تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الكفاح حتى الموت .. صوتان لسيرة واحدة

يوجينيو رينزي    ترجمة : جودت جالي

قدم المخرج الأمريكي ستيفن سوديربيرغ (سيرة) جيفارا في فيلمين هما (شي الأرجنتيني) و (شي المغوار) 2008 . يقول جيفارا في بداية الجزء الثاني (حين تكون الثورة حقيقية فعلى المرء أما أن ينتصر أو يموت)، وهكذا يصلنا في الواقع صوتان من هذا العمل.. صوت النصر في (الأرجنتيني) الذي يبدأ بمقابلة يقوم بها صحفي أمريكي مع جيفارا الذي كان وقتها وزيرا في الجمهورية الأشتراكية الكوبية. يسأله الصحفي سؤالا فيبتسم القائد وهو يضع سيجارا في فمه. يطلق نفثة من الدخان ويشرع في (فلاش باك) بتذكر تأريخ الثورة الكوبية. تواصل المقابلة تتبع مآثر جيفارا منذ الأيام الأولى حين كان يعالج الجرحى في جبال سيرا مايسترا وحتى الأنتصار في سانتا كلارا. وصوت الموت يكون في فيلم (المغوار) حيث يروي جيفارا مغامرته البوليفية المأساوية. نسمع الصوت متوحدا وهو يقرأ بصيغة المتكلم والزمن المضارع صفحات من يومياته معتبرا مصرعه الخاص عودة الى البداية من القائد الى المعلم الى الطبيب. نرى في النهاية جيفارا وقد أنهكه المرض، يستند الى جذوع الأشجار وهو يسير بجسم مرتجف ويسعل، وهكذا كنا قد رأيناه في بداية جزء (الأرجنتيني) أيضا.

أن صوت جيفارا في الفيلمين هو في الواقع نبرتان، نبرة سعيدة ونبرة محبطة. تفرض مادة القصة بحد ذاتها هذا التقسيم وهذا الثنائي الجمالي. بين ظلمة الغابة التي لاتخترق من قبل العدو في (الأرجنتيني) والقمم المكشوفة المشمسة في (المغوار)، وبالتالي نحن أمام متضادين دراميين هما التفاؤل والتشاؤم، وحالين هما الأمان وفقدانه. بين هاتين المثابتين وظف سوديربيرغ كل مواهبه الأخراجية للتحرك بينهما بحيث نشعر بالرابطة العضوية بين الجزءين. أن (جيفارا) سوديربيرغ يذهب الى المعركة مسلحا بمنطق التناقض الهيجلي ففي كل لحظة يتوجب على جيفارا أن ينتج تعارضا جدليا، أطروحة فكرية جديدة. يقتنع المشاهد منذ بداية الجزء الأول بأن هذين الصوتين هما جانبا التكامل لصوت واحد ولايكفان عن التصارع فوق الصورة. ينزل جندي بضعة أمتار أسفل المكان الذي يحتمي به قائده جيفارا. لحظة عابرة في حياة المغاوير، لكن هذا الجندي يصبح في مرمى قناص العدو. حين توجب على القائد أعطاء الأمر بالأنسحاب لم يتردد تاركا الجندي لقدره، يسقط الجندي فيما نسمع صوت جيفارا يحدثنا عن المقارنة بين المغاوير والمرتزقة وكيف أن كلا الفريقين، في لحظة معينة، لابد من أن يتصرفا بالطريقة نفسها، التضحية بحياة الفرد من أجل الجماعة مهما كان الأختلاف بينهما في الأسلحة والأهداف، الفرق عند المغاوير هو الحب... حب القضية.

تتعايش في حياة جيفارا مسيرتان. مسيرة خيطية منذ لقائه بفيدل كاسترو حتى موته في بوليفيا، ومسيرة دائرية تأخذنا عبر دروس وتجربة الثوري المحترف، الثوري الذي يتوغل في الغاب حيث النظرية والتطبيق متشابكان كتشابك خضرة الأوراق في فيلم (الأرجنتيني)، والثوري الذي يضيع في غابات بوليفيا التي لم تعد تمنح المأوى سواء لجسده أو لتأملاته في فيلم (المغوار). يتسجل جيفارا هنا بغنائية تراجيدية في صراع تناقض داخل كل مشهد، لا بل داخل كل صورة، وهو يقرأ كتابا أو وهو يحتل مدينة. كل لقطة مقصودة وتعني هذا التحول من الأنتصار الى السقوط. يرفض جيفارا عندما كان في كوبا تطوع فتاتين لأنهما لم تتجاوزا من العمر 16 عاما ثم يقرر الأحتفاظ بهما لأنهما تعرفان القراءة والكتابة وفي بوليفيا يقبل بفتاتين بالعمر نفسه من دون شرط القراءة والكتابة قائلا أن الأنسان في هذا العمر يعرف مايريد، وفي حين تبرهن أول فتاتين على البسالة والأخلاص في القتال تخونه الأخريان.

ليست قضية الفيلم هي أختزال معرفة جيفارا الثورية أو أخضاعها للنقاش بل على العكس هي المحافظة على هذه المعرفة بتجريدها من الهدف النهائي، عن التنظيم البسيط للأحداث كما في فيلم يسير كسلسلة وقائع. أن المكسب هو أن لايتم أستخلاص درس محدد من هذه الوقائع. لقد توحدت تحت ظل جيفارا في كوبا مختلف الأحزاب القريبة من القضية فيما أمتنع الحزب الشيوعي في بوليفيا عن مساعدته، كان الفلاحون الكوبيون ذوي عقلية ثورية لكن الفلاحين البوليفيين نأوا بأنفسهم عن الثوار. في أول لقاء بين كاسترو وجيفارا في المكسيك على شرفة في منزل ماريا أنتونيا بعد العشاء أوضح كاسترو لجيفارا بأن النجاح غير مضمون ويمكن أن تربح القضية أو تخسرها كالمقامرة، أختار جيفارا أن يتبع كاسترو في كوبا فربح المعركة، وأختار أن يصدر الثورة الى القارة فخسر في بوليفيا. قال له كاسترو آنذاك ((أنت هو الجنون!))، وحقا كان لقاؤهما على فكرة مشتركة بينهما هي أن الثورة تتطلب مقدارا من الحب مع مقدار من الجنون، ولكن النجاح يعتمد على أن يسيرا معا حتى النهاية. لقد كان جيفارا يمثل ذلك المقدار من الجنون الذي أنفصل عن قرينه وسار وحيدا. لكن (المغوار) ليس حكاية عن الفشل بل هو حكاية مشهد الأنتصار مصورا من الجهة المقابلة، منظورا أليه من نقطة أخرى أو من نقطة التعليق عليه حيث تصبح الثورة أيمانا مأساويا.

أن موت جيفارا هو شرف خالص لأنه بأنتقاله الى بوليفيا تخلى عن كل شيئ ... المنصب الرفيع، والهوية الشخصية، والمواطنة الكوبية... وأسمه. تخلى عن الجانب المادي من وجوده . يصور سوديربيرغ في النهاية مصير جيفارا بكاميرا (ذاتية)، يصور موت الثوري وهو يعود فردا.

عنCahiers du cinema . Janvier 2009

المدى العراقية في

02/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)