فى هدوء يبلغ حد الصمت، يعرض هذا الفيلم الفلسطينى الذى نال، عن
استحقاق، مجموعة من الجوائز والتقديرات الدولية الرفيعة.. إهمال
الصحافة الفنية، والأجهزة الإعلامية للأمر، يؤكد استمرار سياسة
الإلهاء التى ترمى إلى صرف الأنظار عما هو جاد، وذلك بتحويل
الاهتمامات نحو سفاسف الفضائح، مثل كليب «سيب ايدى» التافه، أو
البحث المضنى، العبثى، عما إذا كانت الممثلة المغمورة، رغد سلامة،
متحولة جنسيا، من ذكر لأنثى، أم أنها ولدت «بنت» صاغ سليم.
«عمر»،
فيلم عربى مشرف، بتوقيع ابن مدينة «الناصرة»، الفلسطينى الموهوب،
هانى أبوأسعد، صاحب الأسلوب الواقعى البديع، المستوعب لاتجاهات
السينما المعاصرة، المتأثر، أصلا، بالسينما المصرية التى عشقها
صبيا وشابا، حتى إنه يقدم لها التحية مرتين، من داخل الفيلم، ومن
خارجه.. بطله، بأداء آدم بكرى ــ ابن الفنان الكبير محمد بكرى ــ
فى غرفته، يلصق على الجدار، غلافا لمجلة «الكواكب»، وصورا لأنور
وجدى وليلى مراد وعمر الشريف وفاتن حمامة.. وفى أكثر من حديث معه،
يصرح بأن «عمر»، يأتى فى سياق أفلام من نوع «فى بيتنا رجل»
و«الكرنك».
واقعية هانى أبوأسعد ليست مجرد محاكاة لما يحدث فى الحياة، لكنها
إدراك للمعانى الكامنة وراء ما يرصده من معطيات.. فى المشهد
الافتتاحى، تصطدم عيوننا بالجدار العازل، الطويل، الممتد على عرض
الشاشة. «عمر»، الشاب العشرينى المفعم بالحيوية، يمسك بحبل، يتسلق
الجدار بسرعة ومهارة، يهبط فى الجانب الآخر، بينما صفارات الإنذار
الإسرائيلية تدوى، يجرى بين الحوارى والأزقة التى يحفظ مداخلها
ومخارجها عن ظهر قلب. يصل أخيرا إلى بيت صديقه «طارق» ــ إياد
حوزانى ــ حيث يلتقى صديقهما الثالث «أمجد» ــ سامر بشارات ــ كى
يتفقوا على أمر ما.
وراء هذه اللقطات الساخنة، السريعة، بمطاردة جنود الاحتلال
المحمومة، الفاشلة، لبطلنا، رؤية، أوسع وأعمق من مجرد كونها مدخلا
مثيرا لعمل ينتمى لأفلام الحركة أو «الأكشن».. الجدار أولا، يعنى
الفصل بين الأجزاء الموصولة، كئيب ودميم، شاهد على غطرسة سلطة
خائفة، لا ينجح فى مسعاها، فها هو «عمر»، بمهارة، ينجح فى تجاوزه
إلى الجانب الآخر، ولا تفوت عين هانى أبوأسعد، فى لقطة عابرة، رصد
الصبية الفلسطينيين، وهم يلقون الحجارة على جنود أقل خبرة ودراية
بدروب المنطقة.
عمر، يرتبط عاطفيا بأخت «طارق»، الرقيقة، الهادئة، التى تمور
بالمشاعر، نادية، التى تؤدى دورها، بتمكن مثير للإعجاب، ليم
لوبانى، ذات الوجه النحيل، والعيون التى تنطق بالانفعال، من دون
كلمة واحدة، بل من دون حركة مادية، فالحب عندها نظرة، واثقة
وصريحة، وأكثر من مرة، تحتضنه، تقبله، بابتسامة شغف مستترة.. والحق
أن هانى أبوأسعد يجيد إدارة ممثليه، ويمنح كل منهم لمسة خاصة،
فمثلا، يجعل عمر من هواة التمثيل، وها هو، استجابة لطلب نادية،
يقلد، بمهارة، مارلون براندو، فى «الأب الروحى».
بموقف واحد، يعبر الفيلم عن معنى الاحتلال. جنود يوقفون «عمر»،
يطلعون على بطاقته، وبلا مبرر، يأمرونه بالوقوف فوق حجر مهتز..
يضطر للامتثال، يفيض به الكيل مع تكرار محاولاته الحفاظ على
توازنه. يترك الحجر ويتجه نحوهم. أحدهم يبادره بضربة كعب مسدس.
الدم يسيل من فمه وأنفه.. انه تلخيص بليغ، واقعى، لأحد جوانب
المهانة.
الأصدقاء الثلاثة يشكلون خلية تابعة للمقاومة، يطلقون رصاصة على
جندى إسرائيلى ترديه قتيلا.. يتم القبض على عمر.. بعد جولات تعذيب،
تأتى فرصة «الخلاص المدمر» على يد ضابط المخابرات، الإسرائيلى
الداهية، بأداء متميز من وليد زعيتر. يعرض عليه إطلاق سراحه بشرط
أن يغدو عميلا.. وليد زعيتر، أحيانا، يتظاهر بحنوه على «عمر»،
فيبدو كما لو انه استثناء فى منظومة الاجحاف، لكن تتكشف أغواره
اللئيمة، القاتلة معنويا، حين يبلغ عمر أن حبيبته نادية، حامل من
صديقه أمجد، فى الوقت الذى تسرى شائعة عمالة «عمر» للموساد.
دوامة الشكوك تدور حول الجميع، يتحول الوئام، بين الأصدقاء، إلى
مزيج من المخاوف والحذر والتربص.. فى إحدى المواجهات العاصفة بين
الثلاثة، تنطلق رصاصة تردى «طارق» قتيلا.. قائد المقاومة الجديد،
مع بعض الشباب، يستجوبون «عمر»، البرىء، المشكوك فى وطنيته..
