حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

خوردوفسكي :

الساحر يعود بـ"رقصة الواقع" 1/2

أمير العمري

 

لم يكن عرض الفيلم الجديد "رقصة الواقع" La Danza de La Realidad للمخرج الشيلي الكبير أليخاندرو خودوروفسكي Alejandro Jodorowsky في مهرجان كان أمرا عابرا يمكن أن يمر مرور الكرام، فالأفلام كثيرة، ومتعاقبة، وهي لا تترك لك فرصة لالتقاط الأنفاس.. بعضها يذهب سريعا طي النسيان، والقليل جدا يبقى في الذاكرة طويلا.

أما فيلم خودوروفسكي الجديد فهو "حدث" سينمائي كبير يحتفي به عشاق السينما الحقيقيون، عشاق سينما الفن الرفيع والرؤية والفكر والفلسفة، سينما الفنان الذي يبدع فيلمه يحاول تجسيد عالمه الخاص، ويضفي عليه من خياله الخصب، دون تكلف أو اصطناع، يطوع السينما لمفهوم الشعر وقدرته على التعبير المجازي، ويتأمل في مسار الحياة، مع روح غنائية خلابة تسري عبر أجزاء الفيلم. وخلال رحلة المشاهدة، يكشف لك الفنان عما يكمن في خياله الخاص، لترى ما لا تراه عادة في غيره من الأفلام.

ولكن لماذا يعد عرض هذا الفيلم "حدثا" وليس مجرد فيلم سينمائي؟

لأننا أمام مخرج سينمائي من ذلك العصر الذي نطلق عليه "عصر السينما"، أي العصر الذي كانت السينما فيه تمتلك القدرة السحرية على التأثير الفني، سينما التعبير الذاتي عن العالم، سينما الشعر، الهواجس العنيفة، سينما فيلليني وبونويل وبرجمان وجودار وريفيت ورينيه وكيروساوا. هذه السينما التي تتلاشى تدريجيا بحيث لم تعد توجد سوى في التاريخ.. وخودوروفسكي من بقايا هذه النخبة التي كانت تبدع الأفلام للتعبير عن رؤيتها للعالم، وليس من أجل الشهرة أو المال أو تحقيق الرواج التجاري.

سينما خودوروفسكي

ينتمي هذا المخرج إلى أسرة يهودية من أوكرانيا هاجرت واستقرت في شيلي، وقد عمل خودوروفسكي في المكسيك وفرنسا، لكنه لم يخرج حتى الآن سوى سبعة أفلام بما فيها فيلمه الجديد. وهو يبلغ من العمر أربعة وثمانين عاما، وكان كثيرون يعتقدون أنه هجر العمل السينمائي نهائيا واكتفى بأفلامه الستة السابقة، التي دخلت تاريخ السينما. لكنه يعود بفيلمه الجديد "رقصة الواقع" La Danza de La Realidad  من الإنتاج الفرنسي- المكسيكي، بعد أن توقف عن الإخراج لمدة 23 سنة، لم يقف خلالها مرة واحدة وراء الكاميرا، بعد فشل مشروع تلو آخر من المشاريع السينمائية التي كان يعتزم إخراجها، وآخرها مشروع فيلم "كنج شوت" King Shot الذي كان يعتزم إخراجه قبل أربع سنوات لكنه توقف بسبب تقاعس المنتجين عن تمويله، متشككين في إمكانية تحقيق أرباح. وقبله كان المشروع الطموح "الجحيم" Dune الذي تراجع المنتج الفرنسي ميشيل سيدوكس عن إنتاجه في أواخر السبعينيات بعد أن فشل في العثور على التمويل الكافي (كان مطلوبا وقتها تدبير 15 مليون دولار) ثم أخرجه فيما بعد ديفيد لينش (1984).

والطريف أن برنامج "نصف شهر المخرجين" الذي عرض الفيلم الجديد لخودوروفسكي "رقصة الواقع"، عرض أيضا فيلما تسجيليا طويلا بعنوان "جحيم خودوروفسكي" يبحث في تعثر ذلك الفيلم الذي كان يحمل طموحا كبيرا لصاحبه، كما يتوقف أمام ما كان قد أنجز من تصميمات وديكورات صممها وأشرف عليها مجموعة من صناع الخيال الذين لمعوا فيما بعد في الكثير من الأفلام الأمريكية الخيالية الكبيرة.

طموح خودوروفسكي من النوع الذي لا يعرف المساومة أو الحلول الوسط، ولذلك وقع دائما في الكثير من المشاكل مع منتجي الأفلام، وهو ما ترك، دون لاشك، غصة في حلقه يعبر عنها في بداية فيلمه الجديد، عندما يتحدث بصوته عن قيمة المال، وعن إفساده للروح، وعن معنى الفن.. عن الحاجة البشرية للمال، ولكن دون أن يسمم حياتنا وأرواحنا.

الفيلم الجديد يمكن اعتباره خلاصة عمل المخرج الكبير الذي ذاعت شهرته في العالم عندما أخرج فيلمه الثاني "الطوبو" El Topo عام 1970 وسرعان ما حقق نجاحا كبيرا وظل يعرض يوميا لمدة ستة أشهر في نيويورك في دار للعرض كانت تعرض الأفلام في منتصف الليل، وكانت القاعة تمتلئ كل ليلة بنحو ألف متفرج، كانت صيحاتهم إعجابا تتصاعد وسط جو احتفالي خاص، وتحول الفيلم إلى إحدى أيقونات السينما الجديدة التي كانت تعلن التمرد على كل اشكال السرد التقليدية القديمة.

لم يكن "الطوبو" فيلما يمكن تصنيفه بسهولة، فهو يجمع بين طابع أفلام "الويسترن"، مع لمسات سريالية واضحة مشبعة بالميثولوجيا الدينية والأساطير القديمة. وقد رحب الجمهور به بجنون، لأن جمهور نيويورك في ذلك الوقت بعد ثورة الشباب في الستينيات، كان مؤهلا لاستقبال عمل بصري خالص يعتدي بقسوة على الـ genre التقليدي لأفلام الغرب الأمريكي.

أخرج خودوروفسكي بعد "الطوبو" فيلم "الجبل السحري" (1973)، الذي عرض في مهرجان "كان" في تلك السنة، ثم أخرج بعد ذلك ثلاثة أفلام هي "توسك" Tusk عام 1980، ثم "الدماء المقدسة" Santa Sangre عام 1989 من الإنتاج الإيطالي، ثم "لص قوس قزح" Rainbow Thief (1990) من تمثيل عمر الشريف وبيتر أوتول وكريستوفر لي، ويقول خودوروفسكي إنه لم يكن حرا وهو يعمل في فيلمه هذا، بل فرض عليه العمل مع النجمين الكبيرين في حين أنه يكره العمل مع النجوم. وكان هذا الفيلم الذي تبرأ منه خودوروفسكي وهجره قبل إتمام المونتاج، سببا في توقفه عن الإخراج لمدة 23 عاما إلى أن عاد اليوم إلى مهرجان كان وإلى السينما، بفيلمه الجديد "رقصة الواقع".

عودة إلى الماضي

في الفيلم الجديد المدهش، يعود خودوروفسكي إلى الماضي، إلى طفولته لكي يروي الفصول الأولى من حياته وهو في العاشرة من العمر، تلك الفترة التي تركت تأثيرها الكبير عليه، ويصور علاقته بوالده القاسي، العنيف، الذي كان معجبا بشخصية ستالين وكان يتقمصها، يريد لابنه الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، أن يكون قويا، صلبا، يقهر الألم، يصمد أمام المخاطر، لا يبكي، ولا يضحك، يتحمل العذاب وهو صامد. وتعكس المشاهد الأولى من الفيلم هذه العلاقة التي ستترك تأثيرها القوي على شخصية خودروفسكي: الأب يصفع ابنه مرة ومرات بأقصى ما يملك من قوة، ويطلب منه ألا يبدي أي إشارة تنم عن الشعور بالألم، ينكسر أحد أسنان الصبي فيصطحبه إلى طبيب الأسنان، وهناك يطلب من الطبيب ألا يستخدم المخدر حتى يعتاد ابنه تحمل الألم.

