فيلم "الرعب" المصري "عزازيل ابن الشيطان" "2015" للمخرج رضا
الأحمدي عن سيناريو لـ"عمرو علي" لا ينتمي من حيث الشكل والمضمون
إلي نوعية "أفلام الرعب" الأمريكية. ولا إلي دراما التشويق
والإثارة.. إنه لا يُولّد رعباً ولا تحول أحداثه دون تسرب الملل
إلي المتفرج.. عمل ماسخ وبلا قوام.
إنه نوع من الأفلام المصرية التي أطلق عليها أفلام "جنس ثالث" لا
أرعبت "من رعب". ولا أثارت. ولا قدمت لدافع ثمن التذكرة مقابل
الوقت المهدر في الفرجة. ولا المال المدفوع بهدف المتعة الفنية أو
التسلية.
العمل يشارك فيه مجموعة من الهواة المبتدئون. لم يفلح أي منهم في
شـد الانتباه إلي موهبة فنية ما علي مستوي التمثيل. والتأليف
والإخراج..
باختصار عمل سينمائي لا بارد ولا ساخن. وإنما يدخل إلي منطقة وعرة
بدائية وهابطة يعكس شكلاً من الثقافة المتدنية. الكفيلة بشد
المجتمعات إلي الوراء.. فهو لا يناقش حكايات العفاريت والجن
والخرافات والأرواح الهائمة بهدف التصدي للخرافة. وإنما من أجل
تكريسها حتي لو إدّعي صُناع العمل بغير ذلك.
وأتصور أن "المصادفة" بريئة من وجود أكثر من عمل يحمل اسم "عزازيل"
الأول "2012" من تأليف أحمد أبوهيبة. وإخراج أمير شاكر وبطولة كمال
أبورية وآخرون.. والثاني الذي شاهدته هذا الأسبوع في صالة شبه
خالية بعنوان "عزازيل ابن الشيطان" والعنوان "عزازيل" في العملية
مأخوذ من رواية الدكتور يوسف زيدان المنشورة عام 2008 وحققت رواجا
ونجاحا نقديا وعالميا كبيرا.
أنا لا أتحدث -قطعا- عن أي تأثير للرواية علي المستوي الموضوعي
والفكري ولكني أشير فقط إلي "العنوان" الجذاب الذي لم يُستخدم في
أي فيلم عربي قبل ظهور الرواية. فما بمالك باستخدامه في فيلمين؟
لا أحد بمقدوره أن يزعم أن عنواني هذين العملين جاء بالصدفة. ولا
أحد يتجاسر من صُناع الفيلمين بالاقتراب من الرواية ذاتها لأنها
تتجاوز مقدرتهم علي إعادة إنتاج أدب رفيع.
وما يثير الانتباه فعلاً هو هذا الرواج الثقيل والمدمر لسيادة
التفكير اللاعقلاني. وحضور الخرافات التي انتشرت وطغت علي أعمال
اللهو الفنية ولا أقول الترفيه السينمائي الذي يكتسب مشروعيته من
أثره الحميد الذي يسلي دون أن يشوه. ويحقق الهروب الآمن. وليس إلي
عوالم الضياع والتخريف والهبوط إلي هوة الإنحراف حضاريا وفكريا.
فيلم "عزازيل ابن الشيطان" مجرد إطار لظواهر تصيب صحة المجتمع
وتجعله عليلاً فاقدا للأهلية عاجزا عن أن يتحرر من أثقاله الوراثية
الشائعة وفي مقدمتها الإيمان بالخرافة و"تديينها" "من الدين". أي
جعلها "سماوية".
متكئين علي اجتزاء آيات من الكتاب المقدس.. ومثل هذا الرواج لأفكار
من شأنها أن تشد أي مجتمع للوراء وتقف عثرة في طريق تقدمه لا يمكن
أن تكون مجرد مصادفة.. ومثل هذه الأعمال التي أراها من "النوع
الثالث" ضعيفة وشائهة وتقليد غير جاذب لنوع جاذب من الإنتاج
الأمريكي وصل إلي ذروة التأثير الجماهيري.. منذ أن بدأ اختراع
الغرب للصور المتحركة.
