حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

واسيني الأعرج :

قوة الفيلم التسجيلي في رأيي هو الخطاب

حاورته  :  زبيدة الخواتري

 

يعد واسيني الأعرج  ابن تلمسان من أهم الأصوات الروائية الجزائرية والتي انتشرت بالعالم العربي ، وحتى عبر العالم اذ ترجمت أعماله لأكثر من لغة كالانجليزية والاسبانية والدنمركية وغيرها ، كما ألف مجموعة من الروايات باللغتين الفرنسية والعربية ، وعمل كأستاذ كرسي بالجامعة الجزائرية وبجامعة السور بون الفرنسية بباريس ، من أشهر أعماله حارسة الظلال التي توجت كأفضل رواية في فرنسا كما تحصل على عدة جوائز منها جائزة الشيخ زايد للآداب .

ومن أبرز أعماله رماد الشرق المشروع الوثائقي الجديد الذي يربط تاريخ الشرق بالغرب والماضي بالحاضر .

·     تنفتح رواية رماد الشرق على مشهد انفجار البرجين الذي هز نيووروك والعالم من خلال حياة شاب موسيقي أمريكي من أصول عربية مسلمة يستحضر تلك اللحظة ويربطها بتاريخ جده وعبره تاريخ العرب خلال القرن العشرين فهل يمكن أن نرى مستقبلا هذه الرواية التاريخية في فيلم وثائقي؟

يمكن بطبيعة الحال أن تتحول رواية "رماد الشرق " الى فيلم وثائقي  ومن موقعي أرى ضرورة وجود  مخرج مبدع قادر على أن يخرج  منها شريطا  رائعا يحمل كل معايير الفيلم الوثائقي  خصوصا إذا كان يعرف ماذا يريد وما هي الأشياء التي يمكن أن يأخذها فالفيلم التسجيلي مهم لأنك تأخذ حادثة وتحاول تركيبها كما في نسق يحاكي الواقع فمثلا لو أخدنا  تاريخ القلاع في المغرب فيمكن من خلال رؤية مبدعة لمخرج أن  تصبح الصورة ناطقة و لها جاذبية، فقوة الفيلم التسجيلي  في رأيي هو الخطاب والصورة  فقد شاهدت فيلم نجل علي بالجزيرة الوثائقية وطريقة قتله و فيلم الأندلسيين  الذي اعتمد على بناء فني رائع فالفيلم التسجيلي بالجزيرة الوثائقية له طعم مختلف  لأنك تحس بنبض الأشياء وبكلامها من خلال الصورة ولهذا أقول بان العاطفة في السينما يمكن أن تظهر لكن يحتاج ذلك إلى مخرجين مبدعين.

·     حين نذكر الجزائر يتبادر للذهن الأوج الذي عرفه الأدب في بلد المليون شهيد  ونستحضر عطاء زاخرا تألقت فيها الرواية العربية ولعل منها من حقق شهرة تعدت ليس فقط خطوط الجزائر ولكن تخطت حدود الشرق والغرب أمثال أحلام مستغانمي فهل هذه النجاحات فردية أم تعبر عن وعي عميق وتطور للأدب الجزائري؟

التجربة الأدبيّة تنبع من القدرات الذاتية عند المبدع لتصبح جماعيّة وعندها تصبح ظاهرة تستحق التغطية والمتابعة الدقيقة لكل تفاصيلها لأنها فرضت نفسها وطنيا وعربيّا وبعضها يحاول أن يجتهد لتجاوز هذه الحدود. ويربط هذه الأسماء أو النصوص التي شكّلت هذه الظاهرة، حِدّية ما يحدث في الجزائر. من الناحية التاريخيّة ومن ناحية الحاضر والواقع اليومي، هذه التجربة علامتها الأولى هي روح المواجهة فهي لا تعتمد الخطاب الموارب والمهادن الذي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيّة البلد أو الخطاب الوطني المضخّم كما يعبر أيضا عن التكوين الحرّ، والثقافة الوطنيّة المتسمة في الآن ذاته بالانفتاح لأنّ علاقة المبدع بالمكتوب وبالرواية تحديدا، هي علاقة أساسها المركزي الرغبة في قول الحقيقة عن طريق الإبداع ولهذا نستطيع الحديث عن جيل روائي استثنائي في الجزائر.

·     هل تعتقد أنه على غرار الرواية في أدب أمريكا اللاتينية التي حققت نجاحا مبهرا  يمكن للحكاية والتراث الشفوي من خلال سحره الخاص أن يرسم معالم الرواية العربية ؟

يمكن القول أن التراث يجب أن يدخل ضمن تفاعل حقيقي مع الحاضر فعندما ينفصل عن الواقع يصبح مجرد لافتات لا معنى لها، لذلك فالتعامل مع التراث أو المرويات الشعبية يحتاج إلى تأمل داخلي، داخل هذه النصوص القديمة والتأمل الداخلي سيؤدي لإدراك الكيفيات الناجعة لإدراجها ضمن النسق الروائي بحيث تبدو بعهدها القديم كأنها ابنة هذا العصر فلا يشعر القارئ وهو يواجه النص الروائي أنه خارج عصره.

لذلك يمكن اعتبار الموروث هو ذو أهمية لكن لا يكفي فهذه مهمة تحتاج إلى اشتغال كبير من المبدع لأنه يتخلّى عن وظيفته كمبدع -وهذا القول ناتج عن تجربتي الشخصية المزدوجة جامعية وإبداعية- ليضطلع بأدوار المتأمّل والباحث حتى يحاور المادة الأوّلية التي بين يديه. فتلك النصوص القديمة أشبه ما تكون بقطعة الآجر أو الإسمنت أو الحديد ووظيفتك أنت كمبدع أن تطوّعها وتدخلها في معمار حديث.

·     رواية "رماد الشرق" رواية ملحمية تؤرخ لقرن من الزمن في الحياة العربية من خلال خيوط حكاية أبطالها أناس بسطاء اذ تحاول الرواية استجلاء الأطراف الغائبة في التاريخ العربي عبر سرد أسرار الناس خلال فترة زمنية مهمة من التاريخ العربي في ظل حدث غير وجه العالم وهو تفجير نييوروك الذي غير معالم السياسة والإستراتجية ليس فقط الأمريكية ولكن العالمية فكيف استطاعت أن تحول تاريخ هو عبارة عن سلسلة أحداث قلبت كل الموازين فطفت في السطح مفاهيم يمكن القول أنها استراتجية أدخلت العرب والإسلام في دوامة الارهاب والعنف والثورة فكيف اذن استطاعت بلورة كل المعطيات السالفة من خلال رواية من المفترض فيها كجنس أدبي أن تتميز بالشاعرية والرومانسية ؟

يتخذ العمل الأدبي المعنون ب"رماد الشرق" سياقا زمنيا ينطلق من سنة 1902 التي أخذ فيها الباشا السفاح كما سمي في بلاد الشام وهو الحاكم أناذاك الذي قرر اعدام المناضلين القوميين العرب لأنه رآى فيهم أنهم سيزيلون نظاما كانا تابثا في تلك الفترة فشن حملة من عمليات الاعدام قام خلالها بانزال العديد من القادة وتم شنقهم في ساحة الحرية في بيروت ، وشنق أيضا نفس العدد في ساحة المرجة بدمشق

وقد ولد هذا الحدث العديد من ردود الفعل عند العرب اللذين رآى فيهم قدرة على الاطاحة بنظام تابث ، وقد قمت شخصيا بزيارة الأماكن السالفة الذكر والتي تمت فيها عمليات الاعدام شنقا فوق منطقة بيروت الجبلية المسماة جبل علي هذا المكان الذي أقام فيه جمال باشا الملقب بالسفاح لعدد جرائمه لقد شممت رائحة القتل والاعدام رغم أنها منطقة بها دروز ومتغيرة ومع ذلك فقد زرتها قبل بداية الكتابة مثل المؤرخ الذي جمع التفاصيل ، وبعد ذلك توجهت للأردن والمنطقة التي كان فيها لورانس العرب الذي أخذ ثورة ضد الأتراك والذي اشتهر بكونه عرض المساعدة على العرب في حين اكتشف في نهاية المطاف أنه مجرد مخبر يقوم بواجبه تجاه الانجليز وهو ما تم اكتشافه بعد عودته لانجلترا حين كتب كل التفاصيل في كتابه الأعمدة السبعة للحكمة.

