حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الكاميرا بين قسوة الشتات و«قرقعة» الاضطهاد

كارلوفي فاري - فيكي حبيب

 

من تراب أرضٍ أشبه بالحلم ومنافٍ باردة عجزت عن أن تتحوّل يوماً إلى وطن، غرف السيـــنمــائيـــون الأكراد، فأبدعوا فناً مسكوناً بقسوة الشتات و«قرقعة» الاضطهاد.

فنهم اخترق أكثر الأبواب متانة وألذها دغدغة لأحلام السينمائيين، فكان يلماز غوناي أول فنان كردي يفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1982 بفيلمه «الطريق»، واضعاً السينما الكردية على خريطة السينما العالمية، بل واضعاً اسم كردستان على خريطة العالم... وما لبث أن حمل الشعلة من بعده سينمائيون سطعت أسماؤهم في المحافل الدولية والمهرجانات العالمية، من بهمان غوبادي (إيران) إلى هنر سليم (العراق) ومانو خليل (سورية) وريزان يزيلباس (تركيا)... وسواهم من الفنانين الأكراد الذي حملوا كاميراتهم، منساقين وراء هاجس واحد، لن يتخلصوا منه بسهولة، ما دامت القضية، قضية وطن ضائع.

ومذّاك الإنجاز السينمائي الأول، بات صعباً الحديث عن أفلام كردية من دون القضية الكردية. فلا سينما خارج القضية، ولا قضية من دون السينما... كما بات صعباً الحديث عن سينما كردية واحدة، بل بات لزاماً الإشارة إلى سينمات متنوعة، تختلف باختلاف تطور السينما في الدول التي يتوزع فيها الأكراد، وإن حملت كلها هماً واحداً لا لبس فيه ووجعاً مشتركاً لا تزال جروحه غير مندملة... هذا على الأقل ما تشي به الدورة الـ48 من مهرجان كارلوفي فاري التشيخي الذي يختتم عروضه غداً، بعدما خصص بين برامجه الكثيرة، تظاهرة للسينما الكردية ضمّت 14 فيلماً، حمل معظمها تواقيع سينمائيين أكراد إضافة إلى مخرجين غربيين تناولوا قضية هذا الشعب المبعثر في أكثر من بقعة.

واللافت أن هذه البانوراما التي احتضنت أفلاماً تراوح تاريخ إنتاجها بين عامي 1982 و2013، جددت الحديث حول دور السينما في نضال الشعوب حين تتحول إلى سلاح فتاك في وجه القمع وتقييد الحريات. كما أثارت علامات استفهام عند الجمهور التشيخي الشاب الذي اكتظت به صالات السينما، فبدا راغباً في معرفة المزيد عن ذاكرة لا تنضب وشعبٍ أضاع وطناً.

مجابهة القمع

«واجهت في طريقي مصاعب ناجمة عن الطبيعة القمعية للنظام (التركي). وكنت خلال مسيرتي أبحث دوماً عن طرق ملتوية لأعبّر عما في داخلي، ولا أخفي أن كل أعمالي لم تعبّر عما كنت أريد قوله، لا في الشكل ولا في المضمون. ولا أفشي سراً إن قلت إن الخيط بينها هو أنها كلها قائمة على الحلول الوسط».

يبدو هذا الكلام الذي باح به يلماز غوناي يوماً، لافتاً في تعبيره عن عمق المأساة التي لاحقت الأكراد ماضياً وحاضراً. فالظلم الذي تكبدوه عبر التاريخ، ومحاولات التعتيم على نضالهم راهناً، شرّعت أبواب السجون أمام المثقفين والمناضلين. من هنا، ستعجّ المنافي بأسماء مبدعين لم يكتفوا بلعب دور المتفرج. ولم يكن فيلم «الطريق» (مُنع حوالى 15 سنة من العرض في تركيا) الذي شاهده الجمهور التشيخي خلال هذه التظاهرة بعد 31 سنة من إنجازه ونيله «السعفة الذهبية»، إلا الفيلم الأول الذي سيتكرر مرات ومرات وإن اختلفت العناوين وتواقيع السينمائيين.

وإذا أمكن اعتبار هذا الشريط الفني بمثابة مانيفستو القضية الكردية بإعلانه الصريح أن السجن الحقيقي ليس ذاك المحاط بالأسلاك الشائكة والشرطة بل هو ذاك البلد الكبير الذي يعيش فيه الكردي غريباً - يقصد به هنا يلماز غوناي تركيا - فإن سينمائيين آخرين ستبوح أفلامهم في ما بعد بالأمر ذاته، لكنّ أصابع الاتهام ستتجه هذه المرة ناحية إيران والعراق وسورية...

«في السينما، كان هدفي تقديم رؤية واضحة للعالم من طريق شخصيات ممزقة حيث الرجال يسيطرون على النساء، لكنهم في الوقت ذاته يرشحون بالذل ويتميزون بالجبن والعجز وهم سجناء العادات التي يخضعون لها. وهذا ليس نتاج الديكتاتوريات العسكرية بل العادات والسلاسل غير المرئية التي تلتف حول أعناقهم، والناتجة عن تاريخ طويل من الإقطاع الذي لا يمكن فصله عن المنظومات الاقتصادية».

كلمات اختصر فيها السينمائي الراحل يلماز غوناي المشهد في هذه البلدان، قبل أن تصوّره أفلام كثيرة من بعده. أفلام كان لجمهور كارلوفي فاري فرصة مشاهدتها في سلّة واحدة، ما مكّنه من رسم صورة وافية عن تاريخ الأكراد الزاخر بالمآسي... من دون أن يعني حضور المآسي الوفير أيّ غياب للغة السينمائية المميزة في الشكل والجماليات. ويقيناً أن الأفلام التي تابعناها في هذا المهرجان عبّرت عن تطور الأفلام الكردية سواء في بعدها الفني أو التعبيري أو التقني.

ظلم واستبداد

بين 8 أفلام روائية طويلة و6 قصيرة، لامست هذه التظاهرة عناوين كبيرة. ولعل فيلم بهمان قبادي «موسم الكركدن» (2013) أحد أبرز الأفلام التي سبقها صيتها إلى المهرجان التشيخي. فالفيلم الذي أنتجه مارتن سكورسيزي ولعبت بطولته مونيكا بيلوتشي، لامس بشاعرية وقسوة في آن، ملفّ الاعتقال السياسي في سجون الثورة الإسلامية في إيران بالاتكاء على تجربة الشاعر الكردي الشيوعي صادق كمانغار.

