«الهروب
الكبير».. للبطولة معانٍ كثيرة
عبدالستار ناجي
حينما عرض فيلم الهروب الكبير للمرة الأولى عام 1963 صنف ضمن افلام
المغامرات، ولكن النقاد يومها اكدوا بانه فيلم حربي من الطراز
الأول، وضمن قيمة عالية، على صعيد تفسير دلالات البطولة والتحدي،
وحينما شرعت شخصياً بالبحث عن الاعمال الخاصة بهذه السلسلة حرصت ان
يكون هذا العمل في المرحلة الاخيرة، لهدفين اساسيين، اولهما الذهاب
الى معان جديدة من الدلالات التي تحملها الافلام الحربية، بعيداً
عن الانتصار والخطط العسكرية والبطولات المباشرة.
فيلم الهروب الكبير، يتمحور حول هروب عدد من سجناء الحلفاء ابان
الحرب العالمية الثانية، من معسكر اسرى الحرب تحت سيطرة الالمان،
من بطولة ستيف ماكوين وجيمس غارنر وريتشارد اتنبرو.
الفيلم يستند الى نص روائي بنفس الاسم من توقيع الروائي بول بريخيل،
وهو يستند الى احداث واقعية، مع قصص متخيلة، ولكن جملة الاسماء
لرجال حقيقيين عاشوا التجربة، ونعني تجربة الهروب من معسكر لونت
الثالث في ساغن ببولندا، والتي كانت تخضع لحكم وسيطرة واحتلال
النازية، والفيلم من انتاج واخراج جون ستراوس.
يذهب بنا الفيلم الى العام 1943، الى احدى المعسكرات الالمانية،
لاسرى الحرب من جنود وضباط الحلفاء وبريطانيين واميركان وفرنسيين..
يخضع ذلك المعسكر الى سيطرة النازية، وبقيادة العقيد الالماني
الصارم فون لوغر والذي يؤكد دائماً بانه لا هروب من هذا المخيم او
المعسكر نظراً لما يتمتمع به المعسكر من ظروف امنية صارمة..
ودقيقة، واي محاولة للهروب وتجاوز الاسوار الشائكة تواجه بالرصاص..
والموت..
ويشير الفيلم الى عدد من المحاولات التي قام بها عدد من الاسرى
الذين لقوا حتفهم على الاسلاك الشائكة وبرصاص الحرس الذي لا يعرف
أي لغة غير اطلاق النار. بينما يواصل العقيد فون لوغر اوامره بمزيد
من الصرامة.. والقسوة سواء في التعامل مع الاسرى.. او حتى جنوده،
لتجاوز أي خلل.
وفي المقابل، نتابع الاجتماعات المتكررة للضباط والجنود الاسرى من
الحلفاء، والذين يفكرون بالعديد من الخطط، من أجل الهروب، حتى تأتي
فكرة حفر نفق تحت المعسكر ليتجاوز الاسلاك الشائكة.. والنفاذ الى
خارجه.
وهي محاولة تتطلب كثير من التخطيط والعمل السري والتنسيق بين
السجناء الاسرى لتجاوز ذلك الخطر.. وتلك الاسوار العالية.
ويتم التحرك على مجموعة من المستويات اولها تخطيط مسار النفق، ثم
البحث عن المعادل وادوات الحفر، وايضاً وسائل التهوية، خصوصاً وان
النفق يمتد لامتار عدة تحت الارض، وهو ما يتطلب حرفية عالية في
الحفر، والتخلص من التراب والابحار دون اشعار او لفت انتباه الحرس
والجواسيس.
ويتم التحرك لحفر ثلاثة انفاق في وقت واحد، لتجاوز أي خلل، في حال
العثور او اكتشاف هذا النفق او ذاك، وخلق اليه عمل تستمر على مدار
الساعة للحفر.. وايضاً سحب التراب والاحجار واخراجها من الانفاق
بطريقة سرية.
