حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

هذا الفيلم الكردي من إيران

أسطورة إنتحار 111 فتاة من كردستان

أمير العمري

 

ما بين الحقيقة والخيال، الواقع والحلم، الكوميديا والتراجيديا، الهجاء السياسي والتأملات الشعرية، تدور أحداث هذا الفيلم الإيراني البديع "111 فتاة" 111 Girls الذي اخرجته ناهد قوبادي، شقيقة المخرج الإيراني الكردي بهمن قوبادي (صاحب "زمن الجياد السكرانة" و"نصف القمر") وساعدها في الإخراج بيجان زمنبيرا Bijan Zmanpira.

ناهد قوبادي عملت في بداية مسيرتها السينمائية مساعدة لشقيقها بهمن قوبادي ثم أخرجت عددا من الأفلام القصيرة، وهذا الفيلم (111 فتاة) هو فيلمها الروائي الطويل الأول. وقد أنتج بهمن قوبادي الفيلم كما كتب قصته، وهو يحمل الكثير من أسلوب إخراج بهمن قوبادي ولاشك أنه لعب دورا مباشرا في التوجيه والإرشاد والنصح.

ينتمي الفيلم- إنتاجيا- إلى إقليم كردستان في إيران، ومن الواضح أنه صنع بمعزل عن رقابة السلطات الإيرانية الرسمية، وقد يكون بهمن قوبادي قد تستر وراء شقيقته لكي يصنع هذا الفيلم طالما ظل ممنوعا من الإخراج السينمائي في بلاده عقابا له على فيلم "نصف القمر" (2996). واستخدمت المخرجة كاميرا الفيديو الرقمية في تصوير الفيلم الذي يقع في 79 دقيقة.

فيلم طريق

فيلم "11 فتاة" يمكن إعتباره فيلما من "أفلام الطريق"، أي تلك التي تقع معظم أحداثها على الطريق أثناء السفر، كما يمكن إعتباره أيضا من أفلام الأساطير الشعبية أي الأفلام التي تدور حول فكرة هي أقرب إلى الأسطورة الشعبية التي يرددها الناس ويتم تناقلها فيما بينهم شفاهية، لكن إستخدام الأسطورة هنا مقصود لتقريب الموضوع ذي النغمة السياسية النقدية، من الجمهور البسيط. وهو بذلك يحقق متعة المشاهدة ويوصل رسالته الهجائية إلى جمهوره الطبيعي.

فكرة الفيلم تتلخص ببساطة في أن 111 فتاة من كردستان أرسلوا رسالة إلى رئيس جمهورية إيران يقولون له فيها إن الشباب الكردي تركوا المنطقة وذهبوا يبحثون عن عمل ومورد للرزق في أماكن أخرى بسبب شح الخوارد وانعدام فرص العمل في المنطقة، وطال انتظار الفتيات بلا طائل، وقد أصبحن بالتالي من غير أي أمل في العثور على أزواج، وهن يطلبن من الرئيس أن يجد لهن أزواجا، ويمنحونه مهلة زمنية محددة فإذا لم يفعل سيقمن بقتل أنفسهن في مشهد إنتحار جماعي ويحملون الرئيس المسؤولية!

فكرة جذابة فيها من السخرية بقدر ما فيها من الهجاء المستتر.

الرئاسة توفد مبعوثا شخصيا للرئيس يدعى نظام الدين ديديه، يتوجه بصحبة سائق إلى كردستان، وفي طريقهما ينضم إليهما صبي من المنطقة يرشدهما إلى من يمكنهم تقديم المساعدة في الوصول إلى الفتيات

مندوب الرئاسة في غاية التوتر بالطبع، فالمشكلة أصبحت قضية إعلامية دولية فقد أرسلت الفتيات رسالة مشابهة إلى شبكة سي إن إن الإخبارية التي أخذت تبثها، والحكومة التركية أرادت أن تنتهز الفرصة فأعدت فريقا مكونا من 111 شابا ينتظرون عبر الحدود السماح لهم بالدخول للزواج من الفتيات وبالتالي يصبح بمقدور الأتراك فيما بعد، المطالبة بضمن إقليم كردستان، والإيرانيون يرفضون ويتهمون تركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية!

خلال الرحلة التي تقع وسط أجمل المناظر الطبيعية للبيئة الجبلية الساحرة في كردستان، يقابل نظام الدين الكثير من الأحداث التي تلفت نظره إلى ما يوجد في الواقع الذي لا يعرفه ولا يعرفه الرئيس الذي أوفده. إنه يصطدم في البداية بضابط بدين غليظ الحس ذي شارب يشبه في تكوينه وسحنته كثيرا صدام حسين، بصحبته عدد من الجنود يتأهبون لتنفيذ حكم الإعدام في رجل وضعوه داخل جوال متهم بممارسة الجنس مع فتاة من المنطقة تعاني من الحرمان بسبب عدم وجود رجال. الضابط يطلب رشوة من نظام الدين، لكنه يرفض ويقول له إنه مبعوث الرئيس، فيسخر منه الضابط بفظاظة، ويرفض أن يرشده إلى الطريق قاتلا إنه لا توجد إشارات للطرق في كردستان، المحكوم عليه المسكين سيتمكن بعد قليل من الهرب وسيلتقي به نظام الدين وسائقه مجددا وهو يسير متعثرا داخل الجوال، وسيساعدانه على الفرار ممن يطاردونه.

السائق الذي يذهب لكي يأتي بمياه في وعاء كبير بعد أن جفت مياه السيارة، يتناول نوعا معينا من الأدوية تجعله يسترخي ويتراءى له بعض الصور والخيالات. إنه يرى أثناء استرخائه فتاة تتسلل إلى جواره، ترقد بجواره، تظهر صورة لعشرات الفتيات تنعكس على صفحة مياه البئر الذي يرقد قربه.

يلتقي نظام الدين بمجموعة من الشباب الصغير العاطل عن العمل الذين يرفضون مساعدته لعلمهم بموقعه قرب الرئيس.. الصبي "أصلان" يصنع سجائر من الورق بطريقة بدائية.. ثم يطلع السائق على نقنية جديدة للتعامل مع نظام البلوتوث في الهاتف المحمول.. يريه صورة لمجموعة الفتيات اللاتي يهددن بالانتحار على صفحة الهاتف المحمول أرسلت إليه. القرية لا يوجد بها سوى مجموعة من الأطفال والشيوخ. الصبي أصلان يقوم بمهمة الترجمة لنظام الدين.. فالرجل لا يعرف اللغة الكردية التي يتحدثها شيخ من شيوخ القرية يريدونه أن يساعد في إصلاح السيارة التي تعطلت.

خيال وواقع

السائق يهذي بالحديث عن حبيبته التي يعتقد أنها انضمت للمجموعة التي تعتزم الانتحار.. ويختلط هنا الواقع بالخيال، فنرى فتاة سوداء الشعر رائعة الجمال، تشير بيدها نحو بحيرة، ونلمح على صفحة الماء أجساد طافية لعشرات الفتيات.. ونرى الفتاة نفسها من بينهن.. هذه اللقطات التي تقترب من السيريالية في طابعها ومكوناتها البصرية وطريقة تصويرها التي تجعل الصورة غير واضحة تماما بل ناعمة شاحبة مغلفة بالضباب، أقرب إلى الحلم منها إلى الحقيقة، يفسرها الفيلم باعتبارها قد تكون من وحي خيال السائق الذي يتعاطى حبوبا مخدرة.. لكنها تصنع مع الغناء الكردي البديع الذي تنشده مغنية شابة في مقهى شعبي غريب، حالة ذهنية من ألف ليلة وليلة.. ومن ذلك المقهى ندلف إلى قاعة عرض سينمائي تقع تحت الأرض، حيث يتجمع الرجال يشاهدون فيلم "أفاتار" على شاشة كبيرة، وعلى الجدار تنتشر ملصقات وصور من الأفلام الأمريكية الشهيرة في سخرية مباشرة من الرقابة الإيرانية التي تحظر عرض معظم هذه الأفلام. وعلى الجدار توجد مجموعة من المسدسات المعلقة. ويسأل نظام الدين الطفل أصلان: هل هي مسدسات حقيقية؟ فيجيبه بـ"نعم"!

