فنانة هزت عرش الفن المصرى بأقوى وأهم الحقائق والصدمات والنماذج
الإنسانية، فمن خلالها سجلت موقفها الواضح والمباشر من دور الفن فى
الالتفات إلى أكثر بؤر الخطر فى المجتمع المصرى، فعلى مدار أعوام
طويلة ظلت مستمرة فى رحلتها مع البحث عن هذه البؤر وإزاحة الستار
عنها من خلال نخبة هائلة من الأعمال الفنية الناجحة، سواء الدرامية
أو السينمائية, فمن منا لا يتذكر: «طيور الظلام، الإرهاب والكباب،
قضية رأى عام، فى أيدى أمينة، معالى الوزير»، وغيرها من الأعمال
التى صنعت تاريخ فنانتنا.
ومن خلالها أيضا كان لها الحظ بالوقوف أمام عمالقة الفن المصرى
والتعاون معهم من خلال أشهر الأعمال الفنية، لعل من أبرزهم عادل
إمام، نور الشريف، أحمد زكى من الممثلين، أما من المخرجين فيوسف
شاهين، خالد مرعى، شريف عرفة، عمرو عرفة وأيضا من الكتاب وحيد
حامد، محسن الجلاد، محمد جلال عبدالقوى، تامر حبيب، والكثير من
أسماء جيلها والأجيال التى تسبقه وأيضا الأجيال التى لحقت به،
معروفة بإيمانها الشديد بالمواهب الشابة، فعلى يدها ظهر العديد من
الوجوه الشابة فى جميع المجالات فهى كانت ومازالت همزة الوصل بين
الماضى والحاضر، بين الخبرة والموهبة، بين أجيال سابقة وأجيال
حاضرة، إنها خوشيار، شربات لوز، لقاء، أمينة، عبلة، هى النجمة يسرا
التى حضرت ببساطتها المتعارف عليها، ملبية نداء الصبوحة «مجلة صباح
الخير» ولديها من الحب والحنين ما يؤهلها لحديث مطول عن مشوارها
الفنى حيث البداية، أهم وأبرز المحطات ونقاش متبادل مع أبناء صباح
الخير الذين اجتمعوا أيضا بكل الحب للقاء محبوبتهم ومحبوبة الجميع
يسرا.
•
سرايا عابدين
•
سرايا عابدين وأحدث أعمالك الدرامية، ودور الملكة خوشيار، تلك
الشخصية التى فاجأت بها جمهورك خلال رمضان الماضى؟
-
أنا كممثلة عندما يعرض على دور بحجم وقيمة الملكة خوشيار لا يحق لى
التردد فى قبوله، فهذا الدور يعنى لى الكثير لكونه من نوعية
الأدوار التى من الصعب أن يحصل عليها الممثل بسهولة خلال مشواره
الفنى، هذا بالإضافة إلى الشكل المتعارف عليه للعمل التاريخى
المصرى الذى أراه لا يليق بتاريخ مصر، فما من عمل تاريخى مصرى تم
إنتاجه إلا تضمن الكثير من السلبيات، ورغم كل المحاولات يظل الشكل
العام لهذه النوعية من الأعمال سيئا، لذلك كانت فكرة تقديمى لعمل
تاريخى مستبعدة وخارج كل حساباتى الفنية بداية من الذقون مرورا
بالجلباب وصولا إلى اللغة العربية والأداء المسرحى الذى - بكل
صراحة - لا أتقنه، لكن بمجرد أن صادفنى «سرايا عابدين» بكل
إمكانياته الضخمة فهو أغلى عمل تاريخى عربى بلا مبالغة، حيث تجاوزت
ميزانيته الـ 22 مليون دولار، فالحقيقة أن إم بى سى لم تقصر فى حق
العمل على الإطلاق وهذا بالتحديد ما دفع بى وبالمخرج عمرو عرفة
لتنفيذ المسلسل والتحمس من أجله، وعليه جاءت «ستار جيت» لتنفيذ
المسلسل وعادل مغربى لتنفيذ الديكور ودينا نديم من أجل الملابس
وباقة من أشهر النجوم اجتمعوا معا من أجل تقديم هذا العصر بكل
جمالياته.
