تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مقاليد الإعلام والإنتاج بيد الجلاّد

السينما تغمض عينيها عن مذبحة غزة

محمد رُضا

تطرح أفلام جديدة حول “الهولوكوست” أعدت وصورت قبل مذبحة غزّة المسألة من زوايا مختلفة، بعضها يحمل الرسائل الابتزازية التي كانت عصب العديد من الأفلام، وهناك نحو خمسين فيلماً تعرّضت لالهولوكست اليهودي في السنوات الثماني الأولى من القرن الحادي والعشرين بما في ذلك بضعة أفلام جديدة خرجت هذا العام تتناول التجربة النازية خلال الحرب العالمية الثانية في مقدّمتها فيلم “القارئ” .

معظم هذه الأفلام أوروبي من بريطانيا وألمانيا وبولندا وفرنسا وسلوفاكيا والنمسا، لكن هناك عدداً لا بأس به من الأفلام الأمريكية وتلك التي تحمل جنسية الكيان الصهيوني الذي أنشئ على أنقاض الهولوكوست وجزئياً بسببه، إذ إن الدعوة لإنشائه كانت سابقة للحرب العالمية الثانية بل لنشوء النازية أساساً.

ولن تجد لا في العقد الحالي ولا في أي من العقود السابقة أفلاماً غربية تقترح أن النازية، إذ ماتت مع اندحار القوّة العسكرية والسياسية لألمانيا، عاشت بعد ذلك متمثّلة بشعب جانح صوب ذات النوعية من التصفية العرقية. ليس فقط أن هذا الشعب، بمساعدة أجنبية وبغفلة عربية، احتل أرضاً مسكونة طرد شعبها وسكن بدله عليها، بل واصل ومنذ ،1948 أي بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، قتل وتهجير وسفك دماء الشعب الذي كان على تلك الأرض وفرض عليهم حكماً جائراً يقسم البشر الى يهود وغير يهود مع فوارق معيشية واستثناءات ومزايا عرقية لم يكن لها مثيل إلا في جنوب إفريقيا. اما وقد انهار نظام الحكم في جنوب إفريقيا وتغيّرت أساليب حكمه، فإن الكيان الصهيوني بات الوحيد في العالم الذي يقتل حسب الهوية الدينية - تماماً كما كانت تفعل النازية آنذاك. وإذا كان الحل الأخير لدى النازية تمثّل في إبادة اليهود، فإن تطبيق حل نهائي هو ما يحدث حالياً في غزّة بصرف النظر عن الإدعاءات الصهيونية بأن هذا ليس وارداً وأن حربها ضد “الإرهاب”. إنها ادعاءات يود البعض منا تصديقها، لكن التاريخ والمنطق والشواهد جميعها تؤكد أن الصهيونية ليست مستعدة لسلام لا عادل ولا حتى مجحف، بل تريد كل الأرض، وتبغي بعد ذلك الهيمنة على المقدّرات العربية بأسرها. لا عجب أن هذا الكيان يرفض الحلول السلمية والمبادرات المختلفة ويماطل فيها بينما يبني المستوطنات ويعزز القوّة العسكرية، ولا ينقصه لإتمام مهمّة الإبادة سوى معسكرات اعتقال وأفران غاز، لكنه بالطبع أذكى من أن يفعل ذلك والنتيجة قنابل فوسفورية وكيماوية تقوم بالنتيجة ذاتها التي تحدّثت عنها حكايات الهولوكوست.

