تعرّف الجمهور إلى سيلينا غوميز من خلال مشاركتها في المسلسل
التلفزيوني الناجح «ساحرو ويفرلي» الحائز بضع جوائز، منذ بداية عرضه عام
2007. وغوميز في العشرين من عمرها، وهي لا تكتفي بالتمثيل اذ تغني وتبتكر
الأزياء لحساب علامتها الشخصية، اضافة الى انضمامها إلى منظمة «يونيسيف»
التابعة للأمم المتحدة.
وتشارك غوميز في فيلم «عطلة الربيع» إلى جوار صديقتها فانيسا هادجنز،
حيث تؤدي دور إمرأة شابة يجرفها التيار في قلب عصابة خطيرة في أثناء عطلة
الربيع السنوية، وتسعى بشتى الوسائل إلى الخروج من هذا الموقف الحساس،
الأمر الذي لن يتم بسهولة.
وكانت غوميز قد ظهرت من قبل على الشاشة الكبيرة في الفيلم الفكاهي
العاطفي «مونتي كارلو» مؤدية دور أميرة من ناحية ثم أيضاً فتاة تشبه هذه
الأخيرة إلى درجة أن كل من يراها يخلط بينها وبين صاحبة اللقب الفاخر.
جاءت غوميز إلى باريس للترويج لفيلم «عطلة الربيع»، فالتقتها «الحياة»
في هذا الحوار.
·
لعبت دور أميرة في فيلم «مونتي
كارلو»، فهل تهتمين شخصياً بحكايات الأميرات خصوصاً أميرات موناكو؟
-
أقرأ أخبارهن في المجلات المتخصصة بين الحين والآخر، وفعلت ذلك
في شكل مكثف قبل أن أشارك في فيلم «مونتي كارلو» كي أكون ملمّة بالموضوع
وأؤدي دوري على النحو الأفضل. وأعترف بأن قصصهن تضحكني أحياناً، وأفضّل
عليهن أميرات أفلام شركة «ديزني» اللواتي أجدهن أكثر واقعية إلى حد ما
وربما أكثر جدية في بحثهن عن فارس أحلامهن.
·
وهل تؤمنين بوجود الفارس الشجاع؟
-
نعم ولكن بأسلوب يناسب العصر الذي أعيش فيه.
·
أنت مبتكرة أزياء لحساب علامتك
الشخصية، فهل تحبين الموضة أساساً أم أنك انطلقت فيها لاعتقادك بأن شهرتك
الفنية العريضة ستجلب لك الأرباح الطائلة في ميدان الأزياء أيضاً؟
-
لا أفكر بهذه الطريقة أبداً، لسبب بسيط هو أنها طريقة فاشلة في
أساسها، فالمرء إذا لم يكن يحب ما يفعله ويدرك أصغر خبايا مهنته لا يستطيع
تحقيق أي نجاح فيها لأن الجمهور يحس على الفور بالعقلية الانتهازية
المختبئة وراء المشروع وبالتالي يبتعد عنه. أنا مولعة بالموضة وبرسم
الأزياء منذ صغري، لذلك لم أود أن أكتفي بعملي الفني الاستعراضي، كممثلة
ومغنية، وأردت أن أحقق ذاتي في ميدان الأزياء بطريقة ما، فرحت فعلاً أستغل
رواج اسمي فنياً من أجل أن أؤسس مباشرة علامتي «دريم أوت لاود» (إحلم بصوت
عال) بدلاً من أن أعمل لحساب غيري في بداية الأمر. لقد أفادتني نجوميتي بلا
أدنى شك، لكن حبي للموضة هو الذي يراه الناس قبل أن يقبلوا على الموديلات
التي أرسمها، إضافة إلى كوني أرسم لنفسي أولاً، فالذين تعجبهم شخصيتي يحبون
موضتي.
·
أنت أيضاً سفيرة لمنظمة
«يونيسيف»؟
-
نعم، وأعتقد بأن محاولة حماية الأطفال في العالم من المفروض أن
تتخذ أهمية بالغة في نظر كل شخص بالغ مسؤول. إنني أتمتع بشهرة دولية تجعلني
محط الأنظار وبالتالي أفضل أن أثير انتباه الجمهور بفضل أعمال خيرية قد
تدفع غيري إلى اعتماد السلوك نفسه، بدلاً من أن أحتل أغلفة المجلات بسبب
تقلبات حياتي العاطفية. ان العمل الإنساني أهم من حياتنا الشخصية.
خطيبة جاستين بيبر
·
لكنك أيضاً تحتلين هذه الأغلفة،
خصوصاً منذ أن صرت خطيبة النجم جاستين بيبر؟
-
صحيح، لكنني لا أختار هذا الشيء وأعجز في كثير من الأحيان عن
منع الإعلام من متابعة أخباري العاطفية، مثلما يفعل. بينما أتحكم في الصورة
التي أعطيها عن نفسي كسفيرة لمنظمة يونيسيف وأيضاً لمنظمة «بيتا» التي
تحارب استخدام الفراء الحقيقي في الموضة دفاعاً عن الحيوانات.
·
هل تفضلين التمثيل أم الغناء،
علماً أن أسطواناتك تضرب الأرقام القياسية في المبيعات؟
-
أعشق الاستعراض في شكل عام وهو يضم التمثيل والغناء والرقص على
السواء، وبالتالي يصعب علي تحديد أي نشاط يثيرني أكثر من غيره، فكلما مارست
أحدها أشعر وكأنه هو الأفضل. انني أتدرب يومياً على الأداء الدرامي وعلى
الغناء والرقص مثل أي بطلة رياضية تستعد للألعاب الأولمبية.
·
تظهرين في فيلم «عطلة الربيع»
الجريء إلى جوار فانيسا هادجينز، فهل هي صديقتك في الحياة اليومية؟
-
نعم، إنها صديقتي الحميمة منذ سنوات طويلة، وسعدت كثيراً
بمشاركتها بطولة فيلم «عطلة الربيع». أما عن الفيلم في حد ذاته فهو، مثلما
تذكره بنفسك من النوع الجريء ولا يشبه أي عمل فني ظهرت فيه من قبل، لذا
وافقت على تولي أحد أدواره الرئيسة فور قراءتي السيناريو واكتشاف الدور
المطروح عليّ فيه والذي هو فتاة تنضم رغماً عنها إلى عصابة خطيرة. إنني
بهذه الطريقة أكسر صورتي الناعمة لدى الجمهور وأقدم الدليل على قدراتي
الدرامية المتنوعة.
·
ألم تعترض «ديزني» على حكاية كسر
الصورة هذه؟
-
لا، فأنا حرصت منذ البداية على ألا ينص العقد المبرم بيني وبين
«ديزني» على أي قيود من هذا النوع وأظل حرة في التحكم بأمور حياتي الفنية
طالما أنني لا أظهر في أعمال تخل بأبسط قواعد الذوق طبعاً.