الفيلم يتركز على هذا الجانب، حيث يجعلنا نعيش ساعات تحت الارض، مع
جميع الشخصيات وتحليل ظروف كل شخصية، خصوصا تلك التي تعاني من
الخوف من التواجد في الاماكن المغلقة.. او تلك التي تعاني من أمراض
في التنفس وغيرها.
رحلة من العمل الشاق، مقرونة بأقصى درجات الحذر، والترقب. وقد
يتصور المشاهد، ان الامور تمضي بسلام، امام شراسة العقيد فون لوغر،
واختلاف منهجيات العمل بين قوات التحالف.
الا ان الهامش من اجل البحث عن منفذ للقرار، يوجد الجهود، ويعمل
على تذليل جميع المصاعب، حتى تلك التي تتعلق باختلاف وجهات النظر.
محاولات لتهريب 250 عسكرياً من ذلك المعسكر، يتعاون في تنفيذها عدد
من العناصر بكثير من الجدية، حتى حينما يتم اكتشاف احد الانفاق
وتشدد الاجراءات، يظل العمل متواصلاً وبكثير من الاصرار لبلوغ
الهدف وهو الهروب الكبير.
يوماً بعد آخر، يسقط الكثير من الضحايا، الذين يحاولون الهرب من
أعلى الاسوار.. ويوماً بعد آخر يتزايد الاصرار.. ولحظة بعد اخرى
يتم اكتشاف الانفاق الواحد تلو الآخر.. ولكن هذا لا يكسر مجاديف
العناصر الذين يخسرون الكثيرين من زملائهم، لانهم يفكرون بهدف
محوري هو التخلص من هذا الجحيم.. وهذا السجن الرهيب.
حتى حينما يتمكن احد العناصر من بلوغ الخروج، تبدأ مهمته في تحديد
الأهداف.. وأقرب القرى.. والسكك الحديدية القريبة، ووسائل الاختفاء
والمناطق الامانة، لان الأمر ليس مجرد هروب من سجن أو معتقل، بل هو
انقاذ حياة من سيتمكنون من الهروب، عبر تأمين خطوط امانة للهروب..
والفرار.. والوصول الى المناطق الامانة وتجاوز خطوط التماس
والاحتلال الألمانية.
وبعد الانتهاء من النفق، وحسب الخطط والرسومات، ولكن يتم اكتشاف ان
نقطة خروج النفق، ظلت ناقصة بحوالي 20 قدماً عن عمق الغابة.. وهنا
تبدأ الخطة لتأمين خطة للتغطية.
وتبدأ المهمة، حيث يتمكن من الفرار ستة وسبعون من أهم القيادات
والكوادر العسكرية، في مغامرة سجلها التاريخ باسم الهروب الكبير.
تبدأ بعدها عملية أكثر تعقيداً، وهي محاولة الوصول الى المناطق
الأمنة، مثل سويسرا واسبانيا وغيرهما.. حيث يقوم احد الضباط
بالهروب بواسطة (الدراجة - يقوم بها النجم ستيف ماكوين في أهم
المشهديات) بينما يقوم ضابط آخر بسرقة طائرة ومحاولة بلوغ الأراضي
السويسرية الا ان الطائرة ترتطم.. رغم انقاذ عناصرها.
ويتم خلال العملية القبض على بعض الهاربين، ولكن النسبة الأكبر
تتمكن من الفرار في مشهديات عالية الجودة، نفذت وقدمت بحرفية تمزج
المغامرة بالفنون العسكرية، وهذا ما جعل شركة يونايتد ارتست تصنف
الفيلم على انه فيلم مغامرات.. الا انه صنف لاحقاً كفيلم حربي
يشتغل على معانٍ جديدة للبطولة.. حيث التخطيط والتنسيق للفرار هو
بحد ذاته مغامرة بطولية لجنود وضباط التحالف.