ولم يكن الجمهور أقل حماسة أمام فيلم شقيقة قبادي، ناهد، التي أخرجت عام 2012 بمساعدة بيجان زامانبيرا فيلماً مفعماً بالهجاء السياسي، تنطلق أحداثه من قصة 111 فتاة كردية يقررن إرسال مكتوب الى رئيس الجمهورية الإيرانية يحذّرنه فيه من أنه قد يتسبب في ارتكاب جريمة انتحار جماعي. أما الشرط للعدول عن قرارهن فمساعدتهن في العثور على أزواج بعدما هجر الشباب الكردي البلاد نتيجة سوء الأحوال.

وعلى رغم الموضوع الذي يبدو كوميدياً بعض الشيء، فإن قبادي استطاعت أن تضع الإصبع على الجرح من خلال اعتمادها بفطنة على السخرية السوداء.

ولم يشذ فيلم شوكت أمين كوركي «ضربة البداية» (2009) عن طرح أحلك المواضيع سوداوية مثل العنف والتطرف بالاتكاء على موضوع ظريف اختزل العراق بملعب كرة قدم. وهو نفسه الفيلم الذي كان خلال السنوات السابقة قد تجول في الكثير من المهرجانات العربية وغير العربية مسجلاً نجاحات لافتة، واضعاً السينما الكردية الخالصة في شكل مفاجئ على خريطة اهتمامات المتفرج العربي الذي كان يصعب عليه قبلاً تقبل هكذا أفلام!

أما فيلم «قبل سقوط الثلج» (2013) فتناول فيه المخرج هشام زمان مسألة الشرف في الشرق من خلال قصة فتاة تهرب في ليلة زفافها، ما يضطر شقيقها للبحث عنها لغسل شرف العائلة. ولكن، ما إن يخرج الأخ في بحثه عن شقيقته، من عالمه الضيق وتطأ قدماه أرض الغرب، حتى يبدأ الصراع لديه بين الموروث الثقافي الشرقي والحداثة الغربية.

صراع شرق - غرب، شكّل أيضاً محور فيلم هنر سليم «إذا متّ سأقتلك» (2010) الذي يمكن اعتباره كوميديا سوداء عن المنفى والحب والموت والتسامح بين بيئتين وزمنين. الزمن أيضاً محور فيلم سالم سالفاتي «الشتاء الأخير» (2012) الذي صوّر فيه المخرج مأساة عائلة توقف عندها الوقت بعد اختفاء ابنها خلال الخدمة العسكرية.

وفي تجربة فريدة من نوعها، إلى جانب هذه الأفلام التي حققها مخرجون أكراد يحمل كلّ منهم هوية مختلفة عن هوية الآخر، تابع الجمهور في مهرجان كارلوفي فاري، «الفيلم الأول» للكاتب والمخرج البريطاني مارك كوزينز الذي قصد قرية غوبتابا الكردية العراقية التي كانت هدفاً لهجوم كيماوي بأوامر من صدام حسين عام 1988. وبعدما التقطت الكاميرا هناك ذكريات أهل القرية عن الحرب والمعاناة، ارتأى كوزينز عرض مجموعة من الأفلام على الأطفال، قبل أن يسلمهم 3 كاميرات، ليسجلوا عبرها ما يشاؤون، فكانت شهادات مؤثرة لم تشف بعد من فظائع صدام على رغم ما يبدو على الوجوه من ازدهار.

في اختصار، لا قبضات مرفوعة ولا بطولات وهمية في الأفلام الكردية التي شاهدها جمهور كارلوفي فاري، بل سينما شاعرية حيناً، واقعية أحياناً، تخفق على وقع نبض شعب يأبى النسيان أو الاستسلام.

الحياة اللندنية في

05/07/2013

 

بريت مارلينغ:

لا أؤيد العنف... لكنني أفهم أسبابه

باريس - نبيل مسعد 

بدأت بريت مارلينغ مشوارها المهني في الحياة كمحللة مالية لدى مؤسسة «غولدمان أند ساكس» الشهيرة ، قبل أن تقرر التفرغ للفن ودرس أصول الدراما في الجامعة. ولا تكتفي مارلينغ بالتمثيل، بل تكتب السيناريوات وتشارك في إنتاج الأفلام التي تؤلفها وتمثل فيها مثل «حسم» الذي تقاسمت بطولته مع ريشارد غير، و «الصحبة التي في رفقتك» الذي أخرجه وظهر فيه روبرت ريدفورد إلى جانب مارلينغ أيضاً.

في فيلمها الجديد «إيست» من إخراج زال باتمانغليج، تؤدي مارلينغ شخصية إمرأة تعمل لحساب مؤسسة صناعية ضخمة تكلفها مهمة سرية وخطرة تتلخص في الانضمام، من دون كشف هويتها الفعلية، إلى مجموعة تحمل إسم «إيست» تمارس الإرهاب الصناعي، بمعنى أنها تدمر في شكل دوري المصالح الرأسمالية في أماكن مختلفة من الولايات المتحدة مدّعية أنها بهذه الطريقة تدافع عن المظلومين وتعامل أصحاب الثروات الطائلة مثلما يعاملون هم عامة الشعب، أي بالإجرام. وبعدما تلتحق الجاسوسة بالمجموعة المذكورة بهدف تحطيمها من الداخل، تكتشف أسلوب حياة مختلفاً تماماً عن ذلك الذي تعتاده، ومع مرور الوقت تتساءل عن مدى صحة تصرفها تجاه هؤلاء الأشخاص الذين تبنّوها.

«الحياة» التقت مارلينغ في باريس التي زارتها للترويج لفيلم «إيست» الذي شاركت أيضاً في تأليف حكايته وفي إنتاجه.

·        ما الذي دفعك إلى كتابة مثل هذا السيناريو؟

- تعاونت في كتابته مع زال باتمانغليج الذي أخرج الفيلم في ما بعد. أما عن الفكرة الأساسية فقد أتتني بعد متابعتي الأحداث العالمية ونشوب الثورات هنا وهناك في مواجهة الظلم والطغيان. إن الشعوب تثور ضد حكّامها مثلما حدث في شأن «الربيع العربي»، وهناك من يثورون ضد المؤسسات العالمية الرأسمالية التي صارت تتحكم في مصير العدد الأكبر ولا تخطط سوى لمصالحها المالية. والذي يحدث فعلاً هو ظهور مجموعات يسمّونها إرهابية تمارس المعاملة بالمثل وسيلة لمكافحة هذا الطغيان. أنا اعتبرت أن الموضوع يستحق اهتمامي من الناحية الفنية وبدأت أحوّله إلى سيناريو بالمشاركة مع صديقي باتمانغليج.

·        هل تتخذين موقفاً محايداً من تلك المجموعات؟

- لا، لأنني لست من أنصار استخدام العنف وسيلة لحل المشاكل، مهما كانت كبيرة، لكنني أفهم الأسباب التي تدفع البعض إلى التصرف بأسلوب متطرف.

