كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

النمر الأسود.. هل يرفع الراية البيضاء؟

تدهور خطير في حالته واستدعاء والدته من الشرقية

أحمد زكي كتب سيناريو جنازته.. كاملاً

سمير الجمل

عن رحيل الإمبراطور

أحمد زكي

   
 
 
 
 

عند الثانية ظهر أول أمس.. دخل الفنان أحمد زكي مرحلة جديدة.. استدعت إعلان الطواريء بمستشفي دار الفؤاد.. وعند السابعة من مساء نفس اليوم تم تركيب أجهزة التنفس الصناعي له.. وانتشر الخبر.. واستسلم الجميع بما فيهم الفريق الطبي لمشيئة المولي سبحانه وتعالي فالحالة خرجت عن السيطرة.

وبعد ماراثون رهيب من المقاومة سقطت الراية البيضاء.. من يد النمر الأسود ودخلت في عيبوبة.. وكان في صباح نفس اليوم قد خرج إلي الحديقة مع سمير عبدالمنعم ابن خالته وجلس تحت الشمس وأطلق بعض النكات وداعب من حوله.. بروح مطمئنة.. وكثيراً ما كان يبحث عن هيثم.. ابنه الوحيد في كل لحظة.. وقبل أن يتم منع الجميع من دخول غرفة العناية المركزة.. معه.

وتوافد العشرات من الفنانين والفنانات علي المستشفي.. ووصلت والدته من الشرقية عند الفجر.

سيناريو الجنازة

وفي الأيام الأخيرة كان يناقش كل شيء.. حتي أنه كتب شفوياً سيناريو جنازته وأن تنطلق من عمر مكرم وأن يكون العزاء بمسجد الحامدية الشاذلية.. وأن يدفن في مقبرته ب 6 أكتوبر التي سبقه إليها زميله المرحوم ممدوح وافي وافتتحها قبل صاحبها وسبحان من له الدوام.

إلي حد كبير طهره المرض اللعين من أوزاره البشرية.. وبلغ معه حد الشفافية وأمر بصدقات وهبات عديدة للفقراء من حوله بأشكال مختلفة ويشهد علي ذلك عمال المستشفي.. في تنظيف الغرف أو المصاعد.. حيث كان يطل عليهم.. بمقعده المتحرك وهو يفلت من عذاب النوم المتصل في الغرفة إلي شمس الشتاء.. والهواء النقي.. في فناء المستشفي.. أو حديقة الفندق المجاور.

مواجهة شرسة

الأطباء منذ اللحظات الأولي لمرضه في فبراير 2004 لم ينكروا أنه السرطان القاتل لا محالة.. وأنها مسألة وقت.. ولأنه واقعي مع نفسه.. ومع مرضه.. أخرج له لسانه.. وقاوم بكل ما يملك.. ودفعته دعوات الملايين دفعاً.. لكي يحقق الجزء الأكبر من فيلم "حليم" وساعده علي ذلك وجود مخرج متمكن واستثمر كل لحظة لوجوده في البلاتوه بأكثر من مرة.. حتي لا يرهقه بالإعادة.. وما تبقي من مشاهد يمكن الاستعانة فيها بهيثم ابنه.. والمسألة محسوبة كما قال القائمون علي الإنتاج.. وبالاتفاق معه وبرضاه كاملاً بل إنه طلب تصويره في المستشفي ورفض عماد أديب بعد أن تغيرت ملامحه.. وتوغلت الخلايا الملعونة في أجزاء متفرقة من جسده.. حتي أن زيارة الدكتور ياسر عبدالقادر الأخيرة إلي باريس تمت لجبر الخاطر ورفع المعنويات ليس أكثر وكان أحمد "الذكي" يعرف ذلك.. ولا يناقشه.. وينتظر قضاء الله وقدره بكل الرضا.

جلسات طويلة جمعته مع محاميه لبيب معوض لكي يرتب أموره المادية.. مع هيثم في المقام الأول.. ثم مع المقربين منه.

المفاجآت

في أشد لحظات مرضه.. كان يوصي سمير عبدالمنعم ابن خالته بالاتصال بمجموعة كبيرة من الفنانين والإعلاميين وخص "الجمهورية" بمكالمة منها.. شكرنا علي لسانه بالصياغة الموضوعية الإنسانية لما نكتبه.. وقلنا إن هذا واجبنا.

واستعاد سمير عبدالمنعم معنا الشريط الساخن منذ اللحظات الأولي للإعلان عن مرضه.. ودخول غرفته ورفض تصويره أثناء عمليات بزل الماء وإزالته من فوق الرئة الموجوعة.

آخر نكتة

في أصعب اللحظات ألقي نكتة شهيرة.. يعرفها الوسط الفني كله.. فقد قرر أحد بلدياتنا أن يعزي في وفاة رفيق الحريري ولم يجد أمامه إلا عمر الحريري.. علي أساس أنه شقيقه.. لم يحدث مع أي نجم سابق بما فيهم عبدالحليم حافظ.. أن تلقي مثل هذا الكم من الاتصالات والهدايا والمصاحف والآيات القرآنية والمسابح وسجاجيد الصلاة.. وكان أحمد بملابس المستشفي.. يصلي جالساً.. ويستمع بشكل دائم إلي القرآن الكريم.. ومن حوله كثيراً ما دخلت الحاجة شهيرة تتلو آيات المصحف الشريف.. وفعلت ياسمين الخيام نفس الشيء.

هذا بخلاف ما كان يتردد في طرقات المستشفي والاستراحة.. من زوار لا يعرفهم ولا يعرفونه.. ولا تجمعهم به صلة إلا فنه وموهبته.

وقد تسابق الملوك والرؤساء وكبار الشخصيات للسؤال عنه.. والاطمئنان عليه.. وإبداء استعدادهم التام لتحمل تكلفة علاجه في أي مكان بالعالم وقد وضع الرئيس مبارك تحت تصرفه الامكانيات واتصل به مراراً وتكراراً ورغم مشاغله كان يتلقي من الدكتور عوض تاج الدين وزير الصحة تقارير شفوية عن حالته أولاً بأول.

الآن يتفق الجميع من أهل الفن والسياسة.. وكبار الشخصيات علي أن الفنان الذي جسَّد حياة العمالقة.. لابد من تجسيد حياته؟.. فمن يستطيع أن يلعب دور أحمد زكي!

الجمهورية المصرية في

22.03.2005

 
 

أحمد زكي يحتضر في القاهرة

القاهرة/ نبيل شرف الدين

تلقى محبو الفنان المصري الكبير أحمد زكي تصريحاً مقتضباً أدلى به اليوم (الأربعاء) الطبيب المعالج لزكي، قال فيه إنه يمر حاليا بمرحلة حرجة، من دون أن يخوض في مزيد من التفاصيل حول طبيعة الحالة الصحية لزكي، غير أن هذه التفاصيل تكفل بها بيان رسمي لوزارة الصحة المصرية، قالت فيه

"إنه على الرغم من العلاج المكثف الذي تلقاه الفنان أحمد زكي في القاهرة وباريس‏,‏ والذي شارك في الإشراف عليه خبراء كبار في علاج الأورام في البلدين، فقد انتشرت الخلايا السرطانية في الكبد والغدد الليمفاوية بمنطقة البطن‏,‏ ونتج عنها استسقاء بريتوني‏,‏ كما أصيب بالتهاب رئوي‏,‏ إضافة إلى ضيق حاد في الشعب الهوائية‏، وهي التداعيات التي استلزمت متابعة حالته في العناية المركزة بالمستشفى .

وانتهى زكي من تصوير معظم مشاهد فيلم (90 بالمائة) عن العندليب الأسمر الراحل عبد الحليم حافظ، ابن نفس المحافظة التي ينتمي إليها زكي (الشرقية)، ويعد هذا الفيلم أضخم إنتاج سينمائي مصري (ميزانية الفيلم 18 مليون جنيه مصري، ما يساوي 3.1 مليون دولار)، وهو أول عمل فني عن حياة المطرب الذي لا يزال يحظى بشعبية جارفة في شتى أنحاء العالم العربي، وكتب سيناريو الفيلم السيناريست محفوظ عبد الرحمن ويخرجه شريف عرفة .

وسادت الوسط الفني في مصر حالة من القلق حول حالة أحمد زكي الصحية خاصة أن بعض الشائعات تحدثت عن احتضاره، ولأنه فرض حالة من السرية حول أزمته الصحية أثناء تلقيه العلاج سواء في البيت أو في المستشفى فقد سمح هذا بالمزيد من الشائعات .

أحمد سبع الليل

وجسد زكي معظم أدواره بقدرة فذة على المعايشة الكاملة لكافة تفاصيل الشخصية، ووازن ببراعة بين قدرته علي التحكم في الانفعال والتعبير، وبين قدرته على الانفصال عن ذاته، وعبر هذا التوازن الصعب نفسيا وجسديا، لذا نجد أن فارس في "طائر علي الطريق" هو ذلك السائق الذي يمكن أن تصادفه في أي مكان، وشكري الكوافير في "موعد علي العشاء" هو تلك الشخصية بدمها ولحمها، وأحمد الشاذلي في "العوامة 70" بانكساره وإحباطاته .. بتمرده وانسحاقه، ورأينا شخصية حسن هدهد في "كابوريا"، ذلك الفقير العاطل باستهتاره وعفويته، بتسريحة شعره الغريبة ومفرداته الخاصة وحركاته المتصعلكة التي تنم عن خلل ما في تكوينه النفسي فلم يكن حينئذ إلا هدهد، كما لا يمكن أن ننسى تجسيده لشخصية البواب في فيلم "البيه البواب"، وقدرته الفذة على سبر كل أغوار هذه الشخصية، شكلاً ومضموناً وحتى تضاريسه النفسية ونزقه ومكره الريفي وتطلعاته، وانفلاته وحتى عودته لذاته، وهناك أيضاً شخصية "عيد" في "أحلام هند وكاميليا" الصعلوك، الأفاق غير المستقر نفسياً ولا اجتماعياً، فلم يكن أحمد زكي سوى "عيد" بكل مكوناته المتناقضة، أما قصة أحمد سبع الليل في فيلم "البريء" فهي بالفعل حالة إشراق نادرة، إنه بالفعل أحمد سبع الليل بمشيته المهرولة، وتهدل كتفيه، بل وحتى قفاه المفلطح، ولا أفهم كيف فعل هذا، فلم يكن في أي لحظة من اللحظات أحمد زكي، بل كان "أحمد سبع الليل" الذي يمكن أن تقابله في أي كتيبة من كتائب الأمن المركزي أو أي قرية من قرى مصر، باختصار كانت كل هذه الشخصيات "أنفسها"، ولم يكن أي منهم أحمد زكي، بل كائنات حقيقية من دم ولحم .

الخوف والسرطان

وعاشت القاهرة حزناً استثنائياً لمرض نجمها الاستثنائي الذي يكره رائحة المستشفيات ولا يطيق رؤية الأسرّة البيضاء، والذي ظل يؤجل فكرة التردد على الطبيب حتى اضطر رغما عنه للاستئذان من كل أدواره كي يلحق بسرير، ليس في بلاتوه ولكن في قسم العناية المركزة ، وهنا يذكر أن أحمد زكي لم يعش حياته بالطول والعرض كما يتوقع كثيرون، فمشواره مع النجومية لم يكن ممهداً أبداً، ودروب المال الذي سار عبرها كثير من الممثلين والفنانين لم يقترب منها يوماً، فقد ظل حتى شهور ماضية تنتابه الكوابيس والفزع من أن يواجه مصير أي موظف حكومي حينما يجد نفسه قد أُلقي به إلى الشارع بعد استغناء الشركة التي يعمل بها عنه، ويقول أصدقاء النجم إنه ظل يعيش خوفا كبيرا يصل إلى حد الذعر مما تخفيه له الحياة، حتى أنهم يعتبون عليه من أن هذا الخوف ليس له ما يبرره خاصة أن بوسعه أن يحصل على أجور عشرة أفلام لو أراد أن يسير على سينما العلب، لكن الجميع يدركون أن ذعر أحمد لم يكن من أصداء أيام الفقر والكفاح حينما كان يطارد بأحلامه منذ منتصف الظهيرة وحتى منتصف الليل في شارع عدلي بقلب القاهرة، حيث تقع نقابة السينمائيين، أو بالطابق العاشر في إحدى بنايات شارع 26 يوليو، حيث استخراج تصاريح العمل بنقابة الممثلين، لكن من مجهول ما، لم يكن طيلة سنوات عمره يكاد يتبين ملامحه، حتى شاءت الأقدار أن تجتمع عليه متاعب القلب ووحشية الورم الخبيث معاً.

وكان زكي قد أصيب بضيق في التنفس يوم 24 كانون الثاني (يناير) من العام الماضي وخضع لعلاج لمدة أسبوع في منزله ثم انتقل إلى مستشفى دار الفؤاد في مدينة 6 أكتوبر جنوب القاهرة، حيث اكتشف الأطباء إصابته بالتهاب رئوي حاد، وأجرى له الأطباء عملية بذل للمياه الموجودة في الرئة، وتم استخراج ثمانية لترات من السوائل من رئتيه، ومنعت الزيارة عنه، وقد أصدر فريق الأطباء تقريرا بضرورة استكمال علاجه في فرنسا، فقرر حينئذ الرئيس المصري حسني مبارك علاجه فوراً على نفقة الدولة.

وأحمد زكي من مواليد عام 1949 في الزقازيق بمحافظة الشرقية بمصر، والتحق بقسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية منتصف الستينيات، بدأ يحقق شهرة جماهيرية واسعة بعد تقدم شخصية عميد الأدب العربي طه حسين في مسلسل "الأيام"، ومن أشهر أعماله السينمائية ناصر 56 والسادات ولا أكذب ولا أتجمل، الحب فوق هضبة الأهرام، زوجة رجل مهم، البيه البواب وغيرها.

موقع "الجيران" في

24.03.2005

 
 

بعد أشهر طويلة من الصراع مع المرض..

أحمد زكي يستسلم ويفارق الحياة وأحباءه

محمد عبدالرحمن

إيلاف/ القاهرة ـ محمد عبد الرحمن: بعد صراع طويل مع مرض السرطان وغيبوبة تامة استمرت 8 أيام رحل صباحا الفنان المصري الكبير احمد زكي عن عمر يناهز السابعة والخمسين. وخاض زكي معركة شرسة ضد السرطان وكان قد أوشك على إنهاء تصوير أحدث أفلامه "حليم" إلا أن المرض لم يمهله ليفارق الحياة قبل 4 أيام من حلول ذكرى وفاة العندليب الذي عشقه زكي وتمنى أن يجسد حياته سينمائياً . وعلمت إيلاف أن الجنازة ستشيع بعد صلاة الظهر غد الاثنين من مسجد عمر مكرم بالقاهرة وتحت رعاية صديقه عماد الدين أديب منتج فيلم حليم ولم يتحدد حتى الآن موعد العزاء ومكانه وهناك توقعات بأن تعيد جنازة زكي للأذهان الجنازات الشهيرة في تاريخ مصر مثل جنازة الرئيس عبد الناصر و أم كلثوم وعبد الحليم حافظ . قدم زكي نحو ثلاثين فيلما وبرع في أداء الشخصيات التاريخية مثل عبد الناصر والسادات وطه حسين وعمل مع عدد كبير من المخرجين ويتفرد بين أقرانه بقدرته البارعة على التشخيص وتقمص الشخصية . والراحل كان متزوجا من الفنانة الراحلة هالة فؤاد وله منها ابن وحيد هو هيثم الذي كان يرافقه باستمرار في رحلة المرض.