يتوصل نظام الدين أخيرا إلى فتاة يسعى لأن يعرف منها مكان مجموعة الفتيات اللاتي أصبحن الآن على وشك تنفيذ فكرة الانتحار الجماعي التي يحاول أن يمنعها بأي طريقة لكي لا تسيء لسمعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد أن أوشكت المهلة الممنوحة للرئيس على النفاذ. يقوم الرجل باستجواب الفتاة: من أنت؟ ومن يتزعم تلك المجموعة من الفتيات؟ وما الغرض من هذا التهديد؟ الفتاة تقول له إن العثور على أزواج ليس هو الموضوع بل المقصود لفت الأنظار إلى ما تعانيه كردستان منذ آلاف السنين، من إهمال وتجاهل من جانب السلطات "نحن لا نريد أزواجا.. بل أن تعاملوننا باحترام وتقدير.. لقد ضحى الأكراد بحياتهم دائما من أجل حماية إيران والدفاع عنها ضد الغزاة".

ومن الرؤية الخيالية المرتبطة بالواقع، ننتقل إلى "الفارس" farce أي إلى الطابع الكوميدي الهزلي. تنقلب السيارة بالمبعوث والسائق والصبي، وهي السيارة التي زودهم بها أحد شيوخ القرية بعد تعطل سيارتهم.. المبعوث يتعهد بأن تدفع الحكومة تعويضا لصاحبها.. مجموعة من الرجال الأكراد الذين يسيرون وهم يحملون على ظهورهم كميات كبيرة من الأعشاب، يتوقفون لتقديم يد المساعدة.. ينجحون في إعادة السيارة إلى وضعها الطبيعي بعد أن يقلبونها لكنها تندفع لتسقط من فوق الجبل وتتحطم.. في منطقة جبلية رائعة يجدون مجموعة من الأكراد الريفيين يحفرون111 مقبرة للفتيات وأن السلطات منعت عشرة من الصحفيين من الوصول للمكان لتغطية الحدث المأساوي

مشهد حفر المقابر نموذج بصري رائع لأسلوب قوبادي في تصميم المشهد: نساء عجائز ترتدين الملابس السوداء والنقاب على خلفية الرمال الصفراء... غبار الصحراء يتطاير بفعل الرياح فيضفي غلالة رقيقة ضبابية على الصورة.. النساء يتخذن وضع دائرة وهن مستغرقات في النواح والندب والنجيب.. يدور السائق حولهن وتدور معه الكاميرا في حركة دائرية.

ومن هذا الطابع الشعري، إلى الواقع والحركة السريعة في اختلاط غريب للأساليب السينمائية، يأتي مسؤولون من المخابرات الإيرانية يحاولون وقف حفر المقابر وإعتقال النساء، وعندما يحتج نظام الدين على هذا التصرف الأخرق يعتقلونه بعد أن يفشل في إثبات شخصيته.. لكنه يصر على أن يتحدث إلى رئيسه في طهران.. المسؤول يطلب منه أن ينسى المهمة التي أرسل من أجلها لأنها إضاعة للوقت بلا جدوى.. (إننا نقوم بتحضير حفل زفاف صوري).. تتسلل مجموعة كبيرة من الشباب على دراجات نارية في اتجاه بيت عمدة القرية.. حل كبير يقام هناك.. والعمدة يلقي كلمة يقول فيها إنهم يحتفلون اليوم بتزويج الـ111 فتاة بعد كل تلك الإشاعات السخيفة عن الانتحار. في الحفل نلمح الضابط شبيه صدام حسين وهو يرقص ويهتز اهتزازات عنيفة تحت تأثير الخمر على ما يبدو، لطنه يرتي الملابس المدنية، ومجموعة من الفتيات في الملابس البيضاء وجوههن مغطاة بالنقاب.. يرفع أحدهم النقاب عن واحدة منهن فنكتشف أن وراء النقاب رجل. مسؤول المخابرات يقول للمبعوث الرئاسي: إننا في وقت انتخابات ولا يمكننا المغامرة. لا يجدي أي اعتراض من جانب نظام الدين، بل ينال أيضا علقة ساخنة، وعندما يتمكن من الإفلات منهم والذهاب إلى مكان الفتيات، لكنه يصل متأخرا كثيرا.

الجهل بالمنطقة

هذا فيلم بديع من جميع النواحي رغم تداخل الأساليب. إننا أمام مسؤول حكومي يقدمه لنا السيناريو باعتباره موظفا رسميا ممثلا للرئاسة لكنه أساسا من أولئك الأبرياء السذج الذين يصدقون عادة كل ما يقال لهم من جانب رؤسائهم ويحاولون تنفيذ التعليمات بشكل حرفي وبإخلاص حقيقي.

هذه الشخصية يتخذها الفيلم مدخلا إلى ما سنشاهده من أحداث وشخصيات عبر تلك الرحلة التي يبدو هو خلالها كشخص غريب، قادم من الخارج، لا يعرف المنطقة جيدا لذلك فهو يعتمد على الآخرين، لكن الشخص الأساسي الذي يعتمد عليه في قيادته إلى مبتغاه وهو السائق، شخصية حزينة محبطة، ويبدو أيضا أنه أدمن تناول عقار معين (مخدر) يجعله يرى الكثير من التداعيات المرئية التي تتكرر فيها صورة تلك الفتاة الرائعة الجمال التي يرتبط بها ويريد أن يتزوجها لكنها أيضا واحدة من هاته الفتيات اللاتي قررن اللجوء إلى الانتحار. السائق بالتالي لا يسيطر على وعيه تماما. والمبعوث الرسمي (نظام الدين) يفشل في إثبات شخصيته أمام رجل الأمن، مصدر القوة الحقيقية في إيران، وبسبب سذاجته ورفضه الخضوع للعبة الرسمية، يتلقى "علقة" ويحتجزونه في مكان مظلم طوال الليل قبل أن يتمكن من الفرار لكنه أيضا يتأخر في الوصول إلى مكان الفتيات، فنرى في المشهد الأخير الفتيات يقفن في دائرة أعلا الجبل ثم يظهر وجه الفتاة الجميلة صديقة السائق التي يتكرر ظهورها في الفيلم، وهي تتراجع ببطء إلى الوراء لكي تنضم للأخريات، بينما تتسع اللقطة..وتهبط الكاميرا تدريجيا لنرى صورة وفي الفتيات منعكسة على سطح مياه البحيرة.. ويبدو أنهن سيلقين بأنفسهن أخيرا.

مفارقات وكوميديا

يجسد الفيلم بوضوح التناقض بين الطبيعة الساحرة للمنطقة، وبين الفقر والجفاف والبطالة المنتشرة التي إما أنها دفعت الشباب للهجرة والتخلي عن إرتباطهم الأصيل بأرضهم، أو جعلت ما بقى من رجال طاعنين في السن، يقومون بأعمال غير إنسانية.

