حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

خمسين

 

فيلم"محمد ينجو من الماء".. حكاية موت معلن!

محمود عبد الشكور

 

تتميز الأفلام الوثائقية الناضجة بالقدرة على اكتشاف الدراما فى تفاصيل الوقائع والأحداث، والقدرة على الجمع بين النظرة الخاصة والرؤية الإنسانية العامة، فى الفيلم الوثائقى المصرى/ الفرنسى/ الألمانى "محمد ينجو من الماء" للمخرجة صفاء فتحى ما يجمع بين هذين العنصرين، ولولا بعض التطويل (مدة الفيلم 95 دقيقة)، ولولا بعض التكرار والإلحاح على بعض المعانى التى وصلت فعلاً، لكان لدينا عمل أكثر تماسكاً وإتقاناً، ولكنه يظل مؤثراً فى كل الحالات.

أساس الفكرة مأساة شخصية: محمد، شقيق المخرجة، أصيب بمرض الكلى فى سن الثانية والأربعين، هو زوج وأب لولدين، صعيدى منياوى محبوب من الجميع، مثل آلاف المصريين سيجد نفسه مضطراً الى الخضوع لجلسات غسيل الكلى، تضطرب كل وظائف الجسد تقريباً، لا حل إلا بنقل الكلى من متبرع، ولكنه يرفض الفكرة، يستقبل موتاً منتظراً ومعلناً بهدوء وتأمل وصبر.

ولكن المأساة تدفع المخرجة الى القيام برحلة أوسع تمتزج فيها آلام أخيها بآلام المصريين الذين يعانون مرض الفشل الكلوى، ننتقل من شاب مريض الى وطن مريض، من جلسات لتنقية الجسد الملوث الى وقفات لمنع الصرف فى النهر العليل، يأتلف الخاص والعام ليصنعا فيلماً يستحق المشاهدة والمناقشة، ويستحق العرض فى الفضائيات التى تكدست على شاشتها الأفلام  الروائية المكررة والإعلانات السقيمة والعشوائية.

الصراع هو محور الدراما، وبناء الفيلم يسير فى خطين: شاب يصارع الموت وينتظره فى هدوء وسط ابنيه وأقاربه، ومجتمع مريض يحاول أن يسترد صحته وسط أجواء ملوثة سواء قبل أو بعد الثورة، مأساة محمد هى جزء من مأساة البيئة والنيل، وقائع الموت المعلن ستكرر نفسها طالما ظلت أسبابها موجودة، هكذا يقول الفيلم ببلاغة مؤثرة.

بداية ونهاية

يبدأ الفيلم بمركب يعبر النيل سبب الحياة، وسبب الموت بعد تلوثه، عند مقبرة محمد فتحى تتجمع أسرته، نشاهد شقيقته المخرجة تقرأ القرآن، ولداه محمود وزياد يقرآن الفاتحة، زوجته ترتدى الملابس السوداء، حارسة المقبرة تثرثر معلّقة على الزهور الحمراء فوق الشجيرات القليلة الخضراء، تراها تجسيداً لروح المتوفى، مشهد البداية يذكرك باستهلال فيلم روائى، يسود اللون الأزرق فى البداية، ثم يظهر الأخضر والأصفر، ننتقل الى أحد المعابد التى كان يحلم محمد بزيارتها، على شريط الصوت نسمع صوت المخرجة/ الأخت، وهى ترى فى المعبد تجسيداً لحب إيزيس لأوزريس، فليكن فيلمها تجميعاً لأشلاء وبقايا الأخ الغائب، مثلما فعلت إيزيس فى أسطورتها الشهيرة مع أوزريس.

يظهر محمد لأول مرة بجانب ابنه محمود داخل أحد المراكب النيلية، الابن أصغر سناً، يتكلم محمد لأول مرة عن مضاعفات الفشل الكلوى الذى لا يأتى ابداً بمفرده، تصحبه دوماً حفنة من الأمراض مثل الأنيميا وهشاشة العظام، يتكرر طوال الفيلم تصوير محمد فى مناطق مختلفة على النيل (كازينو/ مركب/ شاطئ)، معظم المشاهد فى لحظات الغروب، يبدو الشاب نحيفاً هزيلاً بعد أن كان بديناً، من الواضح أنه أقرب الى الكآبة، يحلم بأن يطير مثل الحمام، ولكن اشياء ثقيلة تربطه بالأرض، يصرّ على مسح صور التقطها ابنه لعملية الغسيل الكلوى، لا يريد أن يترك لابنه صورة تدفعه الى البكاء.

تمنح اللقطات المصورة للمريض واسرته الفيلم حيوية وتلقائية، الشاب بسيط ولديه قبول، ولهجته المنياوية تدخله القلوب، والمخرجة/ الأخت تظهر بصورتها أو بصوتها لتكمل رسم الحكاية، تتحدث مع سائق تاكسى عجوز عن أخيها الذى انتقل للعلاج فى مستشفى خاص فى القاهرة، بعد أن هدموا وحدة الغسيل فى شمال الصعيد، جلسات غسيل للكلى كل يومين، التكلفة 275 جنيها فى المرّة، وقبلها تحاليل معقدة بأكثر من 1500 جنيه، السائق، الذى يتعثّر وسط الأمطار بدون مسّاحات، يربط بين انتشار مرضى الفشل الكلوى ومؤامرات إسرائيل، المخرجة تدين المسؤولين والحكام وليس إسرائيل، يظهر محمد مبتسماً للكاميرا، تصحبه أخته فى تاكسى آخر وسط المياه الى تغسل العاصمة الملوثة.

يستمرتدفق المواد المصوّرة لمحمد، المخرجة القادمة من باريس تتحدث معه بنفس اللهجة المنياوية العذبة، راندا ابنة شقيقته الشابة تصطحب خالها لشراء الزلابيا وبلح الشام، يصر على أن يدفع ثمن الحلوى، هالة الشقيقة الثانية متحمسة لفكرة نقل الكلى، محمود ابنه يرى أن مبلغ 100 ألف جنيه لا يساوى شيئاً فى مقابل أن يسترد الأب صحته، المخرجة تزيد من الضغط فى اتجاه البحث عن متبرع" حتى  لو اضطرّينا نستلف .. ح نستلف".