وكانت صحة احمد زكي تدهورت نتيجة لمضاعفات الورم السرطاني في صدره وانتشاره الى الكبد والغدد اللمفاوية في البطن. وعانى نتيجة ذلك من استسقاء بروتيني كما اصيب بالتهاب رئوي وضيق حاد في الشعب الهوائية". وكان الفنان الذي يتمتع بشعبية كبيرة اكتشف اصابته بسرطان في الرئة قبل سنة تقريبا وبدأ علاجه في مصر ثم انتقل الى باريس حيث طلب منه الاستمرار بالعلاج الكيميائي. وبعد عودته ساهم في علاجه فريق طبي صيني.  وتعرض احمد زكي خلال تصويره فيلم عن الفنان عبد الحليم حافظ الذي كتب له السيناريو محفوظ عبد الرحمن ويقوم باخراجه شريف عرفة الى جلطات في اوردة الركبة والساقين الا انه كان يعود لاستكمال التصوير الذي انهى منه ما يقارب 90 في المائة من المشاهد التي يتضمنها الفيلم باستثناء مشهد الوفاة.  وكانت الشركة المنتجة (غود نيوز) اقامت حفلا حاشدا بمناسبة بداية تصوير الفيلم حضره غالبية نجوم السينما المصريين وبعض النجوم العرب وكانت مناسبة لاظهار الحب الذي يكنه اصدقاؤه وزملاؤه.

 وكان من المفترض ان يبدأ بتصوير فيلم "رسائل البحر" لداود عبد السيد قبل فيلم عبد الحليم الا ان الطبيب الفرنسي المعالج نصح في حينه الفنان المصري بعدم القيام بذلك لان الفيلم يتضمن مشاهد مرهقة. وأكد العاملون مع الفنان الراحل في فيلم عبد الحليم أن زكي كان يرفض الحصول على فترات راحة كبيرة ويصور عدد أكبر من المشاهد المحددة له، وفي الأيام الأخيرة كانت معظم مشاهده مع منى زكي التي تلعب دور فتاة قريبة له وصلاح عبدالله في دور صديقه ومحاميه مجدي العمروسي و سميرة عبد العزيز في دور علية شبانة شقيقته الكبرى والفنانة سميرة عبد العزيز هي زوجة الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن مؤلف الفيلم وكانت قد لعبت دور والدة أم كلثوم في المسلسل الذي كتبه أيضا محفوظ عبد الرحمن .

موقع "إيلاف" في

27.03.2005

 
 

أحمد زكي نجم وصل الى الناس بصدق أدائه وتنوع أدواره

من سعد القرش

القاهرة (رويترز) -  يعتبر الفنان المصري أحمد زكي الذي توفي يوم الاحد بعد صراع مع مرض السرطان استمر أكثر من عام من أبرز نجوم السينما المصرية في الاعوام الثلاثين الاخيرة.

وبرع زكي في أداء أدوار متنوعة وقدم أفلاما كوميدية وأخرى تناولت قضايا اجتماعية وسياسية مهمة.

ولد أحمد زكي يوم 18 نوفمبر تشرين الثاني عام 1949 بمدينة الزقازيق في شمال مصر. والتحق بمعهد الفنون المسرحية بالقاهرة وتخرج فيه عام 1973. وأثناء دراسته جذب اليه الانظار بدور صغير في مسرحية (هالو شلبي) أمام الفنانين عبد المنعم مدبولي وسعيد صالح.

ثم ألقت المسرحية الشهيرة (مدرسة المشاغبين) أضواء على موهبته التي تفجرت فيما بعد في مسرحية (العيال كبرت) ومسلسل (الأيام) الذي جسد فيه حياة عميد الادب العربي طه حسين.

وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996 اختار سينمائيون ستة أفلام قام ببطولتها أو شارك فيها زكي ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي (زوجة رجل مهم) و(البريء) و(أحلام هند وكاميليا) و(الحب فوق هضبة الهرم) و(اسكندرية ليه) و(أبناء الصمت).

وكان فيلم (أبناء الصمت) الذي أنتج عام 1974 من المحطات الاولى في مسيرته وقام ببطولته الفنان المصري محمود مرسي الذي توفي عام 2004. ثم جمع زكي ومرسي فيلم اخر هو (سعد اليتيم) الذي أخرجه أشرف فهمي عام 1985.

واعتبر كثير من النقاد أحمد زكي من أهم المواهب في فن التمثيل في مصر في الاعوام الثلاثين الاخيرة إذ يأتي في مقدمة من استطاعوا أن يجمعوا بين النقيضين.. (النجم) و(الممثل) من خلال عدد من الافلام من بينها (النمر الاسود) و(العوامة 70) و(عيون لا تنام) و(البيه البواب) و(سواق الهانم) و(أرض الخوف) و(شفيقة ومتولي) و(كابوريا) و(مستر كاراتيه) و(البطل) و(ضد الحكومة) و(هستيريا) و(ضد الحكومة) و(الهروب) و(اضحك الصورة تطلع حلوة) .

وحقق زكي نجومية هائلة كسر بها نموذج البطل شديد الوسامة فوجد فيه الكثيرون نموذجا للشاب المصري العادي الذي استطاع أن ينطلق في عالم السينما ويغير الكثير من قواعده القديمة.

وتميز زكي بأداء صادق وتقمص كامل لكل شخصية أداها فتمكن من الوصول إلى كل المشاهدين على اختلاف ثقافاتهم ووجد فيه كثير من الشبان نموذجا حتى أن كثيرا منهم قلدوا بعض شخصياته في الملبس وقصة الشعر التي عرفت بينهم باسم فيلمه (كابوريا).

وحصل زكي على عشرات الجوائز اخرها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2002 عن دوره في فيلم (معالي الوزير).

وقالت الناقدة المصرية ماجدة موريس لرويترز إن أداء زكي التمثيلي يمكن أن يوضع في كفة ميزان ويصبح أكثر عمقا وثقلا من أعمال فناني جيله لأنه "الوحيد الذي تماهى مع الشخصيات التي أداها بصدق يصل إلى درجة الجنون. ومن الطبيعي أن يصل هذا الصدق إلى النقاد والجمهور."

وأضافت أن زكي تلخيص لنموذج وقيمة غير موجودة الآن في الوسط الفني في مصر إذ كان يعمل بلا حسابات كتحقيق شهرة أو مكانة لدى سلطة ما أو اكتساب ثروة "ولكنه كان مخلصا لفنه بصورة دفعت الناس إلى تصديقه بدون أي تنظير. أما النقاد فوجدوا في أعماله مستوى رفيعا."

وأشارت إلى أن المشاهدين العاديين بوعي فطري حاولوا في التعبير عن حبهم لزكي الامساك ببقية النماذج الحقيقية في الحياة حتى أن بعض هؤلاء "كتبوا في سجل الزيارة في المستشفى الذي كان يعالج به أنهم مستعدون للتبرع له بأي شيء.. من المال إلى الاعضاء كي يواصل حياته."

ووجد المخرجون من جيل الواقعية الجديدة في السينما المصرية في الثمانينيات في موهبة أحمد زكي فرصة لانجاز مشاريعهم المؤجلة وهم رأفت الميهي ومحمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد وعلي بدرخان وعاطف الطيب.

وجسد زكي دور الرئيس المصري الاسبق جمال عبد الناصر في مرحلة صعوده من خلال فيلم (ناصر 56) الذي تناول مقدمات تأميم شركة قناة السويس عام 1956 وانتهى الفيلم باعلان العدوان الثلاثي (البريطاني الفرنسي الاسرائيلي) على مصر.

كما جسد حياة الرئيس المصري السابق أنور السادات في فيلم (أيام السادات) ومنحه الرئيس المصري حسني مبارك وساما عن أدائه الذي تماهي فيه مع السادات تماما حيث كان زكي مغرما بتقليد السادات حتى في حياة الأخير.

وشارك أحمد زكي الفنانة المصرية الراحلة سعاد حسني بطولة المسلسل التلفزيوني الشهير (هو وهي) ويعد مرحلة في تعاونهما الفني المشترك الذي أثمر عددا من الافلام من بينها (شفيقة ومتولي) و(موعد على العشاء) و(الدرجة الثالثة) و(الراعي والنساء).

ولاحمد زكي ابن وحيد (هيثم) من الفنانة المصرية الراحلة هالة فؤاد (1958 -1993) ابنة المخرج الراحل أحمد فؤاد.    

رويتر ـ Sun March 27, 2005 12:46 PM GMT+02:00  

وفاة الفنان المصري أحمد زكي

من سعد القرش 

القاهرة (رويترز) - ذكرت وكالة أنباء الشرق الاوسط ان النجم السينمائي المصري أحمد زكي توفي يوم الاحد بعد معاناة مع السرطان استمرت أكثر من عام.

دخل زكي الذي توفي عن 55 عاما المستشفى في بداية هذا الشهر في حالة صحية حرجة نتيجة لمضاعفات سرطان الرئة الذي انتشر في الكبد وأدى إلى اصابته بالتهاب رئوي وضيق حاد في الشعب الهوائية.

واكتشف زكي اصابته بمضاعفات مرض سرطان الرئة في بداية عام 2004 وسافر إلى باريس للعلاج ثم عاد إلى مصر ليتلقى علاجا كيماويا بأحد مستشفيات مدينة السادس من أكتوبر على مسافة 40 كيلومترا غربي القاهرة حيث كان يرقد هناك في غيبوبة منذ يوم الثلاثاء الماضي.

ورغم مرضه بدأ زكي في منتصف يناير كانون الثاني تصوير فيلم (حليم.. صوت الشعب) الذي جسد فيه دور المغني المصري عبد الحليم حافظ الذي رحل عام 1977.

وتعرض زكي أثناء تصوير فيلم (حليم) لجلطات في أوردة الركبة والساقين ولكنه كان يعود بعد العلاج لاستكمال التصوير وأنهى حوالي 90 في المئة من مشاهده باستثناء مشهد وفاة البطل.

وقال المخرج المصري عادل أديب الذي أخرج لزكي قبل سنوات فيلم (هستيريا) لرويترز إن زكي صور معظم مشاهد دوره في فيلم (حليم) وأهمها مشهدا البداية والنهاية وهما أغنيتا (رسالة من تحت الماء) و(قارئة الفنجان).

وأضاف أديب المشرف على انتاج فيلم (حليم) الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن ويخرجه شريف عرفة ان المتبقي من الفيلم مشاهد قليلة جدا عبارة عن خلفيات لاغاني عبد الحليم في شوارع بيروت وباريس والمغرب.

ولد أحمد زكي يوم 18 نوفمبر تشرين الثاني عام 1949 بمدينة الزقازيق بشمال مصر والتحق بمعهد الفنون المسرحية بالقاهرة وتخرج فيه عام 1973.

ولعب زكي أدوار البطولة أو شارك في 56 فيلما من أشهرها (زوجة رجل مهم) و(البريء) و(الحب فوق هضبة الهرم) و(كابوريا) و(الهروب) و(البيه البواب) .

رويتر ـ Sun March 27, 2005 3:33 PM GMT+02:00  

وفاة الفنان المصري أحمد زكي

القاهرة (رويترز) - اعتبر نقاد سينمائيون النجم السينمائي المصري أحمد زكي الذي توفي يوم الاحد من أبرز الفنانين الذين خرجوا من "أحراش المجتمع" ليمنحوا فن التمثيل أهمية ترجع إلى طبيعة الشخصيات التي اختار تمثيلها فضلا عن ابداعه الشخصي في طريقة الاداء.

وقال الناقد السينمائي كمال رمزي لرويترز إن أداء زكي يعد اضافة لفن التمثيل مشيرا إلى أن تفوقه على معظم الممثلين المصريين يرجع إلى قدرته على الابداع الشخصي والجدية في الالمام بتفاصيل الشخصية قبل أن يؤديها "بطريقة رفيعة المستوى تنتمي إليه وحده فعندما قدم شخصية الدكتور طه حسين شعرنا أن جسد زكي كأنه تحول إلى اذان وكانت ملامح وجهه تجسيدا للعزيمة والعناد معا."

وأضاف أن زكي قدم في أفلامه بانوراما لشخصيات تعطي تفاصيل واضحة لخارطة المجتمع المصري خلال ربع القرن الأخير "من الاحراش إلى القمة كانت أدواره معرضا شديد الثراء والصدق بفضل عينيه اللتين تجيدان تجسيد وتلخيص اللحظة المركبة كما في المشهد الاخير من فيلم (ناصر 56) وهو خطبة ناصر في الازهر. نظرة عيني زكي وهما تكادان تدمعان تعبران عن الخوف والتصميم والشعور بغموض المستقبل وقوة الارادة أيضا."

وتشيع ظهر يوم الاثنين جنازة زكي الذي رحل عن 55 عاما بعد معاناة مع السرطان استمرت أكثر من عام.

ورغم مرضه بدأ زكي في منتصف يناير كانون الثاني تصوير فيلم (حليم.. صوت الشعب) الذي جسد فيه دور المغني المصري عبد الحليم حافظ الذي رحل عام 1977. وتعرض زكي أثناء تصوير الفيلم لبعض الجلطات ولكنه كان يعود بعد العلاج لاستكمال التصوير وأنهى حوالي 90 في المئة من مشاهده باستثناء مشهد وفاة البطل.

وقال المخرج المصري عادل أديب الذي أخرج لزكي قبل سنوات فيلم (هستيريا) لرويترز ان زكي صور معظم مشاهد دوره في فيلم (حليم) وأهمها مشهدا البداية والنهاية وهما أغنيتا (رسالة من تحت الماء) و(قارئة الفنجان).

وأضاف أديب المشرف على انتاج فيلم (حليم) الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن ويخرجه شريف عرفة أن المتبقي من الفيلم مشاهد قليلة جدا عبارة عن خلفيات لاغاني عبد الحليم في شوارع بيروت وباريس والمغرب.

ولد أحمد زكي يوم 18 نوفمبر تشرين الثاني عام 1949 بمدينة الزقازيق بشمال مصر والتحق بمعهد الفنون المسرحية بالقاهرة وتخرج فيه عام 1973. ولعب أدوار البطولة أو شارك في 56 فيلما من أشهرها (زوجة رجل مهم) و (البريء) و(الحب فوق هضبة الهرم) و(كابوريا) و(الهروب) و(البيه البواب).

وقال محمود سعد رئيس تحرير مجلة الكواكب المصرية إن زكي "كان ممثلا فريدا وموهبة فريدة للغاية لا تتكرر إلا مرة واحدة كل مئة أو 200 أو حتى 300 عام."

وقالت الناقدة المصرية ماجدة موريس إن أداء زكي التمثيلي يمكن أن يوضع في كفة ميزان ويصبح أكثر عمقا وثقلا من أعمال فناني جيله لأنه "الوحيد الذي تماهى مع الشخصيات التي أداها بصدق يصل إلى درجة الجنون. ومن الطبيعي أن يصل هذا الصدق إلى النقاد والجمهور."

وأضافت أن زكي تلخيص لنموذج وقيمة غير موجودة الآن في الوسط الفني في مصر إذ كان يعمل بلا حسابات كتحقيق شهرة أو مكانة لدى سلطة ما أو اكتساب ثروة "ولكنه كان مخلصا لفنه بصورة دفعت الناس إلى تصديقه بدون أي تنظير. أما النقاد فوجدوا في أعماله مستوى رفيعا."

وأشارت إلى أن مواطنين مصريين عاديين حاولوا بوعي فطري في التعبير عن حبهم له الامساك ببقية النماذج الحقيقية في الحياة حتى أن بعض هؤلاء "كتبوا في سجل الزيارة في المستشفى الذي كان يعالج به أنهم مستعدون للتبرع له بأي شيء.. من المال إلى الاعضاء كي يواصل حياته."

وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996 اختار سينمائيون ستة أفلام قام ببطولتها أو شارك فيها زكي ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي (زوجة رجل مهم) و(البريء) و(أحلام هند وكاميليا) و(الحب فوق هضبة الهرم) و(اسكندرية ليه) و(أبناء الصمت).

وقال الناقد طارق الشناوي إن زكي "ممثل شاعري يتجاوز حدود أي نص أو سيناريو."

إلا أن الشناوي قال إن تجسيد زكي لشخصيتي كل من الرئيسين الراحلين أنور السادات في فيلم (أيام السادات) وجمال عبد الناصر في فيلم (ناصر 56) لم يمكنا زكي من اظهار كل طاقته مضيفا "أعتقد أن زكي يظهر أفضل امكاناته عندما تتاح له حرية تحديد سمات الشخصية.  في الفيلمين كان مقيدا بشخصية الرئيسين الراحلين الا أنه جسدهما بشكل رائع.

