إن استمرّ الحكم الذي أنزلته السلطات الإيرانيّة على جعفر بناهي،
واستمرّ الأخير في صناعة أفلام بما يُتاح، يمكن القول بأنّنا
سنتوقّع مجموعة أفلام للمخرج الإيراني الممنوع من الإخراج، وإجراء
المقابلات ومغادرة الأراضي الإيرانية لعشرين عاماً، سنتوقّع
أفلاماً ستساعد على تأسيس نوع جديد من السينما، تُصوّر بكاميرات
ديجيتال صغيرة، بإنتاج ومونتاج منزلي، ليس فيه ممثلون محترفون ولا
جينيريك بلائحة طويلة بالعاملين في الفيلم، ومن دون أن يمنع ذلك من
الخروج بفيلم ممتاز، يُعرض في مهرجانات عالميّة، كما في فيلمَي
«ليس هذا فيلماً» المعروض في مهرجان كان 2011، و «ستائر مغلقة»
المعروض في مهرجان برلين 2013، وتحديداً كما في فيلمه الأخير
المعروض حالياً في الصالات، «تاكسي»، الحائز جائزة الدب الذهبي في
مهرجان برلين السينمائي هذا العام، الذي لم يحضره بناهي بسبب منعه
من التحرّك خارج منزله.
وكذلك، لجعفر بناهي الآن ثلاثة أفلام يمكن أن تؤسّس، مع غيرها
ربّما، لما يمكن أن يكون سينما إيرانيّة جديدة تُصنع أفلامها من
دون نيل الرضى الحكومي في نظام شمولي وثيوقراطي كالنظام الإيراني،
وبالحد الأدنى من الإمكانيّات التقنيّة واللوجستيّة وحدّ عال من
الجماليات السينمائية. الأفلام الثلاثة المذكورة، خاصة آخرها، يمكن
أن تساهم كذلك في إغناء «ثيمة» سينمائيّة عالميّة تتعدى الحدود
الإيرانية، تتعلّق بصناعة الإبداع ضمن قمع وتضييقات لا تقتصر على
السجون والمحاكم كأسهل وسائل استقواء الأنظمة القمعيّة على مبدعين
خارجين عن طاعتها، يُنعتون بالمنشقّين.
من حيث الأسلوب، يذكّر «تاكسي» بفيلم معلّم بناهي، الإيراني عباس
كياروستامي، «عشرة» (2002)، وبدرجة أقل بفيلم «طعم الكرز» (1997)
لكياروستامي كذلك، كون مقاعد السيّارة مكانا أساسيّا في الفيلم. في
«تاكسي» هو المكان الوحيد والمتنقّل في شوارع العاصمة طهران.
ممثلون هواة يدخلون السيارة التي يقودها بناهي ويبدأون حوارات مع
السائق، سنشاهد راكبة أساسيّة هي ابنة أخت بناهي التي ستشارك معظم
مشاوير التاكسي، والتي ستذهب لاحقاً إلى برلين لنيل الجائزة عن
خالها.
من حيث المضمون، الفيلم أقرب إلى أحد أفضل أفلام بناهي ذاته وهو
«تسلّل» (2006)، الذي صُوّر في إيران ومُنع من العرض هناك، والذي
كان سبباً في الحكم على بناهي بالترويج لدعاية مضادة للجمهورية
الإسلامية. التهمة صحيحة، أي أن الفيلم فعلاً مؤذ للسلطات
الإيرانية. كما في «تاكسي»، لا يتعرّض «تسلّل» إلى شموليّة النظام
الإيراني بشكل مباشر، بل ينقل واقع هذا النظام الاجتماعي كما هو،
بشاعته كما هي، إنّما من دون الإشارة المباشرة إلى ذلك، مشتغلاً
على المستوى الفنّي والروائي للفيلم، فلا يكون فيلم كـ «تسلّل» إلا
كشفاً جميلاً لفعل قبيح، وتالياً دعاية معادية (وصادقة) للجمهوريّة
الإسلامية.
