حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

اعترافات ملاك بازوليني تحت شمس مراكش

تيرينس ستامب: هذه الطريقة الوحيدة للعيش

هوفيك حبشيان ــ المغرب

 

كان تيرينس ستامب في الرابعة، عندما اصطحبته أمه لمشاهدة فيلم من بطولة غاري كوبر. انها الحرب العالمية الثانية، والده على خطوط النار، والسينما الأميركية في ذروة عطائها ومجدها، مصدر الحلم الأكثر شعبية حول العالم. كانت تلك لحظات كافية ليكتشف ستامب الفنّ الذي سيغيّر مجرى حياته، وسيتحدى به محيطه المتواضع، هو سليل عائلة فقيرة تعيش في ضواحي لندن. هذا ما رواه الممثل البريطاني لـ"النهار" في مراكش، بعد 71 عاماً على لقائه الحاسم بالشاشة الكبيرة. بصوت خافت وايقاع بطيء وطول اناة من الصنف الانكليزي، دونما اكتراث بالزمن الذي يدهمنا، ومكرساً ما يملكه من أدوات تعبير كي تصل فكرته بلا تشويه الى محدثه، يروي لي فصولاً من سيرة استثنائية، مذيِّلاً كلامه دائماً بـ"هل انا واضح؟". 

من سجل ستامب، الذي اطلقه بيتر يوستينوف في مطلع الستينات (أراده الأخير ممثلاً قبل ان يفقد براءته)، تحتفظ ذاكرتنا ببعض اللقطات التي تشي بموهبة مغايرة. فالممثل، لعب في أكثر من 60 فيلماً تحت ادارة كبار القامات السينمائية: فيديريكو فيلليني، بيتر بروك، مايكل تشيمينو، جوزف لوزي، اوليفر ستون، وليم وايلر، الخ. بيد ان الصورة التي كانت تعود لتتصدر مخيلة السينيفيليين، هي تلك التي شكلت لحظة بالغة الأهمية في تاريخ السينما الايطالية: "تيوريما" لبيار باولو بازوليني (1968). فستامب، الذي لم يكن بلغ بعد الثلاثين، جسّد هنا شخصية لم تسلّم بعد جميع اسرارها وغموضها وروعتها: انه زائر، نصفه ملاك ونصفه الآخر شيطان، نوعٌ من مسيح دجال، يزعزع استقرار عائلة بورجوازية، ويبني علاقات مع افرادها، من أصغرهم الى اكبرهم سناً. ستامب، هذا الشرير الفائق الجمال بعينيه الزرقاوين، لوّن كاراكتيره باللبس المطلوب، فارتقى في هذه الدرة السينمائية الى مصاف كبار الشعراء والرسامين. بالتأكيد، لم يُنسِنا دوره هذا، الأداء الصاعق في "جامع الفراشات" لوليم وايلر، قبله بثلاث سنوات، الشريط الذي اقترحه علينا في دور قاتل مهووس يخطف فتاة (سامانتا ايغر)، ويخبئها في قبو منزله. هذا الفيلم كان الثالث له، وها انه يفوز بجائزة أفضل ممثل في كانّ، المهرجان الذي لم يكلف نفسه حتى عناء دعوته. على الرغم من ان السينمائيين الأميركيين والأوروبيين، لم يتخلفوا عن ان يسندوا إليه، دائماً وابداً، دور الشخص الذي يبقى ماكثاً على الحدّ الفاصل بين الخير ونقيضه، رافضاً تلوين شخصيته بلون واحد، استطاع ستامب القفز الى مناطق أوسع في خياراته للأدوار، مع الحرص المستمر على توليد اللبس والغموض اينما حلّ

ستامب، هذا الداندي الذي ملأ الصخب اللندني مع صديقه مايكل كاين، ابن مرحلة لا يزال يحمل الآمها واحلامها. في السبعينات، مرّ بمرحلة جمود، عندما لفظته تلك السنوات التي كانت جعلت منه ايقونة، فاجتاز النفق المظلم طولاً وعرضاً، ليباشر في آخره مغامرة روحانية في الهند، قبل ان يسجل عودة مختلفة بأدوار متفرقة، جعلته يقف، بين وقفات أخرى، في مواجهة سوبرمان، البطل الأميركي الخارق

تنقل بين دهاليز السينما، بحرية واستقلالية تكاد تكون مطلقة، حيناً يرمي نفسه في حضن السينما الواسعة الانتشار، وحيناً تراه في خدمة سينمائيين جدد في برامجهم "قتل الأباء". عرف ستامب خيبات عديدة وذاق طعم ولادات متكررة، ابرزها "ذا ليمي" لستيفن سادربرغ، الذي تحول الى تاريخ مفصلي في حياته، نهاية التسعينات. يوم التقيتُ ستامب تحت شمس مراكش الحارقة، وجلستُ على بُعد سنتيمترات قليلة منه، ورحتُ احدق في صراحة عينيه اللتين تخترقان النسيان، وجدتُ نفسي وقد حملني الرجل الذي بات بلا عنوان ثابت منذ سنوات، الى الماضي الذي بدأ يبتعد كلما حاولتُ الاقتراب منه: لم يبق شيء من هذا الذي ادهشنا على الشاشة، سوى اصرار مدهش على صناعة لحظات سحرية بأقل الامكانات الممكنة

·     أريد ان اعود معك قليلاً الى الخلف، الى الستينات تحديداً، حيث كنت لا تزال في مقتبل تجربتك. أيزعجك ذلك؟

- تفضل. لا يزعجني الأمر البتة.

·        يُحكى ان بيتر يوستينوف هو الذي اكتشفك. كيف تبدو لك عن بُعد تلك الفترة من حياتك؟

- نعم، يوستينوف هو الذي منحني فرصتي الاولى. لا استطيع ان انكر انها كانت الحقبة الأروع في حياتي وأنا شابٌ. مَن اكتشفني لم يكن انساناً عادياً. في مسار انتقالي الى الضوء، علّمني ايضاً ما اصبح لاحقاً درسي الأول الذي اقتصر على مشاهدتي له، فتعلمتُ كيف يتصرف مع الآخرين، وقلّدته