وقد ساعد التطور التكنولوجي والتقدم الهائل في مستويات التعبير
المرئي عن الخيال الإنساني مهما بلغ من الجموح. وكذلك شكلت
الشياطين والقوي الشريرة القادمة من المجهول. والقوي المتحولة
للحيوانات والأشباح. والموميات الفرعونية التي شكلت لوحدها فرعاً
من نوعية أفلام الرعب باعتبار أن "الفراعنة" تعتبر في الذهنية
المنتجة للرعب مصدرًا من مصادر الشرور الملعونة.
ولكن لم تفلح السينما المصرية حتي الآن في صنع أفلام "رعب" تثير
الرعب. ولم يفلح صُناعها علي اختلاف أجيالهم في انتاج نسخة مصرية
من هذه النوعية.. وظل فيلم الرعب الأمريكي "نموذجا" دون القدرة علي
محاكاته لأن هذا يقتضي مستوي من التطور الفني والتقني بأسلوب
استخدام المؤثرات الخاصة. وقبل ذلك في القدرة علي صناعة الخوف.
وتوظيف هذا العنصر الغريزي لطرح قضايا الواقع وهموم الإنسان
وصراعاته الوجودية من أجل البقاء والتفوق وسيادة الكوكب.. ثقافة
الخوف تختلف أصولها هنا عن أصولها في الغرب.
وفيلم "عزازيل ابن الشيطان" يتكيء علي نفس عناصر الفيلم التجاري
الاستهلاكي ولكن بأدوات هزيلة وفريق عمل تنقصه مقومات الإبداع
وشروط صناعة الرعب المرئي.
نساء الفيلم قبيحات. ليس علي مستوي الإبداع وشروط صناعة الرعب
المرئي "خِلقة ربنا" وإنما علي أسلوب إخراجهن لأنفسهن واستعراضهن
لمقومات لا تغري أحدًا ولا تقنع صاحب ذوق سليم وكذلك علي مستوي
الأداء التمثيلي واللغة.. أو علي مستوي التقليد للأفلام الأمريكية.
أما علي مستوي الخدع والإيحاء بالخوف ومشاهد خروج الشيطان أو مظاهر
تلبسه لإحدي شخصيات الفيلم فكلها محاولات ساذجة وخدع مضروبة
تجاوزها ذكاء المتفرج وخبرته في متابعة الأفلام.
هنا تتكرر مشاهد الطرب ويظهر المطرب الرِخم والمشاهد المطولة للفرح
الشعبي النمطي في الشارع وكذلك المشاهد المصوّرة لمشاهد حفل
"الهالوين" الأمريكية ثم قصة الحب التي جمعت بين المهاجرة المصرية
"ربي" التي عادت والشاب العاشق المصري ولقائهما بعد طول فراق.
حكاية رومانسية تدخل ضمن إعادة انتاج ماسخ وضعيف التأثير جداً من
حيث دفعه علي المشاهد..
أضف مشاهد تدخين الحشيش والحوار المبتذل عن "المزز" وراذحتهن
وزجاجات البيرة المتراصة في البيت المسكون.. إلي جانب شخصيات
الرجال "المسكونة" أيضا بالتخلف والخرافة والفن السوقي والأداء
الباهت.
وخطورة "أفلام الرعب" رغم ضعفها الشديد جدًا وبرغم شُـح الإنتاج
وعدم جماهيريته. خطورتها تعود إلي خلطها بالدين وإصرار صناعها علي
إقامة هذا الجسر الخرافي إلي غياهب التخلف والمعتقدات الخاطئة.
وتأصيل هذه المعتقدات في ذهنية جمهور يعاني من الأمية. ويقدس ما
لايصح تقديسه من أشكال الخرافة.
حاولت بعض الأفلام المصرية الفاشلة جماهيريًا وفنيًا أن تتصدي
للعلم واتهزم إنجازاته بالخرافة وباللعب الهزلي مع الشيطان. وبعضها
حاول أن يستعين بالخيال العلمي ولكنه في نهاية المطاف ينتصر
للثوابت من الأفكار الشائعة حتي لا تصاب البضاعة بالبوار.. ويفشل
الفيلم. ومع ذلك فشل.
السينما المصرية لم تنتج طوال تاريخها إلا عددًا محدودًا جدًا من
هذه النوعية "الرعب" ولم يتبق من هذه الأفلام في الوجدان الجمعي
لجماهير السينما إلا أفلام من نوعية "التعويذة" 1987 للمخرج محمد
شبل الذي فشل فيلمه "أنياب" من نفس النوعية. ولكن مع توظيفها لظروف
وظواهر الواقع الاجتماعي في مرحلة الانفتاح.
