حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

صلاح أبو سيف.. مخرج «القضايا الخاسرة»

أسامة الشاذلي

 

طالب حقوق في قلب مدينة النور «باريس»، يقرأ كتاباً لجوزيف برودون، فيتغير مصيره، وشاب آخر في القاهرة يقرأ كتابًا عن السينما، فيتغير مصيره، ومابين كتاب وثورة خاسرة ولدت أحلام فنانين أسسوا مدارس للواقعية في عالمهم، «جوستاف كوربيه» المولود عام 1819، وصلاح أبو سيف المولود في عام 1915، فما بين الانتكاسة للثورة التي أطاحت بالنظام الملكي الفرنسي سنة 1789، والتي ساهمت في تحولات سياسية واجتماعية كبرى في تاريخ أوروبا، ثم جاء «نابليون بونابرت» عام 1799 وأعاد الملكية ووضع نفسه إمبراطورًا على فرنسا، وثورة 1919 في مصر، وعودة سعد زغلول من المنفى ووضع دستور 1923 والانقلاب عليه في 1936، عاش الفنانان.

تمرد «كوربيه» على المدرسة الكلاسيكية، واهتم بمشاكل المجتمع وذهب إلى رسم العمال والفلاحين والفقراء، واعتبر الرسم فنًا ملموسًا ولا يمكن أن يعبر إلا عن الأشياء الواقعية كما هي دون تجميل، بينما استقى صلاح أبو سيف أصول المدرسة الواقعية من أستاذه كمال سليم قبل أن يطور مفرداته ويؤسس المدرسة الواقعية في السينما المصرية.

ربما كانت ماكينات مصانع غزل المحلة ملهمة، وربما لم يغب هديرها وعمالها عن مخيلة صلاح أبو سيف يوما، ولهذا وبعد انتقاله عن طريق المخرج نيازي مصطفى للعمل في المونتاج في استوديو مصر، لم ينفصل يوماً عن مجتمعه، وبعد تقديم عمله الأول  «دائماً في قلبي» من بطولة عقيلة راتب وعماد حمدي عام 1946 بعد عودته من روما وتأثره بالسينما الواقعية الإيطالية، قدم أول أفلامه الواقعية عام 1951 من إنتاجه بعد أن رفضه النقاد، خوفا من عدم نجاحه، ليحقق فيلم «لك يوم يا ظالم» نجاحاً كبيرا يسمح بتقديم «الأسطى حسن» عام 1952عن قصة لفريد شوقي وسيناريو وحوار السيد بدير و«أبو سيف» والبطولة لفريد شوقي وهدى سلطان، وفيلم «الحب بهدلة» لمحمد أمين وهدى شمس الدين، ثم «ريا وسكينة» في 1953 لأنور وجدي وإسماعيل ياسين، فـ«الوحش» عام 1954 لسامية جمال وأنور وجدي ومحمود المليجي، ثم قدم في عام 1957 «شباب امرأة» لشكري سرحان وتحية كاريوكا وشادية و«الفتوة» لفريد شوقي وتحية كاريوكا وزكي رستم.

رسم «كوربيه» لوحة «جنازة أورنانز» 1850 وقد أحدثت هذه اللوحة جدلا بين الأوساط الاجتماعية، حيث رسم الفلاحين جنبًا إلى جنب مع الأغنياء والقساوسة وفي الحجم الطبيعي، ومنذ ذلك الحين أصبح للفلاحين قوة سياسية ومعنوية كبيرة، مما أثار العداء عليه من قبل الطبقة الحاكمة، وكذلك اعتنق صلاح أبو سيف في كل أفلامه مضطهدي عصره ومهمشيه، فاستعرض مشاكل المرأة في أفلام  «شباب امرأة»، «أنا حرة»، «بداية ونهاية»، «الزوجة التانية»، وكذلك مشاكل الطبقة الوسطى الغالبة على المجتمع في أفلام مثل «القاهرة 30» و«بداية ونهاية» و«القضية 68» الذي عرضه ايضا لاضطهاد السلطة، بينما قدم مشاكل الفلاحين في أفلام مثل «الزوجة الثانية» و«المواطن مصري»، فيما لم تغب الثورة عن الفنان الذي انطلقت مدرسته السينمائية مع ثورة يوليو، ليقدم فيلم «البداية».

ويبقى أهم ما يميز سينما صلاح أبو سيف هو قدرته الفائقة على استخدام الرمز ليعبر عن الواقع، وهو ما جعله على وفاق تام مع الأديب الكبير نجيب محفوظ، الذي كان أحد أعظم من استخدموا الرمز في كتاباتهم، لهذا قدم هذا الثنائي الكثير من الأفلام سوياً ، وكان هو الذي فتحَ باب الاستديو لرفيق الإبداع عام 1945، وقال «أبو سيف» عن ذلك في حديث صحفي: «قلتُ له إنّ في أدبه تعبيراً قوياً بالصور، وبناءً درامياً، وإنّ هذا هو الأساس في السيناريو البناء والتعبير بالصور. وقدمت إليه بعض الكتب الأجنبية عن السيناريو»، ليقدما سويا سيناريوهات أفلام «المنتقم»، «مغامرات عنتر وعبلة»، «لك يوم يا ظالم»، «ريا وسكينة»، «الوحش»، «شباب امرأة»، «الفتوة»، «الطريق المسدود»، «أنا حرة»، «بين السماء والأرض»، وغيرها من الأفلام.

رحل صلاح أبو سيف في 22 يونيو عام 1994، وبقى حاضراً برمزه بيننا حتى الآن، ومن منا لا يرى مشهد الفنان حمدي أحمد بـ«القرنين» في فيلم «القاهرة 30» تعبيرًا صالحًا لكل العصور، ورجل الدين الموالي للسلطة والذي قدمه الفنان حسن البراودي في فيلم «الزوجة الثانية: «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم».

رحل بعد أن قدم 40 فيلما، وعرضت أفلامه في أهم المهرجانات كان وفينيسا وبرلين، واختاره الكاتب والناقد الفرنسي المعروف «جورج سارول» ضمن أهم 100مخرج سينمائي في العالم، حيث ورد اسمه في أول القائمة بأنه المخرج الأكثر مصرية، لتميزه في المعالجة الدرامية التي تعبّر عن «اللون الشعبي» وحرصه على البيئة المصرية بوصفها نموذجًا له تاريخه وقيمته، ومدافعا عن «قضايا مجتمعه الخاسرة».

المصري اليوم في

22/06/2013

 

في «تتح»... آخر أفلام محمد سعد

اللمبي للمرة «الألف»... أفيهات سطحية وسخرية من ثورة مصر

الوسط - محرر فضاءات  

تعرض دور السينما في البحرين حالياً الفيلم الأخير للممثل المصري محمد سعد، الذي يحمل اسم «تتح». وكمثل كل أفلام سعد، يدور الفيلم في إطار كوميدي حول تتح، الشاب المصري الفقير الذي يعمل في بيع الصحف، ويقطن في حارة شعبية.

يلتقي تتح بدوللي شاهين فتتغير حياته رأساً على عقب، وإلى جانب دوللي تشارك مروة في الفيلم إلى جانب عدد من الممثلين منهم هياتم والمغنية الشعبية بوسي، بالإضافة إلى لطفي لبيب وسامي مغاوري، الفيلم من إخراج سامح عبدالعزيز وإنتاج أحمد السبكي.

شركة البحرين للسينما صنفت الفيلم على أنه واحد من أعلى الأفلام التي تعرضها إيرادات وإقبالاً من مرتادي صالاتها، إذ جاء الفيلم في المرتبة الثالثة على قائمتها لأكثر عشرة أفلام يقبل عليها الجمهور وتحقق إيرادات عالية على شباك التذاكر البحريني.

في مصر تجاوزت إيرادات الفيلم 4.3 ملايين جنيه مصري خلال أول يومي عرض، متفوقاً بذلك على فيلم «سمير أبو النيل» لأحمد مكي الذي بلغت إيراداته في اليومين الأوليين 3 ملايين جنيه مصري. ويتنافس الفيلمان في استقطاب الجمهور في صالات العرض في مصر.