لكن الفيلم ليس مجرد سرد واقعي صارم للسيرة الذاتية لخودوروفسكي، بل عمل سينمائي خلاب ينتمي للواقعية السحرية التي تميز الأدب والفن في أمريكا اللاتينية، أدب ماركيز، وسينما راوول رويز، تختلط فيه التداعيات السيريالية من الذاكرة، بأجواء السيرك التي تشيع في معظم أفلام المخرج الكبير، وتتقاطع مناظر ومواقف ولحظات من التاريخ، تاريخ شيلي موطن المخرج، مع عرض لما يطلق عليه خوردوروفسكي "السيكوماجيك" psychomagic أو العلاج النفسي لعقد ومشاكل نفسية ترتبط بالصلات العائلية أو تكون وراثية.. مع نوع من التخاطر العقلي بين الإبن والأم، كما نرى في هذا الفيلم. إنه نوع من التحكم والسيطرة على النفس ينبع عن طريق الإيحاء، وقد يجد فيه البعض سحرا غير أن خودوروفسكي يؤكد أنه ليس بسحر!

وكما في "الجبل المقدس" و"الطوبو" يبرز الحس الديني بقوة في هذا الفيلم، وهو يتلخص في الإيمان بوجود الله، مع رفض ممارسات القساوسة ورجال الدين والسخرية من عجزهم عن تقديم حل لمأساة الإنسان وضعفه وحيرته، كما يكشف فساد السياسيين، وبراءة البسطاء، وعجز اليسار عن تقديم يد المساعدة للفقراء وإدانة ذاتيتهم وعجزهم عن الفعل.

نحن نرى أيضا كيف يصبح الخيال بديلا عن الواقع، فالحقيقة أن "رقصة الواقع" يمتلئ بالخيال: مقابل جنازة الفيل في فيلم "الدماء المقدسة" (1989) نرى هنا جنازة رجل الإطفاء الذي تتراءى جثته المتفحمة لبطلنا الصغير بل ويرى رأس الرجل المتفحمة وقد تحركت واتجهت إليه، مما يجعل الطفل يهرع إلى والده في فزع، يقول له إنه يشعر أنه قد مات!

ينقسم الفيلم إلى قسمين: في القسم الأول تتركز الأحداث حول شخصية الطفل أليخاندرو في علاقته بأبيه خاييم، في بلدة خودوروفسكي الأصلية "توكوبيلا" بشمال شيلي، وهي البلدة التي عاد إليها للمرة الأولى منذ أن غادرها قبل 74 عاما، حيث أعاد بناء المنزل الذي كانت تقيم فيه أسرته، وأعاد تصميم واجهات الشارع الذي يوجد فيه دكان والده والذي أطلق عليه "كازا أوكرانيا" أي بيت أوكرانيا.

أما القسم الثاني من الفيلم فيتركز حول رحلة الأب (خاييم) إلى سانتياجو وبحثه عن التحقق أولا عن طريق ممارسة العنف وهو ما يفشل فيه، ثم البحث عن اليقين، والتعرض خلال ذلك للتعذيب الوحشي والمرور بتجربة التجرد والقرب من الله، ثم العودة إلى الموطن بعد أن تتغير ملامحه، من صورة الرجل الصلب الذي يفتقد للضعف الإنساني (على شاكلة ستالين) إلى صورة الرجل الضعيف الذي يحمل خطاياه (أقرب هنا بشعره الطويل المنسدل على كتفيه وضعفه وهزاله إلى صورة المسيح).

الرموز الدينية التي سبق أن استخدمها خودوروفسكي في أفلامه السابقة، تتراءى لنا هنا في أشكال جديدة، ففي مشهد بديع نرى يلتقي أليخاندرو الصغير بشحاذ على شاطئ البحر، يقوم بحركات راقصة وقد وشم جسده كله، يعطيه الرجل ثلاث علامات ذهبية ترمز للأديان الثلاثة: الهلال والصليب ونجمة داوود، ويقول له: إنك إذا قمت بوضعها معا وإذابتها، فسوف تحصل على سائل يتركز في نقطة واحدة تلخص النفس الإنسانية. يعود أليخاندرو إلى والده سعيدا فرحا يطلعه على السر الذي اكتشفه، فينتزع الأب الرموز الثلاثة ويلقي بها في المرحاض، ويردد بخشونة: "ليس هنالك إله.. ليس هنالك إله.. الله غير موجود.. لا شيء هناك بعد الموت".

صدمة الإنكار تبقى في ذاكرة الفتى. ولكن تبقى يقينية خودوروفسكي في أن أصل الأديان الثلاثة واحد، وأن الإيمان بها جميعا واجب.. وهو يعبر في فيلمه "الجبل المقدس" (1973) عن هذا اليقين عندما نرى رسوما للرموز الثلاثة مرسومة على أجساد الراهبات بالعبرية والعربية تحمل كلمات مثل الله، محمد.. وغير ذلك.

على النقيض من الأب، تأتي شخصية الأم (ساره)، وهي إمرأة قوية، فارعة، ممتلئة القوام، تكشف ملابسها عن جسد مغر، تؤدي دورها كله في الفيلم من خلال الغناء الأوبرالي. فهي تنتمي للمنطقة الواقعة بين الواقع والخيال، بين العقل والفن المنطلق الذي لا يعرف حدودا، بين المادي الذي يتمثل في استعراض الجسد المثير، وبين الروحاني والديني الذي يعبر عنه من خلال إيمانها العميق الذي يوحي بأنه سبب من أسباب قدرتها على التخاطر العقلي مع ابنها بل يجعلها أيضا تأتي بمعجزة الشفاء.

وعلى حين يمكن اعتبار الشحاذ رسولا للسلام، يمكن النظر إلى ساره- لاحظ دلالة الاسم- على أنها من روح الله، وخاييم (الأب) هو الإبن الضال الذي سيرحل لكي يكفر عن ذنوبه من خلال ما سيتعرض له من عذاب قبل أن يعود تائبا نادما مستغفرا.

ومن خبرته الطويلة في مسرح السيكودراما في باريس خلال الستينيات، يمزج خودوروفسكي في فيلمه، بين الأسطوري (الميثولوجيا) والديني والنفسي (السيكولوجي) وينتقل بين هذه الأركان الثلاثة في سلاسة وبراعة، فهو يستخدم أسلوب التداعيات الشعرية، التي قد تبدو كما لو لم يكن هناك رابط فيما بينها، لكن العلاقة غير المباشرة، بين هذه الجوانب تأتي من خلال لغة الشعر، الصورة العابرة، التي قد تقطع الحدث، أو تتداعى في ذهن البطل الصغير، أو تأتي من الماضي، أو تتجسد له في شكل حلم أو هاجس عابر أو متخيل.. ومن هذه المفردات الشعرية يتآلف البناء السينمائي، دون أن يفقد البوصلة الموجهة، أي الشخصية المحورية التي تتداعى لنا الأحداث من خيالها في القسم الأول، أو شخصية الأب التي تدور حولها الأحداث في القسم الثاني. إن ثنائية الأب- الإبن، تقابلها هنا ثنائية أخرى مركبة بين الإبنة (ساره) و"الأب" الغائب.. أي أبوها من خلال ما يشبه "عقدة إليكترا" في الفرويدية.

عندما يرغم الأب خاييم ابنه أليخاندرو على قص شعره والتخلص من ذلك الشعر الأشقر الطويل المنساب البديع الذي يجعله يشبه الملائكة، تبكي الأم وتصرخ في لوعة، لقد كانت هي التي لصقت تلك الباروكة الشقراء فوق شعر ولدها الأصلي المجعد، فقد أرادته أن يكون صورة من أبيها الذي ضحى بنفسه من أجلها وهي صغيرة، لقد إغتالته أيادي الغدر العنصرية. يعود أليخاندرو إلى أمه ساره بعد أن فقد باروكته الشقراء يبكي ويشكو، لكنها تنهار وتصرخ في لوعة تبعده عنها، ترفض أن يقترب منها صارخة: لقد قتلتم أبي.. لقد أردتك أن تكون تعويضا لي عنه.. لقد كنت أبي.. لكن اليوم فقط مات أبي!

إن "ساره"، على العكس من خاييم، رقيقة، عذبة، حنونة، تؤمن بالتواصل مع الله من خلال تلك الشفافية الروحية التي تتمتع بها، وتلجأ لما يسميه خودوروفسكي "السيكوماجيك" أي الإيحاء النفسي السحري. إنها تملك القدرة على أن تجعل الآخرين لا يرون إلا ما تريدهم أن يروه. يلقى الإبن معاملة سيئة داخل حانة البلدة التي تمتليء بمجموعة من الرجال من شذاذ الآفاق، تصطحبه إلى هناك، وتقول له إنك إذا أردت أن تصبح غير مرئي فيمكنك ذلك.. وتدخل الفكرة إلى رأسه وتقوم بالتركيز والإيحاء ثم تخلع ملابسها وتدخل إلى الحانة تسير عارية بين الرجال دون أن يلحظها أحد، يراقبها أليخاندرو مبهورا.

