المهرجانات السينمائية الكبرى في مصر
كتبه أحمد شوقي
تمتلك مصر صناعة سينمائية عريقة تجاوز عمرها المائة عام. صناعة
أخرجت مئات النجوم وعشرات المخرجين الموهوبين، وضمنت للهجة
والثقافة المصرية امتدادا بعرض الوطن العربي بأكمله. صناعة تمتاز
بعدد ضخم من التناقضات، على رأسها التناقض بين كون مصر واحدة من
دول لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة في العالم كله، تحقق
الصناعة الوطنية فيها النسبة الأضخم من إيرادات شباك التذاكر،
مقارنة بإيرادات الأفلام الأمريكية التي تكاد تسيطر على جميع
الأسواق العالمية، وبين الحجم الضئيل جدا للسوق السينمائية
المصرية، التي حقق فيلم "الجزيرة 2" خلال العام المنقضي أكبر إيراد
في تاريخه، بجمع 34 مليون جنيه مصري، أي أقل أقل قليلا من خمسة
ملايين دولار أمريكي.
تناقض آخر من تناقضات السينما المصرية نرصده في هذا الموضوع، وهو
العدد المحدود للمهرجانات السينمائية وضآلة ميزانياتها، مقارنة
بتاريخ الصناعة وقيمتها الثقافية، بالمقارنة بدول أخرى تمتلك صناعة
ناشئة أو محدودة، لكنها تمتلك عددا أكبر من المهرجانات، وميزانيات
أوفر لكل مهرجان.
التناقض الذي يمتلك مبررات متنوعة منها ما يتعلق بميزانية قطاع
الثقافة ككل، ومنها ما يرتبط بشكل السوق المصري نفسه وحجم الإقبال
على نوعيات بعينها من الأفلام.
وسنقوم في هذا الموضوع برصد سريع للمهرجانات السينمائية النشطة
التي أقيمت دورات منها خلال 2014، مستثنين المهرجان القومي
للسينما، باعتباره مهرجانا للسينما المحلية فقط، وبانوراما الفيلم
الأوروبي التي تقف في مساحة وسط بين المهرجان وأسبوع الأفلام،
ومهرجان سينما الطفل المتوقف منذ ثورة 25 يناير، والذي تقرر إعادته
للنشاط خلال العام الحالي. ليتبقى ستة مهرجانات: مهرجانان دوليان،
وثلاثة مهرجانات إقليمية، ومهرجان نوعي.
أولا: مهرجان القاهرة السينمائي الدولي:
المهرجان الأكثر سخونة في أعوامه الأخيرة، بحكم كونه المهرجان
الدولي الأكبر، وعضو اتحاد المنتجين العالمي مع 13 مهرجانا آخر
(عضوية مدفوعة بلا قيمة أدبية حقيقية، يصر مسؤولو المهرجان
والصحافة المصرية على اعتبارها مصدر تقييم وأمرا مهمّا لابد من
الحفاظ عليه لأسباب غير معروفة)، وصاحب أكبر ميزانية بين
المهرجانات المصرية كلها (ميزانية آخر دورة أقتربت من 14 مليون
جنيه، أي حوالي مليوني دولار).
مهرجان القاهرة أسسته الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما في
العام 1976، أو للدقة تم تأسيس الجمعية كي تقوم بإطلاق المهرجان
نكاية في جمعية نقاد السينما المصريين، الجمعية الرسمية وعضو إتحاد
الصحافة الدولية (فيبريسكي)، التي كانت تنتهج اتجاها يساريا لم ينل
رضا الدولة وقتها.
واستمر المهرجان تحت إشراف الجمعية سبع سنوات قبل أن تأخذه الدولة،
ليقام برعايتها تحت مظلات قانونية مختلفة، وصلت في آخر المطاف لأن
تكون وزارة الثقافة هي الجهة المنظمة.
المهرجان ذو طابع دولي، تعرض مسابقته الرسمية أفلاما من كل قارات
العالم، وقد أضاف إليه الناقد سمير فريد الذي ترأس دورته الأخيرة
برامج فرعية تقام على هامشه، تقوم بتنظيمها ثلاث جهات سينمائية
مصرية بشكل مستقل، هي جمعية نقاد السينما المصريين ونقابة المهن
السينمائية واتحاد طلاب معهد السينما.
أقيمت الدورة رقم 36 خلال شهر نوفمبر الماضي، وكانت ناجحة فنيا
بصورة واضحة، ولكنها لاقت هجوما صحفيا بدأ حتى قبل بدء فعالياته،
ووصل ذروته مع حفل الافتتاح، واختتمت التجربة بلجنة شكلها وزير
الثقافة ببحث ملف المهرجان المالي وسط اتهامات للإدارة بإهدار
المال العام، ما دفع الناقد الكبير سمير فريد للاستقالة من رئاسة
المهرجان، وسط اعتراض عدد كبير من السينمائيين على رحيله رغم نجاح
الدورة على المستوى الفني.