الثابت أن الهولوكوست الذي وقع لليهود، على نحو أو آخر، شكّل مادّة خصبة لإنتاجات عديدة من مسرحيات إلى برامج إذاعية وتمثيليات، ومن مسلسلات تلفزيونية الى أفلام وثائقية ومن الكتب الروائية وغير الروائية الى السينما في شتّى أنواعها وأشكالها. في مضمونه، الهولوكوست مأساة حولت إلى تجارة رابحة وذلك بتأكيد كتّاب ومؤلّفين يهود أصدروا كتباً في هذا الخصوص تكشف عن كيف استفاد اليهود اليوم مما حدث لهم في الأمس على كل صعيد اقتصادي ممكن. كيف أن التجارة بالأحزان والمآسي والنكبات لم تتوقّف وامتدت يمين ويسار النظم السياسية في العالم أجمع. فيلم ستيفن سبيلبرغ “لائحة شيندلر” قسّم سينما الهولوكوست الى ما قبله وما بعده. من قبل كانت غالبية الأفلام تتعرّض للمحنة من منطلق سرد ما تعتبره واقعاً لتنكش في الذاكرة وتذكي الشعور العالمي بهول ما حدث، كانت طريقة مثلى للهيمنة العاطفية مع تسجيل عدد آخر من الأهداف في مقدّمتها ما هو اقتصادي، ليس عبر النظر الى إيرادات الأفلام فقط، بل عبر ما يمكن أن تجنيه مسألة طرح الهولوكوست على الشاشة مراراً وتكراراً من تغذية الشعور الأوروبي بالذنب ما يسهل على الفكر الصهيوني الهيمنة عليه ومطالبته بتسديد فواتير حرب وهو أمر لم تفعله شعوب أخرى خسرت أكثر مما خسر اليهود في تلك الحرب من بينها الشعب الياباني والشعوب الأوروبية المختلفة (روسيا وحدها خسرت اثني عشر مليوناً من بينها ملايين نتيجة حصار ومجاعات). خلال الحرب وبعدها، كان لابد من طرح الهولوكوست وما آل إليه اليهود من ممارسات عنصرية كمادة لا هدف آخر لها سوى مجابهة الشرور النازية بأعمال تعكس وجهات نظر مناقضة وتسعى، عبر السينما، للكشف عن الحقائق من منطلق إنساني وسياسي بحت. هذا هو مجمل ما جاء به “الصليب السابع” لفرد زنمان و”الغريب” لأورسن ولز و”المرحلة الأخيرة” للبولندي واندا يعقوبوفسكا سنة ،1948 السنة التي انتقل فيها “المظلوم” ليلعب دور الظالم من دون أن تتدخل السينما لمتابعة هذا الشق من التطوّرات. في الخمسينات كانت نسبة الأفلام التي تناولت الموضوع ما زالت قليلة يتقدّمها “مفكرة آن فرانك” كما أخرجه جورج ستيفنس بقناعة سياسية، ولو أن المذكّرات نفسها كانت بداية تعريض وثيقة معيّنة إلى أكبر قدر من التوظيف المادي، لا عبر تحويلها إلى فيلم فقط، بل نشرها في كتب ومجلات وعرضها في متاحف ثم إنتاجها أفلاماً تلفزيونية وسينمائية أخرى. الثابت هو أن شراسة الهجمة السينمائية التي تمثّلت بأفلام بعينها على العرب كحضارة وكتراث وكثقافة، وهي هجمة كانت بدأت من الثلاثينات لأسباب أخرى لا علاقة لها بالصهيونية على نحو رئيسي، اكتسبت زادها من الوقفة العربية في مواجهة أطماعها في الستينات والسبعينات. فلم تكن قرارات الثورة المصرية تأميم قناة السويس ومجابهة الأوضاع الملتوية آنذاك وتوحيد صفوف العرب ضد الكيان الوليد لتمر ساكنة ومن دون مواجهة. وهذه المواجهة لم تتوقّف عند حد ضخ المزيد من الأفلام التي تتحدّث عن الهولوكوست في الستينات، بل المزيد من الأفلام التي تتحدّث عن حق “اسرائيل” في الوجود (كما فيلم أوتو برمنجر “هجرة”) وتلك التي تهاجم الشخصية العربية من زاوية ساخرة أو مُهينة. بعد “لائحة شيندلر” استمدّت سينما الهولوكوست نوعاً من دماء جديدة من دون أن يتوقّف انسياب الدم الأول. فيلم سبيلبرغ، كما يعرف الجميع، دراما كبيرة عن الهولوكوست نرى فيه مجموعة كبيرة من اليهود تعمل في أحد المصانع الألمانية مضطرة لكي تبقى على قيد الحياة، والوجود المسيحي متمثّل بشخصيتين: ألماني لديه ضمير إنساني يدفعه لبذل المستحيل لإنقاذ اليهود من مصيرهم (وهو الدور الذي قام به ليام نيسون) وألماني مملوء بغضاً وعنصرية ضد اليهود هو الكولونيل الذي يعمد، في أحد المشاهد، الى اقتناص يهودي لا لشيء إلا حباً للصيد وكرهاً له، وقام به راف فاينس. وفي الوقت الذي نال فيه الفيلم الكثير جدّاً من التقدير الذي يفوق ما يستحقّه (حتى سينمائياً) ووجد بين بعض الكتبة العرب تقديراً مماثلاً على أساس أنه لا يمكن أن يكون النقّاد الأجانب على خطأ، فإن معاينة الفيلم من زوايا أخرى تشي بسلبيات عدّة منها ما هو تقني ومنها ما هو تاريخي ومنها ما هو سياسي، حسب ستانلي كوبريك، وفي قراءة خاصّة من ذلك المخرج الذي كان لديه مشروع فيلم لم يحققه عن الهولوكوست فإن “لائحة شيندلر” لم يكن فيلماً عن الهولوكوست بل فيلماً عن كيف تمكّن مئات اليهود من البقاء أحياء ما يتنافى وفكرة الهولوكوست أصلاً.