•
ولكن هذا العمل رغم الميزانية الضخمة والنجاح الكبير الذى حققه على
المستوى الجمالى، تباينت حوله الآراء خاصة فيما يخص الجانب
التاريخى الذى على أساسه كان للمشاهد بعض المآخذ على العمل وصناعه؟
-
بغض النظر عن الجانب التاريخى، فقد اتفقنا على استحالة رفضى لعمل
بحجم سرايا عابدين ودور بأهمية خوشيار، ولكن إذا عدنا إلى الجانب
التاريخى، فهذا الأمر أخذ من وقتنا ومجهودنا الكثير، حيث العديد من
المناقشات التى جمعت بين فريق العمل، وتحديدا إذا تحدثنا عن
المناقشات الخاصة بى وبالمخرج عمرو عرفة الذى فى كل مرة كان يؤكد
لى أننا لا نؤرخ لفترة من تاريخ مصر، بل نقدم دراما مستوحاة، وهذا
يعنى أن احتمال الخطأ والصواب من خلال الأحداث وارد، فعلى سبيل
المثال فيلم فيرست نايت للممثل ريتشارد جير، هذا العمل تناول
شخصيات حقيقية، ولكن من خلال أحداث لا نستطيع أن نجزم واقعيتها،
فالفكرة فى تناول فترة تاريخية أبطالها فى الواقع هم أبطال الفيلم،
هذا الأسلوب فى التناول متعارف عليه لدى جميع بلدان العالم، ولكنه
لم يسبق لنا تقديمه من قبل إلا من خلال سرايا عابدين، وهذا ما يحسب
للعمل وصناعه.
•
فى كثير من الأحيان يظل المرجع التاريخى لبعض فئات المجتمع من خلال
الأعمال الدرامية والسينمائية، وعليه يظل على مسلسل سرايا عابدين
مسئولية كبيرة تجاه المشاهد فى كيفية تناوله لعصر الخديو إسماعيل؟
-
للعلم نحن لم نخطئ فى حق الخديو إسماعيل، نظرا لتناول المسلسل
لطبيعته الشخصية التى ظهرت مغرمة بالنساء، رأفت الهجان كان عاشقا
للنساء، بكل إنجازاته، وغيرهما من الشخصيات التاريخية المعروف عنها
عشقها للنساء، الذى بالتأكيد لا يتعارض مع حقيقة الإنجاز الذى
قاموا به، فالفكرة أننا أحيانا ما نغفل حقيقة بعينها ألا وهى أن فى
التاريخ تحديدا لكل كاتب وجهة نظره تجاه كل شخصية أو حقبة تاريخية،
فهناك السلبى وهناك الإيجابى واليوم إذا تحدثنا عن الخديو إسماعيل
سنجد من يدينه ومن لا يدينه؟! فى النهاية أنا لا أتصور أن لدى أى
فرد منا حقيقة ثابتة حول هذه الشخصية، وعلى هذا الأساس تم تناول
الشخصية بهذا الشكل من خلال سرايا عابدين، الذى اعتمدت من خلاله
الكاتبة هبة مشارى حمادة على خيالها لتسمح ببعض المساحة من التوقع
للمشاهد، فالدراما لابد أن تحمل بعض الخيال وإلا فلا داعى لتقديمها.
•
ما حقيقة قيام إم بى سى بإنتاج فيلم وثائقى عن حياة الخديو
إسماعيل؟
-
بالفعل هناك إنتاج لفيلم وثائقى يروى قصة حياة الخديو إسماعيل من
إنتاج إم بى سى، الذى من المقرر أيضا أن يتناول أهم إنجازاته ولعل
الهدف الرئيسى وراء هذا الإنتاج هو توضيح حسن النية لـ إم بى سى
فيما يخص ما تناوله المسلسل من جانب إنسانى وجمالى لعصر الخديو
إسماعيل دون التركيز على إنجازاته، فى الوقت نفسه هناك كثير من
الحوارات المهمة التى سيتضمنها الفيلم حول كيفية تناول البعض لجزء
من التاريخ والاعتماد على خياله لتأليف عالم افتراضى مغاير وإن
تضمن بعض الأحداث التاريخية الحقيقية بعينها، ولكن مع بعض من
الاجتهادات الشخصية التى تعتمد على خيال الكاتب، والحقيقة أن هذه
الحوارات توصلت إلى أحقية الكاتب فى القيام بهذا الأمر دون أن يكون
فى ذلك أى نوع من التقليل من قيمة هذه الفترة التاريخية.
