على عكس الكثير من الكتب التي تقوم بإرشاد هواة السينما ومنحهم
النصائح والتوجيهات النظرية، يأتي كتاب (دليل الشيطان إلى هوليوود)
لكاتب السيناريو الشهير جو إيزسترهاس مختلفًا تمامًا، فهو لا يقدم
بشكل أكاديمي خطوات يمكن اتباعها بالترتيب، ليتمكن هاوي كتابة
السيناريو من اتباعها لتحسين كتابته؛ بل يأخذه بدلًا من ذلك في
رحلة ممتعة داخل عالم هوليوود، يستعرض فيها خبرته الشخصية في كتابة
السيناريو، مازجًا ذلك بخبرات بعض من أكبر كتاب هوليوود ومن كبار
الأدباء أيضًا، دون أن يفوت الفرصة في السخرية بشكل لاذع وجارح، من
الكتب الأكاديمية التي تعلم السيناريو، وعلى رأسها كتب معلم
السيناريو الأشهر في العالم روبرت ماكاي، والذي تمت ترجمة كتابه
الأهم (القصة) من المركز القومي للترجمة قبل سنوات، حيث يسخر جو
إيزسترهاس في مواضع عديدة، من قيام ماكاي بتعليم السيناريو للناس،
برغم كونه فاشلًا في كتابة السيناريو، مختارًا بعض المقاطع
الإنشائية من كتبه ليسخر منها، فيحقق بذلك عدة أهداف؛ أولها: فش
غله من ماكاي وأمثاله من معلمي السيناريو، ثانيها: زيادة إقناع
القارئ بأهمية كتابه بدلًا من تلك الكتب، ثالثها: تأمل تجربته في
كتابة السيناريو بعد أن وصل فيها إلى الذروة، واختبر بعد ذلك
الكثير من التجارب الفاشلة التي أراد أن يشاطرها مع الآخرين بنبرة
ساخرة جارحة ومريرة أيضًا.
جو مع بطل ومخرج فيلمه حكي الأكاذيب في أمريكا
لا يتحدث جو إيزسترهاس في كتابه فقط عن فن كتابة السيناريو؛ بل يمر
على كافة مراحل صنع الفيلم السينمائي، ليلقي عليها نظرة من خلال
عيون كاتب السيناريو، وبرغم أنه يعتبر السيناريست كـ “إله” للعملية
السينمائية؛ إلا أنه حرص على تسمية كتابه (دليل الشيطان إلى
هوليوود)؛ لأنه فيما يبدو لم يجد وصفًا أنسب لكل ما يحفل به كتابه،
من مشاعر سلبية تجاه كل شركاء العملية السينمائية من مخرجين
ومنتجين وممثلين وفنيين ونقاد، ولولا أنه كتب ذلك بخفة ظل غير
عادية، وطعّمه بالكثير من التجارب المهمة والاقتباسات الذكية
والخبرات الشخصية، لأحدث الكتاب عكس أثره تمامًا، لكنه بفضل الخلطة
التي قدمها، نجح في تقديم كتاب ممتع ومهم؛ ولذلك سعيت لأترجمه مع
الزميلة شيماء خليل، التي ترجمت العديد من فصوله، وأقوم بتكملة
البقية تباعًا، على أمل أن نقدم هذا الكتاب قريبًا للقارئ العربي
المهتم بالسينما، والذي آمل أن يجد في المقتطفات التي سأنشرها في
هذا الموقع ما يفيده ويمتعه، إلى أن يقرأ الكتاب كاملًا بإذن الله.
مشهد من فيلم غريزة أساسية أكثر أفلامه نجاحًا
ما يجعل جو إيزسترهاس يتحدث في كتابه بتلك النبرة التي تتعالى فوق
الجميع، هو أنه يتحدث بوصفه واحدًا من أكثر كتاب السيناريو تحقيقًا
للنجاح التجاري في هوليوود، منذ عام 1978 الذي شهد ظهور فيلمه
الأول “F.I.S.T”،
الذي أخرجه المخرج الكبير نورمان جايسون ولعب بطولته سيلفستر
ستالوني ورود ستايجر، ثم أعقب ذلك ظهور فيلمه الثاني “فلاش دانس”
عام 1983، والذي أخرجه المخرج الكبير أدريان لين ولعبت بطولته
جنيفر بيلز، وحقق أكثر من 200 مليون دولار وقتها برغم أن تكلفته لم
تتجاوز السبعة ملايين دولار، لتكون الثالثة ثابتة بعد ذلك بعامين،
حين حقق فيلمه الثالث (حافة مدببة) من بطولة جلين كلوز وجيف بريدجز
إيرادات كبيرة قياسًا بتكلفته وكونه فيلم تشويق بعكس فيلمه السابق
الأكثر تسلية؛ ليمكنه ذلك النجاح من تنويع أفلامه التي حقق الكثير
منها نجاحات مادية وفنية، حيث تعاون مع المخرج كوستا جافراس لتقديم
فيلم (صندوق الموسيقى) من بطولة جيسكا لانج، حيث عاد إلى جذوره في
المجر التي قدم منها مهاجرًا إلى أمريكا، وحكى قصة مستمدة من بعض
التفاصيل الشخصية لعائلته، لكن نجاحه الجماهيري الأكبر كان في عام
1992، مع فيلم (غريزة أساسية) الذي لعب بطولته مايكل دوجلاس وشارون
ستون وأخرجه المخرج الهولندي بول فيرهوفن، والذي حقق إيرادات قدرها
350 مليون دولار، برغم أن تكلفته لم تتجاوز التسعة وأربعين
مليونًا.
