حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أداء صوتي ومشاهد مُصوَّرة ومصاحبة موسيقية

«نبيّ» جبران في السينما.. مزيج فنون

نديم جرجورة

 

ما الذي يدفع مخرجاً وموسيقياً إنكليزياً في الواحدة والخمسين من عمره إلى تحويل نصّ أدبيّ صدر للمرّة الأولى باللغة الإنكليزية في العام 1923؟ إلى أي مدى يُمكن لنصّ أدبيّ كهذا، طرح أفكار لمؤلّفه تبدو اليوم عادية جداً، أن يُشكّل نواة لفيلم سينمائي يرتكز، أساساً، على الصُوَر والموسيقى؟ بهذا المعنى، هل يُمكن القول إن النصّ الأدبيّ هذا لا يزال قابلاً للقراءة والنقاش النقديّ، ناهيك عن تحويله إلى شريط من اللحظات الإنسانية، والمتتاليات البصرية المتعلّقة بأنماط الحياة اليومية، والحالات العاطفية، والانفعالات والأفكار والهواجس؟

بعد عامين على إنجازه، وفي العام الذي يشهد مرور تسعين عاماً على صدور النصّ الأدبيّ، بات يُمكن لهواة السينما مُشاهدة «النبيّ» للإنكليزي غاري تارن، المقتبس عن «نبيّ» جبران خليل جبران، بل الذي حوّل «نبيّ» جبران إلى فيلم مصنوع بصُور تعكس مضامين الأفكار، وبموسيقى تواكب المسار الذي أدركه المصطفى، الحبيب المختار، في رحلة البحث عن معاني الحياة والموت والعلاقات والتفاصيل. فيلم مشغول بوتيرة السرد (أداء صوتي للبريطانية ثاندي نيوتن) المترجم إلى لقطات مُصوّرة في لبنان ونيويورك ولندن وصربيا وميلانو، وإلى شريط موسيقيّ يُخفّف من حدّة السرد اللفظي (مع أن هذا الأخير عابقٌ بسلاسة القول، وجمال النبرة، وحُسن النطق)، ويُعين المُشاهد على اختراق تلك العوالم الجبرانية، التي تبدو اليوم عادية جداً. أقول «حدّة» السرد اللفظي، وأعني به تقنية نقل النصّ إلى الشاشة. كأن الصوت النسائي، مهما بلغت جماليته في القول، يبقى مشدوداً إلى مفهوم القراءة البحتة. بينما ثاندي نيوتن، والموسيقى (تأليف تارن نفسه، مستخدماً العالم الأوكسترالي، ومستعيناً بالـ«غيتار» والـ«تشيلّو» وقواعد المزج الموسيقيّ بين أنغام مختلفة) تمنح هذا الأداء الصوتيّ مكانته في التعبير عن أعماق الذات الإنسانية الباحثة عن خلاصها وسط غليان البيئات الاجتماعية، والتحوّلات الصاخبة.

النصّ الأدبيّ لجبران تحوّل سريعاً، غداة صدوره، إلى ما يُشبه الإيقونة. التأثّر الجبراني بنيتشه واضح. اللغة المستخدمة بسيطة، لكن الأفكار المطروحة شكّلت يومها إضافة نوعية تتيح للمتأثّر بها إمكانية تفعيل تمرّده على الثوابت المعمول بها حينها. الفيلم، بهذا المعنى، أخرج الأفكار من إطارها التقليدي، إلى رحابة العالم الراهن بضجيجه، وتمزّقاته، وأشيائه المعلّقة، وحكاياته الملتبسة. صحيح أن المشاهد المُصوّرة بدت ترجمة بصرية مباشرة لبعض هذه الأفكار (المحبة، الزواج، الأولاد، العطاء، إلخ.). لكن الأصحّ أن لقطات عديدة تجعل المُشاهد يظنّ أن الاستماع إلى النصّ الأدبيّ، ومشاهدة المتتاليات البصرية، والتمعنّ بالأنغام الموسيقية، دعوات ملحّة إلى تحرير النصّ نفسه من لحظته الآنيّة، ودفعه إلى تفسيرات أخرى: «البحث عن الجمال في كل يوم يمرّ»، أحد الركائز الفنية والدرامية للفيلم، الذي «يترك مسافة لكل مُشاهد كي يبحث عن تفسيراته الخاصّة». بهذا المعنى، يُقدّم «النبيّ» السينمائي حيّزاً خصباً بتمرين المخيّلة على استنباط الأشياء والتفاصيل من أعماق الصُور، ومن هناءة الصوت، ومن قوة الموسيقى في مواكبة هذه الرحلة الإنسانية المرتبكة والقلقة: «إنها عين فاسقة تراقب العالم عبر عدسة الحصافة الشعرية»، كما قيل في الفيلم.

اللافت للانتباه في «نبيّ» غاري تارن كامنٌ في قدرته على إثارة بلبلة إزاء آلية اشتغاله السينمائي. هذا نمط لم تعتده العين العربية. هذا شكلٌ لم يتآلف مع المتخيّل العربي. هذه طريقة أصيلة في غرب أتقن مزج الفنون بعضها ببعض، صانعاً منها ما يتجاوز الفن، وما يخرج من الإلهام، وما يُضيف إلى الوحي من براعة الابتكار. «نبيّ» تارن قدّم لـ«نبيّ» جبران خليل جبران فرصة البوح العصريّ عن مكنون ذاتيّ عاصف في أروقة الوعي المعرفي، وأزقّة اللاوعي المجنون في إعادة تركيب العالم وفقاً لطقوس أخرى.

«البايرة» لمحمد التازي..  نموذج الفيلم «الشرعي»

محمد بنعزيز (المغرب) 

دخلتُ قاعة سينما في الرباط منتصف نيسان لمشاهدة فيلم «البايرة» لمحمد عبد الرحمان التازي. انزويتُ في مؤخرة القاعة. كان الجالسون في المقاعد القريبة مني برفقة شابات، ظهر دفء الربيع على ملابسهنّ. كان اختيار تلك المقاعد تعبيراً عن نيّة مُبيتة

يحكي الفيلم عن وفاة تاجر خلّف أرملتين وابناً وابنة فاتها قطار الزواج. يأتي عمّها الستينيّ الأعزب ليبحث لها عن زوج. في كلّ مرّة يجلب رجلاً لعلّها تقبل به، لكنه يهرب. اشتُقّت صفة «البايرة» من الأرض البور، أي التي لا تُسقى، وبالتالي لا تثمر. هكذا ينظر المجتمع المغربي للعانس. البايرة مضيفة طيران، يرفضها الرجال المقترَحين لأن سنّها كبير. يأتي جزّار لخطبتها، فيغضب لأنها غير سمينة. الغريب أن الشخصية التي يحمل الفيلم اسمها لا تحظى بالأولوية. لا يتصوّر المخرج أن تكون المرأة بطلة لفيلمه على الرغم من العنوان. فالعمّ (صلاح الدين بنموسى) هو الذي تتبعه الكاميرا طيلة الوقت في مغامراته الطيّبة: تعطّلت سيارته، وحين فتح غطاء المحرّك غطى الدخان وجهه فصار أسود. شاءت الصدفة الربانية أن تمرّ سيارة شرطة، فاعتقله رجالها، ليجد نفسه مع المهاجرين الأفارقة. في مخفر الشرطة، مسح وجهه فظهر أنه أبيض، فأطلق سراحه، وبقي السود معتقلين. طبعاً، هناك كيس كليشيهات حول النساء: امرأة تقود سيارة ترتكب مخالفات وتحمّل المسؤولية للضحايا. «نكت» حول العنوسة، أهمها اللجوء إلى فقيه ليُبطل السحر الذي عطّل زواج البايرة. يجري ذلك أمام أرملتي الهالك، اللتين تعيشان في سلام ووئام كما في الجنّة.