«عمر»، الذى فقد حبيبته، أصبح منزويا، محاصرا، يطلب من الضابط
المخابراتى مسدسا، بادعاء استخدامه إذا دعت الضرورة.. وبينما يقوم
الضابط بتعليم «عمر» كيفية إطلاقه، يلتفت الأخير إلى الأول، ضاغطا
على الزناد. ومع دوى الرصاصة، لتغرق الشاشة فى ظلام دامس.. هكذا،
كأن الجملة الأخيرة فى الفيلم النافذ البصيرة، تؤكد أن جذر
التراجيديا السوداء، تكمن فى الاحتلال الذى لن يحميه جدار عازل، أو
جنود قساة، لن يسلموا من مقاومة تأتى كضرورة.. إنه فيلم كبير، فنيا
وفكريا، يستحق اهتماما يليق به.. وللأسف، عندنا، لم يحدث.
جمع مؤنث سالم
كمال رمزي
الثلاثاء 26 مايو 2015 - 9:30 ص
شاهدت ثلاث حلقات من هذا البرنامج الذى تضاربت الأقوال عن أسباب
منعه، فبينما وقف البعض ضد صاحبته، ريم ماجد مدعيا أنها غير وطنية،
كارهة للسلطة «النزيهة» بدون مبرر، وتنفذ «أجندات» فى مستوى
الشبهات.. وجد البعض الآخر، فى المصادرة أو التأجيل، دليلا حاسما
على الاتجاه نحو الفاشية، وحلقة فى سياسة تكميم الأفواه. أما نحن،
الطرف الثالث،
وأقصد به الطرف المتابع ـ وليس الطرف الثالث الغامض، إياه ـ فإنه
لم يتلمس أو يتبين، بما فيه الكفاية، ملامح وتوجهات «جمع مؤنث سالم».
الحلقات الثلاث، يجمعها أسلوب واحد، يعتمد على اللقاءات الإنسانية،
بعيدا عن الجماليات الشكلية للاستوديو فى برامج «التوك شو»..
الأماكن هنا، هى ساحات العمل، والمذيعة، كعادتها، تتعايش بألفة، مع
ضيفاتها، سواء بالملابس البسيطة، المتسقة، التى ترتديها، أو بتفهم
القضايا المثارة، أو باحترامها وحنوها على عناء وآمال بطلاتها،
القادمات من قلب الحياة.
معدة البرنامج، كاتبة السيناريو النابهة، صاحبة «ذات» و«سجن
النساء» و«واحد صفر»، مريم نعوم، تعاملت مع الحلقات كعمل فنى وليس
مجرد لقاءات تليفزيونية، فهى، تستخدم اللقطات الوثائقية، الصور
الفوتوغرافية، الشخصيات الثانوية، عدم التقيد بمكان واحد، والواضح
أن المخرجة، رشا الكردى، باختياراتها الموفقة لزوايا التصوير،
واستخدامها الدرامى للمؤثرات
الصوتية والموسيقى المصاحبة، منحت العمل مذاقا فنيا واضحا.
فى الحلقة الأولى، تلتقى المذيعة بالسيدة شهيرة محرز، الباحثة فى
المهن التقليدية، الشغوفة بالأزياء الشعبية، بألوانها الزاهية،
فضلا عن المعمار الذى أبدعه المصريون عبر التاريخ، وتتعمد ريم ماجد
ارتداء ملابس ذات طابع تراثى، ويدور الحوار المستفيض داخل معرض
شهيرة محرز، مدعوما بصور فوتوغرافية لجلابيب الفلاحات، المحتشمة،
المنفتحة على الحياة، التى لا
تعيق العمل.
تنتقل الحلقة الثانية إلى المصورة الصحفية، إيمان هلال، التى عاشت،
بوجدانها، وكاميراتها، الثورة وتداعياتها.. تحكى، بانفعال هادئ
وعميق، عن تطور علاقتها بالمهنة، وتبين، بجلاء، قيمة الصورة كوثيقة
دامغة تقبض فى لحظة، على كل الأطراف، هى الشاهد الحاضر على
الجريمة، ذاكرتها لا تبهت أبدا. وهى دليل إدانة لا فكاك منه، لذا،
فالبعض مصاب بما يمكن أن
تسميه «فوبيا التصوير»، ضابط الشرطة، أيام الثورة، حطم كاميرتها،
ولكمها، وها هى صورتها، أمامنا، بعين متورمة، منتفخة الجفون..
وفيما بعد، تعرضت للبطش، على يد مجموعة من الإخوان، أثناء فض
اعتصام رابعة.. ثم كان عليها تصوير عشرات الجثث المخضبة بالدم،
الملقاة على الأرض وقد وضع فوقها ورقة تعريف مكونة من كلمة واحدة
«مجهول».
تتوالى الصور، مثيرة للذكريات والعواطف، مبللة بالأسى، مثل وجوه
الشباب وقد فقدوا بصرهم، ومن جديد، تطالعنا صورة الفتاة المسحولة
فى ميدان التحرير.
كما فى التراجيديات، ثمة مشاهد ترويحية، تخفف من ثقل الأحزان،
تطالعنا ريم ماجد، حاملة معها بالونات ملونة، وسط مجموعة من صديقات
إيمان هلال، فى مركب يتهادى على صفحة النيل، هن مصورات أيضا،
يتحدثن، بثقة وثبات، عن تجاربهن التى قد تكون قاسية، ولكنها تنبئ
بنصر أكيد، حتى لو كان مؤجلا.. إنها حلقة أقرب للعمل الفنى، جميل
ومحترم.
