تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

'اعترافات مدمنة على التسوق':

تشخيص هوليوودي للأزمة الاقتصادية العالمية في بعدها الفردي .... وحلول كوميدية لأزمة جدية

هيـام حسّان

لندن ـ 'القدس العربي' الرواية التي تستند اليها حبكة فيلم 'اعترافات مدمنة على التسوق' والذي وصل الى دور العرض مؤخراً قد تكون سابقة على الأزمة الاقتصادية العالمية التي أخذت في التكشف أواخر العام الماضي. مع ذلك فقد نالت الرواية التي كتبتها 'صوفي كينزيلا' حظها من الانتشار والتقدير في أوساط القراء والنقاد.

ولا يبدو أن الفيلم الذي استلهم الرواية سيكون أقل حظاً منها. الفيلم الذي تلعب البطولة فيه الممثلة 'آيلي فيشر' ومن اخراج 'هوجان' يقدم تشخيصاً تبسيطياً لأسباب الازمة العالمية من حيث انها أحدى عواقب النهج الاستهلاكي التبذيري الذي لا يأخذ بالاعتبار قيم وآداب الصرف المسؤول.

تعاني بطلة الفيلم 'ربيكا بلوموود' من داء اجتماعي يستشري على الاغلب في مجتمعات العالم الاول الاستهلاكية والى حدٍ ما في أوساط الطبقة المخملية العالمثالثية فتراها تكثر من شراء اللوازم والحاجيات الشخصية في لهاثٍ لا يتوقف وراء آخر خطوط الموضة وصرعاتها أو ما يعرف بالانكليزية 'shopaholic'. لا تتفرد ربيكا بهذا الداء ولكنها لا تجد ما يردعها سوى تراكم ديونها ورفض المحال التجارية قبول بطاقات الائتمان خاصتها بعد ان تجاوزت الحد الاقصى المسموح لها باستخدامه.

وفي سبيل الخروج من مأزقها يتوجب عليها أن تحاول جاهدة الحصول على عمل جيد وأن تتوقف عن الاسراف والانفاق الزائد. ولا تعدم ربيكا وسط ملاحقات حصالي الديون الحظ، فتراها تحصل على وظيفة كصحافية، ويا للمفارقة كصحافية في مجلة تعنى بالشؤون المالية والأعمال والاستهلاك الحكيم!!، كما تجد نفسها وقد انخرطت في مجموعة علاجية خاصة بالمدمنيين على الشراء والتسوق أمثالها.

ولا يتخلى الحظ عنها خلال عملها فعمودها الذي تقدم فيه النصح والمشورة للمتأزمين مالياً حول سبل الخروج من مآزقهم المالية يلقى الاعجاب بل ويفتح لها أبواب النجاح على مصراعيه خاصةً وانها قد وقعته باسمٍ مستعارٍ جذاب استلهمته من واقعة شراء وشاح أخضر كانت قد استماتت في سبيل الحصول عليه. الحب يصادفها أيضاً في هذا الطريق من خلال رئيسها في العمل الذي يبدي حماساً لأسلوبها الخاص في الحياة والتعاطي مع أمورها سيما أمور الانفاق وابداء النصح والمشورة فيها!!.

يجري تصوير مشاكل ربيكا المالية والعاطفية الجدية في قالبٍ فكاهي يعتمد 'كوميديا الموقف' بشكلٍ رئيسي وتصل الفكاهة ذروتها مع تعقد المشاكل واقتراب البطلة من عنق الزجاجة حيث مواجهتها مع محصل ديونها وفقدانها لأقرب صديقاتها الى قلبها بعد أن اضطرت تحت وطأة مرضها الاجتماعي وطلبها العلاج منه الى التضحية بثوبٍ خاص كان من المقرر أن ترتديه في حفل زفاف الصديقة، يضاف الى ذلك انهيار العلاقة العاطفية بعد زوال وهم وكذبة المستشارة المالية الحكيمة التي كانت تنتحل شخصيتها المدينة البائسة التي تحيط بها الديون من كل حدبٍ وصوب.

