«مولود
في الرابع من يوليو» السينما ضد الحرب!
عبدالستار ناجي
فيلم مولود في الرابع من يوليو يمثل بياناً شديد اللهجة ضد الحرب،
وموقفاً صريحاً للسينما الأميركية من الحرب وويلاتها وما تلحقه من
دمار واعاقة للشباب، فيلم مثير للجدل من توقيع المخرج اوليفرستون،
وهو يعتمد على نص روائي بنفس الاسم للروائي الاميركي رون كوفيك،
ويومها اعتبرت تلك الرواية من الروايات الاكثر مبيعا وقراءة،
للشفافية العالية في التعامل مع موضوع الحلم الاميركي ورغبة شباب
اميركا بخدمة بلادهم، وزيف ذلك الحلم وما تلحقه الحروب من دمار في
سينما تجعل المشاهد وهو يخرج من الصالة يصرح: لا للحرب.
يجسد دور رون كوفيك في الفيلم النجم الاميركي توم كروز عبر شخصية
تمر بمراحل عدة، بين الشباب والحلم، الى الحرب، ثم الاعاقة ثم
الثورة ضد الحرب وويلاتها عن هذا التقمص والانتقال بالشخصية عبر
محطات عدة، نال كروز اول ترشيح له للاوسكار كأفضل ممثل.
وكما اشرنا في هذه السلسلة وضمن حديثنا عن فيلم بلاتون الفيلق فان
هذا العمل يأتي جزءا من ثلاثية ضد الحرب قدمها اوليفرستون وضمن
ايضا فيلم السماء والارض 1993.
فيلم مولود في الرابع من يوليو انتج عام 1989 وترشح لثماني جوائز
اسوكار وفاز باوسكار افضل مخرج وافضل مونتاج وحقق مبيعات وعوائد
بلغت (161 مليون دولار كما نال حفنة من الجوائز في الغولدن غلوب
ونقابة المخرجين الاميركان.
استهلاله الفيلم تأتي من خلال سرد روائي، وعودة لشباب وطفولة رن
كوفيك توم كروز خلال اجازة الصيف في منطقة ماسايبكوا نيويورك.
يلعب مع اقرانه من الاطفال لعبة الحرب في الغابة حيث تتزامن تلك
الاحداث مع الاحتفال بيوم الرابع من يوليو يوم الاستقلال- اليوم
الوطني للولايات المتحدة وايضا مع خطاب الرئيس الاميركي جون كيندي
الذي يدعو الشباب وبكثير من الحماسة الى الانخراط والتطوع في الجيش
لرفع راية اميركا وقرن حب اميركا بالخدمة العسكرية.
بعد ذلك الخطاب يقرر رون مع اصدقائه الذهاب الى التجنيد.
وقبل مغادرة مدينته يلتقي مع صديقته دونا لقاء الوداع وهو يحمل
الكثير من الشعارات لخدمة بلاده والتعبير عن حبه الكبير للوطن.
بعدها ينتقل الفيلم من عالم الحياة التقليدية اليومية الى جحيم
واتون المعركة، حيث فيتنام في اكتوبر 1976 وفي واحدة من المعارك
المجنونة حيث ينفذ الجيش الاميركي عملية ابادة لاحدى القرى وقتل
المدنيين عندها يصاب رون بحالة من التشويش ويطلق النار بطريق الخطأ
على احد زملائه من المخبرين الجدد في فصيلته ورغم محاولة انقاذه
الا ان ذلك المجند ويلسون يموت متأثرا باصابته ما يترك شعورا طاغيا
بالذنب لدى رون، شعور يفقده التركيز وهو يشاهد تلك الممارسات
العدوانية من قتل عشوائي للابرياء اولا ثم ارتكابه وقتل زميله وكم
اخر من الممارسات القاسية التي تكاد تفقده عقله وصوابه شأنه شأن
بقية زملائه.
وبعد فترة من الاستراحة يطلب اليه ان يلتحق مع الفيلق الذي يلتحق
به الى احدى المناطق، وذلك في يناير 1968 اي بعد ثلاثة اشهر من ذلك
الحادث ليجد نفسه امام معركة اكثر غنفا هناك يقوم بانقاذ احد
زملائه وفجأة يتعرض الى اصابة خطيرة نقل على اثرها الى المستشفى
ليكتشف انه قد اصيب بحالة من الشلل لنصفه السفلي بالكامل.
يمضي عدة اشهر في مستشفى برونكس للمحاربين القدماء حيث تصف لنا
المشاهد الحالة المزرية التي يعيشها المستشفى من انتشار للفئران
والقوارض وعدم مبالاة الهيئة الطبية والتمريضية وانتشار المخدرات
وحالات الادمان بين المرضى والهيئة الإدارية نتيجة الألم والدمار
الذي تعيشه الشخصيات.
ورغم محاولاته العودة الى الحياة، ومحاولة التماسك وتجاوز الاعاقة،
الا انه يسقط ويصاب بكسر مضاعف في عظمة الفخذ.. التي لا تبرأ.. ما
يدفع الأطباء الى بتر أطرافه المريضة.
بعد تلك الرحلة المأساوية، يعود رون في عام 1969 الى أرض الوطن على
كرسي متحرك.
حيث يبدأ رون بملاحظة التغيير في تعامل افراد اسرته واصدقائه نتيجة
للاعاقة التي لحقت به، والتي قدمها من أجل الوطن.