الجزيرة الوثائقية في

13/06/2013

"لقاءات بجاية" للسينمائيين الشباب المحترفين

أحمد بوغابة / الجزائر 

تقع مدينة بجاية الجزائرية على سلسلة من الجبال ومحاطة بها أيضا فتطل على شاطئ بحر المتوسط من أعلاها بزهو واعتزاز كسكانها. وحين تدخلها، تعلن لك أنها تحتفل بالسينما من خلال ملصقات موزعة في مختلف الشوارع والأزقة وعلى واجهات الأسوار وأمام كل المباني الرسمية ومن يتجمع فيها وحولها المواطنين. كما أن تضاريسها تلك هي في ذاتها تتشكل في تنوع الصور والمشاهد. تحتفل المدينة بتظاهراتها السينمائية السنوية بكل مظاهر الجمال التي تفضل أن تكون تظاهرة سينمائية محضة يلتقي فيها أهل فنون السينما من داخل الجزائر وخارجها طبعا. سَمَّتْ لحظتها هاته ب"اللقاءات السينمائية" وتغيب منها المسابقة وكل أشكال التنافس الذي قد يشوش على جمال السينما بحكم أن الجمعية تركز على الثقافة السينمائية أساسا. يعتمد برنامجها على عرض الأفلام ومناقشتها مباشرة مع الجمهور ثم تخصيص بعض الأفلام الاستثنائية بكتاباتها السينمائية وبحثها الفني أن تكون محورا لنقاشات صباحية ضمن فقرة "مقهى السينما". فضلا عن ورشات، واحدة في كتابة السيناريو والثانية في التحليل السينمائي يشرف عليهما بعض المتخصصين في مجالها.

وما يمز هذه التظاهرة هو أنه يمكن للجمهور والضيوف والمهتمين والمؤطرين والصحفيين والنقاد بأن تمتد لقاءاتهم مع بعضهم في نفس الأمكنة طيلة اليوم، من الصباح إلى ساعة متأخرة من الليل، لقاءات مباشرة، لقاءات حول الأفلام وكذا حول طاولات الأكل في الغذاء كما في العشاء حيث يستمر النقاش حول السينما ومن أجلها خاصة وأن الضيوف ينتمون إلى جنسيات مختلفة وبالتالي لحساسيات ثقافية وفنية متنوعة في عمقها وأسلوبها. ولا يستثني منها الجمعيات والنوادي التي توجد بالمدينة نفسها أو ضواحيها أو القريبة منها والتي تحمل هي أيضا هم الثقافة السينمائية.

يوفر اللقاءات السينمائية لمدينة بجاية علاقات سينمائية مستقلة وحرة وغنية لا تفلح كثير من التظاهرات توفيرها رغم الإمكانيات الضخمة التي يتم رصدها لها. وقد تحدثت عن خصوصيات لقاءات بجاية من قبل في نصوص سابقة وهذا مجرد تأكيد جديد وتحصيل حاصل لأنه في تطور مستمر ونحو الأعلى. ومُخْطئ من يعتقد برؤيته من بعيد أن تظاهرة بجاية "صغيرة" لكون منظميها "صغار السن" بل أنا الذي حضرت بعضا من دوراتها أجد نفسي محاطا بشباب مهني ومسؤول ومُنظم حيث تحتل الفتيات فيه مكانة ثقافية محترمة.

جمهور بجاية ... استثنائي

أحسست بسعادة مُفرحة وأنا أتابع العروض بالخزانة السينمائية لمدينة بجاية خلال هذه اللقاءات لأسباب عدة، أذكر منها الأفلام التي تم اختيارها من لدن لجنة الانتقاء وهي أفلام جيدة حقا، ومن جهة أخرى الجمهور نفسه بمستواه الحضاري الرفيع والثقافي المتميز والذي يدل على أنه جمهور له أخلاقا حميدة في المشاهدة. لا يمكنني أن أترك هذه المناسبة تمر دون أن أقدم تحية خاصة وجليلة لهذا الجمهور قل نظيره في العالم العربي فأعتبره استثناء وأدهشني فعلا.

جمهور يحترم الفرجة الجماعية في القاعة السينمائية حيث لا تسمعه يعلق أثناء المشاهدة بل يترك ذلك للحوار المفتوح بعد نهاية الفيلم. لا تسمعه يتحدث في الهاتف خلال العرض. لا يدخل ويخرج من القاعة كل ثانية ودقيقة. لا يأكل بها السندويشات والحلويات أو يشرب المشروبات الغازية. لا يمارس تلك الظواهر المتخلفة التي نجدها في كثير من القاعات السينمائية بعالمنا العربي التي تحولت إلى مطاعم ومقاهي وأمكنة للهو، للأسف. يسود الصمت المطلق في القاعة عند جمهور بجاية. وتبقى قمة تحضر هذا الجمهور الرائع وتميزه في كونه يبقى أيضا جالسا في مكانه إلى نهاية الفيلم بل إلى نهاية الجنريك كله، إلى أن تشتعل الأضواء، وهذا استثناء عند جمهور مدينة بجاية إذ حتى في بعض البلدان المتقدمة ينهض الجمهور فيها ويبدأ في مغادرة كراسيه عند الجنريك في الظلام. او تجد بعض القاعات السينمائية هي بدورها تشعل الأضواء أثناء الحنريك علما أنه يشكل جزء من الفيلم وأحيانا بعض الأفلام تكون لديها مشاهد إضافية بعده.

هذا الجمهور الجميل هو نتاج العمل المكثف، طيلة السنة، للجمعية المنظمة للقاءات في إطار أنشطتها وعروضها على امتداد السنة ولا تكون اللقاءات إلا قمتها في العطاء. وفي هذا الإطار نفسه، فاللقاءات ليست في حاجة لتوظيف رجال شركة خاصة للأمن وفتيات الاستقبال والمساعدين والسائقين إلى آخره وإنما كل شيء مصدره شابات وشباب الجمهور المحلي للمدينة بالعمل التطوعي المجاني بإيمان مدني لإنجاح التظاهرة.

فلا نستغرب إذا علمنا أن الإسم الحقيقي والدال للمدينة هو "شمعة"، فهي شمعة مضيئة في الثقافة السينمائية بالجزائر

الملصق ... دلالة النضال والعزيمة

لا يمكن في إطار متابعتنا لهذه اللقاءات، بالروح والجسد والفكر، أن نغفل أهمية ملصق التظاهرة خاصة وأنني أعلم أن كثير من شباب الجمعية هم عباقرة في التشكيل الحديث عبر برامج وأنظمة الكومبيوتر مع روح إبداعية في العمق. إجتهاد يستحق الوقوف عنده لما يحمل من رسائل دلالية تتوجه لمن بريد قراءتها أو التمعن فيها لفهم أصوات الآتية من الجمعية وصمودها باستقلاليتها الفكرية والسينمائية والهيكلية. لا تتلقى اللقاءات دعما من جهات رسمية كولاية بجاية على سبيل المثال لا الحصر تبقى البلدية المصدر الوحيد لها.

ينقسم الملصق إلى ثلاث مستويات أفقية كمراحل تعبيرية للمرور نحو النجاح وما ذكرته سابقا/أعلاه حول محتويات الجمعية واللقاءات. يحمل الملصق الأمل وإصراره على النجاح بتغلبه على كل العراقيل.

نجد في أسفل الملصق - كمستوى أول في الدرجة - سكة قطار واحدة تخترق المجال والأفق وهي في حالة واحدة "الذهاب" وبالتالي فهذه السكة ليست مزدوجة إذ لا تتوفر على "الذهاب" و"الإياب". وبالتالي فهناك تشبث بالاستمرارية في نفس الخط، نحو الأمام. وفي هذا المستوى الأول مكتوب تاريخ التظاهرة ومدتها كتأكيد على التاريخ الرمزي كمرجعية في الاستمرارية.

وفي وسط الملصق – كمستوى ثاني – مجموعة السحب والغيوم التي تعرقل السير وتحد من رؤية السكة في أفقها، دلالة على اعتراض اللقاءات لمشاكل. لكن هذه الغيوم هي في ذات الوقت منبع ومصدر الخير بحملها، بالبنط العريض، سن الدورة 11 للقاءات السينمائية لبجاية وفقراتها المقررة.
ونصعد إلى المستوى الثالث – الأعلى – الذي تظهر فيه السماء زرقاء صافية ومكتوب عليها أيضا بالبنط العريض كلمة "البرنامج" وهي دلالة قوية بالتأكيد على تحقيق "برنامج" الجمعية وشعارها ذي العين الثاقبة والمُصِرَّة على المواجهة لتحقيق مشروعها كما جاء في إسمها.