·     أنت قادمة من دنيا المال والمصارف أساساً بما أنك عملت لدى «غولدمان أند ساكس»، فهل تغيرت نظرتك الى هذا الميدان منذ أن غادرته؟

- لقد تغيرت نظرتي اليه عندما كنت أعمل فيه ، لذا غادرته، الأمر الذي لا يعني أنني أنكر فترة حياتي التي قضيتها في إدارة الأعمال المالية، لكن من حق الإنسان أن يتغير، أليس كذلك؟

·     لكن، هل كنت تفكرين في التمثيل وأنت موظفة في مؤسسة مالية ضخمة، أم أن الفيروس الفني أصابك في شكل مفاجئ؟

- أحببت التمثيل منذ صباي وشاركت في مسرحيات عدة في مدرستي، ثم في فريق التمثيل في الجامعة، لكنني لم أكن أفكر جدياً في احترافه، إلى أن أصابني الفيروس، مثلما تقول، وذلك في أثناء عملي لدى «غولدمان أند ساكس». ومن ناحية ثانية، لم يصبني فيروس التمثيل وحده، فقد رافقه منذ البداية فيروس الكتابة، ولا أتخيل نفسي بالمرة ممثلة وحسب اذ لا بد من أن أشارك في المشروعات التي أمثّل فيها بطريقة ثانية، مثل كتابة السيناريوات وأيضاً الإنتاج، حتى إذا كنت لا أفعل كل ذلك وحدي وإنما بالتعاون مع آخرين.

·     قرأنا في الملف الخاص بفيلم «إيست» أنك انغمست قبل التصوير في حياة مجموعة من الأشخاص شبيهة بتلك الموجودة في الحبكة، فهل هذا صحيح؟

- نعم، والذي حدث هو كوننا أنا وزال باتمانغليج قضينا فصل الصيف قبل ثلاثة أعوام مع مجموعة هامشية لا تشبه في الحقيقة تلك الموجودة في الفيلم، بمعنى أنها لا تتخذ العنف وسيلة لمكافحة الرأسمالية، لكنها تعيش من دون الحاجة إلى المال. إن هؤلاء الأشخاص ينامون في الهواء الطلق أو في بيوت مهجورة ويتنقلون في شكل مستمر مثل الرحالة، وفي ما يخص المأكل والمشرب يفتشون في سلال القمامة المجاورة للمطاعم ومحال «السوبرماركت» عن كل ما لا يزال صالحاً للاستهلاك، مثلما يشربون من مياه النافورات في الحدائق العامة. لقد عثرنا عليهم وعشنا معهم طيلة ثلاثة شهور قبل أن نبدأ في كتابة سيناريو الفيلم. كانت تجربة فريدة من نوعها لن أنساها مدى الحياة.

·        لماذا تحويل المجموعة إذاً إلى إرهابية في السيناريو؟

- أولاً لأن المجموعات العنيفة موجودة بالفعل، ونقرأ عنها في الصحف في كل يوم تقريباً، ثم بهدف تزويد الفيلم بجانب بوليسي مثير يجذب الجمهور.

 

الراحة النفسية

·        شاركت روبرت ريدفورد بطولة فيلمه «الصحبة التي في رفقتك»، فكيف تصفين تجربة العمل معه؟

- أصفها بأنها تجربة استثنائية، ومن الواضح أنني أميل إلى هذا الشيء، لكن في شكل مختلف كلياً بطبيعة الحال عن تجربتي مع المجموعة الهامشية التي ألهمتني أنا وياتمانغليج تأليف سيناريو «إيست». وعلى رغم ذلك، أؤكد لك أن هناك بعض نقاط التشابه بين الحكايتين، على الأقل من حيث تأثير كل واحدة منهما في نفسيتي. إن العمل في صحبة فنان من طراز ريدفورد لا بد من أن يترك بصمات على شخصية أي ممثلة شابة، ذلك أن الرجل يتميز بحس مرهف وقدرة درامية فذة مدهشة ثم طيبة قلب وروح إنسانية لا صلة لها بما نراه لدى كثير من النجوم الكبار. لقد قدم لي النصيحة ورعاني وحرص على راحتي النفسية أثناء تصوير كل المشاهد التي جمعت بيننا، وبذل قصارى جهده من أجل ألا يظهر أمامي في صورة الممثل الكبير غير المحتاج لأحد والذي ينظر إلى الآخرين من أعلى شهرته ونجوميته العالمية. لقد عشت تجربة هائلة إلى جواره وتعلمت منه أكثر مما فعلته في الجامعة أو في حصص الدراما، لذا أقارن بين هذه التجربة وتلك الخاصة بفيلم «إيست».

·        هل شاركت في كتابة السيناريو الخاص بفيلم ريدفورد؟

- تدخلت في كتابة الخطوط العريضة لشخصيتي في الحبكة، لا أكثر ولا أقل.

·     وماذا عن ريتشارد غير، النجم العالمي الآخر الذي تقاسمت معه بطولة أحد أفلامك وهو «حسم»؟

- تعرفت هنا إلى فنان متكامل يرعى عمله ويركز كل اهتمامه على الطريقة التي سيؤدي بها دوره في كل مشهد من مشاهد الفيلم، كما أنه يتعامل مع غيره بأسلوب مهذب ويحسن التصرف مع النساء. وغير ذلك أصفه بكونه يحب الوحدة إلى حد ما ولا يتكلم كثيراً مع أفراد فريق الفيلم من حوله. إنها طريقته الشخصية في ممارسة فنه.

·        ما حكاية تعاونك مع السينمائي زال باتمانغليج؟

- تعرفنا إلى بعضنا بعضاً في حصص الدراما في الجامعة، وأصبحنا أصدقاء ووجدنا أننا نتمتع بوجهات نظر متشابهة في الكثير من أمور الحياة، خصوصاً الفن السينمائي. وبما أنه يضيف الإخراج إلى موهبته كممثل، رحنا نخوض تجربة الكتابة المشتركة، ثم قيامه هو بإخراج الأفلام بينما أظهر فيها أنا كممثلة. لقد فعلنا ذلك مرتين حتى الآن في فيلمي «رنين صوتي» و «إيست»، الأمر الذي لا يمنعني من المشاركة في أفلام لا يخرجها هو ولا يمنعه هو من تنفيذ أفلام لا أمثّل فيها شخصياً.

·     لقد صنّف فيلم «إيست» في إطار مهرجان «ساندانس» السينمائي الأميركي الذي يرعاه روبرت ريدفورد، فهل هناك علاقة بين هذا الحدث وكونك مثلت من قبل في فيلمه «الصحبة التي ترافقك»؟

- لن أقول ذلك، فاللجنة التي تختار أفلام المهرجان في كل دفعة من دفعاته مستقلة كلياً عن ريدفورد الذي أسس المناسبة ويرعاها بالفعل تاركاً حرية التصرف كاملة للإدارة واللجان. لكن ريدفورد شاهد فيلم «إيست» في المهرجان وأبدى إعجابه به وهنّأني عليه، ولا شك مثلما يمكنك أن تتخيل، في أن الموضوع أعجبني وهزني.