•
شربات لوز
•
مازلنا نتحدث عن مفاجآت يسرا لجمهورها ومن خوشيار ننتقل إلى مسلسل
«شربات لوز» الذى حقق نجاحا ساحقا أثناء عرضه لأول مرة؟ ماذا
تقولين عنه؟
-
حتى الآن مازلت فى حالة اندهاش من كيفية تناول الكاتب تامر حبيب
لشخصية شربات، فأحيانا أثناء التصوير كان يتحدث إلى بأسلوبها بناء
على رغبتى، وقد كنت أضحك مندهشة، ولكنه كان يؤكد لى أنها موجودة
بكل تفصيلة ظهرت من خلالها ضمن أحداث المسلسل، فأثناء التصوير كان
يصعب على أن يسقط منى شتيمة أو إيفيه خاص بشربات، فإلى أقصى مدى
أحببتها حتى إننى عشقتها، فهى من أحلى أدوار حياتى، لدرجة أننى
طلبت من تامر كتابة جزء ثان من شربات وأمام سمير غانم كذلك، إزاى؟!
لا دخل لى وإنما عليه ككاتب أن يجد طريقة لظهور سمير، والحقيقة أنه
وعدنى بذلك.
•
الآن حدثينا عن لقائك بالنجم سمير غانم؟
بصراحة لم أتوقع تحمسه للمسلسل والحصول على موافقته بهذه السهولة،
خاصة أن مسلسل شربات لوز كان بمثابة العودة بالنسبة له، وهذا
بالتأكيد أسعدنى كثيرا، والحقيقة أن للمخرج خالد مرعى دورا كبيرا
فى هذا الاختيار، فمنذ بداية الترشيحات وهو لم يكن يرى سوى سمير
غانم من خلال دور حكيم ولتقديم هذه الجرعة الكوميدية القوية،
وبالفعل وافق سمير على العمل ولكم أن تتخيلوا مدى متعة العمل أمامه
ومدى التزامه.
•
غيرة فنية
•
استكمالا لحديثنا عن الدراما برأيك من هى الشخصية التى تضمنها
مشوارك الفنى التى تكاد تشعر بغيرة أثناء حديثنا عن شربات أو
خوشيار؟
-
أعتقد أمينة فى مسلسل «فى أيدى أمينة»، فهذه الشخصية من خلال
التحضير لها اعتمدت على الكثير من الملفات الحقيقية من مجلس
الأمومة والطفولة التى تضمنتها أحداث المسلسل، حيث أهم وأخطر
القضايا مثل أولاد الشوارع، سوء معاملة الأطفال، تجارة الأعضاء،
ولكن هذا العمل برأيى دراميا تعرض للظلم، فقد كان من الممكن أن
يخرج بشكل أفضل ويحقق نجاحا وتأثيرا أقوى نظرا لقيمة العمل وتركيزه
على أكثر المناطق خطرا فى المجتمع، إلا أنه لم ينل حقه.