هذا فيلم لم يُغضب أحداً ولم يُهاجمه أحد. لم يحطّم رقماً قياسياً في المُشاهدة، ولم يظهر عنوانه في صفحات الجرائد. رُبّ سائل يسأل: «وما الداعي إلى الكتابة عنه؟». الجواب العملي: «إنه من أنصار الفن النظيف». فيلم يحترم معايير الذوق، ويقدّم شخصيات طيّبة بلون واحد. كوميديا بسيطة حول الزواج في مجتمع تقليدي. فيلم يُمكن «للعائلة كلّها» مشاهدته، كما يفخر أنصار الفن النظيف. فيلم يُركّز على مسائل اجتماعية لا تثير قضايا خلافية. يجري فيه حوار فصيح تجريدي، معقّم بماء «جافيل» ضد كلّ لفظ رائج في الشارع.

صوّر المخرج العموميات، بينما مهمّة الكاميرا التلصّص على المجتمع لإبراز تفاصيله. تطبيقاً لقوله تعالى في سورة الحجرات «ولا تجسسوا». لذلك، صوّر شخصياته بكامل لباسها على الشاطئ، وحين يستحم العمّ يفعل ذلك بتبان شرعي يصل الركبة لكي لا تتجسّس الكاميرا على عورته. لا يصوّر «البايرة» وخطيبها في خلوة غير شرعية. ليس في الفيلم قبلة يضطر الرقيب لحذفها. طبعاً، مخرج فاضل سيدخل الجنّة من دون حساب، لأنه صوّر بكاميرا تغضّ البصر كي لا ترتكب جرم الزنا. هذا فيلم يستحقّ أن يتّخذه المخرجون المغاربة قدوة في زمن صعود الإسلاميين، وتزايد التديّن الشفوي

هذه خلاصة ساعتين من الضجر. قصّة مُستهلكة فارغة، تحمّلتها لأكتب عن الفن النظيف. المشكلة أن العشّاق حولي توقّفوا عن المشاهدة وانهمكوا في علاقات حميمية تلصّصت على هسيسها. هكذا، غابت القبلات عن الشاشة، واشتعلت في مؤخّرة القاعة. هذا ما يضع خصوم السينما في وضع حرج مع جمهور يؤيد الإسلاميين، لكنه لا يريد فنّاً نظيفاً. في تعليقه على تعامل الأسر المغربية مع السينما، قال المخرج المغربي عزّ العرب العلوي ان تلك الأسر تفضّل الأفلام الوطنية. لكن، عندما تدخل الأسر المغربية قاعة سينما، وتجد فيلماً غير محتشم، يحتجّ الأب، وتغادر الأسرة القاعة. بعد ذلك، يأتي الأب ليُشاهد الفيلم مع أصدقائه، وتأتي الأم مع صديقتها، والابن مع أصدقائه، وهكذا يتضاعف عدد التذاكر التي تباع.

السفير اللبنانية في

16/05/2013

 

محمد ملص يصعد كي يــرى دمشقَ ويقفز

حسين بن حمزة, أنس زرزر 

«بعدما تشظينا، نحن اليوم في انتظار أن نؤكل ويبتلعنا التاريخ». بهذه الجملة يختتم حواره معنا. صاحب «المنام» اتخذ من بيروت محطةً موقتةً حيث انتهى من فيلمه الجديد «سلّم إلى دمشق»، وعاد إلى العاصمة السورية. في مكاتب «الأخبار»، التقيناه، فأخذنا الحديث إلى الراهن المتفجّر وحيثيات تصوير شريطه الذي أراده شهادةً وجدانية للتاريخ عما يحدث اليوم

لم يتخلَّ محمد ملص (1945) عن السردية في أفلامه. المخرج الذي بدأت «سينما المؤلف» في سوريا بشريطه «أحلام المدينة» (1984)، ظل التأليف ــ بالمعنى الحرفي والمجازي ــ جزءاً من معجمه السينمائي الذي راهن فيه على الخصوبة التعبيرية والوجدانية التي تتحرك على حواف التاريخ والواقع والذاكرة. شغفُه بالسرد كتَّبهُ الرواية واليوميات، إلى جوار أفلامه. كأنّ الكتابة كانت فائض المادة البصرية، أو لعل السينما كانت خلاصة المادة السردية.

في الحالتين، ظل صاحب «الليل» مخلصاً لمزاجه التأملي والتعبيري في قراءة وتنفيذ سيناريوهات أعماله. مزاجٌ يُبطئ حركة الواقع أو يستبدلها بظلال شعرية تملأ الكادر البصري بالألوان والضوء والتفاصيل. فيلمه الجديد «سُلّم إلى دمشق» يعدنا بجولة أخرى من هذه الممارسات السردية والبصرية التي تكتب اللحظة الراهنة وتتأملها في آن واحد. كأنّها «أحلام المدينة» ذاتها، لكن في طبعة جديدة ومنقحة.

في البداية، سألناه عن الصمت الذي أحاط به «سلّم إلى دمشق»، فأجاب «أي صمت؟ أنا غارق في فيلمي الجديد! ولا صوت لي إلا صوتي السينمائي». قد تكون «الآه» لدى البعض، أبلغ وأشد وقعاً وتأثيراً من الكلام عن الواقع المؤلم والدموي الذي تعيشه سوريا منذ أكثر من عامين. لكن «الآه» التي زفرها ملص في بدء حوارنا معه؛ سبقها بأنّ «ما يحدث في بلدي اليوم من قتل وتدمير، يجعلك تشتهي أن تلتف على نفسك وتنسلّ إلى كيس بلاستيكي أسود يُرمى في حاوية من حاويات التاريخ. نحن مهمّشون الآن كما كنّا من قبل. كل يوم، تتمزق أجنحة الحمّام ذعراً قرب نافذتي هرباً من القصف والقذائف. تسيل الدماء في الشوارع وتفرّ روحي لتطرش جدران غرفتي بالعجز والعدم. هي المدينة ذاتها، وقد هربت عروقها ودماؤها وبقي لون الفشل الجاف. هذا اليوم هو كل يوم من أيامنا السورية. ولأنّ لا صوت لي إلا صوتي السينمائي، فقد انتفضت روحي وأمسكت سلماً سينمائياً؛ واشتهيت أن أصعد إلى قاع الكارثة التي نعيش».

محمد ملص الذي حلّ في بيروت لاستكمال العمليات الفنية الأخيرة لـ«سلم إلى دمشق»؛ التقته «الأخبار» قبل العودة إلى بيته وأهله في دمشق. كان يُفترض أن يكون الفيلم إحدى المحطات الرئيسية في هذا الحوار الذي أجرته «الأخبار» مع صاحب «باب المقام». لكن الطبقات المتعددة للزلزال الذي يعصف ببلده، أزاحت بوصلة اللقاء إلى الراهن المتفجّر. هكذا، تحوّل الحوار إلى شهادة وجدانية للتاريخ عما يحدث اليوم. يرفع ملص صوته متسائلاً: «وهل يحتاج التاريخ إلى مزيد من الشهادات عما يحدث؟!»، قبل أن يضيف: «لم أكن أتمنى لأحد أن يخرج من سوريا. مع تقديري لظروف وحق كل منا في ما فرض عليه في خياره، أنا باق في دمشق أعايشها يومياً؛ وأتمنى أن أموت فيها». حول فيلمه الجديد، يقول صاحب «أحلام المدينة»: «منذ اللحظة الأولى للانتفاضة؛ حاولت أن أعي وأدرك هذا الحدث المدهش والمفاجئ وطبيعة الرد القاسي عليه.