أما  الترجمة الأمريكية للرواية فقد دار بيني وبين المترجم حوار حول لورورنس العرب حيث قال لي : "لماذا قلت بأن لورونس العرب كان  مخبرا وهو ساعد العرب ؟ -  قلت له أنا ليس لي موقف على جونت لومان كشخص أما قضية المخابرات فأنا أنصحك بقراءة كتاب الأعمدة السبعة فهو مكتوب بالانجليزية ومترجم لعدة لغات اقرأه وبعد ذلك نكمل النقاش  لكنه حين وصل إلى مشهد درامي داخل الكتاب يتحدث عن حرب 1967 حين حاول الاسرائليون اعتقال حوالي مائتي  سجين وحفروا لهم حفرة ووضعوهم فيها وأطلقوا عليهم الرصاص  . قال لي هذا مستحيل وهذه معلومات لا يمكن الوصول اليها .  قلت له هذه وثائق سربتها وكالة الاستخبارات الأمريكية سأبعثها لك ثم أرسلت له الرابط عبر الانترنيت ثم بعد ذلك اتصل بي وقال أنا اعتذر لم أكن  أتصور بان الإنسانية بهذه البشاعة ." 

ولهذا فان الروائي الذي يشتغل في الرواية التاريخية وجب عليه  التحلي بمنهجية المؤرخ من خلال الحفاظ على المسافة اللازمة بينه وبين الحقائق التاريخية ومعالجتها بحذر وتحقيقها  مما وهو ما ممن شأنه اعطاء مكانة متميزة للرواية ذات الطابع التاريخي المرتبطة بالمكان ، وهنا أعطي مثالا بسيطا وهو حين ألفت رواية حول الأمير قررت زيارة السجن الذي تواجدت فيه هذه الشخصية  وهذا المكان وعلى الرغم من كونه خلال الفترة الحالية أصبحا قصرا إلا أنني أحسست فيه بوجع السجن وبألم الأمير كتبت  وأنا أستوحي المضمون من جغرافية المكان الأصلية  لا جغرافيته  المتخيلة وهذا مهم لأنني زرت العديد من الأقطار المختلفة مثل  السعودية لبنان مصر الأردن ... ، وخلصت لمغزى مهم وهو أن المكان الوحيد قد لا يفيدك كثيرا لكن يصبح له أهمية  إذا استطعت تعديد الأماكن التي كان لها دور حاسم في صناعة التاريخ.

·     يمكن اعتبار الرواية التاريخية وبعيدا عن أسلوب الكتابة الأدبية عبارة عن نص تاريخي وهو أمر يتطلب العديد من الأدوات من أجل انجازها وعلى رأسها المادة المصدرية التي لها دور رئيسي في كتابة التاريخ، فما هي طبيعة الوثائق التي تم الاعتماد عليها هل هي مجرد رواية شفوية بالأساس أم ارتكزت على أرشيف منظم يتألف من وثائق دبلوماسية رسمية ؟

لا.. لا.. أنا اعتمدت على التاريخ التوثيقي حيث اطلعت على وثائق  المخابرات الانجليزية ومراسلات القادة الانجليز الذين كانوا بمنطقة بلاد الشام وبلاد الخليج  وكانوا يحرصون على بعث مراسلات بشكل منتظم  لقيادتهم بالهند  كما يتلقون ردود وقد اطلعت عليها بالديوان الأميري بدولة قطر . وتمكنت من خلال هذا الأرشيف من كشف النقاب على حقائق مثيرة من أهمها اكتشاف النفط والصراعات الدائرة بسبب هذا المعطى وهو ما أوحى لي بفكرة أخرى هي امكانية كتابة عمل أدبي  في المستقبل حول الظروف التاريخية لاكتشاف النفط و كيف أن الانجليز لعبوا دورا كبيرا في اكتشافه.

·     من المعروف أن الوثيقة التاريخية هي احدى أهم أدوات المؤرخ وهي التي تمكنه من كشف الحقائق وسرعان ما تظهر في فترات لاحقة وثائق أخرى قد تفند طبيعة المعلومات التي كانت طيلة فترة من الزمن عبارة عن حقيقة ، ولتحقيق ذلك لابد من الحياد في التعامل مع الوثائق منها السياق التاريخي لكتابة النصوص ومصدرها وحياة المؤلف وغير ذلك في حين تعتمد الرواية على الخيال فكيف أمكنك جمع  كل هذه العناصر  المتناقضة في عمل واحد؟

يعتبر هذا العمل هو ثمرة لمجهود جبار طيلة خمس سنوات من البحث وتقصي  الحقائق ، ولو تم تقديمه في صورة حقائق فقد يتخذ صيغة اخبارية وهذا الفرق بيني وبين المؤرخ لأن المنهجية التاريخية تعتمد على سرد الواقع والحقائق كما حصلت لكن الرواية كأي جنس أدبي هو في الأصل ابداع عموده الفقري هو المتخيل  الذي ينسج الكاتب خيوطه ويجمعها في شكل قصة تمت صياغتها بأسلوب سلس ومشوق يحقق للمتلقي المتعة اللازمة للإقبال على القراءة والشوق لمتابعة التفاصيل  اذ يستحضر المؤلف أثناء الكتابة مستويات  القراءة ، فالقارئ العادي يقرأ القصة ويحاول البحث عن البطل داخل القصة كأنه يتابع عملا دراميا ، أما المستوى الثاني فهو القارئ  الذي يرصد الحدث التاريخي ويحاول التأكد  من مدى مصداقيته ويستفسر عنها بدقة متناهية وهو ما يؤدي به لمقارنة المعلومات المقدمة مع ما كتب في المراجع والكتب التي تؤرخ لهذا الحدث حيث يبذل  جهدا طويلا وإيمانا بالعمل الذي تقوم به . وأنا مؤمن الآن أن الرواية التاريخية لا  يمكن اطلاقا أن تعوض  المصادر التاريخية  لكنها  بالمقابل عبارة عن محاولة لإحراجه عبر ذكر ما هو منسي وتاريخ المهمشين  لأنه وكما هو معروف  فالتاريخ في معظمه مكتوب بشكل رسمي ويكتبه المنتصر بشكل عام.

·     شكلت شخصية الأمير حلقة مفصلية في روايتك التاريخية وفكرة متميزة لتحقيق النقلة فيما يعرف في المفاهيم التاريخية بين " الميكرو الى الماكرو تاريخ" أي الانطلاق من الخاص لفهم العام أو العكس فلماذا قمت بصياغة هذا النموذج في شكله الروائي التاريخي على الرغم من كون امكانيات بثه في شكل سيرة ذاتية كانت أيضا متاحة ؟

 تتحدث السيرة الذاتية عن فرد  وهي تميل لمتابعة تفاصيل شخصية محددة ، بينما الرواية التاريخية فهي ذات سياق عام  فمثلا ماذا يمكن ان نقول عن  مصير  القرن التاسع عشر بالوطن العربي؟ فلما نأخذ قصة الأمير مثلا دون غيرها لأنها ببساطة  تلخص عدة مفاهيم منها  المآل  و الهزيمة لأنه استسلم في نهاية المطاف ومن خلال هذه الشخصية وعبر كتاب الأمير  يمكن أن نقيس كثير من الأحداث التي ميزت القرن العشرين  ولعل أهمها هي مصير العالم العربي من خلال  اتفاقيات "سيكسبيكو " إلى  حدود اليوم  فأهم ما طبع المرحلة كخطوط عريضة هو التقسيمات الجغرافية  التي زادت الطينة بلة فتفككت أوتار الوحدة في الوطن العربي  ليعوضها حلم التحرر  الذي كان في بداية المسار بحثا عن الحرية والانفتاح والانعتاق لكن سرعان ما تحول لمفاهيم متناقضة تماما لأنه على العكس من ذلك ساهم في انتاج  أنظمة بائسة دمرت بلدانها في الأمس ليتطور الأمر خلال الفترة الراهنة لشكل آخر من الانقسام تبلور في التفرقة الطائفية والاثنية والعرقية والدينية والعرقية والدينية لكي لتصبح بلداننا مجرد مشيخات .