·        هل كان التمثيل ضمن مخططك في تلك المرحلة؟

- نعم. كنت مؤهلاً، وكان سبق لي ان مثلت في مسرحيات شكسبير. كان التمثيل طموحي الأوحد. عندما كنت في الرابعة، كانت امي التي تحب السينما كثيراً تأخذني معها لمشاهدة الأفلام. احدثك عن فترة الحرب حين كان ابي في البحرية. ذات يوم، شاهدتُ فيلماً اسمه "بو جست"، مع غاري كوبر، الذي كان يضطلع بدور عسكري يجري نقله الى الصحراء ليحارب شبابا أمثالك (ضحك). وقعتُ في غرام كوبر، وأردتُ ان أكون مثله. ثم، بعد فترة، ادركتُ ان الأمر ليست مزحة. امضيت نحو عشر سنين وأنا احلم ان اكون مثله. في غضون ذلك، فهمتُ ايضاً ان الرجل الذي اريد التشبه بشخصيته هو ممثل وليس حقيقياً. اذاً، كان عندي الطموح منذ مرحلة مبكرة. كنا فقراء جداً وكان ابي في البحرية. عندما بدأتُ اعلن رغبتي في التمثيل وأنا أشاهد التلفزيون، لم يكن أبي يحرك ساكناً ولم ار أي رد فعل منه. في يوم من الأيام، نظر الى عينيّ، وقال: "بنيّ، أناس من امثالنا لا يحلمون بأشياء كهذا". ثم نظر اليَّ ثانية وقال: "بنيّ، لا اريدك ان تتكلم عن هذا الشيء مرة أخرى". تفادياً لاشتباك محتمل مع ابي، قررتُ أن اهجر البيت. في سن الثامنة عشرة، كنت اعيش على سجيتي. التحقتُ بأكاديمية التمثيل، ولكن كان عليَّ الحصول على منحة لأنني كنت مفلساً.  

·        هل تغير موقف الأهل منك عندما بدأت تشق طريقك نحو النجاح؟

- أمي كانت فخورة جداً بي. أما والدي، فلم يكشف يوماً عن مشاعره تجاهي. فهذا الرجل انضم الى البحرية في الخامسة عشرة، ولفّ العالم مع مَن يكبرونه سناً. وهذا الشيء جعل منه شخصاً يكتفي بالقليل. كان رجلاً قاسياً. في اول فيلم مثلت فيه، أديتُ دور البحار، واعتقدتُ ان هذا سيكون شيئاً ايجابياً، فاصطحبتُ والدَيّ الى العرض التمهيدي. وكان هناك بيتر يوستينوف وزوجته، وذهبنا الى العشاء معاً بعد العرض. يكون والدي مسلياً ما إن يرتاح لوجود الآخرين معه. بدأ يروي النكات ليوستينوف الذي جعله يحتسي الكونياك. استمر العشاء حتى الثالثة صباحاً، ثم اوصلتُ والدَيّ الى المنزل، وكنا انذاك لا نزال مقيمين في ذلك الحيّ اللندني البائس. بعد سنوات خطر في بالي أن أسأل والدتي: "ماذا حصل في تلك الليلة، عندما تركتكما في المنزل؟". علمتُ ان أبي لم يتفوه بكلمة واحدة، سواء سلباً او ايجاباً عني. هذا يعني انه لم يتكلم عني البتة. مرة، اوقفني احدهم في الشارع، ليسألني: "هل أنت ابن توم ستامب". قلتُ: "نعم". فأطلعني انه كان يعمل مع والدي على باخرة، وفي احدى المرات، اظهر احدهم لوالدي صورة لي على غلاف صحيفة، فحدق فيها وقال: "هذا الصبي محظوظٌ جداً". كان والدي قد توفي عندما علمت برأيه فيّ.

·     مظهرك الخارجي تأرجح دائماً بين الكائن الشرير والشخص الملائكي، وقد تجسد هذا الجانب الملتبس فيك خير تجسّد في "تيوريما". هل كنتَ مدركاً ما تحمله من تناقضات في داخلك، وهل لعب هذا لمصلحتك؟

- بالطبع. في بداية الستينات، عندما مثلتُ في فيلمي الأول ـــ انتَ لستَ مسناً كفاية لتتذكر ــ كان بمنزلة اعجوبة أن يدخل احد مثلي، أو مثل البرت فيني وبيتر اوتول مجال السينما ويفوز بالشهرة. نحن، كنا ننتمي الى الطبقة العاملة غير المتعلمة انذاك، ولم يكن هذا الفنّ، في بريطانيا على وجه الخصوص وخلافاً لفرنسا، سوى للبورجوازيين. لو اردتَ ان تكون في مجال السينما، كان عليك ان تتظاهر بأنك من البورجوازيين. لذلك، عندما استقبل فيلمي الأول بحفاوة كبيرة، وترشح لـ"الأوسكار" وأنا في الثانية والعشرين، قلتُ في نفسي: "هذا شيء مذهل، فالآن استطيع ان اكسب عيشي وأنا امارس المهنة التي أحبها، وليس عليّ ان اذهب الى المكتب كل يوم". في المقابل، كنت ابحث عن الاستمرارية. كنت اريد المشاركة في اعمال تبقى ماثلة في وجدان الناس وتستمر، وتبقيني على الشاشة لأطول فترة ممكنة. لم أكن اريد أن أكون من الممثلين الذين يدمنون الكحول ويصبحون غير قادرين على التمثيل. لو راهنتُ على مظهري، ولو اكتفيتُ بتكرار الأشياء نفسها مرة بعد مرة، لانتهت حياتي المهنية عند هذا الحدّ، بعد فترة قصيرة

·     عملتَ في ادارة كبار السينما، من جوزف لوزي الى بيار باولو بازوليني ففيديريكو فيلليني ووليم وايلر. هل انت نوستالجيّ تجاه هذه التجربة التي جاءت خلال احد العصور الذهبية للسينما؟

- نعم، كانت فترة عظيمة بالنسبة لتجربتي. لم يكن تفصيلاً عابراً ان تعمل مع الأسماء التي ذكرتها وأسماء أخرى ايضاً. اقصد، عندما تلقي نظرة على مسار وايلر، ترى انه لم ينجز الا فيلماً واحداً لم يلق النجاح، وكان هذا فيلمه الأخير. ولأنه لم يكن ناجحاً، قرر أن يتوقف. سبيلبرغ او لوكاس لن يفعلا شيئاً مماثلاً. قبل أيام، كنت استمع الى جون بورمان يتكلم عن بيلي وايلدر... يا له من عبقري. كانت هذه حقبة لويس بونويل وكارول ريد، الخ. لم ارد يوماً ان أكون استاذاً، ولكني كنت سعيداً ان اكون تلميذا جيدا. في السنين العشر الاولى من مسيرتي، عملتُ مع فيلليني وبازوليني، ماذا كنتُ اريد اكثر من ذلك؟ تعلمتُ كثيراً من هؤلاء وكنتُ كالاسفنجة التي تمتص ما تحتها. ثم فجأة، مع حلول السبعينات، توقف كل شيء، فحملتُ نفسي ومشاعري وأمتعتي الى الهند. لم أذهب الى هناك لتجنب العمل، بل ذهبتُ لأني لم اعد اجد ما يناسبني من عمل

·        لكن، لو حاولتَ لوجدتَ!

- لا (بصوت قوي). لا، هذا هو سوء الفهم الذي حصل

·        ولكن، اذا كان في استطاعتك ان تجد الآن، لماذا لم تجد آنذاك؟

- هذا هو اللغز الكبير. هذا ما لا افهمه. العمل توقف. كنت اضطلع بالأدوار الرئيسية، وكنت شاباً تحت الأربعين. كل شيء توقف فجأة، ولم أفهم ما الذي حصل.