يختلط الهجاء السياسي بالكوميديا التي تنتج عما يقابله بطلنا (اللا- بطل) من مفارقات.. مع رغبة واضحة في تصوير كيف أن الأكراد ليسوا شعبا ساذجا أو بدائيا كما يروج البعض، بل يتعامل أطفالهم مع أحدث تقنيات الانترنت والبلوتوث وأجهزة التليفون المحمول، كما أنهم يشاهدون أحدث الأفلام الأمريكية سرا، في قاعة سينما شيدوها تحت الأرض، يحرسونها بالأسلحة الخفيفة، وإلا فما معنى وجود الملصقات السينمائية على الجدران جنبا إلى جنب مع المسدسات.

هناك ذلك القمع المباشر للحريات: الحكم بالإعدام بسبب الحب المحرم، فساد الشرطي الذي يطلب رشوة، تزوير الحقيقة أمام الإعلام، مع تجاهل أسباب المشكلة الحقيقية..إلخ

وهناك إشارات أيضا إلى إهمال الدولةللمنطقة من خلال ما نراه من احتجاج 28 فتاة على عدم قيام الحكومة بنزع الألغام المنتشرة منذ 20 عاما أي منذ الحرب الإيرانية العراقية التي يروح ضحيتها سنويا عدد كبير من الضحايا

ويتميز شريط الصوت في الفيلم بالموسيقى وبالأغاني الكردية البديعة، زمن خلال غناء السائق يغنمن وقت إلى آخر، والرقص البديع في مشهد حفل الزفاف المزيف، مع موسيقى كردية بديعة تصل إلى الذروة في مشهد حفل الزفاف المزيف الذي تشارك فيه مغنية شابة حسناء (وهو أمر "محرم" في إيران وسبق تناول موضوع تحريم غناء النساء في إيران في فيلم بهمن قوبادي البديع "نصف القمر")، ورغم الاستخدام الخاص لكاميرا الفيديو الرقمية بحيث تكتسب اللقطات والمناظر طبيعة خاصة بعيدة عن الطابع التسجيلي الخشن المعتاد بإبراز تلك المشاهد واللقطات التي تقترب من الشعر السينمائي، مع الاهتمام الأساسي بالتكوين وتصوير العلاقة بين الشخصيات والمكان طوال الوقت، إلا أننا نلمح أيضا الكثير من العلامات التي تميز الطابع التسجيلي مثل الاستعانة بالكثير من الأشخاص الحقيقيين من أهل المنطقة الذين لا يمكنك كمشاهد التفرقة بين أدوارهم على الشاشة وأدوارهم أمام الكاميرا، وهناك الكثير من الارتجال في التصوير بفعل طبيعة الموضوع وطبيعة البيئة التي يصورها الفيلم، ولاشك أن التجربة السينمائية بأسرها تشي بأن طاقم الفيلم وكل من شاركوا في العمل، كانوا يشعرون بالمتعة والإثارة وهم يصنعون هذه التجربة البديعة.

بعد 30 فيلما :

هل تستمر عجلة السينما العراقية؟

طاهر علوان

مما لاشك فيه ان السينما في العراق لها جذور وتاريخ وعلاقة وثيقة بجمهورها وخاصة الجمهور البغدادي، هذه الصلة مع السينما قديمة وتعود الى بضعة  سنوات اعقبت عرض اول فيلم سينمائي في العالم علي يدي الأخوين لوميير  في العام  1895 .

فالعرض السينمائي الأول في دار عرض سينمائية عراقية كان في العام 1909 واول دار سينما في العراق بنيت كانت " دار بلوكي " في منطقة الميدان في قلب بغداد في العام 1911 واعقب ذلك انشاء دور العرض السينمائي تباعا وليعرض اول فيلم سينمائي ناطق في العام 1931 ولنا ان نتخيل جمهورا من مختلف الطبقات والشرائح وقد فتح عيونه على شريط السلولويد والشاشة الكبيرة والقصص المدهشة ، جمهور تعرف على السينما حاله حال جمهور محدود في عدد من بلدان العالم ، ولهذا كان من المنطق ان تتحول العلاقة مع السينما الى تقاليد وهواية مستمرة ولهذا تطورت دور العرض الى تخصيص دار او اكثر للعائلات فقط وذلك لأدماج شرائح واسعة بهذا العالم المدهش واما اذا انتقلنا الى الأنتاج السينمائي العراقي فأن اول فيلم عراقي هو فيلم " ابن الشرق " وانتج في العام 1946 بمشاركة مصرية ليصل عدد الأفلام الروائية الطويلة حتى يومنا هذا الى مايقرب من مائة فيلم ونيف في مقابل عدة مئات من الأفلام الوثائقية ولكن مايؤسف له ان ارشيفا يعتد به لم يعد متوفرا لمشاهدة تلك الأفلام المبكرة ماعدا المتوفر منها على اقراص مدمجة بنسخ ليست جيدة من نواحي الصورة والصوت .

ومع استقلال العراق وتعاقب انظمة الحكم من الملكي الى الجمهوري- فالثوري والقومي فأن السينما العراقية ابتليت بما ابتلي به قطاع الثقافة من تهميش لدوره وعدم ايلائه الأهمية المبتغاة ولولا الولادات الصحيحة لأجيال المبدعين والمثقفين في العراق وانتاج تيارات ومدارس ثقافية وفكرية ابتداءا من خمسينيات القرن الماضي ولولا فرض تلك التيارات والكفاءات نفسها على مشهد الحياة اليومية لربما طمرت الأنظمة المشغولة بالصراعات تلك الثقافة في ظل عسكرة المجتمع واسبقية اهدار المال العام على المغامرات واحلام اليقظة الجنونية .

ومنذ الأحتلال وماتبعه من تراجع لقطاع الثقافة بعد العام 2003، وحيث اغلق  السواد الأعظم من دور السينما ، ولم يتم  انشاء اية دار عرض جديدة طيلة عقد كامل من الزمن ، في ظل شبه شلل في عملية الأنتاج السينمائي الا ان اجيال السينمائين ظلت تتواتر في الظهور لتتلقفها الفضائيات غالبا للعمل فيها فضلا عن المهن الأعلامية الأخرى وذلك من خلال مايتخرج من اعداد من معاهد وكليات الفنون الجميلة في بغداد  وباقي محافظات العراق الى اليوم وحيث تخرج المئات منهم حتى الآن .