وأرجعت بعض المواقع الإخبارية أسباب ارتفاع إيرادات «تتح» لتزامن عرضه مع أعياد الأقباط المصريين، إذ تجاوزت إيراداته في اليوم الأول 100 ألف جنيه مصري.

وكان ممثل الفيلم محمد سعد، تحدث للصحف قبيل عرض فيلمه، وقال إنه يقدم شخصية جديدة ومختلفة في الفيلم، مشيراً إلى أن الناس «محتاجة تضحك. وأحبت الشخصيات التي قدمتها، لذلك قررت تقديم شخصية جديدة للجمهور سواء في طريقة كلامها وتون الصوت وطريقة المشي والحركة والشخصية والتصرفات لكن بشكل مختلف تماماً بشرط أن تكون مقنعة وموجودة بالفعل في الواقع، لذلك ذاكرت كثيراً حتى عثرت على تتح».

وعلى رغم أن فكرة الشخصية لا تبدو جديدة على الإطلاق، إلا أنه أضاف «أستعين بخبراتي السابقة لتقديم شخصية لم تقدم من قبل، وتتح ملامحه تشير إلى أنه طيب جداً وهو ما يظهر أيضاً على ملابسه، ورغم أنني مقتنع بأن الأفكار الرئيسية حول أي موضوع هي 36 فكرة لكن التغيير يكون في الأسماء والتفاصيل الأخرى، فمثلاً رحلة الصعود من الفقر إلى الثراء تم تقديمها في عشرات الأعمال، لكن كل عمل تناولها بوجهة نظره».

لكن الناقد الفني رامي عبدالرازق كتب في «المصري اليوم» مقالاً لاذعاً حول الفيلم، أشار فيه لعدم وجود أي جديد يغري في شخصية تتح «يستحضر سعد تيمة مكررة تنحصر في تورط رجل طيب ومتخلف عقلياً في مهمة إنقاذ فتاة مقابل الحصول على مبلغ من المال، وهي تقريباً نفس التيمة التي يحرص على أن يصدرها في أغلب تجاربه عندما تتورط الشخصية المتخلفة عقلياً في أزمة لا ناقة له فيها ولا جمل لمجرد أن تتولد من ذلك بعض المواقف والإفهيات الطريفة، ولدينا بالطبع عدة أمثلة على ذلك من أفلامه هي: اللي بالك بالك، كتكوت، اللمبي، عوكل، بوشكاش وتك تك بوم، مما يعني أن المسألة ليست مجرد توارد خواطر لكن خط أساسي لا يريد أن يخرج عنه سعد».

سعد قال للصحافة أيضاً بأنه لن يتطرق إلى أوضاع بلاده السياسية، «فضلت أن أقدم عملاً كوميدياً هدفة إضحاك الجمهور وإخراجهم من هموم الحياة وشر البلية ما يضحك».

وأضاف «نتطرق للمشاكل اليومية لكن بشكل كوميدي وكل شخص لديه مطلق الحرية في تفسيرها بالشكل الذي يريده، فمثلاً نتحدث عن مشكلة رغيف العيش من خلال شخص يطلب من آخر أن يشتري له عيش حتى يتمكن من الغداء بعد بكره، وأعتبرها أيضاً مثل (أه) التي تقولها أم كلثوم فكل شخص يفسرها بالطريقة التي يشعر بها».

لكن رامي عبدالرازق لم يجد الأمر كذلك، واتهم سعد بتضمينه ما يشير إلى موقفه الرافض للثورة المصرية والسخرية منها كما فعل في فيلم «تك تك بوم» حين صوّر الثوار بمجموعة من الحمقي التافهين «يظهر لنا شخصية في هيئة شاب ثوري بالنظارة والشال يتحدث إلى تتح بجمل سياسية فخيمة فيقوم تتح بإظهار ردة فعل يحول حديث الأول إلى هزل واضح وسخرية فجة، وثم يتمادى في ذلك عندما يقول له الشاب «أشوفك في الميدان»، فيرد عليه تتح «في جحيم الله»».

ويضيف الناقد «هو أمر ليس مستبعداً سواء على سعد أو السبكي ممن يعتبرون أن أي تغيير قد يؤدي إلى تهديد مصالحهم الجماهيرية، فالثورة تعني الارتقاء بالوعي، والارتقاء بالوعي معناه رفض تلك النوعية من التجارب السينمائية الحمقاء، والتي تحتاج إلى جمهور بمعدل ذكاء منخفض من أجل الاستمتاع بها، وإعادة مشاهدتها كلما قدمت له».

الوسط البحرينية في

22/06/2013

 

غوندولفيني حبيس صورته التلفزيونية

نديم جرجورة 

طغت شخصية توني سوبرانو عليه، فإذا بها تتصدّر نبأ رحيله يوم الأربعاء الفائت. الشخصية المذكورة تلفزيونية. المسلسل الذي عمّم شهرة غير مسبوقة للممثّل الراحل اسمه «آل سوبرانو». المسلسل نفسه مستند إلى شخصية مافياوي يُعاني قلقاً وجودياً، مع أنه ربّ أسرة لطيف وإنساني ومهذّب، هو الذي لا يتردّد في ممارسة أقسى أنواع العنف خارج جدران المنزل العائلي. طغت الشخصية التلفزيونية على كل ما فعله الممثل الراحل في حياته المهنية. وُلدت في العام 1999، بعد ١٢ عاماً على بداية المشوار الفني لجيمس غوندولفيني، المتوفّى في 19 حزيران 2013، إثر إصابته بأزمة قلبية

12 عاماً من التمثيل السينمائي لم تمنحه تلك الشهرة التي صنعها توني سوبرانو له. اثنا عشر عاماً أمضاها أمام كاميرا سينمائيين لامعين، وفي بلاتوهات مشاريع بديعة، مال معظمها إلى العنف وتمجيد العنف في أطر سينمائية لافتة للانتباه. ومع هذا، لم تستطع أفلام كبار في الإخراج السينمائي أن تعطيه شيئاً من ذاك الحضور الفاعل في المشهد التمثيلي السينمائي، كما حدث معه بفضل مسلسل تلفزيوني واحد ابتكره ديفيد تشايز، وأُنجزت منه ست وثمانون حلقة عُرضت على شاشة القناة التلفزيونية الأميركية HBO . 

إطلالته السينمائية الأخيرة كانت عبر «بيرت وندرستوم الغريب» (2013) لدون سكاردينو. أما حضوره السابق على هذا، فكان في «نصف ساعة بعد منتصف الليل» (2012) لكاثرين بيغولو: العملية النوعية التي نفّذها جنود أميركيون في أفغانستان لاغتيال أسامة بن لادن.

لم يكن جيمس غوندولفيني (مواليد نيو جيرسي، 18 أيلول 1961) ممثلاً أول. على الرغم من هذا، يُمكن القول إنه برع في تأدية أدوار لا تمتّ إلى البطولة الأولى أو المطلقة بأية صلة، إلى درجة بات معها أحد أبرز ممثلي الصف الثاني، المتقدّمين أحياناً عديدة على من احتلّ الصفوف الأولى في التمثيل. لائحة أفلامه السينمائية طويلة، على النقيض التام من لائحة أعماله التلفزيونية (اثنان فقط). 45 فيلماً، بدأها بـ Schock! Schock! Schock! (1987) لآرن ماك كونل وتود روت. ملامحه الـ«غريبة» بعض الشيء ساهمت في تمتين حضور آسر أمام الكاميرا. قدراته الأدائية متنوّعة: حزن مبطّن. قلق دائم. عينان مليئتان بالغضب والكراهية أحياناً، وبالالتباسات المطلقة أحياناً أخرى. سلطويّ عاجز عن عدم انتهاك حرمة الآخرين، وحريتهم. هذه كلّها جزءٌ من شخصيته التمثيلية، التي أتقن تطويعها في اشتغاله على مفرداتها، وفي الاجتهاد الفني على تسخير هذه المفردات لإضافة نوعية على الأداء

أفلام تشويق وحركة؟ نعم. لكن أيضاً التركيبة النفسية المعقدّة، والبراعة الفائقة في استخدام العنف الكلامي والمبطّن. أما نظرته القاسية، فشكّلت إحدى سماته التي استعان بها في إثارة ما يُشبه الرعب في نفوس «أعدائه». نظرة يُطلقها من وراء نظّارته الطبية، التي تمنحه مزيداً من الالتباس، أو مزيداً من الحماية التي تتيح له فرض حالة من الهلع، أو من جنون اللحظة.