لكن، جو إيزسترهاس عاش بعد نجاح ذلك الفيلم الكثير من التجارب
المتعثرة، ودخل في العديد من المعارك مع النقاد ووسائل الإعلام،
التي أرجعت نجاح فيلمه إلى المشاهد الجنسية التي أدتها شارون ستون،
دون أن يكون لذلك علاقة بحبكة الفيلم، وهو ما قام جو بالرد عليه
بحماس شديد، ستجده في مواضع متعددة من ثنايا كتابه؛ حيث لم يستطع
أن يخفي شعوره بالجرح من تهمة ارتباط نجاحه بالمشاهد الجنسية، وهي
التهمة التي تأكدت بعد نجاح مادي ضخم في سوق الفيديو، حققه فيلمه
(فتيات الاستعراض) مع بول فيرهوفن أيضًا، برغم أنه حصد الكثير من
الجوائز التي تقدم للأفلام السيئة هجاءً لها وسخرية منها، لكن جو
لم يكتف بالرد على مهاجميه؛ بل قام بتقديم فيلمين متميزين في نوع
التشويق والإثارة الذي برع فيه، وهما فيلما “سيلفر” و”جيد”، مع
المخرجين الكبيرين فيليب نويس وويليام فريدكين، كما قام بتقديم جزء
من سيرته الذاتية في فيلم “حكي الأكاذيب في أمريكا” الذي يحكي عن
قصة طالب في مدرسة ثانوية هاجر من المجر إلى أمريكا وهو في العاشرة
من عمره، وكان ذلك الفيلم آخر عهده بالنجاح الجماهيري والفني، فحين
قام بعدها بعام بكتابة فيلم بعنوان “آلان سميث فيلم: احترقي
هوليوود احترقي”، والذي شارك في إنتاجه دون وضع اسمه عليه، وأخرجه
المخرج آرثر هيلر، محاولًا تقديم قصة بها قدر كبير من التجريب
والعبث، انقلب عليه الأمر، وفشل الفيلم فشلًا ذريعًا على كل
المستويات، وظل بعدها لسنوات لا يقوم بعمل أي أفلام، حتى عاد في
عام 2006 إلى موطن صباه المجر، ليقدم فيلمًا بعنوان (أطفال المجد)
يحكي فيه بعض وقائع الثورة الشعبية على الاتحاد السوفيتي في عام
1956، وبعدها بعامين تحولت تجربة كان بدأ في خوضها مع النجم ميل
جيبسون، إلى أزمة عاصفة بين الاثنين، أنتج عنها جو كتابًا يهاجم
ميل ويتهمه بمعاداة السامية، ويشكك في سلامته النفسية، ويتهمه بأنه
مملوء بالكراهية والضغينة لليهود، وكان ذلك الكتاب وما أثاره من
جدل آخر عهد الكثيرين بجو إيزسترهاس الذي لم يكن كتاب (دليل
الشيطان إلى هوليوود) كتابه الوحيد، فقد سبقته كتب أخرى تتنوع بين
السيرة الذاتية والرواية والكتب السينمائية التي تحكي عن كواليس
هوليوود بشكل انتقادي ساخر.
أترككم اليوم وغدًا مع مقتطفات من فصل كتابة السيناريو في كتاب جو
إيزسترهاس الذي يقدم فيه نصائح الشيطان إلى هواة كتابة السيناريو،
وأتمنى أن تجدوا فيها ما يفيدكم ويمتعكم:
ـ أولًا: اقطع شريانك ودع أول قطرة دم تسقط على الصفحة!
ـ اتبع قلبك، أو أي عضو من أعضاء جسدك: اكتب القصة التي تنبع من
قلبك أو من أحشائك أو من أي جزء من أجزاء جسدك يمكن أن تكتب من
خلاله!
ـ اشترِ مقعدًا جيدًا؛ فكلما كان المقعد أكثر راحة، كلما كان
تركيزك في الكتابة أشد؛ وبالتالي فسيكون النص أفضل.
ـ لا تجلس لعدة ساعات متواصلة؛ انهض كل ساعة وسر لمدة خمس أو عشر
دقائق وإلا ستدمر ظهرك والبروستاتا، وهناك احتمال بأن تتدمر علاقتك
بزوجتك وأطفالك، فقل مرحبًا لهم وضمهم إليك، وتناول بعض الماء ثم
واصل عملك مرة أخرى.