سعيت لمعرفة حقيقة ما يجري. السينما بالنسبة إليّ هي شهادة وموقف من اللحظة الزمنية التي يتم فيها تحقق أي فيلم وعلاقة هذا الفيلم بالواقع. عملي الجديد هو أولاً قراءة وجدانية لما يحدث اليوم في سوريا. مجمل الأفلام التي حققتها قبلاً هي شهادة للتاريخ، بمعزل عن الأحداث التي سبقت أو أعقبت لحظة إنجازها الأخيرة. و«سلم إلى دمشق» هو محاولة للسؤال المؤلم عن حالة الحصار والاختناق التي تعيشها الشخصيات الشابة في مجتمع سدّ كل طرق النمو والتخلق. طاقة مجتمعية محاصرة وملغاة نراها في الفيلم حبيسة جدران المنزل الذي تعيش فيه؛ لكنها تتلاشى خارج هذه الجدران. إنه هو السؤال ذاته الذي يقفز في كل عمل وحديث اليوم: ما الذي يحدث؟». لدى محمد ملص، مفهوم خاص حول علاقته الإبداعية بالمسار الذي يتطلبه العمل السينمائي، يختصرها بالقول: «نص السيناريو ليس مقدساً بالنسبة إليّ. هو وليد يتخلّق ويتطور أثناء عملية التصوير. المنهج الذي أتبعه يقوم على قدسية النص الوليد، سواء أكتبته منفرداً أم بمشاركة أحد. هو يبقى نصاً على الورق. لدى الانتقال إلى عملية التصوير، تنكسر قدسية النص ويصبح التصوير هو المقدس، ويتحوّل النص إلى بوصلة لا أكثر. هذا ما ينطبق على بقية العمليات الفنية الأخرى لاحقاً».

صعوبات التصوير

نسأله عن طبيعة الظروف والمشاهد الحياتية التراجيدية والمغرقة في الدموية التي كانت تحيط بالمناطق والمحافظات السورية التي شهدت مراحل تصوير العمل، فيجيب: «أعتقد أنّ السينما لا تلهث وراء الأحداث اليومية أو البعد الإخباري. هذا هو أيضاً طريق أي عمل ابداعي وأدبي. ظروف «الحرب» تضع تحقيق الفيلم أمام المزيد من الصعوبات. مخاطر المفاجآت واحتمالات التوقف في كل لحظة أمر ممكن. خلال التصوير، واجهنا الكثير من هذا، وربما واجهنا قلقاً ومخاوف أكبر. ربما يصعب تخيل تلك الطبقات من المخاوف التي عشناها. في الوقت الذي تشتعل في داخلك طاقة تصوير لحظة من الحب مثلاً؛ أو لقاء بين حبيبين؛ يتناهى إليك صوت القذائف المتساقطة على ضواحيك؛ وكثيراً ما كانت هذه الأصوات تقتحم قدرة الكاميرا في تلك اللحظة. لكنّك تتابع التصوير وأنت تعرف أين ستسقط هذه القذيفة وعلى مَن. وربما هذا الممثل أو تلك الممثلة التي تؤدي هذا المشهد، سيعيشان قلقهما مع المشهد الذي يؤديانه، ويفكران كيف سيصل كل منهما إلى بيته في واحدة من تلك الضواحي. لكنّ روحي المشتعلة وراء الكاميرا كانت تؤمن بعمق بأنّ ما يحدث اليوم في سوريا يكشف بشكل أساسي وعضوي؛ ما هو مخبأ داخل هذا المجتمع، ويشير بقوة إلى ما يعانيه من مصائب أساسية. ولأنّ السينما هي فن عابر للزمن؛ عليك أن تمسك بقوة روح تلك الحركة المجتمعية وعناصرها الحقيقية الكامنة».

يأخذنا الحديث مع صاحب «المنام» إلى بداية الأزمة والحرب السورية الراهنة. تبدو القراءة مشبعة بالحزن والغصة. لحظات فرضت علينا الصمت والكف عن طرح الأسئلة المعدة للحوار، والاستماع إلى كلمات خارجة من قلب يعتصره الوجع والألم. يقول «أعتقد أنّ للأحداث السورية بعدين: الأول تلخّصه الطريقة التي خرج بها الناس إلى الشوارع ليعبروا عن أنفسهم بعدما فقدوا القدرة على التحمل، فاكتشفوا أنفسهم مجدداً. البعد الآخر طرأ على الحراك بعد أشهر، ويلخّصه بتحوّل انتفاضة الشعبية بحثاً عن الكرامة، إلى صراع مسلح على السلطة متعدد الزوايا والطبقات. هذا ما شرّع الأبواب أمام جميع الطامحين، وجميع الأجندات الخارجية المتناقضة والمتلاقية عند نقطة الالتهام الكامل لسوريا. سوريا التي كانت مفخرة حقيقة وانسانية في بنيتها الداخلية وتنوعها الخصب» .

يتحرق السينمائي حسرة من التبدلات والانقلابات التي شهدتها الأحداث لاحقاً، مؤديةً إلى «تحول الناس الذين امتلكوا شجاعة وشهامة الانتفاض إلى ضحايا. غابت القدرة والوعي عند هذه الحركة الشعبية لوضع منهج وبرنامج سياسي يصون وجهتها. هذا الغياب وقع لدى الناس ولدى الطليعة السياسية والفكرية في البلد معاً. لم يعد لدينا الآن مكان أو زمان لترف اللوم. فقد سقطنا في قعر الكارثة. مذاق الخوف الذي ترعرعنا في داخله، قد انزاح أمام الإحساس الأكبر بالهول والبحث عن الخلاص من براثن كل هذه الشباك».

جنون المعارضة وقمع النظام

يرفض محمد ملص وضع كلّ قوى المعارضة السورية في سلة واحدة: هو يعرف أنّ «مجمل القامات السياسية المعارضة، سواء كانت داخل سوريا أم خارجها ذاقت الأمرين في ظل قمع النظام السوري خلال العقود الماضية. علينا الآن الإقرار بمسؤولية النظام في خلق هذه البيئة التي تضيّق على كل احتياجات الإنسان الحياتية والمعنوية والحقوقية والاقتصادية والفكرية من جهة، وعجز المعارضة في الداخل عن تلقف هذا الحراك واحتضانه وصوغ طرق عمله. هلّت علينا معارضة من الخارج بخرائط جنونية مسمومة؛ فاكتملت حلقة النار الشرسة وأسقطت الجميع في أتونها. غدا الحراك الأولي انتفاضة شعبية أضاعت أهدافها وأفكارها. افتقدت هذه الانتفاضة في مراحلها الأولى قامات ذات تراث نضالي متحررة من رد الفعل؛ وذات رؤية تعينها على وعي اللحظة التاريخية؛ وما يحيط بها من تربص؛ وتعي في الوقت نفسه جوهر النظام وقدرته الحقيقة. لكن اللحظة لم تبدع نواتها وسط تيارات بالجملة لم يحكمها إلا رد الفعل والإستناد إلى الماضي وثاراته وايديولوجيات تراثية مهترئة لا تشبه ولا تنتمي إلى الجيل الشاب المنتفض. بعد كل هذا الدمار والقتل والإعتقال والصمود؛ اقتيدت إلى اشتباك مجتمعي وأد هذه الانتفاضة، وسادت لغة الصراع على السلطة والنفوذ وتسديد الفواتير» .

يستهجن فكرة وضع مجمل أحداث الانتفاضة ثم الحرب التي تعيشها سوريا ضمن إطار المتوقع وغير المتوقع: «ما آلت إليه أحوالنا أسوأ بكثير من فرصة التوقع أو الرهان. فقد مادت الأرض من تحتنا وتحولنا من شعب إلى كومة حطب ليس لها من دور سوى أن تموت قتلاً أو صلباً أو كمداً أو أن تفر أو تهاجر. نحن نطارد يومياً من قبل الموت والخطف والسلب أو من الصدفة العمياء. وبين النفس والآخر؛ وبين الحائط والباب، نتابع مشاهد حياتنا ومصائرنا في كادرات سينمائية ومشاهد متقنة ومصنوعة بأحدث الطرق من دون أن ندري هل نحن خارج الشاشة أم داخلها. هل نحن داخل الحياة أم خارجها؟ هذا السيناريو أعد سلفاً ربما منذ أكثر من 10 سنوات. وسبق أن أعلن عن افتتاحه الصاخب في المنطقة كلها؛ والبدء بتنفيذه في المشهد العراقي... وبشّر مؤلفوه ومخرجوه المنطقة كلها بهذا المآل. أليست هي قصة موت معلن؟!».