ثانيا: مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط:
هو ثاني أقدم المهرجانات المصرية، وثاني مهرجان تقوم بتنظيمه
الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، برئاسة الكاتب الصحافي كمال
الملاخ مؤسس مهرجاني القاهرة والإسكندرية، الذي اختار العاصمة
القديمة لمصر، و"عروس البحر المتوسط"، كما يحلو لأهلها أن يسموها،
لتحتضن مهرجانا إقليميا لسينما دول حوض البحر المتوسط، أقيمت دورته
الأولى في العام 1979.
المهرجان هو أكثر المهرجانات المصرية استقرارا من حيث الإدارة
والإشراف، فالجمعية تنظمه منذ انطلاقه حتى الآن، وقد كانت تختار
رئيسا لكل دورة من بين أعضائها حتى تم تغيير اللائحة مؤخرا، وأصبح
رئيس الجمعية هو رئيس المهرجان بحكم منصبه، مع اختيار مدير
للمهرجان وفروعه من أعضاء الجمعية.
ورغم الاستقرار الإداري ظل المهرجان يتمتع طويلا بسمعة سيئة، تتعلق
بسوء التنظيم والمشكلات الكثيرة التي تقع في أروقته، لكن بعد رحيل
المنتج ممدوح الليثي عن إدارة الجمعية والمهرجان، اللذين فرض سطوته
عليهما، في بداية 2013، بدأت الإدارة الجديدة برئاسة الأمير أباظة
بمحاولات تخليص المهرجان من الصورة الذهنية السيئة القائمة عنه.
في سبتمبر 2014، استضاف فندق هيلتون جرين بلازا في الإسكندرية
الدورة الثلاثين للمهرجان، والتي تضخم فيها عدد الأفلام والأقسام
الفرعية، لتعرض أفلاما من مختلف دول العالم، على هامش المسابقة
الرسمية المقتصرة على الأفلام المتوسطية.
وامتازت الدورة الأخيرة بحضور مكثف للنجوم المصريين الذين عادة ما
يغيبون عن المناسبات المماثلة، وعلى رأسهم المغني الأشهر محمد منير
الذي كرمه المهرجان كممثل، والنجم نور الشريف الذي أهديت الدورة
بأكملها لاسمه.
ثالثا: مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة:
هو أكثر مهرجان سينمائي مصري ذي طابع ثقافي رصانة، ربما لكونه
مهرجانا نوعيا متخصصا في الأفلام القصيرة والتسجيلية، التي لا
تعتمد غالبيتها على مشاركة النجوم، وعلى الإبهار المصاحب للأفلام
الروائية، وربما لإقامته في مدينة الإسماعيلية الهادئة الواقعة على
شاطئ قناة السويس، وهي ليست بالمقصد السياحي الذي يجذب أي فئة سوى
محبي السينما الحقيقية.
الأهم من هذه الأسباب هو حقيقة كون مهرجان الإسماعيلية حدثا ثقافيا
حقيقيا ذا سمعة دولية جيدة، وجائزته تمثل لمن يفوز بها قيمة أدبية
تفوق قيمتها المادية.
ترأس المهرجان المخرج والناقد المصري هاشم النحاس في العام 1991
أثناء توليه الإشراف على المركز القومي للسينما، الجهة المنظمة
للمهرجان، واستمر حتى 1995 ليتوقف بعدها ستة أعوام، اعتقد الجميع
خلالها أن المهرجان لن يعود للنور مجددا، قبل أن يعيده الناقد
الكبير علي أبو شادي، أثناء إدارته للمركز القومي للسينما في العام
2001، ويبث فيه الروح ليظل على رأسه عشر دورات كاملة حتى 2010. وقد
كوّن المهرجان خلال السنوات العشر سمعته الكبيرة ورسوخه كحدث
سينمائي سنوي مهم.
بسبب ثورة 25 يناير، تعطل المهرجان لمدة عام، قبل أن يعود برئاسة
مجدي أحمد علي وإدارة أمير العمري في العام 2012، ثم برئاسة المصور
كمال عبد العزيز وإدارة السينارست والمنتج محمد حفظي في الدورتين
التاليتين، وآخرهما الدورة 17، التي استضافتها الإسماعيلية خلال
يونيو الماضي، وخرجت بصورة جيدة حاول المهرجان فيها مواكبة
التطورات في عالم المهرجانات السينمائية المعاصرة.