·        هل كان بسبب "تيوريما" مثلاً والاتيكيت الذي ألصق بك؟

- لا، لا، لا...

·        هل لديك نظرية خاصة في هذا الشأن؟

- نعم، لكنني لستُ متأكداً من صوابيتها. ربما لأن صورتي ارتبطت بالستينات ارتباطاً وثيقاً وتماهت بها. عندما انتهت الستينات، كان السؤال الأبرز: "من التالي؟". قيل لي حرفياً: انتَ عجوز، لنجد شاباً مثيلاً لك. هذه ليست بارانويا. هذه الجملة قيلت لي، وسمعتها. أما انا، فكنت اشعر بأنني لا زلت شاباً (ضحك). لذلك ذهبتُ الى الهند، حيث كانت في انتظاري، طوال ثمانية اعوام، حياة مختلفة، مختصرة ومكثفة. قطعتُ مع كل شيء. عشتُ مع الدراويش وتدربتُ على الصوفية وقرأتُ شعراء فارسيين وتعرفتُ الى جبران خليل جبران. حشدتُ نفسي بمعانٍ حياتية اخرى. صرتُ خبيراً في الثقافة الصحراوية؛ لا يمكنك ان تعلمني اي شيء، فأنا اعرف كل شيء. وفجأة، عام 1977، تم استدعائي كي اشارك في فيلم "سوبرمان". ادركتُ خلال تجربتي تلك، أنه لم يعد في امكاني الافادة من العمل مع مخرج، لأني كنتُ ادير نفسي بنفسي. وجدتُ نفسي في مواجهة نفسي. كان زمن العباقرة قد ولى. وكنت بدأت أعمل مع مَن هم أصغر مني سناً. كان هذا في الثمانينات، أما في التسعينات، فتغير الأمر قليلاً وبدأتُ التقي بعباقرة جدد، من امثال ستيفن سادربرغ

·        نلاحظ ان لا فرق لديك بين دور اول ودور ثانوي. رأيناك في هذا وذاك...

- المهم بالنسبة لي اهمية الدور وليس طوله. لا أشارك في ادوار رثة، الا اذا كنت محتاجاً الى مال. في هذه الحال، أعرف انها رثة مسبقاً. عليّ ان ادفع ايجار البيت. هذا كل شيء. لا أفكر ابداً في المال. اذا كان في حوزتي المال، فهذا المال هو لهذه اللحظة. لا قدرة لي على التحكم بالمستقبل، كون المستقبل غير موجود اصلاً، ولا أؤمن به.

·        هل هذه طريقة مثالية للعيش؟

- بل هذه الطريقة الوحيدة للعيش

·     بعد نصف قرن في السينما، هل تفضل السينمائيين الذين يمنحونك الكثير من التعليمات ام الذين يتركونك تعمل على هواك وبحرية كثيرة؟

- لا فرق عندي. عندما يوجه المخرج التعليمات، أشعر كأنني اوجه التعليمات الى نفسي. ما يهمّ هو ما يحدث في اللحظة. في الحالين، سواء ادارني او تركني على حالي، فهذه لحظة آنية، وما يهمني ان أعرفه: ماذا سيخرج من تلك اللحظة؟ اعتذر اذا كنت غامضاً بعض الشيء...

·     لا مشكلة، احاول ان ادخل الى ذهنك؛ انت على قدر عال من اللبس حتى في اجوبتك، يبدو انك مخلص للصورة التي رسمتُها عنك قبل محاورتك. عفواً على وقاحتي...

- (ضحك). لا تكن سخيفاً، قل ما تريده...

·        اتساءل دائماً ما هي تقنياتك التمثيلية، وهل لديك اسرار تلجأ اليها عندما تقف قبالة الكاميرا؟ 

- لا اسميها تقنيات بل صياغات. هنا استحضر جبران خليل جبران الذي قال: Work is love made visible. اذا غاب الوحي، وكانت الكاميرا على وشك الدوران، فأنا في حاجة الى صياغة. لذلك، تدربتُ دائماً على الحركة والصوت والحمية واليوغا. لم اترك شيئاً لم اتعلمه. هذه تقنيتي. انه كالرصيد في المصرف. عندما اسمع كلمة "أكشن"، وليس في تصرفي شيء ما، عليّ ان اخترع شيئا ما

·        عملتَ في اوروبا وعملتَ في اميركا. هل الفرق شاسع؟...

- الفرق الأبرز من وجهة نظري كممثل، هو انك في اميركا انت تعمل لحساب الادارات والوكالات المرتبطة بها. أما في اوروبا، فهذه الادارات هي التي تعمل لأجلك. اما من وجهة نظر فنية، فلا فرق بين الاثنين، ما دمت تعمل في اللحظة.

·        بمَ تحلم وانت تنظر الى العالم من هذا المكان الجميل؟

- لا احلام لي. كنت أقول قبل فترة ان "اغنية لماريون" [توضيح من المحرر: فيلمه الأخير، من اخراج بول اندرو وليامس] من المرجح جداً ان يكون فيلمي الأخير. هذا السؤال يحرجني. ليس عندى ادنى فكرة عما سأرد. ليس من شيء لم افعله في حياتي. فعلتُ كل شيء. لا يمكن ان اتخيل ما سيكون دوري المقبل. ربما دور كوميدي. تسعدني دائماً الأدوار الكوميدية لأنها صعبة. أحب ان يلجأ ممثل دراماتيكي مثلي الى الضحك

·        ولكن، ما هي أكبر تراجيديا بالنسبة لممثل؟

- (بعد صمت طويل). هذا سؤال جيد. التراجيديا الكبرى هي أن يصدق الممثل أنه بلغ الكمال في تمثيله. هذا يقطع الهامه. معظم الناس يعتقدون أنهم أفراد: هذا انا، هذه اسناني، هذا شعري، هذه موهبتي. هذه بالنسبة لي النهاية. على الفنان ان يكون كل شيء وهذا دوره على كل حال. على الفنان ان يستوعب ان افضل ما عنده ليس منفصلاً عن اي شيء آخر. هذا دور الممثل. لهذا، في المسرح الاغريقي كان الناس يعملون لأيام وأيام. كان الشعب يذهب لمشاهدتهم في مسارح ذات فضاء مفتوح، ليشعروا باللحظة. هذا كان يجعل الممثلين يتذكرون ما هم عليه فعلاً. انا اذكرك الآن، مثلاً... [يضرب على صدري بقوة شديدة]، انت وانا شبيهان. انا هنا لأريك فقط

hauvick.habechian@annahar.com.lb

النهار اللبنانية في

09/05/2013

 