أما الحلقة الثالثة، فإنها تتوغل فى أحراش الحياة، يبدأ بالمذيعة
تسير فى أحد الممرات بين عمارات وسط البلد، حيث المحال الصغيرة
والمقاهى.. تتجه نحو صديقتها الشابة «دهب»، صاحبة مطعم متواضع،
ضيق، مناضده فى الخارج. الحوار بينهما لا يأتى على نحو تقليدى، لكن
يندلع مفعما بروح المشاكسة العذبة بين صديقتين.. ريم ترتدى مريلة
العمل فوق ملابسها
البسيطة، تنخرط فى إعداد المكان، ثم تقشير البطاطس، ولا يفوت «دهب»
انتقاد طريقتها فى التقشير، ذلك أن القشرة سميكة، تذهب بجزء من
البطاطس.. «دهب»، الحاصلة على بكالوريوس التجارة، بعبارات قليلة،
بسيطة وصادقة، تحكى عن حياتها: رحل والدها مبكرا، تحايلت على
الحياة بهذا العمل الشريف، وجدت من يقف بجانبها، فى مقدمتهم الأب
البديل، الرجل الطيب، فؤاد مهران، الذى منحها جزءا من المقهى.
تدخل الحلقة فى لعبة «تبادل الأدوار»، فبينما تتمنى ريم ماجد أن
تكون صاحبة مطعم صغير، تتمنى «دهب» أن تغدو مذيعة.. تصحبها ريم إلى
استوديو متواضع لإجراء اختبار: «دهب» مذيعة وريم الضيفة.. طبعا،
بمرح، تثأر ريم مما فعلته «دهب» معها، توجهها، بطريقة لا تخلو من
قسوة رقيقة إن صح التعبير.. «دهب»، اسمها أصلا منال، سميت بالاسم
الآخر
تيمنا بفيروز، بطلة فيلم «دهب» الذى كان يعرض يوم ولادتها.. هى على
قدر كبير من الثقافة، تعشق صلاح جاهين، تكتب الشعر، قلبها يمور
بالآمال.. إنها حلقة ذات طابع آسر، تتغنى، جوهريا، بقدرة الفتاة
المصرية على مواجهة الحياة، والمساهمة فى صنع مستقبلها.
«جمع
مؤنث سالم»، الموءود، يستحق البقاء، يدين الرعديد الذى بطش به،
والذى سنعرفه، عاجلا أو آجلا.
حسن مصطفى
كمال رمزي
السبت 23 مايو 2015 - 8:15 ص
دع عنك أدواره الكبيرة، الأساسية، فى عشرات الأفلام والمسلسلات
وعلى خشبة المسرح، وانعش ذاكرتك بحضوره المشع بالإبداع الخاص، فى
المشاهد القليلة، التى ظهر فيها، على نحو قد يبدو ثانويا إن لم يكن
هامشيا، فى «البوسطجى» لحسين كمال ١٩٦٨.
الفيلم، شديد القسوة، يعتمد على قصة ليحيى حقى، هجاء واقع الصعيد
الضنين، المعزول عن الحياة، المنسى، الفقير، ماديا ومعنويا، الذى
يفرز نماذجا من نوع «صميدة»، الساذج مظهرا، الخبيث جوهرا، يعبر
عنه، ويجسده، فناننا الملهم، صاحب البصمة المتميزة، حسن مصطفى.
«صميدة»،
فراش وحارس مكتب البريد فى قرية «كوم النحل»، التى وصلها لها،
أخيرا، ناظر البوسطة الجديد، عباس حسين «شكرى سرحان»، المنزعج من
أطفال هائمين على وجوههم، والتراب المعلق فى الفراغ، نستمع معه عن
معلومات شحيحة بشأن الفراش الحارس، المتزوج حديثا، زيجة ثانية. فى
صباح اليوم التالى، يقف الناظر أمام باب المكتب المغلق، فى انتظار
«صميدة»، المسئول عن العهدة: المفتاح، وحمار.
من وسط الزحام، يظهر «صميدة»، بجسده الضخم، راكبا الحمار الهزيل،
يقترب من «عباس»، الأفندى، القادم من القاهرة. ينزل من الحمار، يقف
أمام الناظر فيما يشبه المواجهة، تنبئ بصراع وشيك وحتمى سيندلع
بينهما. تتجلى لمسات حسن مصطفى الإبداعية على عدة مستويات، أوضحها،
ذلك التوافق بين ملابسه ووضعه الاجتماعى، بالطو، فوق جلباب جديد،
لاسة حريرية مسدلة على صدره، حافة طاقيته تغطى ثلاثة أرباع جبهته.
إنه ثرى نسبيا، وعلى قدرمن النظافة تليق بعريس.. أما عن ملامح وجهه
فإها على قدر كبير من الطافة: بشرة حليقة، عينان ضيقتان، يزيدهما
حسن مصطفى ضيقا حين يتنمر أو يدقق، حاجبان كثيفان، سوادهما يشى بأن
الصبغة نالتهما، شارب لا يقل سوادا، تحت أنف غليظ.. فكه السفلى
يبرز عن العلوى عدة سنتيمترات، يجعل الكلام يخرج من فمه مستفزا،
مزعجا. يتعمد حسن مصطفى، فى لمسة مبتكرة، أن يجعل، بين الحين
والحين، رأسه، مائلا نحو اليمين، موحيا بالغرور، وربما بالاعتراض،
وبالتأكيد، قدرا كبيرا من البلادة.
بأسلوب حسن مصطفى تمكن أن يدرج هذا الدور فى باب كوميديا السلوك،
يمارسه بلا افتعال أو مغالاة، فحين يدخل شكرى سرحان مقر البوسطة،
للمرة الأولى، وخلفه الحارس، يفاجأ، أولهما، بكتاكيت وأرانب ودواجن
وأقفص طماطم فارغة ومشنات بها بقايا خيار.. وعلى طريقة أبناء
المدن، يصفق ناظر البريد ساخرا، متسائلاً بغيظ «مكتب ده.. ولا
زريبة»، يباغتنا حسن مصطفى برد فعل قد لا يخطر على بال، تلخصه كلمة
«التناحة»، مزيج مدهش من اللامبالاة، مع إدعاء عدم الفهم، بل يتابع
الانفعالات الصاخبة بابتسامة منتشية، وكأنه يتابع موقفا، لا علاقة
له به.. هنا، تنبع الكوميديا من المسافة الواسعة بين الغاضب وغير
المكترث.