إلى ذلك، فإن هناك النهاية التي نرى فيها مباركة انتقال اليهودي من ضحية الى جلاّد، من شعب بلا وطن الى شعب يملك أرضاً، وليس للمرّة الأولى، فهي أرض أجداده كما يزعمون.

الفيلم أتاح لأفلام أخرى التنويع في الحكاية فخرجت بضعة أفلام، من بينها مثلاً “الأسبوع المقدّس” للبولندي أنديه فايدا الذي تحدّث عن إسهام المواطن الألماني العادي في إخفاء اليهودي عن أعين الغوستابو والأمن النازي. ونجد في فيلم الألماني فولكر شلندروف، “اليوم التاسع”، موقفاً مشرّفاً للأوروبيين تحت الاحتلال في مجابهة الوضع غير الإنساني وكم حاق بهم ذلك الموقف من أذى لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي تعرّض إليه معظم اليهود. وفي فيلم “الكتاب الأسود” للهولندي بول فرهوفن معالجة تظهر مساوئ لدى كل طرف على حدة في وضع يصفه الفيلم بالفوضى معمماً الخير والشر على نماذج متعددة من دون أن يقسمها الى عناصر بشرية أو ديانات من أي نوع. هذا كله لم يكن منتشراً قبل “لائحة شيندلر” وإذا ما أضفت إليه فيلم رومان بولانسكي “عازف البيانو” وجدت أن ثراء ووجهات نظر مختلفة أضيفت الى سينما الهولوكوست، ولو أنها لم توقف تلك الأفلام التقليدية التي تريد أن تبكي على الشاشة وتغزل بمنوال الفيلم ذي الطرح العاطفي الاستجدائي القديم ذاته. هذه الأيام، وفي الجوار، يعرض فيلمان يتطرّقان إلى موضوع الهولوكست والفترة النازية على نحو مباشر او نصف مباشر. فيلم برايان سنجر “فالكيري” الذي يتناول قصّة كولونيل في الجيش الألماني خلال حقبة هتلر خطط فعلياً لاغتيال الزعيم النازي عبر انقلاب عسكري للإطاحة بالنظام. الخطّة، والفيلم مقتبس -بحريّة- عن وثائق وأحداث واقعية تفشل ما ينتج عنه تنفيذ حكم الإعدام بنحو مائتي فرد بينهم الكولونيل نفسه (توم كروز) وإلقاء القبض على سبعمائة متعاون وزجّهم في السجون.

الذي يحاول الفيلم قوله في الواجهة هو ما جاء به فيلم سبيلبرغ وفيلم بولانسكي من قبل وهو أنه في الجانب الألماني كان هناك من يرفض النظام النازي. ما يقوله أبعد من ذلك فنقطة الرفض كانت لما كان يحدث لليهود من اعتقالات ومذابح. وهو يلتقي مع الفيلم الثاني المعروض هذه الأيام وهو “تحدٍ” المأخوذ أيضاً عن وقائع حقيقية لكن السيناريو نوّع فيها ما حلا له، الفيلم من إخراج إدوارد زويك وبطولة دانيال كريغ (جيمس بوند) حول أربعة أشقاء يهود هربوا مما يقع لأترابهم إلى منطقة غابات في جبال بلروسيا حيث ألّفوا مقاتلين من اليهود لمقاومة الجيش النازي عسكرياً، ونرى غارات كر وفر وانتصارات على الجنود الألمان لردح طويل، بل مناوشات كلامية بين هؤلاء وبين الجيش الروسي، في محاولة رخيصة من الفيلم للقول إن المقاتلين اليهود في الوقت الذي كانوا فيه يحاربون النازية لم يكن في خططهم الانضمام إلى الشيوعية بل سعوا للبقاء مستقلّين. هناك واجهة تتحدّث أيضاً عن حرب قام بها اليهود ضد الألمان (لم تنقلها السينما من قبل) وفي الخلفية رسالة سياسية عن العبء والمأساة التي تمثّلت بما حدث لليهود على أيدي النازيين. و”القارئ” لستيفن دولدري يختلف، إنه فيلم عن ألمانية تحاكم في الستينات بتهمة قيامها لا بحراسة معتقل لليهوديات فقط، بل اختيار من تذهب منهن الى المحرقة ما يعني المشاركة في العملية ذاتها. لكن بطلتنا يتيمة والفيلم يظهر حاجة الألمان الذين يقودون المحكمة الى كبش فداء  ليظهروا كم هم براء مما حدث.

