تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مارلون براندو و الـميديا

عادل الخياط

قد يشاطرني الرأي - المخرج مايكل مور - أن البزنس الغير خاضع لكل قوانين الأخلاق هو لعنة أميركا على الأقل منذ راعي البقر الجمهوري - رونالد ريغان - أحد قطبي الذروة , ذروة القباحة , قباحة النهم الرأسمالي ( تاتشر - ريغان ). وهو أشبه -البزنس - أشبه برائعة المخرج Jeo Dante , في فيلم بمعنى أن خرير الدولار هو الظل الآخر لتلك الفقاعات التي تفقست لتلد تلك المخلوقات الفوضوية المُخيفة التي عاثت تدميرا خفيا في البنيان الأميركي قبل أن تدركها تكنولوجيا مُتواضعة للقضاء عليها .

وبما أن أساطين السينما وفواح الميديا كلاهما خاضعان لذلك الخرير الدولاري الشبيه بتلك الكائنات التدميرية الفاقعة من رحم الصديد , فإنهما ميكانيكيا سوف ينتهجان نهجا تجريديا في الرؤية لمفاهيم الفن عموما والفن السابع خصوصا . ووُفق هذا الإنسلاخ ترى المرارات تٌفرقع على المدار عن أن : هل نحن ننتمي لتراث إنساني عظيم يُسمى " الفن " يُحاول على مدارات الأزمنة والعوالم أن يفضح الإضمحلال الخُلقي والإنساني لقطيع ديناصوري يمارس قيح لذاته الدنيئة على مرمى رُمح من تخوم الله الرُخامية , أم نحن في ذات التوجه لنصير على ذات البوار البشري ؟

هذا التساؤل هو بمثابة الإجابة في جوهره , لكن ما يحتمله من تشفير أو مدلولات تشاؤمية هي الكُنه المُلامس لواقع الفنان النقي المُغترب وسط رؤوس الخناجر - المال - المُلوَثة والمُلوِثة لليقين والضوء والفطرة !... مدلولات تشاؤمية تتخطى كل حصى وأحجار وصخور " مُنحدَر سيزيف النُحاسي " , إلى عصا أو مِجذاف شيخ " همنغواي " , مرورا بإنشداد " اميديه " إلى الجثة المُتضخمة بدون كلل ولا جدوى - يونسكو - , وبالتوفز الضارب في مديات اللاشيء لـ " فلادمير واستراغون " في إنتظار الخلاص الوهم " غودو بيكيت " , وصولا إلى بطل " غثيان سارتر " , وليس نهاية بـ ... بمن ؟

وعلى الوقع , على وقع تفقيس تلك الفقاعات لسماسرة الميديا وطواويس " هوليوود " , وتحت قُبب إسطبلاتهم الإرجوانية وريشهم المهفهف في آفاق الفضاءات , سيحط ذلك اليقين العدمي حُلكة إغترابه بين أعمدة معبد " برنادشو " لعله يستشف بصيصا عن ماهية قُبح ذلك الشرَه من كاهن المعبد الصوفي هذا .

قال له : أيها الكاهن , ما مدى التخرص الذي يحتمله مُصطلح " الحيوانية " الذي تلوكه حُلوقنا على الدوام , فهذا الحيوان يحكمه قانون " الغائية " , بمجرد أن يملأ أحشاءه فلا شأن له بعدها بفرائس البر والبحر والسماء , أما إفتراسات بطوننا فتستمرئ الدود الشريطي لأجل أن تظل مُتحفزة أبدا إلى المزيد المزيد , فما هو السر في هذا اللُغز المُحير أزلا يا ترى ؟ "

قال ذلك ولم يستشف البصيص المُرتجى , إنما وجد الكاهن مُطوق بذات الطوق الإغترابي , فلقد أجاب : وما الغرابة في ذلك , فأنا من ضمن هؤلاء !"

" برنادشو " تفوه على هذا النحو ذات مرة عندما توجه إليه شاب لم يزل غضا بالكتابة بالسؤال : لماذا تكتب ؟ فأجاب : من أجل المال ! "

فظهرت علامات الدهشة على وجه الشاب , فقال له برنادشو : ولماذا العجب ؟ حينها قال ذاك : لا شيء , لكني كنت أتوقع أنك ستقول : من أجل الأخلاق ! أجابه شو : كل يبحث عما ينقصه...

المُتسائل الأول تفهم المُحتوى المُتواري لإجابة " شو " أما الآخر الغض فقد أخذته الدوامة إلى أعماق متاهات " برمودا " !