الفشل المزدوج

لا مثيل لهذه اللقطات الحية فى تأثيرها، خصوصاً فى إبراز تعبيرات الوجوه والحركات والتعبيرات العفوية، وفى الإنتقالات الزمانية والمكانية، الكاميرا الذكية لا تكتفى بالشخصيات، ولكنها ترصد طائراً يحاول تسلق جدار بلا جدوى، هدهد ينقر الأرض بإصرار، قطة صغيرة تداعب أقدام محمد وهو ممدد على أرض الصالة، طائرة ورقيه هائمة فى الفضاء، الصورة ثرية للغاية، ولكن محمد متردد فى فكرة النقل، يخشى أن يصاب صاحب الكلية نفسه بالفشل بعد نقلها، لا يريد أن يقابل الله بذنب إنسان لايعرفه، يقول إنه منقسم الى نصفين، نصف يريد العملية، ونصف يرفضها.

محمد يقدّم هنا بلا رتوش، هو ابن مجتمعه، رغم أنه موظف (انقطع عن العمل بسبب المرض)،ورغم أنه تخرج فى الجامعة، إلا أنه يتقبل مرضه بما يقترب من التسليم التام، يبدو كما لو كان أباً للجميع، يصبر على آلام الغسيل رغم تأثر ابنه الى حد البكاء، ولكنه ايضاً عاشق للحياة، يغنى فى جلسة خاصة مع المطرب الذى يستعيد روائع زكريا أحمد فى أحد أفضل مشاهد الفيلم (كان الأجدر بأن يكون مشهد النهاية).

ينتقل السرد الى خطوط أكثر تعقيداً، الفشل الكلوى عند محمد، والذى أثر على عظامه ومشيته ومزاجه، هو انعكاس لفشل إدارة ملف البيئة والنيل، محمد نفسه يقول إن النيل مريض، يئن من الملوثات، ننتقل بالصورة والصوت الى حقائق مفزعة: 67 مصرفاً تصب ملوثات المصانع السامة فى النيل، مشاهد لمصرف الحوامدية الشهير، موظفو المكان يهددون المخرجة وفريق تصويرها بالقتل رمياً بالرصاص، ومع ذلك نشاهد ماسورة المياه الملوثة وهى تلقى بالملوثات دون أى رقابة، مظاهرات مصنع أجريوم الشهيرة فى دمياط، الناس ترفض مزيداً من التلوث، محمد عند مكان التقاء النيل بالبحر المتوسط، على شريط الصوت تقول المخرجة إننا عندما ننتقم من الطبيعة، فإنها تعدو للإنتقام من الناس.

تترك الكاميرا محمد الى حالات الفشل الكلوى فى المستشفيات المصرية العامة البائسة: وجوه ممصوصة، رجل ونساء  فى نهاية العمر يستندون على ذويهم، أجهزة عتيقة أقرب الى غسالات المنازل الكهربائية، كانت هذه المشاهد فى حاجة الى بعض الأرقام والإحصائيات لتجسيد معنى المأساة القومية المزمنة.

يظهر أحد الأطباء الكبار الذين عالجوا محمد، لا يظهر اسم المتكلم مكتوبا رغم خطورة معلوماته، اللقاء بعد وفاة محمد، المخرجة ومعها ابن شقيقها محمود، يقول الطبيب معلومات مذهلة (1) هناك سوق لبيع كلى الأفارقة فى شارعى كلوت بك ومحمد على، القليل يذهب الى المتبرع، والجزء الأكبر للسماسرة، الأفارقة يباعون كالخراف قطعة قطعة (2) فى السعودية تجارة مشابهة ضحاياها العرب والمصريون الذين يموتون فى حوادث الطريق، يطلقون عليهم اسم "كلاب السكك"، يأتى أقاربهم، يحصلون على المال، يتركون الجثة فى السعودية، لكل عضو سعر (3) أحد وزراء الصحة المصريين ( لايذكر الفيلم اسمه) أصدر قراراً بمنع الغسيل الكلوى فى المستشفيات الخاصة، رغم عدم استعداد المستشفيات العامة، أدى انخفاض عملية الغسيل اليومى من ثلاث مرات الى اثنتين الى وفاة نصف المرضى خلال ثلاثة شهور فقط، مذبحة جماعية، ووقائع تصفية علنية!

تمنيت لو تابعت المخرجة هذه المعلومات الخطيرة والكارثية، كان الأمر فى حاجة الى بعض البحث لإثبات أن الفشل الكلوى هو الأثر الجانبى لفشل أكبر هو تلوث الماء والذمم والضمائر، ولكن الفيلم يعاود تأثيره العاطفى بلقاء فؤاد، صديق محمد، وصاحب الصيدلية، نعرف منه أنه وصديقه كانا يعتقدان أن خلاص مصر لن يكون سوى بالعصيان المدنى، مات محمد قبل ثورة يناير، ولكن ولديه سيظهران فى إحدى مظاهرات ميدان التحرير، الأحوال بعد ذهاب مبارك ما زالت قاسية، يقول الصيدلى فؤاد أن الأدوية ناقصة، يفسر ذلك بأنهم يريدون أن يؤدبوا الناس، "عاش ما يرفعوش صوتهم تانى".

الجيل القادم

عوضاَ عن محمد، سيكون محمود ابنه رفيق رحلة المخرجة، فى النيل وأمام المعبد الذى حلم الأب بزيارته، يبدو الابن مفعماً بالأسى وهو يعتبر نفسه بديلاً لوالده الذى لم يكمل الفيلم، يعود محمد فى تسجيل قديم، وهو يحكى لأسرته عن سلوك المتطرفين الدينيين فى الجامعة، ننتقل الى اللون الأصفر العظيم، محمود يصطحب شقيقه الأصغر، يتوغلان فى عمق الرمال، يضع الصبى الأكبر يده على كتف شقيقه، يهتف محمود "السلام عليكم"، يخرج من الكادر، تتجه الكاميرا الى السماء الزرقاء، ينتهى الفيلم الهام والمؤثر.