في «تسلّل» تُمنع فتيات من مشاهدة مباراة لكرة القدم على
المدرّجات، يُحتجز من يتم الإمساك بهن في مكان على السطح، عند
نهاية المباراة يتم جرّهن ونقلهنّ إلى قسم الشرطة والاتصال
بأهاليهن للقدوم لاستلامهن، وهنّ متنكّرات بملابس صبيان. في
«تاكسي» تشير إحدى الراكبات، وهي محامية وصديقة لبناهي، إلى فيلم
«تسلّل» في حديثها عن واقعة اعتقال فتاة إيرانيّة لحضورها مباراة
كرة طائرة للرجال، اعتقال أثار فضيحة (لأنّ الفتاة تحمل جوازاً
بريطانياً ربّما) قبل أشهر من الآن مذكّراً بأنّ النظام الاجتماعي
في إيران هو، فوق كل مساوئه، نظام أبويّ وصائي يتحكّم فيه الرجال
بالنساء كما يتحكّم رجال الدين بالمدنيّين.
لطبيعته، يقع «تاكسي» كفيلم في المنتصف ما بين الروائي والوثائقي،
يختلط فيه السيناريو المكتوب بالتلقائيّة وبالواقع خلف هذا
السيناريو وخلف هذه المَشاهد، وهو فيلم يمكن وصفه بلقطة «سِلْفي»
طويلة كون الكاميرا مثبّتة في معظم سير الفيلم على السائق بناهي،
يتصوّر مع المدينة وشوارعها، مع أهلها من الركّاب، منهم مدرّسة
ومنهم شاب أخرق ومنهم محامية وناشطة، غنّي مُعتدى عليه، وفقير
مُصاب في حادثة، ونساء مسنّات، وابنة أخته الطفلة، وطالب جامعي،
ومهرّب أفلام ممنوعة. كأنّها عيّنة من المجتمع الإيراني، يتصوّر
معهم بناهي مظهراً، بالفيلم وبظروف تصويره وبقصّة بناهي مع السلطة،
تنوّع المجتمع، أهالي المدينة، من جهة، ومن جهة أخرى أحاديّة
السلطة خارج كادر الفيلم، إنّما الحاضرة في كل مَشاهده، من خلف هذه
المَشاهد.
ليس في الفيلم حكاية يمكن سردها، بل أجزاء من حكايات قصيرة ومختلفة
لركّاب التاكسي، لا تجمعهم غير المدينة، وكاميرا بناهي المثبّته
أمامه على تابلو السيّارة تنقل هذه الحكايات. والكاميرا موضوعة
لتفادي أي سرقة للسيارة، كما يقول بناهي لراكبه الأوّل. كاميرا
تمنع السرقة سيتم سرقتها في نهاية الفيلم، لكن الفيلم سيخرج إلى
العالم. قد يُراد من ذلك الترميز لمحاولة السلطات، بتضييقها وحكمها
على بناهي، سرقةَ رغبته في صناعة الأفلام، سرقة كاميراته، وأنّه
أساساً يحتمي من السارق بالكاميرا، وأنّها وإن سُرقت هنالك فيلم
مُنجز سيَعرض هذه السرقة وسيحمي السينما من السلطة.
والفيلم، ومن دون الإشارة فيه بكلمة واحدة إلى ذلك، وثيقة سينمائية
عالميّة ومُتقنة تدين كل أشكال القمع على كل أشكال الإبداع.
مارك
رافالو: البساطة والصدق سر نجاح الفنان
الممثل الهوليوودي الذي وقف بصمود مع الشعب الفلسطيني
من حسام عاصي - لوس انجليس – «القدس العربي»:
عندما شنت إسرائيل الحرب على غزة الصيف الماضي، كان هناك عدد قليل
من نجوم هوليوود الذين تجرأوا على انتقادها وفضح جرائمها، تصدرهم
الممثل الهوليوودي مارك رافالو الذي عبّر عن استنكاره لقصف
المستشفيات وقتل الأطفال على موقع التواصل الاجتماعي، «تويتر»،
قائلا « كنت أظن أن قصف المستشفيات كان أمرا كل الإنسانية توافق
على أنه مرفوض».