يوم في الإقامة الجبرية

«شاشات الواقع».. رحلة في التاريخ

نديم جرجورة 

إذا اختار منظّمو تظاهرة الأفلام الوثائقية «شاشات الواقع»، المُقامة في صالة سينما «متروبوليس» (الأشرفية) فيلماً عن الموسيقى لافتتاح الدورة التاسعة (8 ـ 15 أيار 2013)؛ وأتاحوا فرصة تواصل ما مع «دوكس بوكس»، المهرجان السوري الدولي للأفلام الوثائقية، مساء أمس الخميس، بعرض فيلمين سوريين يتناولان جوانب إنسانية في ظلّ الحراك الشعبي السلميّ قبل تحوّله إلى نزاع مسلّح؛ فإن «المعهد الفرنسي في لبنان» و«جمعية متروبوليس» منظّمَي التظاهرة أرادا إتاحة فرصة مهمّة لمحبّي الفن السابع لمشاهدة تنويعات سينمائية، تعود إلى الماضي لنبش جوانب من المبطّن أو المخفيّ فيه، وتحاور الراهن بلغة سينمائية معقودة على جعل الصورة أداة بوح وتأريخ

الماضي حاضرٌ في «الجميع في لارزاك» (2011، 118 د.، بالفرنسية المرفقة بترجمة إنكليزية) لكريستيان روو (مساء اليوم الخميس): ماذا حدث في هذه المقاطعة الفرنسية الصغيرة، القريبة من لوديف والتابعة إدارياً إلى «ميدي ـ بيريني»؟ في العام 1971، قرّر وزير الدفاع آنذاك ميشال دوبري توسيع معسكر التدريب العسكري فيها، على حساب أراض زراعية، ما دفع المزارعين وأبناء البلدة وفنانين عديدين إلى مواجهة هذا المخطّط لمدّة عشرة أعوام تكلّلت بالنجاح. الصراع من أجل حماية الأرض الزراعية من الموت، جزء من صراع ثقافي عكس براعة المواطنين في استنباط أدوات شتّى في المواجهة السلمية. جزء من وعي جماعي شكّل محطة في مسار تاريخي إنساني متمثّل بمقارعة الطغيان من أجل الحقّ. الحقّ، هنا، واضح المعالم: لا للعسكر على حساب المدنيين. لا للسلطة على حساب الشعب

الماضي حاضرٌ أيضاً في «أبناء نيسان» (2013، 22 د.، بالأرمنية والفرنسية المرفقتين بترجمة إنكليزية) لدزوفيك توريكيان (مساء غد الجمعة): إنه سؤال المجزرة المرتكبة في العام 1915 بحقّ الأرمن، على أيدي العثمانيين. سؤال لا يزال مفتوحاً، تماماً كالجراح غير المندملة حتّى هذه اللحظة. الوحشية، والغفران، والبحث عن منفذ يتيح التئام الجرح، والألم المحتاج إلى اعتراف واعتذار يسمحان بإطلاق مرحلة التسامح والمصالحة. عناوين لا تزال فاعلة في الوعيين الفردي والجماعي للأرمن، لأن الناجين من الموت ردّدوا الحكاية على مسامع الأبناء والأحفاد وأبنائهم، كي لا تندثر، وكي لا تغيب في النسيان. بهذا المعنى، يُمكن القول إن دزوفيك توريكيان ذهبت إلى المهجّرين كي تعيد صوغ المعالم الأساسية والعميقة للذاكرة، بينما قرّر نيغول بزجيان، في «تركت حذائي في استنبول» (2012، 64 د.، باللغتين الأرمنية والتركية المرفقتين بترجمة إنكليزية)، العودة إلى استنبول برفقة شاعر لبناني أرمني قرّر البحث عن جذوره العائلية والثقافية، وفيها أيضاً: «رحلته تأخذنا إلى شوارع عتيقة سكنها الأرمن سابقاً، وإلى مقابر قديمة يستريح شعراء فيها، وإلى أعماق كنائس». فيلم يرتكز على حكايات أتراك وأرمن، وشباب وعجائز، وأغنياء وفقراء، يتشاركون معاً في هذه اللقاءات مفردات العيش المشترك، ووجبات الطعام، ونصوص الحكايات، والنقاشات الجمّة التي تطال أفكاراً وهواجس (مساء غد الجمعة).

بعيداً عن الماضي الموغل في أحزان وآلام ورغبات صادقة في اكتساب صفاء ذاتيّ، يُمكن لهواة الأفلام الوثائقية مُشاهدة أحد أكثر الأفلام إثارة للجدل، بفضل ما يحيط بمخرجه من اضطهاد وضغوط: «هذا ليس فيلماً» (2012، 75 د.، بالفارسية المرفقة بترجمة فرنسية) للإيراني جعفر باناهي (مساء غد الجمعة)، الـ«ممنوع» من ممارسة مهنته كمخرج سينمائي، بتهمة العمل ضد سلطة الملالي أثناء انتخابات العام 2009. فيلم عن الإقامة الجبرية؟ فيلم عن الحكم القضائي التعسّفي ضد سينمائي؟ صحيح. لكن الأصحّ أنه فيلم عن السينما أولاً وأساساً. عن الحياة أيضاً في مواجهة الموت. إنه متابعة لكيفية تمضية باناهي يوماً كاملاً من حياته، وإطلالة على الواقع الحالي للسينما الإيرانية الراهنة.

السفير اللبنانية في

09/05/2013

 

الفوز تنجور :

"بارودة خشب" صرخة ضد الحرب

حوار : حسن مرزوقي 

الفوز تنجور مخرج سوري صاعد اختار طريقا في الفيلم الوثائقي مبنية على مفهوم سينما المؤلف والانتصار للشكل الفني "لحماية المضمون" الفكري والموضوعاتي للفيلم. وإضافة إلى عمله المتقن يتميز الفوز بثقافة سينمائية نظرية تجعل منه مخرجا تتقاطع في داخله وأعماله عدة مجالات كالشعر والفلسفة والعلوم الإنسانية ولكنه يصهر تلك الرؤى في رؤية فنية حاملة لهمومه الذاتية والجماعية

حصل فيلمه "بارودة خشب" على جائزة الحريات وحقوق الإنسان في مهرجان الجزيرة الأخير. والفيلم من إنتاج الجزيرة الوثائقية. دار بيننا وبينه حوار نظري متعدد الأبعاد خلال المهرجان واكتشفت من خلال تلك اللقاءات شخصية مبدع يخط طريقه واثقا من من مساحة الجماليات التي يتحرك فيها. ارتأينا أن نصوغ تلك "الدردشات" في حوار شامل حول "بارودة خشب".