نهاية متفائلة بالقطع، الجيل القادم أكثر وعياً بعد أن صهرته التجربة المبكرة، نجا محمد أخيرا من الماء الملوث، صعد الى السماء، ولكن الخطر ما زال قائماً، فى بداية الفيلم نشاهد طفلاً يملآ كوباً من النيل ويشرب مبتسماً فى سعادة، يضع الفيلم يده على الجرح بعد أن نجح فى مزج الخاص بالعام، وثيقة الموت المعلن للشاب محمد تحدث الآن وستحدث غداً طالما أن الماء أصبح وسيلة للموت.

قدم مدير التصوير فانسان بيرون صورة مدهشة خصوصاً فى مشاهد الغروب المتكررة، الشمس الذاهبة عند محمد هى رمز الموت نفسه، الاثار والنيل منحا الحكاية بعداً اسطوريا، وجعلاً من بطلها شخصية تراجيدية تصر على اختيار يقودها الى النهاية، مريض الفشل الكلوى يصاب أيضاُ بالإكتئاب كما يقول الأطباء، يبدو محمد طوال الفيلم كما لو أنه قد اكتفى من الحياة والألم.

ولأن الرحلة تتأمل الماساة والموت، فقد اختارت المخرجة إيقاعاً هادئاً يتدفق ببطء مثل النيل، وبين خشونة اللقطات المصورة لمحمد قبل وفاته، ولقطات الصرف فى النيل، ونعومة وشاعرية لقطات المعبد والنيل والصحراء، يرسم الفيلم لوحته القوية والمؤثرة بدعم من صوت البيانو، موسيقى شجية استخدمت فى  لحظات محددة، فحققت تأثيراً مضاعفاً، ولكنى ما زلت أعتقد أن الفيلم كان يمكن أكثر تكثيفاً إذا تم اختصار بعض اللقطات والحوارات المتكررة، يتكرر مثلا سؤال الزبائن عن الأدوية الناقصة فى مشاهد الصيدلى فؤاد، وتطول مشاهد محمود وأخيه فى الصحراء، كما أن التعليقات على شريط الصوت كانت  فى أحيان كثيرة أقل بكثير من قوة الصورة، الحقيقة أننى لم أفهم معنى الكلام المصاحب لرحلة الصحراء، وهى من أجمل مشاهد الفيلم بصرياً، هل هو شعر أم نثر أم مجرد حذلقة لغوية؟ لماذا أصلاً يتم حشر تعليق إضافى إذا كانت الصورة بمثل هذه الدرجة من البلاغة.

تستحق صفاء فتحى التحية أكثر من مرة: الأولى لأنها أعادت أخيها الراحل الى الحياة، والثانية لأنها فتحت العدسة على اتساعها فرأت محنة شقيقها فى إطار محنة الوطن، والثالثة لأنها أثبتت أن السينما الوثائقية الناضجة  تعيد اكتشاف الدراما فى الواقع، والثالثة لأنها  عالجت جراحها بالفن: بعثت الراحلين، وفضحت المجرمين، ودقت أجراس الخطر، حتى لا يتحول شعب بأكمله الى موتى على قيد الحياة.

فيلم عمر أميرلاي عن ميشيل سورا: يوم عنف عادي!

صاحب كتاب "الدولة البربرية"

 

كتب حسن سليمان في جريدة "القدس العربي" (23 مايو) مقالا بديعا عن الفيلم التسجيلي الذي أخرجه المخرج السوري الكبير الراحل عمر أميرالاي عن صديقه ميشيل سورا الذي قتل في لبنان على أيدي المتطرفين الإسلاميين...

هنا نص المقال:

في عام 1996 قدم المخرج السوري الراحل عمر أميرلاي فيلما تسجيليا يتكلم فيه عن اختفاء صديقه الباحث الفرنسي ميشيل سورا الذي اختطف في بيروت عام 1985 مع صديقه جان بول كوفمان، من قبل منظمة الجهاد الإسلامي في لبنان (القريبة من إيران)، ثم قتل بعد ذلك على يد خاطفيه في عام 1986.

ولد ميشيل سورا في مدينة بنزرت، تونس عام1947 وتعلم في ليون فرنسا، ثم نذر نفسه لقضايا الحرية التي كانت قد ولدت داخله إرهاصاتها الأولى وهو طفل، حين خبر عن قرب هجوما لفرقة مغاوير فرنسية، في مدينة بنزرت، ضد وطنيين تونسيين كانوا قد احتموا في بناء البريد، وما نتج عن هذا الهجوم من مجزرة ارتاع لها وخلقت في أعماقه نارا ولهيبا للدفاع عن الحرية وعن الحق؛ بالطبع سيكون لبنان وفلسطين هما ميدانه الأول، ولقرب الصراع في لبنان من سورية، محركة الأحداث آنذاك، فقد أراد أن يستجلي حقيقة النظام السوري وأن يحلله عن قرب، وهو لم يكن ليثق بشعاراته الممانعة ولا بأقواله المناهضة للصهيونية. حمل متاعه إلى مناطق الساحل السوري وراح يستطلع ويبحث في بنية وتركيب النظام، وهذا ما دفعه لكتابة عدة مقالات جريئة سباقة، تعري النظام السوري وتدينه وقد جمعت تلك المقالات بعد رحيله في كتابه المشهور"سورية، الدولة البربري".

كيف يمكن لعمر أميرلاي أن يحقق فيلمه التسجيلي عن رجل غائب، بعد عشر سنوات على رحيله، حيث في ذلك الوقت كانت جثته ماتزال في مخابئ الخاطفين ولن يتسنى خروجها من لبنان إلى فرنسا إلا في عام 2006.