وفي رد على الصهاينة الذين اتهموه بمؤازرة حماس، التي ادعوا أنها
كانت تستخدم أطفال شعبها كدرع بشري، تساءل «بصدق، هل تؤمنون أن
هؤلاء الاخوة في البشرية يستخدمون أطفالهم كدروع بشرية؟ افتحوا
قلوبكم».
وأخبرني ذلك الوقت بأنه تعرض لهجوم شنيع من مؤيدي اسرائيل الذين
اتهموه باللاسامية. «علينا أن لا نصمت وأن نستمر في حملتنا لتحقيق
العدل ورفع الظلم عن أهل غزة،» قال لي متحمسا.
الحقيقة أنه قلما أقابل نجما هوليووديا يتكلم بهذه الصراحة عن دعمه
للقضية الفلسطينية، لأن هذه مخاطرة قد تلحق ضررا بسيرته المهنية
وعمله في هوليوود، التي يسيطر عليها زملاء اسرائيل. ولكن رافالو لا
يأبه بهذه التهديدات اذ أنه كان من الأقلية التي انتقدت بشدة حرب
العراق عام 2003، والتعذيب في غوانتانامو بي، وحكم جورج بوش. كما
أنه شكك في لجنة تحقيق 9/11، متهما اياها في التعتيم وعدم سبر
الحقائق من أجل تبرير قوانين خنق الحريات في الولايات المتحدة.
ويقوم النجم أيضا بحملات في مجالات إنسانية عدة، مثل خلق طاقة
نظيفة ومناهضة حفر وتكسير الأراضي الزراعية من أجل استئصال الغاز
الطبيعي، والدفاع عن حقوق المثليين.
وفي مقابلة أجريتها معه قبل أيام في ستوديوهات «وولت ديزني» في لوس
أنجليس، قال لي إن حرية التعبير والنقاش هي مغروسة في الحضارة
والهوية الامريكية. «ولكن هناك بعض القوى التي تريد أن تكبحها
وتمنعنا من الحديث،» يضيف رافالو «هذا ليس جزءا من الحضارة والهوية
الأمريكية. لهذا أنا لن أتوقف بما أفعله، ويؤسفني أن البعض يخضعون
للتهديدات ولخوفهم من العواقب.»
وذكّرني أن في عام 2003، عشية حرب العراق، تم تخويف نجوم معارضين
للحرب بادراجهم في قائمة سوداء. وكان هو الوحيد الذي سخر من تلك
التهديدات وانتقد بشدة الحرب ومؤيديها على شاشة «سي أن أن» الخوف
من الأفكار في أمريكا أو منع الحديث عن أمور معينة أو كونك ممثلا
يجعلك غير مؤهل للتعبير عن نفسك أو فهم الواقع، كلها أمور تناقض
الحلم الأمريكي والهوية الأمريكية. فأنا وجدت أن تصريحاتي على
مواقع «توتير» و»تامبلر» تثير النقاش الموضوعي، وتستقطب الملاحظات
التي تكون أغلبيتها إيجابية، 2٪ منها فقط تكون سلبية». يقول
رافالو.
يبث آراءه ومواقفه لمتابعيه الـ 1.5 مليون على حسابه في موقع
«تويتر»، ولكنه يحاول أيضا أن يسلط الضوء على قضايا اجتماعية
وسياسية مهمة من خلال المشاريع السينمائية التي يشارك فيها. «انا
أعمل في عالم الترفيه. أحيانا مهمتي هي الترفيه وأحيانا علي أن
أثير اهتمام الناس بأسألة ذات عمق أو انورهم أو أسلط الضوء على جزء
من التجربة الإنسانية التي لم تكن مألوفة بالنسبة لهم»، يقول
رافالو.
