حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يحيى حقى ناقداً سينمائياً

على أبوشادى

الأحد 18-08-2013 21:17

 

أستاذنا يحيى حقى، طيب الله ثراه وتغمده برحمته (١٩٠٥-١٩٩٢) قمة من قمم الإبداع فى أدبنا العربى، وواحد من جيل أخذ على عاتقه تحديث ثقافتنا المعاصرة، وكانت كتاباته، وستظل، منهلاً عذباً ينهل منه كل متعطش للآداب والفنون.. كانت تجربته فى وزارة الثقافة (١٩٥٥-١٩٥٨) -معاصراً لوزيرها المناضل الكبير فتحى رضوان- هى زاوية الأساس فى معظم التوجهات الجادة فى نشاطات هذه الوزارة من خلال رئاسته لمصلحة الفنون عام ١٩٥٥ التى حوّلها لمنارةٍ وأرضٍ خصبة نمت فيها كل الأزهار والبراعم الفنية فى شتى الفروع التى رعتها المصلحة؛ ففيها تم الاهتمام بالفنون الشعبية والموسيقى الكلاسيكية، ومن خلالها بدأ تأصيل الثقافة السينمائية، وما كان ذلك كله ليتحقق من دون وجود يحيى حقى كاتباً، وناقداً، وأديباً، ومتذوقاً، ومفكراً.. ومنفذاً..

ترأس يحيى حقى تحرير مجلة «المجلّة.. سجل الثقافة الرفيعة» فى الفترة من ١٩٦٢ إلى ١٩٧٠، فأصبحت أعدادها سفراً أدبياً وفنياً رفيعاً يضم فى جنباته كل تيارات الإبداع والنقد، زاوج فيها يحيى حقى بين كل الأجيال، ومارس أبوّته الحانية، وكان لروحه السمحة الفضل فى ظهور جيل جديد كامل فى القصة والرواية والنقد والفنون السمعية والبصرية.. كان أستاذاً وصديقاً.. موجّهاً رقيقاً.. ومستمعاً واسع الصدر رحب الأفق.. ولا أحسب واحداً من أجيال المثقفين على امتداد العقود الماضية إلا وفى وجدانه، وفى زاوية من قلبه، شىء من يحيى حقى.

كان مثقفاً عاماً -إذا جاز التعبير- يرى ويسمع ويتأمل ويكتب وينتقد.. فى الموسيقى والعمارة والتاريخ والمسرح والشعر والتشكيل والسينما.

فى الكتاب الذى ضم واحداً وأربعين مقالاً عن السينما بعنوان «فى السينما» يفصح الأستاذ عن عشقه لهذا الفن الجميل، صبياً وشاباً، ثم رجلاً يضيف الرعاية للثقافة السينمائية إلى جوار عشقة الخاص، ويعطى بعضاً من وقته ولغته الآسرة للفن السابع.. ينشئ ندوة خاصة فى مصلحة الفنون باسم «ندوة الفيلم المختار» عام ١٩٥٦، تحولت إلى مدرسة تخرج فيها معظم الجيل الذى يحمل لواء الثقافة السينمائية الجادة.

لم يكتف الأستاذ بالمتابعة والمشاهدة، بل يمارس بقلمه الطواف الرشيق فى عالم الأفلام، ناقداً ذا رؤية ثاقبة وعين فاحصة، ومتذوقاً حصيفاً يتسع صدره لكل ما هو جديد.

فى هذه المقالات نلمح أسلوب يحيى حقى، الذى امتاز به، مزاوجاً بين الفصحى وما يبدو عامياً، ساخراً فى مودة، مداعباً فى رقة، منقباً فى أناة، سمحاً متسامحاً فى أحكامه، مصوراً، البشر والأماكن، بريشة فنان وكلمات شاعر.. فى وصفه لقصر البستان الذى كان يسكنه الأمير أحمد فؤاد، الملك فؤاد بعد ذلك، كان القصر فى باب اللوق وأصبح بعد ذلك مقراً للجامعة العربية ثم هجرته إلى مقرها الجديد وآل فى النهاية إلى متحف العلوم الذى سمح مسئولوه بأن يكون مقراً لعروض «جمعية الفيلم».. يكتب يحيى حقى: «لا أعرف بيتاً مثله ينطق بصراعٍ -كشد الحبل- بين المظهر والمخبر.. فصاحبه قد جمع بين النقيضين: لقب طنّان.. وجيب قشلان، باطه والنجم.. فخرج البيت مَسْخاً متردداً بين قصر فطيس.. وڤيلا مُتورِّمة».

بالقطع، لسنا بصدد تثمين هذه المقالات؛ فهى أثمن من أن نتعرض لها بالنقد؛ فهى فى النهاية انطباعات مثقف كبير، غير متخصص فى السينما، ولا نأخذ عليه من باب العشم بعض الهنات الصغيرة مثل رأيه فى أن السينما ليست من الفنون الرفيعة، وقد يشاركه فى رأيه بعض كبار المفكرين بحكم عدم متابعتهم، أو عزوفهم المبدئى عن التعامل مع السينما باعتبارها فناً، ولا نحاسبه أيضاً على بعض المعلومات غير الدقيقة، أو المغالاة أحياناً فى تقييم بعض الأفلام مثل «المستحيل» لحسين كمال الذى يعتبره بداية السينما فى مصر: «.. نستطيع الآن أن نتنفس الصعداء ونقول أصبح لنا سينما».. مُسقطاً إنجازات عشرات الأسماء الكبيرة فى تاريخ السينما المصرية كـ«شاهين وأبوسيف وبركات وكمال الشيخ وتوفيق صالح» وغيرهم، لكنه لا ينسى أن يشد أذن حسين كمال، محاولاً إعادته لحظيرة التواضع بعد الحفاوة النقدية التى استُقبِل بها فيلمه «البوسطجى» رغم أن الفيلم مُعد عن رواية ليحيى حقى نفسه.

يفيض الكتاب بالعديد من الملاحظات الذكية واللمحات البارعة كفكرة معالجة الشذوذ على الشاشة، ويسخر من شركات التوزيع التى تُغير عناوين الأفلام الأجنبية بغية اجتذاب الجماهير بالتلويح والإيحاء الجنسى، وينبه إلى أن «من حق الرقابة وواجبها أن تمنع مثل هذا التلاعب».. وإذا كان أستاذنا يمنح هذا الحق للرقابة، منعاً لتضليل المشاهد، فإنه يمنع عنها تدخلها فى الأعمال الفنية بدعوى حماية المجتمع من الأضرار.

مقالات الكتاب نموذج رفيع للمنهج الانطباعى فى النقد الذى يستند، بشكل أساسى، على ذائقة الناقد الخاصة وثقافته العامة، وربما بسبب ذلك يذخر الكتاب بطوفان من الحب والعشق للسينما، وصانعيها، وجمهورها ويفوح من مداد سطوره عطر رهيف للأحباب.

 

سينما الانقلاب.. على ثورة يوليو

على أبوشادى

الأحد 11-08-2013 20:39

فى عام ١٩٦٩ استقبل السينمائيون -بشىء من الدهشة والريبة- موافقة أنور السادات على عرض فيلم «ميرامار» حين كان رئيساً للجنة التى كلفها «عبدالناصر» لمشاهدة الفيلم الذى تضمّن هجوماً قاسياً وسخرية مُرَّة وانتقاداً عنيفاً للاتحاد الاشتراكى وقياداته.. لم يكن أحد يدرك -آنذاك- أن الفيلم يعبر عن أفكار وتوجهات وقناعات نائب الرئيس -حينئذٍ- والرئيس اللاحق بعد ذلك، التى ما لبث أن أفصح عنها.

كان «ميرامار» هو الخطوة الأولى فى طريق سينما التشهير بثورة يوليو، وحين رحل جمال عبدالناصر فى سبتمبر ١٩٧٠، انقضّت السينما وسماسرتها من التجار على الفترة الناصرية وجرّدوها من كل الفضائل وحوّلوا رجالها إلى مجموعة من الأشرار.. وبعد خمس سنوات من الكمون والتخفى وراء أفلام الكباريهات وأفلام الحرب، أو تلك التى تتملق السلطة، انطلقت تصنع أفلام الردّة.. تنبش القبور وتلطخ بالأوحال سيَر الرجال وتهيل التراب على كل الإنجازات التى شهدتها مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من ١٩٥٢ حتى ١٩٧٠، كى لا يبقى على وجه مصر سوى بثور كبت الحريات أو المعتقلات وجرائم التعذيب وغياب الديمقراطية، وأسرع صنّاعها إلى تغيير السيناريوهات الجاهزة لديهم -معظمها ميلودرامات فجّة وساذجة تقوم على حبكات بوليسية هشة، وتدور فى عالم مملوء بالجنس والمخدرات والراقصات والعاهرات- ليتنامى تيار جديد، انتهازى، يمجد العهد الجديد، ويلغى القديم.. يستكمل كاتب السيناريو ممدوح الليثى مشروعه فى إدانة النظام الناصرى متكئاً على أعمال نجيب محفوظ فيبدأه بـ«ميرامار» ثم «ثرثرة فوق النيل» و«الحب تحت المطر»، فيقدم من إخراج على بدرخان فيلم «الكرنك» ١٩٧٦، الذى يكرس منهجاً فى تناول مثالب تلك الفترة، لتسير الأفلام التالية على نهجه!