فيلم عن الحرية والشباب

يعيدنا ملص إلى فيلمه «سلم إلى دمشق» الذي سيشارك في عدد من المهرجانات أولها «البندقية». في هذا العمل، يعطي الكلمة للجيل الشاب: «هذا الجيل المحاصر بكل الاحتياجات هو الذي اندفع كي يفتح الطريق، ثم تُرك للموت أو الهجرة أو الضياع. والسلم هو للصعود من الأقبية والزنازين لاكتشاف أنفسنا والتعبير عنها. هو ذاق طعم الخروج من هذه الأقبية حتى لو أدى ذلك إلى الموت. مجمل أحداث الفيلم تدور في بيت دمشقي قديم، يقطنه عدد من الشباب والشابات ينتمون إلى بيئات ومناطق مختلفة من سوريا. القاسم المشترك بينهم، هو احتياجات واحلام الشباب بالتغيير والتوق إلى الحرية». حين نسأله عن التحية التي وجّهها إلى صديقه عمر أميرلاي في الفيلم من خلال مشهد البداية الذي يظهر قبر المخرج السوري الراحل، يقول: «لقد فقدنا الكثير من الأصدقاء والأحباء من أبناء جيلنا الذين رحلوا قبل المحنة السورية، لكنهم تركوا تراثاً من المواقف والأعمال المبدعة معيناً لنا في لحظات كالتي نعيشها اليوم. المشهد ليس تحية لكل هؤلاء فقط؛ بل إنه تعبير عن ارتباطهم بهذا الجيل الذي ينتفض وافتقادهم بيننا».

قراءات استباقية مختلفة تناولتها الصحف والمواقع الإخبارية للفيلم المرتقب، باعتباره حدثاً يكسر حالة الركود الثقافية المسيطرة على الأوساط السورية. البعض حاول اسقاط أحداث وشخصيات الفيلم على أحداث الثمانينيات، والربط بينها وبين الحرب السورية المستمرة اليوم. يرد ملص: «سبق أن قلت إنّ هذا الفيلم ليس عن الماضي ولا عن المستقبل. حكاية التقمص التي تعيشها إحدى شخصيات الفيلم الرئيسية، ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بأحداث الثمانينيات. الفيلم كما أطمح يذهب إلى مكان أبعد وأكثر عمقاً. حالة البوح الوجداني في هذا الحوار، تضعني أمام خمسة ملايين مواطن سوري هم خارج أماكنهم وبعيداً عن ذاكرتهم. سوريا التي أعشق مدمرة أمام أعداد كبيرة جداً من الشهداء والمفقودين والمعتقلين. أي عجز مطلق ذاك الذي يجعلك تشتهي أن تنهي أحد أفلامك؛ كما كنت قد أنهيت فيلمي «المهد» بذاك الشاب الذي يجول وحيداً في صحراء شاسعة؛ حاملاً سيفه وبصارع رمال هذه الصحراء، ويصرخ بعدما احتل العدو داره وأحرقها: أين يقيم الجسد حين يضيق فضاء الحبّ والكرامة؟ صباحات كثيرة تمرّ وأنا خلف نافذة بيتي أرى القصف ينهمر فتفرّ حمائم السطح مذعورة. أبقى وحيداً تلتف حول أنفاسي الأسئلة. لماذا صنعنا تلك الأفلام؟ أين تفر تلك المشاهد؟ كيف تحترق شرائط العمر دون رماد؟ أقسى أنواع الإحتراق أن تكون بلا أثر. كيف تكتنز سينمانا وكتبنا ولوحاتنا وأغانينا وأعمالنا بأفكار وأحلام وطرائق حب لتسقط أيامنا آخر العمر في شوارع القتل البدائي؟». يتمنّى ملص أن يكون العرض الأول لفيلمه في دمشق، لكنّه يستبعد ذلك ليس بسبب الأحداث الأمنية والحرب الدائرة هناك فحسب، بل «بسبب عقلية الرقابة. لا أظن أنها تغيّرت في التعامل مع أي منتج سينمائي أو ثقافي قبل أو بعد الأحداث السورية». بعد انتهاء العمليات الفنية لـ «سلم إلى دمشق»، عاد ملص إلى دمشق تأكيداً منه لرفضه فكرة الهجرة ومغادرة البلد. الحرب المستعرة لم تمنع السينمائي من التفكير في صناعة فيلم جديد بدأ التحضير له بعنوان «ليت للبراق عيناً». يتحدث عن فكرته بالقول إنّ «الخوف والرعب يجعل التاريخ لا يبتلع أفكارك وعواطفك وأفعالك فقط، بل يبتلع أيضاً الوقت وإيقاع الحياة. تغدو إنساناً أشبه بمن داس عليه التاريخ تمهيداً لأكله». في تفكيره بمشروعه المقبل، يتذكر عبارة تقولها سيمون دو بوفوار: «فجأة انهال علي التاريخ، فتشظّيت» ويقول: «بعدما تشظينا، نحن اليوم في انتظار أن نؤكل، ويبتلعنا التاريخ. إني أجد نفسي أقول: ليت للبراق عيناً، لترى».

لحظة هاربة في الحوار

أنا ابن رجل سوري متمرّد. قضى ستين عاماً من عمره يمتطي حصاناً يجول به في سوريا كلها. لم يكن لديه إلا عيناه وصمته و«تنكة» العرق. وعندما خاب، اختار القنيطرة، فجاء إليها وتزوج. لقد أخذه الموت قبل أن أعي لأسأله:

عمّن كنتَ تبحث لدى معاصريك يا أبي؟

هل كنت تبحث عن عبد الرحمن الكواكبي؟

أم عن يوسف العظمة؟

أم عن أبو خليل القباني ؟

في القنيطرة لم يجد أمامه إلا الجدار ليصارعه في غضبه على تلك العسكريتاريا في إنقلابها الأول، فأمسك العسكري برأسه وضربه بمقدمة السيارة العسكرية، وصرخ في وجهه:

والله لنسيك حليب أمك!

من أوراقه الشخصية

* تبدو لي هذه الانتفاضة مرآة صافية وعميقة وبانورامية إلى تلك الحدود التي لا يمكن لغيرها أبداً أن تكشفها. لقد وضعتنا أمام أنفسنا بدرجة تمكّننا من أن نكتشف ذاتنا الحقيقية والعميقة، وإدراك ما نحن عليه على كل الصعد. ربما علينا اليوم أن نعي آثام التراث وذاك الخواء، والوعي المتداعي والمتناثر، وتفكك الادعاءات التاريخية عن أنفسنا. لقد فاحت رائحة هذا المستنقع العفن. الشهامة والبطولة والإصرار الذي قدمه شعب سوريا يحتاج بإلحاح كبير إلى طليعة تختلف كلياً عما بدا حتى اليوم.

* أنا العروبي الذي عاش صباه مع حلم تحقق الوحدة العربية وتحرير فلسطين، أحس اليوم بالتعاطف والرغبة في فهم أعمق لشخصية تاريخية لم يتح الإعدام السريع لها أن تبقى، فأعدمت، وكان إعدامها الإثم الأول لعسكريتاريا ذاك الزمن المبتذل؛ هذه الشخصية هي أنطون سعادة.