لن يجد سوى زوجته السوريه ماري معمر باشي، ثم صديقه في الزنزانة جان بول كوفمان وصديقين آخرين. لم يكن ثمة تفاصيل غنية متفرعة تكفي لصناعة فيلم تسجيلي لمناضل وباحث في مقام ميشيل سورا. كانت بين يديه ذكريات وحكايا عن الرجل الراحل. كيف إذن سينقل موقفه الحقيقي، كيف سيعبر عن عوالمه الرمادية الغامضة؟

الفكرة الأساسية التي انطلق منها أميرلاي هي الإدانة، إدانة الجهل والتخلف اللذين وسما الخاطفين، وهما كافيان لمخرج كبير كأميرالاي، بارع في تركيب العوالم وربطها والتعبير عنها. ماذا يريد الفنان أكثر من وجوه هؤلاء وسلوكهم المقيت كيما يقدم فيلما فنيا كبيرا كما هو هذا الفيلم؟! يبدأ الفيلم (بالفرنسية ومترجم الى العربية)* في ساحة في بيروت فيها سريران فارغان، أمامهما نافذة سجن، ويبدو بالقرب منهما شاشة عرض فيها صورة لميشيل سورا، وفي الخلفية تظهر عدة أبنية. المشهد العام هو مشهد ليلي، وقد أجاد المخرج في قتل الإنارة وإظهار المشهد الغائم، المظلل بالهواجس، المشهد الكابي.

يتقدم عمر أميرلاي نحو الشاشة التي تظهر وجه ميشيل سورا قائلا: ميشيل ياصديقي، كيف أصنع عنك اليوم فيلما دون أن يستفز ذلك ذاكرتنا المكلومة، وينكأ فينا جراحا لم تندمل بعد؟ كدت اتخلى عما عزمت عليه لو لم يبلغني خبر ماجرى لأبيك، فقررت المضي حتى النهاية فيما نويت عليه. بعد فترة وجيزة من إعلان موتك رحل والدك. قضى من شدة الأسى عليك. مات وهو لا يعلم ماكنت تفعله في ذلك الشرق البعيد ولا لماذا قتلوك".

الترجمة في الفيلم جميلة تشي بشاعرية الحوار وامتلائه بالنبل والإنسانية الخاليين من البغض والكره، وهما ما يميزان الأعمال الفنية الكبيرة. الفن هو نقيض الكره، هو دين، ورسول سلام ومحبة لكن من دون أن يخفي البشاعة التي تتلبس الجماعات التي يتكلم عنها الفن.

كيف سيُظهر عمر أميرلاي الخاطفين، وكيف سيأتون ومن أين؟

يفتتح مشهد الخاطفين بإطفاء كامل للشاشة، ثم إنارة خفيفة يشاهد في الخلفية منها فتحة على شكل كوة تحمل دلالات عديدة، أقربها هو الجحر الذي يصعد من أعماقه، حبواً، ثمانية مقاتلين يحملون أسلحتهم الرشاشة، يتقدمون نحونا ثم يعتدلون في مشيتهم؛ ويتهيأ للمشاهد في بداية المشهد ان ما يراه هو جرذان تخرج من جحر، حتى يتبين له حين يتم إشباع التفاصيل أنهم جماعات مسلحة في لباس القتال، تتقدم خلسة فاقدة للشجاعة والوضوح. هؤلاء هم الذين سيخطفون ميشيل سورا وصديقه جان بول كوفمان والذي سنسمعه يتحدث بعد قليل عن أيام الخطف، لقد عاش معه ثمانية أشهر في زنزانة واحدة فكان الشاهد الوحيد على الأيام الأخيرة لميشيل سورا.

"تلك الليلة الدموية الطويلة ستبقى كابوسا مزعجا..ثمة جانب فيه لا يمكن إيصاله إلى الآخرين ومن الأفضل أن يبقى هكذا، وحدهم الذين عاشوا هذه المأساة يعرفون تماما ما تعنيه، لذا احتراما للذين قضوا ولميشيل تحديدا ينبغي إبقاء هذا الجزء في الظل، فهذا الأحترام برأيي لا يعني شيئا آخر سوى احترام الحقيقة"بهذه الروح يواجه كوفمان ماجرى له وماجرى لصاحبه. يدين الخطافين بروح متسامحة متفهمة، فهؤلاء غير متعلمين، جاؤوا من الجنوب اللبناني محملين بالجهل ومعجبين بالقوة المتوحشة، كئيبين، يخالط أعماقهم الشك والريبة، مؤمنين بمنظمتهم إيمانا مطلقا، كل ذلك ما دفعهم لأن يكونوا فاقدي الإحساس بالواقع. تنتقل الكاميرا ببراعة بين قضبان نافذة السجن، وبين السريرين، وتنتقل بتمهل وتأمل بحيث تبدو الصورة وكأنها لوحة تشكيلية وليست مجرد صورة تصنعها كاميرا سينمائية. من الواجب للمشاهد أن يتوقف عندها ويتأملها، ويفك رموزها المتعددة. تجول الكاميرا في مكان الخاطفين، ثمانية كراس فارغة حول طاولة خشبية عليها مخلفات علب قد استهلكت، مشروبات كوكاكولا وبيبسي ومنفضة سجائر، خفاف وأواني اقداح شاي على الأرض، ثم تقترب من أحد الكراسي، تقف هناك كي نرى طاولة صغيرة عليها كتاب الله مفتوحا على إحدى السور، وعليه مسبحة، والى جانب الكرسي بندقية رشاش، وإبريق شاي فوق النار ينفث البخار. ربما ترك الخاطفون المكان وذهبوا إلى أداء الصلاة وأخلوا المكان، هذه الصورة تبين مدى طيش هؤلاء، فلا أحد يترك القرآن مفتوحا، ولا تترك بندقية آلية ثم لا يترك إبريق فوق نار. المكان مضطرب وهو أقرب إلى مكان عصابات منه إلى مكان مؤمنين، وسخ تعيث فيه بقايا الطعام والشراب.

