دليل الشيطان إلى هوليوود:
نصائح أسطى في فن السيناريو (2)
بلال فضل – التقرير
استئنافًا لحلقة الأمس، أواصل نشر نصائح كاتب السيناريو الأمريكي
الشهير جو إيزسترهاس للراغبين في كتابة السيناريو، والتي جاءت في
أحد فصول كتابه الممتع (دليل الشيطان إلى هوليوود)، والتي من المهم
التنبيه إلى أنها نصائح، لا يمكن فصلها عن تجربة جو نفسه كواحد من
أنجح كتاب السينما في هوليوود؛ ولذلك لن تنطبق نصائحه على من يكتب
أفلامًا لا تهتم بالبناء الهوليوودي الذي يجذب انتباه الجمهور، أو
من تستهويه السينما المستقلة المتمردة على الأعراف السينمائية
الهوليوودية، ومع أن كل نصيحة في النهاية لا تمثل سوى اقتراح فردي،
يمكن أن يصيب أو يخيب، لكن نصائح جو إيزسترهاس تظل مهمة في تأمل
طريقة صنع الفيلم الهوليوودي الأكثر نجاحًا حول العالم عبر تاريخ
السينما، كما أنها تظل مهمة لأي كاتب أيًا كان نوع ما يكتبه، من
حيث تحفيزه على عملية الكتابة نفسها، والتخلص من مشاكلها
التقليدية. يقول جو إيزسترهاس في كتابه مازجًا بين النصائح العملية
التفصيلية، والنصائح النظرية العامة:
ـ لا تعتقد أنك أفضل من جمهورك.
ـ “يجب أن تكون الصفحة الواحدة دقيقة واحدة على الشاشة”. هكذا
يقولون لك، لكن نصيحتي: لا تهتم بهذا الأمر في المسودة الأولى
للسيناريو.
ـ لا تضع الندى على زهور الأوركيد؛ لا تتعامل بعاطفية مفرطة، ذات
مرة سأل أحد الصحفيين وليام فولكنر: “ما الخطأ في العاطفية؟“، قال:
“يخشاها الناس“.
ـ لا تستخدم التعليق الصوتي إلا للضرورة القصوى؛ يرى معظم المنتجين
أن التعليق الصوتي هو “قبلة الموت”، يتم استخدامه فقط إذا كان بناء
الفيلم لا يتناغم مع بعضه البعض. وإذا سمعت تعليقًا صوتيًا في أحد
الأفلام، فمن المحتمل أن يكون مؤشرًا على أن الفيلم كان ومازال
يعاني من مشكلة إبداعية كبيرة.
ـ كيف يمكن التعامل مع توقف الإلهام والكتابة؟ حجرة الفندق هي
الحل.
ـ أعد قراءة كل صباح ما كتبته في الليلة الماضية؛ أول شيء يجب أن
تفعله في الصباح، قبل بدء كتابة اليوم، هو قراءة ما كتبته ولا تقم
بتعديله، اقرأ مرتين فقط لتضع نفسك في نفس المزاج الذي كنت عليه
عند الكتابة. وعند وصولك لكتابة النهاية، أعد قراءة النص كاملًا كل
صباح قبل الكتابة؛ فإن هذا بالفعل يقودني إلى النهاية.
ـ لا تقلق من كتابة الكثير في يوم واحد؛ كتب بين هيتش في بعض
الأحيان نصوصًا كاملة في ثلاثة أو أربعة أيام. أنا لست من أنصار
الكتابة السريعة، لكنني من أنصار قلة عدد أيام الكتابة؛ بحيث أكتب
نحو 20 إلى 30 صفحة في اليوم الواحد، حتى أكون قادرًا على مواصلة
السماع لأصوات شخصياتي.
ـ حاول أن تحرص على كتابة ست صفحات يوميًا؛ إذا كنت تشعر بقدرتك
على المواصلة، لا تأخذ عطلة نهاية الأسبوع راحة لك، فقط واصل
الكتابة، وحاول أن تشرح لأحبابك وأصحابك لماذا تفعل هذا، حتى وإن
لم يفهموا وابتعدوا عنك، تجاهلهم واستمر في الكتابة. ومن جهة أخرى،
إذا لم تشعر بأنك لا تستطيع المواصلة، خذ راحة عطلة الأسبوع وأنعش
ذهنك.
ـ لا تكتب متعجلًا أو متعاطيًا للمخدرات؛ فإن هذا سيؤثر على تناغم
مشاهدك، كما إن حالة الغضب الشديدة والسرعة المفرطة التي تكون
عليها بسبب المخدرات، ستسلبك تناغم الكتابة، فلقد جربت هذا بنفسي.