هذا المشهد الكاشف، التأسيسى، مصاغ ومنفذ بإجادة كاملة، فإلى جانب
انتقاده الصارم لموظفى الحكومة، يبين مصدر ثروة «صميدة»، الذى اتخذ
من مكتب البوسطة مقرا لتربية الدواجن والاتجار فى الخضار، ولا يفوت
الفراش أن يشير إلى أنه قريب العمدة، الزمر الذى يزيد من غضب
الناظر الذى أدرك رسالة التهديد، يواجهها بتهديد مضاد، يعلن أنه
سيكتب تقريرا عن ذلك الإهمال، طالبا نقل الحارس إلى مكان آخر..
عندئذ، تتصاعد حدة التهديدات، حسن مصطفى، المتفهم لطبيعة الشخصية
المخاتلة التى يؤديها، يعلن، بفخر ونشوة، أن الناظر السابق، تحول
إلى التحقيق وغادر المكان، لأن «أنا اللى وزيت عليه» يقولها، وكأنه
يقصد أن ذات المصير، ينتظر المدير الجديد.
فى مشاهد لاحقة، قليلة، يظهر فيها حسن مصطفى، نذير«كوم النحس» حسب
تسمية البعض، متسببا فى إيذاء غريمه، مؤكدا طبيعته اللئيمة، مانحا
إياها طاقة كوميدية، لا أظن أن أحدا غيره يمكنه أن يوفرها.. لعشاق
الأداء التمثيلى، أتمنى مراجعة تأمل هذا الدور.
الكواكب.. تضىء عيد ميلاد أبوسيف
كمال رمزي
الثلاثاء 19 مايو 2015 - 12:35 م
تسترد مجلة «الكواكب» عافيتها من جديد، تنفض عن نفسها تراب البلادة
والمعتاد، وتنتبه، بعقل يقظ، إلى الأهم والأجدى.. فى عددها الأخير،
تفرد جزءا ثمينا من صفحاتها، عن صاحب الحضور الراسخ، صلاح أبوسيف،
بمناسبة عيد ميلاده المئوى، الأمر الذى فات مؤسساتنا الثقافية
والتعليمية والإعلامية.
بعيدا عن الإدانة والتأنيب، تأتى قراءة الملف منعشة للذاكرة، مثيرة
للقضايا، تفتح آفاق البحث فى تراث مخرجنا الذى جعل للسينما المصرية
حضورا مرموقا، فى الماضى والحاضر والمستقبل.
على امتداد أربع صفحات، تابعت «نيفين الزهيرى»، بالتواريخ، أهم
المحطات فى مشوار صلاح أبوسيف، منذ ميلاده «1915»، ورحيله عام
1996، مرورا بعمله فى قسم المونتاج باستوديو مصر، ومساعدته فى
إخراج «العزيمة». لكمال سليم 1939، ومحاولاته الأولى فى إخراج
أفلام قصيرة، مثل «العمر واحد» أو «نمرة 6»، الذى قام ببطولته
إسماعيل ياسين مع حسن كامل، لطفى الحكيم، وفؤاد منيب.. ثم إخراجه
لـ«دايما فى قلبى» 1946، المقتبس من «جسر واترلو»، قبل أن يقدم
كلاسيكياته التى عرفت طريقها إلى المهرجانات الدولية: «الوحش»
1954، المشارك فى مهرجان كان، و«شباب امرأة» 1956، المشارك فى ذات
المهرجان، و«الفتوة» الذى عرض فى مسابقة مهرجان برلين 1957.. حتى
«البداية» حيث حصل على جائزة النقاد فى مهرجان فينسيا 1986،
و«العصا الذهبية» فى مهرجان فيافى 1987.
رئيسة تحرير الكواكب، المتمتعة بذاكرة يقظة، أمينة الشريف، أوردت
فى افتتاحيتها الرقيقة، معلومة جديدة تماما بالنسبة لى، لا أعرف
مدى صحتها، ذلك أنى لم أطلع عليها من قبل.. تقول إن صلاح أبوسيف
«عندما شارك فى أحد المهرجانات بفيلم «ريا وسكينة» انبهر الكاتب
العالمى البير كامى وطلب الإذن من أبوسيف لتقديم حكاية الفيلم
الغارقة فى المحلية فى عمل من تأليفه وأبلغه المخرج الكبير أن هذه
الواقعة أصبحت مشاعا طالما تم نشرها ويستطيع تقديمها كيفما شاء،
وقدمها كامى فى مسرحية سماها «سوء تفاهم».
المعلومة مغرية بالتصديق، خاصة أن «سوء تفاهم» تتضمن شخصيتين
قاتلتين، تمارسان جرائمهما بانتظام، وبلا تردد. لكن تاريخ كتابة
البير كامى لعمله المذكور، ينسف المعلومة ويذهب بها أدراج الرياح،
ذلك أن «سوء تفاهم» نشرت، لأول مرة، فى فرنسا، عام 1943، وقدمت على
أحد مسارح باريس فى العام 1944.. أى قبل عرض «ريا وسكينة» بعشر
سنوات.
جدير بالذكر أن «سوء تفاهم» تحولت إلى فيلم مصرى بإخراج أشرف فهمى
1948، بعنوان «المجهول» وقامت سناء جميل ببطولته إلى جانب نجلاء
فتحى وعزت العلايلى وعادل أدهم.. دارت الأحداث فى كندا، وبالتالى
افتقر لأى إحساس مصرى، وبالضرورة، لم يحقق نجاحا يذكر.