أصيب سورا باليرقان أثناء اعتقاله مما دفع زميله في الزنزانة لأن يتهم سجانيه، وأنهم كانوا يدفعونه للموت البطيء. حين كان يسألهم العلاج كان يسمع أجوبتهم التي تقول ‘بسيطة’ ولم تقتله سوى هذه الكلمة الشائعة في الشرق والتي تحمل معاني عديدة تشي باللامبالاة واللامسؤولية تجاه الحياة.

تنتقل الكاميرا من راو إلى آخر كي يروي تجربته مع سورا، وتلك الانتقالات انتقالات فنية بامتياز، لوحات تشكيلية متحركة، مرفقة بالوجدان والشعر، تغذيهما موسيقى خفية مدويّة، حتى أحيانا لا يسمع لها صوت، صامتة، لكنها هناك. لوحات وجودية تصف كمية الطيش والبطش وعدم احترام الحياة. اجواء خانقة ويجب أن تكون هناك مراوح عمودية وجدارية تتماهى مع الصورة والصوت والفقدان، فالصورة وحدها في معظم الأحيان هي التي تتكلم وتشير وتدل.

يظهر الخاطفون مرة أخرى من جحرهم ثم يعودون حاملين سريرا فارغا، ربما هو سرير الرجل الذي مات أو هو نفسه الرجل الذي مات، كي ينتقل المشهد بعد ذلك إلى حلقة شباب يقيمون طقس عاشوراء، إنتقالا دراميا مخيفا يجعلنا نتساءل عن حقيقة حياتنا ومعناها في هذه المعمعة الظالمة التي لم يضعنا أحد فيها سوانا.

سوف لن يكون ذلك بالطبع إلى الأبد، فنحن أمام فنان عالمي كبير، سوري عربي، يشرّح الأزمنة غير المعقولة التي يعيشها إنساننا والذي لا يفعل الكثير ولا يقوم ضدها ولم يرفع صوته في وجهها، – لقد رحل ايضا عمر اميرلاي قبيل اندلاع الثورة السورية، مات اميرالاي و لم ير ربيع سورية يزهر..الربيع الذي حلم به طيلة عمره، فهؤلاء يموتون في العادة قبيل الينوع وقبيل ظهور النبت…. بالطبع موت عمر أميرلاي هو موت ميشيل سورا في الواقع والمجاز ….لكن في النهاية البحر.

صوت البحر،

مياه البحر التي تأتي،

وهي نهاية الفيلم، تأتي أمواجه كي تقتلع النافذة وتهدم الجدران وتقول صوت الحرية

"في الخطاب السينمائي" تجربة 11 سنة من العيش مع السينما

حسن وهبي*

 

الكتاب هو "في الخطاب السينمائي" للناقد والببحث عبد المطلب أعميار، الذي صدر سنة 2010 من الحجم المتوسط وبحمولة 96 صفحة ذات البعد الثقافي السينمائي العميق والمتسائل عن طبيعة السينما شعريتها فلسفتها تحليلها خطابها وذلك بعمق نظري كانت متناثرة في هذه الجريدة وتلك. أسئلة نابعة من لحظة المشاهدة ووقفة القراءة والتأمل الرؤية البعيدة للكاتب الذي دفعه انشغاله بالسينما إلى الكتابة أولا ثم إلى الترجمة لمحاولة تناول بعض الإشكالات التي يطرحها الفيلم.  

جاء الكتاب في أحد عشر فصلا إذا صح التعبير بادئا بعبارة لجيل دولوز "تعلمنا السينما تمثل الزمن الحاضر وهو يمر. لأنه قد يمكننا من إدراك مرور الحاضر الذي كان" .

وفي التقديم يطرح الكاتب أسباب إصدار الكتاب الذي يبقى تجميعا لمقالات أنتجت ما بين 1986 و1997 بفضل الأندية السينمائية كما يشير الأستاذ أعميار حيث إنتاج المعنى وتوزيع الأفكار وبناء القيم.  

نعم فهي المدرسة التي أصبح تلامذتها كتابا ونقادا ومخرجين ومدبرين للشأن السينمائي بالمغرب بغية التواصل مع المهتمين لتبادل الأفكار حول اللغة السينمائية وموقعها في الوعي والثقافة وتدقيق المفاهيم بعد التراكم الذي عرفته المشاهدة الجماعية بالأندية السينمائية فكان موقعها طبيعيا كما أشار المؤلف. 

لكن أسبابا أخرى دفعته إلى ذلك كغياب توثيق الكتابات النقدية في المغرب. بالإضافة إلى القصور في البحث السينمائي آنذاك. ثم غياب الاشتغال على الخطاب السينمائي عموما كسؤال فكان الخطاب السينمائي كمساهمة في تأسيس الخطاب النقدي السينمائي المبني على تفكيك الخطاب السينمائي المثير للأسئلة اللسانية و السيميولوجية. وأخيرا الكشف عن عناصر القراءة الفيلمية في سياق بيداغوجي.  

بدا عبد المطلب كتابة بالفيلم كفضاء للقراءة وبالسؤال عن أية قراءة؟ هل التي تروم خطية الفيلم لقطة مشهد وهكذا؟ هل البحث عن المعنى عن طريق الأدوات؟ أم البحث في المضامين؟ أنها إشكالية القراءة الواعية للفيلم يرى المؤلف. والذي يضيف  على أن لهذه القراءة ظروف جغرافية نفسية عين المشاهد وتراكماتها والقدرة على الالتقاط أو طبيعة الفيلم ونوعيته. 

وبهذا الفصل ينقلنا إلى الخطاب السينمائي عند كريستيان ميتز حيث يؤكد أن قراءة الفيلم هي إعادة بنائه كما اعتبر النص واقعا مجردا لا يمكن إخضاعه لنمطية محددة. كل هذه الأفكار وغيرها اشتغل عليها في تقسيمات فرعية تعالج السينما في علاقتها باللغة والتعبيرية الفيلمية كقضية ترتبط بالأسلوب. ليبقى السؤال لسانيا حيث التمييز بين اللغة الطبيعية واللغة السينمائية بتشعباتها.  