وفيلم "الإنس والجن" لمحمد راضي "1984" ومن عنوانه يمكن تصور
المادة الموضوعية التي اعتمد عليها والتي عالجها بالسطحية المتوقعة
وأيضا فيلم "استغاثة من العالم الآخر".
ما يميز الأفلام المسخ أو أفلام "النوع الثالث" : القُبح وإنتفاء
سمة الرُقي. والخلط الجاهل بين الأمور بدون تمييز. إنه فن "مخنث"
أو بالأحري مشوّه.. فالفيلم لم يفزعنا ولم يحقق لنا البهجة ولم
يترك لنا مساحة من التفاؤل بخصوص كل هذه الوجوه الجديدة التي شاركت
في صنعه. وأعادت نفس الشكل القديم بأسلوب أكثر تخلفاً وجمالياً
وموضوعياً وفنياً.
الأغنية الدرامية.. في الفيلم السينمائي**
"عل
صوتك بالغنا".. كتاب صغير الحجم .. كبير الفائدة
سينما 2015 تقدمها: خيرية البشلاوى
"علي
صوتك بالغنا" كتاب للدكتورة رانيا يحيي الأستاذة بأكاديمية الفنون
وعازفة الفلوت بدار الأوبرا المصرية.. والعنوان اسم لأغنية مشهورة
للفنان محمد منير.
الكتاب الذي يقع في 72 صفحة يقدم تحليلاً لدور الاغنية الدرامية في
الأعمال السينمائية التي شارك فيها المطرب النوبي الملقب
"بالملك".. ويتضمن كذلك توصيفا علميا أكاديمياً لعلاقة الفن السابع
بالطرب والمطربين الذين لعبوا أدوار البطولة في السينما المصرية
منذ بداية ظهور أولي الافلام السينمائية المصرية!
الكتاب برغم صفحاته المحدودة يقدم فائدة ومتعة غير محدودة بالنسبة
لعشاق السينما وللنقاد علي حد سواء.. بصورة أخص بالنسبة لعشاق
المطرب محمد منير الذي شارك في بطولة 12 فيلماً سينمائياً
وتلفزيونيا منها أفلام تدخل ضمن أفضل الانتاج السينمائِي المصري
مثل فيلم "حدوته مصرية" "1982" ليوسف شاهين و"الطوق والأسورة"
لخيري بشارة..
لعبت الاغنية الدرامية دورا مهما في تشكيل وعي الجمهور" بهذا السطر
تبدأ المؤلفة "مقدمة" الكتاب إذا تضع خطا واثقا تحت عنصر أساس من
عناصر الترفيه السينمائي مثلما يلعب الفيلم دورا في توطيد العلاقة
بين المطرب ومريديه حيث اقترن الغناء بالسينما مع باكورة دخول
الصوت إلي السينما وحتي وقتنا هذا فلا يخلو فيلم من الأفلام
المصرية من مطرب واغنية حتي صار الفيلم هو الوسيط الذي يتكئ عليه
المطرب في الوصول إلي الناس..
وهناك فارق كبير بين الاغنية الدرامية التي تدخل في بناء الفيلم
الدرامي. وتصبح خيطا رئيسيا في نسيجه الفني كما يوضح الكتاب وبين
الاغنية المحشورة حشرا لزيادة جرعة الترفيه الاستهلاكي.
محمد منير واحد من أهم الأصوات علي الساحة الفنية بلونه الغنائي
المنفرد الذي ينتمي لاهالينا الكرام بأرض النوبة.. وتعتبر القومية
النوبية التي يتحلي بها منير من أجمل خصائص صوته المميز الذي يحمل
عبق التراث بامتداد جذور نهر النيل.. بالإضافة إلي أن هذا الصوت
يتمتع بحالة من الدرامية في ادائه لكل ما يشدو به دون شريطة وجود
الأغنية داخل السياق الدرامي. بمعني أن اسلوب ادائه للاغنيات يتسم
بالدرامية الشديدة التي تخاطب عقل ووجدان المتلقين بصدق احساسه
وروعة تعبيراته ليخرج لنا لوحة غنائية تضاف لمعرض لوحاته الغنائية
شديدة الثراء..