الثورة الحقيقية بدأت الآن: نجوم مصر أعلنوا الـ «تمرّد»

محمد عبد الرحمن/ القاهرة 

أعلن انضمامي إلى حملة «تمرّد»، وأطالب بسحب الثقة من الدكتور محمد مرسي». تغريدة كتبها الممثل المصري أحمد حلمي عبر حسابه على تويتر، أكّدت بشكل قاطع وصول تأثير حملة «تمرّد» إلى قطاعات كبيرة من المصريين، بعد أقل من شهر على انطلاقها ونجاحها في جمع تواقيع 3 ملايين شخص حتى الآن. ليس حلمي الفنان الأول الذي يعلن انحيازه للحملة، لكنه الأكثر شعبية، يتأثر به كثيرون، بمن في ذلك المنحازون للنظام الذين طالبوا ممثّلهم المحبوب بعدم الخوض في الأمور السياسية. حملة «تمرّد» التي دعت إليها مجموعة شباب، تنطلق من استمارات يطالب الموقّع عليها بسحب الثقة من مرسي بسبب إدارته السيئة للبلاد بشكل يستحيل الانتظار حتى تغييره عبر صناديق الاقتراع عام 2016. الحملة دعت إلى مليونية ضخمة في 30 حزيران (يونيو) في مناسبة مرور عام على تسلّم مرسي السلطة من المجلس العسكري. أوّل رئيس منتخب بعد الثورة، قابل الفنانين مرة واحدة فقط (الأخبار 8 /9 /2012) في لقاء أشبه بالدعاية. يومها، خرج النجوم من قصر الرئاسة كما دخلوه. لم يحصلوا على أي ضمانات تجعلهم يستكملون نشاطهم الفني من دون خوف من مطاردة المتشدّدين. ثم جاءت قضية الهام شاهين والداعية السلفي عبد الله بدر (الاخبار 20/4/2013) والهجوم المستمرّ الذي تشنه قناة «الحافظ» على الفنانين للتأكيد أنّ نظام الرئيس لن يقف في وجه المتطرفين وهجومهم على الفن المصري كما كان يفعل نظام مبارك.

هكذا، عاد الفنانون الذين شاركوا في تظاهرات ميدان التحرير إلى استئناف نضالهم ونشاطهم عبر المشاركة في حملة «تمرّد». من بين هؤلاء جيهان فاضل وخالد الصاوي اللذان يعدان من أبرز وجوه الميدان. واستنكر الممثل نبيل الحلفاوي الاعتداءات والاعتقالات التي تطال بعض أفراد الحملة كونها تقتصر على جمع التوقيعات بسلمية وبعيداً عن العنف. وانضم الشاعر أيمن بهجت قمر والملحن وليد سعد إلى الحملة، ووزّعا صوراً لتوقيعهما على استمارة «تمرّد» التي يتداولها المصريون بكثافة هذه الأيام. عبر الفايسبوك، وصف المخرج شريف مندور الحملة بأنّها «سابقة تاريخية لقيام ثورة بطريقة «هوم دليفري»، لأنّ الناس كسالى، فذهبت «تمرّد»، إليهم في الشارع والمنطقة والإنترنت. «إيه الجمال ده!».

وشهدت المسيرة المناهضة لوزير الثقافة الجديد علاء عبد العزيز أول من أمس توقيع عدد كبير من الفنانين والمثقفين على استمارات «تمرَّد» داخل «دار الأوبرا» في القاهرة من بينهم المنتج محمد العدل، والمخرج مجدي أحمد علي، والكاتبة فتحية العسال. وكان حسين فهمي هو المتحدث الرئيس في مؤتمر حاشد أقامته «أكاديمية الفنون» يوم الاثنين للاحتجاج على وزير الثقافة الجديد. وقال الممثل المصري في تصريحات تلفزيونية أنه يستغرب «طول صبر الشعب المصري عما يجري حوله حالياً»، مؤكداً اعتزاله التدخل في الشؤون السياسية خوفاً من تلفيق النظام القضايا له كما فعل البعض معه قبل سقوط مبارك. فيما قالت ليلى علوي إنّ الحديث يطول عن خيبة من حكم الإخوان لمصر. ودعا الأديب علاء الأسواني المصريين إلى المشاركة في حملة «تمرَّد» التي تهدف إلى جمع 15 مليون توقيع للتأكيد على الرفض الشعبي للرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان. وواجه نشطاء الحملة اعتداءات واعتقالات في بعض الجامعات والشوارع، وتعرّضت الكاتبة سعاد سليمان لمضايقات من رجال الأمن في «ماسبيرو» (مقرّ التلفزيون المصري) بسبب دعوتها موظفي المبنى إلى التوقيع على استمارات الحملة وسط مخاوف من انتشارها بين موظفي المبنى العتيق الغاضبين من طريقة إدارة وزير الاعلام صلاح عبد المقصود لمنظومة الإعلام في المحروسة. وجاء تصريح القيادي في الجماعة الاسلامية عاصم عبد الماجد ليعكس حجم تأثير «تمرَّد».

قال عبد الماجد الذي دعا إلى حملة مناصرة لمرسي بعنوان «تجرّد» إنّ «تمرّد» تتشبّه بـ«الشيطان اللعين لأنه أوّل من تمرّد على حكم الله». ودخلت على الخط النقابات الفنية الثلاث في مصر (الممثلين والسينمائيين والموسيقيين)، داعيةً أعضاءها إلى التوقيع على استمارات «تمرّد» في مقار هذه النقابات في وسط القاهرة. وكان خالد الصاوي قد كتب على تويتر: «حملة «تمرد» هي الحركة السلمية الأخيرة التي يمد بها شباب الطبقة المتوسطة يده، فلا تحرقوا آخر غصن زيتون، ولا تكسروا «مجاديف» الشباب المسالم، وإلا فإن البديل مرّ».

الأخبار اللبنانية في

16/05/2013

 

فتحوا خزائنهم.. ودخلوا معركة الإنتاج لمقاومة الركود

فلوس الفنانين.. هل تكون قبلة الحياة للسينما؟

النجوم يتجهون للإنتاج.. وروح زمن الفن الجميل تعود

رفيق أمين 

وسط حالة من الركود تصل الي حافة الانهيار في صناعة السينما. أعلن العديد من الفنانين عن خوضهم مجال الانتاج السينمائي كبديل لحالة البطالة التي يعاني منها البعض.. ورغم عدم حداثة الفكرة واقدام عدد من الفنانين في السابق علي انتاج أفلامهم الخاصة أمثال نور الشريف ونبيلة عبيد و نادية الجندي وغيرهم في أوج تألقهم الفني.. الا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل. ليعود الحلم ليطارد البعض مرة أخري في محاولة للعودة لشاشات السينما من ناحية وتحقيق الربح المادي من ناحية أخري.. ليرفع البعض شعار ¢الانتاج هو الحل¢ وسط مشهد ضبابي يعاني منه الوسط الفني. 

ورغم الهوجة التي انتابت الوسط لاقتحام مجال الانتاج السينمائي. الا أنه من الجدير بالذكر أن من أوائل النجوم الذين أقدموا علي تلك الخطوة هو النجم أحمد حلمي الذي شارك منذ فترة في انتاج عدد كبير من أفلامه التي عرضت قبل ثورة يناير و تدهور صناعة السينما.. مثل أفلام ¢عسل أسود¢. ¢بلبل حيران¢ ¢أكس لارج¢ وأخيرا ¢علي جثتي¢ من خلال شركة انتاجه ¢شادوز للانتاج الفني¢ ليستطيع تثبيت أقدامة في مجال الانتاج السينمائي وتحقيق نجاح ملحوظ من خلالها. 