لا تكتب وأنت تتعاطى المشروبات الكحولية، أو حتى السجائر، فقد كنت
كذلك واعتدت على حب الكتابة أثناء تناول القهوة والكونياك والسجائر
التي لا تنتهي. ومنذ أن أحببت الكتابة، ودائمًا ما أكتب وأنا أدخن
الكثير والكثير من السجائر، وأتناول الكونياك أكثر وأكثر. وكانت
النتيجة أنني فقدت 80% من الحنجرة وأسعل لمدة ساعة كل صباح حتى
أخرج البلغم المتبقي في الحلق.
ـ لا تفكر في الميزانية؛ بحكم خبرتي، إذا كتبت نصًا جيدًا بالفعل،
فإن المنتجين سيغدقوا عليك الأموال بطريقة أو بأخرى لإنتاج الفيلم.
فلا يجب أن تتحكم الميزانية في نصك، ولكن يتحكم نصك في الميزانية.
ـ أطلق لخيالك العنان؛ لا تقلق على كيفية تصوير أي شيء كتبته، فمع
التقدم التقني الحديث، أصبح كل شيء يمكن تصويره.
ـ لا تكتب عن زوايا الكاميرا داخل نصك، ولا تذكر وجهة نظرك أيضًا،
ولا تفعل كل ما يجب على المخرج فعله، دعه يكسب أجره بفعل شيء ما.
ـ لا تطلب أن يطري أحدهم على نصك؛ يرى الكثير من مديري شركات
الإنتاج أن النص ليس لعبة كرة قدم أو بيسبول أو سلة، فإذا كانت
القصة ساحرة بالقدر الكافي، وكان العالم الذي تجسده خلابًا،
وشخصياتها مثيرة للاهتمام ومعقدة في نفس الوقت، فأنت لست في حاجة
لأن يشير أحدهم إلى عظمة عملك في كل مرة يذكره فيها، أشير إلى فيلم
(غريزة أساسية) باعتباره أفضل مثال، كانت الشخصيتان الرئيستان
معيبتين وغير مثيرتين للاهتمام، ولكن الفيلم استطاع أن يكون أفضل
فيلم في عامه، وحقق حوالي نصف مليار دولار. وإذا أخبرتني أن هذا
المال تحقق بسبب المشاهد الإباحية، سأقول لك إنه حتى شارون ستون
التي تشترط أجرًا عاليًا لتجسد مثل هذه المشاهد، ستختلف معك في أمر
كهذا.
ـ اصنع المشهد الواحد بنفس طريقة صناعة النص كله؛ يجب أن يكون
للمشهد بداية ووسط ونهاية، ونهاية المشهد يجب أن يكون لها نفس
تأثير نهاية النص.
ـ قاعدة قديمة: إذا كان السيناريو طويلًا، فيمكنك تقليصه، وإذا لم
يكن كذلك فهنا تكمن المشكلة.
ـ لا تعرض السيناريو أثناء كتابته على أحد؛ لا تخبر أحدًا عن ما
تكتبه كل يوم، فهذا أمر يخصك، كن أنت “إله” إلهامك؛ فلا تشوش عليه
بأي شيء؛ حتى وإن كان هذا الشيء مخرج أفلامك أو المنتج أو وكيل
أعمالك. وفقط عندما تنتهي من كتابة النص، يمكنك أن تعرضه على من
ترغب.
ـ كلما كانت قراءة النص أسهل، كلما كان أفضل؛ يعتقد الكثيرون من
مديري شركات الإنتاج الذين قابلتهم في حياتي بأنهم إذا استغرقوا
أكثر من 45 دقيقة في قراءة أي نص، فإن ذلك النص ليس جيدًا. وإذا
نظرنا إلى معظم مديري شركات الإنتاج الذين قابلتهم، سنجد أنهم
بطيئون في القراءة، وليس من الضروري أن يحركوا شفاههم عند القراءة.
ـ “مجموعة عظام متماسكة”، هذا هو باختصار وصف النص السينمائي الجيد
التركيب؛ إنه النص الذي له عمود فقري قوي.
ـ لا تحبس نفسك داخل النهاية؛ عندما تكتب ستضح لك النهاية
تدريجيًا، وكأنها سفينة تخرج من وسط الضباب. ولكن، عليك أن تفكر في
أكثر من نهاية، فقد تكون السفينة التي شقت الضباب هي السفينة
الخاطئة. يتفق معي المخرج وليام وييلر حين يقول: “يكتب الكثير من
الكتّاب بدايات رائعة لقصصهم. ولكن، الأهم هو النهاية الجيدة؛ لأن
معظم القصص تفتقر إلى النهايات الجيدة“.
