حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينما الهندية من وجهة نظر شاعر يبيع المظلات

أجرى الحوار صلاح سرميني

 

كثيراً ما أقضمُ القمر كقطعة سكر(*).

"نوزاد جعدان"، شاعرٌ، وكاتبٌ سوريّ من مواليد عفرين ـ حلب 1985، حاصلٌ على بكالوريوس في الإعلام من جامعة دمشق، نال عدة جوائز أدبية من إيطاليا، كرواتيا، العراق، المغرب، لبنان، وسورية، له عدة منشوراتٍ في مجال القصة القصيرة، الشعر، المسرح، وكتاباتٍ في مجال السينما، السيرة الذاتية، والترجمة، تُرجمت أعماله إلى عدة لغاتٍ، ويهتمّ كثيراً بالسينما الهندية.

في 10 أكتوبر من عام 2010 كتبتُ  له رسالةً قصيرة :

ـ بالصدفة، عرفتُ بأنّ السينما الهندية واحدةً من إهتماماتكَ الثرية، وقرأتُ ما كتبتَه عن الممثلة "مينا كوماري"، ويبدو بأنكَ تعرف السينما الهندية جيداً عندما أشرتَ إلى المخرج "غورو دوت"، كما أثار إنتباهي إشارتكَ إلى المصادر العديدة التي إعتمدتَ عليها، وعرفتُ أيضاً بأنكَ كتبتَ كتاباً عن نجوم السينما الهندية.

في اليوم التالي مباشرةً، كتب لي :

ـ كم يسرّني أن أتواصل معكَ، نعم كتبتُ عدة مقالاتٍ عن السينما الهندية، ومقالاً منفصلاً عن "غورو دت"، و"راج كابور" وفي الطريق عن "شيام بنغال"، وغيرهم، كما كتبتُ كتاباً عن السينما الهندية ينتظر النشر، آمل أن نبقى على تواصل.

ويبدو بأننا لم نبقَ على تواصل، إختفى هذا الشاب، أو رُبما أنا الذي إختفيت، وفي الأسبوع الأخير من شهر مارس عام 2013 وصلتني منه رسالةً جديدةً تؤكد بأنّ ما أكتبه عن السينما الهندية لم يضع هباءً.

ـ ....هذا كتاب السينما الهندية، كتبته منذ خمس سنواتٍ، ولم أراجعه لغوياً من كثرة ما إستغرق من وقت، تركته منذ ذلك الحين، وكنت أنوي إستكماله، ولكن، لم أجد أحداً يطبعه.

منذ تلك الكلمات، ونحن نتبادل الرسائل القصيرة :

ـ سوف أقرأ المخطوطة، ملاحظتي الأولى بأن تكتب عناوين الأفلام باللاتينية، وبجانبها الترجمة العربية إن وُجدت،....

  ـ شكراً، ....على فكرة، صورة الخلفية في صفحتكَ رائعة، لأننا الآن في الوطن نسينا ما كان يعنيه "عمار، أكبر، وأنطوني". 

(يقصد الصورة التي وضعتُها في واجهة صفحتي الفيس بوكية، وهي مأخوذة من فيلم هنديٍّ بعنوان "عمار، أكبر، وأنطوني" إنتاج عام 1977 ، وإخراج "مانموهان ديسايّ"، وهو فيلمٌ يتحدث عن ثلاثة إخوة إفترقوا عن بعضهم في طفولتهم، وفي مرحلةٍ ما من شبابهم إلتقوا، وإكتشفوا بأنّ كلّ واحد منهم يعتنق ديانةً مختلفة...).

"نوزاد جعدان" يعيش اليوم في الشارقة، ويعمل صحفياً في دائرة الأشغال العامة، وهو ينتظر طباعة ديوانه الشعريّ "أغاني بائع المظلات"، ونظراً للإهتمام البالغ الذي يُوليه للسينما الهندية التي يرتبط معها بعلاقة شغفٍ طويلة، فقد فكرتُ بدون ترددٍ بالتحاور معه حولها عن طريق الرسائل المُتبادلة، ولقاءً شخصيّاً في دبي بمناسبة إنعقاد الدورة السادسة لمهرجان الخليج السينمائي خلال الفترة من 10 وحتى 17 أبريل 2013.

·     ـ في مدونتكَ الشخصية أثار إنتباهي إهتمامكَ البالغ بالسينما الهندية، وكتابتكَ عنها، مع أنكَ لا تطرح نفسكَ ناقداً سينمائياً، كيف بدأت علاقتكَ بها ؟

ـ كانت دور العرض في مدينة حلب تستقطبُ الأفلام الهندية بغزارة، وكان شقيقي الأكبر "رولان جعدان" (هو الآن مخرج سينمائيّ في كردستان العراق) من مرتادي السينما دورياً يصطحبني معه، ومنذ ذلك الوقت بدأ شغفي بالسينما بشكلٍ عام، ومع فيلم " Dharam Veer"(1977) بدأ حبي للسينما الهندية بشكلٍ خاصّ، حينما شاهدته في سينما أوبرا بحلب عام 1990، كان حبّاً طفولياً نما، وكبر، وأنتج ثمراً في السنوات اللاحقة، كان الفيلم من إخراج "مانموهان ديساي" المخرج العبقري الذي صنع النجوم، حيث كان له دوراً كبيراً في إطلاق نجومية "أميتاب باتشان".

حينما أصبحتُ يافعاً، بدأت محاولاتي الأولى في الكتابة عن السينما الهندية، مجرد كتابات هاوٍ معجب بهذه السينما، ويكتب معلوماتٍ قليلة يحصل عليها آنذاك من مجلة "الرياضة، والشباب"، كانت المراجع عن هذه السينما نادرة، وكنت أحصل على بعض المعلومات من ملصقات الأفلام، أو من شرائط الـ VHS، وأذكر بأنه في تسعينياّت القرن الماضي كان هناك أستوديو وحيد في حلب يجلب الأشرطة الهندية (كاسيت المسجلة)، كنت أحفظ أسماء المخرجين، والموسيقيين، وطاقم العمل من خلال المُلصقات  .

ولكن بدايتي الحقيقية في الكتابة عن السينما الهندية حين إتسع نطاق استخدام الشبكة العنكبوتية في سورية، وبدأت أتعرف على المراجع، أقرأ، وأتابع الأفلام بشكلٍ إنتقائيّ، وأكتب بطريقةٍ أكثر تخصصية، وإحترافية.