موقع رويتر العربي في

27.03.2005

 
 

بعد معاناة شديدة مع المرض

مات أحمد زكي

حسين قطايا

توفي بعد ظهر أمس الفنان أحمد زكي وهو في منتصف العقد السادس، بعد رحلة مع مرض خبيث استمرت لعدة أشهر، مخلفاً وراءه الكثير من الأعمال السينمائية الخالدة في تاريخ السينما العربية، التي لن ينساها الجمهور، وستحفظها الأجيال المتعاقبة، كونه من الفنانين القلائل الذين عاشوا الفن كقضية هاجسها الرئيسي خدمة الانسان.

ميزة الانسان الفنان، انه لا يموت ولو غاص جسده عميقاً في التراب. فأعماله تبقيه في ذاكرة المجتمع العامة والخاصة. خصوصاً إذا كان فناناً ملتصقاً بقضايا أهله يحمل همومهم ويهجس في طرحها بصوت مرتفع، وبصدق كامل، حتى يغدو جزءاً من فكرهم ومشاعرهم كما هو الفنان الراحل أحمد زكي، الذي استطاع خلال مسيرته الفنية، التي امتدت لأكثر من ربع قرن ان يقف على هذه المساحة الشفافة والمعبرة، عن ما يهدس فيه المواطن المصري خاصة، والمواطن العربي عموماً.

انطلق أحمد زكي في حياته الفنية من وسط الناس، وهو اليتيم الفقير، الذي ناضل لأجل أن يجد مكاناً تحت الشمس المضيئة لكل مساحات العتم والغموض. فأنتمى إلى أشعتها التي ترمز إلى الحقيقة، فيجسدها في أعماله ، مستخدماً أسلوبه الخاص في الأداء الذي ميّزه عن كثيرين من الممثلين من أبناء جيله.

فأسلوبه يقوم على البساطة في الدرجة الأولى، وعلى فهم دقيق لإبعاد الشخصية المؤداة في الدرجة الثانية. وقد يبدو هذا على بساطة كبيرة، لكنه أسلوب يتمتع بصعوبة، لا يدركها إلا من عمل في هذا الحقل. فالبساطة في أساسها قدرة على عدم إسقاط التنظير العقلي على الإحساس الإنساني الأول، بمعنى أن يلتقط الممثل بمشاعره حيوية الشخصية التي يلعبها في بعدها الاجتماعي المركب والجدلي في أكثر الأحيان.

ولعل حياة أحمد زكي الخاصة شكّلت مختبره الأساسيين، الذي صنع منه مادته الأولى في جمع العنصرين الأساسي، واللذين يحتاجهما الممثل، الشعور أولاً، والعقلنة ثانياً. وهذا ما يفسر اختياره للأدوار التي قدمها لشخصيات واقعية على تماس فعّال مع نبض الحياة، كما في فيلم «زوجة رجل مهم»، حيث جسّد شخصية رجل الأمن القاسي، أمام ميرفت أمين الزوجة التي تضيق ذرعاً بقسوته فتقرر أن تتخلى عنه، لكنه يعنفها حتى يصل في النهاية إلى الانتحار كموقف عاجز عن مواجهة ما لا يستطيع فهمه بشخصيته المتوترة والموتورة في آن.

في هذا الشريط بدا أحمد زكي قد بلغ نضجاً في استخدام أدواته التعبيرية بشكل مدهش، تركه يقف إلى جانب كبار الممثلين في العالم العربي مثل عبدالله غيث، ومحمود مرسي، ومحمود المليجي، وسواهم من عمالقة السينما المصرية، ولا شك ان مخرج الفيلم محمد خان عرف كيف يوظف إمكانيات هذا الفنان، بإطار الواقعية الجديدة الممزوجة بمستويات تعبيرية انتمى إليها خان كمدرسة ورؤية سينمائية تستخدم كل عناصر الواقع وتؤلف مجالات مرتفعة بالأداء، التقط محتواه زكي باحترافية عالية.

في فيلم «درب الهوى» يقع في غرام فتاة تمارس الرذيلة، وهو الأستاذ الجامعي، فيحاول ان ينقذها من المرارة التي تعيشها، ويقدم لها صدق الحب كفرصة لحياة جديدة، فتنوي التوبة، لكن يد شقيقها تسبق الأستاذ المنقذ إليها، فيقتلها بالثأر المحكوم إلى جهل، لطالما أثار أحمد زكي، الذي لم يترك فرصة إلا وأشار إلى هذه النقطة المهمة في حياة المجتمعات في العالم الثالث تحديداً، وشاهدنا له في الاتجاه ذاته ولكن في إطار آخر، فيلم «البيضة والحجر».

حيث يتحول من أستاذ فلسفة إلى مشعوذ يعمل بالسحر والخزعبلات، من إخراج علي عبدالخالق، الذي قدم فيلماً متواضعاً في قصته العادية، والتي تحولت مع أحمد زكي إلى كوميديا سوداء، تظهر الجهل الاجتماعي الذي نحياه، والذي يستطيع أي محتال أن يتبناه ويسخر من عقول الناس البسطاء، الذين اشبعوا بحكايا اجتماعية حول قضايا الجن والعفاريت وقدرتها على تغيير حياة الناس، وفي الفيلم أيضاً تحذير للمجتمع في ان يتحول مثقفوها إلى شاذين ومجرمين.

في فيلم «ناصر 56» جسد الفنان الشخصية الكريزمية للزعيم جمال عبدالناصر بما تتطلبه من جهود جبارة، كون أحداث الفيلم وقعت في مجال زمني ضمن خيال الذاكرة الحية، لاسيما ان الشهود على مرحلة ناصر راقبوا الفيلم بدقة، وأدهشهم احمد زكي بفكه لرموز العناصر الأساسية لشخصية من هذا الحجم، خصوصاً وهم عرفوه عن قرب.

فمخرج الفيلم محمد فاضل استطاع ان يدفع بفكرته مع الممثل بمهنية عالية حافظت على السياق التاريخي السياسي للفيلم، وعرفا كيف يسبران معاً روح الكاريكاتير المقدم كونه عصب الفيلم الرئيسي. ولم يكن فيلم «أيام السادات» أقل بهذا المعنى، فالفيلم أيضاً يتمتع بالمواصفات ذاتها لفيلم ناصر، من اخراج محمد خان، الذي قامت بينه وبين الراحل علاقات عمل في أفلام كثيرة وعلاقة صداقة عميقة جداً.

اليوم نودع الفنان الكبير، وهو سيترك فراغاً كبيراً خلفه، وسيفتقده جمهور السينما، وكل من عرفه كإنسان وكفنان. نودعه ونرمي على ثراه وردة حب ووفاء لإنسان وفنان حقيقي أحبه الناس وأحبهم، يذرفون الدمع اليوم عليه، وهو عاش وقدم الكثير لأجلهم في حياته.  

زكي في سطور

ولد أحمد زكي عبدالرحمن، في مدينة الزقازيق سنة 1949، بعد وفاة والده وتربى في رعاية جده. والتحق بعدها بمعهد الفنون المسرحية، وأثناء دراسته في المعهد، شارك في مسرحية «هالو شلبي»، ثم تخرج عام 1973، متفوقاً على كافة زملائه.

بدأ أحمد زكي مشواره الفني مع المسرح الذي قدم على خشبته أكثر من عمل ناجح مثل: «مدرسة المشاغبين»، و«العيال كبرت»، وقام ببطولة العديد من المسلسلات التلفزيونية منها «الأيام»، «هو وهي»، «أنا لا أكذب ولكني أتجمل»، وقدم للإذاعة عدة مسلسلات من بينها: «عبدالله النديم»، و«دموع صاحبة الجلالة».

ويعتبر من أبرز نجوم السينما المصرية، لما قدمه من أفلام متميزة ابتداء من «أبناء الصمت» سنة 1974، وحتى «معالي الوزير».حصل أحمد زكي على العديد من الجوائز طيلة مسيرته مع الفن، وقدم للسينما مجموعة من أهم أعمالها.تزوج من الممثلة الراحلة هالة فؤاد وله منها ابنه الوحيد هيثم.

 

عاش طفولته يتيماً و وحيداً

اكتشفه ناظر المدرسة ورسب في أول امتحان مسرحي

القاهرة ـ محمد هشام

انتهت حياة الفنان أحمد زكي بمأساة كما بدأت. فقد عانى النجم الأسمر في بداية حياته من مرض البلهارسيا الذي افترس جسده النحيل وشاء الله أن يشفى منه بعد أن تعاطى أكثر من مئة وعشرين حقنة عاش بعدها حياة حافلة بالشهرة والمجد قبل أن يستسلم جسده للسرطان اللعين الذي فشلت معه كل محاولات الانقاذ.

المأساة في حياة الفنان الكبير لم تكن المرض فقط ولكنها في حالة اليتم التي عاشها في طفولته وأحدثت داخله شرخا لم تفلح الأيام ولا الشهرة والمجد في ترميمه. فقد حرم الطفل أحمد زكي من حنان الأب والأم معا بعد أن مات والده ولم يكن قد أكمل عامه الأول وتزوجت والدته قبل أن يدخل عامه الثاني وانتقل ليعيش وسط أخواله.

هذه الظروف القاسية خلقت داخله حالة من التمرد والرفض وجعلت منه شخصية تأملية وظل طوال حياته يكره الحب الرمادي المقترن بحالة اليتم. كان أحمد زكي يهرب دائما من هذه الذكريات المؤلمة ونادرا ما يتحدث عنها. ويقول عن نفسه أنا إنسان يعاني من الحساسية المفرطة التي تسبب لي متاعب كثيرة، وكان يتمني أن يتصالح مع نفسه لكي يستمتع بوقته ويحافظ على وهج الفنان بداخله.

كان إذا سئل عن المرأة أجاب بأنها الحب والحنان اللذان أفتقدهما وأنه تمنى طوال حياته أن يجد المرأة التي تعوضه عن هذا الحرمان. وفي أحد اللقاءات قال إن كلمة «يتيم» يقابلها عندي «الحب الرمادي» فحين يكون لديك طفل يتيم لا تستطيع أن تشتمه أو تنهره وحتى إذا أخطأ لا يجد من يعاقبه أو يثور عليه مع أنه يحتاج لهذه المشاعر معا،

لكن الطفل اليتيم للأسف لا يعرف سوى اللون الرمادي على طول الخط فيسكنه على الدوام ويجعله شخصية تأملية، بالنسبة لي فقد انعكس هذا الشعور على علاقتي بالمرأة، فأنا في هذه المرحلة افتقدت حضن أمي، وهذا هو أغلى شيء في الوجود، فهي لم تكن موجودة في حياتي وهذا الشعور صعب ومميت وخاصة أنها كانت مع رجل آخر غير والدي.

هذا الاحساس ولد لدي شعوراً بضرورة التعويض في المرأة التي أحبها وأتزوجها وتلك المرأة لو أدركت احساس من ذاق طعم اليتم فإنها تأخذ إنسانا يحلق بها في السماء، وإذا لم تدرك ذلك فإنها تضيع على نفسها فرصة السعادة لأنني سأعطيها الكثير، سأعطيها نفسي ومشاعري، أعطيها الطفل الكامن في أعماقي، فإذا كان الإنسان الذي تربي في حضن أمه يريد حنان الأم من زوجته، فما بالكم بطفل محروم تماما من أمه»!!.

مأساة أحمد زكي عرفناها جميعا بين اليتم والمرض في طفولته المبكرة فقد أصيب بالبلهارسيا مرتين بسبب الاستحمام في ترعة «نويس» إحدى قرى مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، واضطر في كل مرة لأخذ ستين حقنة، وقد وصل معه هذا المرض إلى مراحل متقدمة لكن الله أنقذه، وكانت ترعة نويس التي اصابته بالبلهارسيا دافعا له على التأمل وكان يمارس فيها هوايته المفضلة في صيد الأسماك مع زملائه.

اتجاهه للتمثيل بدأ بمحض الصدفة، فبعد أن كوّن ورشة (برادة) في الزقازيق باعتباره خريج هذا القسم في مدرسة الزقازيق الصناعية، لكن لحسن الحظ كان في هذه المدرسة رجل مستنير هو الأستاذ كامل إسماعيل نجم ناظر المدرسة الذي جعل المدرسة مركز إشعاع فني من خلال التنافس بين أقسام المدرسة على تقديم العروض المسرحية،

فقد كان الطلبة يتنافسون كل عام بعشرين مسرحية من فصل واحد، أملا في الحصول على الكأس ووجد أحمد زكي تشجيعا من ناظر المدرسة وكانت هذه المرحلة نقطة تحول في حياته لأنه عشق التمثيل والإخراج وبدأ يتردد على قصر ثقافة الزقازيق وكان مركز إشعاعاً ثقافي وفني آخر قرأ فيه معظم الكتب الفنية والآراء النقدية خاصة مقالات علي الراعي وعبدالقادر القط، وشق أحمد زكي طريقه إلى المسرح بعد أن وجد فيه ضالته،

وبدأ يتعامل مع الشخصيات التي يجسدها كطبيب نفساني، ومن فرط عشقه للمسرح رسب في الدبلوم أكثر من مرة، وكان في هذه الفترة قد بدأ يخرج مسرحيات لأقسام أخرى بالمدرسة مثل «الزخرفة والكهرباء والسيارات» وأيضا للمدرسة الثانوية ومدرسة المعلمين وقصر ثقافة الزقازيق يتقاضى عنها مكافآت رمزية.

وفي العام التالي جاء مستعدا ونجح بتفوق وكان الأول على حوالي ألف متقدم، وكان لونه الأسمر ظل علامة مميزة عند الأساتذة وأحيانا مستفزة لمشاعره، فقد وصفه أستاذه الراحل نبيل الألفي وكان أحد الأساتذة بلجنة التحكيم بأنه الميكانيكي الأسمر وذلك لأنه كان حاصلا على دبلوم صنايع، ووصفه عضو آخر بالفلاح الأسود، وكان لونه في بداية حياته عائقا أمام حصوله على البطولات السينمائية خاصة فيلم «الكرنك» الذي رشح لبطولته واستبعد من قبل الجهة المنتجة لنفس السبب .

وكاد هذا الموقف يبعده عن التمثيل لولا أنه انتصر على هذا التحدي وبدأت بشائر النجومية تظهر مع أدائه الرائع لشخصية عميد الأدب العربي طه حسين وفي فيلم «العمر لحظة» الذي نال عنه شهادة تقدير وصعد نجم أحمد زكي بسرعة وانهالت عليه الجوائز إلى أن لُقب في أواخر أيامه برئيس جمهورية التمثيل، وذلك في أعقاب تجسيده الرائع لشخصيتي الزعيمين الراحلين جمال عبدالناصر والسادات.

ارتبط الفنان أحمد زكي منذ طفولته بشخصية الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وكان يفخر بأنه ناصري ويقول «إن عبدالناصر أبويا وعمي وهو القدوة»، فقد كان يعتبره الأب الروحي له بعد أن فقد والده، وكان يحلم دائما بأن يقدم هذه الشخصية في مسلسل أو فيلم سينمائي.

وعندما ذهب إلى مهرجان مونبيليه بعد أن شاهدوا مسلسل طه حسين الذي جسد شخصيته وصور جزءا من المسلسل في هذه الجامعة فطن إلى أهمية تجسيد الشخصيات الوطنية في أعمال ناجحة وقرر أن يتبنى مشروعاً قومياً لتقديم قادة ورموز مصر وكان على رأسهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وقتها أعلن أنه على استعداد لأن يقيم خيمة أمام مبنى التلفزيون لكي يحقق هذا المشروع وبالفعل تحقق حلمه وتصدى لإنجاز فيلم «السادات»..