السفير اللبنانية في

22/06/2013

 

 

 

المحكمة: بلاغ جنجاه مبني على الاجتهادات والاستنتاجات

حفظ التحقيقات في اتهام الشريف والعادلي بقتل سعاد حسني

القاهرة - خالد فؤاد: 

·        صفوت جندها في المخابرات بعد تصويرها عارية مع فرنسي

·        راوغت وتهربت  حين أدركت إعجاب  صلاح نصر بها

قررت المحكمة حفظ التحقيقات في البلاغ الذي تقدمت به جنجاه شقيقة الفنانة الراحلة سعاد حسني الملقبة بالسندريللا ضد صفوت الشريف - الرجل القوي في النظام السابق - وحبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق متهمة كليهما بالضلوع في قتل شقيقتها وتصوير الأمر على أنه عملية انتحار, وقالت المحكمة ان أقوال المبلغة والشهود لا تتجاوز حدود الاجتهادات والاستنتاجات ومن ثم لا يوجد دليل دامغ على أن الشريف والعادلي ارتكبا الجريمة, وقد تجاوزت التحقيقات عاماً كاملاً.

ومن جانبها أعربت جنجاه عن دهشتها وقالت انها قدمت للمحكمة كل المستندات التي تؤكد أن شقيقتها لم تنتحر ولكنها قتلت على يد الشريف, وقالت انها واثقة تماما من اتفاقه مع العادلي على تصفيتها بعد معرفته انها تكتب مذكراتها, وتأكده من أنها ستحكي في المذكرات تفاصيل ما تعرضت له على يديه هو وصلاح نصر وغيرهما من كبار المسؤولين بالمخابرات في العصور السابقة, فاتفق الشريف مع العادلي على تصفيتها والاستيلاء على ما كتبته من مذكراتها قبل أن تخرج الى العلن.

وأشارت جنجاه الى انها لن تتراجع عن حق شقيقتها وأنها ستقوم باستئناف الحكم وتقدم المزيد من الأدلة والبراهين, ولديها ثقة كبيرة في انصاف القضاء لشقيقتها التي عانت كثيرا, بسبب ما فعله معها صفوت الشريف وتسببه في حالة الاكتئاب العنيفة التي وصلت اليها في السنوات الأخيرة من عمرها.

ـ والسؤال الآن , لماذا كل هذا الاصرار من جانب جنجاه وبعض أفراد أسرة الفنانة الراحلة على أنها لم تنتحر بينما تعرضت للقتل على يد صفوت الشريف تحديدا ودون سواه?

وكيف كان شكل العلاقة التي ربطت بينهما, والى أي مدى وصلت وكيف انتهت, وما الدوافع والأسباب التي تجعله يقرر التخلص منها بهذه الطريقة البشعة? 

مجموعة من الأسئلة الصعبة التي يستحيل ان نجد إجابة واضحة وصريحة عليها سوى في مكان واحد فقط هو ملفات جهاز المخابرات المصرية, والتحقيقات التي أجريت مع صفوت الشريف عام 1968 أمام محكمة الثورة.

 فقد تم استدعاؤه من محبسه في 29 فبراير 1968 بعدما تم اعتقاله هو وصلاح نصر وبقية أعضاء الجهاز فيما سمي وقتها بقضية انحراف جهاز المخابرات وحكم على الشريف بالسجن لمدة عام بعدما ثبت في حقه الكثير من التجاوزات, وفي هذا اليوم أدلى الشريف باعترافات كاملة ومثيرة عن الدور الذي كان يلعبه في تجنيد وتصوير نجمات الفن بصفة عامة وسعاد حسني بصفة خاصة, واستغلالهن في عمليات المخابرات وبرر الشريف عمليات التجنيد هذه بأنها احدى وسائل علم المخابرات في العصر الحديث للحصول على المعلومات.

 وبعد أسبوع واحد من الاستماع لأقواله تحديدا في يوم الأربعاء 6 مارس من نفس العام تم استدعاء سعاد حسني ومواجهتها بما قاله الشريف وحقيقة ما تعرضت له على يده هو وصلاح نصر, وكانت السندريللا في هذا الوقت متزوجة من المخرج علي بدرخان.

 فماذا قال هو, وماذا قالت هي? وما مدى العلاقة بين ما قاله كل منهما, وما قالته اعتماد خورشيد عنهما في مذكراتها وما تقوله شقيقتها الآن?

في البداية تحدث الشريف عن نشأة فكرة تجنيد النساء والفنانات في جهاز المخابرات فقال ان الفكرة نشأت في عام 1963 وتحدث باستفاضة عن كل الفنانات والنساء اللاتي تم تجنيدهن, والأماكن التي تم تصويرهن فيها وهن عاريات تماما.

ثم تحدث عن نفسه والدور الذي كان يقوم به فقال انه كان يعمل ضابطا بالجيش والتحق بالمخابرات سنة 1957 وبعد التدريبات المكثفة عمل كضابط وحدة ميدان في التحريات والمراقبات لمدة عام, وتفرغ في عام 1963 لعمليات خاصة, بعدما نشأت فكرة الكنترول أو السيطرة, وقال انها عمليات يقصد بها الحصول على صور وأفلام تثبت وجود علاقة جنسية لبعض الأشخاص بهدف الضغط بها عليهم لتجنيدهم.

وتحدث الشريف عن "شقتي شارع الميرغني" اللتين تم استئجارهما وتجهيزهما فنياً بآلات تصوير متطورة تم اخفاؤها بحيث لا يشعر الشخص الذي يتم تصويره, وتحدث عن "فيلا ميامي" بالاسكندرية التي تم استئجارها قبل مؤتمر القمة العربية وتم فيها ثلاثين عملية تصوير لشخصيات عربية كبيرة بصحبة فنانات وفتيات مختلفات وكان يتم حفظ هذه الأفلام في أرشيف سري يسمى "سجل العمليات الخاصة".

واعترف الشريف بأنه قام وبنفسه بتجنيد نحو خمس نساء خلال عامي 1963, 1964.

رفيعة هانم

ثم انتقل بعد هذا للحديث عن عملية تجنيد سعاد حسني فقال: هذه العملية تمت تقريبا في شهر أكتوبر سنة 1963 حيث اتصل به رئيسه المباشر حسن عليش وطلب منه ضرورة تجنيدها.

فقام زميلهما محمود كامل شوقي بالاتصال باحدى مندوباته وتدعى "ريري" وعرف منها أن الممثلة ليلى حمدي الشهيرة بـ"رفيعة هانم" هي التي تستطيع الايقاع بسعاد حسني لكونها لا تحب التعامل مع رجال مصريين وتفضل الأجانب والعرب.  وبعد عرض الأمر على حسن عليش أعطى تعليماته باستخدام ممدوح كامل مترجم اللغة الفرنسية ليتظاهر بأنه فرنسي, وبالفعل تم التعارف بينه وبين سعاد حسني عن طريق ليلى حمدي وأعطاها 300 جنيه واصطحبها الى شقة مصر الجديدة وتم تصويرهما أثناء الممارسة الجنسية الكاملة, فقام الشريف وكما قال في التحقيقات ومعه شخصان آخران بتصويرها بطريقتين الأولى تصوير بكاميرا 35 مم والثانية التصوير السينمائي.  وأثناء التصوير فوجئ الشريف كما قال بحضور صلاح نصر بنفسه واندهش هو ومن معه بشدة لكونه لم يسبق له الحضور من قبل أثناء تنفيذ أية عملية.