•
فنانة محظوظة
•
من الدراما إلى السينما وهذا العالم الذى تعاونت من خلاله مع أهم
وأبرز فطاحله من ممثلين ومخرجين وكتاب.. ماذا تقولين؟
-
أنا أعشق السينما، وأعشق هذه الجلسة أمام تلك الشاشة الكبيرة، بكل
تفاصيلها من إضاءة وصورة، يا لها من قدسية خاصة جدا، تنفرد بها هذه
الشاشة الساحرة، فأثناء مشاهدتى لأحدث أفلام الفنان كريم عبدالعزيز
«الفيل الأزرق» مؤخرا انتابنى شعور بالوحشة أمام شاشة السينما،
وشعور بالحنين، حقيقى السينما وحشتنى، ولكن إذا عدنا إلى الوراء
حيث الإرهاب والكباب، المولد، طيور الظلام وإذا كان من الممكن أن
أعود لتقديم أعمال بهذا الحجم وبهذه القيمة فإنه يكاد يكون مستحيلا
نظرا لاختلاف المناخ العام، والثقافة، فالمناخ اليوم أكثر قسوة
وعنفًا، فنحن كمصريين أصبحنا على هذه الحال ولن ننكرها، حتى إننا
لم نعد كما كنا فى الماضى، بالضبط كمن يرتدى قميصا لا يخصه، ففى
الماضى كانت هناك حالة من الألفة وكانت الابتسامة على وجه الجميع
نتبادل التحية دون أن نعرف بعضنا البعض فى الشارع، هذا الأمر للأسف
لم يعد موجودا اليوم فقد غاب عنا هذا الشعور بالألفة وغابت معه
الابتسامة، وحتى نتجاوز هذه الأزمة يظل للفن دوره وللإعلام دوره
وللصحافة أيضا.
•
نخبة هائلة من الأعمال السينمائية صنعت تاريخ النجمة يسرا أمر لا
خلاف عليه، ولكن من خلال هذه الرحلة هناك محطة لابد من الوقوف
أمامها وتوضيح أسباب تحمسك لها وإقدامك عليها، هذه المحطة هى
بعنوان «جيم أوفر» من إنتاج محمد السبكى؟
-
مبدئيا هذا الفيلم كنت أنوى شخصيا إنتاجه وهو فيلم شهير لجينفر
لوبيز، ولكن عقب الثورة توقف المشروع إلى أن فوجئت باتصال من
السبكى الذى عرض عليّ العمل معه أكثر من مرة على سبيل المثال الرجل
الثالث، إلا أنه لم يحدث توفيق، ولكنه هذه المرة عرض عليّ إنتاج
الفيلم نفسه الذى كنت أنوى إنتاجه، أولا المنتج محمد السبكى لديه
ذوقه الخاص، وهنا يظل السؤال الأهم: من دون السبكية من هم المنتجون
المتواجدون بشركاتهم المعروفة للجميع استطاع أن ينتج ويجازف
بأمواله لإنتاج أعمال سينمائية خلال الأربعة أعوام الماضية، فهذا
الحرص الشديد من قبلهم على التواجد أمر يحسب لهم، فيلم مثل ريجاتا
على سبيل المثال أنا قرأته لأنه كان معروضا عليّ، ولكن لم يتم
الاتفاق، ولعل السبب الوحيد أننى لم أر نفسى فى الدور، لا شكلا ولا
مضمونا، وهذا بصرف النظر عن أهمية موضوع الفيلم وقضاياه من البطالة
والهجرة، نفس الشىء من خلال فيلم «جيم أوفر» الذى حقق تسعة ملايين
جنيه فى ظل حظر التجول وتم تحميل أغنيته ما يقرب من الـ 15 مليونا،
ولكم أن تتخيلوا حالتى أثناء تسجيلها ؟! ولكن جرأة السبكى ومجازفته
برأس ماله من أجل صناعة السينما أمر لابد أن يحسب له فلولاهم ما
استمرت الصناعة، بغض النظر عن فكرة تقديمه لنوعية أعمال معينة من
وجهة نظره يحاكى بها جميع الأذواق، فهو بالتأكيد يتمنى تقديم أعمال
جيدة، ولكن أيضا يسعى لتحقيق مكسب منها فهو يعمل على جذب جميع فئات
المجتمع وتقديم ما يتناسب مع أذواقهم، السبكى عاشق للضحك ولا يحبذ
البكاء وعليه لابد أن نتذكر إيجابياته كما نتذكر سلبياته.