وفي نفس السياق أورد الفصل الموالي موضوع "السردية: وجهة نظر حول التلفظية في السينما" الأمر الذي يفرض بعض التعديلات النظرية للتمييز خصوصا بين ما يرتبط بالحكي وما يرجع للأسلوب كما يقول الكاتب الذي عرض بعض المحاور التي تأملها حسب فرانسوا جوست صاحب كتاب "العين الكاميرا بين الفيلم والرواية" هكذا تناول الكاتب تيمة الحكاية والخطاب ودلالة حركة الكاميرا بالإضافة إلى التبصير والسرد الظاهري والباطني. وهو الفصل الذي ترجمه عبد المطلب عن المقال الأصلي لصاحبه François Jost المعنون ب la narratologie-point de vue sur l’énonciation لسنة 1988  

وفي فصل آخر مترجم كذلك طرح السؤال التالي"ماهي السيميوبراكماتية؟" والتي تعتبر مقاربة الفيلم كمنتوج في علاقته بالمشاهد وبالمؤسسة التي تؤطر عملية المشاهدة. مقسما الفصل إلى محور سماه "الخطاب الفيلمي خطاب مفارق" ومحور عنونه ب"السيميوبراكماتية و امتحان المشاهدة" وتناول في الثالث "عملية المطابقة وتغيير التطابق".

وفي باب الشعرية سينتقل الكاتب من الأدبية إلى الشعرية الفيلمية في ترابط مع الأصول التداولية للمفهوم. مسترجعا مجموعة كتابات مجموعة من الكتاب و الباحثين في الموضوع من أرسطو إلى ناظم حسن صحب المفاهيم الشعرية وتودوروف و بودريار ومارك فيرني الذي يعتبر أن السينما مرتبطة بفلسفة الجمال. ويختم الكاتب قائلا "وإذا كانت جمالية الصورة لا تعني دائما جمال الواقع. فإننا نطمح لاكتشاف قبح العالم ومأساة الزمن عبر شعرية تظهر لنا انكسارات الوقت وتيه الوقت وتيه الذات". 

ومن الشعرية إلى فلسفة السينما عند جيل دولوز في فصل جديد والذي عرض المؤلف بصدده نمطان من الصورة السينمائية ومستوياتها منتهيا فصله بنظام جديد للصورة. حيث الرؤية الجديدة للزمن حيث الصورة – الزمن. وبالتالي: كيف للسينما أن تدشن تصورا جديدا لرؤية الزمن؟  

وناقش الكاتب في فصل موالي إمكانية كتابة الأفلام للتاريخ. أو كيف يمكن للسينما أن تكون شاهدة وفية لعصرها؟ وقد تناول المؤلف علاقة السينما بالواقع و بالرمز وإمكانية استباق الواقع حيث تصف الصورة سلوكات يصعب على الجسم الاجتماعيتصورها. أورد الكاتب نماذج من الأفلام حيث تمكنت السينما بفضل الفضاءات و الإنارة و الإشكال الهندسية وغيرها من الارتباط بالتاريخ وحركية المجتمع. 

وفي الفصل الموالي (بالرغم من أن المؤلف لا يسميها فصولا في كتابه) اشتغل على الصورة الفيلمية: نقد التلقي الانطباعي. و الذي لا علاقة له مع المقاربة النقدية دون أن يقدم الكاتب أجوبة على الأسئلة التي يطرحها مكتفيا بجذرية السؤال الممهد للتفكير الجماعي وإثارة الإشكالات التي يثيرها الخطاب الفيلمي. كما نقد للتلقي الإيديولوجي في اتجاه خطاب نقدي مؤسس علميا. بحثا في الدلالة المنبثقة من الصورة الفيلمية كنظام لغوي بصري. 

ليقودنا الفصل التاسع إلى التحليل الفيلمي كتمرين بيداغوجي والذي اثأر اهتمام النقاد والأندية السينمائية حينما نشر في إحدى الجرائد الوطنية. وهو يورد في هذا الفصل كما أشار في كتابه المبادئ العامة التي تؤطر العملية التحليلية للفيلم كتمرين بيداغوجي كما أوردها روجي اودن في مقال L’analyse filmique comme exercice pédagogique بدءا من مشكل قصدية المؤلف وصولا إلى مشكلة الموضوع مرورا خصائص القراءة الفيلمية. 

وفي الفصل ما قبل الأخير والمعنون بـ"إبن رشد بين لويس بورخيس ويوسف شاهين"  مشتغلا على فيلم "المصير" والذي قد يكون فيلما عابرا لكن ابن رشد كمادة خام للتفكير والتأمل ويوسف شاهين ككاتب بلغة الإضاءة والصوت والصورة والموسيقى والتمثيل استطاع أن يجعل من هذا الفيلسوف أكثر إثارة للنقاش. وهو الذي طرح موضوع الإنسان للتداول بين الدين والموسيقى والرقص الطب والقضاء والسلطة التي ترهن أفكار ابن رشد المتنورة في دهاليز مؤسستها الحاكمة كما يقول الكاتب الذي بين في الفيلم كيف يموت الإنسان من اجل الإنسان. وطرح كذلك مجموعة من الأسئلة وهو يتناول الفيلم المذكور حول العلاقة الثنائية بين الخليفة وابن رشد المليئة بالتساكن و التنافر.ويشير الكاتب إلى أن الفيلم هو إدانة للفكر الديني المعادي لقيم الحرية و العقلانية. ليختم بسؤال: هل نجح يوسف شاهين في حفر الذاكرة التاريخية العربية؟ 

ينتهي الكتاب بفيلم ثان معنون بـ"تعبيرية الزمن والجسد في فيلم تيتانيك" بين زمن المحكي وزمن الحكي باعتبار الزمن أمرا حاسما في نجاح أو فشل أي تجربة سينمائية. مركزا عن الفضاء الزمني والفضاء الجسدي في الفيلم.  