رابعا: مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية:
بعد ثورة 2011، فتحت وزارة الثقافة في فترة الوزير عماد أبو غازي
الباب للتقدم بمشروعات لتنظيم مهرجانات سينمائية جديدة تدعمها
الوزارة.
الدعوة التي لم تسفر بعد العديد من المحاولات إلاّ عن مهرجانين
يقامان في المدينة نفسها، الأقصر، طيبة عاصمة مصر الفرعونية، التي
صارت في الأعوام الثلاثة الأخيرة محطة دائمة يتوقف فيها قطار
المهرجانات المصرية مرتين سنويا.
أهم المهرجانين، وأطولهما عمرا هو مهرجان السينما الأفريقية،
المهرجان النوعي الذي لم يكن أبدا فكرة مطروحة رغم بديهيتها، فمصر
صاحبة أعرق صناعة في القارة السمراء، والسينما في أفريقيا آخذة في
التطور بعجلة متسارعة، والبعد السياسي الإقليمي لحدث كهذا يكفي
وحده لدعمه بغض النظر عن أي حسابات فنية، وقد تم الأمر أخيرا من
خلال مؤسسة آي شباب المنظمة للمهرجان، والذي يرأسه منذ دورته
الأولى السينارست سيد فؤاد وتديره المخرجة عزة الحسيني.
الدورة الأولى أقيمت في مارس 2012، واستمر المهرجان بشكل سنوي في
الموعد تفسه حتى يومنا هذا.
برامج المهرجان بالكامل أفريقية الطابع، سواء في مسابقاته الرسمية
أو برامجه الموازية. ويعتبر مهرجانا كبير الحجم قياسا على عدد
الأفلام التي يعرضها، والكتب التي ينشرها، وورش العمل التي تقام
على هامشه. وستكون سينما بوركينا فاسو هي ضيف شرف الدورة الرابعة
المقامة في آذار مارس المقبل.
خامسا: مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية
المهرجان الثاني الذي أنطلق بعد ثورة 2011، بمبادرة من مؤسسة نون
للثقافة والفنون، ويرأسها المخرج محمد كامل القليوبي، لإقامة
مهرجان يجمع بين الثقافتين المصرية والأوروبية في أكثر مكان مصري
يتوافد الأوروبيون لزيارته. ترأس المهرجان الناقدة ماجدة واصف
ويديره فنيا الناقد يوسف شريف رزق الله.
المهرجان أصغر في الحجم والميزانية وعدد الضيوف من مهرجان السينما
الأفريقية، يحاول منظموه الاستعاضة عن كبر برنامج العروض باختيار
أفلام جيدة ومركزة، تمثل مزيجا بين جديد السينما في مصر وأوروبا.
الدورة الأولى للمهرجان أقيمت في سبتمتبر 2012، لكن ميعاد المهرجان
تغير بسبب الظروف السياسية بعدها لتقام الدورة الثانية في يناير
2014، ويجري الاستعداد حاليا للدورة الثالثة التي تفتتح يوم 24
يناير الحالي، وتستضيف السينما الفرنسية كضيف شرف، بعدما كانت
سينما بريطانيا وألمانيا ضيوفا لأول نسختين.
سادسا: مهرجان القاهرة لسينما المرأة
"بين سينمائيات" هو الإسم المتداول للمهرجان الذي أكمل دورته
السابعة خلال نوفمبر الماضي، وهي الدورة الثانية له كمهرجان دولي
لسينما المرأة، بعدما كان في النسخ الخمس الأولى مهرجانا لسينما
المرأة العربية واللاتينية، قبل أن تقرر مؤسسه المهرجان ورئيسته
أمل رمسيس أن تجعله ينطلق من قاعدة أوسع.
المهرجان صغير الحجم والميزانية حقا، لا يقارن بالخمسة السابقين
ولكن وجب ذكره بسبب تخصصه واستمراره طوال السنوات السابقة،
بالإضافة لأنه آخذ في التطور، فعروض دورته الأخيرة أقيمت في ثلاث
قاعات بعدما كان يقام في قاعة واحدة، وارتفع عدد ضيوفه الأجانب
كثيرا عما سبق.
في النهاية لابد من الإشارة لجهود أهلية محدودة يقوم بها البعض
لتنظيم مهرجانات سينمائية، منها مهرجان المنصورة ومهرجان طيبة
ومهرجان يوسف شاهين وعناوين أخرى كثيرة، لكن تبقى المهرجانات
الخمسة المذكورة، مع الفعاليات الثلاثة التي ذكرنا سبب عدم تناولها
في المقدمة، هي الأحداث السينمائية الأهم التي تقام سنويا في مصر. |