وفوجئوا به يصدر أوامره لهما باقتحام غرفة النوم وضبط سعاد حسني عارية تماما وهو أمر لم يحدث من قبل وتم اصطحابها بعد الضبط لمبنى الاستجواب بادارة المخابرات وأوهموها بأن الشخص الذي كان معها جاسوس فرنسي وعرضوا عليها التعاون مع المخابرات لستر فضيحتها من جهة, ولكشف أعداء الوطن من جهة أخرى, فوافقت, وتم الحصول على توقيعها واخذوا منها الـ 300 جنيه واعادها للخزينة, واتفقوا معها قبل الانصراف على تلقي التعليمات الخاصة بكل عملية من زميلهما محمود كامل شوقي.  وقال انه تم صرف مكافآت مادية كبيرة لهم لنجاحهم في هذه العملية تحديدا لكون صلاح نصر كان لديه اهتمامات خاصة جدا بهذه العملية دون غيرها.

افلام عالمية

هذا ما قاله صفوت الشريف عما حدث وفعلوه مع سعاد حسني في تلك الليلة وقبل الاسترسال في بقية اعترافاته الأخرى, نتناول ما قالته سعاد حسني نفسها حينما تم استدعاؤها فقالت انها أسوأ ليلة في حياتها حيث أرسلوا لها شخصا ادعى أنه فرنسي الجنسية وأوهمها أنه يريد الاستعانة بها في أفلام عالمية, سيتم تصويرها بالخارج وبناء عليه توجهت معه لشقته بمصر الجديدة وقام باعطائها مشروبا لم تدر بنفسها بعده ولا تعرف ماذا حدث على حد وصفها.

وقالت انها فوجئت بعد هذا بمجموعة من الأشخاص يقتحمون عليهما الغرفة ويقبضون عليها ويأخذونها للمخابرات وقالوا لها ان هذا الرجل يعمل جاسوسا لحساب اسرائيل واتهموها بالعمل معه, واذا أرادت الخروج من الأزمة يجب عليها التعاون معهم, فوافقت ووقعت على أوراق لا تعرف ماذا كان مكتوبا فيها.

ـ هكذا تحدثت سعاد حسني عما حدث معها في هذه الليلة, ونجده متطابقا الى حد كبير مع ما قاله الشريف بخلاف بعض النقاط مثل قصة الـ 300 جنيه وبعض النقاط الأخرى.

شادية ومصطفى أمين

فماذا حدث بعد هذا?

يقول الشريف انه وعلى الرغم من أن الاتصالات والمقابلات استمرت بينها وبين زميلهما محمود كامل لمدة شهرين تقريبا, الا أنها بعد عملية ضبطها وتصويرها بدأت تقلل كثيرا من خروجها واتصالاتها الى أن سافر محمود كامل في مأمورية بالخارج, فصدرت التعليمات بأن يتولى الشريف الاتصال بها واللقاء معها وهو ما حدث بالفعل حيث التقى بها وأعطاها تعليمات باعادة اتصالاتها بالأجانب والشخصيات التي كانت على اتصال بها من قبل وكلهم من الأجانب أي ليس بينهم مصريون.

سعاد حسني قالت في التحقيقات انهم بعد أن عاودوا الاتصال بها طلبوا منها معرفة بعض المعلومات عن الصحافي الكبير مصطفى أمين عن طريق زوجته شادية التي كان مصطفى أمين متزوجا منها في ذلك الوقت, وقيل انه كان زواجا صوريا تم بناء على طلب شادية نفسها, بعد أن حاولت المخابرات تجنيدها وللهروب منهم اتفقت مع أمين على هذا, الا أنهم وكما يبدو كانوا مصرين عليها, ومحاولة اصطياد شيء ما لمصطفى أمين للقبض عليه واجباره على تطليقها.

 وهو ما يتأكد مما قالته سعاد حسني بينما لم يتطرق الشريف نهائياً لهذه القصة.

وعما اذا كانت أحضرت لهم معلومات مما طلبوها منها قالت السندريللا انها لم تقم باحضار اية معلومات ويتفق كلامها مع ما قاله الشريف بأنها كانت تتهرب منهم, واستمرت على هذا الحال الى أن سافروا للاسكندرية في صيف عام 1964 للاستعداد لمؤتمر القمة فسألهم حسن عليش عنها فقالوا له على ما تفعله, ففاجأهما بقوله انها موجودة حاليا في المعمورة وأمرهم بالتوجه لها لكي تتعاون في مؤتمر القمة فتوجهوا لها ووعدتهم بمحاولة التعاون رغم انشغالها ثم عادت كما قال للمراوغة. 

وهكذا استمر الحال الى أن فوجئوا بصدور تعليمات من قبل صلاح نصر شخصيا بوقف الاتصال بها نهائيا, وتزامنت هذه التعليمات مع انتشار اشاعات قوية تؤكد وجود علاقة بينهما أي نصر وسعاد. 

حفلة علي شفيق

ويبدو أن المحققين سعوا للتأكد من صحة هذا الكلام فواجهوا السندريللا به فقالت انها شاهدت صلاح نصر لأول مرة حينما قاموا بالقبض عليها بشقة الميرغني, فقد تم ادخالها عليه في المكتب وبعد أن وجه لها بعض الأسئلة, قال لها انه لابد وأن تتعاون معهم من أجل مصر, وبعد سفرها للاسكندرية وتلقيها دعوة من الفنان أحمد رمزي لحضور احدى الحفلات في منزل علي شفيق "مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر" وقرر أصدقاء شفيق اقامة هذه الحفلة لكي يساعدوه على نسيان الفنانة مها صبري بعد وقوع الانفصال الأول بينهما. فذهبت سعاد حسني كما قالت للحفل لكي تعرض على شفيق مشكلتها مع رجال صلاح نصر, ومساعدتها في الخروج من هذا المأزق الصعب.

 وبالفعل وعدها شفيق بحل المشكلة وأخذها بعد عودتهما للقاهرة وتوجها لصلاح نصر في فيلا الهرم ووعدها نصر كما قالت باخفاء فيلمها تماما, وشعرت في هذا اللقاء كما قالت بأن الموضوع كان اعجابا من صلاح نصر ورغبة في امتلاكها, وتأكد لديها هذا الشعور بعدما وجدته يتصل بها في المنزل بصفة مستمرة وزيارتها في شقتها, وسؤالها عن علاقاتها الغرامية وما يقال عنها هي وعبدالحليم حافظ , ونفت سعاد في التحقيقات اقامته لأي علاقة جنسية معها.

بالعودة لكتاب اعتماد خورشيد "انحرافات الفن والسياسة" يمكن معرفة ماذا قالت عن صلاح نصر وسعاد حسني فيه حيث كتبت: حدث ذات يوم أن صلاح نصر قام بالاتصال بعبد الحليم حافظ بعدما ترددت أقاويل كثيرة عن علاقته بسعاد حسني وزواجه منها وطالبه بالابتعاد عنها وقالت انها فوجئت في يوم آخر أثناء وجودها في منزل صلاح نصر بقيام رجاله باحضارها له أي سعاد حسني عارية ملفوفة في بطانية لتصبح بعد هذا طوع بنانه ما يعني ببساطة وبقليل من التفكير أن صلاح نصر هو الذي افسد بالفعل العلاقة بين حليم وسعاد.

فتح الملفات

هكذا جاءت أقوال سعاد حسني في التحقيقات ليفرض السؤال نفسه, هل قالت سعاد حسني الحقيقة كاملة في التحقيقات? أم أنها اخفت بعض الأشياء وقررت كتابتها في مذكراتها حينما وجدت الوقت مناسبا لفتح كل الملفات فانزعج صفوت الشريف كما تقول شقيقتها وقرر التخلص منها بالاتفاق مع وزير الداخلية الأسبق?

أسئلة كثيرة وغامضة, هل من الممكن أن نحصل على اجابات شافية عنها في الفترة المقبلة?

 أم أنها دفنت تماما برحيل الانسانة الوحيدة التي كانت تملك دون سواها الاجابة عنها كاملة?