·
هل يمكن القول إن فيلم «عطلة
الربيع» يستوحي من واقع حياة الشباب الأميركي؟
-
نعم إلى حد ما، خصوصاً في شأن كل ما يخص عطلة الربيع التي
تعتبر أهم عطلة في حياة الطلاب الجامعيين الأميركيين، وهم ينتهزون مناسبتها
لكسر القواعد الصارمة المفروضة عليهم طوال العام الدراسي وللاستفادة من
الطقس المعتدل في هذه الفترة من السنة، وبالتالي يخرجون ويسهرون وينسون
همومهم بشتى الوسائل. ويحدث أن يتجاوز بعض الشبان حدود الأدب والذوق، الأمر
الذي يؤدي بهم إلى السجن في حالات معينة، أو على الأقل إلى دفع غرامات
طائلة. وفي ما يخص الفيلم، فقد استوحى مخرجه هارموني كورين، وهو شارك أيضاً
في كتابة السيناريو، من الخطوط العريضة التي تتصف بها عطلة الربيع، لكنه
بنى في ما بعد حبكة بوليسية مثيرة ممكنة الحدوث، إلا أنها غير مستوحية من
حالة واحدة حدثت بالفعل. الفيلم يروي التطرف الذي يسقط فيه الشباب في حالات
ما، وهذا شيء واقعي جداً.
·
كيف تصفين شخصيتك؟
-
مرحة وقوية.
·
ما نوع الأفلام المفضلة لديك؟
-
الأفلام الاستعراضية من نوع «البؤساء» النازل حديثاً إلى صالات
السينما والمأخوذ عن رواية فيكتور هوغو الشهيرة. لقد تم تحويل هذا العمل
إلى مسرحية استعراضية في ثمانينات القرن الفائت، ونجحت إلى درجة أنها لا
تزال تقدم في نيويورك ولندن حتى الآن، أي بعد مرور ثلاثين سنة على
افتتاحها. وها هي تصبح فيلماً سينمائياً الآن، أجده في منتهى الروعة من حيث
التمثيل والإخراج، وأحسد بطلته آن هاثاواي على جائزة الأوسكار التي حصدتها
أخيراً من أجل دورها في هذا الفيلم.
·
لماذا؟
-
لأنني تمنيت أداء مثل هذا الدور في فيلم يتميز بنوعية على هذا
المستوى من التفوق.
·
هل تتصورين نفسك تمارسين مهنة
غير الفن الاستعراضي؟
-
عارضة أزياء «سوبر موديل»، بما أنني أرسم موديلات للموضة.
·
ما أكثر شيء تفتخرين به؟
-
عائلتي لأنها أروع عائلة في الوجود.
الحياة اللندنية في
19/04/2013
قراصنة الكاريبي...
تنامي المقاومة العالمية للملاذات الضريبية
تسبب الملاذات الضريبية أضراراً سنوية بقيمة مئات ملايين اليورو،
وتصيب الأنظمة الاقتصادية الوطنية حول العالم مولدةً اقتصاداً موازياً لا
يمكن السيطرة عليه. تساهم أحدث التحقيقات ضمن تقارير «التسريبات الخارجية»
في تكثيف الجهود في أوروبا والولايات المتحدة للتخلص من المشكلة. «شبيغل»
تابعت هذا الملف الشائك.
ما هو القاسم المشترك بين زير نساء ألماني راحل وابنة الدكتاتور
الفيليبيني السابق؟ وما الذي يجمع بين رجل أعمال روسي نافذ والمدير السابق
لحملة الرئيس الفرنسي؟
جمع كل من غونتر ساكس وماريا إيميلدا ماركوس مانوتوك من جهة وميخائيل
فريدمان وجان جاك أويجييه من جهة أخرى أرصدتهم كلها في دول ينخفض فيها سقف
الضرائب وتضمن سرية تامة. وهم لا يقومون بعمل استثنائي. بل يفعل أكثر من
130 ألف شخص الأمر نفسه، لكننا اكتفينا بذكر الأشخاص الذين تَرِد أسماؤهم
في قاعدة بيانات اسمها «تسريبات خارجية» وقد تم تحليلها من مجموعة من
المنظمات الإعلامية الدولية.
لكن يبدو أن الفضيحة الحقيقية لها وقع أكبر بما أن أحداً لا يعلم
مجموع الأموال الموجودة ضمن الودائع في حسابات مصرفية مجهولة في دول تُسمى
مجازياً «ملاذات ضريبية». تشير تقديرات المنظمة غير الحكومية، «شبكة
العدالة الضريبية»، إلى أن الرقم يتراوح بين 16 و25 تريليون يورو (بين 21
و33 تريليون دولار). بهذه الطريقة، تُحرَم الدول الأصلية لهؤلاء الأفراد
والشركات من ضرائب بقيمة مئات الملايين، ويحصل ذلك بشكل قانوني حيناً وغير
قانوني أحياناً.
يبدو أن المليارات المودَعة في الحسابات الخارجية مصدرها الولايات
المتحدة وبقية مناطق أميركا الشمالية، وقد شملت تلك المصادر أخيراً أنظمة
اقتصادية ناشئة ودولاً من العالم الثالث أيضاً. يدير عدد من رجال الأعمال
الروس شركاتهم عبر شركات خارجية بينما يستعمل الأوروبيون الجنوبيون
الأثرياء الحسابات الخارجية لحماية أرصدتهم من انهيار عملة اليورو ومن جباة
الضرائب.
لكن لا يستعمل المتهربون من الضرائب وحدهم الخدمات السرية التي تقدمها
تلك البلدان.
عالم آخر في الظل
في تلك الأماكن، يتم إخفاء وتبييض أموال المخدرات وجرائم أخرى، ويجري
إبرام صفقات مشبوهة، وتستعملها صناديق التحوط كقاعدة لها علماً أن نشاطات
المضاربة التي تقوم بها يمكن أن تهز النظام المالي مجدداً.
نتيجةً لذلك، تطور عالم من نوع آخر في الظل خلال العقود الأخيرة وهو
يطبّق قواعد خاصة في جميع القارات ويبدو أنه أشبه بنظام اقتصادي موازٍ
يتهرب من كل التدقيق الديمقراطي ويستفيد منه كثيرون: البنوك التي تقدم
المساعدة إلى المتهربين من الضرائب، فضلاً عن المحامين والشركات التي تبتكر
أنظمة متطورة تخفي مسار تنقّل الأموال.
ارتفعت نسبة الملاذات الضريبية من عدد ضئيل منذ بضعة عقود إلى 60 أو
70 أو أكثر اليوم. منذ سنوات، كانت الجزر العذراء البريطانية وبيليز وجزر
كايمان وقبرص وجزر مارشال تُعتبر فقيرة جداً على بعض المستويات إلى أن قررت
عدم فرض أي ضرائب أو الاكتفاء بضرائب ضئيلة على الأموال التي تدخل البلد،
فضلاً عن ضمان سرية هوية أصحاب الأرصدة داخل بنى الشركات والمؤسسات. في
المقابل، تجمع الرسوم من الشركات الخارجية.
