«خارج
الخدمة» للمصري محمود كامل:
سينما مختلفة تلامس الواقع ولا تشبع الجمهور
رانيا يوسف - القاهرة ـ «القدس العربي»
رغم مرور أكثر من 6 سنوات على انطلاق تجربة المخرج إبراهيم البطوط
في فيلمه الروائي الطويل «عين شمس» الذي دشن به أول ذاكرة حقيقية
في تاريخ السينما الموازية، أو كما يطلق عليها في مصر تيار السينما
المستقلة، إلا أن بعض تجارب هذا التيار لازالت تفتقد التواصل مع
جمهور السينما التجارية أو السائدة، مع ذلك ظل هذا النوع من
الأفلام قليلة التكلفة، أو التي تمت صناعتها خارج إطار شركات
الإنتاج الكبرى، يقاوم حصار هذه الشركات وسيطرة الموزعين على دور
العرض على مدار العشر السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تحملهم
مضايقات جهاز الرقابة وقوانين نقابة المهن السينمائية التي لا تعطي
تصريحا بمزاولة المهنة سوى لأعضائها.
أما المخرجون الهواة فعليهم دفع مبلغ من المال قد يوازي أضعاف
ميزانية الفيلم للحصول على هذا التصريح. ساهمت تجربة إبراهيم
البطوط والمخرج أحمد عبد الله في اختبار تفاعل الجمهور مع هذا
النوع من الأفلام التي تحمل فكرا مختلفا عن السائد، وتقدم بإسلوب
فني لم يعتد عليه الجمهور، لكن تأثيرها لم يشعر به الجمهور العادي
الذي اعتاد على التلقين في الأفلام التجارية التي تعتمد على تسطيح
ذائقته وتغييب وعيه، ولكن تأثيرها كان في نطاق محدود من الشباب
الذي تمرد على تغييب وعيه، في ما تقدمه سينما السبكية وما شابه،
هذا الجمهور لازال محدودا لكنه ساهم في دعم استمرار إنتاج الأفلام
قليلة التكلفة وتحويلها من تجارب عشوائية إلى بداية تأسيس كيانات
إنتاجية صغيرة تساهم في تمويل بعض مشاريع المخرجين الشباب.
آخر هذه التجارب التي لم تصمد في دور العرض أكثر من أسبوع واحد هو
فيلم «خارج الخدمة»، وهو من نوعية الأفلام التي لا تتجانس مع ذوق
جمهور أفلام السبكي، الفيلم ينتمي إلى النوعية التي لا تعتمد على
تلقين الفكرة أو تنميط الأسلوب، بينما يحاول المخرج محمود كامل
لأول مرة الاهتمام بالمضمون الفني أكثر من مغازلته شباك التذاكر،
كما في أعماله السابقة، يسأل الجمهور الذي لم يجد على الشاشة راقصة
وبلطجيا واغنية شعبية ومعارك مفتعلة، عن معنى الفيلم، ليؤكد
المفهوم السائد والمخزي في الوقت نفسه، الذي يقسم السينما إلى
أفلام تعجب الجمهور لكنها لا ترضي النقاد، وأفلام ترضي النقاد
لكنها لا تحقق أي نجاح جماهيري، الفيلم أنتج بميزانية صغيرة
بمشاركة أبطاله الفنان احمد الفيشاوي والفنانة شيرين رضا، شاركا في
تأسيس شركة إنتاج جديدة تساهم في تمويل هذا النوع من المشاريع قليل
التكلفة، ولكن هل تستطيع تلك التجمعات في مواجهة سيطرة الكيانات
الإنتاجية الكبرى التي تحتكر أيضا بعضها توزيع الأفلام في دور
العرض.
