حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الفكاهي «مستر بين» لـ «الحياة»:

الكوميديا دراما عنيفة

باريس - نبيل مسعد

 

وجدت الحلقات التلفزيونية البريطانية «مستر بين» رواجاً عالمياً ضخماً بفضل براعة بطلها الممثل روان أتكينسون في إضحاك المتفرجين إنطلاقاً من مواقف بسيطة تخص الحياة اليومية يتصرف فيها بأنانية بحتة وإحتقار للغير بكوميديا صامتة أي من دون أن يتفوه بكلمة واحدة ومعبراً بوجهه فقط عما يريد ايصاله إلى من يواجهه وبالتالي إلى المشاهدين أمام الشاشة الصغيرة.

والحلقات مستمدة أساساً من فيلم سينمائي ناجح أدى بطولته أتكينسون نفسه مثلما فعل في الجزء الثاني منه الذي يحمل عنوان «عطلة مستر بين»، الأمر الذي أدى بالفنان الفكاهي إلى تخيل سيناريو جديد للسينما يسخر من جيمس بوند ويصور مغامرات عميل سري أبله ينجح في مهامه بفضل الحظ الذي يحالفه في كل المواقف، ويتميز بكبرياء يدفعه إلى التباهي بفاعليته المهنية ويضحك على زملائه الذين هم في الواقع أفضل منه بكثير. والعميل المزعوم اسمه «جوني إنغليش» وظهر في فيلمين متتاليين عرفا الرواج نفسه لـ «مستر بين» في صالات السينما. وقد حضر أتكينسون، الذي منحته ملكة إنكلترا لقب سير، إلى باريس للترويج لصدور كل حلقات «مستر بين» التلفزيونية إضافة إلى الأفلام السينمائية التي مثل فيها، في مجموعة من أسطوانات DVD، فألتقته «الحياة» وحاورته.

·        لماذا تصدر كل أعمالك دفعة واحدة الآن في أسطوانات DVD؟

- لأن الشركة المنتجة لهذه الأعمال لاحظت مدى إقبال المشاهدين عليها كلما أعيد عرضها في التلفزيون، وهي مسألة إحصاءات، وبالتالي فكرت في أن صدور المجموعة الكاملة لأفلامي وللحلقات التلفزيونية التي تخص «مستر بين» في أسطوانات DVD وفي إطار علبة أنيقة هو شيء جذاب في حد ذاته قد يهوى الجمهور أن يقتنيه أو حتى يهديه.

·        يعني ذلك أنها عملية تجارية بحتة؟

-أنها مثل ظهور أي فيلم في الأسواق يحمل الصفة التجارية من ناحية ولكن أيضاً الفنية من جانب أخر.

·     ظهرت في الحفل الإفتتاحي لدورة الألعاب الأولمبية في لندن في صيف 2012 متنكراً في شخصية «مستر بين»، فما الذي برر هذا الحدث في إطار مناسبة رياضية بحتة؟

- لقد صارت شخصية «مستر بين» ملتصقة بالهوية البريطانية، وبما أن إنكلترا استقبلت الدورة اعتبرت الهيئة المنظمة للألعاب أن إدخال فقرة فكاهية في السهرة الإفتتاحية يحييها «مستر بين» بالتحديد، هو شيء إيجابي وترفيهي يخاطب الجماهير بفضل شعبية هذه الشخصية في العالم كله تقريباً.

·        تحمل لقب «سير»، فما شعورك تجاه هذا التكريم الملكي؟

- أعتقد أن الملكة اليزابيث الثانية تهوى الكوميديا. وهي على رغم مظهرها الجدي تضحك أمام الأفلام الساخرة، وإلا لماذا تكرمني أنا بالتحديد؟ أنني فخور جداً بهذا التقدير وأعتز به إلى أقصى حد.

·     أنت مثلت دور العميل السري جوني إنغليش الذي يسخر من أفلام الجاسوسية والمغامرات، فهل أنت معجب بأفلام جيمس بوند أساساً؟

- نعم، فقد شاهدت كل أفلام جيمس بوند، من أيام شون كونري وروجر مور إلى دانيال كريغ الذي يؤدي شخصية بوند حالياً، مروراً بتيموتي دالتون وبيرس بروزنان وحتى جورج لازنبي الذي لا يعرفه أحد كونه لعب الدور مرة واحدة في فيلم عنوانه «في الخدمة السرية لصاحبة الجلالة»، ثم تخلصت منه الشركة المنتجة على الفور لأنها وجدته لا يلائم ذوق الجماهير. وأعترف لك بأنني أضحك أثناء مشاهدتي هذه الأفلام خصوصاً في المشاهد الخطرة الكاتمة للأنفاس والتي يرتفع فيها ضغط المتفرجين.