·     فيلمك مقلق مثله مثل شخصياته وربما مثل شخصيتك أيضا : مقلق في مستوى تقبله، في موضوعه، في لغته، وشخصياته، ولكنه أيضا مقلق في تصنيفه فنيا، فهل أنت متأكد أن فيلمك وثائقي؟ أم لديك رؤية ما للفيلم الوثائقي جعلت فيلمك على هذه الشاكلة المقلقة؟

أنا قادم من مدرسة سينمائية وبشكل أدق من مدرسة أوربا الشرقية والتي في جذورها وصلبها مدرسة روسية, تعتمد وبشكل كبير على سينما المؤلف

في السينما الروائية, يُبنى كل شيء, ويعاد خلقه من جديد ليأتي على صورة الواقع, ولكن من وجهة نظر المؤلف, الذي يبني عالمه كما يريد, كل ما يتعلق بسرد الحكاية, أو كل ما يلزم لقولها, الضوء وتدريجاته, حركات الكاميرا, لعب الممثل وحركته في الكادر, والديكورات, كلها تأتي لخلق شكل ومضمون الحكاية, فيأتي الفيلم, ليعمل على حل لغز الواقع, وليس تقديم واقعاً مفكوك الرموز. السينما الروائية, ترصد الحياة وتسجلها, وتقول الحكاية كما أراد السينمائي المؤلف, من خلال اللقطات المتتالية, أما الفيلم التسجيلي فهو يرصد الحياة ويسجلها كما هي, طازجة, عفوية, وفي الكثير من الأحيان تحتاج لوجهة نظر محددة, لتأخذ أهميتها وترتقي لأن تكون سينما تسجيلية, أي أن تعاد صياغة اللقطات, أثناء التصوير, ثم أثناء تركيب الفيلم وبهذا فقط, أي من خلال التأليف, (وجهة نظر المؤلف), تصبح السينما التسجيلية مهمة.

بالنسبة لي أتعامل مع الفيلم التسجيلي, كأنه فيلم روائي, فأنا أختار كل شيء وأعيد بناءه من جديد, مع ضرورة الحفاظ على الصدق, شخصيات الفيلم, حركاتها أمام الكاميرا, ثم حركات الكاميرا, الأماكن, الأجواء العامة, الضوء وطبيعة اللقطات, ثم الموسيقى, الصمت, الحوارات, كل ما يلزم لأن أقول حكايتي, ولأن تأتي ليست فقط انعكاساً للواقع, وإنما العمل على حل لغز هذا الواقع, من خلال مجموعة من الرموز والدلالات الخبيئة, المهمة لفهم جديد ومختلف, وكما أريد أن أقول.  

تتقاطع السينما الروائية والتسجيلية بالنسبة لي في مفاصل كثيرة, أهما في الصدق وقول الحقيقة, في البناء, بناء الشكل والمضمون, في فهمي لأداء (الموديل- الممثل- الشخصية) لحظة تواجدها أمام الكاميرا, في طريقة السرد أحياناً, وفي أحيان كثيرة, حين يعاد توليف الحياة لتأخذ بعداً آخر, يمّكن من فهم مختلف وجديد للواقع.

·     اختيار الشخصيات : هل كان اعتباطا؟.. وإن لم يكن، فعلى أي أساس اخترتهم وعزلت كل سكان بيروت وأخفيتهم ليظهر إلا هؤلاء على الخشبة.. وكأنه اختيار مسرحي

بما أنني أتعامل مع الفيلم التسجيلي كما قلت كأنه فيلم روائي, لذلك أنا أختار شخصياتي بعناية فائقة, وهي من أهم مراحل صناعة الفيلم, فيجب أن تكون الشخصية ملائمة ومتجانسة مع الموضوع, على صعيد المضمون والشكل, والبيئة الاجتماعية والثقافية, وحتى في مرات كثيرة, شكل الحياة التي تعيشها الشخصية وشكل المكان الذي تنتمي له.

وفي (بارودة خشب) اخترت شخصياتي ليس لتكون مناسبة فقط، وإنما لتكون حرة في فضاء الفيلم, حرة وغير مقيدة, تماما كما على خشبة المسرح, وحيدة أمام الجمهور, تنظر مباشرة في عيون الناس وتتكلم, حتى تستطيع البوح بمكنونات الذاكرة, وتساهم في بناء حكاية الفيلم وبالتواطؤ التام مع المخرج.

ربما أخفيت سكان بيروت ليتكلم أبطال الفيلم, وكانت بيروت وناسها خلفية نشرت عليها شخصيات (بارودة خشب), ليعلن أبطال الفيلم وبصوت عال بأنهم وحيدين, وغير قادرين على فعل شيء و(سمعان خوام) القنّاص, زمن الحرب, الرسام حالياً, يقول: (نحن العلمانيين, المستقلين, نعيش لوحدنا, وغير قادرين على فعل شيء, نحن يد واحدة لا تستطيع أن تصفق ولا بمكان)

ومن هنا أتى شكل الفيلم مناسبا لموضوعه, فشخصيات الفيلم تعيش في عزلة, بعيدة عن المجتمع, وربما المجتمع اختار أن يكون بعيداً عنها, وما يظهر في الفيلم من جدران وأبنية موشومة بالرصاص, كما نفسية شخوص الفيلم, مكدرة ومثقلة بالأوهام والأحلام بأن يكون اليوم التالي أفضل.

·     هذا الاختيار جعل الخطاب بين الشخصيات متجانسا في مضمونه وعمقه رغم تنوع عبارته؟؟ فما هي الإضافة في تنويع الشخصيات المتقاربة في النظرة والحلم؟

ربما كانت الشخصيات متشابهة على الصعيد الفكري, ولكن كل منها يتناول الواقع بشكل مختلف, وينظر إليه بطريقته الخاصة, بدءا بطريقة التعامل مع الذاكرة ومكنوناتها, إلى التعامل مع مفاهيم, الحرب ،الوطن, الشعب, الهجرة, الآخر!. واخترت أن يكون السجال بين هؤلاء دون إقحام أطراف أخرى غير متجانسة كليا رغبة مني بأن أُضيّق قدر الإمكان على الموضوع, وأن لا أشوش عليه, ومن هنا لم يعد التنويع هو الهدف بقدر ما يهم أن تتعدد الزوايا التي نضيء فيها على موضوع الفيلم وتيمته الرئيسة.

·     شخصية الولد هي التي كانت خارج الخطاب الفني – السياسي / الإيديولوجي وكانت قريبة من الخطاب الإنساني اليومي والبريء وبها أنهيت الفيلم بمشهد الغرق.. وكأن غرق هذا الخطاب هو الذي سيغرق لبنان

الولد في الفيلم هو الولد الذي بداخل شخصيات الفيلم, بل بداخل كل واحد منا.

نحن صغارا كانت لعبتنا المفضلة هي الحرب, ببنادق بلاستيكية أو خشبية, لا يهم, المهم أن نبقى متمترسين في مجموعات  وتبقى الحرب مستمرة.

كبرنا, وأصبحت بارودة الخشب ليست مجرد ذكرى وحسب, وإنما هي علاقتنا مع الآخر, مع الخوف, القلق, الأوهام والأحلام, العلاقة مع ذواتنا, مع الحياة.

أنا أعتقد بأن شخصية الولد كانت في صلب الخطاب الفني, السياسي, الإيديولوجي, وفي صلب الخطاب الإنساني اليومي, لأننا في هذا الشرق الأوسط المأزوم والمتفجر في كل لحظة, والمليء بالتناقضات الاجتماعية والثقافية, والذي يقف على حافة الخطر, محكومين في الأفلام التي نصنعها بأن يكون خطابنا دائماً فني وسياسي وإنساني في وقت واحد.