فعلا فإن كثيرا من أفلام رافالو تتناول مواضيع اجتماعية مهمة
ومثيرة للجدل، مثل فيلم «الأطفال كلهم على ما يرام (2012)» الذي
جسد فيه دور متبرع سائل منوي يتعرف على أبنائه البيولوجيين بعد 15
عاما من ولادتهم لسيدتين سحاقيتين تعيشان معا. ونال رافالو ترشيحة
أوسكار عن هذا الدور. كما حقق ترشيحة أوسكارا أخرى هذا العام عن
أداء دور المصارع، دافيد شولتس، الذي لقي مصرعه برصاص الرجل الثري
جون دوبان في فيلم القصة الحقيقية، «صائد الذئاب». وفي العام
الماضي حاز على جائزة «الأيمي» للتلفزيون عن دور نيك ويد، الناشط
المثلي ومؤسس مؤسسة مناصرة المصابين بمرض الأيدز عام 1982 في فيلم
«القلب العادي». وفي فيمله الجديد «انفينيتلي بولار بير» يلعب دور
أب مصاب بالهوس الاكتئابي توكله زوجته بالإعتناء ببناتهما عندما
تلتحق بالجامعة.
«يمكن أنك لا تعرف شيئا عن نمط حياة زوجتين سحاقيتين، ولكن مشاهدة
الفيلم تساهم في فهمك لهذا النمط، وتتساءل «ربما هؤلاء الناس لا
يختلفون كثيرا عني وعن نمط حياتي. وهذا ما يثير اهتمامي ويحمسني
للقيام بهذه المشاريع. فنعم، أحيانا أشترك في أفلام تتوافق مع
مبادئي وقيمي»، يقول رافالو.
ولكن رافالو لم يكسب شهرته العالمية من أداء أدوار في أفلام فنية
وإنما بفضل تجسيد دور بروس بانار أو الرجل الاخضر (الهالك) في فيلم
أبطال القوى الخارقة «المنتقمون» عام 2012، وهو ثالث أكثر الأفلام
ربحا في تاريخ هوليوود. في ذلك العام وصل دخل رافالو ما يعادل 96
مليون دولار وقوبل أداؤه بالمدح والتبجيل من قبل النقاد. وقام
بأداء الدور مرة أخرى في الجزء الثاني وهو «المنتقمون: عصر
ألترون،» الذي سينطلق نهاية هذا الأسبوع في الولايات المتحدة ودول
أخرى.
في هذا الجزء الجديد من سلسلة «المنتقمون»، يفعِّل طوني ستارك نظام
حفاظ سلام خامد، ألترون وهو آلة ذكية، ذات وعي وقدرة على التعلم من
أجل التغلب على الأشرار. ولكن الخطة تلقى فشلا ذريعا،عندما يقرر
ألترون أن البشر هم الأعداء ويعتزم سحقهم من على وجه الأرض، مجبر
المنتقمون وهم الرجل الحديدي، كابتن أمريكا، ثور، الرجل الأخضر،
الأرملة السوداء وهاكيوي على خوض معركة ضارية للقضاء عليه.
بروس، الذي يتحول الى الرجل الأخضر عندما يغضب، ليس بطلا قويا
خارقا، حسب رافالو، بل هو والأرملة السوداء، التي تربطه بها علاقة
خاصة، أكثر قربا من الناس العاديين. «إنهما هناك فوق إرادتهم.
إنهما لم يخططا أن يكونا أبطال قوى خارقة، ولهذا نجدهما في لحظات
رائعة ذات روح عائلية. يجلسان معا للحديث والشرب وتشعر أنهما
عاديان وتفكر أنهما سوف يرتبطا بعلاقة رومانسية ويبنيا حياة معاً.
ولكن هذا الخيال يتكسر عندما يضربه واقعهم وماهيتهم. هذه هي نظرتي
تجاههما. هما متوافقان وفي النهاية سوف يرتبطان معا»، يضحك رافالو.