•
مؤدية لا مغنية
•
عالم آخر كانت لديك بصمتك الخاصة جدا من خلاله من حين لآخر، هذا
العالم هو عالم الغناء الذى من خلاله كانت البداية بالنسبة لك؟
-
حقيقى إن أول ظهور لى إعلاميا كان من خلال برنامج على الناصية لعمر
بطيشة، وكنت برفقة والدى، ووقتها طلب منى عمر تقديم نفسى، وبعدها
سألنى عن إمكانية دخولى إلى عالم الفن وإن كنت أجيد أى مهارات فنية
وبكل حماس أجبته إننى أجيد التمثيل والغناء والرقص، وعليه طلب منى
تقديم أغنية بصوتى، وبالفعل غنيت وكانت الأغنية للفنانة سميرة
توفيق باسم بيع الجمل يا على، كنت وقتها فى السابعة عشرة من عمرى،
بعدها دخلت إلى عالم الفن وأنا فى عمر الثامنة عشرة والنصف، وكان
ذلك من خلال ترشيح مدير التصوير عبد الحليم نصر لى لبطولة أحدث
أفلامه بعنوان «قصر فى الهواء»، حيث شاء القدر أن يستمع إليَّ فى
الراديو أثناء لقائى بعمر بطيشة، وبالفعل حدث اللقاء الذى لم أكن
أتوقعه نظرا لعظمة وقيمة هذا الإنسان، فقد كنت أرتعش أثناء لقائى
به، فى اندهاش من الأمر هل هو حلم أم علم، ولكنه كان علما وبعدها
قدمت فيلم قصر فى الهواء الذى أحبه كثيرا ولديه مكانة خاصة فى قلبى
لأن منه كانت البداية، الجدير بالذكر عدم استمرار هذا الفيلم بدور
العرض سوى لثلاثة أيام فقط، وبالمناسبة حصلت عنه على ألف جنيه
أجرا، من خلال هذا الفيلم غنيت أيضا بعض الأغانى ومن وقتها وأنا
أعشق الغناء، فمن الأغانى التى غنيتها من خلال قصر فى الهواء التى
لم أستطع نسيانها حتى وقتنا هذا كانت كلماتها تقول «روحى فيك،
عايشة لك، كلى لك، حتى بعد العمر تفضل روحى فيك، لو نسيت روحى
ونسيتنى الهموم لو ينام ليلى ونهارى، لو أسيب الدنيا وأسكن فى
النجوم، كل يوم كل ثانية فى عمرى تفضل بردو ليك». خطورة هذه
الأغنية كانت فى طريقة تصويرها ورغبة المخرج فى التقاطها من أول
مرة لهذا مكثت وأنا أرتعش أحفظ فى كلماتها وأذاكرها بكل تفاصيلها
من تعريب وأداء، لهذا تجدوننى مازلت أتذكر كلماتها جيدا.
•
الحس الوطني
•
من الفن إلى السياسة ومرارة الشعور بالغربة التى انتابت الفنانة
يسرا عقب ثورة 25 يناير! ماذا تقولين؟
-
هناك فارق كبير بين من يسعى للوصول دون النظر حوله ويريد اغتيال
بعض الشخصيات الناجحة لمجرد كونهم ناجحين، مع إغفاله لرحلة نضال
هؤلاء البشر، التى سبقت هذا النجاح، وبين أى شخص آخر، إنه شعور
بالكراهية غير مبرر والغل الشديد ظهر من قبل البعض وقتها دفعنى
للشعور باليأس والبحث عن الخطأ الكبير الذى ارتكبته فى حق البعض
والذى كانت نتيجته كل هذه الكراهية، حتى إننى كانت لى تصرحات
وقتها، وهذا يحق لى خاصة فى ظل الشعور بالغربة فى بلدى وبين
المحيطين بى، فأنا لم أعد قادرة على الحديث، أو على الشعور
بالأمان، حتى إننى فقدت الثقة فى كل من يحيط بى، وبالفعل تم نقلى
إلى أحد المستشفيات عقب تدهور حالتى، ولم يستطع إخراجى من هذه
الحالة سوى شربات فى شربات لوز، فقد قررت من وقتها عدم الحديث عن
السياسة والخروج للعمل من خلال عمل بسيط وكوميدى عن الست المصرية
الجدعة الشعبية بدمها الخفيف، بالمناسبة أنا لست سياسية، ولكن لدى
الحس الوطنى، الذى أكاد أستشعر من خلاله الخطر قبيل قدومه، ففى يوم
28 يناير كنت خارج مصر، ولكننى كنت أتحدث إلى إحدى صديقاتى فى مصر
وقتها وأثناء الحديث عن حال مصر قلت لها الإخوان قادمون، فليست
هناك ثورة حقيقية ناجحة بدون استراتيجية، فللأسف لدى البعض مفهوم
خاطئ عن الثورة وتحديدا لدى الشباب الصغير.