هل سنرى في المستقبل ولو ربع عدد الأفلام التي تحدّثت عن الهولوكوست منذ حدوثه وهي تتناول الهولوكوست الجديد؟ هذا أمر مستبعد كون الجلاّد هو ذاته الذي لا يزال يمسك بمقدّرات الأمور إعلامياً وسياسياً وإنتاجياً.

 

وودي آلن يعيد لعبته القديمة

الحب ليس أكثر من رغبات جنسية عند وودي آلن في فيلمه الجديد “فيكي كرستينا برسلونة” الذي نال قبل أيام جائزة “الغولدن غلوب” من جمعية مراسلي هوليوود الأجانب.الفيلم يتحدّث عن فتاتين أمريكيّتين هما فيكي (ربيكا هول) وكرستينا (سكارلت جوهانسن) يتعرّفان خلال رحلة استجمام طويلة الى فنان إسباني اسمه أنطونيو (خافييه باردم) الذي يغوي كلاً منهما علماً بأن فيكي على أهبّة الزواج من أمريكي ينتظر عودتها في نيويورك.

هذا قبل أن يصل زوج المستقبل الى اسبانيا وقد قرر الزواج هناك وتعود زوجة أنطونيو إلى زوجها بعدما كانت حاولت قتله قبيل انفصالها عنه.

بعد قليل من الفيلم ستجد أنه لا يختلف عن أفلام وودي آلن السابقة التي تدور، غالباً، في رحى علاقات بشرية مدفوعة بالرغبات على شاكلة رواية إحسان عبد القدّوس “هذا أحبه، وهذا أريده” ففيكي هنا مرتبطة بدوغلاس لكن عقلها مع أنطونيو وأنطونيو مرتبط بكريستينا لكن عقله مع فيكي، حين تغيب كريستينا وزوجته السابقة لا تزال تتوقّع منه أن يحبّها رغم أنه ليس معروفاً من تحبّه حقّاً.

 

أوراق ناقد

القيمة الإنسانية

يتعرض البشر للتآكل تماماً، كما يحدث للآثار التاريخية، إذا لم يتم حمايتها من الأجواء السامّة، أو كما يحدث مع الطبيعة والبيئة حين يؤدي طمع الإنسان في خيراتهما لإفساد الماء والهواء والأرض على حد سواء. وما يحدث في غزة إلا نتيجة هذا التآكل الذي يُصيب الإنسان اليوم أكثر من أي زمن مضى، فلا يعمد للحرب فقط، وهي خيار سيئ بحد ذاته، بل إلى القتل المتعمّد للأبرياء وإلحاق الضرر بأكبر عدد منهم كما بممتلكاتهم وأراضيهم وسبل عيشهم حتى يلقّنهم، كما يعتقد، درساً لا يُنسى.

وهو درس لا يُنسى بالفعل. درس يقول للضحايا: هذا عدوّكم فلا تنسوا ذلك، عدو همجي، بربري، لا حضارة لديه إذ لم يبن أياً منها سابقاً ولن يبني أياً منها لاحقاً، على العكس هدم الحضارات وتمرّد على الأنبياء وقاد حياة متشبّعة بالحقد والضغينة على من سواه. معذورون إذا كنّا، نحن نقاد السينما، نكتب هذه الأيام عما يدور في جبهات القتال وفي سياسة الأمور أكثر مما نتعرّض للأفلام في زوايا الرأي هذه، فما يحدث يترك في النفس صدمة عبّر عنها ناقد بريطاني حين قال في معرض حديثه عن أحد الأفلام، “عشرة آلاف سنة من الحياة على الأرض ولم ننجح في أن نحب بعضنا بعضاً”. وهي حقيقة أساسية، نعم عشرة آلاف سنة أو أقل او أكثر، والإنسان محمّل بالضغينة والخوف والحسد والطمع والمشاعر السلبية المدمّرة الأخرى. ألوف السنين وكل ما يسعى إليه البعض هو الهجوم على من سواه واحتلال الأرض وتجويع الشعب وقتله واغتصاب مستقبله. ونحن العرب كما لو كُتب علينا أن نتعرّض لهولاكو وجنكيز خان والملك رتشارد قلب الأسد والألمان والطليان والفرنسيين والإنجليز ثم “الإسرائيليين”. كل مكث طويلاً ورحل، وخلال مكوثه خرّب وقتل وأفنى لكن العرب عاشوا بعد ذلك وعمّروا.