يدرك أيضا أن هذا النوع من أفلام هوليوود يخلو من القيم الفنية
والمضامين المهمة التي تتسم بها أفلامه المستقلة ويكشف بصراحة أن
هدف اشتراكه في هذه الأفلام هو الأجر السخي الذي يفوق بعدة مرات ما
يحصده في الأفلام الفنية، وهذا ما يمكنه من تأمين الدخل لزوجته
ولثلاثة أبنائه ويمنحه الفرصة للقيام بمشاريع أخرى تهمه. «أنا لم
أتخل عن أي شيء من أجل القيام بهذا العمل»، يقول «إنه شعور جيد أن
تعرف أنه سيكون جزءا آخر من «المنتقمون» سنة 2017. إن برنامج حياتي
مخطط حول هذا الحدث. هكذا أعرف أن شيكا ضخما سوف يدخل الى حساب
بنكي وهذا يمكنني من الذهاب الى عطلة طويلة مع عائلتي لأن قضاء
الوقت معهم مقدس. كما أنه سمح لي بانتاج أفلام صغيرة تهمني وهذه
نعمة.»
وُلد رافالو في مدينة كينوشا في ولاية ويسكونسينت الامريكية عام
1967 لأب بهائي من أصل إيطالي ولأم من أصل كندي فرنسي وإيطالي.
وقضى طفولته في ولاية فيرجينيا، حيث تخرج من المدرسة الثانوية قبل
أن ينتقل الى لوس أنجليس مع عائلته. ثم التحق بمدرسة ستيلا ادلار
للتمثيل، وشارك في تأسيس فرقة مسرح أورفيوس وقام بكتابة إخراج
وبطولة مسرحيات عدة، بينما كان يكسب رزقه كنادل لمدة 9 سنوات.
وبدأ سيرته المهنية في هوليوود بأدوار صغيرة في أفلام مثل «طبيب
الأسنان (1996)» و»رجال آمنين (1998)» حتى لمع في دور أخ لورا ليني
الطائش في الفيلم المرشح للأوسكار «يمكنك أن تعتمد علي» عام 2000،
الذي ناله مديح النقاد، والذين قارنوه بالممثل الهوليوودي العملاق،
مارلون براندو. واستمر رافالو بتقديم أداءات رائعة في أفلام مهمة،
مثيرا اهتمام وإعجاب النقاد ورواد السينما، بفضل قدرته على التقمص
التام والتعايش الكامل مع الشخصيات. ولكن رافالو ينكر أنه يتحول
الى الشخصية التي يجسدها أو أنه ينتمي لإسلوب «الأداء الصادق»،
وإنما يستخدم خياله لاستحضار تجارب مَرَّ بها في حياته الخاصة. «في
داخلنا كل تجربة يمر بها كل إنسان عبر الزمن أو نُسَخ منها، ربما
تكون بشكل صغير جدا، ولكن يمكننا أن نستخدمها ونستلهم منها».
يقول رافالو، مضيفا أنه ايضا يركز على الخصائص الجسدية للشخصية
وحياتها الظاهرية: مظهرهم واسلوب مشيهم ونمط تصرفهم وتفاعلهم مع
الآخرين. «أنت تعرف شخصا ليس فقط من خلال أقواله وانما من خلال
افعاله. وهذا كان دائما مثيرا لي في تعاملي مع الشخصيات». كما أنه
يعزو نجاحه في الأفلام لخلفيته في المسرح، حيث كان عليه أن يتمكن
من كل انماط التمثيل إن كانت كوميديا، دراما او تراجيديا. «هذا ما
علمونا هناك. عليك أن تمثل كل شيء وأن تحاول أن تمثل كل شيء وأن
توسع آفاقك. تبعت هذا الأسلوب وأخذني الى رحلة مثيرة في حياتي
المهنية،» يختم رافالو.
افتتاح
الدورة الحادية عشرة لمهرجان «لقاء الصورة» بفيلم فرنسي عن صعيد
مصر
القاهرة – «القدس العربي»:
یطلق المعهد الثقافي الفرنسي في مصر فعالیات الدورة الحادیة عشرة
لمھرجان لقاء الصورة في الفترة من 2 إلى 8 مایو/آيار المقبل في
المعھد الفرنسي في منطقة المنیرة في القاهرة.