الفيلم هو التجربة الأولى للسيناريست عمر سامي، الذي يقدم فيه
معالجة جريئة لظواهر اجتماعية ونفسية للمجتمع المصري، حاول أن
يربطها بتغير الأوضاع السياسية، خاصة بعد الثورة، وربما يعتبر
الفيلم من أوائل الأعمال التي ابتعدت عن المباشرة في تناول ثورة
يناير/كانون الثاني، وحاولت رصد أوضاع الشارع التي لم تتغير ولم تع
بوجود أي تغيير سياسي، من خلال قصة جمعت بين شخصيتين متناقضتين شاب
فقير يأكل من صناديق القمامة، يقوم بدوره الفنان أحمد الفيشاوي في
دور يضيف إلى رصيده الكثير، وسيدة تعيش وحيدة بعد وفاة زوجها،
قدمتها الفنانة شيرين رضا، حيث جمعهما شغفهما بتناول المخدرات، وجد
كل منهما في الآخر ما يكمله، تعايشا معاً في غياب كامل عما يحدث
حولهما، السيناريست عمر سامي قدم شخصية المرأة والرجل التي تعكس
نموذجا مصغرا لتغييب وعي المصري، من دون تصنيف جنسي أو عمري أو
اجتماعي، الشاب الذي لا يجد قوت يومه، يسرق ليشتري المخدرات، فيجد
مقطع فيديو لسيدة تسكن في الشارع نفسه تقتل طفلة، يذهب إليها
ليبتزها ويقايضها على الفيديو، لكنها تصدمه بأنها لا تملك المال،
فيقدم على اغتصابها أكثر من مرة، وتنشأ بينهما علاقة حميمية تنقذها
هي من وحدتها وتنقذه هو من تشرده، ويجتمعان على تجربة أنواع كثيرة
من المخدرات، يغيبان عن الحياة لساعات طويلة، يقطع المخرج هذا
الغياب بفاصل صغير يأتيهما من صوت التلفاز الذي يذيع ما يحدث في
ميدان التحرير وميادين مصر، لكنهما يعودان مرة اخرى إلى تناول
جرعات أكبر من المخدر يفقدان بسببها الوعي عما يحدث حولهما.
المخرج محمود كامل حاول أن يخلق حالة من التماس بين حالة الفوضى
الأخلاقية التي اجتاحت المصريين بعد الثورة، والفوضى النفسية التي
يعانون منها قبل وبعد التغيير السياسي الذي لم يحصدوا ثماره، الكبت
الجنسي والقهر الإنساني وانتشار الفقر والجهل وتدني مستوى المعيشة،
كلها أوضاع بقيت على حالها، فلم يجد قطاع كبير ممن فقدوا الأمل في
تحسين أحوالهم المعيشية سوى الارتفاع عن الأرض وتغييب وعيهم بمزيد
من المخدرات، مثل بطلي الفيلم، اللذين حصرهما المخرج في ديكور
الشقة المحدود جداً والذي يناسب استسلامهما وانفصالهما عن الواقع،
نراهما لا يفيقان إلا كي يعودا إلى تناول المخدر او لممارسة الجنس،
لا يغادران البيت إلا لشراء المخدرات أو الطعام.
الفيلم هو التجربة الخامسة للمخرج محمود كامل، لكنه مع ذلك يعتبر
التجربة الأولى بعيداً عن السينما التجارية بمفهومها السائد، رغم
الإقبال الجماهيري المحدود عليه، إلا أنه يعتبر التجربة الأنضج بين
أعماله السابقة. الإقبال الجماهيري لم يعد منذ زمن طويل هو المقياس
الصحيح لاختبار نجاح أو فشل أي عمل فني، قد تتغير الأذواق مع الوقت
ولكن العمل الجيد يبقى في الذاكرة.