سمير صبري: قتلوها من أجل السرقة

 أكد الممثل المصري سمير صبري ان التحقيق الذي اجراه عن حياة ومقتل الراحلة سعاد حسني يجب ان يدرس في الجامعات كونه جريئاً ويعد تجربة اعلامية مهمة.

وكشف صبري ان هناك اجزاء من التقرير حذفتها الرقابة المصرية "لا أعرف ما اذا كانت الأجزاء التي حذفت من تحقيقي المصور قد تم حذفها بأوامر عليا, او تم حذفها من الرقباء أنفسهم, فأحيانا يوجد عند بعض الرقباء من الغباء ما يدفعهم للحذف".

وعن سبب مقتلها قال "في رأيي انا أن سعاد قتلت وان كنت لا أستطيع ان اتهم شخصا محددا بأنه قتلها, او كان وراء قتلها".

وأضاف صبري بحسب "الموعد": "سعاد قتلت وكان الهدف من وراء قتلها سرقة نقود كانت موجودة لديها, وهذا على اي حال هو رأيي, وتحليلي أنا لهدف قتلها".

السياسة الكويتية في

22/06/2013

 

التجربة الأولي لماجي مرجان..وأداء جيد محمد خان

"عشم".. آخر فيلم مصري - في دور العرض - قبل حلول رمضان

نادر أحمد 

بدأت دور العرض السينمائي بالقاهرة والمحافظات عرض الفيلم المصري "عشم" تأليف وإخراج ماجي مرجان والذي يعتبر آخر فيلم يعرض في النصف الأول من الموسم الصيفي قبل حلول رمضان.. حيث أقيم عرض خاص للفيلم حضره أبطال العمل ونجوم السينما من بينهم الفنانة لبلبة وآسر ياسين وأروي جودة والمخرج سمير سيف. 

"عشم" هو أول تجربة إخراجية لماجي مرجان في السينما الروائية الطويلة.. وقد عرضته لأول مرة العام الماضي في مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي.. كما نال تنويهاً خاصاً من لجنة تحكيم المهرجان الدولي لأفلام الشرف في جنيف حيث شارك الفيلم في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في المهرجان الذي اختتم دورته في نهاية أبريل الماضي. 

شخصيات عشم 

تناول فيلم "عشم" قصصاً مختلفة لشخصيات عديدة من الشارع المصري أبرزها شخصية الفتاة عاملة تنظيف الحمامات التي لا يهتم بها الآخرون. وهناك المرأة التي تشعر بالوحدة وتحاول أن تنجب طفلاً.. والمحاسب الذي يخشي أن يكون مصاباً بمرض عضال.. وهناك الطبيب.. وموزع الإعلانات وغيرهم من الشخصيات التي تلقي الضوء علي سكان مدينة القاهرة المزدحمة.. وبالرغم من القصص المتشابكة الواقعية إلا أن حالة البطء سيطرت علي الكاميرا في عدد من المشاهد الهامة. 

"عشم" يدخل في بند الأفلام المستقلة ذات الميزانية المحدودة وشارك في بطولته عدد من الشباب الصاعد بينهم أمينة خليل وسيف الأسواني وسلمي سالم وشادي حبشي ومني الشيمي ومروة ثروت ومينا النجار ونجلاء يونس وغيرهم من الاسماء الشابة إلي جانب محمود اللوزي.. ومفاجأة الفيلم مشاركة المخرج محمد خان بالتمثيل وأدائه المرتفع في دوره. 

بدأت فكرة الفيلم بموقف طريف يعود للمخرجة ماجي مرجان عام 2010 عندما رأت أحد الأشخاص يرتدي زي مهرج كدعاية لأحد المتاجر الكبري.. مما جعلها تفكر في أن القاهرة تعج بالكثير من المارة وشخصيات من مختلف الطبقات الاجتماعية والدينية.. فحاولت ماجي تجسيد تلك الشخصيات والمعاني والقصص المتداخلة تعكس من خلالهم تجربتها الشخصية مع شخصيات التقت بهم داخل مدينة القاهرة المليئة بمئات وآلاف الحكايات لأناس علي هامش الحياة وآخرين ذي نفوذ في المجتمع. 

تقول المخرجة ومؤلفة الفيلم ماجي مرجان: أعتقد أن الحظ كان حليفي منذ اللحظة الأولي.. فالتصوير جاء عقب أحداث ثورة 25 يناير حيث كان يسود التفاؤل الجميع سواء كان الممثلون أو العاملون بالفيلم.. وقد تم التصوير في القاهرة والإسكندرية علي مدي خمسة أسابيع وبالتحديد في مصر الجديدة ومدينة نصر كما كانت شقق الأصدقاء والأقارب أماكن هامة لتصوير المشاهد لفيلم ذات ميزانية محدودة. 

محمد خان.. المفاجأة 

أضافت: شهد الفيلم عودة المخرج الشاب أحمد عبدالله لعمل المونتاج فبدايته في المجال السينمائي كمونتير.. ثم كانت المفاجأة الثانية في مشاركة المخرج الكبير محمد خان في بطولة الفيلم وتعود مشاركته لقصة طريفة حيث ذهبت للقاء الفنانة سلوي محمد علي للاتفاق معها علي المشاركة في فيلم "عشم".. وتصادف تواجد المخرج محمد خان الذي انتبه لحدوتة الفيلم ففوجئت بقوله واستعداده للمشاركة معي في الفيلم كممثل.. وبالطبع رحبت وأنا في حالة اندهاش ثم خشيت وتراجعت وكشفت له أن الفيلم من الأفلام المستقلة ذي إنتاج محدود أي لن يكون هناك أجر كبير مثلما يحدث في الأفلام السينمائية التقليدية.. إلا أنني فوجئت بترحيبه قائلاً "لا يهم" مشيراً إلي أنه قدم تجربة في فيلم "كليفتي" بميزانية محدودة.. حيث قام بالإنتاج السيناريست محمد حفظي عن طريق شركته الإنتاجية. 

طرائف عشم 

انتقلت ماجي مرجان بحديثها إلي الطرائف التي صاحبت تصوير الفيلم فقالت: 

التصوير الخارجي في مصر صعب للغاية إلي جانب الميزانية المحدودة فكان علينا البحث عن مواقع تصوير مجانية إلي جانب صعوبة التصوير في الشوارع لأننا لا نملك التحكم في البشر والبيئة المحيطة بالتصوير.. إلا أنه في أول يوم تصوير التف حولنا بعض أطفال الشوارع الذين أصروا علي أخذ صور فوتوغرافية مع أبطال الفيلم.. ثم قرروا مساعدتنا في التصوير بإبعاد المتطفلين.. واستمر ذلك في جميع أيام التصوير الخارجي بمنطقة مصر الجديدة برغم أننا كنا لا نخبرهم بموعد التصوير وأماكنه المختلفة إلا أنهم كانوا يتجمعون علي الفور ويقدموا لنا مساعداتهم فكانوا أشبه بالحراس لنا. 

أضافت: ولا أنسي عندما استأذنت من جارتي كبيرة السن في التصوير في شقتها ورحبت بالفكرة وخشيت إزعاجها بسبب ازدحام المكان من الممثلين والكاميرات ولكنها أبدت عدم انزعاجها قائلة بأنها ضعيفة السمع وطلبت مني الالتفات لعملي. 

وقالت ماجي مرجان: أصعب المشاهد جاءت عند محاولة انتحار المجنون.. وهو أحد المشاهد الهامة وكان تصويره في منطقة الكوربة بمصر الجديدة حيث ازدحم المكان بشدة وظن الناس أن هناك شخصاً يسعي للانتحار بالفعل.. ثم دخلوا معنا في مشادة رافضين أن نقوم بتصوير هذا الشخص حفاظاً علي سمعة مصر إلي أن اقنعناهم بأن الأمر لا يعدو سوي تصوير مشهد تمثيلي في فيلم وأن الشخص الذي ينوي القفز من أعلي هو أحد أبطال الفيلم.. إلا أن البعض لم يصدق وحاولوا طمأنة المجنون بتلبية كل طلباته. 