خطاب الولد, هو مزيج من ذاكرة شخصيات الفيلم, وبين رؤيتي أنا للواقع الحالي, ولكن بطريقة ومعالجة مختلفة, فقد أردت أن أحاكي الواقع من خلال لعب الولد وطريقة تناوله لليومي في المدينة, كيف يُحرض الواقع ويحاول الانتصار على نفسه ولو بالوهم, ويقوم بألعاب وأشياء كثيرة تفكك بعضاً من رموز الحياة, وتحاول أن تعطيها أبعادا أخرى

نعم ينتهي الفيلم بمشهد الغطس المتكرر في الماء

إن الماء هو الطهارة عند الشعوب, وأنا أردت لشخصيات الفيلم أن تتطهر, ربما من ذاكرتها, ربما من أوجاعها وقلقها المزمن حيال الحياة, وآخر كادر في الفيلم هو الغطس باتجاه الماء, وهو يوحي بالغرق, ولكن ليس غرقاً بالمعنى التام, هو بمثابة إنذار أخير, وحاسم لنا جميعا, لنرمي ولمرة واحدة وأخيرة كل بنادقنا الحقيقية والخشبية, ونتقبل الآخر دون تمييز.

الأمكنة في أغلبها مغلقة وعتمة ولكنها في نفس الوقت مليئة بالأبواب والنوافذ .. ولم ننفتح على العالم الخارجي المفتوح بشوارعه الخالية ولم نر بيروت إلا من عل أو من قاع  أرشيفها الحربي.. ألا يعتبر هذا إقصاء لبقية الأصوات المختلفة في المدينة.. وبالتالي زاوية النظر المتعالية عكست رؤية ثقافوية متعالية للحياة البيروتية

الأمكنة في الفيلم إما داخلية مغلقة حول الشخصية لتعبر عما يعيشه من وحدة ووحشة, وإما خارجية لوجه المدينة الذي مازال يحمل آثارا وندوب الرصاص بعد أكثر من خمسة عشر سنة على توقف الحرب

ربما كان ناس بيروت هنا هم جمهور الفيلم الذين يراقبون شخصياته دون اهتمام بالغ, فهم يعبرون من خلال صور سريعة , تصفح لجريدة الصباح, لعبة طاولة الزهر, صيد السمك, على دراجة نارية, في داخل سياراتهم, في المقهى, وكأن الحياة جداً طبيعية أو بالأحرى كأنهم تعودوا على العيش بدون اكتراث رغم كل ما جرى ويجري حولهم من أهوال.

أنا لم أقصي المدينة, بل كانت حاضرة في ذاكرة الشخصية, وفي لعب الولد, وفي أخبار التلفزيون, ولكنها أي المدينة اختارت أن تبقى واقفة على حافة الشخصية وأن تراقب معاركها من على بعد, فهي قد نالت نصيبها من الألم!

أما بالنسبة إلى الأصوات الأخرى فقد قلت بأني أردت خطاباً واحداً في الفيلم, وإلى حد كبير يتبنى وجهة نظر محددة, ولكن من أكثر من زاوية.

·     لغتك السينمائية يغلب عليها التجريب وعدم الرتابة حيث لا نجد التزاما بكادر معين أو بزاوية تصوير .. وهو ما يميز حتى أفلامك الأخرى فكيف تصنف نفسك في مدارس الجمال؟

أنا أصنع الأفلام بالطريقة التي أحبها, وأعرفها, وفقط أستطيع أن أقول لك بالنسبة لي إن الصورة, وفقط الصورة (في السينما, والفيلم السينمائي التسجيلي) التي تحمل وجهة نظر المؤلف, للواقع, للحياة, هي العنصر الأهم والأساسي في قول الحكاية, وهي دائماً قادرة على رصد حقيقي ومهم للزمن - الحركة في السينما, ولكنها يجب أن تكون صورة ذاتية تحمل وجهة نظر المؤلف, وتعبر عنها بشكل حتمي لاختراق الواقع والولوج لعوالم الشخصية, والمكان, ولكن أيضاً في بعض الأفلام تكون الكلمة مهمة لسرد القصة, كما أن الكلمات أيضاً يمكن أن تقرر هوية الشخصية, وطبيعتها, مزاجها, طريقتها في الحياة, والكلمات تعطي انطباعات محددة عن المكان-الشخصية-الحدث, يمكن الاستفادة منها في متابعة القصة وضبط إيقاعها بشكل أكبر, كما أعتقد أن الشكل في السينما أهم من الفكرة, لأن الشكل هو الذي يحمي الفكرة ويدافع عنها في مواجهة الزمن, ومن هنا أعمل على بناء الشكل الخاص بالموضوع أولاً.

·     الحرب كانت الحاضرة الغائبة في الحيز البصري للفيلم.. أنت كسوري هل تريد أن توثق لما سيقوله السوريون بعدما تنتهي حربهم.. أي أنك تقدم تقييما قبل الأوان لحرب جاءت بعد الأوان.. 

أنا في حالة رصد دائم للواقع, وكسينمائي ومن واجبي أن أسجل وأصور قصصي من وعن هذا الواقع الذي أعيشه, ولكنني لا أحب أن أتناول المواضيع بشكل مباشر وتقريري, أرغب دائماً في حكاية القصص بشكل بسيط وإنساني وعفوي ولكنه بنفس الوقت يطرح أفكار كبيرة ومهمة.

الحرب لم تكن غائبة عنا أبداً, هي دائماً حاضرة بشكل أو بآخر, بدءاً من ألعابنا ونحن أطفال, إلى كل الحروب الأخرى التي سمعنا عنها أو عشناها, أو تجري حولنا. نحن في حرب مستمرة, وإن لم تكن موجودة نخترع واحدة!

في بارودة خشب أردت أن أطرح أسئلة كثيرة عن حروبنا, بنادقنا, هويتنا الفكرية!!

وبالنسبة إليّ كمخرج سينمائي سوري, يعنيني بشكل مباشر ما يحصل في سوريا, وأعتبره مؤثراً أساسياً في كل ما أفكر به أو أنوي فعله, ومن هنا تأتي بعض المقاربات التي اعتمدتها في الفيلم بين الحرب اللبنانية وما يحصل في سوريا الآن ولكن من زاوية محددة.

أبحث عن نفسي وعن الآخرين في أفلامي التي أصنعها, وأحياناً أخرى أصنع أفلاماً لأتخلص من ذاكرة, أو من وهم..الأفلام هي السر في خلاصي, خلاصنا!