«المصرية»
هى السمة الجوهرية فى أعمال أبوسيف، والتى دفعت بمؤرخ كبير كجورج
سادول إلى اختياره فى مقدمة أهم مائة مخرج، وحسب النص الوارد فى
الملف، يقول سادول «أنه المخرج الأكثر مصرية»، لتميزه فى المعالجة
الدرامية التى تعبر عن اللون الشعبى، وحرصه على البيئة المصرية
بوصفها نموذجا له تاريخه وقيمته ومدافعا عن قضايا مجتمعه الخاسرة».
فى شهادة أخرى، تقول الناقدة الألمانية، إريكا ريشتر، أن أعمال
أبوسيف هى «التعبير الحقيقى والمنصف عن مصر طوال نصف قرن من
الزمان، حيث استطاع أن يواجه الأفلام اللاواقعية التى تنتجها
هوليود الشرق بأفلام ذات مضمون شعبى وإنسانى اشتراكى، وأصبح بذلك
سندا ومحرضا وممهدا للسينما المصرية التقدمية».
فى الملف، قد يفتقد القارئ أصوات النقاد المصريين، لكن مقالة
الناقد الكبير، المخضرم، حسن عطية، تغطى مساحة مرموقة من ذلك
الغياب.. برحابة أفق، وتحليل صائب، يرفض التفسير السهل، الكسول،
الذى يرجع واقعية أبوسيف إلى تأثره بواقعية السينما الإيطالية،
فعنده أن مخرجنا كان جزءا من تيار أدبى وفنى يبحث عن ذاته «رافضا
تيار الرومانسية الشعرية الذى مثلته مدرسة أبوللو فى الثلاثينيات،
وساعيا لتجاوز الإغراق فى ميلودرامية سينما الصعود الفردى القائم
على الصدفة فى الأربعينيات» ويصل عطية إلى نتيجة مؤداها «جاءت
أفلامه تشبهه هو ولا تشبه أحد سواه، وتعبر عن مجتمعه المصرى».
احتفالية الكواكب بميلاد رجل أغدق علينا العطايا، أمر واجب، يستحق
التحية، لعل عدواه تنتقل إلى بقية مؤسساتنا.
«ريش»..
الحلم المستحيل
كمال رمزي
السبت 16 مايو 2015 - 9:10 ص
فى بداية السبعينيات، قبل حرب أكتوبر بعدة شهور، شن الكاتب إبراهيم
الوردانى هجوما حادا على عدد كبير من المثقفين، المحيطين بنجيب
محفوظ، وقال إن محفوظ بالنسبة لهم مثل «الصنم المعبود».. فى المساء
جلس نجيب محفوظ فى مكامنه المعتاد بمقهى ريش، على يمين الممر،
وفيما يشبه نصف الدائرة، جلس المحبين له. جاء السيناريست الكاتب
المسرحى سيد موسى رحمه الله، وقبل أن يصافح نجيب محفوظ، انحنى
أمامه انحناءه شديدة خافضا رأسه، كأنه يقدم فروض الولاء للصنم
المعبود.
انطلقت الضحكات، وتوالت التعليقات الساخرة، برغم الأجواء المتوترة
وربما بسبب ذلك التوتر، فالضحك عندنا وسيلة ناجعة لتبديل سحب
القلق.. أيامها كان مئات الطلبة فى المعتقلات.. وفى نوبة من نوبات
جنوب السلطة أصدرت هيئة النظام للاتحاد الاشتراكى قرار بطرد
الأدباء الذين وقعوا على بيان توفيق الحكيم فى الاتحاد الاشتراكى،
وبالتالى منعهم من الكتابة.. الطريف أن الكثير منهم مثل أمل دنقل
وسامى السلامونى وغيرهما لم ينضموا فى يوم ما إلى الاتحاد
الاشتراكى.. بدا الأمر كأنه كوميديا سوداء.. يحيى الطاهر عبدالله
الجالس على يسار نجب محفوظ أخذ يقرأ بروفة لبيان كى يرسل لأنور
السادات، وكان يتضمن جملة نصها: «ومن المعروف أن المثقفين قاموا
بدور بارز فى التاريخ المصرى.. استوقفه نجيب معترضا إزاى تقول
قاموا بدور بارد فى..» رفع يحيى الطاهر صوته مصححا «دور بارز..
بارز يا مولانا» فورا، علق نجيب الذى لا تفوته المفارقة أو النكتة
«معلش يا أخى كلمة صح طلعت منى غصب عنى».
عقب مغادرة نجيب محفوظ تفرقت نصف الدائرة تناثرت حول مناضد المقهى،
كل مجموعة على حدة، ويوميا يأتى ذلك الرجل الطويل، النحيل بجلبابه
الأبيض حاملاً فى يده سلة السميط ــ للأسف ـ نسيت اسمه بالغ النشاط
والجدية داخل السلة بيض مسلوق وجبنة رومى وخيار وطماطم يأتى بأطباق
صغيرة من داخل المقهى بلا اعتراض من الجرسون «فلفل» النوبى الوديع،
الذى يرتدى حلة سوداء وبابيون أو النادل الثانى «ملك»، الذى يرتدى
زيا أقرب إلى ملابس سفرجية البيوت الارستقراطية.. ثمة نوع من
الوئام يعم المكان. معظم الوجوه تعرف بعضها بعضا، فالمقهى لا يغشاه
عابر السبيل إلا لماما كل رواده من المثقفين أو عشاق الثقافة،
مشاغلهم واحدة، تؤرقهم قضايا مشتركة وإذا كان الجانب الثقافى يشغل
جانبا فى الكثير من المقاهى القاهرية فإن الأمر يختلف تماما
بالنسبة لـ«ريش»، فهنا لا تشكل الثقافة جانبا من المقهى، ولكن هى
بنيته الأساسية وأهم ملامحه، ليس بسبب تاريخه السياسى الثقافى،
الموغلى فى الماضى، قبل وأثناء، وبعد ثورة ١٩١٩ ولا بفضل الحضور
المنتظم لنجيب محفوظ فقط، ولكن للعديد من العوامل ربما أبرزها غلق
أماكن التجمعات الثقافية ومنع الندوات وتحويل المجلات ذات النفحة
التقدمية مثل الكاتب والطليعة إلى نشرات داجنة وبدت «ريش» على نحو
ما بديلاً عن هذا الغياب، ومن داخلها بفضل إبراهيم منصور، الجامح
وجميل عطية إبراهيم المتزن وإبراهيم أصلان الفنان وإبراهيم فتحى
اليسارى وغيرهم.. صدرت مجلة «جاليرى» حاملة معها شيئا من النضارة
وشيئا من الحداثة، ومع أواخر السبعينيات من رواد المقهى جاءت فكرة
مطبوعات الماستر قليلة النفقات لتنتشر دراسات وأعمال إبداعية
لطابور طويل من الكتاب.