وتحول بسببه إلى مدافع عن اختيارات الرئيس الراحل السياسية خاصة فيما يتعلق بمسألة السلام مع إسرائيل، وعندما تعثر مشروع الفيلم في البداية قرر أن ينتجه لحسابه ومن ماله الخاص وخاض التجربة بنجاح، وكان حلمه الذي لم يكتمل فيلم «حليم» الذي كان يعتبره نموذجا مشابها له في اليتم والحرمان.

البيان الإماراتية في

27.03.2005

 
 

النقاد يعتبرونه أهم موهبة فنية خلال 30 عاما

تضارب الأنباء حول مكان تشييع جنازة أحمد زكي لأسباب "أمنية"

القاهرة - سلامة عبد الحميد

فيما أعلن رسميا خبر وفاة النجم الأسمر أحمد زكي جراء إصابته بمرض السرطان،  فإن موعد تشييع الجنازة وإقامة مراسم العزاء الخاصة بالراحل ما تزال غامضة شيئا. فبعد أن تم إخبارالصحفيين والإعلاميين أن الجثمان سيتم تشييعه من مسجد عمر مكرم، الذي تشيع منه معظم الجنازات الرسمية بالعاصمة المصرية القاهرة، عقب صلاة ظهر غد الاثنين عادت الأنباء لتشير إلى أن النية تتجه لتشييع  الجثمان من أمام مستشفى دار الفؤاد الذي قضى زكي به الفترة الأخيرة من حياته والذي يبعد عن القاهرة أقل من أربعين كيلومترا لتفادي زحام شديد متوقع.

لكن الثابت حتى الآن أن المقربون من زكي حريصون على تنفيذ وصيته الأخيرة بتصوير الجنازة وتضمينها فيلم (حليم صورة شعب) بدلا من مشاهد وفاة عبد الحليم حافظ الحقيقية، والذي شيع من مسجد عمر مكرم، على الرغم من التوجيهات الأمنية التي نصحت بأن ذلك سيعتبر مخاطرة بسبب الزحام الشديد والتدافع المتوقع من جانب المشيعين الذين قد يبلغ تعدادهم أكثر من مليون شخص.

في الوقت نفسه تسعى أجهزة الأمن المصرية  لوضع ترتيبات أمنية صارمة تحول دون وقوع مصادمات أو أحداث شغب في الجنازة الحاشدة التي من المتوقع أن تكون شبيهة بجنازات العظماء الراحلين أمثال عبد الناصر وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ورغم أن الوقت يسابقهم، إلا أنه تم حشد جميع الإمكانيات لخروج الجنازة بما يليق بالنجم الراحل خاصة وأنه من المتوقع أن يكون المشاركون فيها منتمون لمستويات رفيعة على المستوى المحلي والعربي، إضافة لمشاركة مندوبين عن السفارات والجامعات والمؤسسات الحكومية والأهلية، جنبا إلى جنب مع طوائف الشعب المصري المختلفة.

وكان  مستشفى دار الفؤاد في القاهرة أعلن في وقت سابق وفاة الفنان المصري احمد زكي صباح اليوم الأحد 27-3-2005 إثر صراع طويل مع مرض السرطان، وذلك بعد أن تم إدخال النجم الأسمر مجددا المستشفى قبل ثلاثة أسابيع بعد أن تدهورت حالته الصحية خلال تصوير فيلم "حليم" الذي تدور أحداثه حول حياة المطرب المصري الشهير عبد الحليم حافظ. وقبل أيام دخل الفنان أحمد زكي في غيبوبة تامة إثر تعرضه لعدة جلطات في الدماغ وقال أطباؤه إنهم يسعون إلى تكريمه في ساعاته الأخيرة.

ويعتبر أحمد زكي المولود من أهم نجوم السينما المصرية والعربية, وأظهر موهبة خاصة في أداء دور عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وشخصيتي الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر في "ناصر 56" وأنور السادات في "أيام السادات".

جمع بين "النقيضين"

ولد أحمد زكي يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1949 بمدينة الزقازيق في شمال مصر. والتحق بمعهد الفنون المسرحية بالقاهرة وتخرج فيه عام 1973. وأثناء دراسته جذب إليه الأنظار بدور صغير في مسرحية "هالو شلبي" أمام الفنانين عبد المنعم مدبولي وسعيد صالح.

ثم ألقت المسرحية الشهيرة "مدرسة المشاغبين" أضواء على موهبته التي تفجرت فيما بعد في مسرحية "العيال كبرت" ومسلسل "الأيام" الذي جسد فيه حياة عميد الأدب العربي طه حسين.

وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996 اختار سينمائيون ستة أفلام قام ببطولتها أو شارك فيها زكي ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي "زوجة رجل مهم" و"البرئ" و"أحلام هند وكاميليا" و"الحب فوق هضبة الهرم" و"اسكندرية ليه" و"أبناء الصمت".

وكان فيلم "أبناء الصمت" الذي أنتج عام 1974 من المحطات الأولى في مسيرته وقام ببطولته الفنان المصري محمود مرسي الذي توفي عام 2004. ثم جمع زكي ومرسي فيلم آخر هو "سعد اليتيم" الذي أخرجه أشرف فهمي عام 1985.

واعتبر كثير من النقاد أحمد زكي من أهم المواهب في فن التمثيل في مصر في الأعوام الثلاثين الأخيرة، إذ يأتي في مقدمة من استطاعوا أن يجمعوا بين النقيضين.. "النجم" و"الممثل" من خلال عدد من الأفلام من بينها "النمر الأسود" و"العوامة 70" و"عيون لا تنام" و"البيه البواب" و"سواق الهانم" و"أرض الخوف" و"شفيقة ومتولي" و"كابوريا" و"مستر كاراتيه" و"البطل" و"ضد الحكومة" و"هستيريا" و"ضد الحكومة" والهروب" و"اضحك الصورة تطلع حلوة". (‏ إجمالي أفلامه السينمائية ‏56).

وحقق زكي نجومية هائلة كسر بها نموذج البطل شديد الوسامة فوجد فيه الكثيرون نموذجا للشاب المصري العادي الذي استطاع أن ينطلق في عالم السينما ويغير الكثير من قواعده القديمة.

وتميز زكي بأداء صادق وتقمص كامل لكل شخصية أداها فتمكن من الوصول إلى كل المشاهدين على اختلاف ثقافاتهم ووجد فيه كثير من الشبان نموذجا حتى أن كثيرا منهم قلدوا بعض شخصياته في الملبس وقصة الشعر التي عرفت بينهم باسم فيلمه "كابوريا".

وحصل زكي على عشرات الجوائز آخرها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2002 عن دوره في فيلم "معالي الوزير"، وقالت الناقدة المصرية ماجدة موريس لرويترز إن أداء زكي التمثيلي يمكن أن يوضع في كفة ميزان ويصبح أكثر عمقا وثقلا من أعمال فناني جيله لأنه "الوحيد الذي تماهى مع الشخصيات التي أداها بصدق يصل إلى درجة الجنون. ومن الطبيعي أن يصل هذا الصدق إلى النقاد والجمهور".

وأضافت أن زكي تلخيص لنموذج وقيمة غير موجودة الآن في الوسط الفني في مصر إذ كان يعمل بلا حسابات كتحقيق شهرة أو مكانة لدى سلطة ما أو اكتساب ثروة.. ولكنه كان مخلصا لفنه بصورة دفعت الناس إلى تصديقه بدون أي تنظير. أما النقاد فوجدوا في أعماله مستوى رفيعا".

وأشارت إلى أن المشاهدين العاديين بوعي فطري حاولوا التعبير عن حبهم لزكي عبر الامساك ببقية النماذج الحقيقية في الحياة حتى أن بعض هؤلاء "كتبوا في سجل الزيارة في المستشفى الذي كان يعالج به أنهم مستعدون للتبرع له بأي شيء.. من المال إلى الأعضاء كي يواصل حياته".

ووجد المخرجون من جيل الواقعية الجديدة في السينما المصرية في الثمانينيات في موهبة أحمد زكي فرصة لإنجاز مشاريعهم المؤجلة وهم رأفت الميهي ومحمد خان وخيري بشارة وداود عبد السيد وعلي بدرخان وعاطف الطيب.

وجسد زكي دور الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في مرحلة صعوده من خلال فيلم "ناصر 56" الذي تناول مقدمات تأميم شركة قناة السويس عام 1956 وانتهى الفيلم بإعلان العدوان الثلاثي "البريطاني الفرنسي الإسرائيلي" على مصر.

كما جسد حياة الرئيس المصري السابق أنور السادات في فيلم "أيام السادات" ومنحه الرئيس المصري حسني مبارك وساما عن أدائه الذي تماهي فيه مع السادات تماما، حيث كان زكي مغرما بتقليد السادات حتى في حياة الأخير.

وشارك أحمد زكي الفنانة المصرية الراحلة سعاد حسني بطولة المسلسل التلفزيوني الشهير "هو وهي" ويعد مرحلة في تعاونها الفني المشترك الذي أثمر عددا من الأفلام من بينها "شفيقة ومتولي" و"موعد على العشاء" و"الدرجة الثالثة" و"الراعي والنساء".

ولاحمد زكي ابن وحيد "هيثم" من الفنانة المصرية الراحلة هالة فؤاد 1958 -1993 ابنة المخرج الراحل أحمد فؤاد.

سنوات الفندق..

وفي التقرير الذي كتبه مراسل صحيفة "الشرق الأوسط" في القاهرة نبيل سيف وتنشر "العربية.نت" نصه  نجد أن أحمد زكي قضى الاعوام الـ 18 الماضية في أحد فنادق القاهرة الكبرى واصبح الجناح الذي يقيم فيه (الغرفتان 2006-2007 بالدور الـ 20) هو عنوانه وبيته الدائم الذي لم يغادره مطلقا سوى لمرات محدودة إما للسفر خارج أو داخل مصر، تاركا شقته الكائنة بضاحية المهندسين مغلقة طوال الوقت. والجناح رقم 2006 هو نفس الجناح الذي كانت تقيم فيه الراحلة سعاد حسني اثناء تصويرها حلقات مسلسل "هو وهي" بالتلفزيون المصري في منتصف الثمانينات لمدة 6 أشهر، وهو ذاته الجناح الذي كانت تقيم فيه الفنانة شريهان وقت زواجها من علال الفاسي ، وأيضا نفس الجناح الذي يفضله الموسيقار الراحل بليغ حمدي هاربا من أصدقائه تفرغا لوضع لحن جديد. وكان آخر الألحان التي وضعها بليغ في هذا الجناح لحن أغنية "بودعك" التي غنتها الفنانة وردة في عام1987.

18 عاما قضاها احمد زكي بين جدران هذا الجناح منذ أن حل بالفندق في منتصف الثمانينات ليسكن بالكابينة رقم (138) المطلة على بركة السباحة للفندق متنقلا بين غرف محدودة ، حيث انتقل بعد ذلك إلى الغرفة 315 لمدة 3 سنوات ثم الغرفة 415 لمدة 6 سنوات ثم الغرفه 815 لمدة 4 سنوات ، وقبل عامين وفي عام 2002 انتقل للإقامة بجناحه الحالي رقم 2006 وكانت جميعها غرفا فردية مطلة على النيل.

لم يتغير برنامج أحمد زكي اليومي داخل فندق رمسيس طوال الـ 18 عاما التي قضاها فيه حتى بعد إصابته بالمرض الخبيث، وباستثناء أيام سفره خارج القاهرة أو خارج البلاد، حيث اعتاد زكي على الاستيقاظ في السابعة والنصف صباحا، وكان أول شيء يفعله هو الاتصال بقسم تلفونات الفندق مرتين، الأولى لتوصيله بالمكتبة ببهو الفندق ليطلب إرسال الصحف، والثانية لتوصيله بقسم خدمة طعام الغرف ليطلب الإفطار، ثم بعد ذلك يتجه للنادي الصحي بالفندق لممارسة الرياضة لمدة ساعة ومن ثم النزول إلى بهو الفندق للاطلاع على جميع الصحف والمجلات ثم العودة لغرفته للاستحمام استعدادا للخروج لاتمام مواعيده أو تصوير مشاهد من أعماله.

لم يكن أحمد زكي نزيلا مزعجا مطلقا أو من محبي التحدث بكثرة في الهاتف كما يقول محمد علي ـ مدير قسم التلفونات بالفندق وصديق أحمد زكي على مدار 15 عاما ـ ويضيف علي قائلا: "كان ذوق" جدا في الاتصال، وكان يحب أن يقول له الموظفين "صباح الخير يا عبقري" ويخبروه بما عرض له من أفلام ليلة أمس أو آخر أخبار الإقبال الجماهيري على أفلامه في دور العرض في المنطقة التي يسكن فيها كل موظف بالوردية، كان يهتم بذلك جدا مع فيلم "السادات" ويسجل بقلم في ورقة اسماء دور العرض التي عليها اقبال أو التي ينخفض فيها الاقبال، كما كان الموظفون يخبروه أولا بأول عما ينشر عنه في الصحف.

ويضيف علي: كانت علاقة احمد زكي بجميع العاملين بقسم التلفونات اكثر من أسرية رغم ان اغلبهم لم يروه وجها لوجه سوى مرات قليلة ، لكنه كان يعرفنا جميعا من اصواتنا، ويتذكر محمد علي ذات مرة حينما أصر زكي على دعوة جميع الموظفين بالقسم بلا استثناء لفيلم "ناصر 56" وحضر معنا داخل قاعة العرض مرتديا نظارة سوداء ومتخفيا لكي لا يعرفه احد، ثم دعانا بعد ذلك الى العشاء، وكنت دائما اسأله "أنت ليه سايب شقتك في المهندسين ومتواجد في الفندق؟ وكان يرد بجملة لم يغيرها مطلقا "الفندق ده وشه حلو علي ولو خرجت منه ها أموت حتى المنتجين بيرسلوا لي حقوقي المادية على حسابات الفندق مقابل ايجار الغرفة". ويبتسم ابتسامة عريضه قائلا "ده يا سيدي احمد زكي".

اما مجدي عاطف، السفرجي بقسم "الـ Room service" حيث كان يتناول زكي يوميا طعام الافطار والعشاء من خلال مجدي فقط، ومجدي البالغ من العمر 33 عاما من اقرب المقربين لاحمد زكي فقد كان زكي لا يتركه يغادر الغرفة إلا بعد ان يخبره مجدي بآخر نكتة في البلد، ويستشيره في شكل المكياج في افلامه وخاصة "ناصر 56" و"السادات" و"حليم". ويقول مجدي لـ"الشرق الاوسط" لم يكن يتركني اغادر غرفته بعد وضع صينية طعام افطاره المكون دائما من قطعتين عيش بلدي وكوب برتقال طبيعي وقطعتين جبن ابيض وخيار وزبادي وعسل نحل إلا بعد ان يؤدي امامي المشهد الذي سوف يصوره اليوم ورأيي فيه. وكانت العلاقات بيننا بلا أي حدود حتى أنني كنت ارد عليه بعد كل مشهد "ايه الزفت ده" فينظر لي باستغراب. فأبتسم قائلا "يا عبقري ما يحسد المال إلا اصحابه".

ويشير المتر نبيل انور، مدير مطعم "التراس كافيه" وهو المطعم المحبب للنجم احمد زكي ليتناول فيه طعام الغذاء الذي كان يتكون من الأسماك والمأكولات البحرية دائما، فلم يكن زكي يميل مطلقا لتناول اللحوم والطيور ومع طعام الغذاء كوب عصير برتقال طبيعي في كوفيه شوب الجارد كورت أو ركن الشيشة. كان زكي يجلس مساء للقاء المنتجين واصدقائه من الفنانين أو للاستجمام من عناء العمل طوال النهار وكان دائما يضع نظارته السوداء ويميل برأسه قليلا للخلف ليوحي لمن حوله بأنه نائم ولا يريد من أحد إزعاجه وكان يتناول الشاي بالنعناع فقط بدون سكر كما يقول المتر وجدي مسؤول مطعم الجاردن كورت قائلا: بمجرد ان يصل احمد زكي للجلوس في "الكوفيه شوب" كان المعجبون يستدعون بعضهم البعض على الجوال وخلال دقائق يتكدس المكان بالزبائن، ولم يعرض زكي مطلقا عن مصافحة أو لقاء أي سائح يريد ان يصافحه وكثيرا ما كان يحاسب طلبات ومشروبات موائد اخرى. "الغرفة آخر بهدله عايز حد يرتبها بسرعة، نازل مشوار وراجع بعد ساعة"، كانت هذه الجملة يسمعها دائما المسؤولون عن قسم ترتيب الغرف بالفندق من زكي يوميا طوال أدائه لأدوار جديدة في أفلامه، فكانت غرفته تتحول مساء كل يوم الى خليط من السيناريوهات والاوراق والملابس الخاصة بالشخصية وصور فوتوغرافية له في المشاهد تملئ أركانها وكتب متعددة منتشرة في كل مكان واموال نقدية تحت السرير وعلى الموائد وفيزاكارد... الخ. حتى ان السرير مغطى بالكامل بالسيناريوهات وكأن زكي كان نائما على الارض.