ـ نفذ نصيحة مايك تايسون حرفيًا؛ يقول هذا البطل العظيم السابق:
“يود الناس أن يكذب المؤلفون عليهم، يريدون أن يروا أمامهم شخصيات
بطولية؛ فالناس لا تريد أن تصدق أن معبوديهم هؤلاء أكذوبة”.
ـ ابدأ بالشخصية لا الحبكة؛ يقول الروائي فلانيزي أوكونيل:
“الشخصية هي التي تصنع أحداث القصة في معظم القصص الجيدة. فإذا
بدأت بشخصية حقيقية، فإن شيئًا جيدًا سيحدث”.
ـ قلب الشخصية: ما الذي يجعل شخصيتك مميزة؟، إنه سؤال صعب، خاصة
إذا تم توجيهه إليك من المنتج أو المخرج أو مدير شركة الإنتاج
والممثلين، ساعتها حاول أن تجمع بين ما قاله فرويد وشكسبير
وهوميروس عن الشخصية المتميزة.
ـ لست الوحيد الذي يعاني مشكلة مع الحبكة الدرامية. يقول ألفين
سارجينت الحائز على جائزة أوسكار عن فيلم “The
Way We Were”:
“عندما أموت سيُكتب على قبري: وأخيرًا، ها هي الحبكة الروائية”.
ـ كيف تتعامل مع انقطاع الإلهام والتوقف عن الكتابة: “الشلّوت هو
الحل”. هذا الأمر يفلح معي، عندما يحدث معي ذلك التوقف المفاجئ،
وأنا في الصفحة السابعة والخمسين، أعود مرة أخرى للصفحة الأولى،
وأعيد كتابة كل شيء، وأثناء إعادتي لكتابة النص، أكتشف بعض الثغرات
في النص، وأفهم لماذا قمت بها، وبقيامي بالتعديلات عليها أعيد
الكتابة، فأجدني وقد استعدت قدرتي على الكتابة، فأعرف أنه أمر مرهق
وشاق، أن أعود مرة أخرى للصفحة الأولى، ولكنه دائمًا يستحق العناء.
ـ الشخصية هي كل شيء؛ يقول الروائي والكاتب السينمائي لاري
ماكميرتري: “تفتقر الأفلام اليوم إلى الاهتمام بالشخصية، بدليل أن
أشهر وأهم شخصيتين في تاريخ السينما الآن هما سمك القرش والقرد
الميكانيكي”.
ـ استمع لأصوات شخصياتك؛ يقول الكاتب الروائي العظيم وليام فولكنر
الذي عمل في كتابة السيناريو أيضًا: “أنا استمع إلى الأصوات التي
تهمس في ذهني، فأكتب ما تمليه عليّ. فأحيانا أجدها على صواب، بينما
لا يعجبني قولها في أحيان أخرى، ولكني لا أغيره”.
ـ دع شخصيتك تحيا؛ يجب أن ترسم خطة لقصتك، ولكن خطة عامة غير واضحة
المعالم. دع شخصياتك تتحدث إليك وتحدد طريقها في إطار الخطة التي
رسمتها. وستعرف بأنك تمشي على الطريق الصحيح، عندما تشق شخصياتك
طريقها وتملي عليك أفعالها التي قد تتدفق سريعًا في بعض؛ عندما
تتحدث شخصياتك بالتفصيل، وتجول الكلمات والصور في عقلك (دون أن
تتعاطى أي مخدرات).
ـ افهم قصتك جيدًا، ومَكِّن شخوصك من الحياة على الشاشة. اكتب عن
البشر لا المشاهد. تقول الروائية يدورا ويلتي: “مع الزمن تغير
منظوري الذي أرى العالم من خلاله، فأصبحت أرى أن الموقف أعظم من
المشهد، والفعل أعظم من الموقف، ولكن أعظم ما في الأمر هو الإنسان
الذي لا نستطيع أبدًا وضعه داخل أي إطار“.
ـ لا تجعل نصك لطيفًا أكثر من اللازم؛ لا تتعمد جعل شخصياتك محط
إعجاب وتعاطف الجمهور في محاولة لجني الإيرادات؛ فإن الجمهور ليس
غبيًا وسيعرف أن هذا هراء موجّه من الشاشة.
ـ دع شخصياتك على طبيعتها ولا تجعلها تشاركك آراءك ومعتقداتك؛ ظل
ويليام فولكنر طيلة عمره يردد عبارة “ذات مرة قالت شخصية من
شخصياتي“.
