سينما 2015
تقدمها: خيرية البشلاوى
جاك فلانتي مبتدع قواعد تصنيف عرض الأفلام Rating
من هو جاك فلانتي "1929 ـ 2007" ولماذا سيرته الآن؟
ببساطة لأنه الرجل الذي ابتدع مسألة التصنيف الخاص بالانتاج
السينمائي
"Rating"
والذي وضع قواعد لتقسيم الأفلام السينمائية حسب المرحلة العمرية
لجمهور السينما وهو الرجل الذي طالب بأن يتولي أصحاب السينما
بأنفسهم تنظيم الإنتاج السينمائي وأن يتولوا تنفيذ القواعد الخاصة
بهذا التقسيم من دون تدخل كلاب حراسة الحكومة.
إنه أيضا الرجل الذي ترأس "جمعية السينمائيين الأمريكية
"Mpaa"
التي تضم الشركات الستة الكبار الذين يتحكمون في مقدرات السينما
انتاجاً وتوزيعاً واستمر رئيساً لها 38 سنة.
ثم هو من اختار من يتولاها بعد تقاعد في عام 2004 ولكن الأهم من
هذا كله أن الرقابة علي المصنفات الفنية المنوط بها رقابة الأفلام
هنا في مصر. تفكر في الاعتماد علي طريقة جاك فلانتي المعروفة
"Rating"
علي أنها تلزم صناع السينما دون غيرهم بمسئولية التصنيف وتطبيق
القواعد دون تدخل الحكومة أو مكاتب الرقابة في الولايات الأمريكية.
وفي هذا المقال أحاول أن ألقي الضوء علي شخصية جاك فلانتي حتي يدرك
القارئ قيمته الفعلية. فهو عمل مقاتلاً في السلاح الجوي الأمريكي.
وعمل في مجال السياسة وكان مقربا من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون
وصديق لعدد من أعضاء الكونجرس. بالإضافة إلي كونه إعلامياً وهناك
عشرات المقالات والتحليلات الخاصة بحياته ودوره ولكنني اعتدت أكثر
علي دراسة مجلة "تايمر"
"Time"
الأمريكية التي نشرت عنه مباشرة بمناسبة وفاته "2004".
كذلك أردت أن الفت النظر إلي دوره وأثره القوي علي هوليود وصناعة
الفيلم التي تحقق مئات المليارات. ثم الظروف التي تختلف جذرياً عن
ظروف السينما هنا في مصر والتي لا يمكن مقارنتها اجتماعياً وبيئيا
وثقافيا ناهيك عن اختلاف الجمهور هناك وهنا. والمشوار الكبير الذي
قطعته "الرقابة" في أمريكا والظروف التي خلخلت قوانينها ومنها
قوانين الحريات المدنية واباحة المثلية الجنسية وأشياء أخري ليس
هنا مجالها.
والأهم أن مسألة التصنيف في أمريكا تستبعد بالكامل أي دور
للحكومة.. بينا "الرقابة" هنا هيئة حكومية بيروقراطية "رجعية" بحكم
الممنوعات والمحظورات الكثيرة المكتوبة وغير المكتوبة.. وأي
"استنساخ" يعني استهبال أو تقليدا أعمي.
مرحلة جديدة.. تسحق مافات"
في عام 1966 عندما تولي جاك فلانتي رئاسة جمعية السينمائيين
الأمريكية واختصارها بالحروف الاولي
"Mpaa" "موشن
بكتشر اسوشيشن اوف امريكا" والتي تضم الاستودويوهات الكبري في
هوليود. كان "نظام الاستوديو" مازال قائماً وقوياً. ورواد السينما
الكبار مثل جاك وانر وداريل زانوك مازالوا يدبرون بأنفسهم الشركات
التي أسسوها.. وكان النجوم الكبار من أمثال كاري جرانت وبيتي دافيز
وجوان كروفورد وشارلي شابلن مستمرين في عمل الأفلام.. وكان ممثلون
بحجم جيري لويس ودوريس داي والفيس بريسلي يلعبون بطولة فيلمين في
السنة.
وكان الدخل الذي تحققه الصناعة معتمدا فقط علي إيرادات الشباك
وعروض الأفلام في القنوات التلفزيونية. ولم تكن أجهزة الكمبيوتر
موجودة في المنازل ولاشبكات الكابلات ولا نوادي الفيديو ولا
الأسطوانات المدمجة
"DVD"
ولم تكن حوارات الأفلام تتضمن الفاظا جنسية صريحة ولا الأجساد
الآدمية تعرض عارية بالكامل وكان العديد من الأفلام مازالت تصور
بالأبيض والأسود.