في الفيلم كم كبير من الأسماء، يتقدمهم النجم ستيف ماكوين بدور
كولر كينج والذي قدم مشهديات تحبس الانفاس بالذات تلك التي تتعلق
بقيادة الدراجات البخارية، معه في الفيلم كان جيمس جارنر بدور
اللفتننت روبرت هندلي، وريتشارد اتبرو بدور بيج اكس، وجيمس رونالد
وايضاً النجم الرائع شارلز برونسون، الذي جسد الحالات النفسية
للعسكري الذي يعاني من الخوف في المناطق الضيقة والمقيمة في أداء
حصد الاشادة، وفي الفيلم ايضاً جيمس توبرن، اما فرغر فجسده رونالد
بليزنس.
تعاون على كتابة النص، استناداً الى النص الروائي كل من جيمس
كلافيل ودبليو. آر. بورنيت ووالتر نيومان.
رغم ازدحام الشخصيات، الا انها كانت مكتوبة ومفصلة بعناية كبيرة،
وهذا يؤكد العمق الروائي، وأيضاً الجانب التحليلي للشخصيات عن
كتابة السيناريو، ما جعل المشاهد يعيش الشخصيات، بشكل أعمق، من
رغبته في الانسياق وراء مشهديات المغامرة، لهذا نظل نتابع جميع
التفاصيل الخاصة بعملية الهروب الكبير، سواء، من خلال التخطيط وحفر
الانفاق.. الى محاولة الاختفاء بين المدن والتعري والمواقع
لاحقاً.. بعد الخروج من النفق.
الفيلم صورت مشاهده في استديو بافاريا في ضواحي مدينة ميونيخ
الألمانية.
مشاهد المطاردة بواسطة الموتور سايكل التي قدمها ستيف ماكوين صورت
في مدينة فوسين الألمانية.. ومشهد القفزة البهلوانية في الفيلم
جسدها البديل لتسيف ماكوين وهو بديله في جميع أعماله، بود اكينز
وهي من المشاهد المثيرة... و المدهشة.. والخالدة في السينما
العالمية.
بلغت ميزانية الفيلم يومها 4 ملايين دولار، وحقق عوائد تجاوز 11
مليون دولار، وهو أعلى دخل في عام 1963. وعند عرض الفيلم في مهرجان
موسكو السينمائي الدولي، فاز ستيف ماكوين بجائزة أفضل ممثل.
كما حظي الفيلم بأكبر عدد من الكتابات النقدية التي اشادت بالحرفية
العالية التي اشتغل بها المخرج جون ستراوس في المحافظة على ايقاع
العمل، وتطوير لحظات الترقب التي تحبس الانفاس، بالذات مشاهد شارلز
بروتسون تحت الأرض، وايضاً الهروب من النفق.. ولاحقاً بين القرى.
ونشير هنا الى ان المخرج جون ستراوس قدّم للسينما العديد من
الأعمال السينمائية المهمة ومنها هبوط النسر 1976، ويوم سيئ في
بلاك روك 1955، والعظماء السبعة 1960 وغيرها.
صاغ الموسيقى التصويرية للفيلم الموسيقار الحر برنيستون، الذي كتب
موسيقات أفلام عدة ومنها قدمي اليسرى 1989 وصائد الأشباح ورأس
الخوف وبوليرد وغيرها.
بينما ادار التصوير المصور دانيبيل لي. ناب الذي يعتبر احد اهم
المصورين لاستديوهات بارامونت ومن ابرز اعماله قصة الحي الغربي
1961.
ونعود الى بيت القصيد، فيلم الهروب الكبير هو مزيج من المغامرة..
والفنون العسكرية، وهو احتفاء بالبطولة وتقديمها بوجوه ومعان كثيرة
وكبيرة، تتجاوز ما هو تقليدي.. حيث التخطيط بطولة.. والهروب المنظم
الناجح بطولة. |