وهذا ما يزيده مأساة، فبعد الاعاقة.. وفقد أعضاءه.. ها هو اليوم
منبوذ من أسرته ومجتمعه لأنه معاق.. ويعيش على كرسي متحرك.
كل تلك المتغيرات، تحوله الى شخص ينبذ الحرب.. ويبدأ في قيادة
الحملات ضد الحرب.. ونوعية الشباب من خلال المسيرات المناهضة للحرب
في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بل ان يقوم بحرق العلم الأميركي.
يوماً بعد آخر، يكتشف زيف الشعارات التي درسها وتربى عليها، مثل
الشرف والوطنية والشجاعة.. وكل ذلك ما هو الا اوهام.
وتبدأ مهمته النضالية للتنديد بالحرب.. والقيادات التي تشحن الشباب
الى مصر يتحرك في محورين لا ثالث لهما، اما الموت.. أو الاعاقة
الجسدية والنفسية، جراء العنف والمشاهد الرعناء والقتل المجنون غير
المبرر للأبرياء.. وغيرهم.
ويتوقف الفيلم أمام عدد من المشهديات التي تشير الى تعرض
المتظاهرين ضد الحرب الى العنف من قبل رجال الشرطة، وهو عنف لا يقل
عن ذلك العنف الذي عاشه في فيتنام.. ليتفجر بداخله الاحساس بالتحدي
والاصرار لكشف المستور.. وفضح اسرار الحرب وويلاتها.
وفي مشهد من أروع المشاهد وأكثرها قسوة، ذلك الذي يجمع بين رون
ووالدته المتدينة، حينما يتطور الحوار يصرخ بانه قتل الابرياء، وهو
امر مخالف للاخلاق المسيحيية او الدينية لاي دين سماوي.
عندها يقرر رون الهجرة الى المكسيك، حيث بلدة صغيرة اسمها قرية
الشمس والتي تحولت الى ملاذ لقدامى المحاربين في فيتينام والمصابين
بالشلل.. ومن هناك تبدأ مسيرته للمشاركة في التظاهرات..
والمؤتمرات.. وبالذات المؤتمر الوطني الجمهوري لعام 1972، في
مواجهة تغيير المعادلات.. يمضي في نضاله ضد الحرب. ثم يتكرر المشهد
ورون يلقي خطابه ايضاً في الوطني الديموقراطي 1967.. وينشر مذكراته
لاحقاً تحت عنوان مولود في الرابع من يوليو.
يعتمد الفيلم على عدد بارز من النجوم الشباب يومها وفي مقدمتهم توم
كروز رون كوفيك ووليم دافو شارلي وتوم برينجر سارجنيت هايس كما
يظهر رون كوفيك الاصلي نفسه الفيلم بدور احد المقاتلين القدماء.
عانى اوليفرستون كثيراً، فبعد ان اشترى حقوق الرواية من رون كوفيك
لتحويلها الى فيلم في العثور على منتج وموزع للفيلم، وبعد الحاح
ومحاولات وافقت ستديوهات يونيفرسال بكتشرز.
وقام ستون بتصوير الفيلم في الفلبين والولايات المتحدة الاميركية.
وكان ستون قد صور الفيلم ايضاً في الفلبين، بينما المشاهد غير
القتالية صورها بني دالاس وتكساس.
والفيلم شهد التجربة الاولى لمدير التصوير روبرت ريتشارد دسون الذي
عمل على تقديم رؤية بصرية مشوة من اجل تحليل ويلات الحروب والظروف
التي تمر بها الشخصيات وقد شكل ذلك النهج بمثابة الاضافة الى
الرؤية البصيرية للفيلم.
كما حرص ستون على الاستعانة بعدد من نجوم فيلمه بلاتون الفيلق في
فيلم مولود في الرابع من يوليو، وبالذات وليم دافو وتوم تيرينجر.
كما حظي الفيلم بكم من الكتابات النقدية الايجابية من عدد بارز من
كتاب النقد السينمائي في اميركا.
في الفيلم موسيقى تصويرية عالية الجودة مقدمها الموسيقار جون
ويليامز الذي كتب موسيقات عدد مهم من الاعمال السينمائية ومن بينها
هاري بوتر- وحرب النجوم- وسوبر مان- والحديقة الجوارسية- وانديانا
جونز وعدد اخر من التحف السينمائية الخالدة ويشير هنا الى ان جون
ويليامز ترشح للاوسكار 14 مرة وفاز بالجائزة 5 مرات كما فاز
بجائزتي ايمي وثلاث جوائز- الغولدن غلوب- و18 جائزة غرامي وتطول
القائمة لاننا امام مبدع من الطراز الاول اختار مجموعة من
الموسيقات الوطنية كتعبير عن الرفض وكشف الزيف في الشعارات.
فيلم مولود في الرابع من يوليو هو في الحقيقة خطاب وبيان شديد
اللهجة ضد الحرب وويلاتها وضد تداعيات الحرب والكذب في زج الشباب
الى مطحنة الحرب التي تنتهي بقعقعة العـظام والامراض النفسية
والادمان، فيلم يصرح ولا يتملق ولا يكذب لذا حينما يقال فيلم مولود
في الرابع من يوليو فإننا نعني حقيقة الحرب المأساوية بتوقيع
الرائع اوليفر ستون. |