اما في هذا العام فقد صحا السينمائيون والمثقفون على واقع جديد هو مفاجأة بحق ونقطة تحول ملحوظة ومهمة وذلك بتدخل الدولة بثقل كبير برصد اكثر من 12 مليون دولار لأنتاج افلام سينمائية عراقية زاد عددها على 30 فيلما بعضها انتج فعلا وبعضها الآخر في طور الأنتاج لكنها جميعا ستكون جاهزة للعرض قبل انتهاء العام 2013 ويأتي ذلك ضمن الميزانية التي خصصتها الحكومة احتفاءا باختيار بغداد عاصمة للثقافة العربية 2013

اكثر من ثلاثين فيلما من انتاج وزارة الثقافة ومعها اكثر من 30 فيلما اخرى تنتجها معاهد وكليات الفنون الجميلة هذا العام تعطينا حصيلة مفادها ان العام 2013 هو الأخصب والأكثر انتاجا على الأطلاق في تاريخ السينما العراقية ولهذا ستجد العديد من تلك الأفلام طريقها الى المهرجانات العربية وغيرها التي نتوقع ان تتسابق للفوز بالعرض الأول لأي من هذه الأفلام وهو امر يفرحنا ويفرح المخرجين وفرق العمل لتكمل المسار الذي اخذته الأفلام العراقية القليلة بشكل شبه دائم في اقتناصها اهم الجوائز وهو مالاحظناه مثلا على مر دورات مهرجان اقليمي مثل مهرجان الخليج السينمائي فلم تخل دورة من دورات هذا المهرجان من تتويج افلام عراقية بالعديد من الجوائز حتى تحول الفيلم العراقي الى منافس غير سهل ويحسب له حساب بالرغم من ان الأنتاج يتم في ظروف واوضاع شبه مستحيلة من ناحية التحديات الأمنية وضعف القاعدة الأنتاجية واعتماد الأنتاج على جهود ذاتية مع ارادة صلبة للمخرجين وفرق العمل لأستمرار انتاج الأفلام وهو مايفرحنا حقا كمعنيين بالسينما العراقية ..

سنوات عشر مرت اريد ايقاف كل شيء في هذا البلد من السينما الى الثقافة الى سائر انواع الأبداع الأنساني لكن الحقيقة على الأرض هي غير ذلك فالأنتاج الفيلمي مستمر ولم يتوقف يوما رغم انه قليل وسط تساقط القذائف وانتشار الأنفجارات واتذكر للتاريخ اننا يوم اقمنا الدورة الأولى لمهرجان بغداد السينمائي في العام 2005 بجهودنا الذاتية وبميزانية لاتكاد تذكر وفي اجواء الحرب الطائفية ، في ذلك النهار انفجر في بغداد في يوم الأفتتاح اكثر من 20 سيارة ملغمة ومع ذلك اقمنا المهرجان واكتظت قاعة فندق المنصولر على ضفاف نهر دجلة بجمهور عريض وهانحن وصلنا الى اقامة دورة المهرجان  الخامسة التي ستقام في تشرين الأول اكتوبر المقبل  متزامنا مع احتفال بغداد عاصمة للثقافة العربية وحيث سنحتفي بعرض العديد من الأفلام العراقية الجديدة

وعودا الى مناسبة انتاج وزارة الثقافة العراقية لأكثر من 30 فيلما ومهما كانت وجهات النظر في طريقة الأنتاج وآليات الأختيار وغيرها فأنها وبلا ادنى شك خطوة مهمة في الأتجاه الصحيح وستحسب لوزراة الثقافة هذه الخطوة الجريئة في تسجيل هذا الرقم غير القليل من الأفلام السينمائية فضلا عن استيراد معدات سينمائية  متطورة بعشرات الوف الدولارات لتغطية احتياج فرق العمل الكثيرة ولكن وفي الوقت نفسه فأن الوزارة نفسها عليها ان تتخلص من كون هذا الدعم  موسمي و مخصص لأحتفالات بغداد عاصمة للثقافة العربية وان يتحول ذلك الى تقليد ثقافي وابداعي راسخ على اجندات الوزارة وبرامج انتاجها السنوية واما من جهة السينمائيين فمن حقهم جميعا المطالبة والضغط باتجاه ان يتم تخصيص هذه الميزانية  بشكل سنوي ومنتظم فضلا عن ضرورة العمل على تكافؤ الفرص بمنح سينمائيين اخرين الفرصة لأنتاج افلامهم في العام المقبل ومايليه .

وهنا قائمة بالأفلام العراقية التي انتجت فعلا او التي ستنتج قبل نهاية هذا العام ضمن ميزانية بغداد عاصمة للثقافة العربية 2013:

فيلم "بغداد حلم وردي " – روائي طويل – اخراج فيصل الياسري 

فيم " نجم البقال " – روائي طويل – اخراج عامر علوان

فيلم " المسرات والأوجاع " – روائي طويل – اخراج محمد شكري جميل

فيلم " صمت الراعي " - روائي طويل – اخراج رعد مشتت

فيلم " وداعا نينوى " – روائي طويل – اخراج عمانوئيل تومي 

فيلم "يوم في بغداد " – روائي قصير – اخراج محمد حمادي

فيلم "الحصان " – روائي قصير – اخراج ثائر محمد يوسف 

فيلم " الأستاذ " – روائي قصير – اخراج حمدية عبد الكريم 

فيلم " احلام اليقظة " – روائي قصير – اخراج صلاح كرم

فيلم " حياة شائكة " – روائي قصير – اخراج سالم شدهان 

فيلم "قاع المدينة " – روائي قصير – اخراج جمال عبد جاسم 

فيلم " اغتيال مع وقف التنفيذ " -  روائي قصير – اخراج فاروق القيسي 

فيلم "دمعة رجل " - روائي قصير- اخراج دينا القباني

فيلم " مهرجان البلور " - روائي قصير – اخراج عمار العرادي

فيلم "صبر المفاتيح " - روائي قصير- اخراج سامي قفطان 

فيلم " الواسطي " – وثائقي – اخراج طارق الجبوري

فيلم " السياب " – وثائقي – اخراج جودي الكناني

فيلم " جيشنا " – وثائقي – اخراج سيف الخياط 

فيلم " الجدران العازلة " – وثائقي – اخراج ايمان خضير 

فيلم " سجال الكلمات " – وثائقي – اخراج علي هاشم 

وبضعة افلام اخرى يجري التحضير لأنتاجها تباعا  .............

...ختاما ، سنقتطف شيئا مما قاله المخرج العراقي المخضرم فيصل الياسري تعليقا على هذه التجرية : "من النتائج المؤكدة لهذا التحرك ان الكثير من الشباب خلف الكاميرا سيزدادون خبرة وممارسة ، وسنكسب معدات تصوير حديثة وسنوفر فرص عمل للفنانين داخل الوطن ...

... لكن ما  اثار استغرابي هو ان البعض بدأ ينتقد الافلام العراقية الجديدة - قصيرها وطويلها - ويتوقع فشلها وهي بعدها في مرحلة التصوير او التحضير ......

"المُحتال": قصة الجزائري الذي خدع الأمريكيين

أمستردام – محمد موسى 

الحَوادث الحقيقية التي يعود إليها الفيلم التسجيلي "المُحتال" غريبة وصادمة لدرجة كبيرة، بل إنه سيكون من الصعب بمكان تصديق كثير من تفاصيل الحكاية التي يقدمها العمل التسجيلي لو إنها جاءت ضمن سياق قصة مُتخيلة في فيلم روائي، حتى يبدو إن التفصيل الدقيق في سَرد الوقائع التي يرويها شُخوص الحكاية الحقيقيين في الفيلم التسجيلي، وكأنها تؤدي أحيانا مهمة تذكيرنا بأن ما نراه قد وقع فعلاً. القصة عن الصبي الأمريكي نيكولاس الذي إختفى في مدينته الصغيرة في ولاية تكساس الأمريكية في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي. بعد ثلاث سنوات من إختفاء نيكولاس، والذي لم يتجاوز وقتها الثالثة عشر، ظَهر في أسبانيا شاب في بداية العشرينات من العمر، إدعى بأنه ذلك الصبي المفقود، وإنه إختطف من أمريكيا ليُرغم على العمل في تجارة الجنس في اوربا، وإنه نجح أخيراً في الهرب من خاطفيه، ويوّد الآن العودة لعائلته وبلده.