جعلت هذه الأفلام ما سُمّى «مراكز القوى» بديلاً للشرير التقليدى، واختارت أن يكون وزيراً، أو مدير سجن أو رئيس مخابرات أو أحد ضباط الثورة.. المهم أن ينتمى لعصر عبدالناصر، ولكى تزداد الصورة فجاجة، فلا مانع من أن تتسبب الثورة أو رجالها فى ضياع بنات الأسر البسيطة باغتصابهن (الكرنك) أو تحولهن إلى بغايا (آه يا ليل يا زمن) أو يسرقونهن من أزواجهن (أسياد وعبيد) أو يلفقون التهم إلى الأبرياء (امرأة من زجاج) أو أن زوجاتهم عاهرات (طائر الليل الحزين) أو لا همَّ لرجالها سوى اصطياد أمهات الضحايا (العرّافة) حتى إن إجراءات الثورة دفعت بنات الأسر العريقة إلى خيانة الوطن (فخ الجواسيس) و(مهمة فى تل أبيب).

إن هذه الأعمال لم يحاول أى من صانعيها تجذير أسباب، وكيفية نشوء مراكز القوى، بهدف إثارة الوعى والتنبيه لدى المتلقى، ودفع بعضهم هذا المشاهد المستلَب إلى نوع من التشفى فى الهزيمة كما فى فيلم «إحنا بتوع الأوتوبيس» لحسين كمال الذى يعلن -بصراحة ووضوح- عداءه للثورة وقائدها، ويستكمل به مسلسل العداء المستمر الذى بدأ مع «شىء من الخوف» ثم «ثرثرة.. والحب تحت المطر»، وإن بالغ كثيراً فى المغالطات ولىّ عنق الأحداث إلى حد تأليب الجمهور على الجيش وإظهاره لشعور الشماتة حين يرى جيش وطنه مهزوماً، على الشاشة.. هنا يبرز فقدان الانتماء لدى صناع الفيلم، فالجيش الذى هُزم لم يكن جيش عبدالناصر، كما رآه حسين كمال، بل جيش الوطن.. كل الوطن!

فجأة.. توقفت موجة أفلام مراكز القوى، بعد أن استنفدت أغراضها، وأصبحت تعزف لحناً مكرراً نشازاً، فعافتها الجماهير، وأسقطها العهد الجديد -بعد اغتيال السادات- من حساباته، لكن السيدة نادية الجندى حاولت فى عام ١٩٨٨ أن تشارك فى «الزفّة» بعد انتهاء الفرح ورفع الموائد وإطفاء الأنوار، فجاء فيلمها «ملف سامية شعراوى» من إخراج نادر جلال، خفيفاً، أرعن، مستخفاً بالحقائق، ومشوهاً للتاريخ، عاجزاً عن تقديم تحليل موضوعى منصف ونزيه لما حدث فى يونيو ١٩٦٧ كدرسٍ وعبرة.. بعد عامين، يستيقظ أشرف فهمى من سباته، ليلحق بمؤخرة السباق، ويطلق قذيفتين فاسدتين متتاليتين على العهد الناصرى، فى فيلميه «إعدام قاضى» ١٩٩٠ و«قانون إيكا»، ويفتح ملفات علاها الغبار، بشكل مفتعل يسوده التلعثم والارتباك.

بديهى، أن من حق كل فنان أن يقدم رؤيته للواقع، من دون الافتراء على الوقائع، ومن دون تزييف أو تضليل، ومن حقه -وحق أى مواطن- أن يختلف مع العهد، أى عهد، شريطة أن يرتفع بمستوى الاختلاف عن حدود الإسفاف أو الابتذال.. وفوق هذا وذاك أن يقدم تلك الرؤية من خلال بناء فنى يكتسب مصداقيته، على المستويين الدرامى والفكرى، من قيامه على منطق داخلى محكم ومتماسك، يهدف إلى إقناع المتفرج بصدق ما يراه وما يسمعه.. كما أنه من المفيد العودة إلى التاريخ -القريب أو البعيد- لاستقرائه وطرح الدروس المستفادة عن طريق الأعمال الفنية المختلفة التى يحاول فيها الفنان المبدع الخلّاق، أن يعيد قراءة التاريخ فى إطاره الصحيح، بعد أن تُجلى بعض غوامضه، خصوصاً فى الأحداث السياسية، وتتبدى له عناصره المختلفة، وعليه أن يقدم تحليلاً لهذا الحدث أو ذاك.. أسبابه ودوافعه وما أحاط به من ظروف وملابسات، لكن مجموعة الأفلام التى ارتبطت بداياتها بعهد السادات، ممالأة، أو قصوراً فى الوعى، كانت محكومة فى جُلّها بظروف سياسية وإعلامية.

واحد وستون عاماً منذ يوليو ١٩٥٢، تدفقت خلالها -فى النهر- مياه كثيرة، وطالت قامات، وتقزَّمت هامات، وحفلت بالثورات والانتفاضات، والانتصارات والانكسارات، ولم تنجح هذه السينما فى طرح دوافع الانتصار، أو أسباب الانكسار، بصدق وموضوعية، وهى بهذا، تستحق ما آلت إليه من انحدار!

 

السينما.. وثورة يوليو ٥٢ - ١٩٧٠ (٢-٢)

على أبوشادى

الأحد 04-08-2013 21:45

احترمت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ السينما، صناعةً وفناً، ومنحتها ما استطاعت، وقدر اجتهاد وتفكير رجالها، إلا أن السينما بحكم طبيعة صُنَّاعها المراوغة، وتجارها الشطار، بادرت بتقديم فروض الولاء للنظام الجديد، وأسرعت تتملق الثورة، وارتدت ثوب «الاتحاد والنظام والعمل»، شعار الثورة حينئذٍ، وراح بعض صناعها يضيفون -رياء- الشعارات الثورية إلى نهايات أفلامهم، ويعلن أنور وجدى، أشطر تجار السينما، أن فيلم «دهب» ١٩٥٣ «فيلم جديد ونظيف فى عهد جديد ونظيف»، ويصف حسين فوزى فيلمه المتهافت «جنة ونار» الذى عُرض فى ديسمبر ١٩٥٢ بأنه «الفيلم الاشتراكى الاستعراضى الكبير»!

أخفى السينمائيون قناعاتهم وراء أقنعة التملق والتأييد الكاذب، وسرعان ما كشفوا عن وجوههم العَكِرَة بعد عقدين من الزمان، فشارك بعضهم فى الهجوم الوحشى على الفترة الناصرية، وهو ما سبق أن ارتكبوه فى الخمسينات والستينات ضد الفترة الملكية.. ولم تمنح السينما بركتها للثورة، أو تعلن اعترافها بها إلا من خلال عدد قليل جداً من الأفلام التى يطلق عليها «الأفلام الوطنية» مثل «رد قلبى» و«بورسعيد» وكلاهما من إخراج -الضابط السابق- عزالدين ذوالفقار.. أو الإشارة، الرمزية، إلى دور «عبدالناصر» التاريخى، المتشابه مع القائد الكبير صلاح الدين الأيوبى فى فيلم «الناصر صلاح الدين» ومن الطريف أنه كان مشروع «عزالدين» -أيضاً- قبل أن يعهد به، بعد مرضه، إلى يوسف شاهين.