وأكدت إدارة المهرجان خلال المؤتمر الصحافي، الذي عقدته للإعلان عن
تفاصيل الأفلام المشاركة في الدورة الجديدة أن الهدف من إقامة هذه
الفعالية هو تشجیع السینما المصریة المستقلة الشابة منذ عام 2005،
ويهدف هذا اللقاء السینمائي الذي ینعقد سنويا الى تقدیم مجموعة من
الأفلام القصیرة الحدیثة – بمختلف أنواعھا – أمام لجنة تحكیم تتكون
هذا العام من المخرجة المصرية نادية كامل والناقد التونسي الطاهر
الشيخاوي والمخرج المصري إسلام العزازي.
وأشارت الى أن المهرجان تلقى هذا العام 118 فيلما اختير منها 24
سوف تعرض في قسم المسابقة، يعقبها نقاش بين الجمهور والمخرجين،
وعلى هامش المسابقة في إطار خمس أمسیات لعروض فیلمیة خاصة تقدم
الدورة برنامجًا عن أفلام قصيرة لمخرجين كبار، وسوف يعرض المهرجان
ثلاثة أفلام للمخرج إريك رومير تليها مناقشة مفتوحة مع المخرجة
آيتن أمين والناقدة فاطمة عامر.
وسوف يعرض في إفتتاح المهرجان الفیلم التسجیلي «أنا الشعب» من
إخراج أنا روسیون، بحضور المخرجة والبطل الرئيسي وهو أحد الفلاحين،
حيث يدور الفيلم عن الحياة في إحدى قرى صعيد مصر.
يشمل المهرجان أيضا برنامجا حرا بعنوان «كارت بلانش» یتضمن عرض
فیلمین من إختیارالناقد التونسي الطاهر الشیخاوي المدیر الفني
للقاءات الدولیة للسینماءات العربیة بمارسیلیا، بحضور المخرجین،
هما الفيلم التونسي بدون 2 للمخرج جيلاني سعدي والفيلم الفرنسي «شانتير
أي» للمخرجين لوسي ديشي وطارق سامي، بالاضافة الى أمسیتين من إعداد
الناقدة فاطمة عامر.
وعن جوائز هذا العام سيتم دعوة بعض الفائزین لحضور أحد المھرجانات
السینمائیة الفرنسیة خلال عام 2015.
وعلى صعید آخر یشرع المعهد في شراكة مع شركة أروما للإنتاج التي
ستقوم بتغطیة إنتاج وما بعد إنتاج مشروع الفیلم القصیر المقبل لأحد
الفائزین، بينما یستأنف المعهـد الفرنسي تعاونه مع الفیمیس وهي
إحدى أهم مدارس السينما في فرنسا وتعرض خلال المھرجان – خارج
المسابقة – مجموعة من الأفلام القصیرة التي قام بإنجازها طلاب دفعة
2014.
وسوف یُقام على هامش المهرجان معرض للصور الفوتوغرافیة تم تصویره
بواسطة الكامیرا ذات الثقب وهو من سلسلة «ھهنا یكمن الضوء الخام»
للفنان الفرنسي كریستوف بروجلییولو. الذي قال خلال المؤتمر إن
التجربة خطوة وسيطة خلال إنجازه العمل الفوتوغرافي الذي أقوم به
حاليًّا، في محيط مدينة الأقصر، وعلى مقربة من ضفة النيل عند
الجدار الفاصل للصحراء، تكمن ههنا أرض تأسرني وتستثير صدى في
داخلي، ههنا أراض مجدبة وفوضوية وحقول للزراعات الموسمية منظمة
بعناية فائقة ورجال ليسوا في عزلة ومبان في طور البناء على مرمى
البصر وكأنها تنافس المعابد الفرعونية، حيث ضوء قاس وظلال عميقة
وتناقضات جلية. إلتقطهم بالكاميرا ذات الثقب الأكثر بدائية. ومن
هذه التصويرات البدائية والبطيئة، تخرج صور، يساعدني نسيجها في
ترجمة ما أدركه بحواسي وعقلي، ويؤكد أن المعرض دعوة لنسيان الذات
وسط الخطوط الأولية لهذه الأرض التي أحاول التقاطها.