ـ لا ترهق شخصيتك الأساسية بالكثير من قصص الماضي؛ الحالة الوحيدة
التي يجب أن تستخدم فيها القصص التي حدثت لشخصيتك في الماضي، هي
إذا كانت الحبكة الدرامية متعلقة بتلك القصص، وهذا ما يحدث عادة في
الأفلام البوليسية، ومع ذلك، فإن شخصية الممثل قد تعطي لك كل تاريخ
الشخصية الذي تحتاجه.
ويتم وضع هذا في الاعتبار عند تحديد أجر الممثل؛ فإنهم يصنعون
الإدراك العام لشخصياتك داخل الشخصية التي صنعتها، كما إن كلمة
“إدراك” أساسية وجوهرية هنا، فعلى سبيل المثال، لا يهم إذا كان من
يقوم بتجسيد الشخصية الرومانسية التي رسمتها ممثل مثلي جنسيًا،
طالما أنه أمر غير معروف عنه، وطالما أن الإدراك العام له هو أنه
روميو ومحب للجنس الآخر. وبالفعل، فإن في هوليوود بعض المثليين
يحبون الجنس الخشن، ومع ذلك فهم متزوجون ولديهم أطفال، حفاظًا على
ذلك “الإدراك العام” وحفاظًا على صورتهم الإيجابية أمام الجمهور.
ـ خذ وقتك لتظهر شخصيتك الأساسية؛ طالما أنك لا تكتب نصًا
تليفزيونيًا ساذجًا، فلا تخبرني بكل ما أريد أن أعرفه عن الشخصية
الأساسية في أول عشر دقائق. كن حريصًا على مفاجأة المشاهد ببعض
التحولات الطفيفة والجوانب غير المكتشفة في الشخصية، حتى تصل إلى
بداية الفصل الثالث؛ فعندها فقط يجب أن تكون الشخصية الرئيسة
محددة المعالم كاملة.
ـ العضلة العاصرة؛ إن الشخصية التي تعطي الروح الفكاهية للعمل
الدرامي، هي بمثابة العضلة العاصرة في جسم الإنسان. على سبيل
المثال، شخصية سام رانسوم الذي لعب دوره روبرت لوجيا، كانت العضلة
العاصرة في فيلمي
Jagged Edge،
وقد لعب الدور بشكل جيد، لا يمكن تخيل الفيلم بدونه.
ـ لا تكتب نصًا مشوهًا؛ حتى إذا كانت المشاهد التي تظهر فيها
الشخصيات، سيتم التخلص منها في المونتاج من أجل الميزانية والوقت،
فلا تتنازل أبدًا في نسختك النهائية، عن كتابة تلك المشاهد التي
أعطيتها من قلبك الكثير، فإن هذه المشاهد هي التي تضيف عمقًا لنصك،
وإن لم تفعل سيكون الفيلم عبارة عن أحداث تتسارع بعضها تلو الآخر.
ـ أهم جزء في السيناريو، هو لحظات ذروة الأحداث، التي تؤدي إلى
لحظة التنفيس وعواطف الشخصية.
ـ لا تظهر الشخصيات وهي تدخن في نصك؛ نظرا لأني كنت أدخن لعدة
سنوات بحيث أستهلك أربع علب سجائر يوميًا. ولأنني كنت أرى أن
التدخين منشط، فقد كنت أستاء دائمًا من تلك الهجمات الموجهة ضدي،
لإظهاري شخصيات أفلامي من المدخنين، لم أكن أظن أن أفلامي هذه قد
تزيد من معدل التدخين داخل المدخنين، ولا حتى أنها قد تكون سببًا
في تبني بعض الشباب هذه العادة السيئة، ولكن بعد ذلك أصبت بمرض
سرطان الحلق واعتبرت أن المرض كان عقابًا شخصيًا لي؛ لأنني سمحت
لنفسي بتزيين صورة المدخن على الشاشة. لا تجعل هذا مصيرك فإني
جعلته مصيري.
ـ دعنا نكرر هذا: يقول كيرك دوجلاس: “جعلتني هوليوود مدخنًا ووضعت
السيجارة في يدي. نحن لا نعرف كم الذين بدؤوا التدخين بسبب ما
يرونه على الشاشة؟ فكثير من الأفلام تقوم بتعظيم فعل التدخين، ولا
يجب أن تكون هذه هي الطريقة التي نقدم بها التدخين على الشاشة“.