، انس أمر الأرباح؛ يقول الكاتب والمنتج وليام جروج: “إذا كنت تفكر
عند الكتابة في المبلغ الذي من الممكن أن تبيع مقابله السيناريو؛
فاعلم أنك ستخسر”.
ـ حاول أن تتحلى بروح الفكاهة عند كتابة النص؛ يقول ألبرت آينشتين:
“أعلى مستوى في الإبداع ينكشف من خلال التسلية”.
ـ حافظ على أن يكون بجانبك شيء مقدس أثناء الكتابة، ولكن يجب أن
يكون هذا الشيء المقدس يمت للنص الذي تكتبه بصلة. فمثلًا عند
كتابتي لسيناريو
Otis Reading
كنت أضع أمامي على المكتب صورة لأوتيس وهو طفل، كانت قد أعطتها لي
أرملته زيلما. وأثناء كتابتي لـفيلم (غريزة أساسية)، كنت أضع أمامي
ريشة عازف ثلجية اللون لها بريق الفضة اللامع، كنت قد اشتريتها من
محل يبيع الأشياء المستعملة، في حين كنت أضع أمامي صورة لمجموعة
سيدات يهوديات من المجر يقودهن شرطي مجري إلى أحد القطارات أثناء
كتابتي لفيلم (صندوق الموسيقى).
ـ السيناريوهات أشبه بالساقطات؛ كتب شخص واحد رواية “الحرب
والسلام”، ولكن كتب 35 كاتبًا فيلم “فلنتستون”.
ـ ليس من الضروري أن تحب الكتابة؛ يقول الكاتب العظيم وليام
فولكنر: “إذا لم أجد عملًا آخر أعمله، إلى أن ينحني ظهري ويشتعل
رأسي شيبًا، فإني سأنحني وأشيب قريبًا جدًا”.
ـ مرة أخرى، كل ما عليك فعله هو أن تقطع شريانك وتدع قطرات الدم
تتساقط على الصفحة. يقول رون شيلتون: “أصعب شيء في الكتابة، هو
خروج الفكرة من رأسك إلى أول صفحات السيناريو، وقد أفكر فيه لعدة
سنوات، ولا أبدأ في كتابة الصفحة الأولى؛ إلا بعد اختمار الفكرة
جيدًا حتى تنفجر الأفكار على الصفحة وتتدفق بسرعة”.
ـ فقط اكتب الجملة الأولى؛ يقول صديقي ويل فروج عن كتابة الجملة
الأولى: “إن كتابة الجملة الأولى هي أصعب مراحل الكتابة”. (هنا
يقدم جو سخرية من فكرة النصائح البديهية التي تقارب البلاهة والتي
توجد في كتب تعليم السيناريو).
ـ لماذا تخشى الاستعانة بالله؟ يقول رون شيلتون: “طيلة 35 عامًا من
عمري أهرب من الذهاب إلى الكنيسة، ولكن في الثلاثينيات أو
الأربعينيات من عمري تصالحت مع الكنيسة؛ بل واحتضنتها وكأنها جزء
مني. وأدركت بعدها أنني أستطيع أن آخذ منها ما يجعلني أشعر بالراحة
والسلام ويساعدني على مواكبة الحياة والتقدم فيها، وترك ما دون
ذلك”.
ـ يقول روبرت ماكي: “اهزم خوفك”، يقول ماكي: “يجب أن تفكر بعقلية
الفنان، إذا عرفت أنه من الصعب عليك أن تكتب، فافعلها فقط واهزم
خوفك، فأصعب شيء هو إحضار المقعد والكتابة. إن التجهيز للكتابة هو
ما يعطيك رغبة وإرادة قوية للكتابة والمواظبة عليها. إن الطريقة
الوحيدة للتغلب على الخوف هي الثقة بالنفس التي تأتي من معرفة بأنك
محنك في هذا النوع من الفنون”. طيب، كتب إيان بركر في صحيفة
“نيويورك تايمز” حث ماكي الكتّاب على الكسب من أجل المعيشة، ولكنه
لم يكن قادرًا على إنهاء هذا الكتاب وعندما سألته لماذا؟ قال لي
“سؤال جيد، إنه الخوف يا عزيزي”.
ـ إذا كتبت الصفحة الأولى؛ فالباقي سهل. الآن تعلم انك تستطيع
كتابة الصفحة الأولى؛ لأنك فعلتها من قبل. والآن فكل ما عليك فعله
أن تكتب صفحات أخرى أكثر من 110 مرة، وبما أنك فعلتها من قبل، فما
هي المعضلة في ذلك؟
– لا تندفع في إنهاء كتابة النص؛ كتب بن هيتش سيناريو فيلم
The Unholy Garden
في يومين، وهنأه سام جولدوين على هذا العمل الرائع وتم تصوير النص
بدون تغيير كلمة فيه. ولكن، قال بن فيما بعد: “إنه أسوأ نص تم
تحويله إلى فيلم”.