وجاك فلانتي الذي مات "2007" عن عمر يناهز 85 سنة يعتبر الهدية
الطيبة المناسبة لهذه الفترة القديمة في صناعة السينما.
فهذا الصبي العنيد الذي اشتغل وعمره 14 سنة كعامل يدل المتفرج علي
مكان جلوسه في صالة سينما "إيريس" بلاسير".. والحاصل علي الماجستير
من جامعة هارفارد. والطيار الحربي المقاتل الذي حقق 51 طلعة جوية
أثناء الحرب العالمية الثانية. والسياسي الذي خاض غمار الأحداث
وكان مقرباً جداً من ليندون جونسون قبل انتخابه رئيسا للولايات
المتحدة. ونائب رئيس البعثة الصحفية التي رافقته في رحلته إلي
دالاس في نوفمبر 1963م وجلس إلي جواره في رحلة العودة إلي واشنطن
عندما أصبح جونسون رئيساً.
وفي مايو 1966 انتقل "جاك" من السياسة إلي السينما. من رفيق ليندون
جونسون إلي "جمعية السينمائيين الأمريكية"
"MPAA".
وصل إلي رئاسة هذه "الجمعية" وكل شيء في السينما علي وشك التغيير..
ولكن "فلانتي" كرجل يجلس علي قمة "اللولبي" المتحكم في صناعة
السينما اجتهد أن تبقي السينما تحت سيطرة صناعها من دون اي تدخل
رقابي من قبيل الحكومة الفيدرالية ولا مكاتب الرقابة التي انتشرت
في الولايات الأمريكية.. واستخدم أصدقاءه وعلاقاته في واشنطن
لابقاء هوليود والسينما الوطنية بعيدة عن رقابة الحكومة وباعتبارها
الجهة من جهات قليلة لا تطلب دعما مباشراً لانتاج الأفلام.
وكان شعاره "دعوا الثعلب يحرس حجره" لا نريد كلاب حراسة من قبل
الحكومة وفي عام 1968 اتخذ إجراءات أكثر جسارة. ومنذ أن وصل إلي
هوليود بدأت الشاشة السينمائية تتحرر. فبعد أن كانت الأفلام أسيرة
موضوعات موجهة للمراهقين اتجه إلي الموضوعات الموجهة للبالغين
والمثيرة للجدل. وفتح الباب أمام مشاهد العري والعنف والكلمة
القبيحة الممنوعة ذات الحروف اللاتينية الأربعة.
وتزعم حملة للتصدي للنزعة التطهرية التي استدعت في مرحلة سابقة
قانون هايز في الثلاثينات والذي فتح الباب أمام تدخل الكنيسة
الكاثوليكية لمواجهة الانقلاب الأخلاقي وقد استمر هذا القانون
ساريا حتي عام 1966 وحل محله التصنيف العمري
"Rating"
الذي إتبعه جاك فلانتي والذي يحدد القواعد "وليست القوانين" الذي
تقسم الأفلام حسب المرحلة العمرية للمتفرج كالتالي:
قسم للعرض العام علي جميع الاعمار. وقسم للعرض تحت اشراف الآباء.
وآخر محظور "للكبار فقط". ومع هذا التقسيم يظل المخرج حرا تماما في
أن يصنع ماشاء في فيلمه بحيث يخصع عمله لهذا التصنيف.
وبعد سنوات من خروج هذا التقسيم ظهرت أفلام مثل "الفك المفترس"
و"حرب الكواكب" التي حققت نجاحاً تجاريا كاسحاً علما بأنها تخلو من
"الاباحة" اللفظية ومن العنف والجنس والعري.. ومن ثم قدمت درساً
عملياً يؤكد أن سوق المراهقين أكثر نجاحا وأن جمهور هذه الأفلام
يمثل ركنا كبيراً جدا يمكن الاعتماد عليه فهي أفلام مثل الحواديت
الخرافية
"Fainy taleds"
ورغم أن هذه النوعية من الأفلام ليست المفضلة بالنسبة لـ "جاك
فلانتي" ويفضل عليها أفلام مثل "رجل لكل العصور".. إلا أنها داعمة
للصناعة جداً.