·     هل شكلت هذه القراءة التاريخية التي قمت بها من خلال شخصية الأمير لفهم سياق ما حصل في التاريخ العربي خلال القرن العشرين بكل تجلياته السلبية الهاما لك لكتابة أعمال أخرى مثل أصابع لوليتا وهل يمكن اعتبار المعطى التاريخي السمة التي تميز أعمال أدبية كتبتها مثل أصابع لوليتا؟

يمكن وصف رواية أصابع لوليتا بكونها رواية مختلفة عن أعمال أدبية أخرى  لأنها  شخصية مركبة  تجمع بين الاحساس والحنان والنعومة وفي نفس الوقت تتحول لشخصية مختلفة تماما تتسم بالعنف والحقد والرغبة في تحويل قلب الموسيقي الفنان ذو الاحساس الراقي الى شخص إرهابي ، وهنا المفارقة الأنامل التي كانت في وقت من الأوقات تعزف لتنشد وتملأ المكان بسيمفونية تمتع القلب الروح هي نفسها الأنامل التي تعبر عن قساوة القلب وقوة البطش حين تتحول العارضة والعازفة الموسيقية الى فتاة انتحارية تفجر نفسها وهي رؤية توضح كيف يمكن أن يتحول الإنسان من شخص محب للحياة إلى شخص كاره لها تم  تقتل شخص اكتشف فيما  بعد انه  كان بريئا  لذلك فهي رواية لها بعد مختلف يجمع بين هذا التناقض الغرائبي إنها رواية ممتميزة تحكي عن  حب للحياة تحول إلى كراهية وبأيادي متطرفة في لحظة غيرت وجه القدر بكل تفاصيله.

·     تعد رواية " البيت الأندلسي " أيضا جزءا من التاريخ المهم للحضارة العربية الاسلامية وهو الأندلس الفردوس المفقود الذي يذكر بأمجاد خالدة يصعب طيها بسهولة ، ولعل المرارة تزداد وثيرتها بشكل أكبر حين نطلع على كثير من المصادر التاريخية التي وصفت الطريقة البشعة التي طرد بها الموريسكيون من الأندلس وكيف عاشوا فيما بعد قصة الهوية الصعبة والمزدوجة حين استحال حلم العودة ، وصعبت استساغة الواقع المعيش والتأقلم معه فكيف أمكنك التعامل مع هذا الحدث المؤلم وتحويله لقصة؟

حاولت خلال هذا العمل الروائي التاريخي الاشتغال على نسق من شأنه خلق لذة عند القارئ لأنك إذا فقدت هذه الخاصية في الكتابة الروائية التاريخية فقد خسرت الرهان

وأردت من خلال هذه التجربة أيضا أن أقحم القارئ في  العمل حتى يحبه فمثلا رواية البيت الأندلسي والتي هي عبارة عن رحلة هذا الجد الذي طرد من الأندلس وهو عاشق لهذا المكان هي في الأصل قصة من التاريخ لكن تلبس زي الأدب فالقصة تتحدث عن الكيفية  التي تم بها طرده من موطنه الأصلي  وكيف كان يعيش في الأندلس وغادرها وفي نفسه حلم عاشق بأن يتحقق المنى بلقاء خليلته ،  من خلال حكاية رجل مسلم يكن بداخله حبا لفتاة مسيحية تبادله نفس الأحاسيس ويتفقان على الزواج بالأندلس وبالضبط بغرناطة بحي يسمى البيازين   .

كان حلم الفتاة هو الاستقرار في بيت أندلسي جميل وسرعان ما يتحول الحلم لحقيقة فضيعة حين  يطرد الحبيب  المسلم وتبقى الحبيبة لان أبوها كان حرفي وهم في حاجة لحرفته وقد كان طريقة طرده مؤلمة حتى حينما وضع في السفينة  لكن  تفاصيل الحكاية المؤلمة رفضت الاستسلام للواقع وبقي حلم البيت موجودا حتى لو بنى بيتا  أندلسيا بالجزائر يحمل في كل ركن ذكريات حالمة عن  حبيبته  "سلطانة بلاثيوس " التي ستملأ هذا البيت الدافئ بالأطفال وتعيش مع حبيبها حياة مستقرة هذا المكان الذي شاء القدر أن يستمر لحدود العهد العثماني  ليغيره الأتراك وفي فترة الاستعمار الفرنسي كان يقصده نابليون الثالث ويقضي هو وزوجته  أيام العطل فيه بعدها يأتي الحاكم الفرنسي ويحوله إلى فضاء للموسيقى الأندلسية وبعد خروج الاستعمار الفرنسي أخده حكامنا الأجلاء ليحولوه إلى   كباريه واستمر مسلسل هذا البيت إلى أن وصل إلى الهدم وهذا دليل على أن هذه الأنظمة هي التي تقود شعوبها إلى الدمار وتخرب حتى الذكريات الجميلة والتي لها علاقة بالتاريخ الذي يبدو أنه يرعب مزاج كثير من القيادات والحكام العرب.

وثائقي عن الجنود الأطفال في أفريقيا

يقاتلون كالجنود.. يموتون كالأطفال

قيس قاسم 

حرصي للبحث عن اسم الرسام الذي أبدعت ريشته الصور المتحركة للوثائقي الكندي "يقاتلون كالجنود يموتون كالأطفال" بين بقية أسماء المساهمين في صنعه فرضه عليَّ جودة ما شاهدته من شغل فني أسهم الى حد كبير في نقل مشاعر الجنود الأطفال في بعض الدول الأفريقية الى الشاشة والذين تدور أحداث الفيلم حولهم، وحول الجنرال الذي عاد ليسرد تجربته معهم. الرسمان هما: هكتور هيريرا ونِك سويل أما مخرج العمل فهو باتريك ريد و"بطله" الجنرال المتقاعد من العمل ضمن وحدات جنود الأمم المتحدة المكلفين بحفط السلام في الكونغو، أثناء حربها الأهلية، روميو دالير. وماذا عن بقية الجنود الأطفال الذين دارت حكاية الفيلم عن ماضيهم المخيف ومحاولة اعادة تأهليهم ثانية؟ يصعب ذكر أسماءهم وسيصعب حتى على الذين يريدون لفت انتباه العالم الى مأساتهم ذكرهم في سجلاتهم بدقة لأن قضيتهم وبكل سهولة لم تغلق بعد، وأسباب زجهم كجنود في حروب أهلية لم تنتهي بعد، كالوثائقي نفسه، فهو يريد توصيل صوتهم عبر السينما كما حاول الجنرال من قبل أن يكون صوتهم المسموع في العالم كله عبر كتاب كتبه عن تجربته معهم سماه "مصافحة الشيطان" واستعان صاحب الوثائقي به لإنجاز فيلم يكمل دور كِتابه والبقية تركاه لضمير العالم.

ربما كلمة "استعانة" لا تفي بالغرض لسبب بسيط ان الفيلم مبني في قسمه الأكبر على شخصية الجنرال دالير ودوره في المشروع، أما الأبطال الحقيقيون المنسيون والمراد تذكير العالم بهم فهم الأطفال الذين صاروا جنوداً فخسروا طفولتهم وقسماً كبيراً من انسانيتهم دون ذنب منهم بل كل الذنب يتحمله تجار حروب استغلوهم وحوَّلوهم الى آلات وأسلحة بشرية تقتل بسهولة بعد أن غُسلت أدمغتها بالكامل بوسائل شيطانية لا تخطر على بال أحد والوثائقي يحاول الإلمام بجزء منها وبمعونة رجل عاش التجربة بنفسه وعاد الى نفس الأمكنة؛ رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، التي سخر من لقبها رساما الفيلم حين كانا يكتبان صفة "الديقراطية" بلون الدم، والى جنوب السودان ومناطق آخرى شهدت مجازر مروعة وكان الجنود الأطفال أحد مآسيها الحقيقية، كقتلة أولاً حين حاربوا كجنود وكأطفال ثانية حين ماتوا وهم لم يعرفوا شيئاً عن حياة كان لهم أن يعيشوها مثل بقية أطفال العالم.