ـ خذ وقتك عند كتابة النص؛ كتبتُ فيلم (غريزة أساسية) في حالة جنون
عمياء، وكنت أستمع طول الوقت وأنا أكتب إلى فريق “رولينج ستونز”.
لم أكن أعرف النهاية، حتى أوشكت على إنهاء ثلثي السيناريو. وأخذت
الأفكار تتدفق من رأسي، وبدأت أسمع كلمات الحوار، وأخذت أحاول
إدراك سرعة الأصوات التي أسمعها، ثم استيقظت في الرابعة فجرًا
لأكتب ذلك الحوار. كنت أكتب يوميًا ولكن كنت أقسم وقت الكتابة على
جلستين؛ جلسة تبدأ في التاسعة صباحًا وتنتهي الواحدة ظهرًا،
والأخرى تبدأ من الثالثة بعد الظهر حتى الثامنة مساءً. كنت أكتب 13
ساعة يوميًا؛ في الفترة من اليوم الأول لكتابة النص حتى اليوم الذي
بيع فيه.
ـ لا علاقة له بالنتائج؛ من عبارات الكاتبة أنا هاميلتون فيلان:
“عندما أتوقف أقول إن هذا ليس له صلة بالنتيجة”. لا تفكر فيما يمكن
أن يحققه السيناريو الذي تكتبه سواء من نجاح أو فشل، فقط فكر فيما
تكتبه من كلمات ومشاهد.
ـ انعزل عن العالم؛ اكتشفت أن أفضل الأوقات للكتابة بالنسبة لي
يكون في الفترة من الساعة السابعة صباحًا إلى الساعة الواحدة
ظهرًا، فأقوم بالاستيقاظ في السادسة صباحًا وآخذ حمامًا ثم أشرب
عصير الجزر وأحتسي الشاي ثم أجلس للكتابة عند السابعة، كما إن
زوجتي لا تزعجني؛ إلا في الحالات الطارئة. وأتوقف عن الكتابة عند
الواحدة ثم أتناول الغداء مع زوجتي. وبعض الأحيان أنام القيلولة
بعد الغداء، ثم أعود إلى مكتبي عند الثالثة وأقوم ببعض التعديلات
على ما كنت قد كتبته، ولكني في بعض الأحيان أعيد كتابته كليًا. ثم
أضع بعض الملاحظات على المشاهد التي أعتزم كتابتها في المرة
القادمة، وعادة ما أنهي عمل اليوم عند الخامسة، ثم أذهب للسير
لمسافة خمسة أميال ثم أقضي باقي الليل مع عائلتي.
ـ ضع “اللاب توب” بعيدًا عنك؛ اكتب مسودات أولية بخط اليد، فعلًا
بخط اليد وبقلم رصاص؛ لأن ذلك يجعلني ملامسًا أكثر للشخصيات التي
أكتب عنها. ثم أذهب إلى الكمبيوتر المحمول “اللاب توب” الخاص بي
لكتابة مسوداتي القادمة. لا تصدقني فأنا لا أعرف كيف أستخدم
الكمبيوتر المحمول؛ لذلك اتجه إلى الآلة الكاتبة من طراز “أوليفيتي
ليترا”، في حين يمكنك أن تستخدم اللاب توب وأنت تحتسي القهوة
باللبن في “ستاربكس”، أما في الأيام التي أشرب فيها، فإنني أتناول
زجاجة جاك دانيال عند كتابتي، ولكن الشيء الخطير في هذا أنني
أحيانًا لا أستطيع قراءة خط يدي في اليوم الثاني.
ـ اذهب واجلس في حوض الاستحمام؛ كتب الكاتب السينمائي دالتون
ترومبو باعتباره أحد الكتاب الأساطير في تاريخ هوليوود القديمة
معظم سيناريوهاته في حوض الاستحمام. لقد كتبت الكثير من النصوص في
حوض الاستحمام أيضًا، على الرغم من أنني مولود في المجر حيث تكثر
فيها الحمامات العامة عن غيرها من دول العالم. ولكن، هناك مشكلة قد
تواجهها في حوض الاستحمام؛ و هي أن حوض الاستحمام به أعلى معدلات
الانتحارفي العالم؛ بمعنى إذا لم تكن الكتابة تمشي بشكل جيد، فقد
تنزلق داخل الحوض و….
ـ إذا كنت تستمني وأنت تكتب النص فتوقف وواصل الكتابة؛ يقول كاتب
السيناريو دالتون ترومبو: “عندما أقوم بهذا ويصعب علي ابتلاع ريقي،
أهمس في نفسي لماذا أفعل هذا؟، لماذا لا أتوقف عن فعله؟، و آخذ في
لوم نفسي. ولكن، الضرر حدث بالفعل ولا فائدة من اللوم وجلد الذات”.