·     لو كان الفيلم عن الحرب في سورية هل ستختار شخصيات مشابهة لشخصيات هذا الفيلم أم أن نظرتك للحرب في لبنان تختلف عن حرب سورية وبالتالي ستختلف شخصياتك

كل فيلم له عالم خاص ومتفرد, ربما تكون الأشياء متشابهة من وجهة نظر معينة, فالحرب حرب, والقتل قتل, والبندقية في كل مكان هي بندقية, والخوف والقلق والحزن والتشرد والهموم والأحلام والمصائر هي نفسها, ورغم ذلك فإن الحرب اللبنانية تختلف عما يجري في سوريا, ولكن المهم أن يتم تناول كل ذلك بطريقة مختلفة في كل مرة نصنع أفلامنا.

·        هل لديك مشروع جديد

قمت للتو بالانتهاء من فيلم ( أرواح متمردة ), الذي يتناول حالة التمرد عند جبران خليل جبران, من خلال مجموعة من الشخصيات المبدعة التي تأثرت بجبران  ولها بنفس الوقت بصمة خاصة في الحياة الفنية والاجتماعية, والفيلم يقارب بين زمن جبران وبين الواقع الحالي, ويسأل ماذا بقي من جبران وكتّاب عصر النهضة اليوم؟ وهل تغير شيء في هذا الواقع العربي خلال قرن من الزمن؟

أحضر لفيلم وثائقي (خارج الخارطة), وأعمل على مشروع فيلم روائي طويل بعد أن أمضيت أكثر من ثلاثة سنوات في كتابة السيناريو.

الجزيرة الوثائقية في

09/05/2013

 

علي طريقة الإخوان

"سمير أبوالنيل" يتسول أموال الخليج

تقرير ــ دينا دياب: 

ذهاب بعض الفنانين إلى الخليج لافتتاح العروض الخاصة بأفلامهم ظاهرة بدأت تأخذ طريقها في الانتشار.. وآخرهم أحمد مكي وفريق عمل فيلم «سمير أبوالنيل» الذين سافروا إلي الإمارات لحضور بداية عرض الفيلم هناك، الظاهرة بدأت بالافتتاحات لكن علي ما يبدو أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد بل ستكون هناك محطات أخري منها الانتقال بفريق العمل بالكامل إلي هناك، ومع الوقت سيكون هناك العديد من العراقيل التي تقف أمام تصوير الأعمال، إما برفض الموضوعات التي سيتم تصويرها أو بارتفاع الضرائب والإتاوات التي سوف تؤخذ من التصوير في الأماكن العامة، وبالطبع لم ننس حالة خنق الأفكار التي قد نتعرض لها مع ظهور التيار الديني والميليشيات ومحاربة الفن ويبدو هذا قريباً بشكل أو بآخر مما حدث مع السينما في مرحلة الستينيات وخاصة بعد هزيمة يونيو، حيث اضطر السينمائيون إلي الهجرة إلي ربوع بيروت فظهرت الأفلام البيروتية الشهيرة في تلك الفترة وسكن معظم نجوم السينما في مصر لبنان وعلي رأسهم محمود ياسين وحسين فهمي وفاتن حمامة، رغم أن الظاهرة موجودة عالمياً وكثيراً من الفناين العالميين يجوبون الدول العربية لزيارتها، ولكن الأمر أصبح أكثر خطورة في مصر لأن المتعارف أن بطل العمل يسافر وحده أو بمشاركة المنتج ولكن ما يحدث الآن سفر فريق العمل بالكامل وأحياناً لا يهتمون بإقامة عروض خاصة للنقاد في مصر بقدر ما يحدث في دبى، وهو ما طرح عدة أسئلة خاصة بعد هجرة بعض المطربين إلي دبي مثل إيهاب توفيق ومحمد الحلوي وغيرهما وآخرون سافروا لتسويق مسلسلاتهم.. هل هذا مؤشر لإغلاق منافذ الفن في مصر.

الفنان محمود ياسين قال إن مساعى البعض لإيجاد سوق سينمائية جديدة أمر محمود فى ظل الأزمة غير المسبوقة للسينما الآن وفى ظل قلة كثافة الأفلام المنتجة لذا فأمر طبيعى للفنانين بالبحث عن فرص لمناقشة أفلامهم فى الخارج، وعمل حوارات ومؤتمرات صحفية، وأضاف: «واجب على وزارة الثقافة أيضاً أن تعينهم على هذا لأنها فى خدمة الوطن صاحب دور العرض الموجودة حتى لو كانت مملوكة لمنتج خاص، إلا أنها استثمار للدولة، لذا يجب تقديم المساعدة لتسيير الأفكار للناس التى تملك رؤية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهناك منتجون كل استثماراتهم الآن فى السينما مثل آل السبكى وفنانون شباب لديهم قدرات مميزة وموهبة حقيقية».

وعن التخوفات المطروحة لهجرة الفنانين لدبى وبيروت مثلما حدث من قبل قال إن فترة النكسة كانت بيروت الموزع رقم (1) فى العالم العربى للأفلام، لأن الموزع الخارجى راعى العمل، وهو الذى يجمع الإيرادات أكثر من التوزيع الداخلى فى محافظات مصر، ويبقى الموزع الخارجى الآن هو القضية الكبرى التى تفتح الأسواق العربية للفيلم العربى، لأن الموقف شديد السوء فمصر التى كانت تنتج 140 فيلماً فى الأعوام السابقة الآن تنتج 15 فيلماً فقط.

المنتج محمد السبكى أكد أن ذهاب الفنانين لافتتاح أفلامهم تدعيم لهذه الأفلام، وهو ما حدث مع فيلم «سمير أبوالنيل» الذى سافر فريق عمله بالكامل لافتتاحه هناك، وأضاف «السبكى»: هذا لايعنى دمار السينما أو أى نية لإسقاطها فى مصر لأننا نحافظ على افتتاح أعمالنا فى مصر أولا وبعدها الانتقال بين الدول وافتتاح الأفلام هناك، وقال «السبكى» إن الفنانين المصريين هم سفراء لبلدهم فى كل مكان فهم يحضرون المهرجانات، والفنان الذى يحظى بنجومية فى الخليج هذا دلالة على شطارته وأنه نجم محبوب خارج مصر وداخلها، إضافة إلى أن الفنان الذى لا يحظى بإعجاب الخليج لا يذهب بأفلامه هناك ولا تسمح قاعات العرض بعرضه هناك، وأشار «السبكى» إلى أن السينما فى مصر تعانى بالفعل من أزمة ولكن عرض الأفلام فى الخليج أمر متعارف عليه منذ زمن وما حدث مع فيلم «سمير أبوالنيل» لأن أحمد مكى بطل محبوب فى الدول العربية والجميع يرحب بأفلامه، وحدث من قبل مع أفلام تامر حسنى وحمادة هلال ومن قبلهم مع جيل السبعينيات والثمانينيات.