على سبيل المثال، حوّلت الجزر العذراء البريطانية نفسها إلى إحدى أغنى
مناطق العالم خلال أقل من جيل، بعدما تبنّت مجموعة الجزر قوانين تضمن سرية
الصفقات المالية في عام 1994. اليوم، أصبحت الجزر العذراء البريطانية، التي
تُعتبر رسمياً جزءاً من المملكة المتحدة وتشمل 31 ألف نسمة، موطن نصف مليون
مؤسسة وشركة بريد.
تساهم شركات إدارة الأموال وشركات المحاماة حول العالم في إنشاء
صناديق مماثلة لإدارة الأموال وشركات خارجية. وتشمل مؤسسات مثل Portcullis Trustnet
ضمن شركة «جزر كوك والكومنولث ترست المحدودة» في الجزر العذراء
البريطانية، وأصبحت الشركات التي ثبت أنها تشمل 2،5 مليون تتصدر العناوين
الآن. تهدف أعمالها إلى إنشاء شركات لإدارة الأموال وشركات بريد مجهولة
لصالح العملاء الأثرياء. لكن بدل الكشف عن المالكين الفعليين، يستعمل
المتهربون من الضرائب أشخاصاً لتوفير غطاء لعملياتهم ويعيّنونهم في مناصب
المساهمين والمديرين التنفيذيين المزعومين للشركات الخارجية. يضمن عامل
الثقة بين العميل والشركة المؤتَمنة إدارة الأموال بما يصب في مصلحة العميل.
خلال العقدين الأخيرين، أصر الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون
الاقتصادي والتنمية، أي منتدى الدول الصناعية، مراراً وتكراراً على نيّتهما
استنزاف تلك المستنقعات المالية. لكن حتى الآن، وقفت المصالح الوطنية
المتضاربة بين الدول الأعضاء عائقاً أمام الاتفاقيات الدولية الفاعلة. في
خضم المعركة للتحول إلى عواصم دولية وتوفير الوظائف، تتفاوت الآراء حول
النقطة التي تنتهي فيها المنافسة الضريبية المشروعة وتلك التي تبدأ فيها
المنافسة غير المشروعة.
غش يجب كبحه
يمكن أن يتغير هذا الوضع الآن، إذ يبدو أن «التسريبات الخارجية» ظهرت
في الوقت المناسب. زاد التصميم على معالجة الانتهاكات بشكل ملحوظ، أقله في
الولايات المتحدة وأوروبا.
دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال حملته الانتخابية الأولى إلى
قمع الملاذات الضريبية. في أحد خطاباته، قدم وصفاً مفصلاً عن مجمع «أوغلاند
هاوس» في جزر كايمان حيث تم تسجيل أكثر من 12 ألف شركة، فقال: «إما أن يكون
ذلك المكان أكبر مبنى في العالم وإما أن يكون معقل أكبر غش ضريبي في
العالم». أضاف: «أظن أن الشعب الأميركي يدرك حقيقة الأمر. إنه نوع الغش
الضريبي الذي يجب كبحه».
لم تعد الدول المثقلة بالديون في العالم الغربي تستطيع تحمّل كلفة
حرمانها من العائدات الهائلة. كذلك، يوجه الرأي العام انتقادات لاذعة لأن
بعض الأثرياء يستطيع التهرب من مسؤولياته تجاه بلده عبر التهرب الضريبي،
وذلك تزامناً مع اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء. على صعيد آخر، يجد
دافعو الضرائب صعوبة في فهم السبب الذي يدفع دول اليورو إلى استعمال
أموالها لإنقاذ البنوك فيما تساعد تلك البنوك الأثرياء على حماية أموالهم
من السلطات الضريبية.
يملك معظم البنوك الألمانية الكبرى فروعاً في عدد من الملاذات
الضريبية. يملك البنك الألماني (بنك دويتشه)، وفق تقريره السنوي، 13 فرعاً
في سنغافورة وحدها. ووفق بيانات «التسريبات الخارجية»، استعمل أكبر بنك
ألماني مكتبه في سنغافورة لإنشاء 300 شركة لإدارة الأموال ومؤسسات للاحتماء
من الضرائب.
يبدو أن مصرف «كوميرتس بنك» الألماني الذي استفاد من خطة إنقاذ
حكومية، وشركات التأمين مثل
Allianz،
والبنوك التي تملكها الدولة مثل LBBW
وHSH
Nordbank، تشغّل فروعاً لها في سنغافورة أيضاً. لا يزال
صمود بنك HSH
محط جدل محتدم بين السياسيين الألمان لكنه موجود أيضاً في أماكن غريبة مثل
ماجورو أتول في جزر مارشال.
قد تتعدد الدوافع التي تبرر انجذاب القطاع المالي الألماني إلى
الملاذات الضريبية. لكن يبدو أن المؤسسات حيث تؤدي إدارة الملفات
والاستشارة المالية للأثرياء دوراً مهماً تنشط بشكل لافت على الساحة
الخارجية.
يستعمل البنك الألماني المواقع الإلكترونية التابعة لفروعه في الخارج
لأجل جذب عملاء أثرياء. يؤكد البنك رسمياً أنه يعرض على العملاء الأثرياء
خدمات مثل إنشاء شركات لإدارة الأموال شرط أن يتم التعامل مع شؤونهم
الضريبية بشكل قانوني.
تفعيل الضرائب
تستعمل الشركات في مختلف القطاعات الملاذات الضريبية لتفعيل أعبائها
الضريبية ضمن إطار القانون. يقول كريستوفر كاسيرير، أستاذ إدارة مالية
متخصص بالشؤون المصرفية في جامعة ميونخ التقنية: «لا شك في أن البنوك تمنح
التوصيات للعملاء في شأن إنشاء مؤسسات وشركات لإدارة الأموال. كقاعدة عامة،
يحصل ذلك لتفعيل الضرائب بدل التهرب منها». بحسب رأيه، يجب أن تبرر الشركات
المتداولة علناً التي تدفع ضرائب أكثر مما ينبغي أفعالها أمام شركائها. وفي
الحالات القصوى، يجب أن تتحمّل مسؤولية دفع تعويض عن الأضرار. لكن يقول
كاسيرير إن الشركات المتداولة علناً في ألمانيا تواجه عبئاً ضريبياً بمعدل
30%.
يذكر البنك الألماني معدلاً ضريبياً بالحجم نفسه. لكن طُلب من خبراء
الضرائب في الشركة حديثاً المثول أمام اللجنة المالية في البرلمان الألماني
لتبرير سياستهم الضريبية. انطلق التحقيق نتيجة تعليق صدر عن البنك في
تقريره السنوي حيث ذكر أنه ينسب معدله الضريبي جزئياً إلى «التوزيع
الجغرافي الإيجابي لمجموع الأرباح».