انه لمن دواعي الاستغراب أن الفيلم الذي يبدو تشخيصاً واستلهاماً لمشاكل حقيقية وجدية ومغرقة في الصرامة خاصةً على المستوى الفردي قد تم معالجته في قالبٍ كوميدي صرف. الأكثر اثارةً للاستغراب قد تكون النهاية السعيدة للفيلم فقد أفلحت 'ربيكا' في معالجة أمور مرضها خاصة وأنها قد تخلت عن انكارها الدائم للمرض. اعترفت بالمرض وتخلت عن عاداتها الشرائية المدمرة بل وحتى أقامت مزاداً لبيع كل الحاجيات التي سبق وأن قامت بشرائها دونما حاجة لها. در عليها المزاد ريعاً كان كافياً لتسديد ديونها وحتى هذا الامر تم تسويته على نحوٍ كاريكاتوري مضحك فقد أصرت البطلة على تسديد ديونها بأصغر العملات، الامر الذي تسبب في اكتظاظ غرفة مكتب المحصل المالي بمئات وربما آلاف الجرات التي تحوي عملات نقدية صغيرة (سنتات).

الكثير من المشاهد قد لا تكون واقعية أو على الاقل قد لا تجاري جوهر القصة في واقعيتها المريرة ولكنها ضرورة لتحقيق النجاح الكوميدي للفيلم. قد يكون الفيلم أيضاً خرج عن جادة الواقع باقراره نهاية سعيدة وحلولاً لكل المآزق والأزمات ولكنه مع هذا شدد على رسالة مفادها 'لا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم'. الاستحضار الديني الاسلامي غير مقصود حرفيا ولا مقاربةً ولكنه اجماع العقل والحكمة على أن الاستمرار في نهج التدمير والانحدار لن يمنعه سوى ارادة التغيير الحقيقية للفرد. على نطاقٍ أوسع قد يكون هناك تشديد على أن الانقياد وراء أحكام وقواعد السوق الحرة وقواعد الليبرالية الجديدة التي لا يكبح جماحها الا الشطط والسقوط في الهاوية (سقف بطاقات الائتمان اذا تم تجاوزه مثلاً) هو بداية النهاية لأحلام الازدهار الدائم.

بعد جندري نسوي في الفيلم يمكن التسليم به دون كثير نقاش ويتجلى في اختيار بطلة أنثى للعمل. المرأة أكثر استهدافاً واستغفالاً من الرجل في حقبة العولمة التي نعيشها حالياً. هوس الشراء والاسراف والتبذير والانجرار وراء الكليشيهات والمظاهر وقوالب الاستهلاك أمر تعانيه المرأة بشدة في عالم اليوم وبلا رحمة حيث تمارس الضغوط عليها لتوافق أنماط بعينها من الانوثة وتحاكي أدواراً جندرية محددة. انه استمرار في تنميط أزلي لصورة الـ 'أنثى' التي لا يجب أن يشغلها شيء أكثر من الاهتمام بمظهرها وابراز مفاتنها ناهيك عن الغاء عقلها وتأجيل قضاياها كل هذا يصب في تعزيز قوة 'الرجل' القائمة على الخلل في ميزان العدالة الجندرية.

باختصار الفيلم قد يعد تشخيصاً ناجحاً ولو مجتزأً للأزمة الاقتصادية العالمية وعوارض الأمراض الاجتماعية الملازمة لاقتصادات العصر الحديث. الحلول والمخارج التي طرحها الفيلم قد لا تكون أقل نجاحاً ولكنها بالتأكيد ليست المخرج للأزمة ككل التي تجاوز في تعقيدها الحلول والمبادرات الفردية بل ان أعتى الرزم المالية التي تعد بمئات المليارات قد لا تفلح في حلها. وحتى على صعيد القرارات الفردية لا يمكن لاحد أن يجادل بأن اغراءات العصر الحالي وأحكام سوقه أقوى من أن تقابل بالرفض أو التقوقع في حصون الانعزال.

الوصفة الهوليوودية لعلاج الأزمة المالية قد لا تكون مقبولة للجميع اذن أو أنها قد لا تكون مقنعة للبعض الآخر ولكن اشادة لابد منها ببراعة التمثيل والاخراج وسلاسة السرد الدرامي الكوميدي في فيلم Confeions of A Shopaholic.

القدس العربي في

24/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)