ـ اكتب ست صفحات من النص يوميًا؛ التزم بهذا الجدول بغض النظر عن
النص الذي تكتبه ونوعيته. وإذا قمت بهذا، فإنك ستنتهي من أول مسودة
في حوالي 20 يومًا. ثم عاود وأعد تحرير ما كتبته في فترة أقل من
خمسة أيام. وأعد كتابة نصك بدءًا من الصفحة الأولى مع ما قد حررته،
ولا تستغرق أكثر من أسبوع في إعادة الكتابة، مما يعني أنك تكتب
عشرين صفحة في اليوم. ثم احفظ النص بعيدًا لمدة أسبوع، ولا تنظر
إليه وبعدها حرره مرة أخرى، ولا يستغرق تحريرك للنص على أكثر من
أربعة أيام. أعد الكتابة مرة أخرى بحيث تستغرق هذه المرة أسبوعًا
آخر، لتكون هذه المسودة هي المسودة الثالثة من نوعها. والآن ابدأ
محاولة بيع السيناريو وستكون هذه هي أول مسودة رسمية لك.
ـ على الأقل اكتب شيئًا يوميًا؛ قال جون لنيون: “لم أمسك جيتارًا
لمدة ست سنوات، فنسيت كم كان الجيتار ثقيلًا جدًا”.
ـ تقول إنك لا تشعر بعدم الرغبة في الكتابة اليوم، إذن اسمع ما
تقوله الكوميدية ريتا راندر: “لا يرغب الناس في الاستيقاظ وقيادة
الشاحنات، ولكنهم يقومون بفعل مثل هذه الأمر لأنه عملهم، وهذا عملي
أيضًا”.
ـ لا تشاهد التلفاز عند الكتابة؛ يقول هانتر تومسون: “سماع
الموسيقى ومشاهدة برامج التلفاز السيئة تعني بالضرورة مزاجًا
سيئًا، وعدم كتابة أي صفحة في السيناريو”.
ـ لا تشاهد أي فيلم أثناء الكتابة؛ أنت لست في حاجة لتنهي العمل
باستعارة مما تشاهده، كما أن الكاتب دائمًا ما يشعر باليأس والتخبط
أثناء الكتابة ويردد: “يا إلهي! أعلم أن هذا الأمر سيكون فاشلًا”،
ولكن كل ما تحتاجه هو مشاهدة بعض الأفلام الغبية التي تعطي فكرة
سيئة عن كتابة السيناريو، وتكسبك المزيد من الثقة بالنفس.
ـ عندما تكتب، اجعل ذهنك بقدر الإمكان في معزل عن أي شيء يقوم
بتشتيته.
ـ الموسيقى تساعدك؛ كما قلت من قبل عندما كنت أسمع فريق رولينج
ستونزو وأنا أكتب سيناريو فيلم (غريزة أساسية) خاصة “sympathy for the devil”.
وكنت أرى أن الموسيقى التصويرية للفيلم لابد وأن تكون لرولينج
ستونز وتكون أغنية
sympathy for the devil
بالذات تيترًا للنهاية. وكادت شركة الإنتاج تشتري حقوق موسيقى “sympathy
for the devil”
من الفريق مقابل 750 ألف دولار، ولكن المخرج بول فيرهوفن عدل عن
هذا القرار في النهاية، كما أن 750 ألف دولار يعد مبلغًا كبيرًا.
ـ ممنوع التدخين أثناء الكتابة وإذا كنت مدخنًا توقف؛ يقول الكاتب
السينمائي ألبرت ماليتز عن صديقه الكاتب دالتون ترمبو: “إنه شخصية
مشاكسة، فأنت تعرف أنه مثل الديك الشركسي ومن المؤسف أنه يدخن بشكل
رهيب؛ مما جعله يصل إلى الحالة التي هو عليها الآن، فلا يمكنه
التوقف واعتاد أن يدخن سجارة تلو الأخرى”، وأنا كذلك، أدخن أربع
علب سجائر يوميًا ودائمًا أواصل التدخين دون انقطاع أثناء الكتابة،
كما أنني بدأت التدخين منذ الثانية عشرة من عمري. وفي 2001 عندما
كنت في السابعة والخمسين من عمري، أُصبت بمرض سرطان الحلق وتم
استئصال حوالي 80% من الحنجرة، ووضعت أنبوبة هوائية للتنفس لعدة
أشهر ووجدت صعوبة في التنفس والبلع. وأخيرًا أقلعت عن التدخين، ولم
أستطع الكتابة لمدة عام ونصف العام، ويمكنني الآن أن أكتب أخيرًا
دون الاشتياق إلى السجائر. فلا تفعل ما فعلته أنا ودالتون ترامبو
بأنفسنا وتوقف قبل فوات الأوان.
ـ اهتم بكل كلمة؛ يقول الكوميديان جون بوليستر: “غالبًا يكمن
الاختلاف بين الضحكة وغيرها في كلمة واحدة”.
ـ اجعل المصباح والورق بجوار السرير؛ فإنك لا تعرف أبدًا متى يأتيك
الوحي، ومتى يمكنك الاستيقاظ وتدوين ما جال بذهنك. هذه نصيحة عن
خبرتي أثناء كتابة فيلم غريزة أساسية: حلمت بالفعل بالمشهد
النهائي؛ حلمت بأنني أضع مجرفة الثلج تحت السرير، فاستيقظت وكتبتها
بسرعة.