·        ـ هل أنتَ مهتمّ بالسينما الهندية فقط، أم بالسينما بشكلٍ عام ؟

ـ كنتُ مهتماً بالسينما بشكلٍ عام، وأحلم بممارسة العمل السينمائي، ولكن الحياة تجعلكَ تفصّل أحلاماً على قياس خطواتكَ، قرأتُ كثيرا عن السينما، وإقتنيتُ الكثير من الكتب، ومع أخي كنت متابعاً شغوفاً لمجلتيّ (فن، والفن السابع)، وبعد فترةٍ من الزمن بحثتُ عن التخصصية في الكتابة، ومن شغفي بالسينما الهندية بدأتُ اكتب عنها.

·        ـ هل تعرف بأنكَ واحدٌ من النادرين في الوطن العربي الذين يكتبون عن السينما الهندية ؟

ـ لو أحصينا الكتب التي صدرت عنها، سوف نجد بأنها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ولا توجد كتب مؤلفة، كلها مترجمة، وأذكر بأنني حتى عام 2006  حاولت الحصول على مراجع عنها، ولم أحصل إلاّ على كتاب من ترجمة "محمود حامد"، وفصل في كتاب لـ "بندر عبد الحميد"، وهكذا، عندما تجد ناقداً عربياً ـ مثلكَ ـ يكتب عن السينما الهندية، وكأنك تعثر على واحةٍ في صحراء.

·     ـ برأيكَ، ماهو السبب في عدم إهتمام النقاد العرب بالسينما الهندية (ماعدا كتاباتٍ قليلة لما نُطلق عليه "سينما المؤلف") ؟

ـ السبب هو ندرة التخصص عند النقاد العرب، وإذا تكلمنا عن المجال الأدبي، وقصور الأدب المُقارن في الوطن العربي، لوصلنا إلى نتيجة عدم إهتمام النقاد العرب بالسينما الهندية، وهو نفس السبب الذي يجعل الكثير منهم يجهلون أدب شرق آسيا، واليابان، والصين، قرأتُ مرةً بأن أحد المستشرقين نذر حياته للكتابة عن الحلاج، وأدبه، أنظر إلى أيّ درجة يصلها الغرب في التخصصية

المشكلة، بأنه تكوّنت لدى كافة النقاد العرب صورةً أولية تبسيطية، بأنّ الفيلم الهندي يقدم وصفةً جاهزة، لذا تجدهم يعزفون عنه، ولا يولونه إهتمامهم.

·     ـ على الرغم من ولع الملايين بالسينما الهندية، هل تستحقّ هذا الإهتمام من طرفكَ، أو من طرف أيّ ناقد عربي ؟

ـ شئنا أم أبينا، هي سينما نجحت على المستوى التجاري، حيث وصلت إلى كلّ بقاع الارض، وأصبح نجومها أشهر من نجوم هوليوود، شعبية "شاروخ خان" من حيث الكم تفوق أشهر لاعبي كرة القدم، ونجوم هوليوود التي تحاول إستقطاب نجوم بوليوود للاشتراك في أفلامها، السينما الواقعية نجحت أيضاً، وحصدت جوائز مهمة : شيام بنغال، مرينال سن، ساتيا جت راي، ميرا ناير،....

كما استفدنا منها في حبكات الكثير من الأفلام، والمُسلسلات العربية، زوايا التصوير، حركات الكرين (الكاميرا الموضوعة على رافعة)، الأغاني المُصورة، والألحان، الكثير من الأغاني العربية ألحانها هندية، لقد نجحت السينما الهندية في تطبيق تقنية المطرب الخلفي (بلاي باك سنجر) بطريقةٍ مذهلة حتى أن المطرب الراحل "محمد رافي" كان يراقب حركات شفاه الممثلين ثم يغني لهم، وكأنه صوت الممثل، السينما الهندية فيها الكثير من الدروس التي يمكن أن نتعلم منها، مازلنا حتى اليوم نتذكر مشهد "نرجس"، وهي تقتل إبنها في فيلم "أمنا الهند"، وقد تمّ إعادة تمثيله في أحد المسلسلات السورية بعنوان "الجوارح".

·     ـ بعد قراءة مخطوطة الكتاب، وما سجلتَه في مدونتكَ، وجدتُ بأنك كتبتَ عن بعض روّاد السينما الهندية في فترةٍ محددة من تاريخهاالممثل/المخرج بريتفراج كابور، الممثل/المخرج راج كابور، الشاعر سيلندرا، المخرج/الممثل غورو دوت، المغني موكيش، الممثلة مينا كوماري.

ـ حاولتُ تسليط الأضواء على سينما مهمّة ظهرت في الخمسينيّات، وإمتدت حتى الثمانينيّات، سينما "راج كابور" التي تجمع بين أفلام المؤلف، والنمط التجاري، كان يقف خلف نجاحاته فريق متكامل، أو جنود مجهولون يعتبرون الصانعين الحقيقيين لنجاحه : كاتب السيناريو "خواجة أحمد عباس"، الثنائي الموسيقيّ "شانكر جيكي شان"، الشاعر الغنائي "شيلندرا"، الممثلة "نرجس"، المغني "موكيش"، وبالطبع والده "برتيفراج كابور"، هم من صنعوا نجوميته، وساهموا في إطلاق سينما أثنى عليها "جواهر لال نهرو".

شخصياً، أعتبر أفلام "راج كابور" سينما مؤلف، حيث تمزج القصة، والسيناريو المُتقن (وهذا ما تفتقده السينما الهندية) مع البهارات الأخرى التجارية، وبدونها لن تعرف المطبخ الهندي السينمائي الخاصّ، وسيفشل تجارياً كما حصل مع الشاعر الغنائي "شيلندرا" حين حاول إنتاج فيلم على غرار ما يُسمى سينما المؤلف متجاهلاً نصائح "راج كابور"، فكانت النتيجة فشل الفيلم في شباك التذاكر.

بينما الممثلة "مينا كوماري"، والمخرج "غورو دت" يعتبران مأساة السينما الهندية، وموهبتين رحلتا في أوج عطائهما، "غورو دت"، و"جيان موخرجي" هي أسماء يجب أن تُدرّس في معاهد السينما العربية للإستفادة من التقنيات التي كان يتلاعب بها "غورو" في مجال الإضاءة، والرمزية المشهدية.

·     ـ في الجزء الذي إخترتَ له عنوان "نجوم السينما الهندية" قدمتَ بطاقاتٍ تعريفية للبعض منهم : أيشواريا راي، توينكل خانا، جون إبراهام، جوهي تشاولا، راهول روي، شاروخان، أجاي سينغ ديول"سوني ديول"، عامر،أو أمير خان.