ليتبع تجربة حلمي منافسه الأول في شباك التذاكر النجم أحمد مكي الذي قرر خوض تجربة الانتاج منذ فترة هو الآخر من خلال شركة انتاجة ¢بيرد أي¢ وتحديدا في عام 2010 و التي قام من خلالها بالمشاركة في انتاج بعض أفلامة مثل ¢لاتراجع و لا استسلام¢ و¢سيما علي بابا¢ و"سمير أبو النيل" ليكون النجمان هما الحافز والبوابة التي عبر منها مجموعة من الفنانين الي عالم الانتاج مثل الفنان عمرو واكد الذي قام بتأسيس شركة انتاجه الخاصة العام الماضي ليقدم من خلالها فيلمه الأخير ¢الشتا اللي فات¢ والذي نال عدة جوائز من العديد من المهرجانات الدولية.. والذي كان الدافع الرئيسي لعمرو للاقدام علي خطوة الانتاج وسط تخوف بعض الشركات من انتاج فيلمه الذي يتناول ثورة 25 يناير.. ليعاود عمرو الكرة مرة أخري من خلال فيمله الجديد مع نفس مخرج فيلمه السابق ابراهيم البطوط. والذي يتكتم واكد علي تفاصيله في الوقت الحالي رغم البدء في تصويره منذ ثلاثة أسابيع. 

ليكون فيلم ¢القط¢ هو التجربة الثانية له في مجال الانتاج السينمائي والذي يجسد ضمن أحداثه شخصية مجرم شهير. حيث يرصد تفاصيل عالم المجرمين و البلطجية و طريقة تفكيرهم. الي جانب تطرق الفيلم الي تجارة الأعضاء البشرية ليحاول مخرج العمل الانتهاء منه في غضون شهرين تمهيدا لمشاركته في أكثر من مهرجان سينمائي دولي علي غرار فيلمه السابق ¢الشتا اللي فات¢. 

النجم خالد صالح رغم انشغالة بتصوير ومتابعة عدد من أعماله الفنية في دور العرض. الا أنه لم يكتف بهذا الحد وانما أعلن منذ أيام عن نيته لانشاء شركة انتاج يحاول من خلالها انقاذ صناعة السينما التي تعاني من الركود في الوقت الحالي. ليقوم بمفاوضة عدد من أصدقائه الفنانين سرا لضمهم لشركة انتاجه. و علمت الجمهورية من مصادرها الخاصة أن أولي المفاوضات جمعت بين كل من النجمين خالد صالح وخالد الصاوي اللذين شاركا معا في فيلمهما الأخير ¢الحرامي والعبيط¢ الذي من المنتظر صدوره في قاعات السينما قريبا.. تلاها مفاوضات مع النجم أحمد السقا أيضا الذي تجمعه علاقة صداقة قوية مع صالح. 

المشكلات التي واجهته في تجربته الانتاجية الأولي لم تمنع الفنان محمد الشقنقيري من خوض تجربة انتاج جديدة. فبعد المشكلات التي واجهت مسلسله ¢في غمضة عين¢ الذي تقوم ببطولته الفنانة أنغام. والتي منعت عرضه في رمضان الماضي.. قرر الشقنقيري خوض تجربة جديدة و لكن في مجال الانتاج السينمائي من خلال فيلم ¢الوسيط¢ الذي يقوم بمرحلة التحضير له في الفترة الحالية مع مؤلف العمل مصطفي حمدي. 

ليصرح بأن المشكلات التي واجهته في أولي تجاربة الانتاجية وخروج مسلسله من السباق الرمضاني الماضي. لم تمنعه من تكرار تجربة الانتاج مرة أخري رغم حالة السوق الفني غير المستقرة.. ليؤيد الشقنقيري دخول عدد من الفنانين مجال الانتاج السينمائي قائلا: إن الأزمة في مصر لا تقتصر علي الانتاج الدرامي أو السينمائي فقط وانما في جميع النواحي السياسية والاقتصادية.. والأهم الآن هو الخروج من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة دون توقف عجلة الانتاج. وهو الذي من الممكن تحقيقه من خلال وجود تكتلات انتاجية من خلال تعاون مجموعة من الشركات لانتاج عمل مشترك. 

الفنان محمد رياض قرر هو الآخر خوض تجربة الانتاج السينمائي من خلال فيلم ¢المتحولون¢ الذي من المقرر أن يقوم ببطولته. ليصرح رياض ان المشروع في مرحلة التحضير في الفترة الحالية ولم يتم الاستقرار علي الموعد النهائي لبدء التصوير بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها الشارع المصري.. مستطردا أن الدخول في انتاج فني في الوقت الحالي هو مغامرة كبري يجب أن يتم دراستها جيدا.. 

وأضاف أنه من الممكن التغلب علي هذة الظروف السيئة من خلال الحسابات الفنية التي تحقق النجاح المتوقع للفيلم والتي تبدأ من الفكرة التي يجب أن تكون واقعية وبها قدر كبير من التشويق والامتاع لجذب الجمهور الي قاعات السينما مرة أخري. 

المتحدث الاعلامي للشركة العربية للانتاج عبد الجليل حسن قال إن ¢الهوجة¢ التي ظهرت فجأة في الوسط الفني ليست جديدة فهناك مجموعة كبيرة من الفنانين قاموا بخوض تجربة الانتاج من قبل. وبصورة عامة هي خطوة ايجابية تصب في مصلحة عجلة الانتاج االسينمائي. 

مضيفا أن مثل هذه الخطوات من جانب الفنانين تكون ناتجة في المقام الأول بعد تجاهل كامل من الدولة متمثلة في وزارة الثقافة ووزارة الاستثمار للسينما ومحاولة انقاذها من حالة الركود التي تعيشها. خاصة أنها صناعة محورية بشكل أساسي في الاقتصاد المصري. حيث إن لها سوقاً خارجياً كبيراً في الوطن العربي.. وهو ما تتجاهله الدولة تاركة مجموعة من التجاوزات تساهم في خراب هذه الصناعة مثل تسريب الأفلام علي شبكة الانترنت. وسرقة الفضائيات للأفلام ¢عيني عينك ¢.. وهو ما يجعل مهمة الفنانين صعبة لدخول مجال الانتاج السينمائي. 

ليل ونهار

"تتح" المتخلف!!

بقلم : محمد صلاح الدين 

طبعاً من حق محمد سعد أن يندهش من قلة الإيرادات مثل زميله مكي.. بل وقبلهما كان أحمد حلمي الذي يفوقهما في شباك التذاكر.. فالحال لم يعد هو الحال.. فلا أمن ولا أمان. ولا قانون ولا باذنجان.. وطبعاً لا ذبح العجول نافع. ولا إطعام الفقراء شافع.. المسألة أكبر من هذا بكثير.. حتي لو لعبت سياسة.. أو هيفت بزيادة!! 

وفيلم "تتح" للمخرج سامح عبدالعزيز حاول أن يلعب سياسة في غاية السطحية والهيافة.. فجاءت مجرد إفيهات لفظية وتعليقات لحظية. علي الوضع الحالي في مصر دون مناقشة حقيقية أو موضوعية لما يجري من تجريف للوطن.. يدفع ثمنه كل قطاعات المجتمع. وأولهم طبعاً الثقافة والفن! 

إننا نري تتح "محمد سعد" المتخلف بدرجة غير مفهومة في الشكل والنطق والتصرفات لدرجة أنني أحسست أنه يقلد "زلطة شو" في بعضه وكل ثراث "اللمبي" في بعضه الآخر.. خاصة "كركر" الذي استنسخه بصورة مزرية من دون مبرر. سوي إضفاء المزيد من الشكل الأراجوزي الذي لم يعد يصلح حتي للأطفال الآن!!.. وكان نتيجة هذا المسخ هو فقدان تتبع الحوار جيداً لتعمده إفساد نطقه ليظهر في صورة العبيط أو المتخلف!! 