هكذا نتقل الكاتب من التناول المتنوع لقضايا الخطابالسينمائي إلى تناول نماذج من الأفلام الأول عربيا والثاني غربي ليعمق النقاش في النقد المعرفي كما يسائل السينما من منطلقات نظرية تتوزع بين الأسئلة اللسانية والتلفظية والسيميولوجية..وأمل الكاتب أن يسهم هذا العمل في اغتناء البحث السينمائي ببلادنا وأن يجد فيه المهتمون بعضا من القضايا المعرفية و التطبيقية التي تهم إشكالات الخطاب السينمائي والقراءة الفيلمية.  

إذا أردت قراءة الكتاب ثلاث مرات على الأقل فاقتنيه واطلب شيئا واحدا وأساسيا من المؤلف عبد المطلب أعميار: أن يعود إلى السينما.  

* ناقد سينمائي من المغرب

"بدون موبايل" لسامح زعبي.. سينما فلسطينية تجارية على الأبواب

صالح ذباح*

 

بات اعتياديا لدى متابعي الأفلام الفلسطينية عند صدور فيلم جديد ذاك الترقب لحبكة مثقلة بالدراما وتراجيدية في أحداثها،يحضر فيها الاحتلال المباشر بجنوده ودباباته ودمويته، أويحضر فيها سرد النكبة وتجسيدها على الشاشة.

ليس مستغربا أن تطرح هذه الصور والأجواء القاسية لأنها تعكس الواقع الفلسطيني المعاش، وقبلنا كمشاهدين فلسطينيين هذا الصنف وغدونا شبه مستسلمين لهذا الجانر أو المعادلة التي يتبعها معظم المخرجين الفلسطينيين في أفلامهم التي تأخذ دوما في الحسبان حظوظ عرضها في المهرجانات العالمية. ولا  نستطيع إنكار- بل نقدر عاليا- دور أجيال من المخرجين بدءا من ميشيل خليفي في "عرس الجليل" وضعوا اسم فلسطين على خارطة المحافل الدولية ومثلوا قضية شعبهم، لكن قد ينسى الكثير من صناع هذه الأفلام المشاهد العادي والعائلة الفلسطينية التي تتوق لمشاهدة أنواع اخرى من الافلام، تعزز تعلقها بالسينما وشعورها بأن هناك من يعبر عنها وقريب من تفاصيل حياتها اليومية، بعيدا عن الرموزوالصمت والهمس، الحاضرين في كثير من مشاهد معظم الافلام الفلسطينية، حتى أن بعض من هم في"صناعة" السينما الفلسطينية يمزحون قائلين: كي تصبح ممثلا فلسطينيا إصمت في الأوديشين!

الا أن المخرج الفلسطيني سامح زعبي نجح في الخروج عن الشكل المألوف للأفلام الفلسطينية في فيلمه الروائي الطويل الأول "بدون موبايل" الذي بدأ عرضه في الداخل الفلسطيني مؤخرا.

كوميديا فلسطينية

يقدم زعبي فيلما فلسطينيا كوميديا يتميز بسلاسته وبساطة حبكته التي تدورفي قرية فلسطينية جليلية، وتعرض صراعا يدور ما بين السكان والسلطات الاسرائيلية حول وجود برج خليوي في وسط القرية، من خلال أحداث بطلها شاب مراهق (جودت) لا تساعده الظروف من حوله أن يتطور نتاجا للأوضاع الاجتماعية – السياسية التي يعيشها، في ظل وجود أب غاضب يرى فيه شابا يستعمل هاتفه المحمول بلا مسؤولية وباستمرار لمُغازلة البنات، لا ينجح في اجتياز اختبار اللغة العبرية، دائم التسكع مع أصدقائه في القرية،الى ان يتحول جودت ودون أي سابق انذار، الى شريك لوالده في نضاله ويتولى ترتيب المظاهرات المطالبة بسحب البرج الخليوي لأضراره على سكان القرية من خلال مفارقات ومواقف كوميدية.

يظهر زعبي تلاحما ملفتا ما بين جيلي النكبة الثاني والثالث من خلال علاقة بطل الفيلم بوالده، فعادة ما يتسم جيل الآباء في الأفلام الفلسطينية إما بالانكسار أو المسكنة أو الغضب دون مبادرة للتغيير، لكن في"بدون موبايل"  نلحظ نموذجا لوالد ينتمي الى الجيل الثاني للنكبة ما زال ثائرا وذا مزاج حاد ويسعى بفعله الى رؤية قريته أفضل ويناضل في مساحته الصغيرة، وبفضل هذا التلاحم يقود الأب والابن معا حراكا جماعيا على مستوى القرية يحاولان من خلاله تغيير الواقع .

بعيدا عن المبالغات

يحسب لمخرجنا الفلسطيني قدرته على رسم كوميديا سلسة وتلقائية على الشاشة مصنوعة بذكاء وحرفية تعتمدعلى كوميديا الموقف دون ابتذال او تهريج، معادلة يصعب تحقيقها وتتطلب توجيهات دقيقة جدا من المخرج، بالذات لطاقم تمثيل جزؤه الكبير ممثلون غير محترفين، أدوا أدوارهم بعفوية شديدة في وقت كدنا ننسى فيه تقريبا معنى التمثيل التلقائي في الكثير من الافلام الفلسطينية.

المواقف الكوميدية في "بدون موبايل" مليئة بالخصوصيات المحلية الفلسطينية، إلا أن الفيلم في الوقت ذاته يحتوي على مقومات عالمية تذكرنا كثيرا بالافلام الأوروبية ذات الملامح النيو- واقعية التي تسرد المجريات اليومية وصراع الانسان البسيط في محيطه، بايقاع غير متسارع نسبيا دون إبهار في تقنيات التصوير، ومع ذلك لم تغب القضية السياسية والملاحقة الأمنية والعنصرية التي يعاني منها الفلسطينيون في الداخل في مجالات التعليم والعمل والتطور، وان كانت بعيار خفيف نسبيا وبنكهة "ساتيرية"لا تعطل سير الكوميديا ولكنها تحمل مدلولات كبيرة وتعطي للفيلم بعدا سياسيا هاما عبر رسائل وجمل ملفتة في الشريط السينمائي.