·        ما هي مشروعاتك الآنية؟

- أنهي حالياً عملي في فيلم «الشفرة الخضراء ترتفع» حيث أؤدي شخصية أم الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن، وأستعد للمشاركة في عمل كوميدي سيُصور مطلع الخريف المقبل.

·        أين تقيمين؟

- في لوس أنجليس أقرب مكان إلى هوليوود والسينما.

الحياة اللندنية في

05/07/2013

 

نجاح العرض الباريسي الأول لـ«الشتا اللي فات»

باريس - «الحياة» 

أجمع الجمهور العربي والفرنسي الذي حضر أخيراً عرض فيلم «الشتا اللي فات» للمخرج المصري إبراهيم البطوط، في افتتاح مهرجان السينما العربية «ايماجيما» في معهد العالم العربي في باريس، على المستوى العالي للفيلم إخراجاً وتمثيلاً، على رغم تفاوت ردود الفعل على قصة الفيلم. وينظم المعهد المهرجان بالتعاون الوثيق مع شركة «كومنبرود انترناشيونال».

وحضر البطوط افتتاح المهرجان، حيث كان العرض الباريسي الأول لفيلمه، وصفق الجمهور للفيلم بحرارة وعلى مدى دقائق عدة، وقال البطوط على أثرها إنه لم يكن يتصور استقبالاً للفيلم بهذه الحفاوة في باريس.

وفيما اعتبر بعض الحاضرين الفيلم قاسياً، رأى آخرون أنه ضروري، وأعجبوا بجرأته وإخراجه وتمثيله مع عمر واكد في دور البطولة.

وأقيم عرض ثانٍ للفيلم تلاه حوار ثري عن الموضوع المصري بين الجمهور والمخرج والمؤرخ وأستاذ العلوم السياسية جان بيار فيليو، ومراسلة إذاعة «فرانس كولتور» كلود غيبال.

وكان «الشتا اللي فات» شارك العام الماضي في مسابقة «المهر العربى» ضمن فعاليات الدورة التاسعة من مهرجان دبي السينمائي الدولي، حيث نال بطله عمرو واكد جائزة «المهر العربي» لأفضل ممثل.

وتتمحور أحداث الفيلم على العلاقة المعقدة والمركبة التي تربط بين ثلاث شخصيات: مهندس اتصالات كومبيوتر يعتقل في عام 2009 بسبب نشاطاته السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي على يد أحد ضباط مباحث أمن الدولة الذي يقوم بتعذيبه، والشخصية الثالثة مذيعة تلفزيونية في قناة حكومية. ويتناول الفيلم مسار حياة هؤلاء قبل الثورة والتغيرات التي تحدثها الثورة فيهم وفي علاقاتهم بعد أن انقلبت الموازين.

الحياة اللندنية في

05/07/2013

 

«ما بنموتش»: في جلد امرأتين

باريس - ندى الأزهري 

يعود المخرج التونسي نوري بو زيد في فيلمه الجديد «في جلد امرأة» -أو بالأحرى في جلد امرأتين إحداهما سافرة والثانية محجبة - ليحاول الولوج مرة أخرى في العالم الداخلي للمرأة لمتابعة ثورتها الفردية في ظل تنامي التيار الإسلامي. العنوان الذي اختاره بوزيد لفيلمه هو «ما بنموتش» وفيه يغوص هذا المخرج المشاكس بحثاً عن الجانب الآخر للثورة، الجانب المخفي خلف جدران البيوت.

السيناريو الذي كتبه بو زيد عاماً قبل الثورة، كان في الأصل لاستعادة ما يتعرَّض له إنسان بسبب أفكاره، وهو هنا نوري بوزيد الذي هُدد بالموت وتعرّض للضرب بسبب فيلمه قبل الأخير الذي صوَّر فيه مراحل «تصنيع» إرهابي، إن جاز التعبير، ما لم يرق للمتشددين.

الثورة أعطت السيناريو مبرراً للوجود، كما قال بو زيد خلال لقائه بجمهور معهد العالم العربي في باريس الذي نظَّم عرضاً خاصاً للفيلم قبل انطلاق عروضه في الصالات الفرنسية. في شريطه الجديد، يسعى صاحب «صفائح من ذهب» إلى تقديم شهادة على فترة من التاريخ وجيزة، إذ تدور أحداث الفيلم عشية رحيل بن علي وما تبعها من انتخابات بعد الثورة وتأليف الحكومة. ولقد ذكر الكاتب - المخرج انه أعاد كتابة سيناريو «ما بنموتش» واختار التركيز على الحجاب بدلاً من حادثة الاعتداء، فموضوع الحجاب بات «حامياً» بعد الثورة بعد أن كان الكلام عنه مجرد جرأة قبلها.

ثورة فردية

هنا لدينا بطلتان في الفيلم تعيشان حياة يومية عادية، لكن تطوّر الأحداث في محيطهما الخاص والعام يدفعهما لإعلان ثورتهما المستقلة. ومنذ البداية، هنا لا بد أن نلاحظ كيف أن نوري بو زيد يؤمن بأهمية الثورة الفردية كي لا تتم العودة إلى نقطة البدء، ويتم معها ضياع الامتيازات، تلك العائدة للمرأة بالطبع.

زينب (نور مزيو) وعائشة (سهير بن عمارة) صديقتان تحاربان لاستقلالهما وحريتهما كل بطريقتها في مجتمعهما الضيق حيث البعض متمسك بتقاليده، والآخر متردد أمام الحداثة، والثالث مُصرّ عليها رغم العوائق. هما ليستا بناشطتين بل فتاتان عاديتان تسعيان للعيش باستقلالية نوعية كأن تحتفظ إحداهما بحق وضعها الحجاب رغم ضغوط صاحب المقهى الذي تعمل فيه كي تخلعه ليبرز جمالها، وتحتفظ الثانية بحق البقاء سافرة رغم ضغوط العائلة عليها، الأم والخالة بشكل خاص.

تميل صورة الشخصيات الذكورية في « ما بنموتش» إلى السلبية، وهي إما منفتحة إنما محدودة الأثر في محيطها كوالد زينب، أو إسلامية مترددة في انتمائها كحمزة (بهرام علوي) شقيقها الذي يعود إلى العائلة بعد تحريره من المعتقل إثر سقوط بن علي، أو مراوغة كخطيب زينب (لطفي العبدلي). الخطيب العائد من فرنسا ليس مراوغاً فحسب، بل جباناً لا يواجه زينب مباشرة بغيرته وميله لرؤيتها محجبة، بل يخاطب والديها من وراء ظهرها ويتعلل برغبة أمه في رؤية زوجة ابنها متكللة بالحجاب.