·        ما الذي يضحكك؟

- قلة الواقعية طبعاً. وأيضاً جدية بوند في كل المواقف وعندما يتفوه بعبارات من المفروض أن تخيف الأشرار بينما تتميز في الحقيقة بغباء من الدرجة الأولى. أرى أن أفلام جيمس بوند الحقيقية كوميدية أكثر من أفلامي أنا التي تسخر منها.

·        لكنك هل تضحك فعلاً وأنت تشاهدها في السينما؟

- بصراحة نعم. وأعتقد بأن الناس من حولي يعتقدونني مجنوناً حقيقياً.

·        هل يتعرفون عليك؟

- نعم في أكثر الأحيان، ما يزيد من حدة غرابة الموقف.

·        لماذا أطلقت على جيمس بوند المزيف الذي تؤدي دوره إسم جوني إنغليش؟

-لأنه مثل جيمس بوند يعمل لحساب المخابرات البريطانية، فما أفضل بالتالي من إسم «إنغليش» (إنكليزي) بالنسبة إليه.

·        كيف ولدت أصلاً فكرة «مستر بين»، وهل أنها فكرتك أم أنها عرضت عليك؟

- أنها فكرتي الشخصية وهي ولدت نتيجة حبي الشديد لشارلي شابلن وماك سينيت وباستر كيتون وهارولد لويد والفرنسي جاك تاتي الذين أقدر فنهم الكوميدي الساخر المبني على الحركة المجردة من الكلام وعلى المواقف التي تصور عيوب النفس البشرية. لقد اخترعت شخصية «بين» كملخص لكل ما قدمه هؤلاء الذين ذكرتهم وكتكريم لهم ولعبقريتهم. 

ستار من دخان

·        هل توقعت النجاح العالمي الذي عرفته الحلقات؟

- أديت الدور في السينما أساساً. وعندما لاحظت مدى رواج الفيلم فكرت في حلقات تلفزيونية تروي مغامرات هذا الرجل في حياته اليومية وفي شكل دوري. أنا فعلاً توقعت نجاح المشروع لكن ليس إلى هذا الحد، فيبدو أن الجمهور كان في حال من التعطش لهذا اللون الفكاهي الذي يسخر من عيوبنا كبشر. وهل تعلم أن ما يضحكنا أكثر هو مشاهدة أنفسنا في السينما أو التلفزيون أو المسرح؟ أننا نحب رؤية شخصيات خيالية نتعرف من خلال تصرفاتها على عيوبنا وعيوب جيراننا ومحيطنا العائلي والأصدقاء الذين نختلط بهم. فالفن في هذه الحال يصبح مرآة تعكس صورتنا الحية، والكوميديا ليست أكثر من ستار من الدخان نوهم أنفسنا من خلالها أن الحياة تمثيلية فكاهية بينما هي في الواقع دراما عنيفة.

·        أنت فيلسوف؟

- ربما، لكن فلسفتي في هذه الحال رخيصة.

·     ظهرت في أفلام عدة قبل حلقات «مستر بين» فهل تفكر في إمكانية معاودة التمثيل في أعمال ليست من تأليفك وربما ليست مبنية على شخصيتك الفكاهية وحدها بل على قصة وحبكة وشخصيات أخرى؟

- إذا كان السيناريو على المستوى المطلوب من الجودة فأنني لا أمانع في العمل في أفلام لا تعتمد علي وحدي، مثلما صار فعلاً في الماضي، فقد شاركت مثلاً في الفيلم الناجح «أربع زيجات وجناز» إلى جوار أندي ماكدويل وهيو غرانت، وأفلام أخرى جيدة. لكن الذي يحدث الآن هو قلة تسلمي عروضاً من هذا النوع وذلك لمجرد أن نجاحي الكبير المبني على الكوميديا شبه الفردية التي أمارسها تخيف الشركات المنتجة وتبعدها عني لاقتناعها بأنني سأرفض أي عرض يخرج عن الإطار المألوف الذي صرت أعمل فيه. أنا واقع في فخ، ولا بد لي، إذا أردت أن أخرج منه، من التخطيط مع وكيل أعمالي لنشر خبر رغبتي في توسيع نطاق نشاطي الفني.