مهرجان «غوادلخارة» (وادي الحجارة) للأفلام في المكسيك:
حلم الجميع هو الذهاب إلى هوليوود
حسام عاصي - غوادلخارة (المكسيك) «القدس العربي»:
فوز مخرجيين مكسيكيين وهما اليخاندور انريتو غونزاليز والفونسو
كوران ، بجائزة الاوسكار لأفضل مخرج هذا العام والعام الماضي
بالتوالي لفت انتباه المراقبين للسينما المكسيكية التي منذ نهضتها
في ثلاثينيات القرن الماضي انتجت نجوما عالميين اخترقوا سور
هوليوود ووصلوا الى قمتها، مثل سلمى حايك التي رُشحت لأوسكار افضل
ممثلة عن دورها في فيلم «فريدة» عام 1999، والممثل داميات بشير
الذي رُشح لاوسكار افضل ممثل عن دوره في فيلم «حياة افضل (2011)»
والمصور إيمانويل لوبيزكي الذي حاز على 6 ترشيحات اوسكار لأفضل
مصور وفاز باثنتين منهما عن فيلمي «الجاذبية (2013)» و «الرجل
الطائر (2014)» والمخرج غيليرمو ديل تورو الذي حصل فيلمة «متاهة
بان (2006)» 3 جوائز اوسكار. السؤال الذي يتبادر للذهن هو هل
انجازات المواهب المكسيكية تعكس وضع السينما في بدلهم؟
للجواب على هذا السؤال، تقبلت دعوة لحضور الدورة الـ30 لمهرجان
غواد الخارة للأفلام وهو يعتبر الاكبر في المكسيك وامريكا
اللاتينية، ويستقطب صناع افلام وشركات توزيع وإعلاميين من كل انحاء
العالم. ويعقد المهرجان سنويا في شهر آذار/مارس في ثاني أكبر مدينة
في المكسيك وهي غواد الخارة المسماة على اسم المدينة الاندلسية
«وادي الحجارة».
كل عام يركز الفيلم على سينما عالمية معينة ويستضيف صانعيها. فهذا
العام كان حضور خاص للسينما الايطالية التي مُثلت بعرض 34 فيلما
وكان ضيف الشرف المخرج الايطالي المعروف برناردو بيرتوليشي الذي
افتتح فيلمه «أنا وانت» المهرجان ولكنه لم يتمكن من الحضور لاستلام
جائزة التكريم وذلك لأسباب صحية.
الأفلام التي تُعرض في المهرجان هي عادة الافلام المستقلة، ضئيلة
تكلفة الانتاج، التي لا يمكنها ان تتنافس مع افلام هوليوود الضخمة
التي تسيطر على صالات السينما في المكسيك بنسبة ٪93. «هناك قانون
في المكسيك يفرض على صالات السينما ان تخصص 10٪ من عروضها للأفلام
المكسيكية المحلية ولكن لا أحد يلتزم بذلك، وتبقى تلك الافلام
معزولة في صالات العرض الهامشية التي يصعب على الجمهور الوصول
اليها،» يقول مدير المهرجان ايفان تروجيلو.
اذن تواجه السينما المكسيكية التحديات التي تواجهها كل سينمات
العالم وهي منافسة افلام هوليوود التجارية ومن هنا تنبع اهمية
مهرجان غواد الخارة، الذي يسلط الضوء على الأفلام المكسيكية
واللاتينية من خلال الترويج لها وتقديم صانعيها للجمهور والاعلام
وايصالها للموزعين العالميين. كما قابلت ايضا الكثير من المخرجين
والمنتجين الذين حضروا مع مشاريعهم بحثا عن دعم مادي ومشاركين في
الانتاج. وقد أخبرني بعضهم ان المهرجان، الذي ترعاه جامعة غواد
الخارة، كان ساعدهم في انتاج مشاريعهم السابقة من خلال ربطهم
بممولين وشركات انتاج.
قبل عامين، حاول منتجون مكسيكيون تقليد هوليوود ونجحوا في صنع
فيلمين كوميديين تجاريين على نمط هوليوودي، حققا أرباحا تضاهي
إيرادات افلام هوليوود وهما «تعليمات غير مشمولة» و»نحن النبلاء».
هذان الفيلمين حققا أرباحا في المكسيك تضاهي دخل افلام هوليوود
فضلا عن اجتياح السوق الامريكي وتصدر إيرادات شباك التذاكر هناك،
وذلك بفضل وجود جالية لاتينية كبيرة في الولايات المتحدة. ويذكر ان
استوديوهات هوليوود كانت وراء تسويق وتوزيع هذين الفيلمين. «نجاح
هذين الفيلمين كان حظا عفويا» يقول تروجيلو ضاحكا. «فكل المحاولات
اللاحقة لإنتاج افلام مشابهة باءت بالفشل ولم تحقق اي ارباح، وذلك
لأن الجمهور يريد اشياء جديدة وخيالية وهذا يتطلب ميزانيات عالية.»