منتدى اللقاءات حول الإنتاج

كما هو الشأن بالنسبة للأفلام المختارة للمشاركة في لقاءات بجاية وهي كلها للمخرجين الشباب السينمائيين المحترفين فقد تم تنظيم منتدى حول الإنتاج قدمه ونشطه مدير المهرجان نفسه عبد النور حوشيش حيث تم استدعاء إليه مجموعة كبيرة ومهمة من المنتجين السينمائيين، هم شباب أيضا، يقفون كلهم على رأس شركات إنتاج حديثة جدا لا يتجاوز عمر أقدمها ثلاث سنوات باستثناء شركة واحدة للمنتج/المخرج مؤنس الخمار التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى عشر سنوات رغم صغر سنه، وكانت هناك شركات أخرى للمخرجين الشباب التي لم تعش طويلا بحكم مشاكل الإنتاج في الجزائر حسب ما أدلوا به خلال المنتدى. ومنهم أيضا من هم مخرجون أو موزع كشأن الهاشمي زرطال.

عرض كل واحد من المشاركين الذين وصل عددهم إلى 9 مشارك نبذة عن شركته وبعض إنتاجاته والمشاكل التي يتخبطون فيها سواء القانونية غير الواضحة في نظرهم في المجال السينمائي لكونها ينطبق عليها قوانين التجارة العادية ولم يتم أخذ بعين الاعتبار خصوصية السينما كإبداع أو أيضا بسبب البيروقراطية أو بسبب غياب سوق سينمائي مثمر الذي اضمحل نتيجة سنوات العشرية السوداء (سنوات الإرهاب) كما يسمونها هنا في الجزائر فلم يعد وجودا لجمهور سينمائي وبالتالي لإغلاق القاعات وكل مظاهر الفرجة فيها.

مس النقاش في هذا المنتدى الشأن السينمائي برمته بدءا بالإنتاج وصولا إلى القاعات ومرورا طبعا بالتوزيع باعتبارها عناصر مرتبطة ببعضها في سيرورة الحياة السينمائية. فهؤلاء الشباب السينمائيين سواء كمنتجين أو مخرجين أو موزعين قد أسسوا حياتهم الاحترافية في السنين الأخيرة التي شهدت قطيعة بين ماض غني سينمائيا كانت تتحكم في الدولة بشكل مطلق ضمن السياسة الاشتراكية حيث كانت الدولة نفسها توزع 250 فيلم في السنة ويصل عدد حينها إلى أزبد من مائة مليون مشاهد يقول المنتج والموزع الهاشمي زرطال وواقع جديد ليبرالي لكنه مازال يعتمد على الدعم المادي للدولة بعد سنوات من الفراغ الكلي للقوانين والإنتاج.

انطلق النقاش في بدايته من سؤال طرحه مسير المنتدى ومدير المهرجان عبد النور حوشيش: "لماذا يتم إنشاء شركات الإنتاج في بلد ليس به سينما ولا صناعة سينمائية؟" ليتشعب طبعا إلى ما سبق الإشارة إليه وإلى التعريف بمهنة المنتج والمنتج المنتدب والمنتج المنفذ وحقوق المؤلف ومن سيملك حقوق الأفلام حين يتم حل شركات مثلا وهذا قد حصل فعلا. وهناك من حمل المسؤولية المطلقة لوزارة الثقافة باعتبارها المسؤولة المباشرة قانونيا وإداريا وأدبيا ومعنويا على فنون السينما بالجزائر بينما دافع عليها آخرون واعتبروا أن الأخطاء يتحمل فيها المسؤولية الجسم السينمائي نفسه.

لقد كان هذا المنتدى، الذي كان مقتصرا على الجزائريين والوضع السينمائي في الجزائر، بمثابة فضاء لتبادل الحوار والنقاش أكثر منه البحث عن الحلول أو خلق أرضية عمل مشتركة للمستقبل أو إعلان هيئة جماعية للاستمرار في ذلك النقاش الذي كان جيدا ومهما في أفق تشكيل خريطة للعمل فبقيت الأسئلة معلقة بدون جواب ونظرة المنتجين السينمائيين الشباب طموحة في انتظار تأسيسها ثم ترجمتها على أرض الواقع حتى لا تبقى مجرد آراء فردية موزعة ومنتشرة بينهم دون إطار فكري وتنظيمي يَلُمُّها لخدمة السينما الجزائرية بجيل جديد في جزائر جديدة.

السينما المغربية في الافتتاح

تعتمد اللقاءات السينمائية لبجاية على أفلام السينمائيين الشباب المحترفين سواء المكرسين منهم عالميا أو الذين يخطون خطواتهم الأولى بأعمال متميزة وعادة ما تكون بجاية منطلقهم نحو مهرجانات أخرى. تبني هذه التظاهرة برنامجها السنوي على سينما المؤلف وهذا ما يجعل التظاهرة تحتل مرتبة محترمة عند كثير من المخرجين خارج الجزائر.

يتم برمجة أفلام تخلق النقاش الفني والفكري على حد سواء لذا يعمل المنظمون على أن تكون تلك الأفلام مرفوقة بأصحابها المخرجين حتى يتحقق الهدف خاصة وأنه لا يعتمد المسابقة والمنافسة

وفي هذا الإطار تم اختيار فيلم "بيع الموت" للمخرج المغربي فوزي بن السعيدي لافتتاح الدورة 11 للقاءات وهي أول مرة يُعرض فيها فيلم لهذا المخرج في الجزائر حسب ما قال لي مدير المهرجان عبد النور حوشيش. لكن للأسف لم يتمكن من الحضور فترك الجمهور يحمل أسئلة كثيرة وعديدة وجدت بعضها صداها في الصحف المحلية مع قراءات مهمة. وافتتاح اللقاءات السينمائية لمدينة بجاية بفيلم مغربي هو إلتفاتة للسينما المغربية التي تحتل الصدارة حاليا في العالم العربي بتنوع إنتاجاتها ووجودها في كل التظاهرات فتم اختيار المغرب ليكون مفتاح السينما في بجاية يقول مدير المهرجان.

وكان فوزي بن السعيدي حاضر أيضا في اليوم الموالي كممثل رئيسي في فيلم "وداعا المغرب" للمخرج الجزائري المقيم بفرنسا والذي لم يتمكن من الحضور هو كذلك. والمعروف أن فيلم "وداعا المغرب" قد تم تصويره بالكامل في مدينة طنجة وفيلم "بيع الموت" تم تصويره بمدينة تطوان، وكلا المدينتين توجدان في شمال المغرب وتبتعدان عن بعضهما فقط ب 55 كلم. كما حضرت المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش (جنوب المغرب) من خلال فيلم قصير "أرخبيل" للمخرج جمال كركار وهو شاب جزائري يدرس الإخراج السينمائي بتلك المدرسة. وتم عرض فيلم قصير للمخرجة المغربية الشابة محاسين الحشادي بعنوان "بطاقات سياحية". حضر جمال كركار للنقاش وغابت محاسن الحشادي. وقد تم تنظيم حفل الافتتاح بالخزانة السينمائية وليس بمسرح المدينة كما كان ذلك قبل سنتين.

ويحضر فعاليات هذه الدورة من المغرب أيضا مدير مهرجان سَبو للفيلم القصير بمدينة القنيطرة (وسط المغرب على بحر المحيط الأطلسي) وهو أيضا رئيس النادي السينمائي المنظم للمهرجان ورئيس سابق للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب. وتجمعه بلقاءات بجاية شراكة ثقافية وسينمائية للتعاون بينهما في هذا الحقل الإبداعي.  