سينما الحرب الأهلية اللبنانية.. حضور الأهل
عمر عامر
لم تُحقّق المخرجة اللبنانية، رين متري، فيلمها الوثائقيّ الجديد
"لي قبور في هذه الأرض" (2014) بمناسبة مرور 40 عاماً على اندلاع
الحرب الأهلية اللبنانية (13 أبريل/نيسان 1975). أصدفة هي أو لعبة
قدر، أو تورّط سينمائيين لبنانيين شباب في البحث البصريّ في ذاكرة
لا تزال حيّة، وفي أسئلة لا تزال معلّقة، وفي عناوين لا تزال عصيّة
على الفهم والإدراك؟. لعلّ إطلاق الفيلم في المهرجانات بدءاً من
الدورة الـ 11 (10 ـ 17 ديسمبر/كانون الأول 2014) لـ "مهرجان دبي
السينمائي الدوليّ"، عشية ذكرى اندلاع تلك الحرب يشي بذلك. لكن رين
متري ـ التي اختارت عناوين مترابطة عن التهجير الداخلي وتغيير
الديموغرافيا اللبنانية و"الحروب الصغيرة" المتنقّلة في أرجاء
البلد و"خارطة الخوف" كما تقول ـ عملت على فيلمها هذا منذ 2010،
محاولة اكتشاف شيء من فظائع الأمور أثناء الحرب، وخلال الأعوام
اللاحقة لنهايتها المزعومة في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990.
لن يكون فيلم متري أوّل فيلم يتناول مسائل متعلّقة بالحرب الأهلية
اللبنانية، ولا أوّل فيلم "يدخل" الحرب عبر قصّة ذاتية بحتة، إذ إن
المخرجة انطلقت من علاقتها بمنزل العائلة، إثر قرار والدتها بيعه،
بعد أن قرّرت هي نفسها بيع "قطعة" أرض ورثتها من والدها الراحل، في
منطقة "عين المير" الواقعة في الحدّ الفاصل أثناء الحرب بين أطراف
متنازعة على طريق صيدا ـ جزين. ذلك لأن الأعوام القليلة الفائتة،
كشفت عدداً من الأفلام الوثائقية الشبابية المنشغلة بهمّ الحرب
وأسئلتها وتفاصيلها، إما عبر أحد أفراد العائلة (أب، أم، عمّ،
وغيرهم)، وإما بشكل مباشر يتجرّد من الذاتي العائلي، كي ينفتح على
الذاتي العام.
ومنذ بداية التسعينات غداة انتهاء العمليات العسكرية في لبنان، نجد
أفلاماً مصنوعة بحماسة شباب يريدون قولاً أو بوحاً أو تعرية، بدءاً
من سمير حبشي وفيلمه الروائي "الإعصار" (1992)؛ فيلم قاس بصُوَره
الطالعة من كوابيس وانهيارات وبحث مضن عن خلاص مفقود. وهو مشغول
برغبة صادقة في تعرية الذات وهواجسها، عبر قصص عن أناس يعانون ألم
الحياة في مواجهة الموت. فيلم "بيروت الغربية" (1998) لزياد دويري
أكثر نُضجاً، واشتغالاته التقنية والفنية والدرامية ذات مستوى
راقٍ. يُطلّ جان شمعون بـ "طيف المدينة" (2000)، الممتدة أحداثه
الدرامية بين عشية 1975 ونهاية التسعينيات، بمزيج التأريخي
والتنظيري والسرديّ العاديّ. ثلاثة أفلام هي الأولى لمخرجيها، في
لحظات مختلفة من التاريخ المشؤوم لسلم أهليّ منقوص وهشّ، تحاول رسم
ملامح بيئة ومجتمع وتحوّلات، بمستويات مختلفة من التعبير
السينمائيّ.