ـ الصراع يعني العمود الفقري للنص؛ أهم عنصر من عناصر العمود
الفقري لنصك هو الصراع والاضطراب الدرامي الناجم عنه. وبدون
التمهيد للصراع، لا يمكن أن تجذب انتباه جمهورك؛ فإذا لم تقدم لذلك
الصراع جيدًا، فسيشعر الجمهور بعدم الراحة وسيتركوا كل ما كتبته
بقلبك وروحك، ويذهبون إلى الحمام أو إلى أماكن شراء الحلوى
بالسينما بدلًا من مشاهدة الفيلم، ولا يشترط أن يكون الصراع جسديًا
ولكن يمكن أن يكون ذهنيًا، ومن الممكن أن يكون الصراع ضعيفًا
وطفيفًا ولكن يجب أن يكون موجودًا دائمًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكنك
دمج الصراع مع مشاهد التشويق، لتخلق توليفة رائعة تجذب وتسلي
جمهورك، لقد فعلت هذا الأمر في كل من “Betrayed”
و”Jagged Edged”
و”Basic
Instinct”
فكان هناك صراع بين توم بيرنيجر ودبرا وينجر، وبين جيف بريدجز
وجلين كلوز، فضلًا عن مايكل دوجلاس وشارون ستون؛ حيث أدى الصراع
إلى جذب المشاهد، وأصبحت المشاهد التشويقية جزءًا من الصراع.
من أشد أنواع الصراعات صعوبة: عندما يكون القلب في صراع مع النفس
ويتمزق القلب، في فيلم “Betrayed”
وقعت دبرا في حب توم حتى عندما كانت تعرف أنه قاتل من “النازيين
الجدد”، فقتلته وأطلقت النار على جزء من قلبها؛ وفي “Jagged
Edged”
وقعت جلين في حب جيف وأنقذته بمهاراتها وقوتها التي اكتسبتها من
السجن ثم اكتشفت بأنه قاتل، وكان يستغلها طوال الوقت. أما في فيلم
“Music
box”،
فلقد رأينا المرأة التي تحب والدها المهاجر وتحاول أن تحمي ابنها،
من وحشية وعنصرية والدها وأفكاره المسممة.
ـ الدافع الحتمي: إن ما يدعوك حقًا للكتابة هو الدافع الذي يعطيك
القوة، وهو ما يجعل بطل عملك يجتهد حتى يصل لما تريده أنت.
ـ نغمة الكتابة هي كل شيء؛ إن النغمة التي تتبناها في كتابتك هي
أكثر أهمية من تركيب و بناء نص السيناريو نفسه. إنها مفتاح نجاح
السيناريو الذي تكتبه. و إذا لم تظهر تلك النغمة، فإن فيلمك لن
يكتب له النجاح. ليس مهمًا كيف كان تركيب السيناريو محكمًا، ولا
كيف كان الحوار محددًا، فإن نصك هو رهن لنغمته. ومن واقع خبرتي،
فإن الوصول إلى النغمة المثالية لأي نص، يأتي بعد إعادة الكتابة
والتعديل. إن هذا الأمر يشبه كثيرًا اختيار درجة علو الصوت المثلى
في جهاز “مجسم الصوت”، أو اختيار درجة علو الصوت لدى أحد الممثلين
على المسرح: فإذا كان منخفضًا نوعًا ما، فعندها يبوء الأمر برمته
بالفشل.
ـ اجتهد واتعب في كتابة الفصل الثاني من السيناريو؛ إن كتابة الفصل
الثاني هي الأصعب؛ وذلك لأنه في الفصل الأول والثالث، تكون
الاحتمالات الدرامية متوقعة وجاهزة بالفعل في خيال الكاتب. بينما
في الفصل الثاني عليك أن تقوم بتحريك الشخصيات والأحداث بأسرع ما
يمكن. وعندما كنت أقتطع أنا والمخرج ريتشارد ماركوند أجزاء من فيلم
Jagged Edge
لعرضه على عينة من الجمهور قبل إطلاقه، كانت دائمًا ردود أفعال
الجمهور محبطة وتدعو للاكتئاب. ولكن، عند اقتطاعنا ثماني دقائق من
الفصل الثاني من الفيلم، ضج المكان في نهاية العرض الذي تلا ذلك،
بالتهليل والتصفيق.
ـ مشهد تشويق: إذا كانت أحداث السيناريو الذي تقوم بكتابته تتحرك
ببطء، فأنت بحاجة إلى حقن السيناريو بمشهد مشوق ومثير؛ يعمل على
إفراز أدرينالين المشاهد.