اشتبه المشرعون بأن البنك بدأ يحول الأرباح عمداً إلى ملاذات ضريبية.
يقول لوثار بايندينغ،
عضو الحزب الديمقراطي الاجتماعي اليساري
الوسطي في اللجنة المالية داخل البرلمان الألماني: «حين يملك بنك معين أكثر
من ألفي فرع ويتواجد 500 منها في ملاذات ضريبية، من المنطقي أن تتوافر
أسباب ضريبية لتبرير ذلك».
يجد النقاد صعوبة في تصديق ادعاءات هذا القطاع الذي يزعم أنه لا يدعم
التهرب من الضرائب. صحيح أن البنوك تطلب من عملائها التأكيد خطياً على عدم
المشاركة في أعمال التهرب الضريبي، لكن يوجد سبب وجيه كي نشتبه بأنها تقوم
بذلك في المقام الأول للتستر على قواعدها القانونية. يقول بايندينغ: «لا
يجب أن نسمح بعد الآن بهذه الاستقامة القانونية الرسمية المزيفة».
يريد أن تتحمّل البنوك مسؤولية أكبر تجاه الصفقات المشبوهة التي
يبرمها عملاؤها: «عند مطالبة البنوك بالإبلاغ عن صفقات مماثلة في ألمانيا،
سيكون من الأسهل تقييم ما إذا كان العملاء يتصرفون فعلاً ضمن نطاق القانون
في ما يخص الضرائب». يظن بايندينغ أيضاً أن المقاربة الصائبة تقضي بفرض
عقوبات أكثر صرامة: «إذا لم تشعر البنوك بالقلق من خسارة رخصتها، سيستحيل
وضع حد للصفقات المشبوهة».
يمكن أن تساهم «التسريبات الخارجية» الآن في تعزيز تلك الجهود. يوضح
كاسيرير: «ستترافق البيانات أيضاً مع عواقب سياسية. إذا برزت ردود فعل
موجهة ضد الدول التي جعلت من تفعيل الضرائب والتهرب منها نموذجاً لعملها،
فلا بد من الترحيب بذلك».
مفعول رادع
عمد حوالى 86 صحافياً من 46 بلداً إلى تحليل البيانات طوال 15 شهراً،
بمساعدة برنامج محوسب خاص وبدعم مبرمجين في ألمانيا وبريطانيا العظمى
وكوستاريكا. حتى الآن، قادتهم عمليات التعقب إلى 10 ملاذات ضريبية. يأتي
معظم الأسماء الواردة على اللوائح من الصين وهونغ كونغ وتايوان، بينما تأتي
مجموعة مهمة أخرى من العملاء من روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة.
يُقال أيضاً إن مئات الألمان تأثروا بالوضع القائم مع أن المتهربين
الألمان من الضرائب يميلون تقليدياً إلى تفضيل سويسرا أو ليختنشتاين. كانت
تلك المقاطعة قريبة جداً وكانت اللغة الألمانية متداولة هناك، وقد حصل
تعاون وثيق مع البنوك السويسرية التي كانت تدير أموال الأثرياء والنافذين.
خلال التسعينيات، عرض مصرف «كوميرتس بنك» على عملائه الأثرياء نموذج
ليختنشتاين لتفعيل الضرائب.
هناك، أُودِعت الأموال في مؤسسات تديرها شركة لإدارة الأموال لكن لم
تظهر أسماء المالكين الحقيقيين في أي سجل علني. وبما أن السياسيين في
ليختنشتاين لديهم مصلحة في تدفق الأثرياء من أنحاء العالم، أعاقوا في
البداية أي جهود من السلطات الضريبية الخارجية التي أرادت تقديم مساعدة
قانونية.
لكن حصل تسريب للمعلومات في ليختنشتاين كما سُرّبت المعلومات اليوم
ضمن بيانات «التسريبات الخارجية». سرّب موظف عند هيربرت باتلينر بيانات عن
العملاء وقد وصلت في النهاية إلى السلطات الضريبية الألمانية. بدأت
التحقيقات ضد مئات المتهربين من الضرائب، بما في ذلك شركات عائلية معروفة
وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المنتمي إلى اليمين الوسطي، فهو هرّب
أمواله غير الشرعية إلى هناك وسرعان ما تحولت القضية إلى فضيحة مالية
مدوّية.
فجأةً، لم تعد ليختنشتاين آمنة بعدما كانت قلعة نقدية، وقد تابعت
انهيارها حين زادت ألمانيا ودول مجاورة أخرى في الاتحاد الأوروبي الضغوط
على المقاطعة. اليوم، تتعاون ليختنشتاين في قضايا تشمل مجرد الاشتباه
بالتهرب من الضرائب.
لا تزال عمليات تسريب المعلومات، بما يشبه بيانات «التسريبات
الخارجية»، تترافق مع مفعول رادع. يميل المتهربون من الضرائب الذين يشعرون
بتأنيب الضمير أو يخشون كشف أمرهم إلى تسليم أنفسهم.
صيد عرضي
أصبح هذا الأمر حتمياً حين عُثر على أقراص مدمجة تحتوي على معلومات
ضريبية من سويسرا في السنوات الأخيرة. اشترت ولايات ألمانية عدة مختلف
الأقراص المدمجة التي تشمل أسماء المتهربين المزعومين من الضرائب. استفادت
ولاية شمال الراين- وستفاليا تحديداً من المعلومات. حين اشترت الولاية
قرصاً مدمجاً فيه بيانات سويسرية للمرة الأولى، في ربيع عام 2010، ارتفع
عدد الأشخاص الذين سلموا أنفسهم بوتيرة متسارعة من بضع مئات إلى حوالى 5
آلاف خلال أشهر قليلة.
لكن سرعان ما انهار مفعول الردع. في نهاية عام 2012، ارتفع عدد
المتهربين الذين سلموا أنفسهم بعدد 2200 شخص فقط مقارنةً بعام 2010.
كانت المواد الموجودة على الأقراص المدمجة أقل تأثيراً مما توقع
كثيرون. في نهاية صيف السنة الماضية، أقفلت السلطات القضائية في ولاية شمال
الراين- وستفاليا حوالى 900 قضية. فُرضت عقوبات في 11 قضية فقط، أي حوالى
1% من مجموع القضايا. في المقابل، توقف 90% من القضايا ولم يواجه المتهمون
أي عواقب.
كان شراء الأقراص المدمجة المتعلقة بالضرائب الطريقة الوحيدة لتعقب
المتهربين من الضرائب، لكن لطالما كانت هذه الخطوة مثيرة للجدل من الناحية
القانونية. حتى إن وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية واجهت تهمة
استعمال سلع مسروقة حين اشترت تلك الأقراص المدمجة من موظف سابق في بنك LTG
في ليختنشتاين. بعد ذلك، منع رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية، إرنست
أورلاو، شراء أقراص إضافية.