ريش ليس مجرد مقهى إنه مرفأ ملجأ، رحم عيادة، تستقبل كل محتاج
للكلام والاستماع لا يمكن أن يذهب المرء إليه إلا ويجد وما يغرى
على الإصغاء ومن على استعداد للحوار.. إذا كان غالى شكرى وفاروق
عبدالقادر ومجيد طوبيا وصلاح عبدالصبور ويوسف إدريس غير موجودين،
فغالبا سترى أحمد عبدالمعطى حجازى وجمال الغيطانى وعبدالرحمن
أبوعوف وعباس الأسوانى والد علاء ــ وهو من أجمل وأمهر الحكائين
«ريش» حالة ومناخ وروح.
قبل مصرع السادات أغلق المقهى إيذانا بغروب مرحلة وبدأب، أعاد مجدى
الوريث افتتاحه بعد تجديده.. أفرد سقفا وأقام سياجا خشبيا على
الممر وتغيرت المناضد والكراسى أصبحت أكثر أناقة وأقل ألفة.. حاول
مجدى إعادة الأنفاس الدافئة لريش، وفى ذات الوقت يماشى قيم العصر
خاصة فى فاتورة الحساب كان رقيقا حين دعانى مع الصديق سيد عواد كى
يتحدث معنا فيما ينتوى القيام به للمحافظة على عبق المكان.. صور
عشرات الراحلين تطل علينا.. بعد دقيقتين تظاهرات بأنى أتابع النقاش
ذلك أنى أصبحت نهبا للرغبة فى المغادرة فورا بسبب إحساس بأنى فى
سرادق عزاء.. قلت لصديقى ونحن نبتعد عن المكان: لا يمكن إعادة
الماضى.
بطولة.. خارج الشاشة
كمال رمزي
السبت 9 مايو 2015 - 9:30 ص
التمسك بالمثل العليا، الاستعداد للتضحية، الشجاعة، القوة والجلد،
النزاهة، مواجهة الخطر بلا تردد، الدفاع عن قضية عادلة.. هذه
الخصال، هى بعض سمات البطل، فى الكثير فى الافلام الأجنبية،
والمصرية. لكن، ليس بالضرورة أن تكون تلك المواصفات من مكونات
النجوم الذين يؤدون أدوار البطولة، فى عالم الأطياف.
الحياة، تعطى النموذجين: جون واين، المهووس بشراسة العسكرية
الأمريكية، وسيلفستر ستالونى، المعادى لشعوب ترنو للحرية، فى
جانب.. فى المقابل، على النقيض، ثمة من شارك فى مظاهرات عنيفة ضد
حرب فيتنام، مثل جين فوندا، التى عارضت أيضا غزو العراق،
وفينساردجريف، المناهضة لحرب فيتنام، والتى آزرت بعزيمة، حقوق
الشعب الفلسطينى.
فى مصر، جرت العادة على توجيه الاتهام لنجومنا، بابتعادهم عن
القضايا العامة، الشعبية والوطنية والقومية، وهو اتهام ظالم، أو
على الاقل، مغالى فيه ويشوبه التجنى. دليلى على هذا، ما قام به وفد
من فنانينا على رأسهم حنان شوقى وأحمد ماهر بالذهاب إلى العراق
تعبيرا عن وقوف الشعب المصرى إلى جانب الشعب العربى هناك، فى حربه
ضد الارهاب.
تابعت، مثل غيرى، هذه الزيارة التى تختلف فى وقعها عن زيارات
سابقة، قام بها آخرون.. العراق، الذى وقف إلى جانب مصر، فى المحن
والخطوب، يعانى الآن من نزيف دم لا يتوقف وحالة من هستيريا الذبح
تطول شباب فى عمر الزهور.. العراق، التى كانت فى عزها، قوة جذب
هائلة عاش فيها، لسنوات طويلة، أكثر من مليونى مصرى.. دارت الايام
دورة، واخرى حدث ما حدث، واصبح اهل العراق فى اشد الاحتياج لمن
يشاطرهم الاحزان، ولمن يشاركهم الامل فى غد أجمل، وبالتالى تأتى
زيارة الوفد المصرى فى وقتها النموذجى، خاصة انها تضم أحمد ماهر
هولاكو ـ على الشاشة الصغيرة صاحب الادوار التاريخية، المتمتع
بحنجرة بالغة القوة.. وحنان شوقى اليقظة العواطف الصادقة المفعمة
بالمشاعر والانفعالات.
فى العراق خلال شذرات الشرائط التى تسجل جوانب من الزيارة شاهدنا
أحمد ماهر المفتون بالاعمال التاريخية يتحدث عن المسرحية البديعة
التى كتبها، شعرا صافيا جميلا، عبدالرحمن الشرقاوى بجزءيها «الحسين
ثائرا» و«الحسين شهيدا»، معربا عن أمله فى ان تشهد المسرحية النور،
ولم يفته التعبير عن ثقته فى قدرة الشعب العراقى على تجاوز متاعبه.