ظلّت هذه السينما لاهية، تمارس دورها فى تغييب الواقع وتزييف الوعى، وإن نجح بعض المخرجين المبدعين فى اكتساب هامش صغير يتحركون من خلاله محاولين التعبير عن الواقع المعاصر، بصدق وموضوعية، ملاحقين إنجازات الثورة على الصعيد الاجتماعى ومواكبين للأحداث والمتغيرات الاقتصادية والتطورات عميقة الأثر فى بنية المجتمع المصرى، وآمن بعضهم، ببصيرة متقدة، بالثورة وانطلق يؤيدها ويدافع عن منجزاتها، أو يقدم تحليلاً واعياً لظروف مصر فيما قبل ٢٣ يوليو ١٩٥٢، التى كانت الثورة نتاجاً حتمياً لها، ولنضال القوى الوطنية الأخرى مثل «درب المهابيل وصراع الأبطال» لتوفيق صالح و«الوحش» و«أنا حرة» و«الفتوة» لصلاح أبوسيف و«فى بيتنا رجل» و«الحرام» و«الباب المفتوح» لبركات و«باب الحديد» و«صراع فى الوادى» لـ«شاهين» وغيرها.

فى عام ١٩٦٦، كان النظام قد أحكم قبضته على السينما، وغيرها، من خلال رقابة صارمة، لكن المخرج توفيق صالح امتلك الشجاعة، التى افتقدها كثيرون، وناقش، لأول مرة فى «المتمردون»، التجربة الثورية ذاتها قبل أحداث يونيو ١٩٦٧، وإن اضطر لتكثيف عملية الترميز هروباً من القيود الرقابية، وإن لم ينجُ منها.. ويتذكر مدير الرقابة والمستشار الأسبق مصطفى درويش الذى صرّح بعرض الفيلم، أنه تم منع العرض وطُلب من المخرج أن يقوم بحذف بعض المشاهد وتعديل أو اختصار مشاهد أخرى، وإضافة نهاية جديدة للفيلم! ولم يُعرض إلا فى عام ١٩٦٨.

كان توفيق صالح يقدم رؤيته للنظام المصرى وللثورة من خلال منظور أيديولوجى ومنهج علمى يرى أن أى «تمرد» غير منظم ولا توجهه منطلقات نظرية صحيحة، يؤدى دوماً إلى الإخفاق، وبدا واضحاً أن الفيلم يُعَرِّض بالثورة وبـ«عبدالناصر»، وأنه يحرض الجماهير للثورة.. على الثورة، رغم أنه إنتاج الدولة «القطاع العام»!

بعد هزيمة ٦٧، دخلت مصر مرحلة نقد الذات، ومراجعة الأسباب التى أدت إلى الهزيمة المروّعة، وبدت ملامح انفراجة ديمقراطية محدودة، إلا أن معظم السينمائيين لم ينتهزوا هذه الفرصة لطرح رؤاهم وأفكارهم حول ضرورات التغيير، وظلوا سائرين فى غيِّهم وهلعهم متحاشين الاقتراب من النظام السياسى، ومن بين مائة فيلم أو تزيد قليلاً فى الفترة من (١٩٦٧-١٩٧٠)، لم يجرؤ على مناقشة الأوضاع المرتبكة سوى ثلاثة أفلام، «القضية ٦٨» لصلاح أبوسيف و«شىء من الخوف» لحسين كمال و«ميرامار» لكمال الشيخ، والثلاثة عن أعمال أدبية للطفى الخولى وثروت أباظة ونجيب محفوظ.

فى «القضية ٦٨» يلجأ «أبوسيف» إلى الرمز، لكنه ينطلق من الإيمان بالثورة، فيطالب قائدها بضرورة إعادة البناء «هدّها يا عم منجد وابنيها من جديد».. ويدين بقوة تجربة الاتحاد الاشتراكى وانتهازية بعض أعضائه وقياداته، ويكشف التردد المعيب لبعض مفكرى النظام تجاه النهج الديمقراطى الذى دعا إليه «عبدالناصر» فى بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨ «أفتح الشباك.. والّا أقفل الشباك»، واعتبر أن الديمقراطية هى السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التى تكبل الوطن والمواطنين، وبجرأة يرفض «أبوسيف» التيارات الإصلاحية، وينحاز بجلاء إلى ضرورة التغيير وإعادة البناء والثورة -على الثورة- من داخل الثورة!

جاء «شىء من الخوف» ١٩٦٩، رغم ما اعتراه من خوف جعله يعتمد على الرمز المكثف، بمثابة هجائية للثورة ولقائدها كما تصور صُنَّاعه، وصوَّر رجالها على أنهم عصابة استولت فى غفلة من الزمن على مقدرات الوطن، بغير حق شرعى، واعتبر زواج «عتريس» / عبدالناصر - رئيس العصابة، من «فؤادة» / مصر باطلاً «جواز عتريس من فؤادة باطل.. باطل»، وكاد أن يُمنع الفيلم من العرض إلا أن «عبدالناصر» أمر بعرضه وقال، فيما تواتر عنه: «والله لو إحنا كده.. نبقى نستاهل الحرق!» كما حدث لـ«عتريس» ورجاله.

يحتشد «ميرامار» ١٩٦٩ الذى كتب له السيناريو ممدوح الليثى -مُشَوهاً رواية نجيب محفوظ مُعتدياً على شخصيات روايته- بالانتقادات الموجهة إلى الثورة، ويتمنى على لسان طلبة مرزوق أن تحكمنا أمريكا عن طريق يمينيين معتدلين، ويسخر من الاتحاد الاشتراكى، ويهزأ من أفعال رجال الثورة بل يعزو إليها عجزه الجنسى!!

إذا كان «المتمردون » هو أول الأفلام التى اختلفت مع الثورة من خارجها، وإن اشترك مع «القضية ٦٨» و«شىء من الخوف» فى الاحتماء بالرمز والاختفاء وراءه، فإن «ميرامار» هو أول الأفلام التى تَعْمَد إلى التصريح -من دون رمز أو تلميح-وفى ظل وجود «عبدالناصر» شخصياً، وهى الخطوة الأولى فى طريق سينما التشهير بالثورة التى تتابعت حلقاتها بعد رحيل «ناصر» عام ١٩٧٠.

 

ثورة يوليو.. والسينما (١ - ٢)

على أبوشادى

الأحد 28-07-2013 22:10

بين السينما وثورة يوليو ١٩٥٢ علاقة حب من طرف واحد، فعلى حين قدمت الثورة الكثير للسينما فمنحتها اهتماماً ورعاية واحتراماً فإن السينما والسينمائيين قابلوا ذلك بالنكران والجحود وتشويه تاريخ الثورة بعد مرحلة من التملق والنفاق.

بعد تجربة فيلم «مصطفى كامل» الذى أخرجه أحمد بدرخان، وصادرته الرقابة فى الفترة الملكية، وأفرجت عنه حكومة الثورة ليعرض بعد خمسة أشهر من قيامها، وحضر عبدالناصر عرضه الأول، تنبه رجال الثورة إلى أن هناك قانوناً جائراً للرقابة على المصنفات الفنية صدر فى عام ١٩٤٧ فى أعقاب التحركات الجماهيرية النشطة عام ١٩٤٦، يتَضَمَّن عشرات التعليمات التى تكبل حرية التعبير وتَفْرض دائرة من الحصار المحكم حول موضوعات أهم وسائل الاتصال الجماهيرية -السينما- وأكثرها شعبية، وتَضْمَن، تماماً، عدم المساس بالسلطة أو رموزها، فألغت وزارة الإرشاد القومى فى عام ١٩٥٥ تعليمات ١٩٤٧ وأصدرت قانوناً جديداً أشرف على إعداده شيخ القانونيين المصريين الدكتور عبدالرازق السنهورى، وقد وفّر هذا القانون بعض الحرية لتجار السينما، لكنهم اعتماداً على موروثهم فى الخوف والجبن، وكعادتهم، آثروا السلامة وظلوا يعزفون تلك النغمات الرخيصة التى برعوا فى عزفها سابقاً، وإن ظهرت بوادر ازدهار اتجاه الواقعية النقدية عند بعض فنانى السينما المهمومين بالتعبير عن الإنسان المصرى وأشواقه للعدل والحرية والكرامة الإنسانية.

فى خطوة موازية، وفى نفس العام، أنشأت الثورة مصلحة الفنون التى رأسها الكاتب الكبير يحيى حقى، الذى بدأ تجربته الخصبة فى مجال الثقافة السينمائية عام ١٩٥٦ بإنشاء «ندوة الفيلم المختار» وهى الندوة التى خرج من رحمها جيل كامل من النقاد والمثقفين السينمائيين، كما أنتجت المصلحة عدداً من الأفلام التسجيلية والقصيرة.