لكن تغير موقف الوكالة حين أصبح جيرهارد شندلر رئيسها. يفيد بعض
المصادر من داخل الوكالة الآن بأنها مسؤولة أيضاً عن قضايا تبييض الأموال
والجريمة الدولية والإرهاب.
إذا وردت معلومات ضريبية على قرص مدمج معين، تعتبر وكالة الاستخبارات
الخارجية الألمانية أن الأمر يكون أشبه بـ{الصيد العرضي» ويمكن أن تحصل
السلطات الضريبية على تلك المعلومات. تعتبر الوكالة أن المخبرين، حين
يخرقون القانون عبر بيع بيانات مماثلة، يصبحون مسؤولين عن أفعالهم. لكن لم
تحصل الوكالة على أي عروض مماثلة منذ استبدال أورلاو.
لتجنب الاتكال على اقتناء الأقراص المدمجة التي تتضمن بيانات مهمة،
تفاوضت الحكومة الألمانية على معاهدة ضريبية ثنائية مع سويسرا. لكن انهار
الاتفاق بسبب المعارضة في البرلمان الألماني (أي الهيئة التشريعية التي
تمثل الولايات الألمانية) ولأن المتهربين من الضرائب كانوا ليكتفوا بدفع
مبالغ ضئيلة نسبياً تعويضاً عن المتأخرات الضريبية. قال المرشح لرئاسة
الحزب الديمقراطي الاجتماعي، بير شتاينبروك، في مقابلة مع صحيفة «شبيغل»:
«كانت المعاهدة الألمانية السويسرية لتسمح بنشوء فجوات تفوق تلك الموجودة
في الجبنة السويسرية».
يأمل كثيرون في وزارة المالية في برلين وفي البرلمان إطلاق محاولة
جديدة لفرض معاهدة ضريبية بعد الانتخابات الفدرالية في الخريف المقبل. لكن
سبق وأشارت سويسرا بشكل غير رسمي إلى أنها لم تعد مهتمة بإيجاد حل شامل.
تلوح مفاوضات صعبة في الأفق.
واجهت الولايات المتحدة تجربة أسهل في هذا المجال. فهي انتزعت اتفاقية
أفضل بكثير من السويسريين عبر التهديد بإقصاء بنوك البلد من نيويورك
مستقبلاً. كان التهديد كافياً. لكن يُمنَع على الحكومة الألمانية استعمال
تكتيك قمعي مماثل. لا تُقارَن فرانكفورت بأهمية وجاذبية نيويورك مع أنها
مركز مالي بارز. كذلك، دائماً ما تكون الحكومة الألمانية محاصرة حين تحاول
مهاجمة الملاذات الضريبية لأنها مضطرة إلى أخذ مصالح الدول الشريكة
بالاعتبار.
محاربة الوباء
مهما اشتدت إعلانات الحرب المخيفة ضد الملاذات الضريبية في العالم، لا
يمكن تجاهل موقف بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كونها تفاخر بميزة
السرية في ما يخص الشؤون المالية. بالإضافة إلى جزر شانيل في بريطانيا،
تتسم النمسا وإيرلندا وهولندا ولوكسمبورغ أيضاً ببعض الخصائص الواضحة التي
تطبع الملاذات الضريبية.
يبدو أن تلك الملاذات بدأت تشعر ببعض الضغوط بعد ظهور «التسريبات
الخارجية». في مقابلة نُشرت في مجلة «فرانكفورتر الغماينة تسايتونغ»، قال
وزير المال في لوكسمبورغ لوك فريدن إن بلده كان يُعتبر متساهلاً في قواعد
السرية المصرفية: «نريد تكثيف التعاون مع السلطات الضريبية الخارجية وثمة
ميل واضح إلى حصول تبادل تلقائي للمعلومات. مقارنةً بالماضي، ما عدنا نرفض
تلك المقاربة بصرامة». لكن حتى الآن، أعاق البلد جميع التوجيهات الصارمة من
الاتحاد الأوروبي حول نظام فرض الضرائب على المدخرات الخارجية التي قد
تتطلب تبادلاً تلقائياً للمعلومات، ما يضمن منافع إيجابية للمستثمرين في
البلد.
تحدث وزير المالية الألماني، فولفغانغ شويبله، عن وجود بلدين ضمن
الاتحاد الأوروبي «يستعملان قواعد خاصة خدمةً لمصالحهما»، في إشارةٍ واضحة
إلى النمسا واللوكسمبورغ: «أفترض أن الوضع سيتغير الآن نتيجة التطورات
الأخيرة». خلال أزمة قبرص، دعا ممثلو بعض الدول الأعضاء في منطقة اليورو
بشكل غير مباشر اللوكسمبورغ إلى إعادة النظر في نموذج العمل الذي تطبقه
وتقليص قطاعها المالي المتضخم.
ثمة مبادرات قيد الإعداد في بروكسل أيضاً لمعالجة مشكلة الملاذات
الضريبية. طرح المفوض الأوروبي للضرائب ألغيرداس سيميتا خطة عمل في شهر
ديسمبر الماضي. تتضمن الخطة أكثر من 30 اقتراحاً منطقياً جداً لمحاربة وباء
الملاذات الضريبية. لكن يبدو أن العواصم الأوروبية لا تأخذها على محمل
الجد. تنص معاهدات الاتحاد الأوروبي على اعتبار الضرائب شأناً وطنياً ويحرص
وزراء المالية، من باب الغيرة، على إبقاء الوضع على حاله. تتطلب القواعد
الضريبية المشتركة موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (عددها
27)، بما في ذلك الأطراف التي تستفيد من التهرب الضريبي اليوم.
في ما يخص قبرص، لم يتمكن الأوروبيون الآخرون من التشديد على أهمية
الالتزام بمعايير محددة قبل المرحلة الراهنة، حين أصبحت الجزيرة على شفير
الإفلاس. نظراً إلى تراجع المعدلات الضريبية على الشركات واقتصارها على
10%، جذب القبارصة شركات خارجية كثيرة أودعت فيها المليارات. اليوم، يجري
العمل على رفع الضرائب على الشركات إلى مستوى إيرلندا على الأقل، أي بنسبة
12.5%.
يتضمن الاتفاق الذي تفاوضت عليه «الترويكا» مع قبرص عدداً من
المتطلبات لمحاربة تبييض الأموال والتهرب من الضرائب. على سبيل المثال،
يُطلَب من قبرص الآن، بموجب مذكرة تفاهم، أن توفر «معلومات مناسبة ودقيقة
ومتجددة عن شروط الملكية الفعلية» لشركات البريد القبرصية إذا طلبتها منها
السلطات الضريبية الخارجية. يُطلَب من البلد أيضاً إنشاء سجل جديد مع تعيين
منظِّمين للإشراف على شركات قبرصية لإدارة الأموال علماً أن تلك الشركات
تكون ملكاً لجهات خارجية بشكل عام.