كان يعشق شراء القمصان الكاجوال والكلاسيك شبه يومي، لدرجة ان 70% من ملابسه التي نغسلها له في الفندق كانت قمصانا، هكذا قال محمود لوندري، احد العاملين بمغسلة الفندق وصديق زكي طوال سنوات ماضية مضيفا، كان يحب جدا شراء ملابس جديدة أول بأول وكان يكره الكرافتات والملابس الرسمية وكان يأخذ رأيي في خامات القميص الجديد الذي اشتراه أو احضره معه صديق له من الخارج، وكان يكره أي ملابس بها الياف صناعية وكان يفضل جدا القمصان القطنية والحراير والبدل المصنوعة من الكتان. أما ملابسه داخل غرفته بالفندق فكانت باستمرار الجلباب بأنواعه الصيفي والشتوي اما الترنج سوت فكان خلال قيامه بالتدريب في النادي الصحي بالفندق.

ويتذكر محمد أبو هندية المسؤول بقسم الاستقبال بالفندق ان "أحمد زكي كان نادر الحضور الى الرسبشن الا مرات عديدة فقد كان يرسل مبالغ مالية ضخمة تحت الحساب وكان وضع غرفته خاصا جدا بناء على تعليمات المدير العام باعتباره "نجما عالميا" فقد كان سعر غرفته "شبه رمزي" حيث قضى 20 عاما من عمره في الفندق بداية من كابينه 138 عام 1984 على بعد كبائن من كابينه الفنانة سعاد حسني 133 حيث كانا يؤديان معا حلقات مسلسل "هو وهي" في مبنى التلفزيون المجاور.

العربية نت في

27.03.2005

 
 

خسارة كبيرة

رحيل الفنان الاسمر احمد زكي

القاهرة – من رياض ابو عواد

·         ادوار كبيرة ومتميزة قدمها الراحل الكبير على خشبة المسرح وفي السينما والتلفزيون.

بعد صراح طويل مع مرض السرطان رحل صباح الاحد النجم الكبير احمد زكي الذي قدم للشاشة العربية 56 فيلما اخرها فيلم لم ينته العمل فيه بعد عن حياة العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ شبيهه في رحلة الصعود الى النجومية وفي اليتم وفي المرض في اواخر ايامهما.

وكان زكي قد نقل منذ ثلاثة اسابيع الى مستشفى دار الفؤاد بعد تدهور مفاجىء في حالته الصحية وانتشار الورم السرطاني الذي بدا في الرئة ليصل الى المخ.

ولد "النمر الاسمر" احمد زكي متولي عبد الرحمن عام 1947 في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية. بعد وفاة والده وزواج والدته من اخر عاش مع جدته وبدأ حياته الفنية في المدرسة الثانوية في الزقازيق حيث نال اول جائزة تمثيل عن دوره في احدى المسرحيات المدرسية.

حصل على شهادته الجامعية من المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة عام 1973 بتقدير امتياز وبدا حياته الفنية بالمشاركة في عدة مسرحيات ناجحة مثل "النار والزيتون" و"اولادنا في لندن" و"هالو شلبي" الا ان دوريه في مسرحيتي "مدرسة المشاغبين" و"العيال كبرت" هما اللذان حققا له شهرة كبيرة في العالم العربي ومهدا لدخوله بقوة عالم الشاشة الفضية.

قدم الراحل ايضا ادوارا متميزة في مجموعة من المسلسلات خصوصا حلقات "هو وهي" التي شاركته بطولتها سندريلا الشاشة العربية الفنانة الراحلة سعاد حسني والمسلسل المميز "الايام" عن حياة عميد الادب العربي الراحل طه حسين الذي ابداع من خلاله في اداء دور الضرير.

ومن المسلسلات الاخرى التي قدمها "الغضب" و"لا شيء يهم" و"بستان الشوك" اضافة الى مسلسل اذاعي واحد هو "دموع صاحبة الجلالة" الذي رفض ان يشارك فيه لدى نقله الى الشاشة الصغيرة.

ومن بين الافلام الـ56 التي قدمها زكي للشاشة العربية في بداياته "ابناء الصمت" و"بدور" عام 1974 قبل انقطاعه عن الشاشة لثلاثة سنوات ليعود اليها عام 1977 مع فيلمي "صانع النجوم" و"شفيقة ومتولي" مع الراحلة سعاد حسني التي التقي معها مجددا على الشاشة الفضية في فيلم "الدرجة الثالثة" عام 1988 وفي اخر افلامها "الراعي والنساء" عام 1991.

الا ان انطلاقته الكبرى كانت مع "العمر لحظة" و"وراء الشمس" و"اسكندرية ليه"، في اول واخر لقاء له مع المخرج المصري الكبير يوسف شاهين، و"النمر الاسمر" و"امراة واحدة لا تكفي" و"كابوريا" و"استاكوزا".

احيا احمد زكي بادائه شخصيتي الرئيسين جمال عبد الناصر في "ناصر 56" وانور السادات في "ايام السادات" لحظات تاريخية هامة في تاريخ مصر المعاصر وخصوصا حدث تاميم قناة السويس في "ناصر 56" الذي لم يعشه ابناء الجيل الجديد والذين كانوا من اهم مشاهدي هذا الفيلم.

ومن الافلام التي يعتبرها النقاد علامة في تاريخ احمد زكي الفني "ارض الخوف" "وضد الحكومة" و"زوجة رجل مهم" و"الباطنية" و"البيه البواب" و"سعد اليتيم" و"العمر لحظة" و"الامبرطور" و"الباشا" و"الرجل الثالث".

كانت بدايته مع الجوائز والتقديرات التي تجاوزت الثمانين جائزة محلية وعربية عن ادواره السينمائية حيث حصل عام 1979 على اربعة جوائز هي جائزة وزارة الثقافة عن دوره في "العمر لحظة" وشهادة تقدير في نفس العام من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن "شفيقة ومتولي" الذي نال عنه ايضا جائزة مهرجان جمعية الفيلم وهي الجهة التي منحته جائزة ثانية في نفس العام عن دوره في فيلم "وراء الشمس".

كما منحه مهرجان دمشق جائزة افضل ممثل عن دوره في "زوجة رجل مهم" عام 1986 وهي نفس الجائزة التي نالها عن نفس الفيلم من مهرجان جمعية الفيلم المصرية وفي العام التالي حصل ايضا على نفس الجائزة على دوره في فيلم "البريء" وفي عام 1988 حصل كذلك على نفس الجائزة من مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي عن دوره في "امرأة واحدة لا تكفي".

ومن اواخر الجوائز التي حصل عليها جائزة المهرجان القومي للسينما المصرية عن دوره في فيلم "ارض الخوف" لداود عبد السيد عام 2000 وجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن دوره في فيلم "معالي الوزير" لوحيد حامد عام 2003.

تزوج احمد زكي من الفنانة الراحلة هالة فؤاد التي انجب منها ابنه الوحيد هيثم قبل ان ينفصلا بالطلاق.

ميدل إيست أونلاين في

27.03.2005

 
 

أحمد زكي

هارب من أرض الخوف

ماجد حبته**

"ما زلت أحن إلى حياتي في أرض الخوف، لكنني لا أملك القدرة على أن أعود إليها" لعلها الجملة التى ظل أحمد زكى يرددها وهو ممدد على سريره بمستشفى دار الفؤاد وحتى رحيله صباح الأحد 27 مارس 2005.

لم يسمعه أحد يتكلم، لكن طرقات المستشفى امتلأت بالجملة التي قالها "آدم" بطل فيلم أرض الخوف، ذلك الضابط المزروع بين تجار المخدرات عشرين عاما، تقلبت خلالها شخصيته وتقلب معها صوته الذي كان يتخلل الأحداث من خارج الكادر، ليؤكد عمق الفيلم الذي أجمع النقاد على أنه لم يكن ممكنا أن يتحقق فنيا إلا بعبقرية أداء أحمد زكي.

لم يكن غريباً حنينه الدائم إلى أرض الخوف، فتللك هى الدنيا كما عاشها وأراد الإفلات منها بالإقامة شبه الدائمة بأحد الفنادق الفاخرة، رغم امتلاكه شقة في أحد أرقى أحياء القاهرة.

دنيا لازمه فيها إحساس غريب بالخوف والاغتراب وهو الذى انتزع الموت أباه بعد عام واحد من مجيئه إلى الدنيا عام 1949، وتزوجت أمه، ليقضي سنواته الأولى متنقلا بين بيوت العائلة.

تقمص الشخصية

ومنذ طفولته كان يراقب العالم من ركنه المنزوي، وتتراكم بداخله أحاسيس مختلفة ومتصارعة لم يجد مخرجا لها إلا عن طريق التمثيل. ففي مدرسته الابتدائية كان رئيسا لفريق التمثيل، ولازمه عشق التمثيل في المرحلة الإعدادية، واشترك في مهرجان المدارس الثانوية، ونال جائزة أفضل ممثل على مستوى مدارس الجمهورية.

وما إن حصل على الثانوية العامة من مدرسة الزقازيق الثانوية، التحق أحمد زكي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرج عام 1973 بتقدير ممتاز. وقضى فترة الدراسة متجولا بين مقاهي القاهرة ومنتدياتها الثقافية منتظرا الفرصة ليثبت أنه يجيد التمثيل، وكانت البداية في مسرحية "هالو شلبي" وعدد من الأدوار الصغيرة التي قادته فيما بعد إلى عالم النجومية.

وأهم ما تعلمه أحمد زكي في المعهد ومن أدواره الصغيرة كان ما أدركه منذ صغره أن الحياة هي أهم كتاب يتعلم منه الممثل، فلم تمر عليه شخصية إلا وحاول أن يفهمها، وأن يختزن أحاسيسها ورغباتها، جاعلا هدفه الإنسان بكل متناقضاته، عبر تجسيد أدوار الجندي، والميكانيكي، والحلاق، والضابط، والسجين، واللص، والهارب، وتاجر المخدرات، والمحامي، والطبيب، والمريض، والمدمن، والصعلوك، والوزير، والبواب، والرئيس، ورجل الأعمال، والعامل، والصحفي، والمصور، والمهندس، والتاجر، والدجال، والمثقف، والفنان، والجاهل، وكلها شخصيات أداها على الشاشة خلال 58 فيلما و5 مسرحيات و4 مسلسلات، بشكل أنسى من شاهدوها أنهم يشاهدون أحمد زكي؛ حيث كان يخرج من جلده لتحل محله الشخصية الدرامية بكل مواصفاتها وأبعادها.

فالصعيدي لا بد أن يكون مثل أحمد زكي في فيلم "البيه البواب"، وضابط المباحث لا بد أن يكون هو هشام في "زوجة رجل مهم" بنظراته الجريئة المقتحمة، بالإيماءة والنظرة، بالهمسة والتنهيدة، بالضحكة والبسمة، بعلو وخفوت وحدة الصوت. وعسكري الأمن المركزي لا بد أن يكون "أحمد سبع الليل" الذي رأيناه في "البريء" بمشيته الغريبة، المهرولة، وتهدل كتفيه، بل وقفاه العريض(!!) والمحامي لا بد أن يكون "مصطفى خلف" في "ضد الحكومة"، والمحب الذي لا يجد مظلة اجتماعية وأخلاقية يقبل تحتها حبيبته لا بد أن يكون مثله في "الحب فوق هضبة الهرم".

وحتى عندما تتشابه الشخصيات التي يؤديها فإنه يعرف كيف يجعلها تختلف، فـ"أحمد سبع الليل"، القروي الساذج المسالم يختلف عن "عبد السميع البواب"، والضابط "هشام" في "زوجة رجل مهم" لا يتصرف أو يتحرك كالضابط في "الباشا"، و"مصطفى خلف" المحامي في "ضد الحكومة" لا يشبه المحامي في "التخشيبة".

وأهم ما ميز معظم تلك الشخصيات أنها كانت رمادية، ليست بيضاء، ولا سوداء، ليست خيرة ولا شريرة تماما.

وفي أفلامه الأخرى مثل "الراقصة والطبال" و... و... و"الإمبراطور"، كان يكفي أن نرى "زينهم جاد الحق" بطل الإمبراطور وهو يتعرض للتعذيب خلال التحقيق معه، لإرغامه على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، يكفي أن نرى المجرم المحترف وهو يجسد بعضلات وجهه وحدها، الألم والمراوغة، والإصرار والضعف، والقوة، في لحظة واحدة، دون كلمة أو إيماءة من يديه أو جسده.

عودة إلى البدايات

وإذا عدنا إلى البدايات لنرى الشاب الصعيدي في "شفيقة ومتولي" الذي أخذته السلطات للعمل بالسخرة في حفر قناة السويس، فرغم أنه ظل في خلفية الأحداث فإن غيابه في لحظات كثيرة عن الشاشة كان يجعلك تتأكد من أن وجوده هو الضمان المفقود حتى لا تسقط شقيقته "شفيقة" في هوة الضياع.. وفى "إسكندرية ليه" تشعر أن هذا الشاب إبراهيم الذي يظهر في لحظات خاطفة من الفيلم يدفع وحده ثمن فساد المجتمع كله بأن يجد نفسه وراء قضبان السجن، وليس هناك من يدافع عنه إلا المحامي العجوز الذي لا يملك إلا كلمات عاجزة بائسة.

وعلى صغر مساحة الدور في هذين الفيلمين وفي العديد من الأعمال الأخرى فإنها كانت خطوات مهمة مهدت الطريق لنجم كان ميلاده الحقيقي مع مولد السينما الشابة الجديدة، خلال فترة الثمانينيات، حين كان مخرجو وكتاب السينما المصرية يبحثون عن "الأبطال" بين الملايين الذي يعيشون على هامش المجتمع، وهم غارقون في بحر الحياة، يكدحون وراء لقمة العيش، تفوح من جلودهم رائحة العرق، وتخرج من أفواههم أكثر الألفاظ خشونة، وليس لديهم الوقت أو المال للأناقة واللباقة.

أحلامه فاقت التوقعات

ومع كل تلك الرحلة الشاقة كان الإحساس بالخوف والاغتراب يلازمه، لدرجة جعلته مقتنعا تماما بأن الفنان بلا خوف أو توتر، يسير في طريق غير آمن!

كان يخاف حين لا يجد حلما جديدا يتقاسم بكارته مع الجمهور، وكان يرعبه أن تمر الأيام بسرعة دون أن ينجز مشروعا يولد أمامه في سنوات تكون الحياة خلالها تلملم أوراقها وهو لا يدري.

وحين كانت أحلامه تتجاوز التوقعات، كانت تفوق المتوقع حين يحققها، وليس بعيدا عن الأذهان حالة الدهشة التي استقبل بها كثيرون حلمه بتجسيد جمال عبد الناصر والسادات، وحالة الانبهار التي استقبل بها النقاد قبل المشاهدين الفيلمين "ناصر 56"، و"أيام السادات"، وقبلهما كان حلمه بتجسيد شخصية طه حسين، وحققه بشكل أعاد شخصية وصورة عميد الأدب العربي إلى الحياة. ولم يستسلم صاحب الموهبة الاستثنائية للرقاد إلا بعد أن انتهى من تصوير معظم مشاهده في فيلم حليم الذي يتناول حياة المطرب الأكثر جماهيرية في عالمنا العربي، ذلك الحلم الذي أرهقه التفكير في تحقيقه كثيرا.