قلة الأموال وغلاء تكاليف صنع الافلام الابداعية والخيالية هو ما
يدفع بالمواهب المكسيكية للذهاب الى هوليوود. فكل النجوم الذين
ذكرناهم اعلاه لا يعيشون في المكسيك وان معظم افلامهم كانت من
انتاج هوليوودي، مثل فيلم كوران «الجاذبية (2013)» الذي كلف ما
يزيد عن 160 مليون دولار وفيلم المخرج ديل تورو «باسيفيك ريم
(2013)» كانت ميزانيته ما يعادل 200 مليون دولار. هذان الفيلمان
لقيا نجاحا هائلا في سوق التذاكر المكسيكي ولكن الغريب هو ان فيلم
انريتو غونزاليز «الرجل الطائر»، الذي حصد اهم جوائز الاوسكار هذا
العام، لم يدر ارباحا تذكر. «الشعب المكسيكي كان فخورا جدا بنجاح
الفيلم ولكن فيلما فنيا كهذا، بعيد عن الواقع المكسيكي، ولا يستقطب
الجماهير» يعلق تروجيلو.
ولكن السبب الاهم الذي يحث الفنانين المكسيكيين لترك بلدهم هو
الوضع الأمني المتأزم. فمنذ ان اعلنت الحكومة الحرب على تجار
المخدرات عام 2006، لقي أكثر من 100،000 شخص حتفهم وانتشرت عمليات
الاغتيال والاختطاف في انحاء الدولة مما ادى الى تفادي السياح لها
وخسارة فادحة في قطاع السياحة الذي كان مصدر رزق الكثير من
المكسيكيين. فعندما وصلت إلى غواد الخارة، وهي مدينة آمنة نسبيا،
حُذّرت من الخروج من الفندق خوفا من ان أُختطف. وهذا ما أشار إليه
ديل تورو، وهو ابن هذه البلد وأحد مؤسسي هذا المهرجان، في مؤتمر
صحفي هنا: «أنا اخاف ان امشي بحرية في بلدي. أشعر انني امشي في حرب
وليس هناك جدار ليحميني من الرصاص. هذه ليست ازمة اجتماعية وانما
انحلال اجتماعي مطلق.»
ويذكر ان ديل تورو هاجر من بلده قبل 10 اعوام بعد ان أُختطف والده
وطالب المختطفون فدية لإطلاق سراحه. في النهاية تم إنقاذ ابيه
ولكنه لم يصنع فيلما في المكسيك منذ «ذي ديفيل باكبون» الذي اخرجه
عام 2001. ولكن رغم مخاطر العنف، يصر ديل تورو على انه سيعود الى
المكسيك لإخراج فيلم هناك وهو «الملاك الفضي»، الذي يتناول قصة
انتقام تدور بين مصارع ومصاص دماء. «اذا لم امت من سكتة قلبية، سوف
اصنع هذا الفيلم،» يقول ساخرا وملمّحاً لوزنه الثقيل.
رغم كل المصاعب والتحديات التي تواجهها السينما المكسيكية الا انها
نجحت في خلق مواهب عالمية. فبدون نجاح افلامهم المكسيكية مثل
«قديسون (1999) لانريتو غونزاليز و»وأمك أيضا» لانفانسو كوران، لما
تمكن هؤلاء الفنانين من اختراق هوليوود. ولكن في الوقت نفسه يمكن
القول انه لو انهم بقوا في المكسيك لما وصلوا الى النجومية التي
حققوها في امريكا.
هناك طبعا عوامل أخرى تساهم في اندماج الفنانين المكسيكيين في
هوليوود مثل وجود جالية مكسيكية كبيرة في لوس انجلس والولايات
المتحدة تحضنهم وتتدفق لمشاهدة افلامهم في صالات السينما. كما انهم
يتميزون عن غيرهم من المخرجين في معالجة مواضيع حاضرة بقوة في
الثقافة المكسيكية مثل العائلة والدين اضافة الى ميلهم لمزج جانب
من الفنتازيا بتأثير من الواقعية السحرية للأدب الأمريكي اللاتيني.
«نجاح المكسيكيين في جوائز الأوسكار الهم الكثير من الاجيال
الصاعدة في المكسيك لصنع الافلام وزاد اهتمام الشعب بالسينما،»
يقول تروجيلو. ولكنه يعترف ان حلم كل مخرج شاب في المكسيك هو
الوصول إلى هوليوود وليس البقاء في المكسيك. |