هذا ما يدعو إليه تحديداً خبراء مثل رايموند بايكر لوقف التهرب
الضريبي وتبييض الأموال حول العالم. يظن مدير منظمة «النزاهة المالية
العالمية» (منظمة بحثية أميركية) أنه من الضروري الإفصاح عن الأسماء
الحقيقية لأصحاب المؤسسات الخارجية وشركات إدارة الأموال في سجل عام أو
أمام السلطات على الأقل. لكن لم تبلغ الحكومات هذه المرحلة بعد. مع ذلك،
اتفقت الحكومة الألمانية على تبادل المعلومات مع عدد كبير من الدول. تشمل
هذه المجموعة اللوكسمبورغ، وليختنشتاين، وجزر شانيل البريطانية في جيرسي
وغيرنسي، فضلاً عن أنتيغوا وجزر كايمان وجزر الكاريبي.
تلك الاتفاقيات تمنح السلطات الضريبية الألمانية حق الحصول على
معلومات عن المودعين الألمان عند الاشتباه بوجود أي خطب. قد تمكّن تلك
المعلومات وزارة المالية من جمع ضرائب هائلة. وقد تكون هذه الخطوة مفيدة
اليوم إذا حصلت السلطات، كما طلب وزير المالية ولفانغ شوبله، على بيانات
«التسريبات الخارجية» وتمكّنت من تقييمها.
لكنّ الخطوة الأفضل من وجهة نظر شوبله تتعلق بأمر أوضحته التسريبات
الأخيرة أمام جميع المتهربين من الضرائب: في المستقبل، كل من يتهرب من دفع
الضرائب لن يشعر بالأمان في أي مكان من العالم.
Phil Spector...
يشوّه الحقيقة ويستهزئ بالقضاء
كتب الخبر: هاريت
ريان
تخططون لمشاهدة فيلم {فيل سبيكتور} (Phil Spector)
على قناة {إتش بي أو}
(HBO)
الأميركية؟ إذا كنتم تنوون مشاهدته، أنصحكم
بالتوقف لبرهة. يجب أن نناقش الأمر.
أنا مجرد مراسلة لذا لا تحمل آرائي عن الناحية الجمالية في الأفلام أي
قيمة مهمة. لكن بصفتي واحدة من الصحافيين القلائل الذين غطوا محاكمة
سبيكتور بتهمة القتل، يمكن أن أجزم بأن فيلم
Phil Spector
الذي يتناول سيرة الموسيقي فيل سبيكتور الذاتية هو
في الحقيقة أشبه بعبوة ناسفة.
في زمنٍ يتكل فيه ملايين الناس على برنامج The Daily Show
لمتابعة الأخبار واختيار المرشحين عن فئة أفضل تصوير وتعلّم بعض الدروس
التاريخية، هذا الوضع يخيفني. لن يعرف معظم المشاهدين الكثير عن قضية
سبيكتور. وحين ينتهي البرنامج، ستكون معلوماتهم شائبة جداً. لكنهم لن
يدركوا ذلك.
يمكن أن أتوقع رد فعلهم بعد انتهاء الفيلم: {يا للعجب! لم نكن نعلم أن
فيل سبيكتور كان يخضع للضغوط. لا شك في أن هيئة المحلفين غبية جداً. النظام
القضائي كله عبارة عن مهزلة}.
يحق لصانعي الأفلام طبعاً أن يضيفوا لمستهم الفنية إلى أعمالهم، لا
سيما إذا كان الشخص موهوباً مثل الكاتب والمخرج ديفيد ماميت. لكن تكمن
المشكلة هنا في واقع أن الفيلم يخلط بين الواقع والخيال، ما يعني تقديم
معلومات مغلوطة. تحمل الشخصيات الأسماء الحقيقية للمشاركين في القضية ويبدو
الحوار مستوحى مباشرةً من محاضر جلسات المحاكمة، وقد برع آل باتشينو في
تجسيد طريقة مشي سبيكتور وصوته. لكن حين يتمادى الفيلم في الادعاءات التي
يطرحها (كما يفعل في مناسبات متكررة)، ما من إنذار لتحذير المشاهدين.
المزعج أن الفيلم يرتكب الجريمة نفسها التي يدينها. يعتبر فيلم {فيل
سبيكتور} أن أي شخصية مشهورة وغريبة لا تستطيع الاستفادة من محاكمة عادلة
لأن الرأي العام الجاهل والمتعطش للدم يغفل بشكل مقصود عن الوقائع. لكن
يدعم الفيلم نظريته من خلال تجاهل الأدلة وتشويهها والاستخفاف بها.
بالنسبة إلى كل شخص لم يَمضِ معظم أيام السنة في قاعة محكمة بلا نوافذ
مع سبيكتور، إليكم بعض الوقائع السريعة: في 3 فبراير 2003، قابل سبيكتور
ممثلة تحاول تطوير مهنتها، اسمها لانا كلاركسون، في ملهى “سان سيت ستريب”
حيث كانت تعمل كمضيفة. ثم توجّها إلى مزرعته قبل أن تتعرض لإطلاق النار في
فمها بعد ساعتين فيما كانت تجلس على كرسي مقابل الباب الأمامي.
بعد اعتقال سبيكتور للاشتباه بأنه ارتكب جريمة القتل، ادعى الأخير أن
كلاركسون قتلت نفسها. وصلت هيئة المحلفين الأولى التي دققت في القضية إلى
طريق مسدود حين اعتبره عشرة منهم مذنباً ولم يوافقهم الرأي اثنان من
المشاركين. ثم أدانته هيئة محلفين ثانية في عام 2009.
غياب الأدلة
في الفيلم، تتكرر الفكرة التي تشدد على عدم وجود أدلة تثبت أن سبيكتور
هو من ضغط على الزناد.
تصر محامية الدفاع ليندا كيني بادن: {لا يستندون إلى أي وقائع!}. يذكر
الفيلم أن هذا الأمر واضح بوضوح سترة سبيكتور البيضاء. يصر الفيلم على أنه
لو أطلق النار عليها، لكان النسيج الأبيض تلطخ بالدم.
في الحقيقة، وُجد الدم على سترة سبيكتور: وفق شهادة الخبراء، رُصدت
بقع ضئيلة بالقرب من طية صدر السترة، ما يعني أن سبيكتور لم يكن على مسافة
أبعد من ثلاثة أقدام من وجه كلاركسون عند إطلاق النار. وُجدت بقعة دم
ضبابية مماثلة على الجهة الخارجية من معصم كلاركسون، ما يشير بحسب الخبراء
إلى أن يديها كانتا في وضعية دفاعية عند إطلاق النار ولم تكونا على الزناد.
ثم نصل إلى شهادة السائق. اعتبر سائق سبيكتور بأن رب عمله خرج من
مزرعته بعد فترة قصيرة من إطلاق النار وكان يحمل مسدساً بيده الملطخة
بالدم. اقتبس كلام سبيكتور حين قال: {أظن أنني قتلتُ شخصاً}. يشير الفيلم
إلى أن مباحث الشرطة الفاسدة أجبرت السائق على التفوه بهذه الشهادة
المصيرية عبر التهديد باتهامه بالتورط في الجريمة.