لقد حاول فلانتي بكل قوتة أن يتصدي لاجهزة تسجيل الفيديو كاسيت
كعدو مدمر لصناعة السينما ثم لاحقا اكتشف انها تدر أموالاً طائلة
تدعم الصناعة وتشكل سوقاً عملاقه لها. وحارب بنفس القدر محطات البث
بالكابلات واعتبرها طفيلية ثم أصبحت تدر بلايين الدورلات.
ويعتبر المخرج اوتو برمتجر أول من تحدي قانون الرقابة باصراره علي
عرض فيلمه "القمر أزرق
The moon is bluel"
في عام 1953 وهو أول عمل تذكر فيه كلمات "عذراء" و"اغتصاب"
و"عشيقه" وقد عرضه بدون تصريح الرقابة وبعدها اخرج فيلم الرجل ذو
الذراع الذهبي "1955" الذي يتناول موضوع المخدرات الممنوع رقابياً.
ثم فيلم تشريح الجريمة
"Anabmy ay crime"
عن "الاغتصاب" وكلها موضوعات تشكل تحديا لقانون الرقابة مما خفف
القبضه تدريجيا للرقابة علي الأفلام.
ومع أفلام مثل البعض يفضلوها ساخنة للمخرج بيللي وايلدر "1958"
وفيلم هتشكوك "سايكو" "1960" والاثنان عرضا بدون تصريح. والنجاح
التجاري الكبير الذي تحقق من ورائها أغري الآخرون بخلخلة القانون.
ولكن مسألة الرقابة تختلف من بلد لبلد بل وتختلف من البلد الواحد
من مرحلة زمنية لاخري مع تغيير السياسات واختلاف المواقف الاخلاقية.
في الصين حالت الرقابة دون عرض فيلم "بن هور" لاسباب متعلقة
بالعقيدة. كما رفضت الفيلم الصيني "الطيارة الورقية الزرقاء"
الحائز علي جائزة مهرجان كان وجائزة مهرجان طوكيو السينمائي
الدولي.. أيضا فيلم "وداعا عشيقتي" الصيني رفضته بلاده أيضا رغم
جوائز كان.
ووقفت الرقابة الفرنسية أمام عرض "المدرسة بوتسمكين" خوفا من عدوي
الثورة. وفي بداية السبعينات لقد حصلت تعديلات علي التصنيف
"X"
إكس" الذي فتح الباب علي مصراعيه لافلام الاثارة الجنسية "البورنو"
حيث امتنعت الاستوديوهات عن توزيعها وأصبح العقد بين صانع الفيلم
والشركة المنتجة يلزم الأول أن ينزل بتصنيف الفيلم من
X "إكس"
إلي
"R"
أي للكبار فقط.
الحرية من دون مسئولية مجتمعية فوضي. والحرية بالنسبة للجاهل تعني
السلاح في يد مجنون. والرقابة في أمريكا ليست مثلها في اماكن اخري
من العالم. وقوائم المنع طويلة جدا وفي جميع البلاد حتي عام 2015..
وما يصلح هناك لا يصلح هنا بالضرورة.
رنات
"الرقص
الشرقي" وآفة النفاق
بقلم: خيرية البشلاوى
في العشرة الأخيرة "1890" من القرن التاسع عشر قدم توماس اديسون
"1847 ـ 1931" المخترع الأمريكي "الفوتوجراف ـ وكاميرا الصور
المتحركة" عددا من الشرائط المصورة حول الرقص الشرقي "رقص البطن"
تتضمن راقصات من تركيا بالإضافة إلي أخريات من مصر والجزائر
وتستعرض الحركات الجنائية المرتبطة بهذا النوع من الترفيه.
وقدمت السينما الأمريكية لاحقا مشاهد من هذا الرقص في الربع الأول
من القرن العشرين من خلال أفلام "التعصب" "1916" و"الشبح" "1921"
وكيلو باترا "1917" و"سالومي" "1923".
هذه أعمال حاولت استثمار الشعبية الكبيرة لهذا النوع من الترفيه
الشرقي الذي عرفته أمريكا مبكرا جدا واستثمره كثيرون بعد ذلك.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي مع بداية الهجرات العربية إلي العالم
الجديد "أمريكا" وصل عدد كبير من العرب إلي نيويورك وبدأ بعض
النساء تقديم هذا النوع من الرقص في الملاهي الليلية وفي المطاعم.