الجزيرة الوثائقية في

13/06/2013

معرض وفيلم عن المخرج وعروض لأفلامه

«أيام مارون بغدادي السينمائية».. الشاشة كحياة وشغف

نديم جرجورة 

اتّسم الافتتاح بشيء من الحميمية، وبرغبة شبابية متواضعة في التواصل مع سينمائي لبناني قتلته عتمة بلد، مطلع مرحلة قيل إنها ستمنح البلد وناسه سلاماَ حقيقياً، بعد أعوام مريرة من حروب أهلية صغيرة ومتنقّلة هنا وهناك. جاء أصدقاء ومعارف ومقرّبون وأقارب، وأناسٌ عرفوا السينمائي عبر أفلام له، وآخرون أرادوا التعرّف إليه. مساء الاثنين الفائت، افتتح «نادي لكل الناس» أسبوعاً سينمائياً خاصّاً باللبناني الراحل مارون بغدادي (مواليد بيروت، 21 كانون الثاني 1950)، قبل أشهر قليلة على ذكرى مرور عشرين عاماً على رحيله (ليل 9 ـ 10 كانون الأول 1993). مساء الاثنين الفائت، بدأ النشاط السينمائي الجديد للنادي، بعنوان: «أيام مارون بغدادي السينمائية»، التي تستمر لغاية مساء بعد غدٍ السبت في «مسرح المدينة». بدأ النشاط السينمائي هذا، الذي يدعو إلى مُشاهدة/ إعادة مُشاهدة نتاجات مخرج بدا أنه قادرٌ على الخروج على مسار جيل انتمى إليه، وعلى السعي الحثيث إلى إعلاء شأن السينما على حساب كل شيء آخر

لا تكتفي «أيام مارون بغدادي السينمائية» بعروض سينمائية تكاد تشمل الأفلام كلّها التي حقّقها الراحل في سبعة عشر عاماً فقط (1975 ـ 1992)، إذ أفرد «نادي لكل الناس» مساحة لندوات تحاول استعادة جوانب متفرّقة من السينمائي والإنسان. في «قاعة نهى راضي»، أُقيم معرض متواضع جداً ضمّ صُوراً لمارون بغدادي، ولقطات من بعض أفلامه، وملصقات شكّلت امتداداً ما لروح الأعمال السينمائية ومضامينها وهواجسها. ليس المعرض كبيراً، بل محاولة خجولة جداً لتقديم جانب من صناعة الفيلم السينمائي يكاد كثيرون لا ينتبهون إليه: الصورة الفوتوغرافية، والملصق السينمائي. لكن ندرة الصُور الفوتوغرافية، خصوصاً تلك المتعلّقة بأفلامه الوثائقية المُنتجة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، حالت دون توسيع رقعة المعرض، وتقديم تسلسل زمني وإبداعي لمسار انتهى فجأة بكارثة السقوط المدوّي في منور مبنى منزل العائلة، بل في منور بلد ليس مُقدّراً له الخروج من نفقه وعتمته

العلاقة القائمة بين مارون بغدادي والسينما هي نفسها العلاقة القائمة بينه وبين الحياة. علاقة حبّ قوي. علاقة عشق لا يوصف. كلّما تسنّت لي مُشاهدة أحد أفلامه، أشعر كم أن مارون بغدادي أتقن فنّ العشق الصافي والصادق والعنيف إزاء السينما، وأتقن فنّ ترجمة هذا العشق بصُور سينمائية، وإن كان العمل تلفزيونياً. أشعر كم أنه كان عاجزاً عن كبح جماح عشقه هذا للكاميرا والصورة، لبيروت أيضاً، كما لشخصيات كان يلتقيها في ميادين الحياة اللبنانية، أو كان يبتكرها من عمق الواقع. مساء الاثنين الفائت، حاول مروان خنيصر أن يكشف بعض ملامح هذا العشق في فيلمه القصير «مخرج عند حدود الواقع»، الذي أراده اختزالاً مكثّفاً لسيرة رجل يصعب اختزالها وإن كانت أعوامها قليلة (43 عاماً)، ولسيرة حقبة شهدت تبدّلات خطرة في السياسة والجغرافيا والثقافة والإبداع والحياة، ولمسار بلد عانى الأمرّين، ولسينما أرادها وطناً بحجم كاميرا تأخذه إلى أقصى الأشياء، وإلى أعماق الحكايات. فيلم قصير قدّم ملامح من شخصية سينمائي، ومن علاقته بحياته واشتغالاته، ومن سينماه المفتوحة على كل مثير ومؤثّر، وإن ظلّ الفيلم متواضعاً، شكلاً ومضموناً

أما «كواليس بيروت يا بيروت» لهالة أبو زكي، فعبارة عن حوارات مع الممثلين جوزف بو نصّار وميراي معلوف والراحل أسامة العارف عن الفيلم الروائي الطويل الأول لبغدادي، الذي عُرض مباشرة بعد الـ«كواليس»، وهي سلسلة أشرف عليها هادي زكّاك، تناولت أفلام «كلنا للوطن» و«أجمل الأمهات» و«همسات» و«حروب صغيرة» و«لبنان بلد العسل والبخور». حوارات تقول شيئاً من الذاكرة، وخبريات تروي جوانب خفية من شخصية المخرج.

كلاكيت

الرحيل والعودة

نديم جرجورة

ترتبط الحياة القصيرة (43 عاماً) لمارون بغدادي بسيرة بلد. هذا أمر كرّره عارفوه وأصدقاؤه. غادر بيروت منتصف ثمانينيات حروبها الصغيرة والمديدة. لكن البلد ظلّ مقيماً فيه. حقّق أفلاماً فرنسية وإنكليزية. لكن ملامح البلد حاضرةٌ فيها. لعلّه اختزل البلد في شخصه. لعلّه أراده على صورته ومثاله. لكن البلد تفلّت منه، قبل أن يُسبّب موته المفاجئ. لعلّه رأى فيه انعكاساً لذاته الضاجّة بالحياة والشغف. لكن البلد ضاجٌّ بالفوضى والعفن والبؤس والخراب. لعلّه ظنّ أن السينما أقدر الأساليب على دفع البلد إلى التصالح معه. لكن البلد دفع السينما إليه كي يتصالح مع نفسه، قبل أن يلتهم البلد السينما وناسها، كما التهم أبناءه وذاته. لعلّه آمن بأن بدء مسيرة جديدة في الاشتغال السينمائي تنطلق من "زوايا" البلد، وتفاصيل الذاكرة، والرغبة في نفض كل غبار عالق بها. لكن البلد كسر الزوايا كلّها، وحطّم الذاكرة وتفاصيلها، واغتال كل رغبة في الذهاب الأجمل إليه

تصعب الكتابة عن مارون بغدادي وأفلامه من دون الالتفات إلى براعة البلد في تصفية حساباته مع محبّيه. وُصف سقوطه في المنور المعتم داخل مبنى المنزل العائلي بأنه إشارة إلى سقوط كل مُصالحة ممكنة مع هذا البلد. بأنه إشارة إلى خراب اللحظة، وارتهانها الدائم إلى عتمة الحياة، أو إلى "خارجها". بأنه إشارة إلى انتحار بلد على حافة الانسلاخ الأقسى عن ذاته. سقوط مخيف هو ذاك الذي صنع نهاية مأسوية لحياة مليئة بغليان الإبداع: إبداع العيش. إبداع الحبّ. إبداع السينما. إبداع القدرة على نقد ذاتي. إبداع العشق. إبداع التواصل. إبداع القوّة على حماية البلد في ذات السينمائي، وإن تمرّد البلد على السينمائي وذاته

كانت الحرب الأهلية اللبنانية مستعرة. الطرقات مغلقة. العزلات قاتلة. أناس قليلو العدد تمكّنوا من اختراق الممنوع، المتمثّل بنبذ الآخر وإلغاء حقّه في الوجود. كانت الحرب الأهلية اللبنانية حاضرة. لكن مارون بغدادي، الذي رسم الملامح الأخيرة لبيروت قبل انتحارها في أول فيلم له (بيروت يا بيروت، 1975)، أدرك أن الانهيارات مقبلة، وأن الأحلام مقتولة، وأن الأوهام أقوى من كل شيء آخر. أدرك أن السينما ملاذ وخلاص. أنها الخزّان الوحيد القادر على معاينة اللحظة، وتأريخها وأرشفتها. أنها الانعكاس المباشر لمعنى أن يكون المرء سينمائياً، ولمعنى أن تكون السينما حياة. هذا قاله أصدقاء له. هذا وصفٌ دقيقٌ له. لكن المأزق الأكبر أن مارون بغدادي غادر بيروت في لحظة انهيار جديد لها، وأنه عاد إليها في لحظة بداية مرحلة جديدة من موتها. المأزق الأكبر أن شيئاً ما في أفق النهايات يصنع حكاية أناس سعوا إلى الحكايات، فكسرتهم النهايات الملتبسة، أو البدايات المعلّقة

كسرتهم؟ قد يكون التعبير خاطئاً. لكن مارون بغدادي أتقن كيف يصنع من حياته نموذجاً لمعنى الرؤية الصافية، والحب العميق، والسينما الجميلة.