الجمهورية المصرية في

23/06/2013

 

"عشمْ"..

سينما كبيرة عن تفاصيل صغيرة

محمود عبد الشكور 

ربما يكون أهم ما يميز الموسم السينمائى المصرى لعام 2013 هو الحضورالقوى  لجيل جديد من المخرجات الواعدات، بالأمس كنا مع تجربة نادين خان الأولى فى فيلم "هرج ومرج"، واليوم تدهشنا ماجى مرجان بفيلمها الروائى الطويل الأول "عشم"، تنجح المخرجتان فى تقديم سينما مختلفة من تفاصيل صغيرة، واقعية بالتأكيد، ولكنها لا تصدر أحكاماً أو تدين أو تقول كلاماً كبيراً عن الطبقات والحراك الإجتماعى، ولكنها تخلق معناها وغزاها من المشاعر والأحاسيس والأماكن والحالات، ترسم حدود الأزمة، ولكنها تفتح للأمل طاقة من النور.

يمكن أن تضع فيلم "عشم" بالذات ضمن ما أطلقت عليه "الواقعية المتفائلة"، تتعامل هذه الواقعية بأمانة مع هموم الناس العادية، ولكنها تقول، فى نفس الوقت، إنهم ينجحون على نحو ما فى تكييف أمورهم، لهذه النظرة أساس قوى فى الواقع المصرى، فرغم الهم والغم المتواصل، إلا أن الناس لا تفقد عشمها، تؤمن بأنه: "مابين طرفة عين وانتباهتها يغيرّ الله من حال الى حال"، وتثق فى إن "غداً يومٌ آخر"، و"الصباح رباح"، و"بكرة ربنا يعدّلها"، حالة من العشم فى تغيير الحال، وما العشم إلا الأمل وقد امتزج بالرجاء.

التقطت ماجى مرجان هذه الحالة، وكتبت أحد أفضل سيناريوهات العام، ثم صنعت من خلال وجوه جديدة ما يقترب من ورشة للإرتجال والإضافة، وفى مصنع كبير هو حجرة المونتاج، قامت بإعادة بناء حكاياتها الصغيرة على شريط واحد متماسك الى حد كبير، فأصبح لدينا أفضل أفلام الموسم السينمائى حتى الآن.

صعوبات وحلول

رغم ارتفاع سقف الطموح، إلا ان الفيلم نجح فى تجاوز صعوباته الواضحة، الصعوبة الأولى فى رأيى أن تحكى عن مستويات إقتصادية واجتماعية مختلفة، وأن تصنع خطوطاً بين شخوص من طبقات متنوعة، وقد نجح الشريط فى يحقق ذلك بمهارة، ليس فقط من خلال لقاءات الصدفة بين الشخوص، ولكن من خلال الإشتغال على المشاعر والأحاسيس المتقاربة.

الصعوبة الثانية فى تقديم بناء سردى معقد عن مشاعر بسيطة وعادية، وهنا أيضاً نجاح واضح أساسه فى رأيى الإعتماد على وجوه جديدة غير مستهلكة، واشتراك الممثلين فى التعبير عن الشخوص المكتوبة بحرية، ونجاح مونتاج أحمد عبد الله وهشام صقر فى الإحتفاظ بما هو ضرورى فقط، والإستغناء عن كل ما لايلزم، وهو جهد كبير واضح وملموس، والفشل فيه كان يمكن أن يهدم التجربة بأكملها.

الصعوبة الثالثة التى تجاوزها فيلم "عشم" هى ضبط التأثير العاطفى بميزان خاص، هناك فى الحواديت ما قد يغرى ببكائية زائدة، أو خفة واستخفاف كاريكاتورى، ولكن السرد البارع يجعلك تعيش كل الحالات، ولكنه يسمح فى نفس الوقت بالتأمل والتفكير، يقول لك: هؤلاء ناس عاديون مثلك تماماً، مازالوا يحتفظون بالعشم، رغم ظروفهم، فلماذا لا تفعل أنت؟ ألم تر مثل هؤلاء حولك؟ هل عرفت يوماً حكايتهم؟ هذه الطريقة الحميمة فى التناول تجعلك جزءاً من تجربة، دون أى ادعاء أو شعارات كبيرة.

وهناك صعوبة رابعة هى خطورة الإنزلاق الى المباشرة والأحكام المطلقة، وليس فى "عشم"، مثل أى عمل ناضج، شئ من ذلك، هناك تعاطف لاشك فيه مع الجميع، ولكن كل حالة تعيش وفق قيمها وأفكارها، والأهم من ذلك، أن المشهد ليس ما يقوله الحوار المقتصد، ولكن ما تقوله الصورة بكل مكوناتها، هناك لغة متضمنة فى مشاهد كثيرة من الإيماءات والنظرات وحركات الأيدى، تعطى أضعاف معنى الحوار: نظرة ممرضة الى طبيب، حركة أصبع يتجه الى السماء، يد تهتز على إيقاع أغنية لنجيب الريحانى وليلى مراد، نظرة صارمة تراقب خادمة تمسح الأرض، ونظرة مواسية من الخادمة لرئيستها المريضة، يمتلك "عشم" بناء بصرياً ثرياً أنقذه من مباشرة زاعقة أو من واقعية خشنة وجارحة.

قصص قصيرة

يقوم السرد على تضفير عدة قصص قصيرة معاً، نشعر بمرور زمن قصير، وعندما تكتمل كل القصص ينتهى الفيلم، القصة القصيرة بها لحظة تحول يطلقون عليها لحظة التنوير، إكتشاف الشخصية لنفسها أو لأزمتها، ونجاحها فى حلها، الوعى الوحيد الذى يربط بين شخوص فيلمنا، هو اكتشافهم لمعنى الأمل والعشم، هناك قوة ما يمكن أن تغير حياتهم وتساعدهم، دون أن يتوقفوا هم فى نفس الوقت عن المحاولة.

ومثلما يبدو التفاؤل فى معنى الفيلم، فإنه يظهر أيضاً فى الأسماء (ابتسام، رضا، عشم)، أما القصص القصيرة فهى بسيطة التفاصيل ولأشخاص عادية : رضا عاملة الحمام القادمة من قليوب، تعمل فى مول فاخر، تعانى من غطرسة رئيستها المريضة، ولكن مصطفى عامل الأمن يفتح لها باب الحب والعشم، وتفتح له أبواب الطموح، تكتشف أيضاً أن رئيستها تخفى خلف قناع الصرامة، قلب أم رقيقة، تكتشف رضا نفسها والآخرين، تنتقل الى العمل فى محل للملابس.

نادية، إمراة فى منتصف العمر، زوجها عماد ينتظر نتيجة التحاليل الطبية، يعانى إرهاقاً فى العمل، ما بين قلق الإنتظار، ومتاعب الأولاد، ، تعيد نادية الإهتمام بزوجها، تلجأ الى الكنيسة، تدعو وتقدم نذورها إذا أنقد الله زوجها، تحاول أن تشاركه فى هواياته، تستعيد الأمل بنتائج تحاليل ممتازة، تنتصر على مخاوفها فى تعلم قيادة السيارات.

مجدى طبيب شاب، ابتسام ممرضة ريفية طموحة، تعشق أشعار صلاح جاهين، جاءت من المنيا لتهزم المدينة، تستعير من مكتب الطبيب رباعيات جاهين، فى نظراتهما ما يشى بما هو أبعد من الكلمات، خيط إنسانى رقيق يولد، عندما يسافر فى منحة علمية، تتعهد له برعاية والدته العجوز طبياً، لديه فتاة يتحدث معها تليفونيا، ولديها كارنيه ممرضة، وكتاب يمتلئ بالصدق.

نادين امرأة متزوجة، ينقصها الطفل، زوجها رمزى يحاول أن يخفف عنها آلام الإحباط فى كل مرة تحمل فيها، جارهما عادل يجعلها تعيد اكتشاف الحياة، يسافر الى كل مكان، يمتلك روحاً متفائلة، يترك لها شقته لكى ترعى النباتات، تكتشف أن ولادة الأمل بداخلها، واحتفاظها به، قد يكون أهم من أن تلد طفلاً.