فى عام ١٩٥٧ بدأت المرحلة الثانية فى علاقة الثورة بالسينما فصدر قرار إنشاء أول مؤسسة عامة للسينما «مؤسسة دعم السينما» التى تحولت عام ١٩٥٨ إلى «المؤسسة المصرية العامة للسينما»، وكان هذا القرار يعنى تدخل الدولة رسمياً فى صناعة السينما، وإن ظل هذا التدخل محكوماً فى مراحله الأولى بالرعاية والدعم والإقراض والتمويل، وتزامن ذلك مع تزايد الاشتراك فى المهرجانات الدولية وإقامة المسابقات المحلية، وإنشاء أربعة معاهد فنية للسينما والباليه والفنون المسرحية والموسيقى كنواة لأكاديمية للفنون -بمساندة ودعم من عبدالناصر شخصياً لمقترحات د. ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك وفقاً لما ذكره عكاشة فى مذكراته- لأن الرئيس كان يدرك أن إنشاء المعاهد الفنية ليس ترفاً، وأنه بهذا القرار يضع اللبنة الأساسية لمستقبل الفن، وثقافة المستقبل.

فى غمرة قرارات التأميم التى صدرت فى بداية الستينات، ومن دون تريث أو دراسة اقتصادية كافية، وعقب عدد من القرارات التى فرضت الحراسة على بعض المنشآت السينمائية من استوديوهات أو دور عرض، تحولت المؤسسة المصرية العامة للسينما التى كان يقتصر دورها على الرعاية والدعم وتنشيط الجوانب الثقافية، إلى المؤسسة المصرية العامة للسينما والإذاعة والتليفزيون عام ١٩٦٣ التى تولت الإشراف على أربع شركات سينمائية، فاضطربت أحوال السينما بسبب القرار غير المدروس بعناية، وأدّى ذلك بالمؤسسة فى ثوبها الجديد، وشركاتها المتعددة، إلى ممارسة الإنتاج والتوزيع وإدارة دور العرض بنفسها، وقد استمرت هذه التجربة التى عُرفت باسم «سينما القطاع العام» لمدة تسع سنوات (١٩٦٣-١٩٧١) قدمت فيها ١٥٩ فيلماً.

رأى البعض أن تجربة القطاع العام فى السينما لم تحقق سوى الخسائر والخراب، ومجموعة من الأفلام لا تقل تخلفاً عن سينما القطاع الخاص الاستهلاكية السائدة الفاسدة وأن هذا القطاع قام على أسس رخوة ومن دون خطة واضحة وأن تَعثُّره كلف الدولة خسائر جسيمة، بينما يرى كثيرون أنها أنجزت خلال عمرها القصير، فنياً وفكرياً، ما يفوق كل ما سبقه، وأن القطاع العام فتح آفاقاً جديدة ووفر فرصاً للعمل للمواهب من خريجى معهد السينما أو من خارجه، وقدم سينما جادة المضمون والهدف تسهم بفاعلية فى إشاعة الوعى الوطنى والقومى والاجتماعى بين الجماهير، كما يرى أن النتائج الثقافية لا تحسب عادة بمقياس الربح والخسارة، ويدلل هؤلاء على أهمية سينما القطاع العام برصد عشرات الأفلام من إنتاج هذا القطاع التى تشكل نسبة كبيرة من أفضل الأفلام فى تاريخ السينما منذ بداياتها فى العشرينات ويذكرون «المومياء» و«البوسطجى» و«شىء من الخوف» و«الأرض» و«الاختيار» و«المتمردون» و«يوميات نائب فى الأرياف» و«ميرامار» و«غروب وشروق» و«القضية ٦٨» و«القاهرة ٣٠» و«الحرام» و«مراتى مدير عام» و«المستحيل» و«الجبل» و«الزوجة الثانية» وغيرها من قائمة تضم أكثر من ثلاثين فيلماً اختيرت ضمن أفضل مائة فيلم مصرى خلال مائة عام من السينما.

لقد أعطت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ التى نحتفل بذكراها الحادية والستين الكثير للسينما فى مصر، فى الفترة من ١٩٥٢ وحتى ١٩٧٠ تاريخ وفاة عبدالناصر، فماذا قدمت السينما لثورة يوليو وكيف صوَّرت رجالها؟!

الوطن المصرية في

8/07/2013

 

"ليال بلا نـوم".. الضحية والجلاد.. كلُ يحمل صليبه

د. أمـل الجمل 

أحد الأمور اللافتة والمميزة للفيلم التسجيلي الطويل "ليال بلا نوم" للمخرجة اللبنانية إليان الراهب هويته السينمائية الخالصة، تتقدمها لغة الجسد، بكافة إيماءاته، تلك اللغة القادرة على كشف أعماق الشخصيات وما يكتنفها من غموض وتيارات تحتية، وعواطف متناقضة عنيفة ومكتومة، رغم محاولات البعض في أن يُراوغ مُدعياً النسيان، ساعياً للهروب من حصار الأسئلة النابشة في عمق التاريخ والذاكرة.

تمنح "الراهب" شريطها المثير للجدل والسجال أسلوباً سينمائياً مدهشاً وآخاذاً، رغم بساطته. تمزج فيه بين التورط الشخصي العميق في الموضوع وبين الإنفصال والتباعد الفني والموضوعية في الطرح، دون أن تغفل أن تجعل المتلقي شريكاً متورطاً معها، طوال رحلة صناعة الفيلم، وهى ترسم بورتريه شديد التعقيد نفسياً، موسوم بالسحر رغم بشاعته، ورغم بعض التحفظات الفنية - منها ترهل الإيقاع في جزءه الأخير - والتي لا تُقلل من شأنه. فأسلوبها الاستقصائي وقيامها بدور المحقق الذي يلاحق الشخصيات، وحضورها القوي أثناء المداخلات كان مهماً وجوهرياً إذ نجحت في أن تكبح جماح الأكاذيب – التجميلية - التي كان من الممكن أن تتمادى فيها بعض الشخصيات، حتى نجحت إليان في فتح هذا الثقب الدقيق في الذاكرة الجمعية، وتمكنت من الوصول إلى اثنتين من المقابر الجماعية التي لم تنجح التحقيقات الرسمية في الوصول إليها من قبل. 

يتناول الفيلم الذي وضع له السيناريو نزار حسن قضية شائكة، وشديدة الخطورة إذ يمكنها – وربما - في أي لحظة أن تُفجر حرائق جديدة، لأنها تنبش في جراح مُتقيحة لاتزال معبأة بالصديد.إنه لا يكتفي بإعادة فتح صفحات وملفات من الماضي المؤلم المليء بالخراب والدمار والدماء، أو البحث عن خسارة الأرواح البشرية بين قتلى ومفقودين (17 ألف مفقود) وكثير من الذكريات الموجعة، ولا يكتفي بأن يشي بتورط كل الأطراف اللبنانية بدماء بعضها البعض، أو بجعلنا نتأمل لقاء الجلاد بالضحية، أو الخوف من الآخر الذي يسكن الثقافة اللبنانية، وكيف تطور المجتمع اللبناني منذ الحرب الأهلية وبعد مرور أكثر من عقدين على تلك المجازر التي تكاد تتكرر سيناريواتها في عدد من البلدان العربية الآن. لكنه وفي الأساس يطرح تساؤلات جوهرية: القاتل المجرم في حق الإنسانية هل لو اعترف بجرمه واعتذر عنه هل يكون ذلك كافياً حتى تُسامحه الضحية؟ هل مجرد الإعتراف والإعتذار كافيان للغفران؟ من وجد نفسه مضطراً لحمل السلاح دفاعاً عن نفسه وأهله يُعتبر ضحية للحرب؟ هل حجة الدفاع عن النفس تُبرر الاعتداء؟ وهل يُمكن المساواة بين المجرم وبين المقتول أو المفقود؟ هل يغفر الضحايا وأهاليهم لجميع من انتهك وسفك وقتل وعذب بحجة أنه فعل ذلك لمصلحه البلد؟ هل من العدل والأخلاق أن يُطالب الجلاد أن يُغفر له ما تقدم من ذنب من دون أن يُقدم ما لديه من معلومات وأسرار تُهديء من روع أهالي المفقودين وتدلهم على الأماكن التي دُفنت فيها جثث ذويهم؟

يدور الشريط السينمائي أساساً من حول شخصيتين رئيسيتين دراميتين. الأول هو أسعد الشفتري، 55 عاماً، مسؤول الأمن والرجل الثاني في الاستخبارات اللبنانية أثناء الحرب الأهلية (1975 -1990) تحت قيادة بشير الجميل.وعندما انتهت الحرب تم العفو عن جميع من شاركوا فيها. لكن بعد فترة بدأ الماضي يطارد البعض ومنهم الشفتري الذي يعترف بأنه قام بعمليات قتل وخطف وسيارات مفككة وكل شيء يُمكن تخيله، بأنه تعاون مع اسرائيل التي كانت بالنسبة له الحلم والأمل والقدوة. هكذا يعترف مُقراً بمسئولياته ويعتذر بحق كل من أساء إليهم!. إنه لا ينفي أنه مذنب، لا يدعي أنه بريء، لكنه أيضاً يُؤكد أنه ليس المسئول الوحيد عن كل ما حدث، وأن ما لديه من معلومات هو جزئي – مجرد شقفة - لأن هناك شركاء آخرون. 