أتصور بأنّ القارئ يعرفهم،...ولكن، يبدو بأنكَ مغرم بهم إلى درجة كتبتَ عناوينهم الإلكترونية التي رُبما تتغير من وقتٍ إلى آخر، وهي معلوماتٍ لا تُصلح لكتاب.

هي مساحة تستطيع أن تأخذ متنفساً فيها، مثل ألبوم صور داخل كتاب، أو خرائط توضيحة، هي بهارات أضفتها كفاصل الأغنية في الفيلم الهندي.

ـ في فصل أسميتَه "قسم وثائقي"، تبدأ بعنوان "السينما الهندية، سينما الجماهير"، وفي بدايته تردّ على قارئٍ مُفترض سألكَ

ماهو الداعي للكتابة عن السينما الهندية، وكيف نستفيدَ منها ؟

كان ردكَ

أليسَ علينا التعرف على تجارب الشعوب الأخرى، ونقف عندها مستفيدين من هفواتها، ومحتذين بنجاحاتها ؟

·        ماهي هفوات السينما الهندية، وماهي نجاحاتها ؟

ـ هفوات السينما الهندية عديدة، لعلّ أبرزها، ندرة كتاب السيناريو، والتأليف، المُبالغة في التمثيل، مزج الميثولوجيا الإغريقية، والخرافات في الحدث، عدم الاهتمام بالسكريبت، ...

بعض نجاحاتها على سبيل المثال، وليس الحصر، إدارة المجاميع بشكل رائع، يستطيع المخرج أن يتحكم بألف شخص بدون أن يخطئ في زوايا التصوير، أو تصدر هفواتٍ منهم في الكادر.

المطرب الخلفي، ومدى مطابقته للممثل، كأنّ الصوت ينبثق من حنجرة الممثل، التكلفة القليلة، والجودة العالية، تصميم الرقصات الإيمائية المُعبرة، والمأخوذة من الفلسفة البوذية.

ولعلّ أبرز نجاحاتها، تستطيع أن تجد في كلّ بيت من الوطن العربي على الأقل فيلماً هندياً، هي سينما جماهيرية بإمتياز.

ـ في ذلك الفصل من الكتاب، تقول أيضاً

فيلم "Sangam" ذرف من دموع الناس ما لم تستطع فعله الحروب الطاحنة،....

·        هل وظيفة الفيلم أن يستدرّ دموع المتفرجين ؟

ـ يكمن سحر السينما في أنها أداة تعبير عن المشاعر، وإن نجحت في الضغط على مشاعركَ، وإستدرار دموع الناس، فقد نجحت في التأثير، حتى أنّ فيلم " Darr" (1993، إخراج ياش شوبرا) جعل الكثير من المراهقين يفكرون بالانتحار، كما أن فيلم " Junglee"(1961، إخراج سوبود موخرجي) دفع الكثير من تجار السجاد بأن يسموا بعضها بإسم "سوكو" تيمناً بأنه سيجلب لهم الكثير من المبيعات كونها تحمل إسم أغنية في الفيلم.

·     ـ لاحقاً تعترف بأنّ السينما الهندية أغرقت جمهورها العاطفي بالأحلام الوردية، والمُصادفة الساذجة ؟

ـ  علينا أن نتعامل بحياديةٍ مع قضية نحكم، ونبتّ فيها، مهما كانت درجة حبنا لذلك الشيء، السينما الهندية أغرقت جمهورها بالأحلام الوردية، مثلاً، إن كنت حزيناً، هل تستطيع أن تغني في الزقاق، وتخلع قميصك، وتسكر، ثم بدل أن تقتادك الشرطة، ويضربك الجيران، ينضم إليك أهالي الحارة، وتتابعوا الرقص، والغناء معاً، وفي نهاية المشهد تطلّ حبيبتك الحسناء من الشرفة (أبوها سمين، وقصير، وأمها قبيحة)، بمتابعة ثلاثة أفلام لأيّ واحدٍ من مخرجي السينما التجارية تستطيع أن تتوقع الأحداث.

ـ ومن ثم تقول

السينما الهندية شبيهة بتراثنا، وثقافتنا، هي التوأم الروحيّ للسينما المصرية ؟........

·     كيف لسينما إمتزجت ـ كما تقول ـ بتراث فلسفة نهر الغانج لتصطبغ، وتلون بأشعار طاغور، وتتخذ من نهرو، وغاندي أمثلة يُحتذى بهم...تصبح التوأم الروحي للسينما المصرية ؟

ـ من المعروف بأنّ مصر كانت سوقاً كبيراً للترويج للأفلام الهندية، وحينما زارها "إميتاب بتشان"، قامت الدنيا، ولم تقعد، بفضل جماهيريته، العلاقة الروحية قوية تماماً كالعلاقة بين شعر لوركا الأندلسي، ونيرودا الأمريكي الجنوبي، هي علاقة ممتدة، تأثرٌ، وتأثير، حضارتان كبيرتان تاج محل، والأهرامات، وعلى سبيل المثال، تعتبر السينما السورية توأم سينمات أوروبا الشرقية سابقاً على الرغم من إختلاف الثقافة، واللغة، نستطيع ملاحظة تأثر "عبد اللطيف عبد الحميد" بأفلام "أمير كوستاريكا" .

·     ـ في مخطوطة الكتاب، تتحدث فقط عن بوليوود، ولا تتطرّق للسينما المُوازية (ساتياجيت راي، مرينال سين،....)، ولا السينمات الناطقة بلغاتٍ أخرى غير الهندية (التامول، مالايالام، التلغو، البنجابية، البنغالية،....).

ـ في الفصول القادمة سوف أكتب عن بعض رموز سنيما الجنوب، وسينما المؤلف.

·        ـ أعتقد بأنّ الفصل الأخير من المخطوطة مجرد ملاحظاتٍ مقتضبة عن السينما الهندية.

ـ هي مواد أرشيفية، يحتاجها الباحثون مستقبلاً، تماماً كحال أرشفة جوائز الأوسكار بالنسبة لهوليوود.

ـ في عملية بحثٍ بسيطة، وجدتُ بأنّ معظم فصول الكتاب تمّ نشرها في مواقع إلكترونية مختلفة، وهذا يؤدي إلى استحالة طباعته.

ـ لا أظن، ما زال جمهور الكتاب الورقيّ يختلف عن قارئ المادة الإلكترونية، حتى الآن تجد الجمهور يقتني كتباُ، ورواياتٍ ورقية على الرغم من وجودها في الشبكة العنكبوتية، وبصيغ ملائمة.

