بما يكفي لإغراء الممثل بتقديمها.

البريء.. ضد الحكومة

وتألق أحمد زكي مع المخرج عاطف الطيب بشكل مدهش حيث قدما معا أفلاما منها "ضد الحكومة" و"الهروب"، وبينما قدم في الأول شخصية محام منحرف لامسته نار الانحراف فاستقام ثم ثار على الفساد، وقام برفع دعوى قضائية على الحكومة بأكملها بسبب حادث أصيب خلاله عدد من الفتيان بينهم ابن له لم يكن يعلم بوجوده.. ففي فيلمه "الهروب" قدم دورا لمنحرف من نوع آخر، حيث يدافع عن شرفه خارج إطار القانون بعدما خانته زوجته فقرر قتلها وقتل عشيقها.

أما أبرز أفلامه مع عاطف الطيب فكان "البريء" الذي أثار عاصفة من الأزمات قبل وأثناء عرضه، فقد اعترضت الرقابة عليه، وتشكلت لجنة من ثلاثة وزراء للتصريح به، وبالفعل تم تغيير نهايته، وإن تسربت بعض النسخ بالنهاية التي صنعها مخرجه وبطله.

وفيلم "البريء" يحكي عن جندي أمن مركزي شديد البساطة والبراءة والجهل يلقن بعد التحاقه بالتجنيد الإجباري ما يفيد أن كل المعتقلين أعداء للوطن، وبالتدريج يفهم أن هؤلاء هم ضمير الوطن وليسوا أعداءه، فينقلب ضد من لقنوه بعد فوات الأوان وينتهي الفيلم بطلقات كثيفة من مدفعه الرشاش في جسد قائده، وهي النهاية التي اعترضت عليها الرقابة، فتم الاكتفاء بصرخة مدوية من الجندي لدى استقبال المعتقل الذي يقوم بحراسته دفعة جديدة من "أعداء الوطن".

ولعل الخطورة الحقيقية في هذا الفيلم تكمن في أن القصة لم تكن إلا إسقاطا على واقع الشعب المصري في الفترة التي أبرمت خلالها معاهدة كامب ديفيد، وكيف أفاق على كارثة تضاؤل الوطن وتحوله إلى مسمى آخر سواه.

تجسيد حياة المشاهير

كان أحمد زكي الذي قدم شخصية "أحمد سبع الليل" في فيلم "البريء" قد انتهى من تقديم كل ما يمكن أن يخطر على ذهن ممثل يهوى التحدي، خاصة بعد أن قدم مع المخرجة المصرية "إيناس الدغيدي" أفلاما خفيفة مثل "إستاكوزا"، ومع محمد خان "كابوريا" الذي حقق رقما قياسيا في إيرادات الشباك، فأنهى -كما أكد هو نفسه- مرحلة إثبات وجوده، ليبدأ في الاستمتاع بأدوار نوعية يختارها هو بنفسه. وكان في بداياته قد حقق نجاحا ملموسا -اعتبره بدايته الحقيقية- بتجسيد شخصية الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، فاستهواه تجسيد حياة المشاهير، وبدأ بشخصية قائد ثورة يوليو "جمال عبد الناصر"، وحقق فيلم "ناصر 56" نجاحا كبيرا وأعاد للأذهان حماس الشعب المصري وحلمه الكبير بعد الثورة والذي تحول إلى كابوس فيما بعد، فأراد أن يجسد شخصية "السادات" وقدمها في الفيلم الذي كتب له أكثر من سيناريو حتى استقر على ما كتبه "أحمد بهجت" الكاتب بجريدة الأهرام القاهرية.

وكان أحمد زكي يطمع في تقديم سعد زغلول زعيم ثورة 1919 وأحمد عرابي والرئيس حسني مبارك أيضا من خلال فيلم "الضربة الجوية".

حليم.. القصة واحدة

أما العندليب الأسمر "عبد الحليم حافظ" فقد كان حلما كبيرا أراد أحمد زكي أن يجسد من خلاله قصة حياته أيضا، والتي تشابهت في كثير من فصولها مع حياة المطرب الأسمر ابن المحافظة نفسها، والذي عانى نفس مشاعر اليتم والفقر والحاجة مثله. وتكرر ما حدث مع فيلم "أيام السادات" من أزمات في كتابة السيناريو؛ فهناك الشاعر "عبد السلام أمين"، ثم الكاتب "محفوظ عبد الرحمن" لكل منهما سيناريو، ولكن الأمر استقر على الأخير، وبدأ بالفعل تنفيذ الفيلم الذي قيل إن زكي أنهى 90% من مشاهده فيه قبل أن يرقد صريع المرض اللعين فيما يشبه الرسالة إلى العندليب الأسمر بالتوحد معه في السينما والحياة. 

** صحفي مصري.

موقع "إسلام أنلاين" في

28.03.2005

 
 

الحاجة رتيبة..علامة استفهام في حياة أحمد زكي

منهم لله.. شوهوا صورتي.. علاقتي مع المرحوم ابني زي الفل!!