•
مشهد فى غاية الأهمية والمسئولية ولقاؤك بالرئيس عبدالفتاح السيسى
أثناء الاحتفال بعيد الشرطة والمسئولية التى وضعها على عاتقك
كفنانة أثناء هذا اللقاء ومداعبته لك وللفنان أحمد السقا قائلا:
«والله هتتحاسبوا على اللى بتقدموه»؟
-
لم يكن مشهدا أو حديثاً عابرا وإنما هو بالفعل نابع من إنسان على
وعى تام بقيمة الفن ومدى تأثيره فى التوحيد بيننا كما كان دائما،
وتأثيره على المجتمع بشكل إيجابى، وهذا بالتأكيد يضع على عاتقى
مسئولية كبيرة، فالفن هو ضمير الأمة، من خلاله نرى سلبيات
وإيجابيات هذا العالم، فهذا المشهد اتخذه البعض على محمل الغيرة
والبعض لم يتخذه على محمل الجد، والبعض بث فيه سعادة بالغة، أما
بالنسبة لىَّ فقد اتخذته من زاوية أخرى ألا وهى المسئولية كفنانة،
كيف نستطيع كفنانين الارتقاء بالفن، ولكن هذا الارتقاء لا يعنى
إنتاج كتاب عن الأخلاق والأدب، فإذا كان الأمر متوقفا على كتاب
فنحن قادرون على قراءته، لكن تقديم الفن أمر مغاير وفرضه يبدأ من
تحديد السبب وراء الحالة التى أصبحنا عليها اليوم، ومن وجهة نظرى
ما أدى بنا إلى هذه الحالة هو المناخ العام مما لا شك فيه، فإذا
تحدثنا عن قصة حب تم تقديمها فى الخمسينيات أو الستينيات من الصعب
استيعابها فى ظل ما نمر به اليوم من ظروف مناخ أصبحت لغة
العشوائيات هى القادرة على فرض نفسها، وللأسف لن نستطيع تجاهل
وجودها، ولكن لابد من الحديث بلغة أهلها فى البداية ومن ثم نأخذ
بأيديهم نحو الأمام، لابد من المجادلة ونحن على أمل وقادرون على بث
الأمل تدريجيا فيهم.
•
وبرأيك ما السبب وراء هذه الحالة التى أصبحنا عليها اليوم؟
-
مبدئيا أنا مشفقة على رئيسنا، فكل شىء فى حاجة إلى إعادة بناء، أما
بالنسبة للحالة التى أصبحنا عليها فهى لم تأت من فراغ، بل هى نتيجة
لعوامل كثيرة منها الفقر والجهل، الصحة المتدهورة، والحلم الميت،
وغيرها الكثير من العوامل، التى أعتقد أننا على دراية تامة بها وإن
كان هذا ليس بالمهم برأيى، فالأهم كيفية تجاوز هذه العوامل والوصول
إلى الأفضل، بالعمل وبتحكيم ضمائرنا والإيمان بما نقوم به.
•
شخصيات فى حياتها
•
أخيرا لا يحق أن نختتم الحوار قبل أن نلقى الضوء على أهم وأبرز
الشخصيات فى حياة يسرا الفنية والإنسانية أيضا، دعينا نبدأ من يوسف
شاهين، عادل إمام، نور الشريف، أحمد زكى، وحيد حامد؟
-
فى البداية إذا تحدثت عن يوسف شاهين أستطيع أن أجزم أنه أساس فى
حياتى الفنية، وبقدر ما كان ديكتاتورا بقدر ما كنت أحترم وبشدة
ديكتاتوريته، فهو الأقدر على الحصول على ما يريده من أى ممثل عن
رضا، وتستطيع أن تلمس رضاءه عن أدائك من كثرة إيحاء عينيه وهو ينظر
فى عينيك، يا له من عبقرى!