أكثر من معقدة

الشغل على موضوعة محددة في الغالب مبعث ارتياح لصاحب أي وثائقي والاستعانة بمصدر بشري كفوء وذي شخصية قوية عنصر مساعد آخر، لكن وحين تتجلى أثناء الخوض الميداني في العمل صعوبة المادة وتشعباتها على غير ما كتب على الورق يصبح السيطرة عليها عسيراً فيترك بعضهم قيادتها الى ما تصل اليه بنفسها أو يحاول البعض أخذ عينة صغيرة من كل حالة أو اشكال معقد ليُشكل من مجموعها صورة عن المادة المبحوثة في فيلمه وهذا ما جرى مع "يقاتلون كالجنود يموتون كالأطفال" فقد اتضح ان مشكلة "الجنود الأطفال" أبعد من قضية تخص فئات عمرية من بشر يُفنّون في حروب طاحنة مجنونة الى تعقيدات إثنية وجغرافية الى جانب السياسية والاقتصادية المعروفة والأكثر من كل هذا نوع الممارسات التفصيلية التي لو لاحقها الفيلم لدخل في متاهات ولو تركها لضعف وبدا خاملاً لا يتناما ولا يطور ما يستجد من مادة بصرية تتطور على الأرض بدرجات أكبر مما هي مسطرة على الورق وقد يحمد المخرج باتريك ريد ربه ألف مرة لأنه صاحب في رحلاته الجنرال المتقاعد فلولاه لما جاء فيلمه بهذا القدر من الصدق ولما حمل كل هذة الحرارة الانسانية

على المستوى السياسي كانت الحروب الأهلية للسيطرة على الحكم في دول أفريقية كثيرة أحد أهم الدوافع لتجار حروبها لتجنيد الأطفال فيها، لسهولة خداعهم وغسل أدمغتهم واشباع رغبتهم في تقليد الكبار وبأنهم أصبحوا رجالاً شجعان مثل بقية رجال قبائلهم. هذا العام ولكن التفاصيل التي يلجأ اليها الشيطان مخيفة واحدى شهادات الأطفال تشي بها "لقد كانوا يقتلون أمهاتنا وآباءنا فلا يبقى لنا معيل سوى الضباط أنفسهم فهم من يأخذ براعايتنا بعدهم ولا نعرف لنا أهل سواهم" وبعد حين يصبح "الولد" مطيعاً لوالده الشيطان الذي سيأمره لدخول الحرب وقتل خصومه. وتفقير القرى الى درجة الجوع التي تدفع الأهالي لتشجيع أطفالهم لتوفير لقمة العيش من خلال انضمام أولادهم في ميليشات تدفع لهم أجورا شهرية اسلوباً متبع أما التشجيع على إدمان المخدرات كوسيلة شيطانية كثيراً ما يلجأ اليها قادة الميليشيات لانتزاع وعي طفل صغير لم يكتمل وعيه بعد، الى جانب ارهاب القرى وخطف أطفالها كسلوك شائع في تجارب الحروب الأهلية ويكفي التذكير هنا بفيلم "ساحرة الحرب" الذي تناول ذات الموضوع وأن ركز أكثر على استغلال الفتيات؛ فهن مصدر انجاب ومتعة للرجال الى كونهن قوة قتل تتشابه مع قوة قتل الصبيان المنفلتة. كل هذة التفاصيل جاءت على لسان أطفال تحدثوا الى جنرال وثقوا فيه وسمعته سبقت وصوله الى قراهم، فهذا الرجل لم يرجع سائحاً ليتذكر سنوات عمله كضابط. لم يرجع بكرش كبير وسيكار في فمه

عاد الجنرال مهموماً بماضيه وماضيهم وتوصيفاته لحالته النفسية شيء يتجاوز الوصف الشكلي الى الدخول في العمق الانساني الذي يظهر بتأثير المكان ودون تمهيد مسبق "في هذا المكان ما زالت أوراح بشرية فيه تهيم، وهي تلاحقني أينما حللت". 

خرق الاتفاق

جاء الجنرال مشاركاً في فيلم وثائقي وفي برنامج لتأهيل الجنود الأطفال الذين تشجعهم الأمم المتحدة لترك صفوفهم مع الميليشيات والمجيء الى معسكرات تأهيل أعدوها لهم ولكن المشكلة ستظهر حين يتحمس الجنرال في مهمته وتزداد رغبته في الذهاب الى مناطق غير متفق عليها مسبقاً أو أخذه عدداً أكبر من الجنود الأطفال معه. في هذة الأجزاء التفصيلية نحن أمام خروقات "سينارستية" لكنها انسانية بإمتياز فالرجل عفوي ومتحمس ويريد التخلص من ماضي شارك فيه كمراقب ومع هذا فوزره عليه ثقيلاً فكيف إذن بالأطفال أنفسهم؟. واحدة من العقد ان برامج التأهيل غير قادرة بل ويستحيل عليها اعادة ما فقده هؤلاء الأطفال، لأن عملية انتزاعهم من مخالب قادة الميليشيات ممكنة لكن اعادة طفولتهم المفقودة اليهم ثانية أمر شبه مستحيل فما مات مات وما بقي من رمق يحاول أصحاب الضمائر الحية استرداده ثانية، وبالكاد. فيلم باتريك ريد عن مرحلة كاملة من عمر بشر أُحرقت ولن ترجع ثانية وهذة واحدة من أكبر جرائم قادة الحروب فهم يقتلون الأطفال  بدم بارد مرتين: مرة كجنود ومرة كأطفال.  

الجزيرة الوثائقية في

15/05/2013

 

سمير أبو النيل تركيبة مختلفة وسيناريو تقليدي

المحـــــــرر 

فيلم سمير أبو النيل هو نتيجة طبيعية لاختلاف التركيبة التي كان يعمل من خلالها أحمد مكي طوال تاريخه الفني القصير جدا‏..‏ وهذه التركيبة تعني اختيار موضوعات مختلفة اتسمت في السابق بالجرأة واقتحام مناطق جديدة‏.. وشملت أيضا فريق عمل كان علي رأسه مخرج شاب هو أحمد الجندي الذي لم يكن في تجربته الأولي مميزا لكنه استكمل لياقته في الأفلام التالية.

وكان أيضا من ضمن التركيبة فريق العمل من الممثلين مثل دنيا سمير غانم ومحمد شاهين وغيرهما ممن شاركوا في أفلامه السابقة ومسلسله الشهير. هذه المرة قرر مكي التعاون مع السبكية بما تعنيه الكلمة من انطباع وتركيبة مختلفة تماما عن تلك التي كان يعمل من خلالها في أفلامه سابقا.. والنتيجة كانت فيلم سمير أبو النيل والذي يتحدث عن شخص بخيل تم اختياره من قبل قريبه الثري الذي يريد أن يغسل أمواله فيقرر ذلك البخيل أن يستثمر هذه الأموال ففكر في افتتاح قناة فضائية وإذا بهذه القناة تجلب له الملايين.

فكرة الفيلم التي تفتق عنها ذهن أيمن بهجت قمر فكرة مستهلكة وقديمة ولم تحتو علي الخلطة أو التركيبة التي يمكن أن يتفجر من خلالها الضحك ولا حتي من خلال مواقف كوميدية محكمة.. حيث إن الشخصيات التي بني عليها المؤلف فيلمه لم تكن بالقوة التي تجعله يبني عليها سيناريو فيلم بل كان يجب أن يكون سيناريو أقوي بتفاصيل أهم من تلك الفكرة القديمة والتي قدمها من قبل فريد شوقي وإسماعيل ياسين واستيفان روستي في أفلام قديمة جدا.. إلي جانب صفة البخل التي تم تناولها في أفلام كثيرة قديما وحديثا.

أما الإخراج في الفيلم فلم يكن أكثر من تجربة للسيناريو التقليدي القديم ولم يكن هناك أي تجديد.. ولم يقدم للبطل أحمد مكي أي مساعدة لينقذه من هذا البحر الهادر الذي كاد يغرق فيه.. حتي استخدامه لبعض التقنيات الإعلانية ظنا منه أن ذلك سيجعل الفيلم أكثر تسلية ولكن النتيجة كانت عكسية.

ويبدو أن صناع الفيلم عندما اكتشفوا أثناء التصوير أن الفيلم ليس كوميديا بدأوا يفكرون باستخدام بعض لازمات وإفيهات قدمها أحمد مكي في أفلامه من قبل ليحاولوا أن ينقذوا ما يمكن إنقاذه.

لم يحس المشاهد بالبطولة النسائية الموجودة في الفيلم والمتمثلة في منة شلبي ونيكول سابا.. ويبدو أن هذه الشخصيات تمت إضافتها للسيناريو لمجرد أن تكون هناك فقط بطولة نسائية أمام البطل.. ولكن وجودها الدرامي كان باهتا وحتي طريقة أداء منة شلبي باللدغة الغريبة لم تكن مفهومة ولا مبررة.. أما( السنيد) محمد لطفي فكان عبئا علي الفيلم وليس من المنطقي أن يستبدل مكي فريق عمله الرائع من الممثلين الذين كانوا يساندونه في أفلامه الناجحة السابقة بآخرين ليس لهم في الأدوار الكوميدية.. وإذا كان التغيير ضروريا فليكن في مكانه الصحيح لأن وجود محمد لطفي هنا أضعفه.. وأضعف مكي.

وأخيرا نداء إلي أحمد مكي الممثل الموهوب.. نرجو ألا تكرر هذه التركيبة السينمائية وأن تكون قد استفدت منها كثيرا كي لاتقع مرة أخري في النيل.