ـ كافئ نفسك جيدًا بعد يوم حافل؛ ذكر الكاتب الروائي اتش جي ويلز
لمحاوريه أنه بعد يوم شاق من الكتابة، دائمًا ما يحتفل عن طريق
ممارسة الجنس.
الآخر: الذات أو الجانب ذاته من المرآة
زهراء إبراهيم – التقرير
هناك الكثير من الأفلام التي تناولت الشخصية البشرية من الجانب
ذاته من المرآة، وربما بنكهة الخيال العلمي. تلك الأفلام تعرض رغبة
بشرية دفينة في الالتقاء بالذات مجسدة ماديًا مع تخيل احتمالات هذا
اللقاء؛ إذ تطرح الكثير من الأسئلة حول ما ستكون عليه أفعالنا
وردود أفعالنا عليها.
Looper – 2012
الالتقاء بالذات في عُمر آخر. هذه هي تيمة الفيلم الذي يعتمد على
الفكرة النظرية للسفر في الزمن. لكنه لا يولي الكثير من الاهتمام
لها أو للتفاصيل المحيطة بها، لا نعلم متى يصبح البطل في الماضي،
وكيف يعود للمستقبل. لكنه يوحي بذلك عن طريق الفكرة الرئيسة.
الحديث عن سيناريو فيلم خيال علمي يستخدم فكرة السفر في الزمن أمر
مربك قليلًا، وربما من الأفضل تركه للتفسيرات الشخصية؛ لذا لنركز
أكثر مع الجانب الفلسفي للفيلم.
هناك عصابات في المستقبل استخدمت السفر في الزمن لتتخلص ممن تريد
قتله عن طريق إرساله للماضي ثلاثين عامًا، مستخدمة قتلة يدورون في
حلقة زمنية محددة للقيام بالمهمة. وحين تقرر العصابة إغلاق حلقة
أحد هؤلاء القتلة، فإنها ترسل له ذاته الأكبر سنًا منه بثلاثين سنة
للماضي، فيقوم بقتله -بوجه مغطى بالطبع-. من يكسر الحلقة بترك ذاته
الأكبر سنًا تهرب؛ فإن العصابة تجده وتقتله.
يقوم جوزيف جوردون-ليفيت بدور (جو) الشاب الذي يعمل مع المنظمة
العصابية. يبدأ الفيلم في نصفه الأول برسم شخصية “جو” المحبة للمال
مع أنانية وذاتية وانعدام مشاعر التعاطف، مما يجعله يضحي بصديقه
الذي كسر حلقته. هكذا يمر الوقت عليه حتى يجد جو الأكبر سنًا أمامه
بزي الإعدام.. (بروس ويلز) الخطير. بالطبع يهرب (جو) الأكبر، لكنه
تغير كثيرًا في السنوات الأخيرة، حيث إنه وجد ذلك الحب الذي يعيد
خلق الإنسان، وهذا ما يجعله متمسكًا بالحياة؛ بل وتصحيح التاريخ.
هنا يبدأ النصف الآخر للفيلم، ليس حول (جو) الأصغر والذي يريد
القضاء على (جو) الأكبر، وإنما في قصة فرعية أخرى ذات ثقل، وهي
البحث عن (صانع المطر) زعيم العصابة الذي يحكم المستقبل بأكمله.
في أحد المشاهد الهامة حين يجلس الرجلان (الرجل ذاته!) متواجهين،
يدور حوار طويل بينهما. الرجلان الآن في الماضي، حيث كان رجل
المستقبل (صانع المطر) طفلًا. يحاول جو الأكبر إقناع جو الأصغر بأن
قتل الطفل هو الحل لكل ذلك، إنهاء الفوضى، والأهم بالنسبة له هو
الحفاظ على حياة زوجته. لكن، جو الأصغر يفكر في نطاق ضيق، لا يهمه
ما سيحدث له في المستقبل، ولا زوجته المستقبلية، إنه يتعامل مع
ذاته على أنها شخص آخر، وأن عصفورًا في اليد خير من كل ما لا
يدركه، برغم رؤيته مجسدًا أمامه؛ بالتالي يقوم (جو) الأكبر بدور
المُعلم، الذي يصرخ في وجهه بأنه مجرد طفل أناني. لكن، هذا الحوار
متكافئ برغم ما يبدو عليه بأنه يميل إلى كفة (جو) الأكبر. الإنسان
يمر بالكثير في ثلاثين عامًا، (جو) الأصغر لديه وجهة نظر قوية أن
بإمكانه إعادة كتابة مصيره إذا ما اطلع عليه.