الشخصية الدرامية الثانية هى مريم سعيدي الفنانة التشكيلية والأم المنكوبة التي فقدت ابنها الشيوعي البالغ خمسة عشر ربيعاً عام 1982 في معركة "كلية العلوم" ولا تعرف مصيره ولا أين دفن؟ كان أسعد قائدا في تلك المعركة التي شارك فيها ابنها واختفت آثاره إثرها. تصور إليان الراهب الاثنين معا وهما يتأملان الماضي، لكنهما لا يتواصلان بشأن الحاضر، فأسعد يرفض الإدلاء بكل ما لديه من معلومات بحجة أنها لا تخصه وحده فهى تُورط آخرين، بينما تصرخ الأم بغضب رافضة إقامة أي حوار طالما لن يُقدم لها معلومات عن ابنها المفقود.   

المواجهة القاسية، الصادمة أحياناً، والناعمة في بعض المرات سمة تُصاحب الحوارات التي تسعى إلى اقتناص لحظة الاعتراف العميق حتى وإن لم تصل إليه علناً، لكن الكاميرا كانت هناك تدور وتُسجل وتلتقط أدق الخلجات النفسية عن ما لا تقوله الشخصيات، مثلما حدث مع قائد العمليات العسكرية بالحزب الشيوعي والذي ظل يدعي أن ماهر لم يكن مقاتلاً في الحزب، وأنه لايعرف عنه شيئاً ولا يتذكر شيئاً، مستنكراً إعادة فتح ملفات تلك القضية، بينما هو جالس في مقعده الوثير بملابسه الراقية وهيئته الثابتة اللامبالية المتغطرسة معتقداً، وهماً، أنه يُخبيء أكاذيبه خلف الدخان المتصاعد من سيجاره الكوبي، بينما تُفسر الأم موقف بأنه صار حليفاً لجلاد الأمس.  

اتخذت المواجهة أشكالاً وأطيافاً لكشف التناقض وتمحيص الأكاذيب، لتعميق الأمور وصولاً إلى أكبر قدر ممكن من الحقيقة. تحاورت الراهب مع العديد من الشخصيات الأخرى لتقصي جوانب مختلفة من الصورة.عقدت مواجهة بين الضحية والجلاد، بين الجلاد ونفسه وضميره، بين الجلاد وآخرين منهم المخرجة أحياناً، أو بينه وبين جلاد آخر، أو بينه وبين أسرته، أو بين أقاربه في غيابه. البعض – من الطرفين ضحايا وجلادين - رفض المواجهة واكتفى بالحديث صوتياً من خارج الكادر دون أن يظهر. البعض اكتفى بوجود ظله على الجدران مُخفياً ملامحه. 

"أنا لا أريد أن أتحدث عن هذا إليان." جملة ترددت مرات على لسان شخصيات عدة، لكنها لم تستسلم وظلت تواصل الإستجواب لإتمام فيلمها الذي نال جائزة جمعية نقاد السينما المصريين بمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة السادس عشر في الفترة 4-9 يونيو. 

لعبت الراهب دور المحقق باحترافية عالية. قامت برحلة من الاستكشاف المؤلم البطيء المراوغ. لم تكن تبدأ المواجهة بالصدام، بل بالحكي عن حياة الناس البسيطة والحميمة، تورطهم في النوستالجيا فتكسر الحواجز بينها وبينهم. تُسقط الدروع المشيدة حولهم. في لحظة التخلي عن الدروع تسقط الأقنعة وتنكشف كثير من الحقائق. تتركهم يبتسمون كالأطفال ثم تنقض عليهم فجأة بسؤال مُربك، مثلما فعلت مع والدي أسعد، إذ تركت الأب يستعيد حنينه إلى الماضي والأم تحكي لحظات الفرح عند مولد ابنهما، وكيف كان يُجيد الرقص، وأنها ألحقته بمدرسة مشتركة مع البنات، وفجأة تسألها الراهب: كان يرقص!! وفي مدرسة للبنات!!.. لماذا التحق بالكتائب وأصبح قاتلاً إذن؟ هنا يُدوي الصمت، بينما تصرخ لغة الجسد بإيماءته الكاشفة، ترتعش الأيدي، تنعقد الأصابع، تتبدل الوجوه، وتتحول الملامح الطفولية إلى قسمات مفعمة بتعبيرات الغضب البالغ حد الكره. يتبادلون النظرات. أخذتهم على حين غرة. تنطق الأم: كان يدافع عن نفسه. ثم يبدأ الابن في ترديد أغنية عن العلم الملطخ بالدماء من أجل تحقيق الحرية.

بدا جلياً نجاح الراهب في توظيف كل ما يخدم مادتها بصرياً وسمعياً، باستخدام المُسجل الصوتي والذي تُعيد سماعه أحياناً حتى نرى ردة الفعل على وجوه الأشخاص وهى تنصت لنفسها أو وهى تستمع لآخرين، وبتوظيفها المؤثرات الصوتية بمهارة ومنها صوت السلاسل والحلقات المعدنية، وصوت طلقات الرصاص، وأغنية نجاة "يا مسافر وحدك". وأيضاً باستخدام كواليس التصوير فكأننا كنا بصحبتها خلف الكاميرا نتعرف على مهندس الصوت والمصور والفنيين وحامل المايك، عشنا معها في تلك الأجواء والصعوبات التي واجهتها أثناء التصوير، وهذا الأسلوب كان له اثنتين من المزايا؛ أولاً أنه كسر الإيهام بأننا نشاهد فيلماً، وثانياً أنه لعب دوراً كاشفاً لعدد من الشخصيات خصوصاً عندما انفعلت غاضبة ثم قامت بطرد المخرجة وفريق التصوير.

التصوير في "ليال بلا نوم" لا يُمكن تجاهله لما به من رمزية موجعة بالغة الدلالة، خصوصاً مع تلك المشاهد في مزارع الصيد، فعلى وقع أصوات طلقات الرصاص المتلاحق والمدوي، وعلى صوت ضربات الفئوس تنهال على رءوس الأرانب لتقطعها ثم الأيدي تسلخها كان هناك حديث دائر عن مقتولين ومفقودين وماضي ملطخ بالوحشية والغليان الطائفي. كذلك فيما يتعلق بوضعية أسعد، فتكوين الكادرات وتعدد زوايا التصوير بتعدد جوانب السرد أو الاعتراف، وتنوع حركة الكاميرا المهتزة قليلاً أو كثيراً في لحظات المناورة ومحاولة إخفاء حقيقة المشاعر أو الإختباء داخل حجج وذرائع النسيان، كان متناسقاً مع حالته الجوانية، ومنها مثلاً عندما نراه يُواجه صورته المنعكسة في المرآة مرتين، فيبدو وكأنه شخصين وأحياناً ثلاثة، ربما لذلك خصصت له المخرجة فصلاً بعنوان "المهرج" قرب نهاية عملها، كأنه بوجهين، أوإنسان يرتدي قناع محكم، لأنه لم يقل الحقيقة كاملة. وكذلك مشهده في معرض الصور الخاص بالمفقودين إذ نراه محاصر بين صورة ماهر في الخلفية وجسد مريم في المقدمة، وكأنه ملاحق ومطارد بالماضي، بينما يقف أمامه الحاضر رافضاً التصالح معه.

عين على السينما في

18/08/2013

 

صورة الجماعات الاسلامية في السينما المصرية:

تحريض أم نبؤة؟

صالح ذباح * 

"فلتسقط الحكومة ولتسقط الصحافة، ولتسقط الشرط ورجال الشرطة والجهاد!".. هذا ما يقوله عادل امام في فيلم الارهابي (1994) لكاتبه لينين الرملي مجسدا دور عضو في جماعة إسلامية متطرفة يشرب من الخمور ما يجعله يبوح بمعتقداته الفعلية حسب رؤية الكاتب.