‏التقنيات المتطورة في أفلام الخيال العلمي 

انتشر الخيال العلمي في القرن العشرين بشكل ملحوظ وخاصة في الدول التي تهتم بالعلوم والتقنيات‏..‏ وعرفنا ماذا يمكن للعلم ان يحقق من فوائد للبشر من خلال أفلام الخيال العلمي التي جمعت بين الحركة والتقنيات المتطورة والمعاني الفلسفية.. وفي كتابه الأخير( علم زاده الخيال) للكاتب محمود قاسم قدم دراسة وافية حول سينما الخيال العلمي والتي برعت السينما الأمريكية في تقديمها.. كما ان هناك قراءة متأنية لأكثر من أبرز مائة فيلم في هذا النوع.. ومنها(1002 أوديسا الفضاء)( الذكاء الصناعي)( الجهنمي)( حروب النجوم)( ثواني) والكتاب صدر عن سلسلة( كراسات علمية) والتي يشرف عليها د. أحمد شوقي في المكتبة الأكاديمية.

} كشف كتاب المخرج السينمائي الأمريكي كينيث أنجير البالغ من العمر68 عاما عن العصر المظلم في مدينة السينما الأسطورية هوليوود والمعروفة بعصرها الذهبي فقط وذلك في كتابه الذي كتبه بالفرنسية وطرح مؤخرا في المكتبات بعنوان( هوليوود ـ بابيلون). ويلقي الكتاب الضوء علي مرحلة من تاريخ مدينة السينما الأمريكية هوليوود والتي شهدت مصائب محزنة لأشهر نجومها ونجماتها..فهناك بعض النجمات اللاتي أقبلن علي الانتحار رغم شهرتهن مثل( مارلين مونرو) والبعض الآخر تعرض للقتل أو الإهمال من قبل محبيهم وعاشوا حياة مظلمة بعيدا عن الأضواء مثل الفنانة( لانا ترنر) التي قتلت ابنتها حبيبها وغيرها من القصص الشيقة التي ورد ذكرها في هذا الكتاب.

وزير الثقافة الجديد‏..‏ الانحياز للسينما واجب

محمود موسي 

يعد وزير الثقافة الجديد الدكتور علاء عبدالعزيز عبدالفتاح أول وزير يهاجم قبل أن يدخل مكتبه وذلك لكونه كان مجهولا من قبل أهل الفكر والثقافة ورغم ذلك كان في اختياره اشياء مبشرة بالامل فهو أول وزير يأتي من عالم السينما ومن اعرق معاهد السينما في العالم فهو استاذ في معهد السينما, وكونه أتي من هذا المجال فمن المؤكد انه سيدرك قيمة السينما كفن له تأثيره وقيمته, ومن هنا فإن انحيازه لهذا الفن سيكون أمرا واجبا, ودورا وطنيا لابد أن يعمل علي مساندته لأن الفن المصري ونجومه هم القوة الناعمة الكبيرة.

والوزير من المؤكد أنه عاش كل سنواته الماضية وهو يسمع صراخ السينمائيين بسبب التجاهل الرسمي لهم, فمصر التي كانت تنتج أفلاما وتقيم مهرجانات وتقوم بتفريخ نجوم من كل البلاد العربية لم تعد كما كانت, وهذا بسبب أن وزراء الثقافة الذين سبقوه انحازوا الي الفنون الأخري علي حساب السينما.

لهذا علي الوزير الجديد أن يضع أمام عينيه ما قامت به السينما المغربية وبالتحديد الجهد الذي قام به رئيس المركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل الذي قام بنهضة سينمائية كبيرة علي مستوي الدعم سواء للافلام أو المهرجانات فأصبحت المغرب ـ بفضل الدعم الرسمي ـ واحدة من أهم الدول انتاجا للأفلام ومشاركة في المهرجانات وحاصدة للجوائز إضافة إلي تحقيقها مليار دولار دخلا من تصوير الأفلام العالمية علي أرض المغرب.

وفي النهاية نتمني أن يعيد الوزير قراءة ما كتبه في دراسته وعنوانها الفيلم بين اللغة والنص وجاء فيها أن السينما قد اكتسبت قدرات غير مسبوقة في اختراق كافة مجالات الإنسانية, والمقصود ان كل الاشياء والموضوعات أصبحت قابلة لتقديمها علي شاشة السينما.

ونتمني أيضا في عهد الوزير الجديد أن تتحقق نهضة سينمائية تتوازي مع حلم السينمائيين.

الأهرام اليومي في

15/05/2013

 

فهمي ورمضان وإلهام شاهين...

نجوم في صفحات الحوادث

كتب الخبرهيثم عسران 

انتقلت أخبار الفنانين في الفترة الأخيرة من صفحات الفن إلى صفحات الحوادث بعد دخول كثر منهم في دوامة القضاء والمحاكم، علماً أن هذه القضايا تحظى باهتمام إعلامي وتتضارب حولها الروايات لتظل الحقيقة غائبة.

المغني حاتم فهمي آخر الفنانين الذين انتقلت أسماؤهم إلى صفحات الحوادث، إذ ألقت الشرطة القبض عليه بعد تورطه مع أحد الأشخاص بالنصب على المواطنين وإيهامهم بتوظيف أموالهم عبر الإنترنت، ولا تزال التحقيقات جارية معه لغاية الآن.

كان اسم حاتم ذكر في وسائل الإعلام قبل أيام من القبض عليه، فما كان منه إلا أن أرسل بياناً صحافياً أعلن فيه مقاضاته لكل من يزجّ باسمه في قضية لا يعلم عنها شيئاً، مؤكداً أنه أحد ضحايا النصب الإلكتروني على غرار مئات المواطنين الذين فقدوا أموالهم في شركة التوظيف الوهمية. فور إلقاء القبض على حاتم تقدم عشرات الأشخاص ببلاغات ضده مؤكدين أنه تورط في النصب عليهم من خلال شركة توظيف وهمية.

حيازة سلاح

ألقت الشرطة القبض على الفنان محمد رمضان بعد اتهامه بحيازة سلاح ناري من دون ترخيص في أحد الأمكنة، لكن رمضان أنكر التهمة مؤكداً أن ضابط الشرطة لفق القضية له ووضع السلاح في سيارته، بعدما أوقفه أحد المجندين لالتقاط صورة تذكارية معه في الكمين المروري.

اعترف رمضان بحيازة سلاح صوت وبعض الطلقات الخاصة به لاستخدامهما في تصوير فيلمه الجديد {قلب الأسد} الذي سيعرض في موسم عيد الفطر، فيما تظاهر عشرات من البلطجية أمام القسم الذي احتجز فيه رمضان مطالبين بالإفراج عنه في سابقة من نوعها.

رغم إخلاء سبيل محمد رمضان بكفالة قدرها 10 آلاف جنيه مصري فإن التحقيقات جارية في القضية، ويتوقع أن تحال إلى المحاكمة قريباً. كانت أجهزة الأمن سربت معلومات لوسائل الإعلام تفيد بأن الممثل المصري الشاب اتهم في طفولته بقضية سرقة وأودع في سجن الأحداث، إلا أن رمضان نفى الأمر مهدداً بمقاضاة من ينشر هذه المعلومات.

اختلاس وتحريض

أخلي سبيل المغني أحمد فهمي بعدما سجن لمدة أسبوع على ذمة التحقيقات الجارية في قضية اختلاس أموال من أحد البنوك التي يتعامل معها، ونقلها إلى حساباته وحسابات عملاء آخرين، فيما يستمر حبس الموظف المفصول من البنك على ذمة القضية.

في وقائع القضية أن فهمي اعتمد على الموظف المفصول لإيداع أمواله بدلا من ذهابه إلى البنك لإيداعها بنفسه، فاستغلّ الموظف ثقة الفنان به وحولها إلى  حسابات عملاء آخرين، وحاول مساومته بعد انفضاح أمره. لكن فهمي رفض سداد المبالغ المختلسة وقرر إنهاء تعامله مع البنك.

يؤكد أحمد فهمي ثقته بالقضاء المصري وبنزاهته، وقد أوكل محاميه لمتابعة تطورات القضية بشكل كامل، فيما تفرغ هو إلى مشاريعه الفنية، ويحضر لألبوم جديد مع فريق {واما الغنائي} يتوقع صدوره خلال العام الحالي.

الفنانة إلهام شاهين كانت النجمة الأبرز في صفحات الحوادث في الفترة الماضية بعدما لاحقت الشيخ عبدالله بدر قضائياً، وذلك عقب تصريحات له عبر شاشة قناة {الحافظ} اتهمها فيها بالزنا، فحصلت على حكم نهائي بحبسه ونفذته الشرطة بعد القبض عليه في شقة كان يختبئ فيها.