اعتبر المنتج فاروق صبرى أن نجاح الفنان فى تسويق فيلمه أمراً يستحق الثناء لأن حال السينما فى مصر غير مستقر، بل أصبح مخيفاً ومن حق المنتجين أن يخافوا على أموالهم والظروف السياسية لمصر غير مطمئنة بالمرة، خاصة أن الوضع الأمنى فى مصر أصبح خطيراً وكل قاعات العرض السينمائى فى منطقة وسط المدينة حالها عصيب فى ظل الاعتصامات والمظاهرات هناك خوف والجمهور لا يفضل تلك القاعات الآن فلم تعد الأزمة فقط فى الإنتاج، بل أصبحت أكثر فى التوزيع وهو مؤشر خطير لما يحدث ومعنى أن الفنان يسعى لفتح سوق سينمائى جديد أى أنه يبحث لنفسه عن ربح ويبحث عن إنتاج مشترك بدلاً من حالة الإفلاس التى من المتوقع أن يدخل عليها الفن فى المراحل المقبلة. وأضاف «صبرى» أن كل الظروف اجتمعت لهدف واحد وهو إسقاط السينما وهو ما يحدث مثلاً مع القنوات الفضائية، التى تعرض الأفلام دون حق عرض ولا يوجد قانون يحجمها، هذا بالإضافة للقرصنة والتنكيل بالسيناريوهات فى الرقابة، كل هذه أصبحت عقبات تجعل الجميع يبحث عن سوق جديد لذلك فهم فنانون يستحقون الثناء.

يرى الناقد مصطفى درويش أن ما يفعله الفنانون من الاحتفاء بافلامهم فى الدول العربية وحضور حفل الافتتاح للفيلم بشكل مبالغ فيه بمثابة تسول لنجومية أكثر ومحاولة لطرح أسمهم أمام العرب ليشاركوا فى أعمالهم، وهذا ليس خطأهم لكنه خطأ الوضع المتردى الذى وصلت إليه السينما والحال فى مصر، والذى أدى إلى بحث الجميع عن فرصة للعمل فى الخارج، فمعظم الفنانين سعوا للهجرة للدول العربية وآخرون يحاولون الحديث عن الخليج فى أفلامهم وآخرون يذهبون بأنفهسم لحضور الفيلم كمحاولة أن يجذبوا نظر المنتجين لهم وهى الوظيفة التى من المفترض أن ينفذها الموزعون والمنتجون فى مصر بالبحث عن وسيلة للتعاون بين مصر وتلك الدول فى الفن، وأضاف «درويش» أن هؤلاء الفنانين لا يسعون لتسويق أفلامهم لكنها محاولة لتسويق أنفسهم خاصة فى الامارات والكويت والدول البترولية الغنية، لإغداقهم بالمال لتصبح دول الخليج كعبة بعدما فشلت السينما فى جمع ايرادات.

الوفد المصرية في

09/05/2013

 

موسوعة سينمائية لاختيار أفضل 100 فيلم عربي 

عمان- الرأي-اطلق مهرجان دبي السينمائي الدولي مبادرة تهدف الى وضع موسوعة سينمائية عربية من خلال استفتاء لمتخصصين ومبدعين لاختيار افضل مئة فيلم في تاريخ السينما العربية تصدر باللغتين العربية والإنجليزية .

وتعمل المبادرة التي تاتي بمناسبة الاحتفال بعقد المهرجان لدورته العاشرة اواخر العام الحالي على التعريف بابرز تيارات واتجاهات واساليب صناعة الفيلم العربي وقاماته الرفيعة وتوثيقها في موسوعة سينمائية عبر إطلاق استفتاء يشمل نقّاد السينما، والعاملين في الحقل السينمائي في اختصاصات مختلفة، إضافة لكتّاب وروائيين وأكاديميين وغيرهم من شخصيات ثقافية متصلة بواقع السينما العربية وتاريخها، من العرب وغير العرب.

يُعتبر الاستفتاء الخطوة الأولى في هذا المشروع بعد اختيار المئة فيلم الأفضل في تاريخ السينما العربية، بإصدار موسوعة سينمائية تحوي القوائم الخاصة لأبرز المشاركين في الاستفتاء مع الكتابة عن هذه الأفلام من قبل 20 ناقدا.

وهناك دراسة شاملة لنتائج الاستفتاء والحقائق التاريخية والجمالية التي خلص إليها , الى جانب معاينات أخرى للمعطيات التي قدمها، وتخصيص مساحة لاستعادة الظروف الإنتاجية والإبداعية التي صنعت فيها تلك الأفلام ، ومقاربة ما عايشه صنّاع تلك الأفلام وطواقم العمل فيها.

ووجهت ادارة المهرجان الدعوة لأكثر من ألف شخصية سينمائية وثقافية من جميع البلدان العربية إضافة الى عدد من المتخصصين المتابعين للسينما العربية من غير العرب للمشاركة في هذا الاستفتاء عبر نظام تصويت خاص يتيح لكل مشارك اختيار 10 أفلام يعتبرها الأهم في تاريخ السينما العربية سواء كانت روائية طويلة أو وثائقية طويلة بغض النظر عن سنة الإنتاج.

الجدير ذكره أن هذه الموسوعة ستكون مرجعاً موثوقا في الدراسة والبحث لموضوعات وقضايا واشكاليات فكرية وجمالية للسينما العربية التي ما زالت قاماتها الرفيعة عالقة في الذاكرة . وأكّد رئيس المهرجان عبد الحميد جمعة على أهمية هذا المشروع الفريد كونه يشكل فرصة استثنائية لمعاينة تاريخ السينما العربية ومنجزها واشراقاتها بواسطة نخبة من الاختصاصين، بما يتيح لعشّاق السينما في العالم العربي والعالم أجمع التعرف على تجليّات هذه السينما ومفاصلها التاريخية من خلال ما سيختاره أهل الاختصاص والمعرفة».

وأشار المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي الدولي مسعود أمر الله آل علي إلى تطلعه لأن يقدم هذا المشروع مرجعاً هاماً لأجيال السينمائيين العرب قائلاً «إن آليات هذا الاستفتاء والموسوعة التي سيفضي إليها، تشكل إعادة اكتشاف لكل ما حققته السينما العربية، وركيزة أساسية لتأسيس علاقة جديدة بين الفيلم العربي والمتلقي يستعيد من خلالها المغيّب منها، ما يمنح التجارب السينمائية العربية المعاصرة والمستقبلية سياقاً تاريخياً، بحيث تكون العلاقة بين ما انتج في الماضي والحاضر علاقة متصلة ومتكاملة» .

وفي هذا السياق قال مدير تطوير المحتوى في المهرجان الناقد زياد عبدالله: «إن هذا المشروع معبر أكيد نحو التأسيس لتقليد مفقتد في الحياة السينمائية العربية، خاصة أنه يتأسس على الشفافية والفعل التشاركي من خلال التصويت الحر، وهكذا ستكون مقاربة منجز السينما العربية غير قائمة على انحياز لذائقة بعينها أو مقاربة نقدية أحادية، بل ستكون مفتوحة أمام جميع الاتجاهات النقدية والفكرية ومن شتى أنحاء العالم العربي، هذا عدا النقاد والسينمائيين غير العرب المتابعين للسينما العربية».

الرأي الأردنية في

09/05/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)