توضح لنا الايام الحالية بعد الحراك الشعبي التاريخي في مصر 30 يونيو مدى رسوخ أفكار كهذه لدى قيادات الجماعات الاسلامية وجماعة الإخوان المسلمين تحديدا، والتي كرست من مدخولاتها ونشاطاتها وعقيدتها لتعزيز وبناء درعها المسلح هو في أساسه ذراع مسلح قامت الجماعة بتغذيته بعد عقود من الاعتقالات والتهميش بالتوزاي مع صعود الحركات الاصولية في العالم من خلال أموال لا يعرف مصدرها تحديدا وتبقى رهن التكهنات. وبالتزامن مع الثورات العربية والتغييرات التي تشهدها المنطقة العربية، يكثر الحديث عن خيوط مؤامرت تحاك مع قوى إقليمية وعالمية .

نرصد سينمائيا صورة الجماعات الاسلامية ، فنلحظ  تصاعد إبراز دورهم السلبي في المجتمع المصري منذ التسعينيات.. هذا العقد الذي نفذت خلاله الجماعات الاسلامية العديد من التفجيرات الإرهابية وأودت بحياة الكثير من السياح والمصريين، أشهرها مذبحة الأقصرعام 1997، والاقدام على اغتيال شخصيات مفكره كفرج فوده ومحاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ.

أفرزت السينما تصورا لأعضاء الجماعات الاسلامية يجول  على الأغلب ما  بين نموذجين: نموذج اللا أنسنة والشيطنة من جانب، ونموذج الابن الضال أو الضحية الناقمة التي لا تعود الى رشدها، من جانب آخر.

وفق النموذج الأول تظهر الهرمية المبنوية للجماعة وطاعة من هو في أسفل الهرم لمن فوقه دون معارضة الأوامر العليا للشخصيات القيادية، يلعب التشخيص الكاريكاتوري دورا في اللا أنسنة عبر الزي السلفي، واللحى المطلقة، وتعابير الوجه المتجهمة، والتحدث بالعربية الفصحى، كجزء من قناع يلبسه أعضاء الجماعة ، سرعان ما يخلعوه و يتحدثون بالعامية في المواقف الحرجة خارجين عن قواعد "اللعبة".

أظهرت السينما في أكثر من موقف تعمد الجماعات الاسلامية الإضرار بمنشآت الدولة والشرطة ("عمارة يعقوبيان" 2006)، وفي نفس الشريط السينمائي يكشف الستار عن  معسكر للجماعة في منطقة صحراوية نائية، يتدرب فيه الاعضاء على القتال. يتجلى ملمح آخر كذلك، في التخريب المجتمعي الذي مورس، عبر تكسير أجهزة الراديو في المقاهي، وحرق حانات شرائط السينما، وبقالات بيع الخمور ("الارهابي" 1994،"دم الغزال" 2005),بالاضافة الى ذلك وصف اعضاء الجماعات الاسلامية في أكثر من موقف بـ"ثقل الدم" ("طيور الظلام" 1996) صفة قد تغضب أي مصري لما يميز شخصية المصري من خفة ظل وروح نكتة، وفي مفارقة شديدة، تقول الهام شاهين- التي أصبحت الآن على قوائم اغتيالات بعض الجماعات الاسلامية في مصر- لمن يجسد دور خطيبها العضو في جماعة اسلامية في فيلم "يا دنيا يا غرامي"(1995): "انت مكشر كد ليه؟ انت زمان كان دمك خفيف"!

الإبن الضال

ووفق النموذج الثاني،عادة ما نقف أمام ابن ضال، يأتي انضمامه للجماعة الاسلامية  مبررا بأسباب كالبطالة، وقلة فرص العمل، وخيبة الأمل من المجتمع بما في ذلك نقد لنظام مبارك ("عمارة يعقوبيان"،"يا دنيا يا غرامي" يخرج عن الإجماع العائلي وعادة ما يكون ضحية ظروف اجتماعية تفقده صوابه ولا يعود بسببها الى رشده، ويؤول به الحال الى الخروج عن طوع العائلة في رمزية الى العائلة المصرية الكبيرة، وفي هذا المضمار، يتكرر موتيف عدم رضا الام وطردها لابنها، ففي فيلم الآخر (1998) ليوسف شاهين تقول الأم بهية (لبلبة)،  بما يحمل اسمها من مجاز لمصر البهية،عن ابنها الارهابي :"فتفوتة الحنية اللي بقيت في قلبي راحت لما رفع ايده علي" بما للمعنى من إقصاء وإبعاد، وكذلك يتكررموتيف آخر، وهو قتل إحدى افراد العائلة على يد الابن المتطرف أو بسبب معاونيه.ففي فيلم يا دنيا يا غرامي على مدرج المسجد، يفسد الإسلاميون "الفرح" و يطعن الأخ أخته بعد حفل زفاف جمع بين ضيوفه المسلمين والمسيحيين، وفي فيلم  "الاخر"، في كمين معد للارهابيين، يُقتل كل من ادم وحنان بما يحملاه من رمزية تتعدى المعاني الومانسية، لجيل شباب مصري، مثقف، واع، يسعى لاصلاح المجتمع.

يرى البعض أن هذه الرؤى والطروحات كفلت تعايشا مريحا ما بين نظام مبارك ونخبة المثقفين، فالاسلاميون يشكلون خطرا على كليهما، كل من منظوره: فالنظام لا يرغب بحوز الاسلاميين على السلطة، والمثقفون "الليبراليون" يرون بالحركات الاسلامية التكفيرية خطرا على الابداع والفنون ويستوجب عليهم إدانتهم.

ويُسأل السؤال، إن كان يدفع بصناع السينما من قبل النظام الى طرح قضية الجماعات بهذه الصورة؟ أم أن ما تم هو عملية ابداعية تعبرعن قناعات اصحابها دون اجندة موجهة؟ وإن كان هؤلاء الصناع يحظون بحرية في طروحاتهم،هل ما قدموه كان محاولات  "تنفيس"- وإن انتقدت السلطة السياسية- من جهة، وإرهاب للمشاهد، من جهة أخرى، يتم تحريضه من خلالها على الجماعات الاسلامية جميعا، دون تفرقة والقبول بالنظام لأنه يكفل محاربة هذه الفزاعة؟

قد تختلف الاجابة باختلاف صاحب العمل، فما ينطبق على الكاتب والسيناريت وحيد حامد قد لا ينطبق على يوسف شاهين، لكن من الظاهر للعيان ان النصف الثاني من العقد الأخير لنظام مبارك، أنتج تجارب سينمائية تقلل من صدقية نظرية التحريض وتوجيه السينمائيين، على الأقل في عقد الألفينيات، والذي شهد أيضا تفجيرات في العديد من المنتجعات في سيناء نفذتها جماعات إسلامية أصولية ، وسمحت رقابة النظام بتجارب سينمائية جريئة، ظنا منها أن هذه الأعمال ستكون صمام أمان للسلطة. كان لهذه التجارب من التعبئة ضد الوضع القائم آنذاك، ما أجج جيل الشباب- ولو بشكل تراكمي وغير مباشر- بالتزامن مع نشوء حركات المعارضة ومن أهمها حركة "كفاية"، لتهيئة وتشكيل وعي شعبي ناقم على النظام,من أهم هذه الأعمال: "عمارة يعقوبيان" (2004)، "حين ميسرة"(2007) و"هي فوضى"(2007).

يبقى ملفتا ما تصوره، بل تنبأ به وحيد حامد في فيلم "طيور الظلام" يتنافس فيه كل من فتحي نوفل (عادل إمام)  من الحزب الوطني الحاكم وعلي الزيناتي (رياض الخولي) العضو في جماعة الاخوان المسلمين على السلطة، وفي مشهد النهاية البديع، ينتهي الأمر بالاثنين في باحة السجن، يتسابقان  لضرب كرة قدم وتسديد هدف، في اشارة الى النزاع على السلطة,تتهشم  على اثره الشاشه أمام المشاهد، مشهد يحاكي واقع السجينين، وان اختلفت ظروف وتعريف سجنهم: مبارك ومرسي.

الى أين ستتجه مصر بعد 30 يونيو؟هل ستشهد السينما تجنيدا مطلقا ضد الجماعات الإسلامية، كما شهدت ساحة الإعلام الليبرالي على أنواعه المختلفة؟ لا تلوح في الأفق حتى الآن  إمكانيات مصالحة وتوافق بين جماعة الإخوان المسلمين وبين بقية المصريين، إذ لا ترى الجماعة نزول الحشود بهذا الشكل غير المسبوق تاريخيا، سببا كافيا لتنازلها عن السلطة، وترى قيادة الجيش المصري ممتنعة عن احتوائها ومغتصبة لشرعيتها الانتخابية.