داليا فتاة تحب الحياة والفن، فى حياتها عاشق رومانسى يريدها أن تذهب معه الى حيث عمله فى ماليزيا، ثنائى رائع يتعامل مع الحياة بانطلاق، ربما كانت المشكلة فى أنه ثنائى يليق بالحكايات الرومانتيكية، ولكن داليا لا تكتشف نفسها إلا مع طفلة وجدتها فى الملاهى، والد الطفلة تركها، وسافر الى ليبيا، أما صديق داليا فلا يجد نفسه إلا فى السفر.

فريدة فتاة من طبقة ثرية، ولكنها تحمل تعاطفاً مع الغلابة والبسطاء، فى العجمى تتعرف على شاب وصديقه، يعجب بها الشاب ، ولكنهما يختلفان فى نظرتهما للناس، تتركه لتسافر ثم تعود، عندما يراها صديقة بالصدفة، يخبره بعودتها، ربما يستعيد صديق داليا العشم أن تعود إليه من جديد.

عشم اسم لشاب مصرى على باب الله، تجده دوماً فى الشارع، يرتدى أقنعة الشخصيات المحببة لدى الأطفال، ويبيع البالونات الملونة مع أن حياته خالية، لازوجة ولا طموح سوى أن يقابل محمد أبو تريكة لاعب الكرة الشهير، تقبض عليه شرطة المرافق لأنه يبيع فى الشارع بدون ترخيص، أخيراً يجد عملاً فى مصعد أحد الفنادق الفاخرة، بالصدفة يلتقى مع الممرضة إبتسام، على الرصيف يطلب من الله أن يعدّل الحياة الملخبطة، يتواعدان على لقاء، ينتقل العشم الى المتفرج، نتمنى نحن أن يتزوج عشم من ابتسام، تنغلق دائرة حواديت الفيلم البديع.

الميلودى والتنويعات

الميلودى هو العشم والأمل والرجاء، والتنويعات هى الحكايات، ليست كل الحكايات بنفس القوة بالتأكيد، ولكنها جميعا تؤدى عبر الإيماءات والنظرات وحركات الجسد والأيدى، وبأقل قدر من الحوار، وباقتصاد فى الموسيقى،  ربما تخرج عن التنويعات كلها شخصية الرجل المضطرب نفسياً، الذى يرتدى الأسمال البالية فى الشارع، والذى يحاول الإنتحار فى أحد المشاهد من بناية عالية، والذى يقوم بفرقعة البالونات التى يحملها عشم، الشخصية طريفة حقاً، وربما كان الهدف منها تقديم حالة لشخص لم يتمسك بالعشم، فهزمته الحياة، ولكن الشخصية كانت فى حاجة الى مشاهد إضافية لإبراز هذا المعنى، إذا كان ذلك هو المقصود فعلاً.

تتقدم الأحداث من الحاضر الى المستقبل، باستثناء قصة داليا التى نراها أولا فى مشهد مع صديق يلتقيها صدفة، ثم نستعيد قصتها فى العجمى، ثم نعود فيما بعد الى تكرار مشهد لقاء الصدفة، لابأس من اللعبة، وجدت فيها مشاكسة للمتفرج لكى يكون يقظاً، أحب الأفلام اليقظة التى تفترض فى متفرجها الذكاء لا الغباء، إليك قطع الدومينو، رتبها أنت وأصنع منها ما تشاء، وستصل الى نفس الحالة من التفاؤل والثقة.

ومن باب اليقظة أيضاَ أن تلتقى الشخوص بالصدفة، لسنا هنا بصدد لعبة مجانية، ولكن المعنى الأعمق من اللقاء المباشر هى أننا كبشر أقرب كثيراً مما نتصور، وأن مشاعرنا توحد بيننا، كل إنسان يستطيع افتراضياً أن يلتقى مع الآخر، يتعاطف معه ويفهمه،  مصائرنا تتقاطع حتى لو لم نفهم ذلك، هذا هو معنى فيلم هام مثل "بابل"، وهذا هو معنى تلك اللقاءات التى تجمع بين نادية ونادين فى الكنيسة (أحد أفضل مشاهد الفيلم)، أو بين عشم وابتسام على الرصيف، أو بين عشم ورمزى، زوج نادين، فى الشارع، وكلها مصادفات ذكية ومؤثرة، وتم استغلالها درامياً بصورة جيدة جداً.

سعادتى كبيرة أن يكون هناك سيناريو مميز على هذا النحو، ولكن سعادتى أكبر بنجاح ماجى مرجان فى تنفيذه وإعادة بنائه مونتاجياً، وفى إدارة ممثليها الذين وصل بعضهم الى درجة الإمتياز، أتحدث تحديداً عن الممثلة البارعة التى لعبت دور رضا، بابتسامتها وحركة يدها وتعبيرات وجهها، وعن الممثلة الرائعة التى لعبت دور إبتسام، وعن  سهام عبد السلام التى لعبت دور أم عطية، إحدى أجمل شخصيات الفيلم من حيث الثراء والتأثير، هناك أيضاً الممثلة شديدة الحساسية التى لعبت دور نادية، والتى هزتنى من الأعماق فى مشهد الكنيسة، هناك بالطبع ممثلون معروفون مثل محمود اللوزى فى دور عماد، وسلوى محمد على فى دور من مشهد واحد لسيدة ثرية تتطوع للعمل الخيرى، ولكنها تحتقر الفقراء، وتتأفف منهم، والمخرج محمد خان الذى أضفى على دوره الكثير من البهجة والحيوية، رجل يعيش حياته بالأمل، كان واضحاً أن خان سعيد بدوره وبالفيلم كله، إنه فى الحقيقة فيلم ينتمى الى عالمه، الواقعية غير الخشنة التى لا تغلق أبواب الأمل: الهروب الى اللون الأخضرفى "خرج ولم يعد"، ومباراة العمر من أجل الإبن فى "الحريف"، ومشهد الشاطئ بالعثور على الطفلة أحلام فى فيلم "أحلام هند وكاميليا"، كتبت يوماً عن فيلم "حين ميسرة" إنه فيلم كان يحب أن يخرجه "عاطف الطيب"، أستطيع بالمقابل أن أقول إن "عشم" فيلم كان يمكن أن يخرجه محمد خان.

كانت صورة رءوف عبد العزيز ثرية، رغم الظلال ومساحات اللون الأسود فى أوقات الإنتظار والأزمة (كما فى مشاهد نادية وعماد فى منزلهما)، إلا أن مساحات النور فى المشاهد الخارجية كانت تحقق التوازن (مشاهد العجمى ومدينة الملاهى وميدان رمسيس ليلاً)، هناك جدل بصرى طوال الوقت بين الألم/ الأسود، والعشم/ الأبيض والألوان المتنوعة، هناك أيضاً لمسة تسجيلية فى مشاهد الشارع منحتها نبض الحياة، ومرة أخرى لابد من الإشادة بدور المونتاج الذى لملم شتات الحكايات، ومنح الفيلم هذا الإيقاع المتمهل الذى يتيح التأمل والرؤية الأعمق، أحمد عبد الله السيد أحد مونتيرى الفيلم هو المخرج الموهوب صاحب الفيلم الرائع "ميكروفون"، ومساهمته فى المونتاج فقط تستحق التحية والتقدير، ولاشك أن السيناريو يستأهل مشاركته أيضاً.