اما حنان شوقى فإنها طالعتنا بلا أحمر شفاه ولا فورمات شعر ومن دون
فساتين مدججة بالاكسسوارات اللامعة.. انها هنا ترتدى اوفرول عسكرى
واسعا مكونا من قطعتين مع حزام اسود، شعرها مغطى بـ «كاب»، مظهر
بسيط، بدا لى آية فى الجمال والجدية، يعبر تماما عن احدى تجليات
البنت المصرية حين تختار وتقرر فإنها.
الفنانان المصريان ومن معهما قاموا بزيارة المقبرة الجماعية لألفى
طالب جامعى، وبينما بدا الذهول واضحا على وجه أحمد ماهر انهمرت
دموع حنان شوقى، وفيما يبدو ان منظر خطوط الدم التى تحولت من اللون
الاحمر إلى اللون الاسود والجثث الممزقة حفرت حضورها فى ذاكرة حنان
شوقى التى اجهشت ببكاء مر. فى برنامج تلفزيونى كأن تلك المشاهد
الفاجعة تتراءى امامها..
رحلة الدعم والعزاء ببطولة حنان شوقى واحمد ماهر نيابة عن المصريين
الشرفاء تستحق التقدير الرفيع.. اما ضعفاء النفوس الأراذل ذوو
القلوب المتعفنة الذين يستنكرون الزيارة النبيلة ويسألون عن الهوية
الدينية للقتلى المغدورين، المذبوحين، فإنهم لا يستحقون إلا
الزراية.
العدالة للجميع
كمال رمزي
الأربعاء 6 مايو 2015 - 9:25 ص
قامت الدنيا ولم تقعد، بسبب تصريحات فظة، أدلت بها ممثلة ناشئة،
غير موثوق فى قدراتها الفنية، قررت أن تلعب سياسة، فبدأت تستعد
لترشيح نفسها فى انتخابات مجلس الشعب، عن دائرة المقطم، أو ربما فى
مجلس الشورى. المهم، أنها فى معرض وعودها لأهالى منطقتها، شنت حملة
تشهير بالجيران، سكان منشية ناصر والدويقة، رافضة بقوة، انتقال
بعضهم، إلى شقق أقامتها الحكومة لهم، فى المقطم، بعد تكرار كوارث
سقوط كتل الحجارة على بيوتهم، ومصرع الكثير منهم، وتشرد بعضهم، فى
مآسٍ متكررة.
زعمت الممثلة التى فاتها قطار الفن، أن أهالى المقطم، خائفون من
زحف أبناء المنشية والدويقة، البلطجية، تجار المخدرات، وأردفت
بأنانية، أن سكان المقطم، أولى بهذه الشقق، واستخدمت مثلا فجا، لا
يتواءم مع الحالة. قالت «جحا أولى بلحم توره»، كأن تلك الشقق، لم
تبنها الحكومة، فى نوبة نزاهة، ولكن أعيان المقطم، هم الذين
أقاموها.
الممثلة، هى هند عاكف، سليلة عائلة أصحاب السيرك الشهير، الذى أمتع
المصريين، فى الموالد والساحات الشعبية، على طول البلاد، مقابل
قروش قليلة، دفعها أبناء الوطن، أمثال إخواننا، سكان المنشية
والدويقة، الذين تتنكر لهم الآن، المرشحة لمجلس الشعب.
المشكلة ليست فيما قالته هند عاكف، لكن فى الفكر الذى دفعها، بصدق
وسذاجة، إلى الإدلاء بمثل تلك الترهات الخائبة، وهو فكر قائم على
الاستعلاء، وإقصاء الآخر، واضطهاد المختلف، طبقيا، ونوعيا، ودينيا،
وسياسيا: أصحاب الباقات البيضاء يتخوفون من أصحاب البدل الزرقاء،
الذكور، يشككون فى قدرات الإناث، ويرى بعضهم أنه حتى الضحية،
المغتصبة، هى الدافع للتحرش المقيت. نزعة تكفير المختلف، بل
المتباين، دينيا، متواجدة بكثافة الاتهامات بالعمالة والخيانة
وتنفيذ «أجندات» خارجية، باتت اللغة السائدة، سياسيا.. مجتمعنا،
المتوتر الأعصاب، يستجيب فورا، لأى استفزاز، وغالبا، تأتى
الاستجابة عشوائية، لا تعالج الأمور بمنطق عقلى، يهدف إلى تنوير
الجوانب المظلمة عند الآخر، ولكن يأتى الرد معتمدا على انفعالات
حادة، تحول المشكلة التى فى حجم رأس الدبوس، إلى خناقة حامية
الوطيس، غالبا، تنتهى إلى لا شىء، سوى جعجعة فارغة.
فى حالتنا، انطلقت التعليقات هنا وهناك، ولعل الأهم، موقف المجلس
المصرى لحقوق الإنسان، صاحب العديد من المواقف النزيهة، المتسمة
بالشجاعة والإنصاف، لكنه، فى هذه المرة، جانبه التوفيق مرتين.
الأولى حين أعلن أنه سيقوم برفع دعوى قضائية ضد الممثلة هند عاكف،
لما بدر منها هى والضيف الآخر ببرنامج أسرار تحت الكوبرى الذى
يقدمه الإعلامى طونى خليفة.. هنا، بدا المجلس الموقر أصغر من حجمه
كثيرا، فالمسألة، أصلا، لا تتجاوز خفوت الحس الإنسانى بالآخرين،
عند ممثلة محدودة الثقافة، تطمح لمنصب برلمانى مرموق.. المجلس
المصرى لحقوق الإنسان، بجلالة قدره، إذا نفذ ما توعد به، سيحشر
نفسه فى زمرة طالبى الشهرة من محامين يهرولون إلى المحاكم، ليرفعوا
دعاوى، ضد سفاسف الأمور.