هناك ثلاثة أطفال ولدوا في نفس التاريخ وفي نفس المحيط الجغرافي؛
مما يقسم احتمالية أن يكون (صانع المطر) أحدهم إلى ثلاثة احتمالات
متساوية. المفارقة هي أن رغبة (جو) الأكبر في حماية حياته وزوجته
تجعله يقتل طفلين، لكن حين يجد (جو) الأصغر الطفل الثالث وأمه
يتحول جانبه الأناني الزاهد في المستقبل إلى نقطة مشرقة. بعد
الكثير من التفاصيل الإنسانية بين ثلاثتهم تأتي النهاية المذهلة
حين يصل (جو) للحظة الإدارك التنويرية الخاصة، ويرى أن الزمن حلقة
مفرغة لا مفر من أن تؤدي إلى ذات النتائج إلا بكسر هذه الحلقة؛
وبالتالي يأخذ القرار الأغرب وغير المنتظر من شخصية مثله.
في نهاية المطاف، نحن لا نبغض الأنانية في الآخرين سوى لأنها قد
تضرنا، وإذا كانت الأنانية نابعة منا؛ لا يمكننا أن نرى مدى الضرر
الحاصل علينا إلا إذا نظرنا للمستقبل بعين اليقين؛ إذ ليس من
الضروري أن التقدم في العمر يعني الحكمة، وإنما للحكمة طرق أخرى،
هنا تكمن عبقرية هذه الحكاية.
Triangle – 2009
فيلم مخادع. في البدء يأخذ الفيلم هيئة وقالب أفلام الرعب النمطية،
البطلة محور الحكاية تقنعنا أنها في بلاء عظيم بلا سبب واضح، هناك
مشكلة حقيقية ننتظر أن تنكشف لأن في نيتنا أننا سنلم بكنه الفيلم
وسنضع النهاية لنشعر بالملل سريعًا. لحسن الحظ فإن ذلك لا يحدث.
ميليسا جورج التي يدور الفيلم في فلكها ويزدهر بأدائها كليًا، تؤدي
دور أم وحيدة (جيس) لابن ذي احتياجات خاصة. المشاهد الأولى تصور
طفلًا يرسم وحديقة تغمرها الشمس وظلالًا يانعة من المؤانسة، لينتهي
كل ذلك حين تذهب جيس إلى الميناء وحدها لنزهة بحرية على قارب خاص
بصديق لها مع أصدقاء آخرين. هكذا تبدأ الدائرة الأفعوانية من
الأحداث حين تتوقف الرياح فجأة وهم في وسط اللامكان وتهب عاصفة
لتحطم القارب، ثم تمر سفينة تغيثهم ليجدوا أنفسهم في حصار من
الرصاص والدماء يطبقه عليهم قاتل مقنع، لكن هذا القاتل ليس شبحًا
ولا سايكوباتي بذاكرة طفل معقد يلعب لعبة نفسية عليهم؛ إذ ذاك تدرك
جيس أنها وقعت في حلقة مغلقة من الأنا والأنا الأخرى.
برغم ذلك لا يبدو الأمر بسيطًا، هناك الكثير من الثغرات في الطريقة
السردية، هناك حلقات سردية مفقودة وربما لا يوجد حل لها، ربما لأن
الكاتب أراد الأمر معقدًا أكثر من اللازم فلم يجد حلًا سوى تركه
هكذا بلا تفسيرات واضحة. لنترك هذا أيضًا للتفسيرات الشخصية.
حين تصعد المجموعة على السفينة يجدون صورة قديمة لنفس السفينة
والتي تسمى (إيوليس)، يدور حوار حول الحكاية الميثولوجية للاسم،
إيوليس هو إله الرياح ووالد سيزيف. حسنًا، هنا تظهر النقطة
المحورية للحكاية، الرياح التي تتوقف فجأة ترسل بالسفينة. سيزيف
الذي خدع الموت بطريقة ما فحُكم عليه بالمعاناة الأبدية المتكررة.
المقارنة بين سيزيف وجيس غير دقيقة تمامًا، جيس تدخل في حالة
Groundhog Day
بدون أن تعلم ذلك، مما يدخل بها في حالة من الذعر والفزع بدلًا من
الحنكة والإدراك الممل.
تدور جيس في حلقة مغلقة لإنقاذ طفلها من الموت في حادث سيارة، هذا
التكرار يحدث على السفينة، لكنها في لحظة ما -غير معلومة- تنسى
تمامًا كل ما حدث قبل وجودها على هذه السفينة في عرض البحر، وتبدأ
تراودها رؤى ديجافو بأنها كانت هنا قبل ذلك، لكننا نرى الكثيرات من
جيس يحاولن اتخاذ استراتيجيات مختلفة للخروج من هذا المأزق،
والعديدات منهن حاولن قتلها كذلك. لكن، بغض النظر عن حقيقة أنها
تنسى وأننا لا نعلم متى يحدث ذلك، ومن أين تأتي مثيلاتها الأخريات
إذًا، فذلك يأخذنا للحديث عن “الالتقاء بالذات”.