وفي مذكراته كتب اليهودي الصهيوني سول بلوم
SoL BLoom "1870
ـ 1949" وهو من أصل بولندي وقد عمل لفترة قبل دخوله المعترك
السياسي متعهدا ومنظم حفلات ترفيهية في نهايات القرن التاسع عشر
وبدايات العشرين وهو من اخترع تسمية الرقص البلدي باسمه الغربي
الشائع "بيللي دانسنج"
"Belly Dancing"
وبالفرنسية
"dance du venture"
كتب يقول حين تعرف الجمهور "الأمريكي" علي ""البيللي دانسنج"
امتلكت منجما من الذهب" حيث حقق ثروة كبيرة من ورائه.
و"بلوم" كان ينظم ويدير حفلات في سوق شيكاغو الدولي وفي المعارض
الأمريكية الدولية التي تتضمن بنودا ترفيهية ومنها مسرح يقدم فقط
راقصات شرقيات من سوريا وتركيا والجزائر وجميعهن اشتهرن "كمصريات"
وباسم "فاتيما" التي ذاع صيتها جدا واسم المسرح الذي تقدم عليه هذه
النوعية من الترفية كذلك اشتهرت الراقصات اللاتي تخصصن في تقديم
هذه "النمر" في المعارض التي ينظمها وأطلق أسماء "مصر الصغيرة"
LittLe Egypt
و"شارع القاهرة" في السوق الدولي العملاق الذي أقامه علي مساحة
هائلة في شيكاغو يتضمن مسرحا لعروض فنية ومباريات رياضية.
السطور السابقة مجرد دليل مختصر علي شعبية "الرقص الشرقي البلدي"
أو "رقص البطن" كأحد أنواع الترفيه التي عرضها العالم الغربي منذ
أكثر من قرن وانتشر في العالم كله من خلال آلاف الأعمال الفنية
التي صورت عوالم الشرق الحسية الساحرة التي جذبت ملايين الناس.
"الراقصة"
تعتبر بنداً رئيسياً في فنون الترفيه الشعبي.
والرقص "لغة" عالمية والمصريون يعشقونه بغض النظر عن نظرتهم
"للراقصة" وإدانتها تلقائيا علي المستوي الأخلاقي حتي لو كان في
هذه النظرة المتحفظة بعض الظلم.
وما يثير الدهشة هو هذه الضجة التي رافقت اختيار الراقصة "دينا" في
حفل الجمعية العمومية للاتحاد الافريقي. أليس في هذا منتهي النفاق
والعيار المغلوط للأمور.. هل اختيار دينا خطيئة تستحق هذا الاعتراض
الذي شاركت فيه صحيفة بريطانية نقلت تصريحات مسئولي اتحاد الكرة
الذين أعربوا عن استيائهم "!!" الكبير لوجودها. الأمر الذي فتح
الباب أمام المزايدين والمحافظين حراس العفة والشرف لإدانة مرحلة
بدأناها بتفاؤل وأيضاً إدانة فن شرقي أصيل تعرض مثله مثل سائر
الفنون إلي استغلال وإساءة وسوء استخدام وتوظيف سوقي رخيص من تجار
الفن.
والراقصة "المدانة" حاصلة علي ماجستير في الفلسفة ومفتونة بفن
الرقص وصاحبة "مدرسة" وتبذل جهودا معلنة لتطويره كفن تعبيري يستخدم
لغة الجسد كإحدي أدوات التعبير وهي ليست في حاجة مادية.
المشكلة ليست في الرقص وإنما في ابتذاله وتشويهه ومقطع الفيديو
الذي يسجل أداء الراقصة في حفل الاتحاد لا يسيء إلا لمن يتعمد
الإساءة والتشويه.
إذا كانت فنون الرقص ومنها الرقص البلدي نشاطا مدانا فلماذا نتهافت
عليه جميعا ونشارك فيه في مناسباتنا العامة والخاصة؟ وإذا كان
"الترفيه" آفة وخطيئة لماذا نسمح به؟!
ليس في كلامي دعوة لإطفاء أنوار البهجة المشروعة وإنما خوف من
هؤلاء المنافقين الذين يرفعون السكاكين والمطاوي الفكرية في وجه
أحد منافذ الترفيه. إن الآفة الحقيقية: النفاق والابتذال وكسر روح
المصريين بغلق مصادر "الأوكسجين". |