·        ـ "نوزاد جعدان"، كنت أتمناه لقاءً بوليودياً صرفاً مع  بعض الميلودراما، وحصان طائر فوق قطار،..

***

بعينيّه المُتوضئتين بأشعة الشمس، العامل الهنديّ يغني للحياة 

على الرصيف في الباص يسمع الأغاني ليغني للحياة 

الأغاني محصول الفقراء لتربية سنابل الأمل(*).

هوامش :

(*) ـ مقاطع من قصائد للشاعر "نوزاد جعدان".

"البسطار":

فن التعامل مع "طرائد" الموثقين

درويش درويش

بعد صوت المارش العسكري مرافقاً عنوان الفيلم المكتوب؛ يبدأ "المخرج" "فيلمه" القصير بالعسكر، أرتالاً وأنساقاً من الجنود المنظمين و"النظاميين" مع موسيقى؛ ولكن من نوع مختلف، هي ما اعتاد السوريون سماعه لسنوات بكثرة في الكراجات والمحال التجارية والأسواق، حتى –أخيراً-في الإذاعات والقنوات الإعلامية الرسمية، ما أصبح يدعى بالغناء "الشعبي" وهذه الصفة ليست دقيقة إلا بمقدار دقة بقية الصفات الأخرى المسبغة على المجتمع السوري في ظل حكم النظام عينه

من اللقطة الأولى يبدأ المخرج "باللعب"، بأن يحرك الجنود قسراً بلعبة "تقنية" على إيقاع أغنية "شعبية"، تلك التي انتشرت مثيلاتها في الأرياف ولكن ليس لأنها ريفية أيضاً، بل لأن هؤلاء، من يرقصون عليها على يد المخرج، لطالما اعتبروها فنهم "العصري" المعبر، عن هويتهم "المحدثة" بتزاوجهم مع "السلطة" أو بامتلاكهم "وهم السلطة".

لا يبدأ فيلم "البسطار" بالثورة، بل بالعسكر. ولا بالمظاهرات السلمية ومنطلق الاحتجاجات من مكان ما في سورية ولا بالناس و"فرادة" تجمعهم الأسطوري. قد تظن أنه قلَبَ الحكاية، لم يبدأها كما كل "الحكايات" عن الثورة. لكنك سرعان ما ستدرك أنه أيضاً: لا يبدأ الحكاية من نهايتها.

هو لا يتورط أو يورطنا برغبة إثبات أمرٍ ما أو التوجيه لهدفٍ ما، ولا بجدال عن الثورة ومفاهيمها وحقائقها أو الشكوك حولها، سلميتها، إرهابيون أو متظاهرون، بل إن كل ذلك لا يعنيه، نقصد هنا الجدل بصورته التقليدية ما جرنا إليه نقيض الفن، السياسي، واليومي. بل إن المخرج، وهوغالباً المونتير، وبكثافة اللقطات وسرعتها وزخمها، مترافقة مع الموسيقى والغناء "الساخرَين" ومعالجة اللقطات، المأخوذة كلها مما نشر على شبكة الإنترنيت، بتقنيات المونتاج، إنما يبدأ من "فوق" تماماً. ربما من قبل بداية الثورة بزمن طويل، أو في بدايتها، أو ربما الآن. العسكر وحركاتهم المنظمة وآلة الحرب الجاهزة و"المتطورة". بدأه من فوق وهذه "الفوق" كانت أيضاً الطائرات الحربية التي تحلق عالياً فوق سورية الوادعة وأهلها، كالقضاء. كان هذا عهدها دائماً (الطائرات) كما الجنود المستعرضين مهاراتهم. هي الحالة السابقة والسائدة والثابتة التي لم يعيَّن زمنها هنا، ثم تبدأ هذه الآلة "الهائلة" بالهجوم. على ما كانت مستعدة لمواجهته.

يجنبنا "البسطار" كل النقاش حول الثورة: ضرورتها. حقيقتها. أسبابها. حيثياتها. بل يضعنا في صميم جوهرها بأن يواجهنا باللقطات الحقيقية الفاضحة بقدر ما هي صادمة ومؤثرة. آلة عسكرية متكاملة تقصف مدن بلدها. أحياءها السكنية. أي جدال بعد ذلك، كم يختصر ويختزل ويشرح هذا "المشهد" كل الحكاية ويكشف عن بداهتها الفاجعة! لكنه هذه اللقطات لاتُعرَض كما هي دون معالجة. ربما لأن عرضها كما هي أصبح أمراً مألوفاً بالنسبة إلى عين المعتاد عليها، بل يقدمها هنا بشكل "غريب" يجردها من "عاديتها" ويلصق بها سخرية "غروتسكية" تعيد تذكيرنا و"تحسيسنا" بغرابة هذا الهول ولا معقوليته، ويطرح رأي المخرج به في آن.

ثم سرعان ما ينقلنا إلى المواجهة العسكرية كما "صورها" أولاً بمضادات الطيران. تلك الطائرات التي كانت قبل قليل تلقي الهول على المدن بسكانها، يبدو أنه بالإمكان إسقاطها كالذباب. ثم تفجير الدبابات والمدرعات والقصف المضاد، والدمار ينتشر ويزيد. هي إذاً اللعبة التي يدرك قواعدها ومنتهاها مسبقاً كل من الشعب والنظام

نجد في تلك العشوائية المنظمة المتبعة في بناء الفيلم، وكثافة وتتابع اللقطات الكثيرة والمتنوعة، ما يذكرنا بمسار وشكل الثورة السورية عينها، أي "موضوع" الفيلم: كثافة وكثرة الأحداث، الفترة الطويلة التي استغرقتها الثورة حتى الآن متجسدةً هنا "بتسريع" اللقطات بالإضافة إلى كثافتها في مدة الفيلم القصيرة التي لا تتجاوز سبع دقائق، تعدد الأطراف المؤثرة في مسار الثورة، وتغيير طابعها، أو الدفع بهذا الاتجاه، الفوضى المترتبة على ذلك، شاهدنا قرب نهاية الفيلم صوراً متتابعة لشخصيات كثيرة منها رئيس النظام، وصوراً أخرى "لرموز" الثورة و"سياسييها"، وصوراً لسياسيين دوليين.