جيس أم، تتشوق لابنها وتدرك في لحظة ما أنها قد وقعت في دائرة لا
تنتهي، يجعلها هذا على استعداد لفعل أي شيء للخروج من السفينة
والعودة لطفلها. الشخصية الرئيسة (جيس) فضلت الحياة على الموت، لن
تقتل أحدًا، مهما حدث فإن من الصعب على المشاهد تقبل جنون الشخصية
التي بدأ معها بهذه السهولة وقتلها لأصدقائها بهذه السرعة. تعد هذه
نقطة قوة في الفيلم برغم كثرة الثغرات المنطقية، نحن مطلعون على
الظروف التي مرت بها البطلة منذ البداية؛ لذا لا توجد الكثير من
المبررات بعد ولم يمر الوقت الكافي ليبرر تحولها للجنون، لكنه يضع
أمامنا احتمالات أخرى حين يوظّف تكرار الشخصية الرئيسة، ما الذي
مرت به جيس هذه أو تلك ليخرج جانبها الوحشي أو القاتل أو المجبر
على القتل؟ في نهاية الأمر، هناك جانب آخر من هذه الشخصية قد اختار
القتل، وهذا هو الطرح الأجمل للنفس الإنسانية المحيرة.
Coherence – 2013
ماذا لو كانت الشخصية التي تعيش بها هي أسوأ صورة ممكنة للوجود؟
تيمة فريدة من قصص الخيال العملي، تحاول استخدام التجربة العقلية
الشهيرة في ميكانيكا الكم (قطة شرودنجر) في حبكة درامية تخلو من
سمات أفلام الخيال العلمي المعتادة. البطلة (إيم) تجتمع وزوجها
لعشاء عند زوجين من أصدقائها في ليلة يمر فيها نيزك فوق الأرض.
يقوم النيزك في هذه الحكاية محل المراقب الخارجي في تجربة قطة
شرودنجر، حيث سيقفل الصندوق على مجموعة من العوالم المتوازية الذي
يتكرر فيها هذا المنزل بمن فيه، مع نقطة التقاء بين احتمالات لا
نهائية لعوالم مختلفة، تجعل من يمر بها يُقذف بعيدًا في عالم مختلف
تمامًا؛ مما يجعل من احتمالية عودته لعالمه الأصلي متناهية الصغر.
حينما يبدأ اكتشافهم لحقيقة أنهم ليسوا الوحيدين، وأن نفس البيت
بمن فيه يوجد على بعد بضعة أمتار، تبدأ المخاوف تحيط بهم. تلك
المخاوف هي شك أصيل في النفس في المقام الأول، حيث سيكون تصورهم عن
هذه الظاهرة الغريبة أنها صراع على الوجود؛ لذا تتحول حرب العوالم
تلك إلى صراع نفسي داخلي وعدم اطمئنان لما قد يبادر به
الآخر/الذات. هذا التشخيص للذات في الآخر مخيف أكثر من كونه مثيرًا
للفضول.
السؤال الذي يطرحه هذا الفيلم، هو ما إذا كان أحدنا هو الجانب
المظلم من نفسه بالفعل، وماذا سيفعل إذا واجه ذاته مقابلة مادية،
هل سيصطاد الجزء الأضعف من ذاته لينجو؟ هل نريد حقًا أن نلتقي
بأنفسنا؟ وهل نضمن أننا سنستطيع التعايش مع اختيار لم ننتظره من
ذاتنا؟
الفيلم يدور في مكان واحد ويقوم على كاست من ثمانية أشخاص مع حوار
مستمر. التصوير بكاميرات محمولة وصورة مهتزة يكثفان حالة التوتر
والترقب القائمة طوال الفيلم، فيما تُستخدم الإضاءة الزاهية في
البداية، ومع تطور القصة تبدأ الأضواء في الخفوت حتى تكون حمراء
على الأغلب مع ظلال كثيرة. فيلم جيد للغاية، مع تويست مذهلة تم
توظيفها جيدًا وأداء تمثيلي قوي.
بشكل عام، يبدو أن الكل مُجمع على أن الالتقاء بالذات فكرة مخيفة
وغير مضمونة، الأفكار المتشابهة لا يمكنها أن تتقاتل، وإذا حدث هذا
فإن الأمر سيكون في أعلى درجات الإثارة والرعب، طارحًا احتمالات
لنتائج كارثية، وليست وردية كما تصورها أحلام اليقظة البشرية في
الالتقاء بالذات مجسدة. الأنانية قد تتعدى الذات أيضًا فتتحول إلى
تدميرها. إحدى حلقات سلسلة ما وراء الطبيعة لأحمد خالد توفيق جعلت
بطلها الأشهر رفعت إسماعيل يلتقي بذاته، رفعت القادم من عالم آخر،
فكانت النتيجة المنطقية صراع كليهما على البقاء، رفعت القادم من
عالم آخر يريد مكانًا ليس له على الأرض. من يعلم، ربما يأتي الوقت
الذي نشاهد فيه فيلمًا يصور الجانب المشرق من الالتقاء بالذات! لكن
طالما لا يوجد خطر ما يهدد الذات ببقاء مثيلتها، فإننا لن نعلم
حقيقتها الفعلية. |