أحداث الثورة كإطار في الفيلم لم تضف الكثير إليه، ربما كان ذلك بسبب التقطيع الذي نال مشاهد عدة تتعلق بالأحداث. والموضوع الذي تطرق إليه بوزيد حول وضع المرأة في المجتمعات العربية عامة والتونسية تحديداً، تم التطرق إليه كثيرا وأمسى محفوظاً لاسيما في الغرب، فهل جاءت المعالجة السينمائية بجديد؟! هنا السؤال الأهم، فالموضوع مهما قُدِّم وتكرر قد تقدّم معالجة جديدة له رؤية مبتكرة وإضافة. يمكن القول إن ملامسة قضية الحجاب على هذا النحو جديد في السينما العربية وفيه شيء من الجرأة. لكنها جرأة لم تذهب بعيداً، وهو ما لا يلام عليه المخرج بالتأكيد. فغرض السينما ليس فرض التغيير، بل التعبير عن الواقع بأسلوب يستدعي التفكير فيه وربما الحثّ على تغييره. بو زيد قد يكون لرغبة منه في دفع مشاهده للتعاطف مع زينب بالغ في مشاهد إرغامها على وضع الحجاب فجاءت ثقيلة، كما أن مشهد خلع حجاب عائشة نُفّذَ بطريقة استعراضية، وسيطرت الميلودرامية على تلك المشاهد ما بعث على التثاؤب في الأولى والابتسام في الثانية رغم «حرج» الموقف!

صورة المرأة العاملة

لكن ثمة مشاهد أخرى ذكّرتنا بأن هذا الفيلم هو للمخرج التونسي الكبير، كمشهد الفتيات العاملات في المقهى وهن يصنعن معاً الحلوى في جو من المرح والتوافق أعطى صورة من دون خطاب عن المرأة العاملة المكافحة وبحثها الشجاع عن لقمة العيش وتأقلمها مع ظروفها الصعبة. كما كان مشهد اللقاء» المحموم» بين عائشة وحمزة (أداء لافت لهما معاً) أحد أفضل المشاهد التي تعبر عن الرغبة وكبحها. وأوحت إشارات مختصرة في الحوار بين الشخصيات إلى تعايش وتقبّل بين أفراد يتردد بعضهم على المساجد والآخر على الحانات والثالث على الاثنين معاً.. تقبل بات عسيراً بعد الثورة، كما ظهر في الفيلم بسبب صعود التيار المتشدد الذي يفرض رؤاه وتأويلاته على الآخرين.

في مقابل نمطية معظم الشخصيات الذكورية بدت شخصيات فيلم بوزيد النسائية، ذكية متمكنة تدرك تماماً ما تريده أمام شخصيات ذكورية هشة ومتخبطة.. وكانت شخصية حمزة بمراجعته لمواقفه وتحولاته في ظل نمو التيار السلفي الأمل الذكوري الوحيد في الفيلم. أما شخصية العازف الجوال الأعمى التي جسدها بوزيد نفسه، فبدت مقحمة وكأنها مجرد خيط رغب المخرج عبره في التواصل مع السيناريو القديم للفيلم.

الحياة اللندنية في

05/07/2013

 

نجوم الفن المصري يشاركون في إسقاط مرسي

القاهرة - روان محمد 

شارك عدد كبير من الفنانين المصريين في التظاهرات التي أطاحت الرئيس محمد مرسي، وساهموا في النقاش حول مستقبل البلد، معبرين عن إعجابهم برقي الحشود في ميدان التحرير، والطريقة الحضارية التي طالبوا بها بالتغيير. وشاركوا الجماهير الاحتفال بعد صدور قرار من القوات المسلحة يحدد معالم «خريطة مستقبل» التي أنهت حكم مرسي.

يؤكد المطرب محمد حماقي لـ «الحياة» أن «الشعب المصري هو صاحب الغالبية الآن، وأجبر الرئيس على تنفيذ مطالبه، وعدم تجاهل الملايين التي خرجت ضده بشكل لم يحدث في العالم».

شارك حماقي في المسيرة الطويلة التي خرجت إلى قصر الاتحادية، لكنه لم يشعر بأي تعب أو إرهاق وهو بين ملايين المتظاهرين السلميين الذين كانوا في الشارع.

ويعتبر الفنان أحمد بدير أن ملايين المصريين الذين شاركوا في التظاهرات الحالية لن يغادروا الميادين إلا بعد التخلص النهائي من رواسب الكارثة التي تمر بها مصر، و «أنه إذا تعرض لص إلى أي منا، فمن الطبيعي ألا نتركه وسندافع عن أنفسنا حتى آخر نفس، وهذا ما يحدث مع مصر حالياً».

وشاركت الفنانة حنان مطاوع في التظاهرات من أمام وزارة الثقافة وهتفت «عبد الناصر قالها زمان... اوعوا تأمنوا للإخوان»، إلى جوار والدتها الفنانة سهير المرشدي وعدد كبير من الفتيات والفنانات. وظلت حنان تقود الهتاف من خلال ميكرفون، وتهتف: «احلق دقنك بين عارك... هتلاقي وشك وش مبارك»، وهي رسالة للرئيس مرسي ونظامه الحالي مفادها أنه لم يختلف كثيراً عن سياسات حسني مبارك ونظامه السابق.

أما الفنان حسين فهمي فشارك في الاحتجاجات مدفوعاً بحالة التراجع التي شهدتها مصر على كل المستويات طوال الفترة الماضية، كما أن «مرسي وحكومته وجماعته فقدوا مصداقيتهم في الشارع، وحان الوقت لإنقاذ مصر منهم قبل فوات الأوان».

وترى الفنانة مني زكي أن الشعب المصري قال كلمته وعبّر عن رأيه بشكل سلمي ومن دون عنف خلافاً لما كان يروّجه الإخوان، وأن الملايين الذين نزلوا إلى الميادين جسّدوا الإرادة التي لا بد أن تترجَم.

ويرى الفنان المخضرم عزت العلايلي أن «الرئيس محمد مرسي حكم مصر بنظام فاشي. جماعة الإخوان المسلمين متوغّلة في كل مؤسسات الدولة، وخطاب مرسي الأخير كان مملاً، وكشف نجاح ضغط «حملة تمرد» عليه، فظهر فاقداً التوازن، وتجلى خوفه الشديد من تحرك الشعب».

ويؤكد العلايلي أن حملة «تمرد» حققت النجاح، لأنها نتاج جهد شباب مصري يمثل مستقبل الوطن، متمنياً ألا يؤدي الوضع إلى إراقة دماء في الشارع.