يختصر –ربما- هذا النوع من الرصد "التسجيلي" صفحات كثيرة من الجدال السياسي والتنظيري حول حقيقة خيار التسلح مثلاً، دون أن يتبناه أو يرفضه صراحةً. تبدو الثورة هنا، من منظور صانع الفيلم، ثورة على العسكرة أساساً. هي الثورة في حالاتها القصوى وبحقيقتها الأعمق. أزيلت هنا كل الأغطية. الدبلوماسية والأيديولوجية. التي تغلف أي نقاش عقلي صريح. نحن ببساطة أمام الحقيقة العارية تماماً. زبدة حقيقة المواجهة. "من الآخر" كان هناك جيش و"عسكرة" قاتلة وخانقة ومتربصة  للحظة الانقضاض. في البداية كان عسكر النظام "يرقصون" ثم رأينا عناصر من الجيش الحر يرقصون بلباسهم الشعبي الحقيقي هذه المرة في مناخ غمامة من الفوضى وعدم التعيين.

والشعب؟، إذا افترضنا أن الثوار المقاتلين ليسوا منه، نعم سيُرصد أخيراً وقد أصبحت الموسيقا خليطاً عجيباً، مؤسياً ومضحكاً في آن، لكن ليس –أيضاً- كبداية مؤجلة، بل بدا ظهور الناس في طوابير الخبز والمحروقات كشريط من البشر لا ينتهي، وصراخ الأم الثكلى؛ أشبه بحالة الثبات المناظرة لما رأيناه في بداية الفيلم ومعادلاً موضوعياً له أيضاً. ليكون المتن الأساسي للفيلم بين هذين القطبين. كتلة الصراع الرئيسية بكل زخمها بينهما.

"البسطار" من إنتاج مجموعة واو اوصل، عينة سينمائية جديدة من إبداع جديد بدأت أشكاله بالتبلور، من نتاج مدغوم بالثورة والتغيير، يبرهن على ذلك –فقط- عبر حرية وجرأة التعاطي، مع الشكل الفني ومضمونه معاً.

الجزيرة الوثائقية في

30/04/2013

 

العرابة المدفونة

كمال رمزي

الثلاثاء 30 أبريل 2013 - 8:00 ص

فى افتتاحية «المومياء» رائعة شادى عبدالسلام، يتهادى إلى سمعنا صوت الممثل محمد خيرى، يقرأ سطورا من كتاب «الموتى» الفرعونى: لك الخشوع يارب الضياء.. أعد إلى الذاكرة اسمى، يوم أن تحصى السنين.. ثم يطالعنا، على ضوء شحيح، وجه العلامة، ماسبيرو، يتحدث فى اجتماع مع عدد من مفتشى الآثار، ومن بينهم «محمد خيرى»، الذى يؤدى دور الأمين المساعد للمتحف المصرى، والذى يرغب، بروح وطنية، الذهاب إلى طيبة، لاكتشاف المقابر المجهولة التى يجرى تهريب مقتنياتها إلى خارج البلاد.. «أحمد كمال 1851 ــ 1923»، شخصية حقيقية، يعد أول مصرى متخصص فى الفرعونيات، أجاد اللغات الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية، التركية، والهيروغليفية.. من مؤلفاته «ترويح النفس فى مدينة الشمس والمعروفة الآن بعين شمس» و«الدر النفيس فى مدينة منفيس» و«الفوائد البهية فى قواعد اللغة الهيروغليفية»، فضلا عن كتابات أخرى. وهو رائد مدرسة الآثار التى نبغ فيها الجيل الثانى: سليم حسن، صاحب «موسوعة مصر القديمة» 18 جزءًا، ومحمود حمزة، أول مدير مصرى للمتحف 1950.

«ماسبيرو»، أحب واحترم النابغة أحمد كمال، وجعله ذراعه اليمنى، وأسند له الكثير من الأعمال، وفى السنوات الأولى من القرن الماضى، أرسل أحمد كمال بعثة، يشرف عليها المستر كوبيل، من المتحف المصرى، والمستر بيترى، من المتحف البريطانى، للبحث عن آثار قرب مدينة البلينا بسوهاج.. وفى منطقة مغمورة بالرمال والقمامة، اكتشفت البعثة تحتها أحد أجمل المعابد فى العالم: معمار ضخم، بديع فى تفاصيله، يتضمن سجلا بالملوك، ورسوم آية فى الدقة والبراعة، وبعيدا عن تفاصيل معبد أبيدوس المبهرة، كتب أحد أعضاء البعثة كلاما صادقا عن دهشته بعظمة الآثر، ولكن قال فى رسالته: ما أدهشنى أكثر، بل أذهلنى، كيف أهمل المصريون هذا الإنجاز الحضارى المبهر، وتعايشوا، مع الرمال التى تزحف عليه، والقمامة التى تعلوه، حتى اختفى تماما عن العيون؟.. ملاحظة الرجل، وذهوله، تدفع المرء لسؤال: هل تتشابه الليلة مع البارحة؟.. بكلمات أخرى: الصرح الكبير، المسمى مصر، هل تزحف عليه الرمال وأكوام القمامة؟.. ربما من يقول نعم، معه بعض الحق، فأن يدعو معتوه لتحطيم التماثيل، قديمها وجديدها، وأن يصف تافه كتابات نجيب محفوظ بالعهر، وأن يعلن جاهل عن حرمانية الموسيقى والغناء والفنون، وأن يطالب دعى بسحب جائزة نوبل من البرادعى، وأن يقدم مغمور بلاغا للنائب العام يتهم فيه شيخ الأزهر الجليل بتبديد المال العام، وأن يناشد بلطجى أعوانه للتظاهر أمام بيوت القضاة، وأن يحكم وكيل نيابة على مواطن بالجلد، ويهدد الضابط بتوقيع ذات العقوبة إذا لم ينفذها، وأن يقوم أثقل الناس ظلا، صاحب اللحية البيضاء، بوصف فناننا المبهج، صلاح جاهين، بالمجرم، وبأنه «تاريخ مصر القذر».