السفير اللبنانية في

13/06/2013

 

مارون بغدادي الرجل المستعجل في عينَي ثريّا:

كان يبحث عن الحرية المجسّدة لا الحرية الحالمة

هوفيك حبشيان 

توجَّه حالياً في "مسرح المدينة" (الحمرا) تحية الى المخرج اللبناني مارون بغدادي (1950 ــ 1993)، تمهيداً لاصدار 11 من أفلامه في حزمة يتولى نشرها "نادٍ لكل الناس"، وذلك في ذكرى مرور عقدين على رحيله. في هذه المناسبة، وبدلاً من العودة الى الحديث عن أفلامه التي تقاوم النسيان والاندثار والتلف، اعطت "النهار" ثريا بغدادي، زوجته في الحياة والوجه الذي أضاء فيلمه "حروب صغيرة" (1981)، نافذة على الذكريات القريبة البعيدة، استعادت من خلالها مارون، الرجل المستعجل من أمره الذي كان أحبّ ان يكون راهباً في صباه، والحائر دائماً بين عشقه للسينما وحبه للحياة. في الآتي، رحلة نوستالجية الى أقاصي الذاكرة اللبنانية وعمق الواقع اللبناني الذي يعيد انتاج الأمل والخيبة بموهبة يشهد لها

"التقينا عام 1980. كان جاء ليصوّر فرقة "كركلا". كنتُ أرقص في الفرقة. كان يعمل على "همسات" مع ناديا تويني وكان يحضر لفيلم عن الحياة الثقافية السائدة في لبنان على الرغم من الحرب. اتذكر كيف دخل الى المكان الذي كنا نتمرن فيه في "ستاد دو شايلا"، ومعه مساعده مصطفى قاسم، وراح يوزع الأوامر. للوهلة الاولى، أزعجني: أخذ ينشر البروجكتورات في المكان ويجبرنا على ان نعيد الرقص مرات ومرات. لفتني حذاؤه وقلتُ في نفسي: ما هذا الحذاء "المفلسف؟". ذهبت الأيام، الى ان اتصلت بي صديقة اسمها اعتدال حيدر لتعلمني ان مارون يقوم بعملية كاستينع بحثاً عن ممثلة لفيلمه الجديد. آنذاك، لم أكن مؤمنة بالسينما اللبنانية، كنت أجدها متخلفة، كان عندي تصور مسبق تجاهها. كنت اشاهد الأفلام لكن ليس الأفلام اللبنانية، كوني تربيتُ في صور، وكان هذا الشيء الوحيد الذي يمكن ان نفعله في مدينتنا. كانت لنا في صور ثلاث صالات خلال الستينات، كنا نشاهد كل ما يُعرض فيها، من "ذهب مع الريح" الى "طفل روزماري". شاهدنا هذه الأفلام كـ"أخبار من العالم"، وهنا استعمل عبارة لمارون. في صور، كان هذا سبيلنا لمعرفة ماذا يجري في العالم

اذاً، التقيته في "هورس شو" وكلّمني عن فيلمه. بقدر ما بدا مزعجاً عندما جاء الى مقر "كركلا"، وجدته ظريفاً هذه المرة. كان يريد أحداً ليسعفه. كان يجعلك تشعر بأنك منقذه. وهذا نوع من تكتيك، اذ كان يحسس الآخر بأنه مهم بالنسبة اليه. في ادارته للممثل، كان يستخدم تقنية الـ"اكترز ستوديو" التي تتطلب من الممثل ان يتسلل الى الدور ويقيم فيه. فصار يعرّفني على بيئته، وعلى الناس الذين يعرفهم وعلى أفكارهم. كانت هذه أشبه بتربية لي. تعرفتُ على بيروت من خلال مارون. امضينا سنة ونصف سنة قبل التصوير، علماً انه كان يريد ان ينجز فيلمه قبل ذلك التاريخ لكن الأحداث منعته من ذلك. في غضون ذلك، ذهب الى الولايات المتحدة وزار "زويتروب" مؤسسة فرنسيس كوبولا، وكاد أن يكون مساعد مخرج في فيلم "باب الجنة" لمايكل تشيمينو. دائماً كان يقول لنا متباهياً: انظروا الى المشروع الذي تخليتُ عنه للعمل معكم

بدأ يُجري تجارب تمثيلية معي ويُريها لسمير نصري وأمين أبي خالد وكمال قصار. كان يأخذ اراءهم في الاعتبار، ويتأثر بها فعلاً، خصوصاً عندما كان يساهم رأي الآخر في تأكيد شكوكه. ثم طلب اليّ ان أكتب افكاراً واحاسيس تسكنني، واحببت هذا كثيراً، فصرتُ أدوّن. شعرتُ ان هذه طريقته لبناء علاقة بيننا. ساهم في هذه العلاقة واقع ان بيته في الصنائع كانت أبوابه مفتوحة للجميع. ينزل فيه الناس ثم يرحلون. كان بيته موطئ قدم بالنسبة لي عندما كنت انزل من جونيه الى بيروت. كان يأتيه ايضاً أناس من الخارج ومن مختلف الأطياف، اذ لم يكن يعيش في غيتو فكري او اجتماعي

في صباه، كان مارون يريد أن يصبح راهباً. علاقته بالدين كانت قوية. ثم انكسرت العلاقة تلك، فانتقل للعيش في الجهة الغربية لبيروت، الشيء الذي حاسبه عليه الكثير من المسيحيين. انضم الى "الحركة الوطنية" وتقرب من أفكار الماركسية. كانت لديه التزامات متعددة، منها الصحافة مثلاً، وتخلى تدريجاً عن البعض منها. كان يتقن الانتقال من مرحلة الى أخرى. اعتقد انه ترك اليسار ليذهب نحو المزيد من الحرية الفكرية. هناك أشياء تقيّد الانسان. كان يبحث عن الحرية المطلقة، ليس الحرية الحالمة بل الحرية المجسدة

كان يردد دائماً انه لا يحبّ ان يصور أشخاصاً لا يحبهم. اذا شاهدت افلامه كلها، تجد انه احب كل الأبطال. ما نراه في "حروب صغيره"، كان هذا واقعنا اليومي؛ دائماً هناك مسلحون يرافقوننا، دائماً نحن في حال الخطر. كنا نسرق اللقطات سرقة. كان هناك اجانب في طاقم العمل، لم أكن أفهم كيف تجرأوا على العمل في ظروف مماثلة. كنا نعيد كثيراً خلال التصوير، ولكن في حدود المعقول. كنا نتمرن كثيراً قبل التقاط المشاهد. في "بيروت يا بيروت"، عمل مارون مع ممثلي مسرح، فاعطوه اداء مسرحياً، الأمر الذي ظلّ يعاني منه. للمناسبة، لم ارَ "بيروت يا بيروت" الا بعد رحيله. لم يكن يريد لأحد ان يشاهده. في كل مرة كنت أسأله عنه، كان يقول انه احترق

تطورت علاقتنا خلال تصوير "حروب صغيرة". لم ادرك في لحظتها ان مارون كان يبحث عن امرأة. كل اصحابه كانوا متزوجين ولديهم أولاد. أعتقد حتى ان مارون كان يقوم بكاستينغ كي يجد ممثلة لفيلمه وامرأة لحياته. رأيتُ لائحة الممثلات اللواتي شاركن في الكاستينغ وعلمتُ عن علاقاته السابقة بنساء كان يريد الارتباط بهنّ، لكن لم تنجح، اذ كان مارون شخصاً ذا عقلية كلاسيكية. كان يؤمن بالعائلة والقيم الاجتماعية والنجاح. مع ذلك، لم يكن مؤمناً، لكن في اعتقادي انه ليس ممكناً ألا يكون المرء مؤمناً. هذا شيء غير موجود. أياً يكن، تزوجنا مدنياً في باريس، الأمر الذي أغضب الأهل من الطرفين. لكنه كان يشعر بالخجل من انه سوف يتزوج ويحتفل، فيما الناس يموتون تحت القصف. في النهاية، تزوجنا بتقشف، وحضر العرس كبار القوم، من آن فيازمسكي وأومبير بالسان وغبريال يارد، الخ

بعد "حروب صغيرة" لم أمثل في أفلام أخرى له، فهو كان واضحاً في هذه النقطة. عندما اراد ان انجب له طفلاً، كان يقول: لا أريد ان أعيش مع شخص لديه الهواجس التي لديّ. كان يعرف جيداً علام تقتصر حياة الممثلين. كان في منتهى الواقعية. في كل حال، لم يكن التمثيل من أولوياتي. تجسيد الأدوار قبالة الكاميرا بالنسبة للبعض كالتنفس. أنا لم أكن هكذا. كانت لي محاولات اخرى، اجريتُ كاستينغ مع بيتر بروك واندره زولافسكي، لكن في كل مرة كان واضحاً انني لستُ متفرغة للتمثيل.