تتح بائع الجرائد نراه من أول لحظة يقع في براثن معلم الحارة التقليدي "سيد رجب" الذي ينجح في طرده هو وابن شقيقته "عمر مصطفي متولي" من شقته الواسعة إلي حجرة ضيقة فوق السطوح. ونجدهما يستسلمان لهذا بشكل غريب وغير مقنع.. وبسبب صداقة تتح مع جاره ذكري "سامي مغاوري" يتورط في عصابة يقودها "نبيل عيسي" للاستيلاء علي ماله. وعن طريق السكرتيرة "دوللي شاهين" يدخل في مغامرة ينتصر فيها. فيعيد للرجل أمواله ويستفيد بالنسبة التي عرضها عليه!! 

ومثل هذا السيناريو التقليدي والمفكك طبيعي ألا يستقيم العمل.. فنري قضايا أخري كانت أشبع بالترقيع للفيلم حتي يمتلئ بالأحداث. مثل زواج الفتيات الصغيرات في الريف.. أو انتصاره علي عصابة سرقة بنوك بألعاب الأطفال في غياب الأمن الذي يخشي التدخل. أو يتعمد التأخر حتي لا يشتبك مع الفوضي التي تعيشها مصر حالياً.. حتي يقول بوضوح في نهاية الفيلم: "عايزين مصر ترجع زي زمان"! 

ويبقي أن أقول له: كيف تعود مصر وكل الأفلام الجديدة لا يعمل فيها غير اللبنانيات. من نيكول سابا إلي دوللي شاهين. يا قلبي لا تحزن.. وهذا غير الإصرار علي أغاني التوك توك البشعة في أغرب "دويتو" ممكن تسمعه حينما تقول له بوسي: طب اوعي الفحت لتنزل تحت تقع تتعور.. فيرد عليها: يا بت اتهدي مانتيش قدي أنا جن مصور.. فترد عليه: اضرب وكسر يا عم قصر.. في النار ببات وأنا قلب ميت!! 

Salaheldin-g@hotmail.com

الجمهورية المصرية في

16/05/2013

 

«سيرة الغائب الحاضر» للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان

«الزمن الباقي».. بين النكبة وحلم العــودة

علا الشيخ - دبي 

في الوقت الذي تعلق فيها الزينة في شوارع ما يسمى بـ«إسرائيل»، احتفالاً بتاريخ تأسيسها، والذي يحضره فنانون من دول كانت سنداً لذلك الكيان، تبكي من جانب آخر مخيمات مازالت قابعة في محلها في بلاد الشتات واللجوء، منذ 65 عاما، رافضة تغيير نمط حياتها الى حين العودة، وكيف لا؛ ومفاتيح المنازل مازالت معلقة على الحوائط كصور اثرية وثرية تأبى التزحزح من مكانها، خصوصاً أن توريث «المفتاح» واجب على كل بيت فلسطيني لمن ظل من أفراد العائلة على قيد الحياة.

أفلام كثيرة تحدثت عن النكبة الفلسطينية التي صادف تاريخها امس، كانت أغلبيتها وثائقية تنقل على لسان أحياء، عاشوا ظروف النكبة بتفاصيلها وما بعدها، ومن ضمن أفلام روائية عدة كان لفيلم «الزمن الباقي.. سيرة الغائب الحاضر» للمخرج الفلسطيني ايليا سليمان حضوره في هذا الوقت الذي يحيي فيه الفلسطينيون نكبتهم، وضياع أرضهم وحلمهم الى حين.

سيرته سيرتنا

هي سيرة ايليا سليمان فعلاً تتجسد في شريط سينمائي، يحكي فيه العنوان الفرعي للفيلم «سيرة الغائب الحاضر»، إذ يعود الى مدينته الناصرة التي تزينها أعلام «اسرائيلية»، ايليا طوال مدة الفيلم يمثل دوره بصمت، فلا داعي للكلمات في ظل تاريخ كامل من الانتهاكات الصهيونية، وكأنه يريد المراقبة فقط، في محاولة جاهدة لربط التفاصيل بعضها ببعض، بين ماضٍ أليم، وحاضر لا يقل ألماً.

ففي المشهد الذي يظهر فيه داخل سيارة أجرة، يتوه السائق عن المكان المرجو، ويقف ويسأل نفسه «اين أنا؟»، هذا السائق الموجود في بيت ليس بيته، ويمشي في شارع ليس شارعه، بالضرورة لن يعرف أين هو؟ حتى لو كان متمرساً في مهنته، فالمكان ليس جغرافيا تدرس في المدارس، المكان رائحة وذكريات وتفاصيل لم يعشها، لذلك من السهل عليه أن يتوه، ومن السهل ايضا أن يعرف ايليا أين هو؟ حتى لو كان غائباً لمدة طويلة.

هذا المشهد الافتتاحي هو تمهيد لمشاهد قادمة مغلفة بالسخرية الممزوجة بوجع لا يمكن التعبير عنها الا استهزاء، كصوت بائع الصحف الذي يصرخ «جريدة الوطن بشيكل وجريدة كل العرب ببلاش» أحدهم يطلب شراء «الوطن». البائع يقول له: «ما بقى فيه وطن.. ولكن كل العرب ببلاش»، هذا المشهد منوط بثلاثة شباب سيتكرر ظهورهم في الفيلم وهم يجلسون في المقهى.

شرف المحاولة

الفيلم يدور في فصول عدة مرت بها فلسطين قبيل النكبة وإبانها، الى الحاضر الذي لم يتغير كثيراً عن فيلم قدم الصورة قبل اربع سنوات، فالحكايات تشبه بعضها، والتفاصيل حاضرة في ذهن مشاهدين لا يشبعون من هذه القصص، فالفيلم يبدأ فعلياً من عام 1948 من خلال «فؤاد»، وهو والد المخرج مثل دوره «صلاح بكري»، وهو شخصية وطنية ومقاومة، يجلس في المقهى الذي يمر عليه رجل معه سلاح آتياً من العراق، تائهاً، يسأله فؤاد وصديقان يجلسان في المقهى عن طريقه فيجيب انه ذاهب إلى طبرية للقتال، وعندما يجيبونه بأنها سقطت فيطلب طريق حيفا فيكون الجواب «سقطت»، ويظل يذكر مناطق الشمال التي يكون الرد دائماً على انها «سقطت»، هو يريد المشاركة في تحرير البلاد بدافع قومي عربي، يريد أي مدينة لم تسقط بعد لكي يشعر بالفخر أنه شارك في تحريرها، وهذا المشهد تحديداً عبارة عن اسقاط واضح للجيوش العربية التي جاءت تحرر البلاد، من دون تخطيط مسبق.

ويظل سليمان في المشاهد الأولى من الفيلم يعود بالذاكرة الى هذه التفاصيل، كسرد حتمي لما وصلت اليه الحال.. حال ضياع البلاد.

نبش الذاكرة

الذاكرة في الفيلم عبارة عن مشاهد، ليس بالضرورة أن تكون متسلسلة، أو لها علاقة بعضها ببعض، هي مجرد حكايات مكتوبة على ورق بخط يد الاب لـ«إيليا» الذي كان يراسل أقرباءه في الشتات، فتظهر في الفيلم لقطات ضرب جنود اسرائيليين لفؤاد سليمان، المشهد مأخوذ من بعيد، لكن وقع الألم فيه قريب، وفي مشهد آخر نرى ايضا عجوزاً فلسطينيا قرر الانتحار حرقاً، وكلما أقدم على هذه الفعلة يجلس ويستكين ويقرر ابتكار طريقة أخرى، وهي اشارة الى اليأس المتمثل في امل متبقٍ ربما يحول بينه وبين إزهاق روحه بيديه، وهذا المشهد من المشاهد المكررة في الفيلم، كما مشهد الشباب في المقهى، الذين يبدوا أنهم لم يبارحوا المكان منذ النكبة، كما مشهد ايليا وهو صغير يقف أمام مدرسه «الإسرائيلي» المعتز بقدرته الديمقراطية على استيعاب الأقليات، ومن دون سابق انذار، نرى هذا الاستاذ يوقف ايليا ويوبخه: «من قال لك إن أميركا دولة إمبريالية؟»، لينتهي المشهد بصمت، لكن تكراره ما هو إلا دلالة على تسليط الضوء على تمرد هذا الطفل الصغير.االسخرية حاضرة

السخرية كأسلوب في ايصال رسائل كانت حاضرة بكثرة في الفيلم، وتمثلت عملياً في شخصيات عدة: «الجار الذي لا تبارح زجاجة الكحول يديه، وبائع الجرائد، والشباب الثلاثة في المقهى» كل لديه اسلوبه في السخرية.