ـ لا تقلق بشأن نهاية الفصل الأول والفصل الثاني من السيناريو؛ أنت
لا تحتاج لتلك النهايات. كل ما عليك أن تتبع طريقة الفصول الثلاثة،
وليس عليك أن توجد لكل فصل نهاية. أنت بحاجة إلى نهاية واحدة،
نهاية واحدة فقط، في نهاية الفيلم. هل تركت نهاية قصتك نهاية
مفتوحة؟، هل وصلت قصتك للذروة؟ هل كانت قصتك محكمة البناء؟
– لا تخشَ الالتباس؛ يرجع الفضل في تلك النهاية الملتبسة لفيلم
(جسر على نهر كواي) إلى المخرج سام سبيجل، والذي كان يؤمن بأنه
“يجب أن يختار الجمهور النهاية“، كما أن المنتج دايفيد سيلزينك
يؤمن أيضًا بالنهايات المفتوحة؛ فكان يقول دائمًا: “دع الجمهور
يكتب النهاية”.
ـ النهايات المفتوحة تجلب لك الكثير من الأموال أيضًا؛ أظهرت
استطلاعات الرأي بعد نجاح فيلم (غريزة أساسية)، أن الكثيرين ذهبوا
ليشاهدو الفيلم مرتين أو ثلاث مرات؛ لأنهم كانوا يدخلون في مناقشات
وجدالات حول من هو القاتل في الفيلم. وقد كنت أُسأل حول نهاية
الفيلم من قبل الأشخاص الذين يميزون أنني كاتب الفيلم: “كاثرين هي
القاتلة، أليس كذلك؟“، أو “كاثرين لم تقتل أحدًا، أليس كذلك؟”،
وكان ردي على كل من يسألني أسئلة من هذا القبيل اذهب وشاهد الفيلم
مرة أخرى، وكن أكثر تركيزًا؛ فهنالك مفتاح لذلك اللغز قرب نهاية
الفيلم وهو ما سيجيب على كل الأسئلة التي تدور برأسك.
وإذا لم تعرف من القاتل، اذهب وشاهده مرة أخرى، أنا لست في حاجة
لأن أقول بأن هناك بعض المفاتيح تحل لغز النهاية، لكن مع كل تذكرة
إضافية تباع، ستربح أموالًا أكثر. ولكن في نفس الوقت، عليك أن تعلم
إذا كنت تريد أن تبيع السيناريو الخاص بك، ستكون هناك مخاطرة في
النهاية المفتوحة.
لقد كان مايكل دوجلاس بطل الفيلم معترضًا على النهاية الملتبسة
للفيلم، فلقد كان يريد أن ينتهي الفيلم بمقتل شارون ستون. وقال إن
الفيلم “ ينقصه عقاب المسيء”، وسيفشل في حصد الإيرادات المرجوة،
ولم تعجب النهاية الملتبسة شركة الإنتاج أيضًا، ويرجع الفضل في
بقاء نهاية الفيلم دون تغيير إلى المخرج بول فيرهوفين؛ فقد كان يرى
أنه لن يسمح بأن تتأثر قصة الفيلم ونهايته بالمزاج العام للجمهور
.
نكمل الأربعاء القادم بإذن الله.
“?They shoot horses.. Don’t they”..
مأساة تتكرر بانتظام
أفنان فهيد – التقرير
قتْلُ الجياد، جريمة ترتكب في حق الجياد الطاعنة في السن. تلك التي
تستطيع المضي قُدمًا في مهامها اليومية، فيُطلقها مالكها في الحقول
لتركض لآخر مرة في حياتها. فالانطلاقة الأخيرة التي يسمح بها
القاتل ما هي إلا تنفيسة، يعتقد بها الجواد أن في استطاعته المضي
قُدمًا في حياته، وأنه في مأمن من غدر مالكه. ولكنه ما يلبث أن
ينهكه التعب ليرجو صاحبه أن يطلق عليه رصاصة الرحمة؛ ويرفع عنه
العناء.
“?They
Shoot horses, Don’t they”،
فيلم من كلاسيكيات السينما الأمريكية، مأخوذ عن رواية بنفس الاسم
للمؤلف Horace
McCoy، والتي
نشرت لأول مرة عام 1935. وتم تحويلها إلى فيلم عام 1969، وقام
بكتابة السيناريو كل من James
Poe وRobert
E. Thompson، أما
الإخراج فكان من نصيب Sydney
Pollack.
يبدأ الفيلم بمشهد لحصان يركض وطفل يلعب معه، قبل أن يوجه والد
الطفل رصاصة غادرة للجواد أمام عيني ابنه. ثم يصير هذا الولد
شابًا، وهو بطل الفيلم “روبرت” الذي لعب دوره النجم “Michael
Sarrazin“.