لكن ما من أدلة على ذلك ولم يزعم محامو سبيكتور هذا الأمر يوماً خلال
المحاكمة. ربما لم يحصل ذلك لأن السائق أخبر أول شرطي دورية حضر إلى ساحة
الجريمة عن تعليق سبيكتور ولم يغير كلامه في المقابلة المسجلة لاحقاً مع
المحققين.
على صعيد آخر، شهدت خمس نساء في المحكمة وقد ذرفن الدموع عند التأكيد
على أن سبيكتور سحب المسدس في وجههن حين حاولن مغادرة منزله من دون إذنه.
أصرت النساء على أن معاقرة الكحول والأمنيات الرومنسية المنهارة حوّلت
شاباً شهماً وتقليدياً إلى وحش. لكن يغفل الفيلم عن أهمية تلك الشهادات على
اعتبار أن السيدات كن يبحثن عن بعض الشهرة بدل أن يقدّرن قيمة الوقت الذي
عِشْنَه مع ذلك العبقري.
ادعى فريق الدفاع عن سبيكتور أن كلاركسون (40 عاماً) انتحرت لأنها
فقدت الأمل من النجاح في هوليوود. يتبنى الفيلم في نهاية المطاف نظرية
ثانية مفادها أنها أطلقت النار على نفسها عن طريق الخطأ فيما كانت تلعب
بالمسدس بطريقة مغرية.
لكنه لا يذكر أن كلاركسون ماتت فيما كان شريط حقيبتها على كتفها. قد
يبدو هذا التفصيل سخيفاً بالنسبة إلى الرجال. لكني أسأل النساء: هل حمل
الحقيبة مؤشر على أنّ المرأة تنوي الانتحار أم خوض لعبة جنسية أم المغادرة؟
نسخة خيالية
استباقاً لأي انتقادات، اعتبرت شبكة {إتش بي أو} أن الفيلم يطرح {نسخة
خيالية} من القضية.
يذكر الفيلم في بدايته عبارة: {هذا الفيلم عمل خيالي وهو لا يرتكز على
قصة حقيقية. إنها قصة درامية مستوحاة من أشخاص حقيقيين خضعوا للمحاكمة
ولكنها ليست محاولة لتجسيد الشخصيات الحقيقية ولا التعليق على المحاكمة أو
نتائجها}.
كانت تلك الملاحظة صادمة بالنسبة إلي ولم تكن تهدف إلى مساعدة
المشاهدين بل تحذير الناس الذين يعرفون تفاصيل القضية: أي محاولة لتحديد
الوقائع المتضاربة في الفيلم ستنم عن جهل فني!
بدل التدقيق بقضية سبيكتور الحقيقية والأفكار التي تنشرها عن النظام
القانوني الأميركي، يفضّل الفيلم التأمل بما تعتبره شبكة {إتش بي أو}
{طبيعة الشخصيات المشهورة} وكيف ساهمت تلك الطبيعة في صقل شخصية سبيكتور.
ثمة لقطات طويلة حيث يحلل زملاء سابقون ومحامون وحتى المدعى عليه الأسباب
العامة للظلم.
يقول باتشينو أثناء تجسيد دور سبيكتور: {إنه تعبير عن الحسد.
الإنجازات المدهشة... تحوّل الأوفياء إلى مجرد متفرجين والحسّاد إلى عصابة
متآمرة}.
لا شك في أن علاقة ثقافتنا بالشهرة تفتح المجال أمام التعليقات ولكن لم
يتضح بعد السبب الذي دفع ماميت إلى اختيار سبيكتور لنقل أفكاره. حين وصلت
القضية إلى المحكمة في عام 2007، لم يكن سبيكتور مشهوراً بقدر كيم
كارداشيان مثلاً. فهو لم يكن قد أنتج أي أغنية ناجحة منذ عقود ولم يكن
مشهوراً بمعنى الكلمة بل كان يمكن استعمال اسمه لطرح سؤال شائك في برنامج Jeopardy!
ما كان يمكن أن يحسده المحلفون المحتملون لأنهم لم يعلموا من كان، وهو واقع
يعترف به الفيلم ولكنه يعود ويتناسى ذلك حين يتطرق إلى طبيعة الفنانين
الغريبة والمحاكمات العادلة. إنه تأكيد مثير للجدل بعد تبرئة روبرت بليك
ومايكل جاكسون في السنوات التي سبقت محاكمة سبيكتور.
من خلال تحويل قضية سبيكتور إلى حجة في غير محلها، فُقد جزء كبير من
العوامل التي أضافت ناحية مبهرة إلى قضيته. يصور الفيلم سبيكتور على أنه
نسخة من شخصية {السيدة هافيشام} في عالم صناعة الموسيقى، فهو يتنقل بين
الغرف اللامتناهية المليئة بالتذكارات العفنة في مزرعته ويتكلم باستمرار عن
جون لينون وليني بروس.
لا يعترف الفيلم بأن سبيكتور كان ينعم بزواج سعيد في وقت المحاكمة.
كان قد قابل زوجته (مغنية طموحة وأصغر منه بأربعة عقود) بعد الجريمة وقد
دعمته طوال فترة المحاكمة وكانت تساعده على انتقاء شعره المستعار في كل يوم
من المحاكمة وتشبك ذراعها بذراعه عند دخول قاعة المحكمة.
كان فريق الدفاع عن سبيكتور عبارة عن مهزلة قانونية أبطالها خمسة
محامين حققوا النجاح في الماضي وحاولوا إثبات أنفسهم في قضية حصدت تغطية
إعلامية وطنية واسعة. هُزم فريق الدفاع النافذ بشكل منهجي في الجلسات
الافتتاحية لدرجة أن المحامي الأساسي الذي يدافع عن سبيكتور، بروس كاتلر من
نيويورك، توسل القاضي لتأخير المحاكمة بشكل عاجل، فتمتم على طريقة سكّان
بروكلين: {أشعر بأنني مهزوم وكأنني أقف عرياناً أمام المحكمة!}. يتجاهل
الفيلم ثلاثة من المحامين الآخرين ويغيّر في معالم الشخصيات.
حبذا لو تطرق ماميت إلى موضوع الشهرة والعدالة من خلال كتابة قصة
خيالية بمعنى الكلمة. أما تشويه قضية سبيكتور فيُضعف ثقة الرأي العام بنظام
هيئة المحلفين. إذا كانت المحاكمة تهدف كما يُقال إلى البحث عن الحقيقة،
فيبدو فيلم {فيل سبيكتور} محاولة غريبة لإخفاء تلك الحقيقة.
Olympus Has Fallen...