أما الصُحفي الذي سأل " مارلون براندو " فقد كان نبها جدا وتلقائيا , وصاحب خبرة أطول من قامته المغناطيسية , ومن هكذا جاذبية فإنه حين إقتنص " براندو " فقد كان هو صاحب الزق , هو الذي يؤله ويُحجر ومن سيكون على طرفي المسير ورائد العُمق ! فلقد بادر " براندو " بالقول : توقف , نريد أن نفهم , من أية طينة أنت ؟ , بادر , أو بالأحرى باغت " براندو " على هذا النحو , لأن ذاك أساسا لا يستسيغ بل يمقت الأضواء , وليس له علاقة بالفحيح , ولا بفخار ممالك هوليوود , ولا نبيذهم الأحمر والأزرق , لأنه يشرب الـ " رُوم " , الرُوم المُعتق الذي كان يحتسيه " أوليفر ريد " في فيلم " THE TRAP ": كوخ وسط الغابة ولحم بري مشوي على الحطب وشراب رُوم وإمرأة , ولا شأن لنا بأساطير قراصنة خليج " عدن " البدوي , أو البدويين , ولا بإنتصارات وخوشيات الطواويس الوهمية , ولا بقرارات دافوس السفسطائية , ولا بـ ...

لكن إنعزال " براندو " أشد تمردا من فطرة " ريد " في " الفخ " وربما أكثر إنتفاخا من حوصلاتنا او حواصلنا المُتأهبة أبداً للفرقعة بفعل الزيف , زيف الميديا الذي تصطبح وتُمسي به خِلقنا مع كل ضربة رقاص !

إنعزال " براندو " يضرب في الصُلب , الصُلب الذي يصنع من الأقزام عمالقة في مُخيلة الرُعاع , الصُلب - رأس المال والميديا المُتلازمين - الذي سيكون بديلا عن قدرة الساحر العظيم - إله المجرات - ! لذلك فإن مُفرداته كانت بمستوى التهويل , كانت ملفوفة ببكتريا العدم : أنه لو كان قد خُلق مرجانا في عُمق الأغوار لكانت سعادته لا تسبرها أضواء الكون بدلا من التشوه الآدمي الذي يستنشق سمومه في المهب , مهب الزمن الرديء , ربما لهذا السبب أوصى أن تُحرق جثته بعد الموت !

ماذا قال ؟ قال له توقف , اليوم سيُضرب ناقوسا في صميم الميديا الأميركية !

لماذا تتهرب ؟ قال له

: ماذا تريدون بالضبط , فلوسكم كثيرة . ولستم بحاجة إلى المزيد !

:لا , نريد أن نتحدث عن الفن

:أي فن

: الفن , السينما , فن السينما

: مرة أخرى , أي فن , هل مثلك يفهم الفن , أنت تفهم بـ " طاسة من السردين وقنينة واين " ثم كتابة تقرير قرقوزي تصل غلاصيمك في تيبسها إلى شهيقك ثم زفيرك الأخير قبل أن تقضم الأُرجوزة , لكن أية أرجوزة , أرجوزة الفن المُتَخيَل السابح في فضاءات رأسك , أرجوزة الأفخاذ والنهود وألوان الفساتين المُغشية للأبصار وربطات العُنق المُثيرة للضحك والإشمئزاز , او في أقصى حد قرقوزية البطل الأميركي المُعجزة ! , والحقيقة نحن لسنا معجزة ولا خوخ ولا أورنج , نحن ضحايا قوة غاشمة عدوانية ومثلنا العالم تُدعى " رأس المال "

الصُحفي : ماذا تعني

براندو : الذي أعنيه أن البشر هم الذين يخلقون الأسطورة , لكن هناك هُوة سحيقة بين أسطورة الفن الرفيع وبين أسطورة الوهم والزيف . أنت من الصنف الثاني , أنت لك علاقة بالشوه , تصنع من الرماد جمرا يُوخز العقول الصدئة , لأجل أن تزداد طاسات السردين وقناني الواين في صومعتك ثم تواصل خلق أساطيرك الصدئة !!