أما عادل إمام فكل ما أستطيع قوله إننى حضنت الدنيا من خلاله،
خاطبت معه العالم بكل فئاته على مدار سبعة عشر فيلما، كان كل فيلم
من بينها حدوتة كبيرة بالنسبة لى.
ننتقل إلى نور الشريف، الذى بلا مبالغة يعد واحدا من أعظم
الفنانين، فكم هو قادر على احترام الكبير والصغير ويمنحك الفرصة
كممثل، بل يضيف إليك، أنا عملت معه ثانى فيلم فى حياتى وحصلت من
خلاله على جائزة أفضل ممثلة من المركز الكاثوليكى، هذا بخلاف
الجانب الإنسانى فهو صديق غالٍ ومن أرقى ما يمكن، ذكاؤه خارق فى
قراءة الشخصيات. من نور الشريف إلى أحمد زكى هذا الممثل العبقرى،
إنه الصديق والأخ، فأنا لن أنسى أثناء تواجدى معه فى أيامه
الأخيرة، وكان وقتها يتألم فى صمت ولكننى شعرت به، وهنا طلبت منه
أن أغادر الغرفة ليكون على راحته ولكنه أجابنى بكلمات لن أنساها
أبدا «انتى عايزة الشمس تخرج من الغرفة»، حتى الآن لم أستطع أن
أحصل على صديق مثلك يا أحمد، أيضا الكاتب الكبير وحيد حامد الذى
يعد المرآة التى أرى فيها عيوبى ومميزاتى، فما من قرار كنت فى حيرة
بشأنه إلا وكان وحيد دليلى فى تحديد موقفى، إنسان لديه نظرة
مستقبلية للأشياء وكأنه ترموميتر وطنى مخيف، قلبه يؤلمه مع كل ألم
يشعر به وطنه.
•
مواقف إنسانية عديدة جمعت بينك وبينها، التى إن دلت فهى تدل على
مدى الصداقة والحب الذى يجمع بينكما، حدثينا عن إلهام شاهين؟
-
إلهام شاهين فنانة جميلة ورائعة، وشخصية من أجدع وأنقى الشخصيات
الحقيقية وبعمرى ما هنسى قوتها، وصلابتها من أجل الحق وانتصارها
الذى انتصرت به لنا جميعا، هذا بخلاف المواقف الإنسانية الشخصية،
فعلى مدار شهر ونصف الشهر كانت إلهام بجوارى فى محنتى الأخيرة، لم
تتركنى حتى بداخل غرفة العمليات.
•
وماذا إذا قلنا صلاح جاهين؟
-
حبيب قلب عمرى، ففى أول اتصال بيننا قال لى: «أنا أتخن واحد فى مصر
معجب بك»، فما من يوم إلا وكانت بينى وبين صلاح مكالمة للاطمئنان
على، فعندما زرته لأول مرة فى مكتبه فوجئت بثلاث صور فى مكتبه صورة
للسندريلا سعاد حسنى وصورة أحمد زكى وصورتى فأنا ولا مرة تخيلت أن
تكون لى صورة فى مكتب صلاح جاهين.
•
أخيرا إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى؟
-
إحسان عبدالقدوس تحدث إلى عقب مسلسل أنف وثلاث عيون وإذا به يشيد
بأدائى قائلا: «إننى أكثر ممثلة استطاعت تجسيد ميتو كما ينبغى».
أما يوسف السباعى فاللقاء الوحيد الذى جمع بينى وبينه كان أثناء
توليه للوزارة ووقتها كان فى زيارة لأحد المعارض الذى كان يتضمن
تمثالا لى من إنتاج السجينى ووقتها حرصت على الحضور والمكوث بجوار
تمثالى لمدة طويلة، إلى أن حضر يوسف السباعى وقام بجولته فى المعرض
دون أن يلتفت نحو تمثالى فإذا بى وأثناء مغادرته للمعرض أناديه
وبصوت عالٍ لأسجل اعتراضى على عدم التفاته للتمثال الخاص بى لأفاجأ
به يعود إلى ليشاهد التمثال بكل شياكة وتقدير.
وتنتهى الندوة ويحرص الحضور على التقاط الصور التذكارية مع النجمة
يسرا التى لقبها المشاهدون بـ«ملكة القلوب».
• |