فالجار الذي يرتدي دائماً بنطال النوم مع «فانيلة» يظهر فجأة من دون مقدمات دائما أمام منزل ايليا يصبّح عليه أو يمسيّه بالخير، حسب ظهوره، هو ومن شدة انسلاخه الذهني عن الواقع، الا أنه وفي كل اطلالة لديه يقدم بياناً ورؤية سياسية وحلاً للمشكلة على طريقته، ففي إحدى المرات، يقول إن «مشكلة العرب انهم لا يشربون الكحول فلو كانوا يشربون لأقدموا بكل شجاعة على مواجهة الإسرائيليين»، وهنا دلالة على ايجاد أي سبب بالنسبة لهذا الجار كي يعذر العرب على ضياع البلاد.

ومع أن هذا الجار هو ملح الفيلم الذي يضفي على الجو نكهة كوميدية، الا انه يشبه المهرج الذي يلطخ وجهه بالألوان، ويرسم ابتسامة تغطي ألماً لا يعرف من يضحك عليه.

مشاهد مؤلمة

تستمر المشاهد التي تعود بإيليا سليمان الى الماضي، هو كل تفكيره الوصول الى مدينته الناصرة بعد كل هذا الغياب، فنرى مشاهد كانت السبب المباشر في ترك السكان لمنازلهم: بداية من طائرة «اسرائيلية» تلقي منشورات على السكان تطالبهم بالاستسلام، مروراً بطائرة أخرى تطارد سيارة رئيس بلدية الناصرة الذي يرتدي طربوشاً، وشاب يجلس الى جانبه يلوح بعلم ابيض دلالة على استسلامه، يصلان سويا الى مبنى البلدية، قاعة مزدحمة يجلس بداخلها عناصر من الجيش «الاسرائيلي»، وعرب من دون اسلحة، ليأتي الرجل ذو الطربوش ليوقع على وثيقة الاستسلام، ولا يكتفون بذلك، بل يطلبون من الجميع الوقوف لالتقاط صورة تذكارية لهذه اللحظة الحاسمة في تاريخ بناء دولتهم المزعومة.

مشهد لا يبدد القهر فيه سوى فؤاد الذي يرفض الاستسلام، ويتحمل التعذيب ومحاولة قتله من قبل الإسرائيليين بشتى الطرق، ليأتي مشهد آخر مؤلم لمجموعة من المقاومين الفلسطينيين، يهربون من أمام الأسلحة الإسرائيلية الثقيلة، يخلعون ملابس المقاومة ويلقون بها ارضاً، ليستولي عليها الاسرائيليون، فيتنكرون بها فتراهم امرأة فلسطينية فتطلق الزغاريد شعوراً منها بأن المقاومة الفلسطينية والعربية انتصرت، لكن رصاص الغدر يحجب صوت زغرودة قهرت عندما اكتشفت الحقيقة فماتت بصمت، مشهد يلخص حال كاملة التي حدثت فعلاً في النكبة، لكن أغنية ليلى مراد «انا قلبي دليلي»، التي يعاود استخدامها سليمان أكثر من مرة كانت اشارة واضحة على انتهاء المقاومة، عندما دخل الإسرائيليون بيته وصادروا كل محتوياته، بما في ذلك مشغل الاسطوانات وساعة حائط.

بعد النكبة

من الصعب الحديث عن كل المشاهد الموجودة في الفيلم، لكن مرحلة ما بعد النكبة المنوطة بفلسطينيي الـ48، يمكن تلخيصها بمشهد واحد، يسلط فيه سليمان الضوء على ازدواجية التفكير، ومحاولة بائسة في الانسلاخ بواقع جديد لا يتماشى مع طبيعة العرب في كثير من الأحيان، لأنه ببساطة سيحولهم الى مسوخ، فالمرحلة الأولى انتهت في الفيلم، مع اعلان مباشر عن قيام دولة «اسرائيل» يقطع هذا الإعلان او اللبس المربوط بالعاطفة رسالة من ثريا والدة ايليا سليمان التي تبعثها الى عمته في الأردن، ايليا يدخل المدرسة، وتنال فرقة طلابية من الصغار جائزة لأفضل أغنية بمناسبة تأسيس الدولة ، يغنونها بالعبرية، ثم يغنونها بالعربية بعنوان «عيد بلادي»، لإظهار محاولات بائسة من قبل الكيان على استيعابه للعرب الذين يعيشون معهم.. اللبس هنا ليس في الحديث عن اسم الدولة، اللبس أن طول الوقت يعتقد المشاهد أن الأغنية لفلسطين لتتضح في النهاية انها لـ«إسرائيل».

وهناك مشهد متناقض ايضا، يخص الطلبة العرب وحدهم هذه المرة، يتمثل في عرض عن فيلم سبارتاكوس محرر العبيد، لتدريس الطلبة الأمل في الثورة المبنية على اسس صحيحة وحق لا يجوز التنازل عنه، لكن التناقض يظهر عندما يصل الفيلم إلى المشهد الذي يتبادل فيه سبارتاكوس القبلات مع حبيبته، هنا يجن جنون المعلمة التي تحجب هذه القبلة عن طلبتها وتقول «أخوها.. هذا أخوها».

الحاضر

التعبير عن الماضي والحاضر بالنسبة لمخرج فيلم «يد الهية» لم يكن في المشاهد فقط والذكريات، بل بالموسيقى أيضا، فهو ينقل المشاهد الى الماضي من خلال أغاني ليلى مراد، ونجاة الصغيرة، وفيروز، ومحمد عبدالوهاب، ويضعهم في الحاضر من خلال نجوى كرم واغاني الديسكو. الحاضر تمثل أيضا بدبابة اسرائيلية يخرج من نافذتها ضابط اسرائيلي ينذر الشباب بحلول وقت حظر التجول، فيما يستمر الشباب في رقصهم على أنغام وكأن مدرعة وهمية قريبة من المنزل المقام فيه حفلة تهدد هذا الفرح.

مشهد هذا الحفل واللامبالاة سبقته مشاهد تدل على عدم الاكتراث الذي وصل اليه الفلسطيني غير المهتم بوجود الرصاص بأنواعه، وصوره إيليا سليمان من خلال شاب فلسطيني يخرج ليلقي القمامة، فتتحرك دبابة نحوه، وهو يتحدث عبر هاتفه المتحرك يخطط وصديقه اقامة حفل في داره. وصوت بائع الصحف يتردد مرة أخرى «جريدة الوطن بشيكل وكل العرب ببلاش».

النهاية

لايزال سليمان صامتا، يقرر أن ينهي فيلمه الذي كتب قصته وهو يجلس على أريكة خشبية، ينظر الى اللاشيء، بأعصاب باردة، لا ردود فعل على أي حدث يجري أمامه أو حوله، ويظل بهذا الإحساس بعدم الاكتراث، بينما يجلس الشباب الثلاثة في المقهى يمر من أمامهم شاب فلسطيني يرفع يده بعلامة النصر.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجي الضغط علي هذا الرابط.

الإمارات اليوم في

16/05/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)