القصة ستكون عادية، لو لم يكن الشاب الذي إدعى إنه الطفل الأمريكي المفقود، هو بالحقيقة: فريديك بوردين، المولود في فرنسا من زواج مختلط لمهاجر جزائري وإمراة فرنسية، وإنه لا يحمل أبداً ملامح الطفل الأمريكي المفقود، ويتكلم الإنكليزية بلهجة فرنسية ثقيلة. رغم هذه الإختلافات الواضحة، تَصطحب إخت الفتى الأمريكي، والتي حضرت للقاء "آخيها" في أسبانيا، العربي الشاب الى أمريكيا، حتى إن سفارة بلدها في أسبانيا، توافق على تقديم كل المساعدات اللآزمة، بما فيها إصدار جواز سفر خاص له، حتى يُمكنه من السفر الى الولايات المتحدة الأمريكية.

غرابة القصة لا تتوقف عند هذا الحد، فإدعاء الشاب العربي سينطلي على إم الفتى الأمريكي، وعائلته وأصدقائه، وإنه سينام في غرفة نيكولاس، ويتابع الدراسة من النقطة التي توقف عندها نيكولاس، وبدا إنه سيعيش حياته بأكملها متقمصا دور المراهق الأمريكي، قبل أن تبدأ الشكوك تراود الأعلام الأمريكي، والتي ستدفع الشرطة الأمريكية للتدخل، وقادت بالنهاية الى إجراء إختبار الحامض النووي، الذي كشف إن الشاب الجزائري الأصل لا يمت بصله لعائلة نيكولاس الأمريكية، وهو الأمر الذي أدى الى سجن فريديك بوردين عدة أعوام في الولايات المتحدة الأمريكية، وترحيله بعد قضاء فترة السجن لفرنسا، التي يَعيش فيها حالياً.

يَتمكن الفيلم التسجيلي الذي أخرجه البريطاني الشاب بارت لايتون، من الحصول على شهادات أبطال الحكاية، يتصدرهم فريديك بوردين نفسه، وعائلة نيكولاس الأمريكية ( إمه وأخته وبعض معارف العائلة). كما إنه سيعيد تمثيل وقائع الحكاية، من وصول فريديك لمركز إيواء الشباب المُشردين في أسبانيا، والى القبض عليه من قبل الشرطة الأمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية. شهادات شخوص القصة ستكون في مجملها هادئة ومُفصلة، فسنوات طويلة صارت تفصلهم عن أحداثها، ويمكنهم الآن التحدث بدون الغضب والعاطفية التي سادت على تصرفاتهم وقتها.

تُعيّن الشهادات التي قدمها الفيلم على تفسير بعضا من أحداث الحكاية الصعبة التصديق، وبالخصوص تلك التي قدمها فريديك بوردين، وكيف إنه كان يتوقع أن ينكشف أمره بعد أول لقاء مع عائلة نيكولاس. لكن بعضا من المصادفات الغريبة، جعلته يستمر في لعب دور الأمريكي، كما إن العائلة الأمريكية إدعت في شهادتها بأن أكاذيب فريديك بوردين إنطلت عليهم، بما فيها إن العصابة التي أختطفته أجبرته على عدم التحدث بالأنكليزية، وهو السبب الذي جعله ينسى لغته ليتكلم بعدها بهذه اللكنة الثقيلة، كما إن العصابة ذاتها قامت بتغيير لون عينيه، وهكذا تقبلت العائلة "صَمت" و"إنعزال" إبنهم، وأعتبروه بأنه يَعود لما لاقاه من أهوال في سنوات إختطافه. موقف العائلة هذا سيهتز كثيرا للمشاهد، بعد أن يمر الفيلم على الإتهامات التي وجِهت للعائلة وقتها، ومازالت تَحوم فوق رؤوسهم لليوم، والتي تَقترح بأن العائلة ربما تَكون "تتستر" على قتل إبنها الآخر (مات قبل سنوات قليلة بسبب جرعة مخدرات زائدة) لأخيه نيكولاس، وإنها أكتشفت منذ البداية إن الجزائري الشاب كان ينتحل شخصية إبنهم، لكنها شَجعته حتى تَخفت تماماً الإشاعات التي تَخص تورطهم في مقتل " نيكولاس "، بسبب المشاكل التي كان يثيرها مع العائلة، القادمة من طبقة إجتماعية بيضاء فقيرة غائصة بالمتاعب.

شهادة فريديك بوردين ستَحتل على الإهتمام الأكبر في الفيلم. لن يتذاكى الجزائري الذي وصل الى الأربعينات من العمر عندما يسرد قصته مع " نيكولاس " ( والذي شاهد إسمه بالصدفة في مُلصق عن إختفائه كان مُعلق في مأوى للمشردين من الشباب في أسبانيا)، ولن يَسخر من العائلة الأمريكية او ممن صدقوه هناك. هناك في المقابل قصة عائلية خاصة له، سنتعرف على جزء منها في الفيلم، فجده الفرنسي العنصري (حسب وصفه) أمعن في إهانته في طفولته وكان يلقبه ب"العربي القذر"، هذا مع غِيّاب الأب المُستمر. هو لم يعرف الحب أبدا، لذلك سيتيه باحثاً عن  "حياة" آخرى طوال حياته، الأمر الذي سيقوده الى فعل الأحتيال الذي يقترب من الجنون، فهو سَيدعي إنه الأبن المختفي لعشرات العوائل، وسيُسجن في عدة دول. تكشف الشهادة الطويلة لفريديك بوردين الذكاء والجنون في الآن نفسه للرجل، الذي بدأ ضائعاً لكن خطراً، هو يشرح بلغة الانسان المثقف الرحلة التي قطعها في أمريكا، لكن الفيلم يُوفر مشاهد إرشيفية قاتمة له، تقترح وضعه النفسي المُتردي حينها، كالمشهد المرعب له وهو يرقص في السجن الأمريكي على موسيقى إحدى إغنيات مايكل جاسكون الشهيرة.

الفيلم يَجمع بين المقابلات، المواد الأرشيفية القليلة من زمن الأحداث الفعلية للقصة، ومشاهد أعيد تمثيلها من مسّار الحكاية الفعلي. والأخيرة، وعلى خلاف الحضور لمثيلاتها في أفلام تسجيلية عديدة، بَدّت أكثر إنسجاما مع النفّس التوثيقي للقصة، وليست ناشزة عنها، ربما بسبب التنفيذ المعتم لها، والذي إقترب من الأجواء الكابوسية، وخِلوها من الحوارات، هي إستعادت بعض مفاصل الحكاية الأساسية، كاللقاء الأول لإخت نيكولاس مع فريديك بوردين او إنتظار الأخير في غرف البوليس في أسبانيا وتكساس. كما إن الفيلم لا يُطلق الأحكام او يوجه الإتهامات بشأن الغياب المستمر لليوم لنيكولاس، وينتهي لنفس الخلاصات التي وصلت اليها الشرطة الأمريكية، بأنها لا تعرف حتى الآن ماذا حّل بالمراهق الأمريكي.

رغم إن الفيلم لم يكن من الأفلام المرشحة لجائزة الأوسكار الأخيرة لأفضل فيلم تسجيلي، إلا إن الاهتمام الذي ناله في عروضه العالمية ( مازال يعرض بنجاح في صالات سينمائية مختارة في هولندا وبضعة دول اوربية)، تعدى معظم الأفلام التسجيلية التي عرضت العام الماضي. كما كانت حصته من العروض والجوائز في المهرجانات السينمائية كبيرة، إذ عُرض في مهرجان صنداس السينمائي الأمريكي، وفاز مُخرجه بارت لايتون بجائزة "البافتا" البريطانية المرموقة، في فئة أفضل مخرج بريطاني واعّد.