قبل رحيلنا من بيروت بقليل، انصهرت الأمور على نحو سهّل لنا الانتقال للعيش في باريس: كان هو يريد انجاز فيلم جديد ولكن لم تكن الظروف مؤاتية. اما انا، فعلقت مع ابني تحت القصف السوري. وعدتُ نفسي بأني اذا استطعت الإفلات من هذا كله، فسأرحل. عندما تركنا البلاد، لم نأخذ معنا الا بعض الكتب وابني وسريره. مرحلة العيش في باريس كانت صعبة. لم يكن لدينا في بيتنا الا الموكيت والسرير. كان مارون يمضي اياماً طويلة ضارباً على مفاتيح الدكتيلو، تحضيراً لمشاريع. السنوات الاولى كانت صعبة. كان مارون طموحاً ويريد الوصول... 

كان يخاف من الموت، ولا سيما من موت الآخرين. نلمس هذا في كتاباته الكثيرة. لديه دفاتر لا ازال احتفط بها، فيها نصوصه بالفرنسية. كنت الاحظ التقارب الفظيع بين حياة مارون وعمله السينمائي، وازداد يقيني بهذا عندما راح الآخرون يلاحظون ذلك. كنت احب هذا التبادل بين حياته وعمله. لا اعتقد أن في مقدوري ان اقبل فناناً، وجوده مختلف تماماً عن نتاجه. بعض الناس يخوضون تجربة حياتية لا علاقة لها بأعمالهم. هناك مرحلة في حياته، لم يكن يعرف خلالها أيهما يفضل، الحياة امّ السينما. كان يقول انه في مرات معينة يجد السينما اقوى من الحياة، وفي مرات أخرى العكس. اعتقد ان هذا كان ينبع من حاجته الى أن يدوزن حياته. كان حلمه أن ينال جائزة ويريها الى سمير نصري. كان يضعه في منزلة اب له على رغم الفارق البسيط في السنّ. سمير هو الذي دفعه الى السينما وكان يؤمن به. كان مثل الولد الذي يحبّ ان يحصل على مكافأة ليريها لأهله.  

تلقيتُ خبر وفاته عبر الهاتف. كنتُ في باريس. كان الأمر أشبه بمسرحية. علمتُ تدريجاً. الاتصال الأول كان من ابن أخته لإعلامي ان مارون لن يأتي. ثم اتصل صديقه كمال قصار قائلاً لي أن مارون تعرض الى حادث وهو في المستشفى. فاتصلتُ بوالديّ اللذين كان وصل الخبر اليهما للتو. لم يستطع والدي اخباري بما حصل، فأخذت منه أمي الهاتف وراحت تصرخ في وجهي، ثم كان الأمر عبارة عن صفعتين اتلقاهما على وجهي...

ما كُتب انذاك عن ظروف موته وتحميل الحريري ما جرى له لم يكن خطوة سليمة. كان الآخرون يجهلون ان مارون ينزلق كثيراً وبلا توقف ويسقط أرضاً. آخر مرة انزلق فيها، شعرنا بالخوف. تكلمتُ مع جوزف سماحة انذاك وقلتُ له ان ما كتبه فضفاض. كل الذين تحدثوا عن نظرية المؤامرة، من ميشال اده الى الياس خوري وايلي أضاباشي، لم يستوعبوا كيف يمكن مارون ان ينزلق. اقول دائماً ان لا أحد سيعرف بالتأكيد ماذا حصل".  

¶ "أيام مارون بغدادي السينمائية" ــ مسرح "المدينة" من 10 الى 14 الجاري، يومياً الساعة 6:30 و8:30 مساء.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

النهار اللبنانية في

13/06/2013

بيروت تتحرك وتنتفض بالرسوم والألوان

"النهار"| / هوفيك حبشيان 

بعد مرور أيام قليلة على استضافة "متروبوليس" اسبوعاً حول السينما الدانماركية، يتجدد الموعد بدءاً من مساء غد مع جانب آخر من جوانب الفنّ السابع: التحريك. هذه الرسوم التي تنتفض على الشاشة صارت في بلدان مثل اميركا أو اليابان من التراث الشعبي، في حين ظلّ في ثقافات اخرى ضمن الحيز النخبوي او التسلية المخصصة للأطفال. النشاط الذي اطلق عليه اسم "بيروت متحركة" يستمر من 14 الى 18 الجاري في مجمع "متروبوليس" البيروتي، ويستقطب عدداً من أفلام التحريك، الطويلة والقصيرة، على ان تدشن العروض بفيلم "قطّ الحاخام" (100 د.) للمخرجين الفرنسيين جوان سفار وانطوان ديليفو. نتذكر لجوان سفار، رسام القصص المتسلسلة الشهير، فيلمه عن سيرج غينسبور. مع "قطّ الحاخام"، يعود سفار الى الينبوع، اي الى الرسم والتحريك، ناقلاً كتابه المصور الى السينما. توج فيلمه بجائزة "سيزار" لأفضل فيلم تحريك عام 2011.

يتضمن "بيروت متحركة" انتاجات لبنانية وعربية وأجنبية. وتأمل جمعية "متروبوليس" ان يتحول هذا النشاط فسحة متاحة لكل العاملين في التحريك لتداول الآراء وتبادل المشاريع. من خلف الأطلسي، يأتينا فيلمان: "استهلاك الأرواح" لكريس ساليفان، الذي يعرّف عنه المهرجان في الملف الصحافي بـ"المحرّك والمنتج وفنّان الأداء والموسيقي". استغرق انتاج الفيلم، الذي شارك في مهرجان ترايبيكا عام 2012، أكثر من عقد، وشبّهه بعض النقاد بسينما ديفيد لينتش. ثاني الأفلام الآتية من خلف المحيط والحامل الهوية الأميركية: "إنه ليومٌ جميل" لدون هرتزفلد.

من لبنان والعالم العربي، لدينا 17 فيلماً قصيراً، من ضمنها العرض الأول لـ"برج المرّ: برج المرارة" للبنانية لينا غيبة، الفيلم الذي تسلم توليفه وشريطه الصوتي فنان الاستعراض والممثل ربيع مروة. هناك ايضاً: "قماش على مواد مختلفة" للسوري جلال الماغوط، احد الأفلام العربية التي عرضت في ركن الفيلم القصير في مهرجان كانّ 66. وليس هذا الفيلم الوحيد المشارك في مهرجان سينمائي كبير. هناك ايضاً "ملك فقد سنّه" للبناني غيث الأمين، الذي سبق ان شارك في مهرجان برلين العام الماضي. أما "المرايات" للتونسية نادية رايس، فأتيح له ان يعرض في مهرجان أنيسي الفرنسي، علماً ان هذه المخرجة سبق ان شاركت في اولى دورات "بيروت متحركة".

الى جانب مخرجين اشتد عودهم الى حدّ ما في مجال التحريك، هناك الوافدون الجدد الى هذا المجال. من هؤلاء: اللبناني باسل الفطايري الذي يقدم "الطارق الغريب" ومواطنته راشيل معوض صاحبة "داخل خارج"، والأردنية زينة أزوقة التي سنشاهد لها "لست شيا".

لا ينسى المهرجان الجمهور الفتي، فيعرض له "ارنست وسلستين" لستيفان أوبييه وفنسان باتار وبنجامان رنر، المشارك في تظاهرة "اسبوعا المخرجين" ضمن الدورة الماضية لمهرجان كانّ. الفيلم أفلمة لكتاب غبريال فنسان، سارق قلوب الصغار، عن علاقة غير متساوية تنشأ بين دبّ وفأر يحاولان أن يصبحا صديقين. وكنوع من اخلاص لتقليد بات راسخاً في المهرجان، يعطي "بيروت متحركة" جمهوره الفرصة للعودة إلى الماضي وزيارة بعض كلاسيكيات الرسوم المتحركة اليابانية المدبلجة إلى اللغة العربية: "زينة ونحّول" و"الأميرة ياقوت" و"الليدي أوسكار". ويعتبر المهرجان اختيار هذه العناوين الثلاثة "تقديراً للبطولات للنسائية وتحية لها".