في غاية الصعوبة

·        ماذا عن الأدوار غير الفكاهية، فهل تشعر بأنك مستعد لها؟

- أنا متخرج من مدرسة الدراما في لندن. والسؤال لا يدور حول مدى إستعدادي لأداء الأدوار الجادة بقدر ما يتعلق بإستعداد الجمهور لتقبل مشاهدتي في أي شيء غير الكوميديا. أن التخصص أيضاً فخ وأنا رميت نفسي فيه بمحض إرادتي، وأعتقد بأن التخلص منه الآن في غاية الصعوبة.

·        يقال عن نجوم الكوميديا أنهم لا يتمتعون بأدنى روح فكاهية في حياتهم اليومية. فماذا عنك؟

- أنا فعلاً لا أضحك عائلتي ولا أولادي بالمرة. ومن ناحية ثانية لا أتخيل الشخص الذي قضى يوم عمله في ممارسة الحركات البهلوانية، يعود إلى منزله ويستمر في فعلها أمام محيطه العائلي. ولا يعني الأمر أن الفنان الكوميدي مجرد من أدنى روح فكاهية، بل أنه يظهر هذه الروح في الحياة الحقيقية بطريقة مختلفة عما هي عليه أمام الكاميرا أو فوق المسرح.

·        هل يقدر الفريق المحيط بك، في أثناء تصوير أفلامك، على الإمتناع عن الضحك أمام حركاتك؟

- نعم لأن الفريق مكون من مهنيين ينشغل كل واحد منهم بعمله أكثر مما يركز إهتمامه على مضمون حركاتي. ويحدث أننا نضحك كلنا معاً من لقطة محددة وبالتالي نعيد تصويرها، لكن ذلك من الأشياء النادرة.

·        هل تضحك أنت أمام أفلامك حينما تشاهدها؟

- أنا لا أشاهدها.

·        أنت تحضر العروض الإفتتاحية لها، فكيف لا تشاهدها على الأقل في هذه المناسبات؟

- أدخل إلى القاعة وأجلس ثم أحيي الحضور، وبعد أن تنطفئ الأضواء أغادر المكان لأعود إليه مرة ثانية قبل اختتام الفيلم بدقائق قليلة. أنها مسألة بسيطة، فأنا إذا رأيت نفسي فوق الشاشة بالحجم المكبر لن أقدر على مواجهة الكاميرا مرة ثانية لأنني سأكون قد سجلت كل عيوبي في عقلي وبالتالي سأشعر بحرج كبير قد يشل حركتي كلياً. لست الممثل الوحيد في هذه الحالة، وصدقني إذا قلت لك أن القائمة طويلة وتضم أكبر أسماء هوليوود.

الحياة اللندنية في

01/03/2013

 

بين مراكش وباريس مع دانيال وريبيكا والصغار

إبراهيم العريس 

كان ذلك أواخر العام 2005 قبل اسبوعين من اعياد الميلاد، وبعد ثلاث سنوات من ذلك الظهور الصاخب المدهش له في دور بيل الجزار في تحفة مارتن سكورسيزي «عصابات نيويورك»... اما المكان فالفضاء بين مراكش في الجنوب المغربي والعاصمة الفرنسية، على متن الطائرة التي كانت تقطع مسافة الثلاث ساعات من دون اضطرابات. كنا في الدرجة الاقتصادية مع عدد قليل من الركاب، فالموسم لم يكن سياحياً، أما معظم الركاب فسينمائيون فرنسيون من الذين كانوا – مثلنا - عائدين لتوّهم من المشاركة في مهرجان مراكش السينمائي الذي كان اختتم اعماله الليلة السابقة. كانت مجرد ثرثرة حول الأفلام والمهرجان لا يقطعها ما هو استثنائي، ولكن فجأة اطلت قامة ممشوقة من خلف الستار الفاصل بين درجتنا والدرجة الأولى. صاحب القامة نظر مبتسماً كما لو انه يحيّي الركاب ثم سأل المضيفة شيئاً. ونحن لم نكن في حاجة الى تفكير طويل قبل ان ندرك ان صاحب القامة والابتسامة والتحية ليس غير الممثل الذي كان حديث المهرجان من دون ان يراه احد. كنا جميعاً نعرف ان دانيال داي لويس بين ضيوف المهرجان المراكشي، لكنه كان نادر الظهور طوال ايام المهرجان، واعتذر عن اية لقاءات صحافية وكذلك عن المشاركة في اية احتفالات، «ليس ترفّعاً»، كما سيقول لاحقاً، بل لأنه كان يصطحب معه في زيارته زوجته ريبيكا وطفليه، وأراد ان يخصص لهم كل الوقت لزيارة مراكش وغيرها. اراد ان ينسى لأيام انه ممثل شهير، وأن عليه ان يستجيب الى الصحافة والى السينمائيين والى اهل المهرجان.