إذا كان جيل بهيجة حافظ وأمينة محمد وفاطمة رشدى قد حفر اسمه كجيل المخرجات الرائدات، وإذا كانت ماجدة الصباحى قد صنعت تجربة إخراجية يتيمة، وإذا كان جيل إيناس الدغيدى قد أعاد المرأة الى الإخراج، فإن جيل ساندرا نشأت وهالة خليل و كاملة أبو ذكرى قد رسخ هذه المكانة، أما جيل نادين خان وماجى مرجان فهو يقدم بحساسية كبيرة رؤيته للواقع بلا صخب أو ضجيج، سينما كبيرة من تفاصيل صغيرة منسوجة مثل خيوط الحرير: فيلم عشم مثلاً يقول لنا إن هناك من فقدوا كل شئ، ولكنهم تمسكوا بالأمل، نظروا الى السماء وطلبوا منها أن تتدخل، فانطلقت البالونات الملونة وسط السحاب، تقول ماجى مرجان لنا، وببلاغة مؤثرة : الفقدان الحقيقى هو فقدان العشم، وليس أى شئ آخر. 

عين على السينما في

23/06/2013

 

«هرج ومرج»..

سينما متعاطفة مع المهمشين والبسطاء

محمود عبدالشكور 

رغم بعض الملاحظات، لكنك تستطيع أن تتحدث عن تجربة جيدة للمخرجة نادية خان فى فيلمها الروائى الطويل الأول«هرج ومرج» ورغــم أن هناك إطاراخياليا يجرد المكان والزمان،ويحاصر الشخصيات فى مكان مغلق لايستطيعون مغادرته، إلا أن تفاصيل الفيلم، وعلاقات شخصياتــه تنتمــى إلى سينــما المهمشين والنماذج العادية، تبدو هذه الشخصيات غير قادرة على تنظيم حياتها، وغير قادرة أيضا عن الإفلات من حالة الفوضى التى تعيش فيها.

كتبت قصة الفيلم «نادية خان»، وكتب السيناريو والحوار محمد ناصر على، وأما السرد فيتابع أسبوعا فى حياة منطقة شبه عشوائية، تظهر لوحات لأيام هذا الأسبوع،وأوقات الأحداث، ولكن ليس قبل أن نتعرف فى مشهد البداية على شخصيات الفيلم الثلاثة المحورية ،الشاب زكى (محمود فراج) الذى نراه يشرف بقسوة على عملية فرز الأطفال لبقايا العبوات المعدنية الفارغة، وغريمه منير (رمزى لينر) الذى لايفعل شيئا سوى الجلوس على مقعد فى الشارع، والجميلة منال التى تطل من بلكونتها، وترسل المقعد إلى منير، تمر فجأة جنازة لانعرف صاحبها، ثم نعود فى سرد إلى الخلف لكى نكتشف ملامح هذه المنطقة المنسية.

تدور المنافسة بين منير وزكى على قلب منال،الشخصيات الثلاث متقلبة ولكن بدرجات متفاوتة، منال حائرة تميل أكثر إلى «زكى» ولكنها لاتمانع فى استقبال محاولات «منير» للتقرب منها، والدها المعلم سيد (صبرى عبد المنعم) هو كبير الحتة،علاقتهما متوترة فى الأغلب بسبب علاقة المعلم بامرأة متزوجة تدعى أم هند، لا تفهم فى الحقيقة سببا لحيرة «منال» بين «زكى» و «منير» رغم أنها فتاة جريئة ومستقلة، وتستطيع أن تحسم اختيارها،ولكن مشكلة الفيلم الأكبر فى الصورة الضعيفة والباهتة التى رسمت بها شخصية المعلم «سيد»، فمن الصعب أن تصدق أنه يفرض سيطرته على الجميع بدون قوة أو مواقف تؤكد ذلك، كل ما شاهدناه مجرد تجاوزه لدوره فى الحصول على حصته من أنبوبة البوتاجاز أو اللحوم، مصدر رزقه غامض وإن كنا نراه يحصل على نصيب خاص من تنظيم مباراة لكرة القدم بين فريقى «منير» و «زكى» بمساعدة شخصية عشوائية أخرى اسمها «توك توك».

سيحاول منير أن يبتز المعلم «سيد» وتهديده بجهاز المحمول الذى سرقه منه،كان المعلم قد التقط صورا فاضحة لعشيقته أم هند، يبدو المعلم خائفا ومرتبكا، وتحاول أم هند الانتحار رغم أن علاقتها مع المعلم بمعرفة زوجها، وبمعرفة ابنة المعلم، ولا ينقص هذه العلاقة إلا أن تذيعها الإذاعة الداخلية التى تبث الأغنيات، وتعلن عن وصول السيارات المحملة بالمؤن والوقود (صوت سيد رجب)، تقام المباراة بين الفريقين وينجح فريق منير فى الفوز، ولكن الجميع يفقدون الكوتش، صديق «زكى» الذى رأيناه يحقن نفسه بمادة غامضة فى بداية الفيلم، نعود إلى مشهد البداية :«زكى» يتابع بصرامة عملية فرز العبوات المعدنية الخالية، «ومنير» سعيد بالمقعد الذى ألقته إليه «منال»، يبدو أنه حسم صراعه مع «زكى» أما الجنازة فهى فى وداع الكوتش الذى فقد حياته بعد انتهاء مباراة الرهان الأخير.

تظل التفاصيل البسيطة حاضرة وقوية رغم مشكلات رسم الشخصيات، يساعد على ذلك الحوار الجيد الذى كتبه «محمد ناصر على» النماذج الإنسانية المقدمة يمكن أن تراها فى أى منطقة عشوائية مصرية، أشخاص لايعملون تقريبا، يعيشون على هامش المدينة وخارج الزمن، حياتهم هرج ومرج، ينتظرون سيارة الطعام والانقاذ، يرتزقون من المراهنة واللعب، لديهم مباهج صغيرة محدودة، المجتمع نفسه مغلق على أصحابه، وكأنهم فى سجن لايدخل إليه أحد ولايخرج منه أحد، بناء السيناريو الدائرى يترجم فكرة الدائرة المحيطة بهؤلاء، هناك أيضا جيل أصغر قادم يمثله أطفال يقودهم «بندق»،شقيق الكوتش الصغير الذى يتعرض للضرب دائما بسبب استخدام بندقيته فى صيد حمام جارتهم الفقيرة، الأطفال يشكلون معا دائرة أصغر داخل الفيلم حيث يتآمرون على سرقة اللحوم التى تستخدم كجائزة فى مباريات الكرة، «بندق» نفسه يقوم «منير» بتحريضه على سرقة جهاز المحمول الذى يمتلكه المعلم «سيد»، نشاهد الأطفال وهم يقومون بإلقاء قنابل المولوتوف لإحراق منزل السيدة التى اصطادوا طيورها، إنهم يحاولون الانتقام من شكواها، كل هذه التفصيلات الواقعية الصغيرة منحت الفيلم مذاق الحياة، وذكرتنا بقوة الأفلام المهمشة التى قدمت فى الثمانيـــات وبداية التسعينات من القرن العشرين، أما حكاية الإذاعة الساخرة التى تعلق على الحوادث أو تبشر بقدوم سيارة الطعام،فإنها أقرب ما تكون إلى كاريكاتير ساخر لم يفقد الفيلم واقعيته، ولم يجعله على مشارف الفانتازيا أو العالم الإفتراضى.

نجحت نادية خان فى قيادة ممثليها الذين قدموا أدوارا مميزة، كان «محمد فراج وآيتن عامر» «ورمزى لينر» فى أدوارهم تماما،وأفضل مشاهد الفيلم فى لقطات المجاميع التى تحاول الحصول على نصيبها من سيارة المدينة القادمة، بدت تلك المشاهد شديدة الحيوية بما يذكرنا باللقطات التسجيلية، مشاهد المباريات أيضا كانت جيدة بمونتاج «دينا فاروق»، من عناصر العمل المميزة كذلك صورة عبد السلام موسى الخالية تقريبا من الألوان الدافئة، وديكور عاصم على، وملابس «مروة عبد السميع»، موسيقى «حسن خان» التى بدت أحيانا كمؤثر صوتى مثير للقلق فى لحظات الصراع الأخيرة، هناك حالة عامة من التعاطف يتركها الفيلم فى قلب مشاهده، يكفى أن رهان الفوز بالمباراة بدأ بجائزة من العصير ثم بجائزة من اللحوم، ثم انتهى بجائزة من اللحم البشرى اسمها «منال».

أكتوبر المصرية في

23/06/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)