وفي نهاية "المقدمة" تطرح المؤلفة سؤالا مهما: هل كانت الأغنية
الدرامية في عمر محمد منير الفني الذي يقارب الأربعة عقود مجرد
ظهور عابر يمر دون أثر أم أنه سيظل هو نفسه علامة من علامات الغناء
الدرامي؟؟
وفي إجابتها المطولة علي هذا السؤال تستعين الدكتورة الاكاديمية
بخبرتها ودراستها العلمية للموسيقي في الكشف عن خصائص الغناء
النوبي بملامحه واستخدامات ايقاعاته المركبة. التي تعتمد عليها
الاغنيات والرقصات الفردية والجماعية. وفي القاء الضوء علي
المقومات التي ينفرد بها اللون الغنائي الذي يقدمه ابن اسوان محمد
منير الذي ولد عام 1951. والذي منحه الله موهبة غنائية متميزة
استطاع أن ينفذ من خلالها إلي جمهور عريض من أقصي جنوب مصر إلي
شمالها.
وتتناول الكاتبة دور الصدفة في حياة منير وكانت عنصرا مهما في
بداية مشواره الفني عندما التقي مع مؤلف الاغاني الجنوبي مثله عبد
الرحيم منصور الذي أعجب بصوته وقدمه إلي الملحن النوبي الشهير أحمد
منيب الذي فتح له طاقات الابداع وتعاونا معا في مجموعة كبيرة من
الاعمال شكلت رحلة نجاح بدأت ولم ولن تنتهي.
وتؤكد الدكتورة الاكاديمية عازفة الفلوت أن محمد منير يعتبر قائد
ثورة التغيير في الأغنية المصرية من حيث هي مصدر الهام لكل جديد.
كما حمل صوته من التناقضات التي تجمع بين الأصالة الممتدة لحضارة
الماضي ومعاصرة المستقبل وأيضا المزج بين سحر الشرق وحرفية الغرب..
وتقول:
"إن
محمد منير ليس مجرد مطرب. ولكنه فنان مبدع فرضت اختياراته اللحنية
نفسها علي الوسط الفني . وكذلك عبرت أغنياته التي كان ينتقي
كلماتها من المخزون العقلي الحقيقي لكل سامع مع اختلاف بيئته
وظروفه وثقافته. بجانب ما يتمتع به صوته من جمال. فكان هو أكثر
مطرب علي الساحة إلماما ببواطن السياسة التي تناولها في أغنياته
بشكل غير مباشر. وكذلك القضايا الفلسفية التي إحتوتها جنبا إلي جنب
مع الأغنيات العاطفية والاجتماعية كاحتياج فني حقيقي لدي العامة
لذلك وصل إلي قاعدة عريضة من الجمهور العربي في وقت قصير حتي أصبح
هو "الملك" في نظر معجبيه.
ومنذ أن طرح محمد منير نفسه علي الجمهور في اواخر السبعينات وحتي
الآن وهو مستمر بلون مميز وفريد ولم يستطع مغن آخر السير علي نهجه
بهذا الاحتراف والابداع والتجديد من حيث التوفيق في اختيار الكلمات
واللحن بجانب موهبته الربانية.
ومن أهم مميزات مؤلفة هذا الكتاب أنها تعين القارئ علي استيعاب
التحليل العلمي الاكاديمي للموضوع الذي اختارته. فتجعل متعه
القراءة مركبة فنحن أمام ظاهرة جماهيرية كاسحة تتمثل في مطرب
نستمتع باغانيه ولكننا لا نتوقف أمام تصنيف طبقة صوته وطبيعته وسط
الأصوات الرجالية حيث تنقسم اصوات الرجال إلي ثلاث طبقات متدرجة من
الحدة إلي الغليظة وهذه الطبقات هي "التينور" التي ينتمي اليها صوت
محمد منير. ثم الباريتون واخيراً الباص.."
وعن سمات الغناء النوبي المتأصل في صوت منير يقول: أثرت البيئة
النوبية التي نشأ فيها منير وامتدت جذوره اليها علي اختياراته
الغنائية واسلوب غنائه الذي يمثل حالة ابداعية فريدة لم يستطع مغن
آخر مضاهاتها في منطقة النوبة التي تمتد حدودها الجغرافية من
السودان جنوبا وحتي اسوان شمالا.
ويعتبر الغناء والرقص النوبي أحد اهم مميزات الثقافة الشعبية
النوبية التي تتسم بالمحافظة علي تقاليدها التي تميزها عن غيرها من
ثقافات المنطقة ككل.