ويوضح الفنان خالد الصاوي إن خروج الشعب المصري بأكمله إلى الشوارع والميادين كان رسالة واضحة إلى مرسي، و «على كل شعوب العالم التعلم من هذا الشعب العظيم الذي يفعل المستحيل. وهو الآن صاحب الكلمة العليا، ولن يقف أحد في طريقه».

وشارك المنتج محمد العدل ومجموعة كبيرة من الفنانين في التظاهرات من أمام مكتب وزير الثقافة في الزمالك حتى ميدان التحرير، موضحاً أن عدداً كبيراً منهم توجه إلى قصر الاتحادية.

ويشير الفنان هاني رمزي إلى أن شرعية مرسي سقطت منذ أن أعلنت حملة «تمرد» رقمها الذي تخطى 30 مليون توقيع، «وهو ما يدل على أن الغلبة للشعب المصري، وأن دول العالم يجب ألا تتعامل مع نظام فقد شرعيته». ويرى أن النظام الذي سقط «نجح» في تقسيم المصريين خلال وقت قصير.

ويقول الفنان هاني سلامة إنه قرر التظاهر بحثاً عن الكرامة وتحقيق مطالب الثورة الحقيقية التي لم يستطع محمد مرسي أن يحققها.

الحياة اللندنية في

05/07/2013

 

«كينغ كونغ» لشودساك وكوبر:

من هو الوحش الحقيقي؟

إبراهيم العريس 

من الناحية التقنية يبدو اليوم فيلم «كينغ كونغ» أشبه بلعبة أطفال. لكنه في الزمن الذي حقق فيه، أي في العام 1933، كان يعتبر مأثرة تقنية عزّ نظيرها منذ ابتكارات الفرنسي جورج ميلياس عند بدايات السينما وبدايات القرن العشرين. قد تبدو كلفة الفيلم اليوم مضحكة (75 ألف دولار)، لكنها في ذلك الحين كانت تعتبر شديدة الضخامة الى درجة ان موزعي الفيلم ركزوا على حجمها في دعاياتهم، بمقدار ما ركزوا على حجم ذلك القرد الضخم، بطل الفيلم الحقيقي، الذي زرع الرعب في نفوس المتفرجين في الصالات، بقدر ما زرعه - على الشاشة - في قلوب أهالي نيويورك حين اعتلى اضخم ناطحات سحابها وراح يهدد ويتوعد مطالباً، ليس فقط بحريته، بل بأن تعاد اليه حبيبته. وحبيبته ليست سوى امرأة حسناء من لحم ودم، أوقعه القدر في مصيدة غرامها فـ... قضى عليه، هو الذي كان يفترض به ان يقضي على الجميع.

* في ظاهره، اذاً، يبدو فيلم «كينغ كونغ» فيلم رعب، يقوم على مبدأ التفاوت الكبير بين حجم القرد البدائي فيه، وحجم الناس الآخرين. ذلك ان هذا القرد انما ينتمي كما يقول لنا الفيلم، أصلاً، الى جزيرة تعيش فيها مجموعة من حيوانات انقرضت في كل مكان في العالم إلا هناك. أما القرد كونغ، فإنه الاضخم من بينها، ومن هنا، في موطنه الأول في تلك الجزيرة، صير الى تبجيله سيداً للجزيرة ولقومها البدائيين. ولقد كان يمكنه ان يظل هكذا سيداً الى الأبد، لولا الغرام. تماماً كما كان يمكن الجزيرة نفسها ان تبقى فردوسية لولا المستكشفون السينمائيون البيض. ومن هنا يلتف الفيلم ليتخذ سمات اخرى غير السمات التي يعد بها: هنا نجدنا أمام نسخة معدّلة بعض الشيء من حكاية «جميلة والوحش» - ولكن مع نهاية أشد سوداوية بالطبع -، كما نجدنا امام فيلم يناصر البيئة، قبل ولادة الاهتمام المعاصر بالبيئة... ناهيك بأن الفيلم يقترح علينا في الوقت نفسه، ان نقف، في المقارنة بين أدغال المدينة (نيويورك هنا) وبين الأدغال البدائية، مناصرين هذه الاخيرة. وفي المحصلة الاخيرة هو، ايضاً وبخاصة، فيلم عن السينما والاستعراض. أو لعل هذا هو جوهره الخفي.

* حقّق فيلم «كينغ كونغ» في العام 1933، اذاً، انطلاقاً من فكرة للكاتب ادغار والاس، الذي عرف برواياته البوليسية اضافة الى كتابته روايات المغامرات، غير ان الفكرة التي كان يتعين عليها ان تكون فكرة فيلم مغامرات ورعب، سرعان ما اتخذت بين يدي مخرج الفيلم ومعاونته، ارنست شودساك وماريان كوبر، منحى آخر تماماً، هو المنحى الذي اقترحته الفقرات السابقة. وهذا الأمر لم يخف عن هواة هذا الفيلم الذين كانوا كثراً يوم عرض، وتكاثر عددهم اكثر مع مرور العقود. اما الجمهور العريض، فإنه اكتفى بالنظر اليه باعتباره فيلم رعب ومغامرات رائداً وتجديدياً في زمنه...