لا يسعنا الا أن نأمل في ظهور بوادر الوفاق والمصالحة بين جميع أطياف المجتمع المصري، وبرومانسية شديدة، مثلماعودتنا الافلام المصرية، ان نرى جميع المصريين مجتمعين كما فتحي نوفل وعلي الزيناني - على اختلافهم- ينشدون بحميمية:" يا واش يا واش"! 

* ناقد من فلسطين

عين على السينما في

18/08/2013

 

"العالم ملك لك"..

شعار مهرجان مونتريال السينمائي الدولي 2013

 خيرية البشلاوى

الخميس القادم - 22 أغسطس - تبدأ دورة جديدة من مهرجان مونتريال السينمائي الدولي وتستمر حتي 2 سبتمبر.. الشعار المعلن لدورة 2013 "العالم ملك لك "the world is yours.

يضم البرنامج حسب ما أعلن في المؤتمر الصحفي الذي عقد في مدينة مونتريال يوم 6 أغسطس الحالي 432 فيلماً منها 218 روائياً طويلاً. و14 متوسط الطول. 200 فيلم قصير ما بين روائي وتسجيلي.

المعروف أن المهرجانات الدولية تحتل مكانتها المتميزة بقدرة منظميها علي توفير أكبر عدد من الأفلام المشاركة التي لم تعرض من قبل في مهرجانات أخري. ايضا تحرص المهرجانات علي تحقيق بداية قوية بفيلم قوي ومتميز يعرض في حفل الافتتاح يشهد له النقاد وعشاق السينما الحريصون علي متابعة المحافل الدولية للفيلم السينمائي.

ومن بين 218 فيلماً طويلاً يوجد 113 تعرض لأول مرة. و39 فيلماً تشهد عروضها الأولي قارة أمريكا الشمالية بالإضافة إلي 41 فيلماً كندياً لم يسبق لها العرض.

البيئة الرقمية

سيطرت التكنولوجيا الرقمية بالكامل علي بيئة السينما. اختفت من الوجود المعدات السينمائية الثقيلة التي كبلت ضياع السينما طويلاً انتقلت هذه المعدات للمتاحف اختفي ايضا شريط السيليليويد وأفلام الـ 35 ملم لم يعد لها مكان في عالم المهرجانات. صار مكانها في أرفف المخازن ومحلات الانتيكات.. كذلك تغيرت بالكامل طرق اختيار الأفلام صارت اللجان السينمائية المنوط بها هذه المهمة تعتمد علي طرق مختلفة. هناك "وصلات" Links عديدة علي مواقع الإنترنت تسمح بالفرجة علي الفيلم وفي ظروف ممتازة. لم يعد لوسيط الفيلم "كيان" مادي ملموس "كاسيت أو قرص مدمج" فهذا الكيان المادي يستلزم وقتاً للوصول إلي مقر المهرجان وآخر لاستلامه ثم للفرجة عليه الأمر الذي يلقي عبئاً ويستهلك وقتاً في اتخاذ القرار أو رأي ينتظره بفارغ الصبر المنتجون والمخرجون أصحاب الأفلام.

الكاميرا الرقمية خفيفة صغيرة الحجم وبإمكانيات كبيرة تسهل عملية الإبداع. خصوصاً بالنسبة للفيلم التسجيلي الذي أصبح انجازه أسرع والحصول علي الصور المباشرة متاحاً وبلا وسيط وإمكانيات الإبداع والإبتكار متوفرة.

وأمام هذا التقدم صار كل العالم فعلاً ملكاً للمتلقي.. وصارت البيئة الرقمية تحيط بالفرد أينما ذهب عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي تطورت بدورها وانتشرت حتي بين الأطفال.. جميع أفلام الكارتون وأفلام والت ديزني حالياً في متناول الطفل وهو جالس علي سريره أو علي المائدة يتناول الطعام.

ولكن هذه الانجازات لها وجه آخر سلبي فقد أصبحت جرائم القرصنة تؤرق المبدعين. بعد أن صارت هذه الجرائم تدمر حقوق الملكية التي جاهدوا من أجل إقرارها. أصبحت عملية السطو علي الفيلم كارثة محققة يواجهها الفنانون ورجال الأعمال وبالطبع المبدعون. وهي تهدد صناعة السينما. ذلك لأن الاستثمار الذي لا يحقق الربح لا جدوي منه. فهذا البلاء الذي يدخل ضمن الآثار الجانبية لتطور التكنولوجيا الرقمية لابد من مواجهته ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال جهود عابرة للدول أي لا تقتصر علي دولة واحدة وإنما بتضافر دول عديدة لمواجهته.

الفرد في عالم متغير

هناك موضوع بارز في كثير من أفلام المسابقة الرسمية في هذه الدورة من مهرجان مونتريال إلا وهو حصار الإنسان داخل عالم شديد التغير حيث يواجه وقائع جديدة تماماً علي المستوي الخاص والعام.

من أفلام المسابقة العشرين فيلم ألماني بعنوان "gaming Instinel) ومعناها "اللعب بالغريزة" للمخرج جريجور شنتزلر. ويحكي قصة صبية في الرابعة عشرة علي درجة كبيرة من الذكاء والنزعة الاستقلالية الصارمة التي تجعلها عاجزة عن التواصل والتأقلم مع الحياة المدرسية وهذه الصبية "آدا" تلتقي بالفتي "اليف" ومن خلاله تدرك ماهية الألفة وقيمة المشاركة ومن ثم تنطلق شرارة الصداقة الأولي ويتحقق التواصل.

هناك فيلم ألماني آخر للمخرج كريستيان سكوشو بعنوان "غرب" "West) يعود بأحداثه إلي عام 1978 في ألمانيا الشرقية وأثناء فصل الصيف حيث يعيش الشاب نيللي "Nelly) حياة وحيدة حزينة بعد فقد صديقه ومصرع والده في حادث سيارة في روسيا. يقرر هذا الشاب الصغير الهجرة إلي الغرب لكي يبدأ حياة جديدة يعتقد أنها أفضل.

تضم المسابقة فيلم من بلجيكا بعنوان "النطق بالحكم" "Verdict) للمخرج يان فرهاين يدور حول تجربة شاب يبذل قصاري جهده للحيلولة دون إطلاق سراح قاتل زوجته الذي حصل علي حكم بالبراءة بسبب خطأ في الإجراءات إنها معركة الفردية من أجل إرساء العدالة. وبسببها ينسي عمله ويدمر حياته ويستغرق وقته في جمع المعلومات من الإنترنت ورصد كل ما يتعلق بعمليات الإجهاض التي تتعرض لها "العدالة" وحين يفشل يقرر هو نفسه خوض معركة الثأر والانتقام الذي يدفعه إلي العداء مع الدولة نفسها.

مشاركة كندية

وتشارك كندا بأكثر من فيلم وبفيلم مشترك مع فرنسا ومن هذه الأفلام "منزل بنسير" للمخرج الآن شارتراند تدور أحداثه في الماضي. تحديداً عام 1969 حين يلتقي الشاب "برنارد" "19 سنة" بمجموعة من النشطاء السياسيين الانفصاليين الذين يسعون إلي فصل إقليم "كوبيك" الفرنسي. فيتأثر بهم ويتحول هو نفسه إلي عنصر رئيسي في "جبهة تحرير كوبيك".

فيلم كندي آخر بعنوان "المنزل الآخر" للمخرج ماثيو ردي يبلغ بطله من العمر 86 سنة يعاني من مرض نفسي يجعله دائم التوهان والتجوال بعيداً عن منزله في ريف كندا بحثاً عن منزل آخر أكثر راحة. ولهذا العجوز ولدان أحدهما مراسل صحفي يغطي الأحداث الساخنة. والآخر طيار تحت التمرين. والاثنان يختلفان حول تصرفات الأب دائم التوهان ثم في النهاية يتفقان حول مكان ينقلان إليه الأب ويطلقان عليه "المنزل الآخر".

نلاحظ من قائمة الأفلام مشاركة الصين بفيلمين هما "العبارة" للمخرج شي واي وفيلم "إطعمني" "Feed me) للمخرجين يازو يانج وبو يانج.

تشارك كرواتيا بفيلم "لقطة واحدة" لروبرت دحل. والدنمارك بفيلم "المعجزة" لسيمون ستاهو و"فرنسا" بفيلم "لاندس" وبفيلم مشترك مع كندا "جابلوب" "Japple loap) وإيران بفيلم "رباط الزوجية" "Wedlock) للمخرج روح الله حجازي.. وبالمناسبة إيران لها أكثر من فيلم وكذلك تركيا.

الفيلم الإيراني يعالج الحياة الزوجية بين أجيال وأفكار مختلفة. بين الحياة التقليدية والقيم الثابتة التي تحكم الرباط الزوجي. وبين الحياة الحديثة والقيم والأفكار التي تغيرت.