هكذا، ظل أحمد زكي يبحث عن الأدوار المتناقضة، وما إن يجدها حتى يمسك بجوهر الشخصية ويجسدها بجسده وصوته لتراها على الشاشة من لحم ودم، قد تحبها أو تكرهها، لكنك تفهم دوافعها. وفي كل الأحوال تنسى تماما أن هناك ما يربطها بأحمد زكي غير مجرد تشابهات طفيفة في الملامح الخارجية. يمكننا إذن أن نفسر عدم تسرب أي ذرة كراهية لقلوب المشاهدين تجاه صاحب الموهبة الاستثنائية، حتى وهم يشاهدونه يؤدي شخصية يكرهونها إلى حد الاختناق!

الجمهور العاشق

وفي الإطار نفسه يمكن أيضا تفسير هذا الاهتمام غير العادي بحالة نجم مصر الكبير فور الإعلان عن تعرضه لأزمة صحية استدعت سفره إلى فرنسا، وحالة الحزن التي استقبل بها ملايين العرب خبر إصابته بالسرطان، ثم خبر وفاته.

في الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان الماضي وصل إلى غرفته في الفندق الذي كان يقيم به النجم الكبير 15 ألف رسالة تهنئة، و250 سبحة، و80 سجادة صلاة، و400 مصحف شريف، و200 لتر ماء زمزم، و54 علبة بخور عود، و600 عود سواك.

وطبقا للتقرير الصادر عن منظومة FCS الإلكترونية التي تدير كافة أعمال النزلاء في الفندق آليا، تلقى أحمد زكي 15 ألف رسالة تهنئة بقدوم شهر رمضان، منها 8 آلاف تهنئة إلكترونية على بريده الإلكتروني في الفندق من أنحاء العالم العربي، ومن جاليات عربية في نيجيريا واليونان وجنوب أفريقيا وتايلاند وأوزبكستان وطاجيكستان والهند وهونج كونج وماليزيا والبرازيل والأرجنتين.

كما تلقى الفنان الراحل عشرات الآلاف من باقات الزهور وملايين الرسائل التي حملت خليطا من الدعوات بالشفاء، ووصفات علاج بالطب التقليدي والشعبي، وقصائد شعر، واطمئنان على صحته.

وإذا كان يمكننا القطع بأن هذا الاهتمام لم ينله أي ممثل عربي من قبل، فلا شك أنه تجسيد لمشاعر الحب لنجم آمن بأن الفنان حين يفكر في رصيده وما يملك، تتراجع موهبته.. لقد شغله حبه لفنه عن هوس جمع المال، فكان رصيده في البنوك يقترب من الصفر، ورصيده في قلوب من أحبوه لا تساويه كنوز الدنيا. 

** صحفي وناقد سينمائي مصري.

موقع "إسلام أنلاين" في

27.03.2005

 
 

أحمد زكي وعبد الحليم حافظ تماثل حتى في الموت

زياد طارق رشيد

لم تشأ يد المنون إلا أن تغيب أحمد زكي عن المشهد الأخير لفيلم "حليم" الذي يحكي سيرة المطرب الراحل عبد الحليم حافظ وصراعه مع مرض البلهارسيا الذي انتصر عليه في لندن عام 1977.

صراع أحمد زكي مع السرطان لم يكن أقل مرارة من صراع عبد الحليم مع مرضه. والموت الذي خطف حياة العملاقين كان سببه المرض. فارق أحمد زكي -الذي نشأ يتيما مثل عبد الحليم- الحياة قبل ثلاثة أيام من ذكرى وفاة المطرب الراحل التي تصادف الثلاثين من مارس/آذار من كل عام.

حتى معاناة أحمد زكي مع المرض والعلاج والتفاف الجميع حوله وتعاطف الكثيرين مع حالته الصحية، هي ذات المشاعر والأحاسيس التي رافقت حالة عبد الحليم وإن اختلفت تسميات المرضين أو تباينت بعض التفاصيل واختلف الزمن.

عانى أحمد زكى في حياته كثيرا، ويبدو أن تصميمه على أداء شخصية العندليب الأسمر في فيلم "حليم" جاء استجابة لنداء داخلي يؤكد فيه أنه لن يمثل في هذا الفيلم. وإذا قدر للفيلم أن يرى النور فسيلاحظ المشاهد أن أحمد زكي لا يمثل فيه بل يؤدي فيه قصة حياته التي تشبه إلى حد كبير حياة المطرب الراحل.

مضاعفات السرطان

دخل أحمد زكي المستشفى بداية هذا الشهر نتيجة مضاعفات سرطان الرئة الذي انتشر في الكبد وأدى إلى إصابته بالتهاب رئوي وضيق حاد في الشعب الهوائية. واكتشف زكي إصابته بمضاعفات سرطان الرئة بداية العام 2004 وسافر إلى باريس للعلاج ثم عاد إلى مصر ليتلقى علاجا كيماويا بمستشفى دار الفؤاد غربي القاهرة حيث كان يرقد في غيبوبة منذ الثلاثاء الماضي.

وتعرض زكي أثناء تصوير فيلم "حليم.. صورة شعب" لجلطات في أوردة الركبة والساقين، ولكنه كان يعود بعد العلاج لاستكمال التصوير وأنهى حوالي 90% من مشاهده باستثناء تلك المتعلقة بوفاة المطرب الراحل.

وشوهد أحمد زكي آخر مرة خارج غرفته بحديقة الفندق الملاصق للمستشفى قبل أقل من أسبوعين وهو يلتقي وفود الفصائل الفلسطينية أثناء حوارها في القاهرة, وقام بعدها وفد من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) برد الزيارة له في مشفاه، وكان حينها يعاني من صعوبة في الكلام وضعف في الإبصار.

رهف وصلابة

ظل أحمد زكي طوال مسيرته الفنية نجما من طراز خاص, فأحاسيسه مرهفة وإرادته صلبة. كان عذبا في الحديث حين يسرق لحظات الإفاقة من المرض، وكان طفلا حين تشتد به نوبات الألم فيسلم جسده النحيف للأقدار. وعندما يفيق مرة أخرى يبدو قويا ومشاكسا وصاحب نكته.

الأحد الماضي وبعد أن مرت تسعة أيام على أحمد لم يذق فيها طعم الزاد, حاول الأطباء إجباره على تناول الطعام لكنه عجز عن الأكل. وفي إحدى استفاقاته فاجأ أحمد أصدقاءه بأنه يرغب في تناول "شوربة خضار وفرخة مشوية" من مطعم على الطريق الصحراوي كان يتردد عليه أحيانا.

وبالفعل ذهب محمد هنيدي الذي اشترى له ما أراد وفوجئ أصدقاؤه بأنه تناول نصف دجاجة. وكان يجلس بجواره محمد هنيدي ويسرا التي طلبت من هنيدي أن يضفي على الغرفة بعض البهجة فألقي بنكتة تقول كلماتها "واحد طلع شجرة علشان يبقى مدير فرع". وهنا ضحك زكي بصعوبة ودخل بعد ذلك مرحلة الموت السريري.

بين نقيضين

اعتبر كثير من النقاد أحمد زكي من أهم المواهب بين ممثلي مصر خلال الأعوام الـ30 الماضية, ويأتي في مقدمة من استطاعوا أن يجمعوا بين النقيضين: النجم والممثل في عدد من الأفلام بينها "النمر الأسود" و"العوامة 70" و"عيون لا تنام" و"البيه البواب" و"سواق الهانم" و"أرض الخوف" و"شفيقة ومتولي" و"كابوريا" و"مستر كاراتيه" و"البطل" و"ضد الحكومة" و"هستيريا" و"الهروب" و"اضحك الصورة تطلع حلوة".

وحقق زكي نجومية هائلة كسر بها نموذج البطل شديد الوسامة فوجد فيه الكثيرون نموذجا للشاب المصري العادي الذي استطاع أن ينطلق في عالم السينما ويغير الكثير من قواعده القديمة.

ويرى هؤلاء أن زكي قد تميز بأداء صادق وتقمص كامل لكل شخصية أداها فتمكن من الوصول إلى كل المشاهدين على اختلاف ثقافاتهم. وتعتبر الناقدة المصرية ماجدة موريس أداء زكي التمثيلي أكثر عمقا وثقلا من أعمال فناني جيله لأنه "الوحيد الذي تماهى مع الشخصيات التي أداها بصدق يصل إلى درجة الجنون".

وأضافت أن زكي تلخيص لنموذج وقيمة غير موجودة الآن في الوسط الفني في مصر إذ كان يعمل بلا حسابات كتحقيق شهرة أو مكانة لدى سلطة ما أو اكتساب ثروة.

الجزيرة نت ـ المصدر: الجزيرة + وكالات

الجزيرة نت في

28.03.2005

 
 

رحيل الفتى الاسمر  

القاهرة القناة: رحل اليوم الأحد الفنان المصري أحمد زكي من مستشفى دار الفؤاد بعد صراع طويل مع مرض السرطان.

و كان الفنان أحمد زكي قد دخل المستشفى في أوائل هذا الشهر في حالة صحية حرجة حيث انتشر السرطان في صدره وانتشر إلى الكبد والغدد اللمفاوية في البطن.

ولد أحمد زكي عبد الرحمن في محافظة الزقازيق بمصر، في 18 نوفمبر عام 1949م. كان طفلا وحيدا حيث أصبح يتيما عندما توفى والده بعد فترة قصيرة من ولادته.وعندما تزوّجت والدته للمرة الثانية، قام جده بتربيته.وبعد أن أنهى دراسته الاعدادية، التحق أحمد زكي بمدرسة فنية وكان سيصبح حداداً. وحينما أبدى إهتماما كبيرا بالمسرح والتمثيل عندما كان في المدرسة الفنية، ولأن مدير مدرسته كان محباً كبيراً للمسرح، فقد قام بتشجيعه على التمثيل في المسرحيات التي تقام في المدرسة.

وفي يوم من الأيام، كان هناك عرض بالمدرسة وكان العديد من الممثلين المعروفين من القاهرة مدعوين لحضوره. وكان أدائه رائعاً لدرجة أنهم التقوا به بعد العرض ونصحوه بأن يلتحق بمعهد الفنون المسرحية. استمع أحمد زكي إلى نصيحتهم جيدا، والتحق بالمعهد. فقد كان محظوظاً بما فيه الكفاية ليحصل على بداية حقيقية وهو ما زال طالباً، حيث قام بدور صغير في مسرحيّة هاللو شلبي، وكان هذا هو دوره الأول في مهنته كممثل.

وكان زكي أول دفعته عندما تخرج في عام1973، فقد فاق زملائه ونظرائه حيث كان هذا حاله طوال فترة حياته.ومن هذا المنطلق، ظل يعمل أحمد زكي بالمسرح، ويتدرج من دور إلى دور أكبر، حيث لعب أدواراً في بعض المسرحيّات التي لاقت نجاحاً كبيراً في مصر، مثل المسرحية الأسطورة مدرسة المشاغبين ، فكان من حوله زعماء الكوميديا في مصر و الوطن العربي : عادل إمام ، سعيد صالح ، يونس شلبي ، حسن مصطفى ، عبد الله فرغلي .. و استطاع بدوره كتلميذ غلبان الذي يعطف عليه ناظر المدرسة و التي استطاع من خلالها لمس قلوب الناس . و ما تزال هذه المسرحية تحظى بحب الجماهير و شعبية منقطعة النظير حتى يومنا هذا. وقد أضاف إلى مهنته بالتمثيل في أولادنا في لندن، و العيال كبرت.

ومن خشبة المسرح، فقد اتخذ أحمد زكي الخطوة الأكثر نجاحاً ومنطقيّة، فانتقل إلى التليفزيون حيث قام بالتمثيل في العديد من المسلسلات التليفزيونية والأفلام الشهيرة مثل مسلسلالأيام، في دور الكاتب والمفكّر الشهير طه حسين، ومسلسلهو وهي مع سعاد حسني، ونهر الملح، و أنا لا أكذب ولكني أتجمل، والرجل الذي فقد ذاكرته مرتين. وقد ساهم زكي بأكثر من 60 فيلماً في عالم السينما المصرية في أقل من 20 سنة، لعب خلالها عدداً كبيراً من الشخصيات من اللصّ إلى أحد أفراد العصابة، ومن السياسي إلى الرئيس، ثم إلى رئيس ثانية.

لقد خاض الجوهرة السوداء أحمد زكي طريق صعب ، ومليء بالإحاطات والنجاحات ، حتى وصل إلى قلوب الجماهير و انتزع منهم احترامهم مما ساعده على التربع على قمة النجومية، و جعله يحصد العديد من الجوائز المحلية والدولية ، واحتكاره جائزة أفضل ممثل مصري لعدة أعوام متتالية.

كانت أفلامه مابين كلّ الأنواع، من الكوميديا مثلأربعة في مهمة رسمية، إلى الدراما مثل موعد على العشاء، إلى أفلام الإثارة مثلالإمبراطور، بالإضافة إلى أفلام الحرب مثل العمر لحظة.

ونستطيع القول بأنّه قد قام بجميع الأدوار، ولم تمر جهوده مرور الكرام، بل مازال ينال الجوائز والمديح الكثيرون. ولا يوجد أدنى شك في أنه يعتبر حالياً من أفضل الممثلين في مصر والشرق الأوسط. وتضمّنت أفلامه شفيقة ومتولي ، العوامة 70 ، البداية، الحب فوق هضبة الهرم، البيه البواب، زوجة رجل مهم،كابوريا، ضد الحكومة، نزوة، ناصر 56, هستيريا، أرض الخوف، أيام السادات والعديد من الأفلام الأخرى. و يعتبر فيلم النمر الأسود من أشهر أفلام النجم و الذي أعطاه شهرة كبيرة و دفعة قوية.

و أكثر ما اشتهر به النجم هو أدائه أدواره بدون الاستعانة بدوبلير، ففي فيلم طائر على الطريق ألقى بنفسه من سيارة مسرعة. و مكث في ثلاجة الموتى لبضع دقائق إلى أن دخلت عليه بطلة الفيلم سعاد حسني لتكشف عن وجهه وتتعرف عليه في فيلم موعد على العشاء.

أما عن حياته الشخصية فقد تزوّج أحمد زكي مرة واحدة فقط، من زميلته الممثلة هالة فؤاد التي توفيت السرطان، وأنجبا إبنه الوحيد هيثم.

و تخللت حياة أحمد زكي الآلام، فبدأ الإحساس بالتعب خلال تصويره فيلم الحادثة مع الفنانة ليلى علوي، حيث سافر وقتها إلى لندن ودخل المستشفى لإزالة المرارة. و دخل بعدها بأربع سنوات المستشفى لإجراء جراحه في غضاريف الركبتين واستئصال تجمعات دموية تجلطت في الساقين. و لكن الآلام الذي أتته بعد ذلك كانت أشد على الفنان، عندما شعر بآلام في الصدر كانت تأتيه على فترات متقطعة، و لكن زادت بعد ذلك. فتم نقله إلى مستشفى دار الفؤاد حيث تم الكشف عن صدمة أخرى في حياته، بعد وفاة زوجته، و هي إصابة النجم بالسرطان. و سافر أحمد زكي إلى فرنسا لتلقي العلاج بالكيماوي، ثم عاد مر أخرى إلى مستشفى دار الفؤاد ليتم السيطرة على المرض.

و قد شجعه هذا على تكملة مسيرته في أدواره الرائعة، بدأ الفنان أحمد زكي في بداية عام 2005 تصوير قصة حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بعد 28 عاما على رحيله. و يعتبر هذا الفيلم من أضخم الأعمال السينمائية في تاريخ السينما المصرية من حيث الميزانية و الإعداد له و المادة التاريخية. و استطاع النجم أحمد زكي أن يصور أكثر من 90% من الفيلم، و لكن عاودته الآلام بشدة هذه المرة، و دخل المستشفى في حالة صحية حرجة، حيث انتشر السرطان في صدره وانتشاره إلى الكبد والغدد اللمفاوية في البطن.

