قد تكون
المرة الأولي منذ الثلاثينيات والأربعينيات التي يحمل فيها أفيش فيلم مصري
صوراً لبطل وبطلة من غير المصريين.. وهذا يدل علي أن مصر هي هوليوود الشرق
فعلاً ولو كره الكارهون.. فمهما هوجمنا ليل نهار فلا شهرة لأحد إلا في
مصر.. بشرط ان يكونوا فنانين حقا.. لا عارضات أزياء ولا عارضات لحوم في
كليبات!!
لذلك يجيء
فيلم "ميكانو" كحالة ملفتة للنظر من عدة وجوه.. أغربها وأطرفها معا أن
البطل السوري تيم حسن الذي يمثل في السينما المصرية لأول مرة جاء بديلاً عن
شريف منير بعد أن حقق شهرة واسعة بدور الملك فاروق. والبطلة اللبنانية نور
جاءت بسبب عدم التزام منة شلبي التي صرخت في أول يوم تصوير "أنا نجمة
النجوم" فطار منها الدور وحط علي غيرها اكثر التزاما!.. وهي اشارات واضحة
ومهمة لمن يريد أن ينجح أو يحافظ علي نجاحه.. أما النص فكتبه مؤلف جديد هو
وائل حمدي. والاخراج لمخرج جديد أيضا هو محمود كامل! وهكذا يضع الفيلم نفسه
في تحد غير مسبوق للجميع لأن يكون أو لا يكون.. والكينونة أيضا لابد وأن
تؤدي وظيفتها الفنية والفكرية.. وتكون ممتعة للمشاهدين!.
وهو ما
حاوله الفيلم منذ بنائه الدرامي الاساسي الذي أعتمد علي مشكلة مرضية ونفسية
غريبة.. وكذا في بناء شخصياته الثلاث الرئيسية والتي نعيش معها طوال
الوقت.. المريض وشقيقة والحبيبة.. أولهم المهندس الشاب خالد "تيم حسن" الذي
اجري جراحة في المخ في في صباه لانقاذه من ورم سرطاني تركت أثرها علي
ذاكرته التي يفقدها بالكامل كل فترة وهي النواة التي اقام عليها الفيلم
أحداثه.. ومع ذلك هو يحقق نجاحا واضحاً في مجال عمله كمصمم معماري وقد حرص
المخرج علي ابراز أن يكون التصميم هو هوايته وهو لعبه ومرحه. لاعطاء
المصداقية لفاقد الذاكرة.. لأن مهنته مرتبطة بتسليته الوحيدة في الحياة
وتعلقه بها هو التعلق بالحياة ذاتها!. وقد أحسن الممثل في أدائها بهذا
الربط المغري لخروج الشخصية من اطارها النمطي الذي يوحي بالجنون أو الخرف
العقلي!!
أما
الشخصية الثانية فهي لشقيقه وليد "خالد الصاوي" وهو مهندس أيضا. لذلك بدا
لنا في مناورة فنية أجادها الصاوي ببراعة أنه يستغل شقيقه الأكثر موهبة من
أجل الثراء المادي.. خاصة في تفاصيل حياته البوهيمية. قيادة الموتوسيكل
والسهر للفجر مع صديقاته.. حتي يثبت لنا قبيل نهاية الأحداث انه يحبه
بالفعل ويخشي عليه من التعامل مع الناس حيث يكتشفون بسهولة حالته ويسخرون
منه!
ولكن
الشاب المريض كان في حاجة لقصة حب تحرك له مشاعره. وتعيده إلي الحياة من
جديد.. وهو ما تحقق له بظهور أميرة "نور" التي تتعلق به وتحاول إحياء ما
تواري بداخله من مشاعر رومانسية يخفيها المرض والعمل المتواصل الهواية الذي
اعتاد عليه.. فيجد نفسه في افضل حالاته الإنسانية. إلي أن يفقد ذاكرته مرة
أخري.. فتحاول الحبيبة أن تبدأ معه من جديد بمعاونة الشقيق مثل "اللعبة
العمل".. أو الميكانو الذي شهده ثم تعيد بناءه من جديد!!
هناك
شخصيات أخري تلتقي مع نفس الحدث ولكن تلعب لحسابها لتوكيد المعني السامي.
منها طليق البطلة "خالد محمود" أو المعادل المادي للموضوع والذي لا يري غير
ما يريده. وقد لعبها الممثل بفهم ووعي شديدين. حتي عندما حاول أن يقلد
الرومانسيين باهداء الزهور حسبها بالثمن!! وكذلك سمير عبدالعزيز ورشا مهدي
ولطفي لبيب ورءوف مصطفي!
قدم
المخرج الجديد تنسيقاً بصرياً معيناً يلائم ويدعم به الموقف الدرامي. مثل
اختياراته للقطة القريبة أو "الكلوزات" في معظم كادراته كي يعطي الفرصة
لتأمل الفعل ورد الفعل أكثر. وكذلك في خطته اللونية في بعض المشاهد واخفقت
في أخري.. إلا أن اختياره للممثلين ولو كان اضطراريا وادارته لهم كانت جيدة
وكذلك أغنية اصالة "نص حالة"!! ورغم شبهة اقتباس الموضوع من عدة أفلام
امريكية منها فيلم آدم ساندلر وفيلم داستن هوفمان وتوم كروز.. إلا أن موضوع
فقد الذاكرة ستجده في العديد من التيمات. ليبقي المهم هو التناول.. والذي
قدم هنا بشكل ناعم .. نفتقده كثيرا في هذه الأيام الصاخبة!!
salaheldiv_g@hotmail.com
الجمهورية المصرية
05/02/2009 |