مشروع مميّز للمخرج أنطوان فوكوا
يضم فيلم
Olympus Has Fallen،
فيلم التشويق الأخير للمخرج أنطوان فوكوا، لحظةً بارزة: لقطة للعلم
الأميركي وهو يتهاوى على البطيء من أعلى البيت الأبيض بعد أن رماه إرهابيون
كوريون شماليون، فيما تسمع في الخلفية نشيداً حزيناً.
لا شك في أن المخرج أنطوان فوكوا لا يصنع فيلماً خالياً من اللحظات
اللافتة والمؤثرة (جريئة بالنسبة إلى معجبيه ومنفرة بالنسبة إلى نقاده).
يقول هذا المخرج، الذي أراد أن يُظهر في فيلمه
Olympus Has Fallen
مدى هشاشة الولايات المتحدة بعد اعتداءات
11 سبتمبر: {رغبت في إعداد فيلم مشوق يتضمن في الوقت عينه لحظات وجيزة من
الحقيقة}.
لربما ينطبق وصف فوكوا على مسيرته المهنية. صاغ المخرج (47 سنة)، الذي
يشتهر بفيلمه البوليسي
Training Day (عام 2001)، نوعاً خاصاً به من الأفلام التجارية.
فيسعى من خلال أفلامه إلى نقل التوتر البشري العالمي، مركزاً غالباً على
سعي الإنسان إلى فعل الصواب في وجه ظروف عصيبة عنيفة، تماماً كما فعل في
أفلام مثل Tears of the Sun (قصة عملية إنقاذ نفذتها البحرية الأميركية) عام 2003 وThe
Shooter (أحد
أفلام نظريات المؤامرة) عام 2007.
يقوم
Olympus
على المحور عينه. لا يشكّل الفيلم خياراً موفقاً
فحسب لمخرج يمتاز بواقعيته وحنكته. تدور قصته حول مجموعة من الإرهابيين
الكوريين الشماليين الذين ينشرون الدمار في العاصمة واشنطن، ويستولون على
البيت الأبيض في محاولة لإشعال الحرب في موطنهم.
يدفع ذلك مايك بانينغ (جيرارد باتلر)، عميل سري سابق طُرد من منصبه
بعد حادثة تعرض لها الرئيس (آرون إيكهارت)، إلى مواجهة وابل الرصاص لدخول
البيت الأبيض، حيث يواجه بمفرده عشرات الإرهابيين بهدف إنقاذ الرئيس، ابنه،
والعالم الحر بحد ذاته، كما يتبيّن لاحقاً.
ولكن وسط هذا القتال كله، يعتبر فوكوا أن القصة تشمل موضوعاً أكثر
حساسية: رجل يشعر بالذنب يحاول تصحيح أخطائه. يضيف فوكوا وهو يتنقل عبر
مشاهد الفيلم في الجناح المخصص للتحرير في لوس أنجليس: {يضم الفيلم الكثير
من المشاهد السريعة لأن هذا ما يريده المشاهد. لكنه يسلط الضوء أيضاً على
رغبة الإنسان في الحصول على فرصة ثانية، فيما يقف الكون في وجهه ويقول له:
عليك أن تسعى جاهداً لتنالها}.
شخصية عنيدة
قبل بضع سنوات، ما كان فوكوا يخطط لإخراج فيلم مماثل. فبعد انتهائه
عام 2008 من فيلم
Brooklyn’s Finest،
الذي تدور قصته حول مجموعة من رجال الشرطة، رغب في العودة إلى العمل. ولكن
بسبب ردود الفعل المختلطة التي تلقاها في مهرجان {ساندانس للأفلام}
والتأخير المتكرر في التوزيع، أدخله Brooklyn’s
في نوع من الثبات. شعر فوكوا أن مسيرته في عالم الأفلام انتهت عندما ذهب
الشرطي (ريتشارد غير)، الذي ينجو من عملية تبادل النيران الدموية، ليصطاد
على ضفاف بحيرة جملية ويطلق النار على رأسه.
لا يعود ذلك إلى أنه لم يستطع الحصول على عرض جديد. على العكس، حصل
على عروض كثيرة، منها فيلم عن الانتقام لكريستيان بايل، يتناول الملاكمة
ويشارك فيه إيمينم، يحكي قصة حياة توباك شكور وسعيه المتواصل إلى إخراج
فيلم عن بابلو إسكوبار. لكن هذه كلها لم تفلح. يتذكر أن زوجته، الممثلة
ليلا روشون التي يقيم معها ومع أولادهما الأربعة في لوس أنجليس، ما انفكت
تقول له: {عليك أن تقوم بعمل ما لتخرج من المنزل. عليك أن تخرج فيلماً من
أجزاء عدة}. إلا أنه كان يجيبها: {لا أجيد هذا النوع من الأفلام}.
ولكن في الربيع الماضي، تلقى فوكوا اتصالاً من المنتج آفي ليرنر، الذي
بدا متحمساً لإعداد فيلم عن البيت الأبيض مع باتلر. أراد ليرنر مخرجاً
يستطيع العمل معه في الحال. فكان من الضروري تصوير الفيلم، تحريره،
والإنتهاء منه في أقل من سنة كي يهزم فيلماً منافساً من إنتاج Sony Pictures.
وبما أن باتلر تعرف إلى فوكوا خلال عملهما على فيلم سابق، زكاه لإخراج Brooklyn’s.
يخبر هذا الممثل: {لا يقدّم أنطوان مطلقاً فيلماً عاديّاً. فهو يدرك
قوة لقطة واحدة ويجيد الاستئثار بانتباه المشاهد}.
يذكر بيتر شليسل، المدير التنفيذي في شركة FilmDistrict
التي أطلقت Olympus،
أن فوكوا {كمخرج، يشكّل خطوة نحو الأمام عما يحظى به عادةً هذا النوع من
الأفلام. يضمّن أفلامه مستوى من الحدية، فضلاً عن حساسية لا يُستهان بها}.
ولا شك في ذلك. يشتهر هذا المخرج بقوة إرادته. يقول إنه يرغب في الحصول على
شريكة منتج، إلا أنه لم يتمكن حتى اليوم من العثور على شريك يشعر بالراحة
خلال التعامل معه.
تدفعه شخصيته العنيدة إلى مواضع لا يتجرأ مخرجون كثر على التفكير فيها
(أحياناً حرفيّاً كما حدث عندما خلال تصوير فيلم Brooklyn’s Finest).
يعتبر المخرج أنه متأثر بمحرر فيلمه كونراد باف، الذي اقتبس منه قوله: {ما
من خطوط مستقيمة في الطبيعة}، والذي أوح إليه بإضافة مشاهد إلى أفلامه قد
يعتبرها البعض منفرة.
يتضمن فيلم
Olympus
مشهداً من هذا النوع: انهيار نصب واشنطن بعدما
هاجمته طائرة معادية. ونظراً إلى الظروف الراهنة وهندسة النصب (بناء طويل
يتحوّل إلى حطام)، من المستحيل ألا يفكر المشاهد بانزعاج.
الجريدة الكويتية في
18/04/2013 |