هذه كلها، ليست وجهات نظر، ولكن زكائب سخائم ونفايات، تحاول الزحف والتراكم، حول وفوق وجه مصر.. فهل تنجح فى مسعاها الوضيع؟ 

حمى الإخراج

كمال رمزي

الأحد 28 أبريل 2013 - 8:00 ص

هى حالة من الممكن أن تصيب أى فنان. أسبابها: إما لأن الفنان ظل لفترة طويلة متوقفا عن عمله، أو لإحساسه أن ما يقوم به، هذه المرة، قد لا يتوافر له مرة أخرى.. فى ليالى «أضواء المدينة» إبان الستينيات، عاد المطرب عبدالعزيز محمود، بعد طول غياب، للوقوف على خشبة المسرح وما إن ينفرد بالميكروفون حتى يطلق عقيرته بالغناء، واحدة  تلو أخرى، متجاوزا المساحة الزمنية المخصصة له، متجاهلا الإشارات الآتية له، من الكواليس، بضرورة الانتهاء، مما يجبر المنظمين على إسدال الستارة، أو التهديد بإغلاقها.. وقيل فى هذا إن فناننا أصيب بـ«حمى الغناء».. وهى الحالة التى كانت تلحق بآخرين، مثل سمير الإسكندرانى، وسيد الملاح.

تمتد «الحمى» إلى مجالات فنية عدة، ومنها الإخراج، وربما يتجلى على نحو واضح عند الموهوب اللبنانى المتفجر الحماسى، عادل سرحان، صاحب «بيترويت»، الذى يدين العنف الأسرى، خاصة فيما يتعلق بالمرأة وهى قضية مهمة، عالميا، وملحة، عربيا، فبعد نصف قرن من إقرار الكثير من حقوق النساء، فى بلادنا العربية أخذت هذه الحقوق تشحب، وتتراجع، تحت دواعى التخلف المطالبة بعودتها للبيت تارة، وحق الرجل فى تأديبها تارة أخرى.. وفيما يبدو أن «سرحان»، كاتب ومخرج الفيلم، أصابته درجة زائدة من الحرارة، فجعل بطله، رامز، بأداء عشوائى من «حسن فرحات»، ينهال صفعا وركلا وشدا للشعر، كلما انفرد مع زوجته الجميلة، الرقيقة، ليلى، التى تجسدها دارين حمزة، الأنيقة، ناعمة الشعر، بماكياج كامل، لا يتأثر بالضرب والإهانة.. حالة «الحمى» المعدية، تنتقل من المخرج إلى بطله الذى يطالعنا محتقنا، بمظهر الشيطان: شعر طويل مشعث، لحية كريهة، عيون غاضبة، فم واسع، صوت مرتفع، تزداد نشوته كلما رأى عذاب زوجته وكأنه يقول لنا: انظروا.. أنا أقرب للشيطان.

بناء الفيلم ينهض على خطين متوازيين، أسرة لبنانية، تعيش فى بيروت، وأخرى مختلطة، تعيش فى ديترويت بأمريكا. وعنوان الفيلم المتحذلق يمزج بين الاسمين، وعلى العكس من المرأة اللبنانية المضطهدة، تظهر المرأة الأمريكية ظالمة، وجلادة، تحميها قوانين ضد زوجها اللبنانى الطيب، المتهم بممارسة العنف ضدها، مما يؤدى إلى منعه من مشاهدة ابنته، وطرده من البلاد.. هكذا، علما أن الإحصاءات الرسمية تعلن أن امرأتين من كل ثلاث أمريكيات يُمَـارس العنف ضدهما. لكن هكذا شاء «سرحان»: هجاء الزوجة الأمريكية.

تصل حمى الإخراج إلى ذروتها مع نهاية الفيلم. الزوج المتوحش يخطف ابنته الطفلة. يقبع بها فى شقة مع عدد من أصدقائه، يتجرعون المنكر ويلعبون الميسر، وعقب مكالمة تليفونية يأتى فريق مهول من فرقة شرطة أو جيش، مدججة بالسلاح، تهبط بالحبال من أعلى البناية، وتصعد على سلالم متحركة نحو الشقة، وتداهم الوكر البائس، برجاله المترنحين، حيث لم يكن الأمر يحتاج لأكثر من ثلاثة أو أربعة مخبرين، يقومون بجرجرة ثلة التعساء من قفاهم.. لكن ماذا تقول فى مشاهد محمومة أدت إلى الذهاب بمصداقية الفيلم من ناحية، ومن ناحية أخرى، وجدت فى الصحافة البيروتية، من يتهجم على الجيش اللبنانى ويقول: إذا كان جيشنا بهذه المهارة، فلماذا لا يمنع عمليات الخطف؟..

وبهذا، يكون الجيش، والممثلون، والفيلم نفسه، دفعوا فاتورة «حمى» سرحان. 

قصة ثوانى

كمال رمزي

الخميس 18 أبريل 2013 - 8:00 ص

فى بيروت، يعرض الآن ثلاثة أفلام لبنانية دفعة واحدة، الأمر الذى يسعد عشاق الفن السابع، فنهوض صناعة السينما فى بلد عربى، يفتح الطريق لنهوضها فى البلدان الآخرى.. عناوين الأفلام: «قصة ثوانى» للارا سابا و«24 ساعة حب»، لليان البستانى، و«بيترويت» لعادل سرحان.. أى أن هناك فيلمين من إخراج نساء، مما يعبر، ويؤكد دور المرأة اللبنانية فى الإبداع، مستكملا مسيرة جوسلين صعب ودانيال عربيد ونادين لبكى وأخريات.. الأهم أن الأفلام الجديدة تجاوزت كوابيس الحرب الأهلية المجنونة والعبثية ذات البعد «الطائفى» ــــ وقانا الله منها ــــ امتدت طوال العقد ونصف العقد، وخلفت أصداءها فى السينما اللبنانية، التسجيلية والروائية.. «قصة ثوانى» ينفض عن نفسه غبار المعارك ويلتفت إلى الحاضر ويحاول بصدق وطموح التوغل فى أحشاء بيروت ورصد أحوال أهاليها، على نحو يضع الفيلم فى خانة «الواقعية»، «الواقعية الخشنة» إن شئت الدقة.

بعيدا عن المشاهد السياحية المعهودة فى السينما اللبنانية والمصرية على السواء، حيث التلال الخضراء وشاطئ البحر وأشجار الأرز و صخرة الروشة والفنادق الفاخرة وتتعمد لارا سابا معتمدة على سيناريو مكثف ومركب إلى حد التعقيد كتبته نبال عرقجى، على منوال القصص المتوازية فى فيلم «بابل» للمكسيكى اليخانرو جونزاليس مع الفارق بين الاستاذ الكبير والتلميذة المبتدئة والمجتهدة ــــ الاقتراب من «ناس بيروت» تنتقى ثلاثة نماذج من بيئات مختلفة، تعيش كل منها فى دائرة لا علاقة لها بالأخرين ولكنها تتماس فى ثوان قليلة، مع بعضها بعضا، فتؤثر فيهم تأثيرا عميقا وتغير على نحو ما من مصائرهم: المعلمة الرقيقة، إنديا، القادمة من طبقة ثرية، وجدت فى مهنة تدريس الأطفال، براتب متواضع وتعويضا لشغفها بوليد لا يأتى.. يحسب للفيلم ابتعاده عن كليشيهات الإدانة المبدئية، المطلقة، لكل من يقبع فى قمة الهرم الاجتماعى. إنديا، بأداء موفق من «كارول الحاج»، بنظراتها الحنون، يشرق وجهها بالأمل، حين يخطرها الطبيب أنها حامل.. لكن فى نوبة من حظ عثر يضيع أملها حين يهجم عليها صبى شقى، لخطف حقيبتها فتقع أرضا وتتعرض للإجهاض.