دردشة في الفضاء

هذا الكلام لم يقله داي لويس لأحد خلال المهرجان، بل قاله على متن الطائرة لكاتب هذه السطور. فالحال انني حينها ما إن «اكتشفت» وجوده بيننا حتى اقتربت منه محيّياً سائلاً إياه بتهذيب عما اذا لم يكن الممثل الإنكليزي دانيال داي لويس... ابتسم بود مصحّحاً: «بل الممثل الإرلندي... والإنكليزي بعض الشيء إذا احببت». ضحك وضحكت متفهماً ثم قدمت له نفسي وقبل ان أبلغه اعجابي بفنّه ولا سيما بدوره الكبير في «عصابات نيويورك». وفي تلك اللحظة بالذات كان من حظي ان أثنيت بقوة على الفيلم الذي كان يشارك به في مراكش ونال عنه جائزة افضل ممثل هناك «انشودة جاك وروز»... ولسوف أتنبه بعد ثوان الى ان ما فعــــلته كان رمية من غير رامٍ... ما فعلته، ازال على الفور اي حاجز يحول دون التمتع بصحبته خلال ما تبقى من زمن الطيــــران بين مراكش وباريس... ذلك أن داي لويس قبض بسرعة على معصمي من دون إنذار وجرّني في شكل مباغت الى حيث تجلس مخرجة الفيلم ريبيكا ميلر صارخاً بودّ وتعاطف: «ريب... هذا السيد ناقد سينمائي عربي من لبنان ويبدو انه احب فيلمك كثيراً الى درجة انه نسي انني انا بطله!». وقفت السيدة مرحّبة بي وهي تنظر بدهشة تحاول ان تستوعب هذه الهجمة من بطل فيلمها... وكانت دهشتها اكبر من دهشتي.

دعاني الى الجــــلوس بينـــهما مـــقدماً اياهـــــا هــــذه المــرة كزوجتـــه وأم اطفاله و... مخرجة الفيلم. طبعاً كنت اعرف ذلك وأعرف ان ربيكا ابنة الكاتب الأميركي الكبير آرثر ميلر – الذي اشتهر شعبياً كواحد من ازواج مارلين مونرو خلال حقبة من حياته، لكن ريبيكا لم تعرف فاتنة هوليوود طبعاً، لفارق السن -، ومن هنا لم يفاجئني وجودها والصغار معها ولئن كنت فوجئت بردّ فعله على اشارتي الى اعجابي بالفيلم، فإن الثواني التالية سرعان ما اتت لتشرح كل شيء. فبسرعة بدا ذلك الفنان أليفاً طيباً حـــاضر الذهن و... صريحاً. صريحاً الى درجة افهمني معها سرّ «احتفاله» بي على تلــك الشاكلة ورغبته في ان تشارك ريبيكا في «الاحتفال»: في المرات القليلة التي ظهر فيها خلال المهرجان وقابل صحافيين او معجبين، بالكاد تحدث اليه احد عن «انشودة جاك وروز»، كما ان قلة من الناس رغبت في ان تقابل مخرجة الفيلم. وحتى بعد عرض الفيلم والإعجاب اللطيف به، وعلى رغم دوره الرائع فيه، لم يشأ احد ان يلتفت الى مخرجته. كان الــــكل يريده هو ان يكون النجم. طبعاً قالت لنا هي خلال الحديث التالي انها لم تبالِ بذلك، وأن من الطبيعي للجمهور ان يهتم بالنجم العالمي، ولا يأبـــــه كثيراً بفيلم مستقل صنع أصلاً كمشروع عائلي صغير... في هـــذـه اللحظة استعاد دانيال دفة الحديث ليقول انه هو شخصياً يعتبر دوره في الفيلم اساسياً في حياته وأنه احب الفيلم الى درجة انه اراد من الآخرين ان يحبوه. «هل لأن مخرجته زوجتك؟» سألته، فأجاب بحماسة: «لو لم تكن زوجتي وشاهدت فيلمها لتزوجتها من فوري»! هنا خبطته هي على كتفه وقهقهت في ضحكة متواضعة قائلة: «لو لم تكن زوجي لما تمكنت من تحقيق الفيلم!».