دعاوى إلهام شاهين القضائية ضد بدر لم تنته بعد، من بينها قضية أمام القضاء الإداري لإغلاق قناة {الحافظ} وتسويد شاشتها، فيما حصل الإعلامي عمرو الليثي ووالده المنتج ممدوح الليثي على حكم بحبس عبدالله بدر ستة أشهر بعد توجيه شتائم لهما في إطلالته التلفزيونية.

قضى الفنان طارق النهري أياماً خلف القضبان بعد اتهامه بالتحريض على المشاركة في احتجاجات ضد حكومة الدكتور كمال الجنزوري، وقد أُخلي  سبيله وسط تضامن فني كبير، وكلفت نقابة الممثلين محاميها لمتابعة قضية النهري.

الجريدة الكويتية في

15/05/2013

 

«آخر العمالقة» لإيليا كازان:

هوليوود وأضواؤها من الباب الخلفي

إبراهيم العريس 

مساء اليوم، يفتتح مهرجان «كان» السينمائي دورته السادسة والستين. وهو اختار، كما يفعل في أكثر الأحيان، فيلماً اميركياً لليلة الافتتاح جعله، كالعادة ايضاً، خارج المسابقة. ومع هذا فالفيلم استرالي لمخرج استراليّ. غير ان المهم هنا ان الفيلم ينتمي الى كاتبه بقدر ما ينتمي الى مخرجه... وهو بالتالي ينتمي مداورة الى هوليوود من طريق ذلك الكاتب. من نتحدث عنه هنا هو سكوت فيتزجيرالد صاحب رواية «غاتسبي» التي اقتبس منها باز ليرمان فيلمه الذي يفتتح المهرجان. ومن المعروف ان فيتزجيرالد الذي كان ذات حقبة إبناً مدللاً للأدب الأميركي، كان ذات حقبة ايضاً ابناً مدللاً لهوليوود التي عمل فيها كاتباً مأجوراً لمصلحة الأستديوات على غرار ما فعل عدد غيره من كبار الكتاب الأميركيين وغير الأميركيين مثل برتولد بريخت وويليام فوكنر ورايموند تشندلر وكليفورد اودتس... والحال ان محصلة تلك التجربة كانت كارثية بالنسبة الى الأدباء الكبار الذين لم يعثروا في العمل الهوليوودي على مصادر إلهام ومواضيع وراحة في العمل ترضي تطلعاتهم الإبداعية، كما انهم لم يعثروا فيها حتى على المردودات المالية التي كانوا، اصلاًَ، يتطلعون اليها. اما بالنسبة الى الأستديوات فتمخّض ذلك التعاون عن خيبة امل كبيرة. وإذا كان هذا الواقع قد وجد أفضل تعبير سينمائي له في فيلم عنوانه «بارتون فنك» حققه الأخوان جويل وايتان كون في العام 1991 ونالا عليه جائزة كبرى في «كان»، فربما يصح القول ان التعبير الأدبي الأكثر فصاحة عن علاقة الكتاب الكبار بهوليوود في عصر هذه الذهبي، اتى من لدن الكاتب سكوت فيتزجيرالد نفسه في رواية له أخرى نتوقف هنا عند اقتباسها السينمائي على يد المخرج ايليا كازان، الذي كان بدوره ابناً مدللاً من أبناء هوليوود، كما انه كان مبدعاً اشكالياً لأسباب متعددة في الوقت نفسه. وربما يكون، هو قد عبّر عن ذلك الطابع الإشكالي، تحديداً من خلال اختياره تحقيق فيلمه «آخر العمالقة» في العام 1976 ليكون انجازه الأخير إذ توقف بعده عن الإخراج السينمائي حتى رحيله. ولئن كنا نتذكر اليوم هذا الفيلم، فإن المناسبة تفرض نفسها من خلال اجتماع هوليوود بكان بالفن السابع بالأدب في هذا اليوم الافتتاحي للمهرجان.

> والحقيقة ان هوليوود هي «البطلة» الحقيقية لفيلم «آخر العمالقة»... والرواية التي كتبها فيتزجيرالد بعد تجربته الهوليوودية المريرة كانت اشبه بوصية لهذا الكاتب قبل ان تتحول الى وصية للسينمائي. وهي وصية قاسية وأقسى ما فيها انها نظرة من الداخل الى مدينة الأحلام الكاذبة تلك. ولسوف يقال دائماً ان هوليوود التي كثيراً ما حُققت فيها وبأموالها، أفلام انتقدتها بل وصلت الى حد فضحها والتنديد بها، لم تبد حقيقية وقذرة وظالمة بقدر ما بدت في رواية فيتزجيرالد وفيلم كازان. فكيف كان هذا ممكناً؟ ومن اية ناحية دنا الفيلم وروايته من هوليوود؟

> بالتأكيد من قمتها... أي من ذروة عصرها الذهبي. فالمطلعون على تاريخ هوليوود يعرفون ان الحقبة بين سنوات العشرين وسنوات الأربعين كانت فترة الذروة الذهب في تاريخها. وفي ذلك الحين، كان للنجوم بالطبع موقعهم في قمة الهرم الهوليوودي، ولكن كان ثمة الى جوارهم على تلك القمة، وربما احياناً اعلى منهم عليها، كائنات أخرى سيتضاءل بريقها بعد حين من دون ان تتضاءل مكانتها وأرباحها... ونعني بها المنتجين سواء أكانوا مجرد ممولين او مديري استديوات. في ذلك الزمن، إذاً، كان اسم المنتج يعادل ثروات وأضواء مبهرة. ومن هنا، لم يخطئ سكوت فيتزجيرالد حين جعل روايته تدور من حول منتج ومدير للأستديو يدعى في الرواية مونرو ستاهر، يصوره لنا في مساره المهني كما في غرامياته الصاخبة التي - على اية حال - يبحث فيها عن حنان مستحيل...غير ان الذين قرأوا الرواية وشاهدوا الفيلم، لم يكونوا من ناحيتهم مخطئين حين ادركوا بسرعة ان في خلفية ذلك الإسم «المستعار» اسماً حقيقياً لمنتج حقيقي استعار الكاتب بعض حياته وعلاقاته وسلوكه ليضفيها جميعاً على بطله. كان ذلك المنتج، في حقيقة الأمر، ايرفنغ تالبرغ، الذي كان يعتبر فتى هوليوود الذهبي طوال حقبة بأكملها من الزمن، من خلال ادارته العمليات الإنتاجية لدى ستديو «مترو غولدوين ماير». كان تالبرغ دكتاتوراً فاتناً وحاكماً مستبداً بأمره في مملكته. كان هو الذي يختار القصص والمخرجين والنجوم. ولا سيما النجمات اللواتي كانت الواحدة منهن لا تتوانى عن ان تخرّ على قدميه مستغفرة إن احسّت انه غضب عليها. كان يتحكم ليس فقط بأجور المخرجين وكتاب السيناريو بل بمواضيعهم وأساليبهم ايضاً ولا يتورع عن طرد أناس من طينة فوكنراو بريخت من مكتبه إن قال الواحد منهم شيئاً لا يروقه. وهو كان ناجحاً في عمله وديناميكياً بحيث يبدو قادراً على ادارة تحقيق اربعة او خمسة افلام في آن معاً، حتى ولو كان واحد يصوّر في اقاصي آسيا والثاني والثالث في هوليوود والرابع في البحر الأبيض المتوسط... ومن هنا كان يقال دائماً ان هذا الرجل لم تصنعه اسطورته بل هو الذي صنع تلك الأسطورة مساهماً في طريقه بأسطرة هوليوود نفسها.