في القسم الدولي، ستكون لنا افلام ردّ اليها الاعتبار في المهرجانات الدولية، من مثل: "نزهة صباحية" للبريطاني غرانت أوركرد و"ما وراء كواليس الطائر الطويل" لمواطنه ويل أندرسون، و"كما الأرانب" للفرنسي عثمان سيرفون. ويعلن المهرجان انه سيقدم لجمهوره فرصة فريدة ليكتشف تقنيات مبتكرة ومبدعة يبلورها فنّ التحريك. في هذا الاطار، سيُعرض "آه، ويلي..." لايما دو سوايف ومارك جيمس رويلز. هناك ايضاً فيلم الأميركية كوري فرنسيس باركس التي تستعين ببراعة الرمل في فيلمها "حكاية معقّدة" حاملةً هذه التقنية في التحريك إلى مناطق مجهولة. نتوقع ايضاً عرض "أثمل من بغيض" لواحد من أشهر مخرجي التحريك في العالم، الأميركي بيل بليمبتون، الذي كان سبق ان عُرض له في بيروت "أغبياء وملائكة" العام الماضي.

الى هذا كله، هناك تحية للراحل راي هاريهوزن، الشخصية المهمة في تاريخ المؤثرات الخاصّة التي كان لها تأثير مهم في أعمال الكثيرين، من أمثال جورج لوكاس وتيم برتون وستيفن سبيلبرغ. توفي هاريهوزن في السابع من أيار الماضي عن 92 عاماً، وله "رحلة السندباد السابعة" الذي سنشاهده هنا. ويختتم "بيروت متحركة" بـ"اكيرا"، أحد كلاسيكيات سينما التحريك، للياباني كاتسوهيرو اوتومو. هذا الفيلم المقتبس من سلسلة المانغا اليابانية صدر عام 1988 وتحدى قواعد التحريك ليتحول الى واحدة من المرجعيات الأساسية في المجال الذي تبلور فيه.

النهار اللبنانية في

13/06/2013

 

هيثم حقي يحذر من طاعون التطرف في سوريا

ميدل ايست أونلاين/ دمشق

اعداد: لمياء ورغي 

المخرج السوري يدعو الى حقن الدماء، والإفراج عن المعتقلين وعودة المهجرين.

ناشد المخرج هيثم حقي السوريين الوسطيين بالتحالف لمواجهة التطرف الديني.

وهيثم حقي مخرج وكاتب ومنتج سوري، اشتهر بإخراجه للعديد من المسلسلات السورية والسينمائية على غرار "عزالدين القسام"، و"بصمات على جدار الزمن"، و"حرب السنوات الأربع"، و"دائرة النار"، و"هجرة القلوب إلى القلوب"، و"صور إجتماعية"، و"الدغري"، و"موزاييك"، و"ليل الخائفين"، و"خان الحرير".

وقال حقي الداعم للثورة السورية، في بيان له الأربعاء، "أتوجه للمعارضين الذين بدأوا يخافون على الثورة من خطفها نحو الكارثة باستبدال استبداد باستبداد أشد وألعن... استبدادٌ محميا بالمقدس... تعالوا اليوم نتفق على صيغة تهمنا جميعا".

وأضاف "أدعوكم للاتفاق على الهدف السامي للشعب السوري النبيل منذ اليوم الأول الذي نادى به "سورية بدها حرية". واضاف "الهدف الواضح الذي خرجت به كل مؤتمرات المعارضة الديمقراطية ومؤتمرات السلطة هو تحويل سورية من دولة استبداد الى دولة ديمقراطية مدنية لا دينية ولا عسكرية، دولة تعددية بتداول للسلطة، ومواطنة متساوية أمام قانون يعدل، وفصل بين السلطات واستقلالية للقضاء وحرية تامة للتعبير".

وتابع "إذا كان هذا هدف الجميع فلنسعى أولا لوقف القتال والإفراج عن المعتقلين وعودة المهجرين ولنتبنى معا ما جاء في الإعلان الدستوري المؤقت للمرحلة الانتقالية.

واعلنت الامم المتحدة في تقرير الخميس ان اكثر من 93 الف شخص بينهم 6500 طفل على الاقل، قتلوا منذ بداية النزاع في سوريا، مشيرة الى ارتفاع كبير في عدد القتلى كل شهر.

ويقول بعض المعارضين السوريين إن عنف النظام طال المثقفين والفنانين كغيرهم في محاولة لتهشيم ما يملكون من أقلام وأفلام، ويؤكدون أن النظام لن ينجح في إلغاء النزوع الإنساني باتجاه الحرية، وأن المعركة الأزلية بين المثقف والسلطة ستستمر.

بأي ذنب اعتقلت؟

وأعرب المخرج السوري في وقت سابق عن قلقه الشديد، تجاه الأوضاع الدائرة في سوريا وما وصلت له بلاده، ومن الإساءات التي تتعرض لها المعارضة السورية، ومؤكدا أن هذا التركيز على شتم المعارضة وشيطنتها نتيجته تصب في مصلحة الاستبداد، سواء كان من يقوم به عامدًا أو جاهلا.

وانتقد حقي أداء هيئات المعارضة، لكنه قال إن تحطيم صورتها والقول إنها غير مؤهلة يؤدي إلى إيهام أنه لا بديل للنظام، وأن الفوضى هي البديل الوحيد.

واعتبر "إن الأعداء التقليديين للقضايا العربية لا يمكن أن يخرجوا من جلدهم، واللجوء إليهم لا يفيد إلا الشتّامين للمعارضة، فالثورة السورية نبيلة بغايتها ولا يمكن أن تكون وسائلها غير نبيلة، كما أنه لا يمكن محاربة الطائفية بأخرى مضادة".

وندد في وقت سابق المخرج السوري المعروف بانحياز نقابة الفنانين في بلاده لنظام الأسد من خلال إصرارها على دعوة منتسبيها للمشاركة في المسيرات المؤيدة، وذلك في الوقت الذي تتغاضى، بحسب كلامه، عن الدفاع عن أي فنان ملاحق أو مهدد في حياته ورزقه، بسبب مواقفه المناوئة أو المؤيدة للثورة في سوريا.

وكتب على صفحته على موقع فيسبوك: "منذ بدء الانتفاضة السورية لا يصلني من نقابة الفنانين سوى رسائل قصيرة تدعو الفنانين للخروج في مظاهرات مؤيدة... لم أسمع بدفاع النقابة عن فنانين اعتقلوا أو لوحقوا أو هددوا.. رغم أن العدد الأكبر من الفنانين عبروا ببياناتهم أو مشاركاتهم في الحوارات التشاورية عن رغبتهم في التغيير، بالتحول من نظام الحزب الواحد إلى نظام تعددي".

ولم يكن اعتقال الممثلة السورية مي سكاف في وقت سابق بداية لقصة الاعتداء على المثقفين والفنانين السوريين من قبل السلطات الأمنية السورية، وتقول المعارضة إنها لن تكون نهايتها، خاصة مع استمرار العنف وعدم استثناء أي شريحة من المجتمع السوري من الاعتقال بحال الشك بقيامها بأي عمل مؤيد للثورة حتى لو كان إنسانياً أو إعلامياً.

وخلال السنتين الأخيرتين تم اعتقال عدد من الفنانين والممثلين السوريين، ومنهم الممثل جلال الطويل والممثل، والمخرج محمد آل رشي، والممثل طارق مرعشلي والممثل وكاتب السيناريو عدنان زراعي، والممثل والكاتب التلفزيوني محمد عمر أوسو، والمخرج والمنتج عروة نيربية، والمخرج السينمائي غسان عبدالله، والممثل جلال الطويل وغيرهم.

وأعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في جنيف في وقت سابق أن عدد اللاجئين السوريين الفارين إلى الدول المجاورة تجاوز 1.6 مليون شخص.

وقام عدد غير قليل من الفنانين بالهروب إلى خارج سوريا خوفاً من الاعتقال، وقبلوا بالعيش بالمفنى كي يستطيعوا من إكمال عملهم المؤيد للثورة والمناوئ للنظام، وعلى رأسهم الممثل فارس الحلو والمخرج هيثم حقي، والمخرج أسامة محمد، والممثل جلال الطويل، والممثل همام الحوت، والأخوين ملص، والممثلة يارا صبري، والممثلة فدوى سليمان وغيرهم.

ميدل إيست أنلاين في

13/06/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)