"الدم الحر" 50 دقيقة تسجيلية عن انتهاكات قوات بشار

المخرج : جهات الانتاج خذلتنا واضطررنا لانتاجه بالجهود الذاتية

القاهرة – محمد حسن

على مدار 50 دقيقة تسجيلية – هي مدة فيلم "الدم الحر" – حاول المخرج المصري الزمخشري عبد الله تصوير معاناة الشعب السوري والانتهاكات التي يتعرض لها يوميا على يد الميليشيات المنظمة التابعة لبشار الاسد .

يتبنى الزمخشري وجهة نظر احادية , فالفيلم كله ينتصر للجيش الحر , لكنه في الوقت نفسه موضوعيا في نقله للاحداث , فالصورة لا تكذب , اختار الزمخشري عائلة ينتمى ابناءها للجيش الحر بعد انشقاقهم عن الجيش النظامي , هذه العائلة تعيش الان في مدينة الشيخ زايد بمصر هربا من قوات بشار الاسد .

"الجزيرة الوثائقية" قابلت المخرج الزمخشري عبد الله لمناقشته امورا عديدة بفيلم "الدم الحر" , في البداية قال الزمخشري :"هذه سادس تجربة سينمائية لي بعد 5 تجارب سينمائية قصيرة بين التسجيلي والروائي , والصدمة في تلك التجربة بالتحديد ان احدا لم يتحمس لانتاجها , وظل الانتاج عائقا كبيرا يحول دون تنفيذ الفيلم الى ان توصلت انا ومعي السوري علاء سنانة - صاحب فكرة الفيلم – في انتاجه بجهودنا الذاتية دون انتظار جهة انتاج , وبالفعل بدأنا وانضم الينا عدد من المؤمنين بالفكرة وهم محمد ماهر ومحمد مستجاب والسوري حسان الشامي , كما ساعدتنا شبكة "شرارة آزار" الاخبارية ووفرت لنا مقاطع فيديو كثيرة كنا في احتياج لها لتكملة الفيلم .

وعن فيلمه يقول :"الفيلم يرصد معاناة الشعب السوري من خلال قصص وحكايات تحكيها عائلة هاربة من سوريا وتعيش بمصر الان , ويتخلل هذا الحكي مشاهد للعنف الذي تمارسه القوات النظامية ضد الشعب السوري الذي بدأ ثورته اعزلا ثم اضطر لحمل السلاح للدفاع عن نفسه وماله وعرضه ووطنه ".

وعن دوافع انتاجه واخراجه لهذا الفيلم قال الزمخشري :"كنت اشاهد تدليسا اعلاميا لتشويه الثورة السورية , ورأيت كيف استغلت قوات نظام الاسد احداث ليبيا في لتشويه ثورة سوريا وتصويرها باعتبارها انتفاضة لمجموعات ارهابية مسلحة من المعارضين السوريين , لذا قررت عمل هذا الفيلم لابراز الحقائق, وعقب انتهاءنا من الفيلم وصلتنا – كفريق عمل الفيلم - تهديدات , ونحن لم نشعر بالامان حتى الان , سواء السوريين منا او المصريين المشاركين بهذا الفيلم .

ويضيف الزمخشري : اردت من هذا الفيلم توجيه رسالة الى دول الخليج وهي :"امنكم في خطر , ودعمكم للثورة السورية هو ضرورة لحفظ امن بلادكم" , موضحا : للامانة وللتاريخ يجب على كل الدول العربية دعم الثورة السورية وعدم ترك الشعب السوري وحيدا في مواجهة نظام مستبد يعذب الاطفال ويقتلهم ويستبيح الفتيات والنساء ويفعل بشعبه اكثر مما يفعل الاحتلال الاجنبي في اي دولة محتلة .

وعن سر اختياره لنقابة الاطباء لعرض الفيلم بها قال الزمخشري : كنت اريد عرضه بنقابة الصحفيين , لكنني لم استطع بسبب انشغالهم بانتخابات النقابة , فعرضت الامر على سامح عاشور نقيب المحامين لكنه لم يهتم فذهبت لنقابة الاطباء وعرضته هناك , كما اخذت موافقة شفهية من ثوار ميدان التحرير لعرض الفيلم بالميدان وهذا يعني ان الفيلم لا يمكن تصنيفه باعتباره مع الاخوان المسلمين بمصر او سوريا , انا صورته دون اي توجهات وانا لست عضوا باي جماعة دينية او سياسية , انا فقط مخرج سينمائي سبق ان قدمت افلاما رومانسية مثل "من اجل عينيكي" الذي مثل مصر في مهرجان دولي باليونان , ولي فيلم بعنوان "فرشة وألوان" بطولة راندا البحيري وفيلم تسجيلي عن الثورة بعنوان "ايد واحدة" .

اختتم الزمخشري حواره قائلا :"لو تم عرض الفيلم فضائيا سوف نخصص ايراد عرضه لصالح لجنة اغاثة الشعب السوري , فنحن مؤمنون بالقضية ولا نريد ربحا من وراء هذا المشروع , نريد فقط ان يشاهده اكبر عدد ممكن من المشاهدين حتى تصل رسالته لكل الناس ويعرف الجميع حجم الانتهاكات التي ترتكبها قوات بشار الاسد في حق الشعب السوري , ولا انسى فريق الفيلم الذي تحمل المصاعب من اجل ان يخرج هذا العمل الى النور وهم الناشط السياسي والمصور السوري علاء شنانه الذي قدم الفكرة وكتب السيناريو الكاتب محمد مستجاب ويضم  فريق عمل " الدم الحر" كل من : مدير التصوير محمد ماهر والمونتير السوري حسان الشامي , وموسيقى الفنان السوري المعروف باسل خليل.

الجزيرة الوثائقية في

04/04/2013

 

نفى أن يكون زاهدًا في التمثيل ويؤكّد انشغاله بعمل النقابة

أشرف عبد الغفور: حرية الفنّان المصري مكفولة تحت أي حكم دكتاتوري

عبدالجبار العتابي 

في حوار مع "إيلاف" تحدّث الفنان اشرف عبد الغفور عن الهموم التي تثقل كاهله بصفته نقيب المهن التمثيليّة في ظل الأوضاع التي تعيشها مصر، وأشار إلى أن نجومية ابنته ريهام سببها جهدها وتعبها فقط.

بغدادأعرب الفنان المصري أشرف عبد الغفور أن الاعتداءات او ما يتعرض له الفنانون المصريون من قبل بعض رجال الدين لا يمثل ظاهرة، موضحا ان الاخوان المسلمين لم يحكموا مصر بعد لكنهم ما زالوا يحاولون، مؤكدًا ان حرية الفنان المصري مكفولة تحت اي حكم دكتاتوري لان الفنان يملك من الادوات والوسائل ما يمكنه ان يعبر بها عن نفسه تحت اي ضغوط.

وقال أشرف الذي زار بغداد أخيرًا وألتقته "إيلاف" ان الفن لكي ينمو ويزدهر لابد من جو آمن ومستقرّ ليستطيع المبدع ان يأخذ حقه في التعبير والإبداع.