> على هذا النحو، إذاً، يقدّم الينا تالبرغ، تحت اسم ستاهر ولكن تحت ملامح الممثل روبرت دي نيرو الذي كان في أوج تألقه في ذلك الحين... غير ان العمل نفسه لم يبتغ ان يكون انشودة في مدح الرجل او سرداً لنجاحاته، بل على العكس من ذلك تماماً... كان العمل، روايةً وفيلماً، يريد ان يصور سقوطه من شاهق، وأن يصوّر في طريقه شيئاً من سقوط هوليوود نفسها. والغريب اللافت هو ان المعركة ضد ستاهر – وبالتالي ضد هوليوود المغناج المتبخترة – لم تُخض من طريق النجمات اللواتي كنّ يقعن ضحايا لذلك المدير المبهر، ولا – كما يحدث في صراعات المافيا – على يد استديوات منافسة، او بفعل حملات صحافية... ابداً، لم يكن في الأمر شيء من ذلك كله. كان الطرف الثاني في الصراع القاتل يتمثل في نقابة كتّاب السيناريو التي، وكما يقال لنا هنا، كانت يسارية الاتجاه وكانت اول من انتفض ضد ذلك البعبع الهوليوودي المرعب. ففي ذلك الحين بالذات، وفي وقت كانت فيه كثافة الإنتاج وازدياد الوعي لدى جمهور كان قد بدأ يكف عن القبول بسينما ترفيهية لا أكثر، يجعلان هذا يتطلع الى مواضيع اكثر جدية – وهو الأمر الذي كان على اية حال في خلفية لجوء الأستديوات في ذلك الحين الى كبار الكتاب الروائيين والمسرحيين لاجتذابهم للكتابة لها -، في ذلك الوقت لم يكن امام الكتاب من اصحاب الفكر إلا ان يدركوا انهم لا بد من ان يتحولوا من ان يكونوا الحلقة الأضعف الى وضعية تمكنهم من المطالبة بمكانتهم المعنوية الفكرية ناهيك بحقوقهم المادية... وقد تمثل هذا الوعي الذي ما لبث ان انتج تحركاً، في شخصية الكاتب اليساري، بل الشيوعي بالأحرى، بريمر (قام بدوره في الفيلم جاك نيكلسون)، ليقود هو الصراع ضد ستاهر. صحيح ان الشخصية كما قدمت في الفيلم كما في الرواية، لم تكن محببة، بل ربما تعمّد ايليا كازان ان يصورها منفرة، لكن عمق الأمور لم يكن يتعلق بما اذا كان على الجمهور ان يحب بريمر او يكرهه. كانت المسألة تقوم في تصوير بداية سقوط هوليوود، ومن داخلها لا أكثر ولا أقل. وفي هذا العمل كان من الواضح ان السقوط الذي طاول حياة ستاهر ومساره المهني، انما هو هنا كناية عن بداية النهاية لهوليوود الذهبية. والحال انه إذا كان فيتزجيرالد قد تحدث عن الأمر بوصفه «نبوءة» و «أمنية» في العام 1941 حين انجز روايته، فإن ايليا كازان تحدث عنه كجزء من تاريخ معيوش عايشه هو بدوره ولم يعد لا امنية ولا نبوءة في العام 1976... والحقيقة ان النهاية لم تأت، لا في الرواية ولا في الفيلم لتقول ان هوليوود قد ماتت، بل فقط ان ثمة شيئاً في هوليوود قد مات... هناك عصر انتهى ليبدأ عصر جديد على أنقاضه... وتلك هي الرسالة التي احتاج الأمر يومها الى كل تلك السنوات الفاصلة بين 1941 و1976 لقولها في المرة الأولى ادبياً وفي الثانية سينمائياً.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

15/05/2013

 

السخرية والكوميديا في الفيلم السياسي المصري

محمود قاسم* 

فى ثقافتنا التقليدية، فإن انتقاد الحاكم، هو العمل الكارثى الأكبر الذى يقوم به المواطن، خاصة الفنان، الذى يملأ انتقاداته، وآراءه الافاق، والأزمنة، ولأن الحاكم يملك مقادير القوة المتغطرسة، المتعددة من أجل ردع من يجرؤ على انتقاده، فقد فكر مئات المبدعين طويلاً قبل أن يقدموا على هذه الخطوة: السخرية من الحاكم.

واتقاء لهذا الشر المرتقب، لجأ الكثيرون إلى التملق، والاطناب، والمديح المبالغ فيه، الا انه مع مرور الزمن، واتساع دوائر الاتصال، فإن الشجاعة غلبت الكثير من السينمائيين فى تقديم آرائهم الخاصة، وفى الحكم ومن يمثله، ولجأ الفنان إلى الرمزية تارة، ثم إلى السخرية والتعتيم تارة أخرى.. وفى العقد الأخير من حكم حسنى مبارك، كثرت الكوميديا السياسية الساخرة، وامتزجت فى الكثير من الاحيان بالفانتازيا، والحقيقة أن الحاكم وحده لا ينسب إليه هذا الشرف، فمن حسن حظ المبدعين أن تولى الرقابة فى هذه الفترة مثقفون أصحاب مواقف، وأباحوا على مسئولياتهم ما لم يتاح للمتفرج المصرى أن يشاهده، وكان على أبو شادى، ومدكور ثابت على رأس هذه الأسماء.

لذا ففى هذه الفترة، شاهد الناس افلاما تحتوى على جرأة سياسية ملحوظة، فى البداية، كان من المسموح انتقاد أى مسئول فى الحكومة، وأى جهاز فى دائرة الحكم، ما عدا الرئيس نفسه، وأسرته، وأيضاً القوات المسلحة، التى كان الرقيب يدفع إليها بأى سيناريو قد يمس بمكانتها وسمعتها.

وعليه، فإن الكوميديا السياسية، قد تصدرت فى أفلام عديدة للمؤسسة البرلمانية –مجلس الشعب – الذى تم انتقاده دوما من خلال الصعود الاجتماعى، والاقتصادى والسياسى لبعض الأشخاص الذين رأوا أن قصر الطريق إلى الفساد، هو أن يصيروا أعضاء فى مجلس الشعب، وقد تصدت الكوميديا السياسية لهذا الصعود، فرأينا أفلاما عديدة تصور الفساد الحقيقى لدى أعضاء هذا المجلس. ولعلنا لا ننسى ذلك العضو الوقور، الذى يردد عندما يتم العثور على كيس هيروين فى حقيبته، أثناء عودته من الخارج “سحلب”، فهذا العضو فى فيلم “اللعب مع الكبار” استغل حصانته البرلمانية، وحمل كيسا من “البودرة”، وكأن الفيلم يبلغ متفرجيه أنه كم ممن لديهم الحصانات، يحملون الممنوعات، باعتبار أن الموضوع الرئيسى حول الفساد الذى يمارسه كبار رجال الدولة، أيا كانت مسمياتهم الوظيفية، عدا الرجل الأكبر.

وقد تم التركيز على البرلمانى، باعتباره رجل سياسة، فمنهم الوزراء، ورجال الأعمال، وأصحاب النفوذ، والغريب أن هذا القدر من الانتقاد الساخر قد صار أكثر تركيزاً فى أفلام قام ببطولاتها عادل إمام، مما يدل على جماهيرية هذه الأفلام، وعدد مشاهديها، ومن هذه الأفلام “حتى لا يطير الدخان” لأحمد يحيى 1984، ثم الفيلمان الأول والثانى من “بخيت وعديلة”، خاصة الفيلم الثانى.

ففى الفيلم الأول، فإن هناك اشارة عابرة أن رجال العصابات تسللوا إلى قاعة البرلمان وصاروا أعضاء فى المجلس، وجاءت التفاصيل فى الفيلم الثانى، الذى سمى “الجردل والكنكة” وهما يرمزان بشكل ساخر إلى الرمزين الانتخابيين لكل من بخيت وعديلة، اللذين يحلمان بالعثور على شقة يتزوجان فيها، فإذا بهما يدخلان دهاليز عالم الانتخابات، والمافيا التى تسيطر على “سوق” الترشيحات والفوز.

الموضوع الأساسى فى هذا الفيلم، هو الانتخابات التى أتاحت لأغلب التيارات الدخول إلى البرلمان، وباعتبار أن كلاً من المرشحين “بخيت وعديلة” قد رشحا نفسيهما طمعاً فى الشقة، فإنهما يمارسان لعبة قذرة، مصاغة فى إطار من الفكاهة والسخرية، ترى أن هناك رشاوى انتخابية، وعروض مغرية، بالمال من أجل التنازل عن الترشيح. وتربيطات بين الخصوم لاتاحة فرص الفوز، أو الخسارة.

وقد رأينا فى الفيلم، كيف يقبل رجال السياسة على الانتخابات، ومنهم رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات، ووزير يود الحصول على المقعد بأى ثمن، ومثل هذا الوزير موجود بشكل ساخر فى أفلام أخرى عديدة، لعل أبرزها الحملة التى قادها فتحى نوفل، لإنجاح الوزير فى فيلم “طيور الظلام” لشريف عرفة عام 1995.