شجب المجلس رفض هند لقدوم الجيران إلى المقطم، وسبب الشجب يضع
المجلس نفسه، فى خانة استعلاء الممثلة، فهو، فى معرض دفاعه عن
أهالى المنشية والدويقة، يقول إن من بينهم «رجال أعمال وفنانين
ورياضيين وضباطا ومهندسين وأطباء».. هنا، يطرح السؤال نفسه: لو أنه
لا يوجد أصحاب هذه المهن، فى المنطقتين، فهل هذا يعنى عدم تسلم
المهددين بالموت تحت حجارة المقطم لشقق بنيت من أجلهم؟.. ترى،
بماذا يجيب المصرى لحقوق الإنسان.
1980
وانت طالع
كمال رمزي
السبت 2 مايو 2015 - 9:05 ص
المقصود بالعنوان هو مواليد ما بعد هذا التاريخ، الشباب الذين
بلغوا، الآن، العشرين والثلاثين عاما، يعبرون عن أشواقهم وعنائهم
فى عرض مسرحى يعتمد على البطولة الجماعية، مبتعدا عن التقاليد
المعهودة للدراما، وإن جاءت بعض عناصره متشابهة مع تجارب «الكباريه
السياسى»، حيث عدم التقيد بالحكاية، ذات البداية والوسط والنهاية،
واستبدالها بلوحات أو اسكتشات متوالية، لا تخلو من غناء
واستعراضات، تشكل فيما بينهما لوحة عريضة لمجتمع ينقسم إلى عواجيز
راسخين، يتحكمون فى مسار الأمور، يتشبثون بمواقعهم، وجيل جديد،
يشكو، يحتج، يقف ضد النواهى والممنوعات، يثور، يحاول أن يعمل على
صنع مصيره.
ينتمى العرض، المتقد بروح الشباب، إلى «المسرح الفقير»، البعيد
تماما عن بذخ الديكورات، وإبهار الإضاءة، وتدفقات الموسيقى
التصويرية والمؤثرات الصوتية، فهنا، بإصرار، يأتى الرهان على
العنصر البشرى، فضلا عن نفاذ رؤيته للواقع، بملابساته المتغيرة،
التى يرصدها العرض، ليلة بعد أخرى، ويترك مساحة لإبداع الممثلين فى
ارتجاليات محسوبة بدقة.
محمود جمال، كاتب المسرحية النابه، اتجه بها نحو الكوميديا، معبرا
عن مزاج مصرى خالص. المصريون، عادة، يواجهون متاعبهم بالنكتة،
والتعليق الساخر، ويغلفون انتقاداتهم بالبسمة، والضحكة.. كاتبنا
الجديد، يعرف فضيلة الاختزال والتكثيف والايجار، يتمكن، فى دقائق
قليلة، من تقديم أبطاله، بلسان كل منهم، محددا، تاريخ ميلادهم،
ووضعهم الاجتماعى، والنفسى. إنهم، من أبناء الطبقة الوسطى، القلب
النابض لضمير الوطن.. سريعا، على نحو كاريكاتورى، يعبر الشباب عن
علاقاتهم المتوترة بحيل الآباء، الذين يريدون اخضاع الأبناء لسلسلة
من النواهى والممنوعات.. وها هم الأولاد، والبنات، بلمسات مرحة،
ساخرة، من دون تجريح أو تهكم، يقلدون تأنيب الأمهات، وتحذيرات
الآباء.
مخرج العرض، محمد جبر، المدرك تماما لكافة الكتيبة البشرية للفرقة،
ينتقل بسلاسة من لوحات المجاميع المتسقة إلى المشاهد الثنائية
والفردية، فلا تكاد تحس بالنقلات، ذلك ان العرض ينساب بنعومة، فضلا
عن تلك الحيوية الدافئة، سواء على المستوى الفردى أو الجماعى.
تطرح المسرحية، باسلوب كوميديا المواقف، المآزق الخاصة والنوعية
والعامة، التى يتعرض لها، هذا الجيل.. الخطيبان، المتحابان، يؤجلان
الارتباط، المرة تلو المرة، بسبب عدم توافر الشقة التى سيعيشان
فيها.. المفارقة تتبلور خلال ابتسامة الشاب المتكررة، هو يعلن
لحبيبته عن تأجيل الاقتران، عامين آخرين، حتى توفير شقة عسيرة
المنال.
لا يفوت العرض انتقاد قيم المجتمع الذكورى، المعادى للمرأة، التى
يريد الجميع قمعها، وتحريكها كما لو انها عروسة ماريونيت.
من الخاص، والنوعى، تتجه المسرحية نحو العام، وبذكاء، من الكاتب
والمخرج، تجرى أمامنا مكالمات تليفونية، مع وزارة الداخلية، للسماح
بمظاهرة سلمية، احتجاجية، فى ميدان التحرير، وتأتى الإجابة
المهذبة: الميدان محجوز من قبل، فثمة مظاهرات مؤيدة.
تصل
«1980....»
إلى آفاق بعيدة، وهى تعبر عن مخاوفها، أو قلقها، تجاه المستقبل، فى
لوحة تدور فى العام «2015» وتتضمن تحذيرا من تغول آفة الوراثة،
فالسندوتشات، من مطاعم «مؤمن»، والنجم الأثير هو حفيد أحمد حلمى،
والشاعر الملهم ليس سوى حفيد عبدالرحمن الأبنودى.
«البارودى»،
فى الكوميديا، هى المحاكاة الساخرة لأعمال جادة، وهى هنا، تأتى، فى
«اسكتش» بالغ الجرأة، يحاكى أعمالا كوميدية أصلا، فالفرقة كلها،
تتحول إلى أبطال أوبريت «الليلة الكبيرة»، ثم تحاك طرفا من طرائف
ثلاثى أضواء المسرح، وقد ارتدت المجموعة كلها جلابيب المجانين..
انه أمر يدفع للتفكير، أكثر من مرة.
فى واحد من الاسكتشات المهمة، المعبرة عن شىء من الحيرة، يتردد
شابان إزاء مواصلة الرحلة، لأن الأجواء ملبدة بالغيوم والضباب
والغموض، يفكران فى التراجع، لكن زملاءهما يلحقون بهما.. يختاران
المضى قدما.. فهيا. |