سيظل الصراع بين القديم والحديث في أساليب الحياة أبدياً.

مسابقة للطلبة

وتشارك إيطاليا بفيلمين "تشا تشا تشا" cha cha cha للمخرج ماركو ريزي وفيلم "غير مسموح للإيطاليين" للمخرج توني تروبيا إلي جانب أفلام في أقسام أخري من المهرجان.

هناك أفلام من كرواتيا واليابان والسويد والنرويج واسبانيا وبورتريكو. وإسرائيل. والمكسيك وصربيا وسويسرا وبولندا وروسيا وأمريكا. بالإضافة إلي احتفاء خاص بالسينما الكورية يضم عدداً من الأفلام.

ويتسع البرنامج الحافل لمسابقة خاصة بأفلام الطلبة الكنديين يضم أفضل الأعمال القصيرة التي تقدم لأول مرة في هذه المناسبة الدولية التي صار من الواضح أنها تمثل "حضانة" حقيقية للمواهب الجديدة الشابة الجديرة بالرعاية. عناوين الأفلام التي تقدم عالمياً لأول مرة تحتل قائمة طويلة لا يتسع المقام لذكرها.

مهرجان مونتريال هو أقدم مهرجان في أمريكا الشمالية يضم مسابقة دولية لأفلام متنافسة من جميع دول العالم تأسس عام 1977. ويدخل ضمن المهرجانات الدولية الرسمية المعترف بها من اتحاد المنتجين الدولي "FIAPF) وبالرغم من أن مهرجان تورنتو من المهرجانات الكبيرة ايضا إلا أنه لا ينظم مسابقة بين الأفلام وعلي عكس مهرجان تورنتو السينمائي الدولي الذي يركز بصفة خاصة علي الأفلام الكندية وأفلام أمريكا الشمالية. يحرص مهرجان مونتريال علي تقديم قائمة متنوعة من دول العالم وتنظيم أكثر من مسابقة للأفلام. فإلي جانب المسابقة الرئيسية للفيلم الروائي الطويل. هناك عروض أفلام خارج المسابقة ومسابقة للأفلام التسجيلية وقسم للتكريمات وقسم لأفلام الطلبة. وقسم بعنوان "سينما تحت النجوم".

وقبل كل دورة يقوم مجلس إدارة المهرجان باختيار لجان التحكيم الذين يتحملون مسئولية اختيار الأفلام الفائزة وهؤلاء يتم اختيارهم من بين فناني العالم ممن تشهد انجازاتهم بالتميز وتحظي بالاحترام من الجمهور.

تتضمن الجوائز الجائزة الكبري "gramd prix des Ameriquen) وجائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة أفضل مخرج وأفضل ممثلة وأفضل ممثل وأفضل سيناريو. وأفضل إسهام فني وجائزة للإبداع إلي جائزة "زينث" "Zenith) للفيلم الروائي الأول لمخرجه وهذه تضم ثلاث جوائز ذهبية وفضية وبرونزية.

هناك ايضا جائزة يختارها الجمهور لأفضل فيلم جماهيري وجائزة باسم المخرج البرازيلي جلوبير روشا لأحسن فيلم من قارة أمريكا اللاتينية وجائزة لأفضل فيلم قصير كندي.

لم ألمح وسط عشرات العناوين المشاركة عملاً عربياً واحداً"!!" يدل علي وجود إنتاج جدير بالمشاركة في المهرجان.

من أهداف المهرجان تشجيع التنوع الثقافي والتفاهم بين الدول وتقوية السينما في جميع القارات من أجل تحفيز التطور السينمائي ودفع صناع الفيلم للعمل والابتكار.

رنـات

المؤامرة الكبري

خيرية البشلاوى

التركيز علي الشاشات الصغيرة يستهلك كل الوقت

العقل. القلب. العين. الأذن. جميع الحواس فضلاً عن فيضان المشاعر التي تلاحق ما يجري من أحداث ملتهبة تطول كل شيء في القاهرة والمحافظات في شمال وجنوب وشرق وغرب الوطن.. حرائق. اشتباكات.. إلخ

إذن من يستطيع أن يوجه ناظريه إلي فيلم سينمائي روائي أياً كانت قيمته وجاذبيته. بينما نعيش في كل لحظة تفاصيل معركة فاصلة بين الجماعة الإرهابية الضالعة في مؤامرة مع قوي استعمارية لهدم الوطن. وبين الشرطة والجيش والشعب والقوي السياسية الوطنية

الأحداث التي عاشها ويعيشها المصريون في الأيام الأخيرة وحتي هذه الساعة تكفي كمادة موضوعية مصورة لعمل الملاحم وعشرات الأفلام التسجيلية.. المصريون يعيشون أياماً فاصلة من تاريخهم. يشاركون في صناعة صفحة جديدة مشرقة بإذن الله

طوال أمس وحتي صلاة الفجر. ثم بزوغ ضوء النهار. وانتشار أشعة الشمس. ونحن جلوس أمام الشاشة الصغيرة نبحلق وننتقل من قناة لأخري. نتابع تفاصيل "معركة" "جامع الفتح" في ميدان رمسيس. المعتصمون وأتباع الجماعة الإرهابية. وقد قررت حرق مصر والإجهاز علي شعبها. يتمترسون داخل الجامع. مئات قليلة يلوذون ببيت الله. بينهم بلطجية وقتلة وإرهابيون شاركوا في صناعة الرعب وإشاعة الفزع طوال أمس الأول "الجمعة". 

الجماعة استثمرت مظاهر الفقر والجهل الذي تعيشه نسبة كبيرة من الشعب المصري. وقاموا بتجنيد المئات. بل الآلاف الذين وفرت لهم الطعام والمال. وجعلت مظاهراتهم أكثر ازدحاماً وأكثر إيحاءً بأن "الجماعة الإرهابية" كبيرة العدد وممتدة ويساندها الشعب المصري!! 

تتفاوت التغطية الإعلامية من قناة مصرية لأخري. وتتفاوت القدرات المهنية من مذيع لآخر يجلس أمام الكاميرا

بعض القنوات تمتلك إمكانيات أكبر من غيرها. تُغري المتفرج للجلوس فترة أطول. القلق يحرك "الريموت" من قناة لأخري عفوياً ومن دون التوقف أمام قنوات إجرامية تمارس الكذب والتضليل وتزييف الوعي واستعداء العالم علي مصر. ولا أعرف لماذا لم تغلق مكاتبها حتي الآن؟

الإرهابيون يحتمون في الجامع ومعهم الجثث التي يحتفظون بها لتصويرها حتي يتاجرون بها إعلامياً

"مطبخ" الكذب والتضليل الإخواني الإرهابي عجيب. يوفر للقنوات العميلة المشاهد المضللة والأخبار الكاذبة. والتقارير الملفقة بصفاقة نادرة

جامع الفتح يحتل عمق المشهد العام. أو يتصدر مقدمته. فالكاميرا لا تبرح محيطه. تصور الشباب الذي تجمع أمامه يصر علي مساندة الشرطة والجيش. ويهتف ضد الإرهاب ويطالب بالانتقام. بدأ حظر التجوال والمعتصمون يصرون علي عدم الخروج

المرتزقة من أنصار الجماعة اغتالوا أبناء الشرطة. هاجموا الأقسام. مثلوا بالجثث. اغتالوا أبرياء.. وبداخل الجامع جثث وجرحي. وفي "رابعة" و"النهضة" عثروا علي جثث متعفنة. ومتفحمة. وبقايا جرائم تشهد علي أننا عشنا أياماً كالحة السواد علي يد الجماعة بالغة الإجرام

صادرات قناة "الجزيرة" من الأكاذيب للعالم الغربي. تجعلها جزءاً فاعلاً من المؤامرة الكبري التي حيكت ضد مصر.. والأكاذيب لم تدحضها بعد الحقائق التي يعلمها المصريون الذين يخوضون الحرب ضد الإرهاب

مطلوب تصدير الصور والمشاهد والمعارك المسلحة التي خاضها "الجيش الحر" الذي مولته "الجماعة" وجلبت له عناصر إرهابية من حماس وأفغانستان وسوريا. هذه المواد المصورة لابد من تصديرها فعلاً عبر مكاتبنا الإعلامية في الخارج.. وعلي كل مصري يعيش بعيداً عن بلاده أن يحمل "للآخر" ما يفعله الإرهاب المدعوم من أمريكا والغرب في مصر وشعبها.

المساء المصرية في

18/08/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)