فى فيلم “الجردل والكنكة” يحاول بخيت وعديلة الولوج إلى اللعبة، دون أن يكون لهما سند، فيلجآن إلى المبالغة، كأن يرتادا سرادقات المرشحين، وقد تنكروا فى ملابس التيار الذى أعد هذا الصوان، ففى الحملة التى تمثل التيار الدينى، فإن بخيت يضع لحية مستعارة، ويرتدى جلباباً أبيض، أما عديلة فتضع غطاء ارأس، وتبدو شديدة الحشمة، ويصعد بخيت إلى المنصة كى يتكلم، فيزايد على مطالب الناس، ويبدو ساخراً فى مواقفه ومطالبه.. ويتم تأدية هذا المشهد بشكل ساخر، هزلى على شرف الانتخابات.

وهذا الفيلم عبارة عن مجموعة من الاسكتشات المتتابعة لما يحدث فى مهرجانات الانتخابات، وهو أمر يدعو إلى السخرية، رغم مرارته، وقسوته، فمن أجل البحث عن أصوات ناخبين، يذهب المرشحان إلى منطقة عشوائية فى حى غير معروف فيه أية عشوائيات، وهو “الجمرك” بالاسكندرية، وذلك باعتبار أننا أمام حى شعبى، يعيش فيه الفقراء، وهو الحى الذى يسكن فيه بخيت، وبالتالى فإن بخيت ليس بحاجة إلى الدهشة، أو محاولة التنويه إلى قذارة الحى، وأن سكان المكان لا يكادوا يعرفون شيئا عن العالم خارج جدران بيوتهم، هذا المكان العشوائى الذى يذهب إليه بخيت وحده، دون شريكته عديلة، ملىء بالمدمنين، والفقراء، وجميعهم ليست لهم بطاقات انتخابية، وبالتالى فإن المرشحين الآخرين لا يقتربون منهم، حرصا على أن أهمية المواطن فى صوته الانتخابى ليس الا.

وقد سخر الفيلم من اللعبة الانتخابية كلها، وفى المشهد الختامى للفيلم، فإننا نرى أن الأعضاء الذين تم انتخابهم هم من طراز بخيت وعديلة، وايضا هناك اعضاء من التيارات الدينية بالاضافة إلى تجار مخدرات، وهناك اللصوص المهربون الذين سرقوا حقيبة، بها اربعة ملايين دولار، فى الفيلم الاول من السلسلة، كما أن هناك مدير بنك مختلس، ومهربأطلق لحيته، وكأن الفيلم بذلك يؤكد أن المجلس حالة من السخرية السياسية جمعت كل هذه المتناقضات معاً.

وعلى طريقة الوزير وعضو مجلس الشعب، رأينا وقائع فيلم “الواد محروس بتاع الوزير” اخراج نادر جلال عام 1999، ايضا فى اطار من الكوميديا السياسية، الساخرة، فالفيلم يصور الوزير على أنه مرتش، يستغل نفوذه، وهو ايضا عاشق للنساء، يتزوج بفتاة شابة بعيدا عن أعين زوجته، وقد رأينا فى هذا الفيلم أشد وسائل الانتقام غرابة فالمجند محروس، الذى عمل لفترة فى مكتب الوزير، وعرف أسراره، ووشى به، قد تعرض للضرب من قبل رجال الوزير، فأقسم أن ينتقم منه، ورشح نفسه لدخول البرلمان، وهناك صار يقدم الاستجواب تلو الآخر ضد الوزير، وتمكن من اسقاطه فى مشاهد مليئة بالهزلية، حيث أن حروس نفسه يصير أكثر فسادا من الوزير، فيتزوج مطلقته الشابة، وتصير له أربع زوجات.

السخرية فى السينما طالت كافة أشكال السياسة وصار رجال الدولة المرموقين محل سخرية فى افلام منها “طيور الظلام”، و”معالى الوزير”، وبعد أن طالت الأفلام بالسخرية أبرز رجال السياسة، وأظهرتهم على أنهم يستحقون السخرية، كان لابد من التصعيد نحو رئيس الجمهورية ولعل هناك مشهدا قصيرا فى فيلم “4 فى مهمة رسمية” لعلى عبدالخالق، يعكس التصرفات الرعناء للوزير الذى يزوره الموظف فى منزله، فيتكلم إليه الوزير بوقار شديد، حتى إذا أتى للرجل خبر اقالته، وتغيير الوزارة، حتى انقلب إلى شخص ملىء بالعصبية، وعدم الاتزان وطرد المواطن من منزله فى عدم لياقة ملحوظة.

بدأت الافلام الكوميدية، وغيرهما، فى التعامل مع الرئيس بشكل مبجل، ومحترم، باعتبار أنه القائد، وممنوع المساس به إلا بكل تقدير واحترام، وكانت هذه الصورة المنشودة فى مجتمع ازدادت فيه المعارضة، وصار من المسموح انتقاد كل أعضاء الحكومة، إلا الرئيس فهو يجب ألا يمس.

بدا ذلك واضحا فى فيلم “جواز بقرار جمهورى” لخالد يوسف عام 2001، فقد قبل الرئيس أن يحضر حفل زفاف لاثنين من المواطنين، وجها إليه الدعوة للحضور، يسكنان حيا شعبيا ملىء بالفقراء الذين يجهزون آلاف العرائض عن أحوالهم ومشاكلهم، كى يقرأها حين ميسرة، ولم يكن الرئيس محل سخية فى الفيلم، بل هو حسنى مبارك، بوقار ملحوظ مما يعنى أن القيادة السياسية تشارك الناس فى أفراحهم.

وقد شجع هذا النوع من الأفلام أن يقحموا شخصية الرئيس فى أفلام أخرى، ورأينا هذا الرئيس فى أفلام كوميدية، من أبرزها “طباخ الريس” عام 2010.

إلا أن أبرز رئيس تمت السخرية منه، رأيناها رجلا عجوزا، يملأه المرض، والهرم فى فيلم “ظاظا” الذى حذفت الرقابة بقية اسم الفيلم “رئيس جمهورية” حين العرض، الرئيس هنا يسمى الحناوى، والفيلم هنا أقرب إلى التخيل السياسى الكوميدى، فالمواطن الذى يجد نفسه مجبرا على الترشح أمام رئيس الجمهورية العجوز، كان كل حلمه أن يحصل على شقة كى يتزوج بها، لكن رئاسة الجمهورية تريد عمل “تمثيلية” حول الديمقراطية لتمرير الانتخابات، وفوز الرئيس العجوز مبكراً، من الواضح أن الفيلم كان واضحاً فى رسالته، فالرئيس الشيخ يخاف كثيرا من الديمقراطية الحقيقية، والبطانة التى حوله تصور له الأمور بشكل غير حقيقى، وينجح ظاظا فى أن يصير رئيس جمهورية، يبدو سياسياً كاجوال فى تصرفاته، ويتعامل مع القضايا السياسية والدبلوماسية على طريقة ابن البلد، إلى أن يتم اغتياله على أيدى قوى أجنبية.

وقد تساهلت الرقابة كثيرا مع هذه الافلام، وطالما أن هناك فانتازيا، ممزوجة بالسخرية فإن الممنوعات تقل حدتها، ويتم تسريب الفيلم للعرض العام، وكما اشرنا، فقد احتاج الأمر إلى رقيب له موقفه، وجاء رقيب جديد مثقف هو سيد خطاب.. ورأينا فيلم “الديكتاتور” الذى وصف كيف يكون الرئيس وولداه فى بلد ديكتاتورى.. لا يهم اسمه، قدر ما يهم أنه يتعرض للثورة ويتمرد الشعب عليه، ويساعد رئيس دولة بمبوزيا وابنه إلى كوخ، يعذبان فيه على يدى أحد أبناء الشعب.

الديكتاتور هنا يبطش بمن يرفض أو يعترض على أوامره، ويخشاه الجميع انه يسمى شنن، يرث ولداه السطوة، أحدهما يهتم بالاقتصاد وجمع المال، أما الثانى فهو يهتم بالسياسة والنساء.. انه يتصرف بشكل غير مسئول، يتلذذ بتعذيب الشعب، وتحوط المشكلات حياته، فهو يتصور أن أنقلابا سيقوم ضده، لذا، فانه يبطش بمن حوله، ولا يثق فى أحد، ويقوم دوما بتغييرهم، حتى يحدث انقلاب فعلى، ويطالب الشعب باعدامه عند محاكمته.

لا شك أن مزج هذه الافلام بالكوميديا، قد توائم كثيرا مع الصعود الملحوظ للكوميديا فى تلك السنوات، وعكس الوسيلة الامثل لتعامل السينمائى مع الممنوعات كأ، يردد: نحن نمزح.. ليس إلا

* ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

شبكة "آسيا إن" في

15/05/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)