لعب المخرج على تداخل المشاهد بين ماضي الولد وحاضره؛ فبينما كان
يسير بقرب المحيط ويتذكر ذلك المشهد الأليم من طفولته، يدخل قاعة
الرقص التي تقام بها مسابقة أسبوعية، تتطلب أن يبقى الثنائي الفائز
واقفًا على قدميه، يرقص بلا توقف لمدة أسبوع كامل، على أن تكون مدة
الراحة ساعة واحدة في اليوم. يدخل “روبرت” الصالة لمشاهدة المسابقة
مثله مثل باقي المتفرجين، لكنه ما يلبث أن ينضم كمتسابق لبطلة
الفيلم “جلوريا”، التي لعبت دورها “Jane
Fonda”،
بعد أن مُنع شريكها من الانضمام إلى المسابقة؛ نظرًا لظروفه
الصحية.
تتحول المسابقة لمأساة حقيقية؛ فبعض المتسابقين يفقد عقله، والبعض
يفقد حياته؛ أملًا في الفوز.
بالسير مع أحداث الفيلم، سيتضح تطور الشخصيات؛ ففي البداية، دخل
جميع المشتركين المسابقة بمظهر لائق كأنهم “نجوم سينما”، وجميعهم
مُصر على الفوز، لا يرى أحدهم أي مشكلة في أن يستمر في الرقص لمدة
أسبوع بلا راحة. ثم بعد مرور اليوم الأول، يتضح لهم مدى صعوبة
الأمر؛ وينهار بعضهم ويخرج من المسابقة.
“أليس”.. و”الطامة الكبرى”
من أبرز الشخصيات في الفيلم شخصية “أليس”، التي ادعت النجومية
وأنها قادمة من لندن للاشتراك في المسابقة بكاليفورنيا.
الحقيقة أن “أليس” تطمح كغيرها أن تكون نجمة؛ فارتدت أفضل ثيابها
واشتركت في تلك المسابقة التي ستضمن لها نصيبًا من الشهرة، وربما
تحقق لها حلمها ويكتشفها أحدهم ويضمها إلى أحد أعماله الفنية.
ما لبثت أحلام “أليس” أن ذهبت أدراج الرياح، بعد أن فقدت مظهرها
الفاتن وثياب النجومية أثناء المسابقة المميتة. ثم جاءت “الطامة
الكبرى” عندما مات أحد المتسابقين على ساقيها، بعد أن أصيب بأزمة
قلبية جراء أحداث المسابقة الوحشية؛ لتفقد “أليس” عقلها وتخرج من
المسابقة بلا نجومية، وبلا عقل، وبلا حياتها السابقة.
قامت بدور “أليس” النجمة “Susannah
York“،
التي تألقت في أداء الدور وتدرج مراحل الشخصية؛ من أول الفتاة
المدللة الجميلة محط أنظار الجميع، مرورًا بالبائسة الباحثة عن
العاطفة مع أحد المتسابقين ليشعرها أنها لازالت جميلة، ثم نظرتها
وهي تشاهد أكبر المتسابقين سنًا يموت على ساقيها. ثم المشهد الأخير
لها عندما انطلقت الصافرات التي تعلن عن بدء الجولة الجديدة،
وصراخها، ثم نظرتها لمدير الصالة وهي تخبره بهدوء: “أحدهم صرخ”؛
ليجيبها: “هذا كان أنتِ يا أليس”.
“روكي”
مالك قاعة الرقص، وبالتالي مالك كل الجياد، يقوم كل أسبوع بمذبحة
مشابهة لتلك التي حدثت لأبطال الفيلم، ولا يتأثر أدنى تأثر بتحطيم
أحلامهم وحياتهم جميًعا. “روكي” لا يهتم سوى بجمع أكبر قدر من
المال عبر إعلانات الدعاية التي تتم على حساب أرواح المتسابقين
وأحلامهم.
ليصدمهم في النهاية بأن الجائزة المقرر ربحها ستذهب لسداد فواتير
الملابس والطعام والإضاءة والأطباء طيلة هذا الأسبوع، وأنهم لن
يربحوا سوى لقب من استطاع الصمود للنهاية.
قام بدور “روكي” الفنان “Gig
Young“،
الذي أدى الدور بمهارة وبدون اصطناع؛ فجعل المشاهد يصدق أن هذا
دوره في الحياة، عمل مسابقة للجياد والخاسر والرابح يتساويان في
نهاية المطاف، ويكون خط النهاية طلقة الرصاص في رأس كل منهما.