حزن الدنيا كوم.. وحزني كوم تاني!!

سحر صلاح الدين  

علامات استفهام غامضة.. وحصار حديدي.. حول الحاجة رتيبة والدة أحمد زكي التي طالتها شائعات وحكايات تفوقت علي أساطير ألف ليلة وليلة.. والحقيقة إنها امرأة عادية مثل سائر الامهات.. توفي زوجها وهي شابة صغيرة.. واضطرت للارتباط بغيره.. وذهب أحمد إلي بيت جده.. ولا نجد في هذا عيباً أو حراماً.

ورغم المحاذير والاسرار وصلنا إليها لنكشف الحقيقة.. ونحترم وصية أحمد زكي ل "الجمهورية".. بألا نتوغل في خصوصياته.. إلا لتصحيح الأمر.. ووضع الأمور في نطاقها المظبوط بعيدا عن الأقلام المغرضة التي حاولت المتاجرة به حياً وميتاً.

في اللحظات الحرجة الأخيرة في حياة زكي كان الكل يسأل بدهشة أين الحاجة.. من ابنها الكبير.. اليس من الواجب أن تكون إلي جواره.. وهو قاب قوسين أو أدني من الرحيل إلي جوار ربه..؟!

تفسر الحاجة رتيبة هذا الموقف بقولها:

كنت أزوره وأقابله.. وأجلس بجواره ثم أعود إلي الشرقية.. لاني لم أكن اتحمل رؤيته علي هذا النحو.. كان قلبي يتمزق.. وأنا امرأة ريفية.. ورغم ان السفر الدائم يسبب لي متاعب لا يعلم بها الا الله.. إلا انه ابني وحبيبي وأكبر أولادي وأعزهم إلي قلبي.. فهو العطوف الكريم الذي يحب الجميع.. ويعطي الجميع بلا حساب.. ويساندهم.. ولا ينسي أهله واخوانه في كل مناسبة.. بالهدايا والعيديات وكان يساعد الغريب قبل القريب.. فراق أحمد.. صعب صعب.. ولكنها إرادة الله.. الناس لا تعرف كيف تفارق الأم أول بختها.. "انه سندي.. ومين ياخد بايدي بعده".

حقيقة علاقتنا

كان ضرورياً أن نسأل.. عن كل ما كتب هنا وهناك ومدي صحته.. فقالت بصوت حزين: ربنا يسامحه.. كل من كتب عني أو عن ابني كلمة كاذبة.. غير صحيحة وعندما كنت أعرف بهذا الكلام كنت أبكي وأقول حسبي الله ونعم الوكيل.. لقد بني لي ولاخوته بيتا في الحسينية شرقية وعلاقته بي وبكل اخوته غير الاشقاء "زي الفل".

ورغم مشاغله كان يعرف أخبارنا ويتصل بنا دائما.. ويدعوننا إلي بيته وأنا لم أفرط فيه بعد وفاة والده الحاج عبدالرحمن وكيف تفرط الأم في ابنها.. ووالده كان ميسورا.. وكنت أنفق عليه من فلوسه.. التي كانت تحت سيطرة المجلس الحسبي ثم جاء بعد ذلك إلي القاهرة.. لكي يدخل المعهد وبدأ يصرف علي نفسه ويعتمد علي دخله بعد ذلك.. ثم بدأ يصرف علينا جميعاً.

وأحمد طول عمره.. بيحب يكون في حاله.. ولا يحب ان يشكي همومه لأحد.. ويحب يشوف السعادة لغيره.. قبل ما يشوفها لنفسه.

..ولم تتوقف الشائعات التي طالت الحاجة رتيبة.. فقالوا إنها لم تذهب إلي المقابر.. مع ابنها إلي مثواه الأخير؟!

وقالت مندهشة ازاي يا ناس ده ابني.. أنا عندي كام أحمد لقد ذهبت الي قبره.. ورجعت بعد دفنه إلي بيت شعبان ابن خالته بمدينة نصر.. ثم إلي شادر العزاء.

ولا يمكن لأي انسان في العالم أن يحزن علي أحمد مثل حزني.. لانه "حتة مني" وربنا يعوضني عن أحمد بهيثم أشوف فيه المرحوم.

وهيثم ربنا يكون في عونه.. أصبح يتيما مثل أبيه.. لكنه سيعيش في عيون جدته واعمامه وخالاته.. ومصر كلها.

وحسمت الحاجة رتيبة الأمر بخصوص شقة المهندسين وقالت: حد الله بيني وبين "حاجة هيثم".. عندي بيتي وحياتي.. وهيثم يحتاج أن نقف بجانبه في مستقبله.. ولا نأخذ منه.

وكل كنوز الدنيا لا تعوضني عن أحمد.. وانهارت في البكاء.. بلا توقف.. ونظن انها.. ستبكي طويلا طويلا.. كان الله في عونها.. وعوننا!!.

الجمهورية المصرية في

29.03.2005

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)