> تدور حكاية «كينغ كونغ» من حول فريق من السينمائيين توجه الى ماليزيا لكي يحقق فيلماً عن عادات بعض القبائل البدائية هناك، ومعتقداتها. وهذه الرحلة الاستكشافية قادت الفريق، وفي عداده ممثلة حسناء وعاطلة من العمل منذ زمن، الى زاوية من تلك البلاد، تعيش في أدغال غاباتها حيوانات ضخمة من النوع الذي انقرض في كل مكان آخر. ومن بين هذه الحيوانات، اذاً، ذلك القرد الضخم الذي اعتاد أهل الجزيرة ان يقدموا اليه خطيبة حسناء قرباناً في كل مرة زمجر فيها غضبه. وإذ يبدي القرد «كونغ» غضبه بعنف هذه المرة، اذ اكتشف حضور فريق التصوير، يقرر السكان ان يخصّوه بالممثلة الشابة خطيبة له، وهكذا تُخطف الفتاة من بين رفاقها وتوضع بين يدي «كينغ كونغ»... وعلى الفور ما إن تلتقي عينا القرد بعيني الحسناء، حتى يبدو واضحاً انه قد وقع في غرامها، وبات يصرّ على ان تبقى معه. لكن رفاق الفتاة لا يرون الامور من هذا المنظور، بل يسعون بالقوة او بالحيلة او بالاثنتين معاً، الى تخليصها، فلا يتمكنون من هذا فقط في نهاية الأمر، بل انهم يتمكنون من تقييد القرد العملاق ومن ثم ينقلونه على متن السفينة الى نيويورك ليقدموه فرجة استعراضية أمام عيون الجمهور المفتون والمرعوب في الآن معاً. وهكذا يجد القرد نفسه وقد نقل من ادغاله البدائية حيث كان سيداً، الى «ادغال» نيويورك حيث صار مجرد فرجة. فيغضب ويكسر ذات يوم قيوده ويبدأ البحث عن فاتنته فالتاً من مطارديه معتلياً أعلى ناطحات السحاب في المدينة. ولم يكن من شأن هذا، في طبيعة الحال، إلا ان يزرع الرعب بين السكان، وسط دهشة الحيوان نفسه، الذي تنم عيناه بكل براءة وفي كل لحظة، انه في الحقيقة لا يريد الأذى لأحد، ولا يريد سوى حبيبته وحريته. ولكن أنّى لأهل ادغال العصور الحديثة ان يفهموا هذا؟ أنّى لقلوبهم الجلفة ان تفهم الحب وأن تفهم رغبات الطبيعة؟ أنّى لها ان ترى في القرد سوى حيوان، إما ان تقيده وتستعبده وإما ان ترتعب أمامه؟ وهكذا تنطلق المدينة كلها في مطاردة عنيفة للقرد لا رحمة فيها ولا هوادة. وهو، هنا، اذ يخرّب ويدمّر، من الواضح - ووفق منظور الفيلم - انه انما يفعل هذا دفاعاً عن نفسه ضد همجية «رجل الادغال الحديثة» - ولسنا هنا بعيدين جداً من سلسلة من أفلام وأعمال أتت تالية ودانت الانسان نفسه في تعامله مع كل ما هو بدائي، ومن هذه الاعمال «عصافير» ألفريد هيتشكوك بالطبع -. المهم ان الانسان المتحضر ينتهي به الامر الى الاستعانة بسرب من الطائرات الحربية يدور ويدور من حول ناطحة السحاب التي لجأ اليها «كينغ كونغ» حتى يتمكن في نهاية الأمر من اصابته فيسقط مضرجاً بدمائه فيما عيناه تعلنان بصمته الحزين، لوعته لفقد حبيبته.

> من الواضح ان فيلم «كينغ كونغ» على رغم بساطة أحداثه وأسلوبه الخطي، الذي لا لبس فيه ولا غموض، يمكن قراءته ضمن اطار الكثير من الأبعاد، المباشرة وغير المباشرة، بل إن في الامكان ايضاً قراءته، على ضوء الصدمة الاقتصادية الكبرى التي كانت اصابت الولايات المتحدة قبل تحقيق الفيلم بسنوات قليلة، انطلاقاً من بورصة نيويورك نفسها، ما أوقع الناس في رعب من المجهول ومن المستقبل. غير ان الجديد في ذلك كله، كان المنظور الذي به نظر الى الحكاية صانعو الفيلم: انه منظور مفاجئ ومبكر يقف في خط فكري واضح - من غير ترتيب مسبق على الأرجح - مع مدرسة الانثروبولوجيا الحديثة التي بدأت مع بواس وصولاً الى كلود ليفي ستراوس، لتكف عن ان ترى في حضارة الرجل الأبيض ترياقاً للبشرية وتخلفها. فالأبيض هنا هو الوحش، هو الهمجي الذي يفتري على الطبيعة البكر. وحتى إن لم يكن هذا الأمر جديداً تماماً، في ذلك الحين، فإن أهمية «كينغ كونغ» تكمن في انه نقله من حيز الافلام النخبوية الخجولة في تعبيرها عن هذا الامر، الى حيز السينما الشعبية. وليس ادل على هذا من صحافة ذلك الزمن التي راحت، يومها، تسهب في وصف الدموع التي انهالت على الوجنات حزناً على مصير الوحش العاشق.

> بقي ان نشير الى ان أعمالاً عدة بعد «كينغ كونغ» أتت مقلدة له، في شكله الخارجي، ولكن كذلك في مضمونه. ومع هذا ظلت لهذا الفيلم مكانته بحيث انه يعتبر حتى اليوم واحداً من أجمل الافلام في تاريخ السينما، حتى وإن كان النسيان قد طوى مخرجيه الذين لم يؤثر عنهما أعمال كبيرة تضاهي هذا الفيلم. كل ما في الأمر ان احدهما، سودشاك، حقق بعده افلام رعب وتجارية عدة من بينها «مطاردة الكونت زاروف».

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

05/07/2013

 

التوثيق بدهشة الإكتشاف في "الزواج الكبير"

صحيفة الشرق: خالد ربيع السيد 

بدا واضحا من خلال الأفلام الثلاث التي قدمها لغاية الآن المخرج السعودي فيصل العتيبي أنه يتبع في أسلوبه الإخراجي “المدرسة التوثيقية الواقعية” التي تهتم بتوثيق الإكتشافات الأنثربولوجية المتعلقة بالجوانب الطبيعية والحضارية والاجتماعية للإنسان وإرتباطه بالمكان. بل وبالبحث عن معلومات تكاد تكون غير شائعة بشكل واسع، ليقدمها الى المشاهد في أفلام متوسطة الطول. وتجلى ذلك الإتجاه بوضوح منذ فيلمه الأول "عروس الجبال والآثار" الذي أخرجه عام 2006 م ثم في فيلمه "الحصن" عام 2009م ، وفيلم "الزواج الكبير" الذي عرضه في مهرجان الخليج السينمائي 2013م. ذلك الإشتغال يٌمكّن تصنيفه الفني على انه باحث سينمائي توثيقي، يبحث عن الموضوعات النادرة ثم يدرسها نظرياً ثم يتوجه بكاميرته اليها، يرصدها ويصورها ويخلق من واقعيتها قصة مكتشفة جديرة بالمشاهدة والمتعة.

ولا غرابة في اسلوب العتيبي هذا، وهو الذي تمرس عليه كثيراً من خلال العديد من البرامج التي قدمها للتلفزيون السعودي منها برنامج “دول العالم الإسلامي” في 30 حلقة، برنامج "المسلمون في رمضان” أيضاً 30 حلقة وبرنامج "وجوه وأماكن" في 30حلقة، وبرنامج "حكاية مكان" في 26 حلقة... وغيرها العديد، وهذه الحلقات التلفزيونية يمثل كل منها عملاً فيلمياً قائم بذاته، مشتغلاً بأسلوب السينما التوثيقية التي يتقصى من خلالها معالم حركة الإنسان في المكان بتأثيرات التاريخ في نطاق منظومته البيئية، ومن ثم يقدم للمشاهد لمحات عن حراك الإنسان مع إظهار تباينات واختلاف سلوكه ونشاطه والظروف الموضوعية المحددة لأدواره في واقعه.