زكى وحليم رحلة متشابهة

القاهرة القناة: بعد صراع طويل مع مرض السرطان رحل النمر الاسود (احمد زكي) الذي قدم للشاشة العربية 56 فيلما أخرها فيلم (حليم) الذي لم ينته العمل فيه والذي شابهت حياته حياة العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ في رحلة الصعود إلى النجومية وفي اليتم وفي المرض في اواخر ايامهما

ولم تشأ يد المنون إلا أن تغيب أحمد زكي عن المشهد الأخير لفيلم (حليم) الذي يحكي سيرة المطرب الراحل عبد الحليم حافظ وصراعه مع مرض البلهارسيا الذي انتصر عليه في لندن عام 1977.

صراع أحمد زكي مع السرطان لم يكن أقل مرارة من صراع عبد الحليم مع مرضه.

والموت الذي خطف حياة العملاقين كان سببه المرض.

فارق أحمد زكي (الذي نشأ يتيما مثل عبد الحليم) الحياة قبل ثلاثة أيام من ذكرى وفاة المطرب الراحل التي تصادف الثلاثين من مارس/آذار من كل عام.

حتى معاناة أحمد زكي مع المرض والعلاج والتفاف الجميع حوله وتعاطف الكثيرين مع حالته الصحية، هي ذات المشاعر والأحاسيس التي رافقت حالة عبد الحليم وإن اختلفت تسميات المرضين أو تباينت بعض التفاصيل واختلف الزمن.

عانى أحمد زكى في حياته كثيرا، ويبدو أن تصميمه على أداء شخصية العندليب الأسمر في فيلم حليم جاء استجابة لنداء داخلي يؤكد فيه أنه لن يمثل في هذا الفيلم. وإذا قدر للفيلم أن يرى النور فسيلاحظ المشاهد أن أحمد زكي لا يمثل فيه بل يؤدي فيه قصة حياته التي تشبه إلى حد كبير حياة المطرب الراحل.  

رحيل الفنان احمد زكي بعد صراع طويل مع السرطان  

القاهرة القناة: بعد صراع طويل مع مرض السرطان رحل صباح الاحد النجم الكبير احمد زكي الذي قدم للشاشة العربية 56 فيلما .

وتشيع جنازة الفنان القدير احمد زكى بعد ظهر الاثنين من مسجد مصطفى محمود بحي المهندسين.

وكان زكي قد نقل منذ ثلاثة اسابيع الى مستشفى دار الفؤاد بعد تدهور مفاجىء في حالته الصحية وانتشار الورم السرطاني الذي بدا في الرئة ليصل الى المخ.

ولد (النمر الاسمر) احمد زكي متولي عبد الرحمن عام 1949 في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية. بعد وفاة والده وزواج والدته من اخر عاش مع جدته وبدأ حياته الفنية في المدرسة الثانوية في الزقازيق حيث نال اول جائزة تمثيل عن دوره في احدى المسرحيات المدرسية.

حصل على شهادته الجامعية من المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة عام 1973 بتقدير امتياز وبدا حياته الفنية بالمشاركة في عدة مسرحيات ناجحة مثل (النار والزيتون) و(اولادنا في لندن) و(هالو شلبي) إلا أن دوريه في مسرحيتي (مدرسة المشاغبين) و(العيال كبرت) هما اللذان حققا له شهرة كبيرة في العالم العربي ومهدا لدخوله بقوة عالم الشاشة الفضية.

قدم الراحل ايضا ادوارا متميزة في مجموعة من المسلسلات خصوصا حلقات (هو وهي) التي شاركته بطولتها سندريلا الشاشة العربية الفنانة الراحلة سعاد حسني والمسلسل المميز (الايام) عن حياة عميد الادب العربي الراحل طه حسين الذي ابداع من خلاله في اداء دور الضرير.

ومن المسلسلات الاخرى التي قدمها (الغضب) و(لا شيء يهم) و(بستان الشوك) إضافة إلى مسلسل إذاعي واحد هو (دموع صاحبة الجلالة) الذي رفض ان يشارك فيه لدى نقله الى الشاشة الصغيرة.

ومن بين الافلام الـ56 التي قدمها زكي للشاشة العربية في بداياته (أبناء الصمت) و(بدور) عام 1974 قبل انقطاعه عن الشاشة لثلاثة سنوات ليعود اليها عام 1977 مع فيلمي (صانع النجوم) و(شفيقة ومتولي) مع الراحلة سعاد حسني التي التقي معها مجددا على الشاشة الفضية في فيلم “الدرجة الثالثة” عام 1988 وفي اخر افلامها “الراعي والنساء” عام 1991.

إلا ان انطلاقته الكبرى كانت مع (العمر لحظة) و(وراء الشمس) و(إسكندرية ليه)، في أول وأخر لقاء له مع المخرج المصري الكبير يوسف شاهين، و(النمر الاسمر) و(امراة واحدة لا تكفي) و(كابوريا) و(استاكوزا).

أحيا احمد زكي بأدائه شخصيتي الرئيسين جمال عبد الناصر في (ناصر 56) وأنور السادات في (أيام السادات) لحظات تاريخية هامة في تاريخ مصر المعاصر وخصوصا حدث تأميم قناة السويس في (ناصر56 ) الذي لم يعشه أبناء الجيل الجديد والذين كانوا من اهم مشاهدي هذا الفيلم.

ومن الافلام التي يعتبرها النقاد علامة في تاريخ احمد زكي الفني (ارض الخوف) (وضد الحكومة) و(زوجة رجل مهم) و(الباطنية) و(البيه البواب) و(سعد اليتيم) و(العمر لحظة) و(الامبرطور)و (الباشا) و(الرجل الثالث) و(النمر الاسود).

كانت بدايته مع الجوائز والتقديرات التي تجاوزت الثمانين جائزة محلية وعربية عن ادواره السينمائية حيث حصل عام 1979 على اربعة جوائز هي جائزة وزارة الثقافة عن دوره في (العمر لحظة) وشهادة تقدير في نفس العام من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن (شفيقة ومتولي) الذي نال عنه ايضا جائزة مهرجان جمعية الفيلم وهي الجهة التي منحته جائزة ثانية في نفس العام عن دوره في فيلم (وراء الشمس).

كما منحه مهرجان دمشق جائزة افضل ممثل عن دوره في (زوجة رجل مهم) عام 1986 وهي نفس الجائزة التي نالها عن نفس الفيلم من مهرجان جمعية الفيلم المصرية وفي العام التالي حصل ايضا على نفس الجائزة على دوره في فيلم البريء وفي عام 1988 حصل كذلك على نفس الجائزة من مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي عن دوره في امرأة واحدة لا تكفي.

ومن اواخر الجوائز التي حصل عليها جائزة المهرجان القومي للسينما المصرية عن دوره في فيلم (ارض الخوف) لداود عبد السيد عام 2000 وجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن دوره في فيلم (معالي الوزير) لوحيد حامد عام 2003.

تزوج احمد زكي من الفنانة الراحلة هالة فؤاد التي انجب منها ابنه الوحيد هيثم قبل ان ينفصلا بالطلاق.

وتردد أن زكي طلب من القائمين على الفيلم قبل وفاته تصوير مشهد جنازته وتضمينه في الفيلم في اطار مشهد تشييع جنازة عبد الحليم حافظ.

موقع "القناة" في

28.03.2005

 
 

احمد زكي اسطورة الحياة والمرض والموت

القاهرة - جميل حسن

عندما يموت الامبراطور الذي حكم دولة الفن بعبقرية وأدارها بموهبة فذة، يصاب الشعب كله بالهلع لا لأن الامبراطور مات·· فالموت حق لكن لأن هذا الامبراطور ليس له ولي عهد يملأ فراغه على العرش الواسع·· ليس له بديل يحكم دولة الفن بنفس العبقرية وذات الأداء والموهبة·· فالامبراطور أحمد زكي لا يتكرر وليس له في مملكة الفن ولي عهد·· وتلك هي فاجعة رحيله الحقيقية·· إنه شهاب برق ولمع قليلا ثم انطفأ·· ولأن ضوءه كان باهرا فإن الظلام بعده انطفائه صار دامسا·· انه اليتيم الذي نشأ وحيدا·· لكنه بالموهبة والاصرار صار دنيا بأكملها·· وعندما رحل اصاب مملكة الفن في مقتل وصارت بعد يتيمة·· فقد كان الراعي لكل النساء والرجال في دولة الفن وكان ''البيه البواب'' الذي بيده مفتاح بوابة الفن·· كنا نبكي بإشارة من أصبعه·· ونضحك بنظرة من عينيه·· وفي كل الاحوال سواء بكينا أو ضحكنا كانت الصورة تطلع حلوة·· كان الرجل المهم الذي حلمت كل فتاة بأن تكون زوجته·· كان عميدا للأدب والفن عندما بدأ رحلة الانطلاق مع أيام طه حسين·· كان النمر الأسود الذي حطم القفص الحديدي الخانق وانطلق يفترس كل العقبات والعراقيل والحواجز·· وكان زعيما لا يشق له غبار مع ناصر 65 ومع أيام السادات·

ياله من كف غريب عندما يمد لك النجم الاسمر احمد زكي يده لتقرأ له هذا الكف·· لن تستطيع مقاومة الدموع وانت تتابع خط العمر·· فتراه قصيرا في عدد السنين اذ لم يمتد سوى ستة وخمسين عاما أو أقل بثمانية شهور·· لكنه عمر مديد·· بحجم النجاحات والانجازات·· وبحجم المرارات والآلام والنكبات والمعاناة والدموع·· ياله من كف غريب وانت تطالع الخطوط فيسيطر عليك احساس بانك تقرأ كف عندليب الغناء العربي عبدالحليم حافظ·· وتزول دهشتك حين تدرك السر الكامن وراء اصرار أحمد زكي على أن يكون آخر مشواره مع الدنيا والفن فيلما عن عبدالحليم حافظ·· وهو فيلم ''حليم'' الذي خطف الموت أحمد زكي قبل أن يكمل المشاهد القليلة المتبقية منه·· ولعل مشهد النهاية في الفيلم سيكون لجنازتي عبدالحليم وأحمد زكي·هل يمكن أن يكون التشابه بين كفين الى حد التطابق؟ لقد كان ميلاد أحمد زكي وعبدالحليم في نفس الشهر·· وبينهما عشرون عاما·· فقد ولد حليم في نوفمبر عام 9291 وولد أحمد زكي في الثامن عشر من نوفمبر عام 9491·

خط العمر

ونمضي مع هذا التطابق العجيب فقد كان خط العمر في كف العندليب يمتد ثمانية وأربعين عاما حيث مات حليم عام ·7791 بينما امتد خط العمر عند النجم الأسمر ستة وخمسين عاما الا شهورا··وياله من عمر حافل بالعبقرية والموهبة والتألق لدى النجمين·· ويالها من نهاية درامية كان الموعد معها لدى النجمين هو شهر مارس·· بل بالتحديد نهاية مارس·· فقد مات العندليب والامبراطور في ربيع العمر·· وفي شهر الربيع ايضا·· وكانت الرحلة واحدة ايضا·· بدأها النجمان من الزقازيق بمحافظة الشرقية·· ثم قطعا نفس رحلة العلاج في أوروبا·· حيث كان حليم يعالج في لندن·· بينما عُولج أحمد زكي في باريس·· وكان الكبد هو العضو الذي أعلن الموت فيه وجوده لدى النجمين·· ولعلها نفس الترعة في الزقازيق التي سبح فيها حليم وأحمد زكي ليصابا من خلالها بالبلهارسيا وكانت البلهارسيا هي بداية خط النهاية·ونفس التفاصيل·· نفس الحكايات·· نفس المعاناة·· والكل يعرف حكاية عبدالحليم·· والذين لا يعرفونها عليهم ان يقرأوا حكاية أحمد زكي·

بداية ونهاية

اسمه احمد زكي عبدالرحمن بدوي·

حياته كانت مدهشة مثل موهبته وموته مخيفة مثل اعماقه، ودافئة مثل مشاعره، ومجنونة مثل تصرفاته وجريئة مثل افكاره، وعنيفه مثل احزانه·· فقد عاش عمره متمردا على حياته واحلامه وحيرته وعذابه - وحتى- على صداقاته·· عاش وحيدا ومن خلال هذه الوحدة سافر بخياله لحياة يريدها وامرأة يتمناها، وعلاقة تطمئنه وتقدير يرضيه·

نظراته ترفض السكوت وصمته مشحون بالتأمل ومزاجه ليس له توقيت وبساطته تسكن ملامحه واعصابه تستقر فوق جلده وتوتره هواء يتنفسه وعقله لا يحصل على اجازة ودموعه لا تكف عن السقوط في قلبه· وكان يعيش دائما داخل منطقة الغام·· ولم تكن هناك لافتة تحذر من يقترب منها·· فالانفجار - قطعا - سيكون من نصيب اي محاولة للاقتراب من دنيا احمد زكي التي حرمته الحب وأعطته الموهبة وقدمت له النجاح وسرقت منه الاستقرار وخصمت منه السعادة ومنحته النجومية واعطته المتعة وسلبته الاحساس بها·

لقد بدأ احمد زكي مشواره من تحت الصفر وصعد فوق القمة· بدأ بحقيبة تضم بيجامة وشبشبا وحلما صغيرا في ان يكون شيئا له قيمة· ومنذ اللحظة التي ترك فيها مدينة الزقازيق - حيث ولد وتربى وعاش - قرر في اعماقه ان يتحدى ايامه وظروفه وخوفه واحساسه باليتم واحلامه ايضا·

وقبل كلمة النهاية على الفيلم الحزين قال أحمد زكي اجمل وأروع كلام عن محنة مرضه عندما عاد من رحلة العلاج الأولى في باريس·· وبمنتهى التلقائية والصدق قال: مرضي مجرد حالة فنية·· انه دور ألعبه رغم أنه دور سخيف·· فقد اعتدت ان اختار أدواري·· لكن الدور هذه المرة فُرض عليّ ويجب أن أؤديه الى النهاية·· ورغم أنه دور سيء لكني اكتشفت من خلاله حب الناس لي وتفاعلهم مع ادائي وبكاءهم من أجلي·

بيوت كثيرة

عندما توفي والد أحمد زكي ومازال النجم جنينا في بطن أمه·· ظهر النجم الأسمر في الدنيا بلا أب·· وسرعان ما أصبح بلا أم ايضا·· فقد تزوجت أمه رجلا آخر وكان عمر احمد زكي وقتها عامين·· وقد روى النجم الراحل تفاصيل تلك المرحلة الصعبة قائلا: في البداية عشت مع جدتي لأمي وعندما ماتت عشت في بيوت كثيرة لاقاربي·· مثل خالي وخالتي وعمتي·· وكنت غريبا بينهم·· وكل منهم مشغول بأبنائه·· وكانوا يوصون بعضهم بي: لا تحاولوا اغضاب أحمد لأنه يتيم·· وعندما انجح في المدرسة يقولون لي: مبروك·· واذا رسبت يقولون لي: ولا يهمك·· وفي كل الأحوال ابناؤهم أهم·· نجاحهم يعني البهجة والسرور ورسوبهم يعني الحزن والكآبة·· أما أنا فالمشاعر نحوي محايدة بلا لون ولا طعم ولا رائحة·· وهذه المشاعر كانت تعذبني·· وعندما كنت اشعر بآلام حادة في معدتي اسمع من يقول لي ببرود: سلامتك·· وكنت اعلم ان سلامتي لا تعنيهم في شيء·· لذلك اعتدت ان اكتم آلامي مهما كانت مبرحة·· ولم أعد أنتمي الى مكان أو بيت وكان ارتباطي الوحيد بمدرستي وزملائي·· حتى عندما حصلت على الاعدادية بمجموع يؤهلني للالتحاق بالثانوية العامة فضلت ان التحق بالمدرسة الثانوية الصناعية لأن اقرب اصدقائي التحقوا بها·· وكنت ازور أمي في فترات متقطعة·· لكن تلك الزيارات انقطعت·· فقد كان يؤلمني ان اطرق الباب ويفتح لي رجل غريب هو زوج أمي·· وبعد أن كبرت وأدركت الأمور التمست العذر لأمي·· فهي فلاحة بسيطة وكانت ظروفها صعبة وكان لابد ان تتزوج وترتبط برجل·· يحميها·