وحين ننظر الى التاريخ الموازي لما حدث ويحدث في حياتنا السياسية نجد أن هذا التاريخ، المكتوب والمصوّر، عادة ما ينقسم إلى مرحلتين. في السينما هناك مرحلة بدأت من الأيام التي كان فيها الفيلم السينمائي مشروعاً من ثوان قليلة وبلا صوت ولا ألوان ولا حتى قصّة تحتوي على صور متتابعة بدت بالغة الغرابة، إلى نهاية السبعينات حين بدأت الحياة في البشر تتغيّر وليس صوب الأفضل. ثم المرحلة التي بدأت في ثمانينات القرن الماضي ولا تزال والتي عاشت السينما فيها تحت عبء الانهيار الإنساني العام وتراجع دور الحضارات والثقافات تراجعاً ملموساً. فقط فكّر في أنه عوض أن يكون لدينا صلاح أبو سيف صار عندنا محمد كريم (مع الاحترام الشخصي) وعوض أن يكون عندنا خليفة لمحمود المليجي أو عماد حمدي، أو في الكوميديا عبد السلام النابلسي أصبح لدينا محمد سعد. فكّر أنه عوض فيلليني وبرغمان وتاركوفسكي وآرثر بن وأكيرا كوروساوا وميتزوغوشي ورنوار وغودار لدينا حفنة كبيرة من غير المبدعين الذين لا يضيفون لا لفن الإخراج ولا للفن السينمائي صورة جيّدة واحدة. وبالتالي، عوض جمهور يذهب الى السينما سعياً وراء الرقي الناتج عن الإبداع والأفكار بات لدينا جماعات تتسابق لمشاهدة الغث من الأفلام التي تنتجها السينمات السائدة في كل مكان. هل هو عصر جديد؟ بالتأكيد. لكن هل كان يضير لو أن هذا العصر الجديد كان متقدّماً ومرتفعاً وراقياً وحضارياً؟

ما منعه من ذلك هم -بالنتيجة- ذات الأشخاص الذين أفسدوا الهواء وخربوا الأرض وغيّروا في البيئة. هم ذات الأشخاص الذين غذّوا الحروب الأهلية في إفريقيا وتاجروا بالرقيق الأبيض من الشمال الأوروبي وتاجروا بالقيم الدينية والحضارية فلم يعد هناك ممنوع او مستور او مقدّس ونهبوا السُلطات والمؤسسات وعاثوا في الأرض فساداً كبيراً.

إنهم المرتزقون الذين اجتمعوا بغرض واحد: ألا يروا يوماً من أيام حياتهم المقبلة يمر من دون أن يزدادوا ثراء أو قوّة وسُلطة أو الاثنين معاً. سياسيون ومصرفيون ورجال حرب وتجّار سلاح وأصحاب غايات لا تأخذ في اعتبارها لا القريب ولا البعيد. البشر في ذلك سواسية، كما الدولار، أعداد وأرقام بلا هويّة وبلا طموحات وبلا ثقافات. ما يحدث في السينما ينتمي الى ما يحدث في عالمنا اليوم من قتل وتخريب واغتصاب حقوق.  والفاعل الحقيقي هو جشع الإنسان وضغينته وحقده وشروره تلك التي لم تنم في الماضي، لكنها اليوم أكثر شراسة من أي وقت مضى ووضعوا في أيديها أسلحة أكثر فتكاً.

الصور التلفزيونية تتوالى، والإنسان يزداد قنوطاً وكآبة وهو يشاهدها، وينظر الى مهرب يكون ملكه فلا يجد سوى أن يواصل العمل والأكل والنوم آملاً في مستقبل أفضل، لكنه لن يأتي على هذا الشكل وكنتيجة لمثل هذا الوضع. لمستقبل أفضل على الضحية أن تثور وعلى الناس أن تجتمع وعلى نفوس تملك الحق أن تتوحّد وتؤازر بعضها بعضاً كما يجب، فكما يجتمع الشر لقتال الخير، على الخير أن يجتمع وحينها ينصر الله من ينصره فعلاً.

merci4404@earthlink.net

www.shadowsandphantoms.blogspot.com

 

الخليج الإماراتية في 18 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)