النتاج الوثائقي المُنجز منذ أعوام قليلة، يبقى الأهم والأقدر على
اختراق المبطّن والـ "ممنوع"، عبر لغة سينمائية تُساهم في صناعة
صورة واقعية عن البلد والناس وحكاياتهم، وأيضاً عن السينما
اللبنانية الجديدة. الاستعانة بأحد أفراد العائلة طريقٌ مزدوجة
الأهمية: مساجلة العلاقة القائمة بين جيلين، والذهاب عبر الجيل
الأكبر سنّاً إلى الحكايات المروية شفهياً، لمن عاش واختبر أعوام
الحرب. سينمائيون شباب يريدون الوثائقيّ نتاجاً إبداعياً، ويعودون
إلى الماضي ليرسموا معالم الآنيّ عبر مقاربة الحدث من خلال
معاصريه. أسئلتهم كثيرة، وأفلامهم تعبيرٌ صادقٌ عن بلاغة الارتباك
في تفكيك الذاكرة لفهمها. مثل: "هيدا لبنان" (2008) لإليان الراهب
و"سمعان بالضيعة" (2009) لسيمون الهبر. في عام 2009، قدّمت داليا
فتح الله "بيروت كاوبوي"، ولحقت بها زينة صفير في العام التالي،
منجزة "بيروت عالموس". في عام 2012، هناك فيلمان مهمّان: "القطاع
صفر" لنديم مشلاوي، و"يامو" لرامي نيحاوي. هذه نماذج، ليست كلّها
مفتوحة أمام أحد أفراد العائلة، إذ ينفرد مشلاوي عن الآخرين
بتوجّهه مباشرة إلى لحظة آنية، كي يُفكّك تاريخاً وتحوّلات. يختار
منطقة الكرنتينا، حيث كان مخيّم الفلسطينيين. مقبرة جماعية، وذاكرة
مثقوبة بألف حكاية وحكاية، عن مسار مدينة وبيئة اجتماعية وثقافية
وحياتية، وصولاً إلى لحظة راهنة متمثّلة ببناء ملهى ليليّ فوق
المقبرة نفسها. الآخرون مرتبطون بأحد أفراد عائلاتهم: الأب في
أفلام الراهب "هيدا لبنان" والهبر "الحوض الخامس" وفتح الله وصفير.
العمّ في "سمعان بالضيعة"، والأم في فيلم نيحاوي، و"أبي ما زال
شيوعياً" (2011) لأحمد غصين. شخصيات حقيقية تروي فصولاً عدّة من
حروب البلد عبر اختبارات ذاتية، ولا تقف عند أعوام الحرب نفسها، بل
تذهب إلى ما قبلها، راوية بعضاً من نفسيات وسلوكيات وأحوال أفضت
كلّها إلى انشقاق كبير بين اللبنانيين أنفسهم، وبينهم وبين آخرين
أيضاً.
إذا لم يختر نديم مشلاوي أحد أفراد عائلته لسرد حكايته في "القطاع
صفر"، فإن تجربة إليان الراهب في "ليالٍ بلا نوم" 2013، تأخذها في
رحلة قاسية داخل متاهات الحرب الأهلية. الشخصيتان الأساسيتان في
الفيلم؛ المسؤول الأمني السابق في القوات اللبنانية أسعد شفتري
(أوّل من أعلن اعتذاراً عاماً عن أهوال الحرب) ومريم السعيدي،
والدة الشاب الشيوعي ماهر، الذي "اختفى" أثناء حرب الشويفات (كلية
العلوم) بين القوات اللبنانية والقوات الوطنية، أثناء الاجتياح
الإسرائيلي للبنان (1982). مأساة الفقدان والخطف طاغية (فقدان ناس
وخطف بلد وسلام)، وأسئلة الحرب متشعّبة. لكن السينما حاضرةٌ بلغتها
وأدواتها وأساليبها في الكشف والفضح والتنقيب. |