يبقى الاختبار أمام "بدون موبايل" والذي طاف عشرات المهرجانات العالمية وفاز في بعضها كمهرجان مونبيلييه الفرنسي،أن يثبت نفسه كفيلم تجاري (كما يرغب مخرجه) في الأراضي الفلسطينية، قادرعلى اجتذاب الجماهير، متحدّ لظروف التوزيع والتسويق الصعبة في الداخل الفلسطيني، والتي ساهمت بشكل او بأخر في بلورة الاشكال الحالية للافلام الفلسطينية، إثر رغبة المخرجين في تطريز أفلام تناسب مقاسات المهرجانات في المقام الأول ، وإن أفلح "بدون موبايل"في فتح الطريق لسينما فلسطينية تجارية تتحرر من قيود الممولين قليلا، هل ستشجع تجربة زعبي مخرجين آخرين على التفكير في فيلم فلسطيني ذي جانر سنيمائي لم نعتد عليه؟

هل ستدخل قوالب كالأفلام الغنائية أو البارودي أو الفنتازيا قاموس السينما الفلسطينية؟ويبقى السؤال الأهم: هل نحن كفلسطينين قادرون على أن نقوم بذلك تحت الاحتلال؟

* ناقد من فلسطين

عين على السينما في

30/05/2013

 

سيعرض خلاله 146 فيلماً من كافة أنحاء العالم

الإعلان عن التحضيرات الخاصة بمهرجان أدنبرة السينمائي

أشرف أبو جلالة

 

 ينطلق مهرجان أدنبرة السينمائي باسكتلندا في التاسع عشر من الشهر المقبل، حيث تعرض فيه العديد من الأفلام العالمية بمشاركة كوكبة من النجوم والممثلين ومنهم، جوان فروغات، ستيف كوغان ومارتن فريمان

أعلن منظمو مهرجان أدنبرة السينمائي لعام 2013 أن الفيلم الجديد لبطلة سلسلة أفلام هاري بوتر، ايما واتسون، الذي يحمل اسم "The Bling Ring" سيتم عرضه للمرة الأولى في المملكة المتحدة ضمن فعاليات المهرجان الذي سيقام في اسكتلندا.

وينتظر أن يشارك بالنسخة الـ 67 للمهرجان السنوي الذي سيقام في حزيران/ يونيو المقبل 146 فيلماً من كافة أنحاء العالم. وسيكون الممثل الاسكتلندي، روبرت كارليل، الذي اضطر للانسحاب العام الماضي بسبب مرضه، من بين ضيوف هذا العام.

ويضم برنامج المهرجان القادم عدداً من الأفلام الاسكتلندية الجديدة، بما في ذلك فيلم The Great Hip Hop Hoax، الذي يتحدث عن اثنين من مطربي الراب الاسكتلنديين.

أما فيلم The Bling Ring ، الذي تسرد فيه المخرجة صوفيا كوبولا قصة عصابة مراهقين مهووسة بأضواء الشهرة والنجومية في لوس أنغلوس وتقوم بعمليات سطو على منازل بعض المشاهير، فهو واحد من 30 فيلماً سيعرَضون للمرة الأولى بالمملكة المتحدة خلال المهرجان، وفقاً لما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية.

كما تحضر السينما الفلسطينية في المهرجان من خلال فيلم للمخرج مهدي فليفل يعالج قضية اللاجئين الفلسطينيين.

ويسرد الفيلم الوثائقي "عالم ليس لنا" حياة عائلة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، وتنقل أفرادها بين المخيم ودبي في الإمارات العربية المتحدة.

وتضم المنافسة الدولية هذا العام عروضا متنوعة، حيث يعرض فيلم "شاكر السمين"، وهو حكاية رمزية لما يشبه الحلم لمحمد شيرفاني وتم تصويره في طهران.

كما يعرض فيلم "زوجات سماويات من مرج ماري" لأليكسي فيدورتشينكو عن طقوس وتقاليد جماعة عرقية روسية.

وقالت شبكة البي بي سي إن المهرجان هذا العام سيعرض أفلام من 53 دولة، منها 14 أول مرة يتم عرضها عالمياً و 6 دولياً و 10 أوروبياً. وسيضم عرض المخرجين فيلم We Steal Secrets: The Story of Wikileaks لأليكس غيبني

وتضم العروض الخاصة الأخرى الفيلم الوثائقي Fire in the Night، الذي يسرد القصة الخاصة بكارثة منصة بايبر ألفا النفطية، التي راح ضحيتها 167 شخصاً. ومن المقرر أن يقام المهرجان في الفترة ما بين الـ 19 والـ 30 من الشهر المقبل

وسيشارك بالعرض السينمائي للمهرجان عدة ممثلين بريطانيين من بينهم جوان فروغات، ستيف كوغان ومارتن فريمان

وقال كريس فوجيوارا المدير الفني للمهرجان: "أنا فخور للغاية بأنه في ثاني عام لي بالمهرجان نجحنا مجدداً في وضع برنامج يعكس تعهدنا في المهرجان بالسينما العالمية، بالاتساق مع منحنا فرصاً للمشاهدين لكي يكتشفوا مجموعة كبيرة من الأعمال المميزة لمخرجين بريطانيين".

وأضاف:" إن المهرجان يظل كخزانة عرض التحف بالنسبة للسينما البريطانية"، وقال "إنه أيضا واحد من المهرجانات السينمائية الدولية التي يطمح إليها صانعو الأفلام الناشئون من جميع أنحاء العالم لعرض أفلامهم".

إيلاف في

30/05/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)