«مجرد ثوانى» يبدأ بحادث صدام بين سيارتين إحداهما يقودها رجل متأنق، يلقى حتفه نكتشف لاحقا أنه زوج الرقيقة «إنديا»، وهو فى طريقه ـــــ مسرعا ــــ ليطمئن على زوجته فى المستشفى.. هكذا الكوارث لا تأتى فرادى.. أما السيارة الثانية براكبيها اللذين فارقا الحياة فإنهما والد ووالدة الفتاة الجامعية نور، بأداء متفهم من «غيدا نورى»، التى تجد نفسها بلا مال أو أب فقط جدة لا تفارقها الدموع.. وإزاء متطلبات الحياة ـــ وبتعسف من صانعات الفيلم ــــ تقرر بعد تردد خفيف خلع سروالها!

حين تدخل سابا مع مصورها الموهوب، ميكل ليجروى، قاع المدينة يكتسب فيلمها رونقا خاصا فالزحام، والبيوت المتساندة وعربات الباعة المتجاورة، والدكاكين الضيقة والرجال كبار السن والنساء البدينات اللاتى لا علاقة لهن بمانيكانات اللبنانيات، كلها مفردات تمنح «مجرد ثوانى» مذاق الواقع اللاسع.. وها هى المخرجة تدلف إلى بيت ضيق لتصل إلى شقة مكونة من صالة صغيرة يعمها الفوضى، بقايا الطعام وعلب الجعة الفارغة متناثرة، فوق مائدة متربة، وثمة حجرة بها سرير واحد متسخ الفرش.. أجواء تتواءم تماما مع صاحبة المكان، مدمنة الكحول، العاهرة التى تعرضت لقسوة بالغة من صانعات الفيلم اللاتى دفعنها دفعا، كى تدفع أحد زبائنها إلى استخدام إبنها جنسيا.. وهذه كما ترى حالة عصية على التصديق، سواء على مستوى الواقع، أو على الشاشة.

الابن، الصبى، مروان، بأداء متميز من علاء حمود، الفائز بجائزة التمثيل فى مهرجان الأفلام المستقلة ببروكسل، هو النموذج الأهم، ذلك أنه مشروع مجرم أو بلطجى أو على الأقل خارج عن القانون، يتابعه الفيلم فى رحلة السقوط عقب هربه من جحيم البيت، إلى بؤرة انحراف، حيث يصبح مدمنا يكاد يموت إثر جرعة زائدة، ويتحول إلى خاطف لحقائب النساء.. وها هو، فى ثانية واحدة، يخطف حقيبة «إنديا» التى تسقط أرضا، وتفقد حملها.

«قصة ثوانى»، بصرف النظر عن التعسف هنا والمغالاة هناك، يقدم بانوراما عريضة لمدينة عربية تتطابق فى الكثير من ملامحها مع مدن أخرى فى بلادنا، لا ينتهى نهاية سعيدة كاذبة, كما العديد من أفلامنا، ذلك أنه عمل تحذيرى، تتوافر فيه لغة سينمائية جيدة وبالتالى يستحق الترحيب. 

عن يهود مصر

كمال رمزي

الخميس 11 أبريل 2013 - 8:00 ص

هذا الفيلم المهم يتسم بالشجاعة والتهور، فهو يفتح، بجرأة ونزاهة، ملفا شائكا، جرى تجاهله لعقود طويلة، ربما خوفا، أو حرجا، أو جهلا، لذا، يستحق «عن يهود مصر»، الترحيب به، خاصة أن مخرجه الشاب، أمير رمسيس، الدءوب، بذل جهدا هائلا، فى تجميع مادته، استغرقت عدة سنوات، وخاض معركة حاسمة، سريعة، انتصر فيها، من أجل عرضه.. لكن، فيما يبدو، أن رمسيس، المندفع، تمكن من تجميع مادة، شديدة الغزارة والتنوع والثراء، لم يستطع السيطرة عليها، ولم يطاوعه قلبه أو يستبعد المهم منها فى سبيل الأكثر أهمية، فكانت النتيجة أن حمولة الفيلم جاءت أكبر من طاقته، وبالتالى بدت متابعته، لساعة ونصف الساعة، مرهقة وممتعة فى آن.

اعتمد الفيلم فى سرده على راوٍ، مقابلات، مادة أرشيفية، صور فوتوغرافية، مانشتات جرائد، تصوير أماكن، وشذرات من أغان، ولقطات من أفلام روائية.. والمخرج فى هذا يتنقل بين مصر وفرنسا، وينقب فى قلب التاريخ ويعود إلى الواقع، ولا يفوته حين يرصد الأفكار أن يكترث بالعواطف، ويتفهمها، ويترك حرية التعبير عنها، للمصريين اليهود، الذين غادروا البلاد، لأسباب خارجة عن إرادتهم، ورفضوا الانغماس فى الحركة الصهيونية، أو الذهاب إلى إسرائيل، وبقيت ذكرى الأيام الخوالى، فى مصر، معتملة فى وجدانهم.. وهنا، يظهر الفارق العميق بين الحياة القاسية التى عانى منها معظم اليهود فى العالم، والحياة الكريمة التى عاشوها على أرض النيل، ووصلوا فيها إلى أعلى المراتب، وأصبحوا جزءا من بنية المجتمع، فى السياسة والاقتصاد والفن.. لذا، فكما تقول إحداهن: سنواتت البهجة كانت فى مصر.