ومحمد منير حسب معطيات الكتاب ومادته الموضوعية الفنية ابن شرعي
طبيعي للثقافة الشعبية النوبية التي تعتبر الموسيقي والغناء النوبي
أهم مقوماتها والتي تمتلك خصائص فريدة منها جدية الموضوعات التي
تساير جميع المناسبات الدينية والاجتماعية والسياسية والتي تعتمد
بشكل أساسي علي الصوت البشري بدلا من الآلات والتي تقتصر عندهم علي
آلة الطنبورة الوترية ذات الخمسة أوتار وآلة الطار الايقاعي وآلتي
النفخ الخشبيتين الشرقيتين الطابع "الكوله والسلامية".
وبسبب الخصائص الدرامية المميزة لصوت محمد منير أصبح ضمن أكثر
المطربين الذين حققوا نجاحا من خلال الدراما. وأكثرهم جدية في
اختياراته للأفلام وموضوعاتها وفي اختيار كلمات الاغنيات التي
تنطوي علي قيمة فكرية ومضمون ومستوي تعبيري ولفظي حاد يبتعد كل
البعد عن الابتذال الذي عهدناه في العقدين الأخيرين تحديداً
وتتناول المؤلفة بالتحليل رصيد محمد منير كممثل ومطرب في 12 فيلما
سينمائيا حيث عمل مع يوسف شاهين الذي قدمه في أول فيلم سينمائي في
مشواره كممثل وهو فيلم "حدوته مصرية" 1982 وبعده "اليوم السادس"
1986 ثم "المصير" "1997"..
يوسف شاهين بحاسته الدرامية المرهفة وجد في محمد منير المطرب حالة
ابداعية قد لا تتوفر في مطربين آخرين وأغنية الفيلم تمثل -
المفروض.. البناء الوجداني والفكري والفلسفي والشحنات العاطفية
التي يمكن أن يستخلصها المشاهد من الفيلم وتعتبر ضمير كل المصريين
وإلي جانب الدور الذي لعبته الاغنية الدرامية في افلام يوسف شاهين
ساهم منير بأغنياته في اثراء افلام لمخرجين مجددين مثل خيري بشارة
في "الطوق والاسورة" "1986" ويوم حلو ويوم مر "1988" ومع انعام
محمد علي في "حكايات الغريب" "1992" ويوسف فرانسيس في فيلم "البحث
عن توت عنخ أمون" وجوسيلن صعب في فيلم "دنيا" 2006 وخاله الحجر في
فيلم "مفيش غير كده" 2007 ومع محسن محيي الدين في "شباب علي كف
عفريت" "1990" وعلاء كريم في فيلم "اشتباه"
قراءة التحليل القيم لدور الاغنية في هذه الاعمال والكلمات
المختارة وانواع الآلات الموسيقية المستخدمة للتعبير عن المواقف
الدرامية والحالة الدرامية التي عبر عنها محمد منير بصوته .. هذه
القراءة التي قدمتها الدكتورة رانيا يحيي تجعلك متشوقاً لمشاهدة
ثانية أو ثالثة لهذه الاعمال حتي يزداد وعيك بأثر الاغنية ودور
المطرب في تعميق الحدث الدرامي وابراز معانيه مثلما تزداد قدرتك
علي التمييز بين مطرب لا غني عنه وآخر يتم اقحامه في سياق العمل
دون ضرورة درامية..
**
الكتاب يعتبر ضمن أفضل ما قدمته الجمعية المصرية لكتاب ونقاد
السينما في مهرجان الاسكندرية الاخير .2014
رنات
الحضور الإسرائيلي لفلسطين!!
بقلم: خيرية البشلاوى
سبعة وستون عاما مرت علي نكبة فلسطين والسينما العربية في حالة
موات.. فلا حس ولا خبر.
انتفاضات عربية عقيمة تقمعها الدولة الصهيونية وفنانون عرب في
الشتات يصنعون أفلاما عن الوطن السليب بأموال الغرب الذي لعب الدور
الرئيسي الوحيد في إقامة الكيان السرطاني الذي يسري في العلن وفي
الخفاء بأسلحة فتاكة يقاتل ويحتل ويسحق البشر والزرع ويقيم
المستوطنات علي الأرض بينما جماعات من أهل البلاد تنفذ بوعي أحلامه
في التوسع.
الصورة في 2015 أكثر تعقيداً وأشد إثارة لمشاعر الإحباط والمرارة.