·        كيف وجدت بغداد بصراحة ؟

سأجيب بطريقة معنوية، فأنا لم أر بغداد سابقًا وهذه زيارتي الاولى، لقد سبق لي أن زرت العراق منذ سنوات طويلة وكان ذلك عام 1982 ابان الحرب، وكنت أصوّر مسلسلاً في الموصل، ويمكن أنني مررت على بغداد وبت ليلة في فندق الرشيد، وفي هذه المرة منذ أن قدمت من الشارقة بعدما شاركت في مهرجان ايام الشارقة المسرحية، قطعته لألبي هذه الدعوة الكريمة التي هي واجب قومي ووطني وعربي ولابد من كل القوى ان تساند بغداد في هذه الاحتفالية لتثبت هذه البلاد ذات الحضارة العريقة انها لن تندثر، ومهما حدث من فترات تنتاب بلداننا العربية سنعود الى الظهور وسنطفو على السطح وسنثبت للعالم بأننا بلاد ذات حضارة عريقة لا يمكن محوها مهما فعل العالم من حولنا.

·        ما هي الفكرة لديك عن الفن في العراق ؟

منذ سنين طويلة هناك قصور شديد جدا في التبادل الثقافي والفني والاعلامي بين المنطقة العربية، لا يكفي ان نشاهد اعمال بعضنا البعض من خلال الفضائيات، وإنما المفروض ان يحدث تراشق وتبادل فني وثقافي بين القوة الناعمة في المنطقة العربية اكبر بكثير مما هو حادث ، لذلك سؤالك الذي طرحته اجاباته غير واضحة لعدم وجود متابعة مستمرة لهذا التطور، ولكن من الواضح ان في كل المنطقة العربية وخصوصًا في الدول التي حصل فيها تغيير جذري مثل العراق ومصر وسورية واليمن وتونس، هذه المتغيرات ما زالت نتائجها لم تتضح بعد ونحن جميعًا في مراحل انتقالية، والفن لكي ينمو ويزدهر لابد من جو آمن ومستقر من اجل ان يستطيع المبدع ان يأخذ حقه في التعبير والابداع، لذلك من الحرام ان نضبط المقاييس عندنا الآن، لنصبر قليلاً حتى تهدأ الامور في بلدنا وتستقر ويستطيع الفن ان يكون فنًا معبرًا حقيقة عن هموم ومشاكل وطنه التي هي الآن غير ظاهرة ومختلطة وغير واضحة المعالم في كثير من بلداننا.

·        هل أثّرت الثورة المصرية سلبًا أم إيجابًا على الفن المصري عمومًا؟

لن نستطيع ان نحكم الآن واإا سنظلم الثورة ونظلم الفن، لا يوجد مقياس حاليًا الى ان تستقر الامور.

·        هل اصبحت هنالك صعوبات في انتاج الاعمال المصرية في ظل حكم الاخوان المسلمين ؟

بالتأكيد ونحن الى الان لا يمكن ان ندخل الاخوان في الحكاية، لان المسألة لا تتعلق بالاخوان، فهم ما زالوا لم يحكموا بعد، بل يحاولون ان يحكموا ولكن لا يعرفون كيف، الامور في مصر غير مستقرة واكبر الشرائح المتضررة مما يحدث الآن هما الفن والسياحة، لكن قريبا ان شاء الله ستهدأ الامور ويعود الحال الى الافضل بأذن الله .

·        هل تعتقد ان الفن في مصر استطاع ان يمتلك حريته كاملة الآن ؟

حرية الفنان مكفولة تحت اي حكم دكتاتوري، الفنان يملك من الادوات والوسائل ما يمكنه ان يعبر بها عن نفسه تحت اي ضغوط وبأي الوسائل، والفن حتى في الخمسين سنة الماضية بكل مآخذنا عليها، كان دائما يناضل ويقول كلمته مهما كانت النتائج.

·        تعرض بعض رجال الدين للفنانين، كيف تقرأ هذا؟

هؤلاء بعض الافراد، ولا يمكن ان نقول ان هذا قانون او تيار او ظاهرة، فهذا لم يحدث حتى الآن، كل الذي حصل هو من بعض السلفيين الذين قالوا بعض الآراء التي اغضبت بعض الفنانين ولم يتحول الى ظاهرة واضحة المعالم.

·        ما الذي منحته للفنانة ريهام لتكون فنانة بهذا الشكل الجميل ؟

أنا لم امنحها اي شيء غير أنني أنجبتها فقط، والباقي عليها وعلى مجهودها وعلى موهبتها .

·        ما جديدك من الاعمال الفنية ؟

أنا كنقيب للمهن التمثيلية مثقل بهموم كثيرة جدًا وخصوصًا في ظل هذه المرحلة الشائكة والحرجة التي نمر بها، فأنا اعطي كل الوقت تقريبًا الى العمل النقابي.

·        هل هذا يعني ان لا عمل لديك في رمضان المقبل؟

رمضان اصبح على الأبواب وانا متفرغ للعمل النقابي .

·        هل أصبحت زاهدًا في التمثيل ؟

لم اقل هذا والدورة النقابية ستنتهي عاجلاً أم آجلاً وأعود للتمثيل، وعندما يأتي عمل جيد وخصوصًا في المسرح سأعمله، انا اتكلم عن الدراما التلفزيونية بالتحديد بأن لا أعمال عندي فيها.

عودة الى كلاسيك السينما (22)

"فان كوخ" الرغبة في الحياة

حميد مشهداني 

 الى الفنان "ستار كاووش"

برشلونةحين شاهدت الفيلم طفلا كنت، لم أفهم شيئا، اعتبرت ذالك حينها ضياع وقت، كنت مدعوا الى السينما مع عائلة من الجيران، حينها كنت احب بصمت ابنتهم، قبلت الدعوة بفرح شديد و أمالي خابت بعد قليل في دار سينما غرناطة، لم يكن ذالك من أفلامي المفضلة، لا طرزان، و لا "كاوبوي" و لا مدافع، رغم ذالك كنت سعيدا بسحر طقوس دور السينما انذاك، سينمات بغداد الانيقة، أتذكر في الستينات كان هناك أربعة أسعار تختلف في قربها او بعدها عن الشاشة. و الاغلى كان "اللوج" العائلي. تلك الليلة كنت في "لوج"، اتذكر كل شئ، المقاعد. الجداريات الجميلة، دكان الفلافل الفلسطيني في مدخل الصالة، ومن الفيلم لا أتذكر غير روعة الوانه. و أستغراب من اسم الفنان،،، "كوخ." حينها ربطت أسمه بـ"اكواخ" كانت تبدو على الشاشة، و بجدارة استطعت أخفاء تناقض مشاعري في الطريق الى الحي بينما كان يسألني عم الصديقة عن أنطباعي عن الفيلم.

 سينمائيا يعيد المخرج الرائع "فنسنت مينيللي" 1903-1986 تركيب السيرة الذاتية لاحد اكبر رسامي الفن الحديث "فنسنت فان كوخ" 1853-1890، سيلاحظ القارئ التشابه في الاسماء والوجوه خلال المقال و نحن في البناء السينمائي لهذه الشخصية القلقة دائما، و المعذبة دائما، وباستمرار في بحثها الفلسفي في متاعب وجودية و روحية لم يتمكن الفنان من حلها ولو جزئيا. متاهة "كوخ"كانت بالغة التعقيد من كل الجوانب، فبعد اخفاقه في تجربة خدمة الانسان في بعثة تبشيرية، و اخفاقه المريع في اول علاقة عاطفية جعل من اهتزاز افكاره و شكه في قيم الاشياء قاده الى النشاط الفني الذي سيخوض غماره بجدارة رغم فشله في بيع لوحة واحدة في حياته، "ربما واحدة".