«عن يهود مصر»، يتحدث عدد من كبار المثقفين المصريين: د. محمد أبوالغار، أحمد حمروش، عصام فوزى، رفعت السعيد، فضلا عن نوله درويش، ابنة المصرى اليهودى الشريف، يوسف درويش، المحامى المناضل، الذى عاش حياته مدافعا عن حقوق العمال، بلا أجر، شأنه فى هذا شأن زميله المصرى، اليهودى، الوطنى، اليسارى، شحاتة هارون.. الجانب المصرى، بما فى ذلك ما يتعلق بدرويش وهارون، يتعرض لمفارق الطرق، أو «محطات الألم»، حين بدأت العمليات الوحشية للصهيونية، ضد الفلسطينيين، عام 1935، ثم اندلاع حرب 1948، ثم مشاركة إسرائيل فى الاعتداء الثلاثى 1956، بالإضافة للعمليات الإرهابية التى قامت بها إسرائيل ضد مصر، وأبرزها «فضيحة نافون» الشهيرة 1954، وفى كل محطة من هذه المحطات، تتفجر موجة كراهية وترحيل لليهود المصريين.

فى المقابل، يلتقى المخرج مصريين يهودا، متحاشيا تماما من ذهب إلى إسرائيل، ويقدم شهادات من عاشوا فى فرنسا: ألبرت أرييه، روبرت جرنسمان، جولى جويش، إيرابيل دونتون، وغيرهم.. والفيلم فى هذا يرزح بعشرات الوجوه، العديد منها، يستحق عملا كاملا، مستقلا، مثل الرجل المثير للجدل والإعجاب، هنرى كوريل، المحب لمصر، المتعاون بقوة فى حركات التحرر،، الذى أبلغ تفاصيل خطة الاعتداء الثلاثى لثروت عكاشة، وأهدى فيلته فى القاهرة، للحكومة الجزائرية، لتصبح مقرا لسفارتها.. وربما جاءت الإشارات إلى دور المصريين اليهود فى مجال الفن، ممتعة وشحيحة فى آن، تحتاج لمزيد من الإضاءة، كذلك الحال بالنسبة للعديد من العناصر والوجوه، فالواضح أن أمير رمسيس، الحائر تجاه المادة الوفيرة التى حصدها، قرر، متهورا وضعها كلها، فى شريط واحد، مما جعل الفيلم الثرى، يبدو مترنحا،، حمولته أكبر من طاقته. 

جاتسى العظيم

كمال رمزي

الثلاثاء 9 أبريل 2013 - 8:00 ص

شىء ما ساحر فى هذه الرواية التى كتبها فرانسيس سكوت ميتزجيرالد، جعلها لا تحظى بمكانة رفيعة فى عالم الأدب وحسب، بل يمتد ألقها إلى عالم الأطياف، وتتجاوز منشأها الأصلى تغدو محورا للكثير من أفلام سينمات العالم، بما فى ذلك السينما المصرية التى اعتمدت عليها فى «الرغبة» لمحمد خان 1979، بسيناريو لبشير الديك. وبرغم أن «الرغبة» لا يوضع فى صدارة أعمال المخرج الكبير، فإن ثمة لحظات إبداعية متميزة، من نور الشريف، حين يجسد، بملامح وجهه، إحساس الرجل القوى، الناجح، الذى يضنيه حب ضائع، لم ولن يتحقق. كذلك الحال بالنسبة لمديحة كامل، بنظراتها المعبرة عن حيرة امرأة بين الواجب والعاطفة.. أحداث القصة، تدور حول ذلك الشاب الذى رفضت حبيبته الاقتران به، بسبب مستواه المالى المتواضع. يختفى الشاب ليعود بعد سنوات، ثريا، وجيها، يمتزج عنده الشغف باستعادة الحبيبة التى تزوجت، مع الرغبة فى الانتقام، منها، ومن المجتمع الذى أنكره فى يوم ما.. وفيما يبدو أن هذه «الثيمة» أو «الفكرة»، تلبى حاجة نفسانية عند قطاعات واسعة من الناس، فى معظم المجتمعات، حيث يشعر المرء، فى جانب من قلبه، بأمنية أن يغدو علما، يشار له بالبنان، بعد أن كان نكرة، يستخف به حتى أقرب المقربين.

فى هوليوود، عايشت «جاتسى العظيم» تطورات صناعة السينما، فحين كانت صامتة، حققها هربرت برتون 1926، ببطولة اثنين من أساطين السينما الصامتة: وارنر باكستر وتيدا بارا، وبينما فقد هذا الفيلم المبكر، كان طول البقاء للفيلم الذى جاء بعد أن نطقت السينما، بتوقيع إليوت نجنن 1949، ومنح دور «جاتسى» لأفضل من يؤدى شخصية الرجل الوحيد، القوى، الحزين: آلان لاد.. أمام الفاتنة، بيتى فيلد، التى تجمع بين الغواية والبراءة.

منذ صدور الرواية 1925، لم تتوقف الدراسات النقدية لأسلوب ميتزجيرالد، وكيفية تغيره، على نحو هادئ، عن صخب «عالم الجاز»، ورصده المرهف لواقع الحلم الأمريكى، بثرائه المادى، وخوائه الروحى، وتحطم العلاقات الإنسانية على صخرة المال، فضلا عن الأصوات المتنوعة المتصاعدة من نثره البالغ الثراء.. وفيما يبدو أن المخرج الشهير، فرانسيس فورد كوبولا، أحب الرواية، والتزم بروحها وتفاصيلها، فحولها إلى سيناريو، قام بإخراجه، على نحو بديع، جاك كلايتون 1974، وأسند للنجم الأنيق، روبرت ردفورد، دور «جاتسى»، المعزول وراء نافذة فيلته، يراقب، باستعلاء وأسى، تزاحم من يوصفوا بعلية المجتمع، البالغو التأنق، على موائد طعامه الممتدة.. وها هو يبحث، بعيون كليلة، عن حبيبة أيام العوز، ديزى، التى جسدت تمزقاتها العاطفية، الموهوبة بقوة، مايا فارو.

حديثا، وليس أخيرا، يأتى صاحب الأفلام المبهرة: «روميو وجوليت» 1996، «الطاحونة الحمرا» 2001، «استراليا» 2008، بأسلوبه الاستعراضى، الغنائى، ليعيد تقديم الرواية، ببطولة «تيدا بارا»، بملامحها المرهفة، فى دور «ديزى»، والأهم، «ليوناردو دى كابريو» بوجهه الذى يجمع بين صرامة تبلغ حد الشراسة، ورقة، تبلغ حد الوداعة.. مخرج الفيلم الجديد، باز لورمان، يحقق «جاتسى العظيم» بطريقة الـ3D، وكأن الرواية، بعنفوانها، تصر على حضورها، مع كل إنجاز، فى صناعة السينما.

الشروق المصرية في

09/04/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)