ان الإشارة الوحيدة لفلسطين جاءت في فيلم أمريكي منذ يومين ومن
خلال عمل شارك في مهرجان كان المنعقد حاليا بعنوان "حكاية حب
وظلام" أول أفلام الممثلة اليهودية الاسرائيلية ـ الأمريكية ناتالي
بورتمان "مواليد اسرائيل عام 1981" وهي حائزة علي عدة جوائز كممثلة
عن دورها في أفلام "قريب" و"البجعة السوداء" وفيلمها المشارك الآن
في معمعة "كان" يعتبر الأول لها كمخرجة.
والفيلم حسب "القطفة" الأولي من كتابات النقاد الذين شاهدوه في
المهرجان الفرنسي الأشهر تري الفيلم بمثابة رسالة حب لإسرائيل موطن
المخرجة ومسقط رأسها التي عاشت فيها حتي سن الثالثة قبل أن تنتقل
مع أسرتها إلي أمريكا.. والفيلم عن رواية لأشهر روائي اسرائيل
"أموس أوز" عاش في اسرائيل وارتبط وجدانيا بالحلم الصهيوني وكروائي
مبدع تابع مسار ذلك الحلم وراقب اسلوب تحققه علي الأرض الفلسطينية
وكان من أوائل اليهود الصهاينة الذين رأوا امكانية ان الأرض
الفلسطينية تتسع لدولتين ولكن الواقع شديد التعقيد والنظرة
الصهيونية لحكام الأرض المغتصبة ترفض أي حلول تحيد عن حدود الحلم
الصهيوني اضافة إلي أن القوي الاستعمارية التي زرعت اسرائيل لم
تحقق بعد أحلام التوسع والسيطرة الكاملة علي هذه المنطقة من كوكب
الأرض حسب مخططاتها.
ناتالي بورتمان "34 سنة" تصور حياة المؤلف الذي يرسم سنوات طفولته
وشبابه مع أسرته التي تعاني من علاقة مضطربة ووسط العرب ومع التوتر
المتزايد في العلاقة بينهم وبين اليهود الصهاينة حتي قامت حرب
يونية وجري ما جري.
المؤلف خدم في الكبوتس الاسرائيلي وفي المؤسسة العسكرية التي خاضت
الحرب ضد العرب وتمارس أنواع الإذلال للأهالي أصحاب الأرض
الحقيقيين ولديه منظوره لهذا الصراع المحتدم والذي لا يبدو له
نهاية وشيكة. منظوره الذي ينطلق من موقف يساري انساني.
والممثلة التي خاضت تجربة الإخراج لأول مرة قدمت صورة لفلسطين
باعتبارها الوطن الأم وللصراع داخلها بانحياز حتمي للجانب الصهيوني
وللحلم الذي لم يتحقق بعد.
كثيرون رأوا ان الممثلة اليهودية في فيلمها الأول تشبه الممثلة
الأمريكية انجلينا جولي في أول أفلامها كمخرجة "أرض الدم والعسل"
الذي عالجت فيه جانبا من مأساة الحرب البوسنية وانعكاساتها علي
المرأة هناك وصورت الوحشية المفرطة للممارسات التي تمت فوق هذه
الأرض.
والفارق الذي لا يمكن أن يغيب ان "بورتمان" في أول فيلم لها تعود
إلي "الوطن" الذي ولدت فيه وتقدم من خلال منظورها الشخصي رواية
اسرائيلية لكاتب معاصر يعيش في اسرائيل ويتابع ما يدور علي أرضها.
بينما الممثلة الأمريكية ذهبت إلي البوسنة وزارت مواقع الحرب من
منظور انساني خالص ومن أجل إدانة الحرب وتداعياتها وكذلك العنف
الوحشي الذي ألقي بظلاله الكئيبة علي المنطقة بأسرها.
القضية الفلسطينية حاضرة في "كان" ولكن من المنظور الاسرائيلي وفي
أكثر المحافل الفنية الإعلامية والدعائية والتجارية صخبا وإثارة
وانتشارا عبر آلاف الحضور من الإعلاميين ومن الوسائل التكنولوجية
الحديثة وعبر المنابر المرشوقة في كل ركن من أركان المدينة الصغيرة
وتتوجه إلي كل ركن من أركان المعمورة!!
**
عندما تتحرك الصورة الثابتة للاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ومعها
تتحرك ضمائر صناع الرأي حينئذ يمكن أن نأمل بتحرير الأرض وإزاحة
آثار "النكبة". |