تجلت القسوة في مشهده مع “جلوريا” عندما يقترح عليها الزواج من
شريكها؛ لضمان أكبر قدر من الدعاية، وأنه في مقابل ذلك سيعطيها
الكثير من الملابس والهدايا؛ لتسأله: “لماذا أفعل ذلك حينما يكون
في مقدوري ربح 7500 دولار؟”، فيجيبها بمنتهى الهدوء أنه ربما لا
يستطيع تحديد الفائز لكنه بالطبع يستطيع تحديد الخاسر، وأنها خاسرة
لا محالة، وحتى في حالة فوزها فهي خاسرة؛ ففي كل الأحوال لا توجد
أموال لربحها!
الزوجان الصامدان حتى النهاية
بعض المتسابقين دخلوا الحلبة سويًا، لكن معظمهم لم يكمل معًا، مثل
“جلوريا” وشريكها “روبرت”، الذي تركته بعدما اكتشفت العلاقة التي
نشأت بينه وبين “أليس”، ومثل المتسابق الكبير في السن الذي انهارت
شريكته الشابة فانضم لـ “جلوريا” بعد أن انهار شريكها الشاب، الذي
كان في الأصل شريك “أليس”، والعديد من التغيرات طرأت على
المتسابقين؛ إلا أن الزوجين المذكورين، وهما “روبي” وزوجها “رولو”،
بقيا سويًا حتى النهاية، رغم حمل “روبي” الذي كان في شهوره
الأخيرة، وهو الدافع الحقيقي لبقائهم؛ فهم لا يستطيعون التكفل
بمصاريف طفل؛ لذا انضموا للمسابقة.
المغزى من الرواية، وبالتالي الفيلم، كان أبعد من مجرد عرض لبعض
الشخصيات في حلبة رقص؛ فالمغزى كان تسليط الضوء على كل الحالمين،
والذين يتم سحق أحلامهم الواحد تلو الآخر إلى أن يفقد بعضهم عقله
ومستقبله، والبعض الآخر الذي نجا بعقله يختار الموت ليريحه، كما
فعلت “جلوريا” في نهاية الفيلم؛ فبعد أن عرفت المغزى الحقيقي من
المسابقة وأنه لا يوجد مال لربحه، حاولت الانتحار ولكنها لم تستطع؛
فترجت شريكها “روبرت” لإتمام المهمة بدلًا عنها، والذي لم يثنها عن
قرارها، بل ساعدها في تنفيذه بكل هدوء.
ثم يصوّر لنا المخرج “جلوريا” كأنها مهرة تعبة ارتاحت أخيرًا في
الحقول الخضراء.
وعندما سأل ضباط الشرطة “روبرت” عن الدافع لفعلته؛ أجاب بكل
منطقية: “هي أخبرتني”، ليسخر منه رجال الشرطة؛ فيجيب بإجابة أكثر
منطقية وتعقيدًا: “إنهم يقتلون الجياد، أليس كذلك؟”.
الجياد الجامحة؛ هم نفسهم الشباب الحالم الذين صدمتهم الحياة أكثر
من مرة، هم أصحاب القضية التي ضاقوا بها ذرعًا، وعندما قتلهم
قاتلهم؛ قدم لهم أكبر خدمة، فكما قال “أمل دنقل”: “يا قاتلي إني
صفحت عنك، في اللحظة التي استرحت بعدها مني؛ استرحت منك!“.
قاتل “جلوريا” الحقيقي لم يكن “روبرت”، ولم تكن هي صاحبة القرار؛
قاتلها الحقيقي كان “روكي” وشركاؤه، وكان حلمها أيضًا. حلم تحقيق
الشهرة والوصول لسلم المجد، حلمها الذي مات قبلها فلم تستطع العيش
بدونه.
أداء الممثلين في الفيلم فاق الوصف، فبعضهم على ما يبدو قد عانى من
الميثود أكتينج “Method
Acting”؛
ففي اللقطات التي أخذت لهم في كواليس الفيلم، اعترت أعينهم نفس
النظرات وتعبير الوجه والجسد داخل الفيلم.
الفيلم أسطورة سينمائية وملحمة تعبر عن كل الحالمين في كل أنحاء
العالم وهم يحاولون حمل بعضهم -حرفيًا- للنجاة، وهم يحاولون تحقيق
الراحة الأخيرة لزملائهم.
قتل الجياد مأساة تتكرر بانتظام في حق الشباب والكهول، في حق كل
حالم، وكل صاحب قضية. القتل هنا لم يكن مقصودًا به رصاصة الرحمة؛
فتلك الخدمة الوحيدة التي قام بها القاتل، ولكن القتل هنا هو
إيصالهم إلى حد طلب رصاصة الرحمة، وأن الرصاصة هي الملاذ الوحيد
والأخير لهم. |