المشي على الاشواك

بعد الثانوية الصناعية لملم الطالب احمد زكي اوراقه وتوجه الى القاهرة حيث معهد الفنون المسرحية وكان السؤال الذي يلح عليه طوال الطريق ·· هل سأنجح في اختبارات المعهد وانا الفتى الاسمر صاحب الشعر ''الاكرت''؟ والاجابة كانت سريعة·· لن أنجح!! ثم يأتي سؤال·· ولماذا لا أنجح؟ هل الممثل لابد ان يكون وسيما وشعره منسابا؟ ويجيب هو·· نعم، لكنها محاولة وامام لجنة الاختبار في معهد الفنون المسرحية وقف الفتى الاسمر متسمرا لا ينطق بحرف واحد ولم يستمع الى نداء اللجنة التي تشكلت من د· فوزي فهمي عميد المعهد في ذلك الوقت والمخرج جلال الشرقاوي والفنان سعد اردش، ماذا يقول الفتى وهو على يقين من أنه راسب لا محالة؟ وأفاق من شروده على صوت المخرج جلال الشرقاوي يناديه باسمه ويطلب منه ان يمثل، وبدأ يقدم مشاهد من مسرحية ''عُطيل'' ذلك الفتى الاسود الذي شك في سلوك زوجته ''ديدمونة'' فقتلها وهي التي أحبته وأخلصت له، وكأن احمد اراد ان يقول للجنة الاختبار انظروا اليّ من الداخل ولا تبالوا بلون بشرتي وانظروا الى ''ديدمونة'' جميلة الجميلات التي كانت ترد على من يعيرها بالزواج من ''عُطيل'' الاسود: ان في عقله الراجح نورا ينعكس على وجهه فيكون اكثر جاذبية واثارة··

ومن عُطيل انطلق الفتى الاسمر الى ''ماكبث'' ثم مسرحيات موليير ولزمت لجنة الاختبار الصمت ولم تطلب منه شيئا آخر وانصرف الفتى وهو على يقين من انه راسب لا محالة لأنه اسمر ولا تتوفر فيه مواصفات الممثل النجم ورغم اجادته وانبهار اللجنة به ودع المعهد وبعد أيام فوجيء احمد بنجاحه والتحق بالمعهد عام 0791 ولم يجد ما ينفقه على طعامه ولا الملابس المناسبة التي تضعه في مصاف زملائه لكنه كان على يقين من أنه يمتلك موهبة تفوق مواهب كل من حوله وكافح طوال فترة دراسته وكان يتردد على المسارح ربما يجد دورا صغيرا يفرغ من خلاله جزء من موهبته ويتقاضى أجرا ينفق منه على نفسه وظل وحيدا بين جدران غرفته اعلى السطوح يقرأ في أمهات الكتب وينفعل بالاحداث السياسية ويعاني نظرات كبار الفنانين له إذ كيف يمثل هذا الفتى الاسمر؟ واذا مثل فسيكون صاحب الادوار الثانوية·· وبينما كان يدرس في المعهد جاءته أول فرصة اعتبرها إنجازا كبيرا وهي مسرحية ''هالو شلبي'' دور يفجر من خلاله بعض طاقته التمثيلية وفي هذه المسرحية ظهرت براعة احمد زكي في تقليده لكبار النجوم وانتزع تصفيق الجمهور ورغم النجاح الذي حققه في هذا الدور الصغير فقد كان يعاني لأنه كان يشعر بانه وحيد رغم كثرة المحيطين به فقد كانت نظرات من حوله اليه قاسية وكانوا يعتبرونه دخيلا على الفن وغير مرغوب فيه· ويقول: كنت مقبولا في اطار لا يريد الاخرون لي الخروج منه لكن هذا الإطار رغم قسوته كان اقل قوة من الموهبة والاصرار والايمان العميق بالسير على الطريق الصحيح فأنا احب التمثيل وهذا هو الجوهر والاساس وحتى لو قدمت ادوارا ثانية أو ثالثة أو رابعة·· فالمهم ان يقول الدور شيئا بلغة احمد زكي ومفرداته·

وبعد ''هالو شلبي'' شارك احمد زكي في مسرحية ''مدرسة المشاغبين'' التي يراها ظاهرة اجتماعية اكثر منها عملا مسرحيا، ويراها حتى لو اختلف حولها الناس مدرسة خرجت العديد من النجوم الذين لمعوا فيما بعد بفضل المسرحية وآخرون لمعوا رغم انف المسرحية· ولان الفتى الاسمر كان عليه ان يواصل المشوار تعامل مع شخصية ''احمد'' التي جسدها في المسرحية على انها الشخصية الوحيدة التي تحمل بعدا فنيا وهي في حاجة الى تمثيل حقيقي عكس باقي الادوار التي كانت مهمتها الاضحاك فقط· ويقول احمد زكي: لم يكن مسموحا لي بأن اخرج على النص في ''مدرسة المشاغبين'' لكن الباقين كان مسموحا لهم واتذكر جملة كنت اقولها في احد المشاهد امام سهير البابلي هي ''أنا سئمت يا أبلة'' ثم ادخل الكواليس وانا استمع لتصفيق الجمهور واسأل نفسي من الذي سئم احمد الشاعر المراهق في المسرحية أم احمد زكي الانسان؟

فرحة لم تتم

بعد ''مدرسة المشاغبين'' بدأ أحمد زكي ينتقل من دور ثانوي الى اخر في المسلسلات والمسرحيات الى ان جاءته أول فرصة حقيقية في السينما، لقد رآه المخرج علي بدرخان في ''مدرسة المشاغبين'' واقنع ممدوح الليثي مؤلف فيلم ''الكرنك'' بضرورة اسناد دور البطولة لأحمد زكي امام سعاد حسني في الفيلم لانه وجه جديد والدور في حاجة إليه وامام مسكنه المتواضع لمح احمد زكي العائد من المسرح في وقت متأخر ورقة صغيرة مكتوبا عليها: عليك ان تتوجه الى مكتب ممدوح الليثي في العاشرة صباحا، وذهب الفتى ليوقع اول عقد بطولة مقابل مئتي جنيه، ولم يصدق نفسه ووقع العقد دون ان يقرأ الدور أو يعرف المخرج أو المنتج والبطلة، لكن الفرحة لم تستمر يوما واحدا فقد رفض منتج الفيلم ان يكون احمد زكي البطل امام سعاد حسني لان بشرته سمراء والسوق لها مواصفات واسند الدور الى الفنان نور الشريف اما احمد زكي فكان نصيبه دورا ثانويا ولعل هذه الواقعة الهبت فيه الحماس ولم تقصم ظهره واصر على ان يغير مواصفات النجم السينمائي ولو بعد حين، ونجح الشاب الاسمر في ذلك خاصة بعد أن اختاره المخرج يحيى العلمي ليجسد شخصية عميد الادب العربي طه حسين في مسلسل ''الايام'' وتوالت الاعمال بعد ذلك ليكون احمد زكي هو النجم الوحيد الذي ضرب بتقاليد السوق السينمائية عرض الحائط، واصبح الورقة الرابحة لدى المنتجين·

وبعد مسلسل ''الايام'' انطلق احمد زكي ليترك بصمات في كل الافلام التي شارك فيها خلال سبعينيات القرن الماضي ومنها ''بدور وصانع النجوم والعمر لحظة ووراء الشمس وشفيقة ومتولي واسكندرية ليه والباطنية وعيون لا تنام'' ثم انطلق في مرحلة اخرى ليكون النجم الاوحد في كل افلامه السينمائية· ورغم روائعه السينمائية إلا ان مشهد فيلم ''الكرنك'' ظل عالقا في عقل ونفس احمد زكي وها هو الشاب الاسمر الذي لا تتوفر فيه مواصفات ''جان'' السينما يغير مقاييس الجان، وها هو ممدوح الليثي الذي اتى به الى مكتبه بورقة صغيرة وضعها امام بيته المتواضع يفرض حظر التجوال في طرقات ماسبيرو المؤدية الى مكتبه لان احمد زكي اخبره بأنه آت اليه، ويخرج ممدوح امام مكتبه عندما تخبره السكرتيرة احمد زكي وصل·

ويطلب الليثي من احمد زكي تحديد اجره بنفسه ويقدم اليه العقد فيمسك احمد زكي بتليفون ليتصل بمحاميه حتى يعرف مدى قانونية العقد قبل التوقيع عليه ويوقع احمد زكي بعد تغييره لبعض البنود على بطولة فيلم ''ناصر 65'' وعندما يسأله البعض: هل نسيت واقعة فيلم ''الكرنك'' ومعاملة ممدوح الليثي لك؟ يقول: لا أكن ضغينة ولا مكان للكراهية في قلبي· اما فيلم ''ناصر 65'' فكان الحلم الذي طالما داعب خيال احمد زكي المحب لجمال عبدالناصر، ويذكر احمد زكي انه كاد يفقد حياته عندما تسلل إلى موكب لعبدالناصر واراد ان يلمس يده· كان احمد زكي يشعر بأنه ينتمي الى نفس الطبقة التي ينتمي اليها عبدالناصر، ذلك الشاب الفقير الذي جاء من القرية يحمل آمالا وطموحات كثيرة لكن مقوماته التي لا تتناسب ومقومات غيره في ذلك الوقت كانت تحول دون تحقيق طموحاته وظل جمال يكافح ويثابر كما يقول احمد زكي حتى وصل الى القمة وقاد شعبا بأكمله، ولان جمال عبدالناصر كان نصير البسطاء زاد حب احمد زكي له لانه هو الاخر خصص مرحلة من حياته لنفس الطبقة حيث قدم عددا من الافلام التي التقى فيها بالمخرج الراحل عاطف الطيب الذي ينتمي بدوره الى نفس الطبقة ووسعت هذه الافلام من قاعدة احمد زكي الجماهيرية حيث قدم افلام ''الحب فوق هضبة الهرم'' و''البريء'' و''الهروب'' و''ضد الحكومة'' وبعد هذه المرحلة اتجه احمد زكي الى لون سينمائي مختلف في ''احلام هند وكاميليا'' و''امرأة واحدة لا تكفي'' و''المخطوفة'' و''الراعي والنساء''·

وفي المرحلة الاخيرة اتجه الى تجسيد شخصيات الزعماء· اما الاعمال التي كان احمد زكي ينوي تقديمها قبل الرحيل فهي ''حليم'' وسعد زغلول والضربة الجوية·

علامات مضيئة

قدم احمد زكي طوال مشواره الفني 25 فيلما هي ''الكرنك'' و''بدور'' و''ابناء الصمت'' و''صانع النجوم'' و''العمر لحظة'' و''وراء الشمس'' و''شفيقة ومتولي'' و''اسكندرية ليه'' و''الباطنية'' و''عيون لا تنام'' و''موعد على العشاء'' و''طائر على الطريق'' و''العوامة'' و''الاقدار الدامية'' و''درب الهوى'' و''الاحتياط واجب'' و''المدمن'' و''الليلة الموعودة'' و''الراقصة والطبال'' و''التخشيبة'' و''النمر الاسود'' و''البرنس'' و''سعد اليتيم'' و''شادر السمك'' و''الحب فوق هضبة الهرم'' و''البريء'' و''اربعة في مهمة رسمية'' و''البيه البواب'' و''زوجة رجل مهم'' و''احلام هند وكاميليا'' و''الدرجة الثالثة'' و''ولاد الاية'' و''امرأة واحدة لا تكفي'' و''البيضة والحجر'' و''كابوريا'' و''الامبراطور'' و''المخطوفة'' و''الراعي والنساء'' و''ضد الحكومة'' و''مستر كاراتيه'' و''الباشا'' و''سواق الهانم'' و''الرجل الثالث'' و''استاكوزا'' و''ابوالدهب'' و''نزوة'' و''ناصر 65'' و''حسن اللول'' و''ارض الخوف'' و''ايام السادات'' و''معالي الوزير''·

أعمال مسرحية وتليفزيونية

قدم أحمد زكي عددا محدودا من المسرحيات، فبعد مسرحية ''هالو شلبي'' التي شارك فيها عندما كان طالبا في معهد الفنون المسرحية شارك في ''مدرسة المشاغبين'' و''العيال كبرت'' و''أولادنا في لندن'' وكانت اعماله التليفزيونية قليلة ايضا حيث قدم اول بطولة تليفزيونية له من خلال مسلسل ''الايام'' الذي جسد فيه شخصية عميد الادب العربي طه حسين ثم مسلسل ''هو وهي'' مع الراحلة سعاد حسني وله مسلسلان لم يعرضهما التليفزيون المصري حتى الان هما ''انهار الملح'' مع سميحة ايوب واخراج علوية زكي و''الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين'' مع شكري سرحان وجميل راتب واخراج ناجي انجلو، كما قدم للتليفزيون ايضا فيلمي ''انا لا اكذب ولكني اتجمل'' و''اضحك الصورة تطلع حلوه''·

كلمات على الطريق

كان النجم الراحل يروي قصته في كل مرة وكأنه يعيش كل الوقائع الان حيث يبدو عليه التأثر ويفشل في كبح دموعه وكانت له كلمات على الطريق تشبه الاقوال المأثورة:

·     عندما جئت الى القاهرة اول مرة رأيت الكذب في الوجوه والغش في القلوب والخداع في المشاعر·· وعانيت البهدلة والويل·· لكني حافظت على حلمي من البهدلة والضياع·

·     الموهبة مثل بئر البترول لا يستطيع أحد أن يمنع تفجره·· ولكنها تحتاج الى من يحميها·· والفقير ليس الذي لايملك الفلوس·· فهناك من يملكون الملايين لكنهم فقراء انسانيا واجتماعيا·· وهناك من لا يملكون المال لكنهم أغنياء بعزة النفس والكرامة·

·         حياتي كلها قلق·· وكلمة حلوة عابرة تريحني·· وكلمة سيئة عابرة تعذبني ولا أستطيع ان اكره لأنني لو كرهت فلن أرتاح ولن أنام·

·     ابني هيثم من الراحلة هالة فؤاد هو العلاقة الصادقة والجميلة الوحيدة في حياتي·· وعندما انفصلت عن امه تركته لها حتى ماتت لأنني حُرمت حنان الام ولم أشأ ان تتكرر مأساتي مع هيثم·· الذي يعيش عصرا مختلفا واحيانا اعتبره استاذي واتعلم منه اشياء كثيرة·

·     الراحل صلاح جاهين كان أهم انسان في حياتي وكان ابي وصديقي واستاذي وهو الوحيد الذي ربت على كتفي وكان دائم السؤال عني وعن الجميع رغم ان احدا لم يكن يسأل عنه ويربت على كتفه·· وقد مات صلاح جاهين حبا للوطن· امتلأ قلبه بالحب فلم يحتمل ومات·· أراد السعادة للجميع واحتفظ لنفسه بالدموع·

·     بعد وفاة أم ابني الفنانة الراحلة هالة فؤاد سمعت الخبر وأنا أصور أحد المشاهد فسقطت مغشيا علي ونقلوني الى المنزل منهارا وطلبت ممن معي ألا يخبروا أحدا بما حدث لي لأن هالة عندما توفيت كانت زوجة رجل آخر·

·         هناك رباعية لصلاح جاهين أرى فيها ملامحي ونفسي يقول فيها:

مهبوش بخربوش الألم والضياع

قلبي·· ومنزوع من الضلوع انتزاع

يامرايتي ياللي بترسمي·· ضحكتي

يا هل ترى ده وشي ولا قناع·

الإتحاد الإماراتية في

28.03.2005

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)