الصُحفي : طيب , دعك عني , وماذا عن الآخر , الفن الأخر ؟

براندو : لا يُوجد آخر , الآخر مثلك , ليس هناك آخر , ليس هناك فن ,

" بيكاسو " كان آخر الفنانين ! ... هناك كذب , كذب كبير , كذب على الرُعاع , نحن نُمثل لنمتص نقود القطيع لنُشيد أو نشتري جُزرا في أعالي أو أواسط المُحيطات وسواحل الكاريبي الفردوسية ونمد أجسادنا لتلفحها حرارة الشمس لعلها تُطفئ بُرودنا إزاء الكائنات الممسوخة على سفح هذا الكوكب , ونكرع الشمبانيا ونقضم الكافيار حتى يفقع من حلوقنا وخشومنا ! ثم يُضيف : هؤلاء الذين أنت تصنع منهم كائنات خرافية فنية , هؤلاء بكل مُخرجيهم ومُنتجيهم وممثليهم لم يتبادر إلى أدمغتهم يوما صناعة فيلم جدي يُلقي الضوء على مجازر البيض بحق الهنود الحُمر في أميركا , لا أعني فيلم سطحي , فقد صُنعت الكثير من الأفلام , لكن أعني فيلم يغوص في أعماق مأساة تلك الملايين البشرية المجزورة التي لم يشهد لها السِفر مثيل !

حدية " براندو " هذه تشج أو تشك العصب الحسي بعدوانية مشروعة ! فإما أن أو لا , إما أن تكون أخلاقيا بكل تكوينك وإما فأنت .. ليس ثمة حل وسط , ليس ثمة حتى أدنى مُستويات النسبية , وهي ليست براءة إختراع تُسجل له , فهي تقترن بما يُسمى - الفن للفن , والفن للأخلاق , إذا لم تخني التسمية - وهذه موضوعة شائكة لسنا بصددها الآن , لكن من المفيد الذكر إنها تتماثل مع الإعتناق الصوفي أو السريالي في الرؤية إلى الوقائع والأشياء ! فقد نظر الصوفي العظيم ( إبن جُنيد ) إلى إصرار أحد اللصوص على فِعله بقُدسية عندما تساءل : ما قصة هذا الرجل ؟ فقالوا له : هذا لص , سرق للمرة الأولى بيده اليُسرى فقطعنا هذه اليد , ثم بيده اليُمنى فقطعناها كذلك , ثم برجليه فقطعناهما , ثم بلسانه ففعلنا أيضا , وأخيرا قتلناه !" فقال لهم إبن جُنيد : هذا يستحق التقديس " ثم ركع لتلك القُدسية !

إلى ذلك فإن هذه الحدية كذلك من ضمن مفاهيم السرياليين , ولعنتهم على جنازة " أناتول فرانس " تُعد ترنيمة ممتعة على شفاه وأقلام نقاد الأدب العالمي , فقد كتب أحدهم - السرياليين - عنه يقول : هذا الشكاك , هذا الشكاك الودود يجعلني بارد الإحساس , إن ما يُنعشني هو الإيمان , إن ما يُوقظ قلبي هو الحماسة المٌلتهبة والـ..

وكتبت مجموعة من السرياليين على جنازته بعد موته تعابير بعنوان " جثة " تقول : [ بدون ثورة , بدون ألم عظيم , بدون حُب يُلامس القلب , بدون إنتصارات حاسمة , بدون هزائم نهائية , بدون ... ] كتبوا عنه هذه الترانيم كصدى لإنتهازيته وهو ينظر من " فرساي " بنشوة لقنابل البرجوازية وهي تنهال على " كمونة باريس العُمالية " , كتبوا عنه ذلك رغم أنه يُعد من وُجهة نظر بعض الأدباء العالميين أعظم روائيي التاريخ !

كان ذلك مُحور من تفكير الرجل - براندو - , لكن صناعة الميديا للأبطال الوهميين كانت الجوهر في ذلك المخاض كما أظن , وتداعياته مشروعة لو نظرت إلى وقائع التاريخ , وهذي الوقائع على مستوى الفن وليس المستويات الأخرى , لأننا لوحسبناها على بقية المستويات كالسياسة والعسكر على سبيل المثال فإننا سوف لن نخلص حتى 2050 ! كذلك لا مجال في التوغل في هذا المستوى الذي نحن بصدده الآن , فهذيانات من قبيل : الأسطورة , العبقري , الداهية الذي والتي يتقاضى على الفيلم الواحد 20 أو 25 مليون دولار !! مثل هكذا أرقام خرافية تدعو المرء إلى أشد مليونية من الزواع , وأشد قيئا من تلك القيمة , فما هي القيمة الحقيقية لـ " أنجلينا جولي " أو " ويل سميث " , ما هي القيمة الفنية لهذين القرقوزين وأمثالهما ؟ أحد المُنتجين سيقول : الناس لا تبحث عن القيمة , الناس تبحث عن الـ action , الـ action الذي يدر الفلوس !! وعلى هذا المنوال سوف تكون الميديا العامل المُكمل لهذا الزيف , الميديا التي سوف " تؤسطر " شذرات الفن الضئيل رغم حِنك وأنف وعين التاريخ !

adilalkhaiyat@hotmail.com

القصة العراقية في

22/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)