ولعل فيلمه الأخير "الزواج الكبير" خير برهان على هذا الأسلوب والمنهج الفكري / السينمائي، ففيه يبرز هاجس الإقتناص للنوادر وإكتشاف الخبايا الذي يشكل إهتمام العتيبي. فبمجر أن روى له أحد الاصدقاء العائدين من رحلة إعلامية لجزر القمر، لفت إنتباهة جمال الطبيعة والتمايز الجغرافي وفرادة سكان تلك الجزر الاربع الواقعة في المحيط الهندي، بالجنوب الشرقي لقارة أفريقيا، شمالي موزنبيق وتنزانيا وجزيرة مدغشقر، من حيث العادات والموروثات الإجتماعية التي تشكل ثقافة شعبها الخليط من الأفارقة السواحليين والعرب الخليجيين والهنود والأندونيسيين. فالزواج الكبير ظاهرة قمرية (نسبة الى جزر القمر) بامتياز وطقساً تتوارثه الأجيال من هذا الشعب المثير للإنتباه في طقوسه وتفاصيل حياته.

الزواج الكبير والمكانة الإجتماعية

ومن بين أفراد هذا الشعب اختار العتيبي الدكتور يحيى محمد الياس الذي شغل مناصب رسمية رفيعة من بينها وزيراً للتربية والتعليم، والعدل، والدولة للشؤون الخارجية، ومستشاراً لرئيس الجمهورية. وكل هذه المناصب لا يكتمل تأثيرها ما لم يتزوج الدكتور "الزواج الكبير" الذي يجعله يصلي في الصف الأمامي في صلاة الجمعة، ويمنحه الحق في إبداء الرأي في مستجدات أمور القرية ويجعل له مكانة يجلها الصغير والكبير.

يظل الرجل ذو مكانة عامة بين اهله وناسه في هذه الجزر النائية، يتزوج زوجة أولى (زواج العفة) ويمارس حياته الطبيعية ويكد ويجتهد ويجمع المال حتى إذا ما أصبح من ذوي الأملاك أعلن عن نية قيامه بالزواج الكبير، الذي سيضعه في مكانة إجتماعية مرموقة، فالزواج الكبير لا يقدر عليه إلا قلة من الرجال بسبب تكاليفه الباهضة التي يتكبلها الزوج... تقام مراسم الزواج الكبير على مدار أسبوعين، ينفق فيها الزوج على أهل الحي أو القرية التي يقطن فيها، بدءاً من الولائم والمأكولات وحتى كسوة جميع الرجال والنساء والأطفال، وإقامة الحفلات والغناء والرقص وكل مظاهر البهجة، فالزوج الآن بمثابة رجل له مكانة إجتماعية رفيعة، وحظى بعد هذا الزواج بإحترام الجميع.

يغوص فيصل العتيبي بكاميرته في سرد هذه التفاصيل الواقعية المدهشة، ويقدم للمشاهد وجبة دسمة من العادات والأعراف الإجتماعية والتفاصيل والمفارقات التي رصدها في صورة فيلمية شيقة ضمن مونتاج متسلسل يجعل من خضم الحدث قصة مرسومة بتفاصيل درامية مشغولة وفق دراسة متأنية، وغير ذلك يمنح الفرصة للمشاهد في إكسابه عمقاً ثقافياً عن نواحي عديدة لهذه الجزر، بل يسلط التركيز على النقلة المكانية التي يكتسبها الزواج الكبير بالنسبة للقمريين، فهي بمثابة خطوة مصيرية نحو تحقيق الذات وإثبات للهوية في مجتمعة.. ويحدث الزواج الكبير، كما يروي الفيلم، من الزوجة الأولى التي تزوجها أول مرة زواج العفة، ويحق له أن يتزوج بأخرى شابة بمعرفة ومشورة الزوجة الأولى.

سيناريو التصوير لحدث معد سلفاً

وهنا يرى المشاهد نماذجَ من الزوجات القمريات أولهن: زكية يوسف، زوجة أولى وتريد أن تستريح من أعباء الزواج. وزليخة عبد الرحمن زوجة ثانية .. والعلاقة بينهن مجبولة على الأخوة والصداقة والمحبة، وفي سرد كل ذلك يعطي العتيبي درساً في المعالجة الإبداعية لحدث واقعي معد له سيناريو بفعل تلقائي وفق أحداث طقوسية معروفة مسبقاً، الأمر الذي يتحتم السؤال هنا عن السيناريو التتابعي لمسيرة الفيلم، فما الذي ينبغي تصويره وما الذي لا يصور أو يهمل أثناء عملية المونتاج. ولا شك أن كتابة السيناريو أخذت معه مرحلتان، على الأقل: أولاً سيناريو التصوير، الذي يمكن تشبيهه بخارطة مبدئية للرحلة التصويرية، والذي يرسم البحث ويحدد الخطوط العريضة لقصة الفيلم. وسيناريو مابعد التصويرالذي تكون التفاصيل فيه مفهومة وعامة أو شاملة بالأعتماد على المعلومات المتوفرة عن الحدث، وهي غالباً مايتم تعديلها واعادة كتابتها ، وتقع مابين التصوير وعملية المونتاج .

ولكن ما أضاف بعداً تشويقياً لسرد الفيلم هو أن فيصل العتيبي إستعان بمعلق على أحداث الفيلم أو راوي له..هذا المعلق والراوي هو الزوج الكبير ذاته، الدكتور يحيى محمد الياس، وهو معلق ليس بإرادة درامية وليس تعليقه تعليقاً مكتوباً، إنما جاء تعليقه معتمداً على قريحته وإرتجاله التلقائي، الأمر الذي جعل للفيلم نبضاً حقيقاً ومتعة تعلوها دهشة الإكتشاف.  

يستمتع المشاهد بمراسم طقس "الذكر" الذي غالباً ما يكون حفلاً كبيراً قد يصل عدد المحتفلين فيه إلى أكثر من ألفي شخص يجتمعون في ساحة كبيرة ويشرعون في قراءة الذكرـ القرآن الكريم، وأثناءه يتناولون المرطبات وبعض الحلوى. وكذلك طقس "الجاليكو" الذي يشير إليه الدكتور الياس بأن الأهالي يجوبون فيه شوارع القرية وهم يغنون ويرقصون ،في ملابسهم الجديدة الزاهية التي وزعت عليهم من قبل المتزوج، حتى يصلوا الى ميدان بوسط القرية، فيكملون ليلهم في غناء وسمر، وكما يقول الراوي:  قد يكون الجاليكو نسائياً أو رجالياً، أو أن يكون مختلطاً، بحسب ما يرون، وفي كلتا الحالتين تأخذ الكاميرا موضعها لتسجل الأحداث وتنقلها الى المشاهد بذات الحميمية التي حدثت فيها.

الشرق السعودية في

05/07/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)