رؤيا الفنان "كوخ"الفطري في البداية، و ثقافته ساعدت دخوله عالم الفن المعقد، خصوصا في تلك الفترة التي كانت تجرب انفعالات، و تحولات جذرية على كل اصعدة الثقافة و الفنون، و نلاحظ هذا في رسائله المحيرة و المتعددة الى أخيه "ثيو"، و هو كان في غمارها لان ثقافة ذالك الشاب كانت تفوق كل معاصريه من الفنانين، لكن صراعه الداخلي و عذاب روحه، و لا انتمائيته سد كل السبل أمامه، أو هو سدها متعمدا مقتنعا بعدم جدوى وجوده، و يحسم الامر في

انتحاره رغم ان زاوية في قلبه المعقد كانت تنازع الحياة، هنا نرى معنى، عنوان الفيلم "الرغبة في الحياة" المأخوذ عن الرواية بنفس العنوان التي كتبها "أرفنغ ستون" 1903-1989 في عام 1934، و منذ نشرها تنازع حقوقها السينمائية العديد من الشركات و المنتجين، كانت "وارنر"في المقدمة.

في عام 1956 تنتجه شركة "مترو"بعد تعاقدها مع "مينيللي"، أسمه الاول "فنسنت" الذي سمي سيدا للون السينمائي في منتصف القرن الماضي، وهذا يجند كل عبقريته في صنع فيلما مشرقا في الوانه، وبالذات اللون الانطباعي في كل بهائه، و يعالج بذكاء في العديد من اللقطات صنعة العمل الفني التشكيلي و حيرة المبدع في أمره في لحظات الخلق و جدوى هذا اللون و كثافته.و حساسية الضؤ، ثم علاقة الفنان بمحيطه، و في الكثير من الاحيان تقترب الكاميرا لتسجيل خطوات الابداع وعكس الانفعال من الغضب الى الاحباط.

و يبدأ الفيلم مع الشاب "فان كوخ" في كل تألقه و شبابه متحمسا لقضايا فقراء الارض و يتطوع للخدمة في مناجم الفحم في "بلجيكا"و سنرى على طول الشريط كيف يتمكن المخرج من تفكيك شخصية الفنان ليختصرها في النهاية الى لا شئ، الى العدم.

يختار "مينيللي"أثنين من عمالقة الاداء، و لا أدري اذا كان الاختيار بسبب الشبه مع أبطال القصة التأريخية، يختار "كيرك دوغلاس"1916.الذي فعلا ترى فيه شبيها ب"كوخ بطلا للفيلم، و يختار كممثل ثانوي "أنتوني كوين"1915 -2001 الذي أعتاد الاداء الجيد في أدوار صعبة، والذي لم ينسى دروس "ايليا كازان" أثناء العمل في فيلم "فيفا زاباتا" أمام عملاق اخر، هذا كان "مارلون براندو"حيث كان المخرج يزرع الخلاف بينهما متعمدا في قصد أشعال روح المنافسة في الاداء بين الاثنين، والغريب ان "كوين" كان يشبه "بول غوغان" الذي يلعب دوره في الفيلم والذي فاز فيه على جائزة الاوسكار الوحيدة التي حصدها الفيلم بعد 4 ترشيحات.

 قصة الفيلم تتحدث سفر الالم الذي عاناه "فان كوخ" في تسلسل مأساوي، و فشل متواصل في كل جوانب حياته الاجتماعية والدينية والفنية، يفشل في اول محاولاته مساعدة عمال المناجم، ويثور على ترف و بيروقراطية الدين الذي تطوع التبشير به، ثم يفشل عاطفيا في قصة حبه الوحيدة مع أحدى قريباته، و لو لا مساعدة أخيه "ثيو فان كوخ" الذي سيبقى ملاك رحمته حتى النهاية، كنا سنحرم من هذا التراث العظيم الذي تركه الفنان، و الجدل المتواصل خلال القرن الاخير حول أهميته كأحد أهم رموز الثقافة العالمية على الاطلاق. هذا الدور قام به الممثل "جيمس دونالد" 1917-1993، دور ثانوي، ولكنه يغطي كل الشريط. "ثيو" كان واعيا مأساة أخيه و لا يتورع في مساعدة أخيه في كل الشروط.ثم يساعد أصدقائه ايضا، وبعد تجارب فنية عديدة "فاشلة؟؟" يسافر الى "أرلس" جنوب فرنسا على كلفة أخيه بعد فشل علاقة الحب الثانية مع أحدى المومسات او من نساء الهوى، يعيش سعيدا في البدء و يرسم أجمل لوحاته من الطبيعة و من حياة البسطاء، و المزارع و الفلاحين و أكواخهم المشرقة بالضوء وكثافة الالوان، و شخصيات المدينة، و باراتها و شوارعها الليلية و منزله الاصفر، و يفرح بخبر وصول "غوغان" للعيش معه "على حساب الاخ ثيو، بالطبع" لانه كان يعتقد بأفكار "غوغان" الذي يشاركه في فطرية الفن، ولكن هذا الاخير لم يكن رحيما مع صديقه الوفي فهو كان عنيفا و متهورا في طبعه، و خلال العيش المشترك لم يطيقه، لا شخصيا و لا فنيا، والجدال العنيف كان طبقهم اليومي و كان غوغان يعنف "كوخ" في بذخه الوانه، ثم يعنفه أصراره الخروج لرسم الطبيعة في يوم ريح قاسي، هذا الاحباط الجديد يسرع في تدهور صحة الفنان العقلية، و هذا يقوده في ليلة مجنونة قطع أذنه مما عرضه الى استهزاء شعبي و سخرية لا تطاق، و الفنان الملعون "غوغان"يترك صديقه لحظه و يهرب مرة اخرى الى البحار الاستوائية.

يتواصل الفيلم بعد ذالك في مصحات عقلية بين فرنسا وهولندا، حيث ينتهي على يد الدكتور "غاشيت" بهذا الدور يقوم الممثل "ايفيريت سلوان" 1909-1965، و هذا يظهر في العديد من لوحات الفنان، و هذا الطبيب كان معروفا بأعتنائه العديد من فناني تلك المرحلة، و كان هاويا و جامعا لمعظم الرسامين الانطباعيين.

موسيقى الفيلم كتبها "مكلوس روشاس" 1907-1995 الهنغاري الاصل، ولكن باعتقادي ان العنصر الحاسم في نجاح الفيلم كان المصور الرائع "فريدي يونغ" 1902-1998 الذي يصور فيما بعد اجمل افلام المخرج البريطاني "ديفيد لين"، مثل "لورنس العرب" و "الدكتور جيفاكو" و "أبنة رايان" و يفوز جائزتين اوسكار على الفلمين الاولين

 في الاخير، أعتقد ان الترشيح لجوائز الاوسكار هو نوعا من الحظ.و الاكثر حظا من يفوز بها، لا أشك أبدا أستحقاق "كيرك دوغلاس" هذه الجائزة، فأدائه كان في القمة، و لكن أداء "انتوني كوين" كان في قمة القمة اذا سمح لي التعبير، فيلم لا أترك مشاهدته كلما يعرض في القنوات التيلفزيونية، ولكن جماله يزيد في شاشات بعض دور السينما التي بين فترة و اخرى تعيد عرض بعض الافلام الكلاسيكية الخالدة.

إيلاف في

04/04/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)