على رغم كل تلك المقدمة الواعدة بسرعة، بدا لي واضحاً ان داي وزوجته لا يريدان ان تكون الجلسة جلسة حوار صحافي... وآية ذلك انه راح يطرح عليّ اسئلة اكثر مما يجيب عن اسئلتي... كان يريد ان يعرف أشياء كثيرة، عن فلسطين، عن لبنان عن الإسلام عن الإرهاب وعن بن لادن الذي ما إن ذكر اسمه حتى اخفض من صوته مازحاً... وكذلك طرح اسئلة كثيرة حول السينما العربية والسينما الإيرانية، وسألني ما اذا كنت اعرف كياروستامي... ثم سألني عن السينمائيين العرب وكيف يعيشون ومن اين يموّلون افلامهم؟... سألني بخاصة عن يوسف شاهين، وكان يبدو راغباً في التفاصيل. ثم فجأة وكأن خاطراً ما راود ذهنه، سألني: هل شكسبير معروف كثيراً في العالم العربي؟ والحال ان هذا السؤال نقلنا الى حديث طويل عن شكسبير قال لي هو خلاله انه تربى تربية شكسبيرية وأمضى حقباً كثيرة من حياته يقرأ شكسبير ويمثل ادوار مسرحياته... وأفادني هنا بأنه اعتاد ان يهتم كثيراً في كل بلد يزوره بأن يعرف مدى تأثر الناس بشكسبير... فهو كاتبه المفضل «وكان كذلك كاتب ابي المفضل... والكاتب المفضل لدى والدتي وجدّي...». وهنا إذ ذكر هذا الاستطراد، نظر اليّ وكأنه يتوقع مني ان اسأله عن هؤلاء الثلاثة... إذ بدا انه لم يشر اليهم صدفة. نظرت اليه في شيء من الحيرة المرتبكة وأنا احاول ان افهم شيئاً متسائلاً بيني وبين نفسي عما اذا كان ما يقوله عابراً او يعني به شيئاً معيناً، لكنه بسرعة أخرجني من حيرتي قائلاً ببساطة: «يبدو انك لا تعرف ان والدي كان شاعر البلاط الإنكليزي سيسيل داي لويس». هنا بدت على وجهي مفاجأة حقيقية تنبه هو اليها فبان شيء من الانتصار على وجهه، ليتابع: «ولعلك ايضاً لا تعرف ان والدتي هي الممثلة الشكسبيرية جيل بالكون؟»... ثم اردف بثالث مفاجآته وقد بدا على محيّاه استمتاع طفولي لذيذ بهذه «الكشوفات»: «وهي ابنة المنتج الإنكليزي المؤسس سير مايكل بالكون... الذي تدين له السينما الإنكليزية بأروع انتاجاتها بما في ذلك بعض افضل قديم دايفيد لين!!». وهنا، قبل ان اربط الأمور ببعضها بعضاً... قال وهو ينظر الى زوجته مرحاً: «لكنك، يا صديقي، عرفت بسرعة ومنذ البداية، ان ريب ابنة آرثر ميلر!... عزيزتي لقد حقق لك صديقنا ثأراً مني... أليس كذلك؟».

اندماج

في تلك الأثناء كنت أجمّع اسئلة عدة في ذهني اود ان امرّرها، لعلي اخرج من الجلسة، على رغم كل شيء بحوار مثلث... فانتقلت الى الحديث عن فيلم ريبيكا متسائلاً عن مكانه في مسار السينما الأميركية الجديدة، وقلت لبطله انه كان فيه على سجيته اكثر مما في اي فيلم آخر له... فقال لي لأن الدور يشبهه ومن هنا كان من اسهل ادواره... هو الذي كان معروفاً عنه انه يتلبس ادواره باندماج يصل احياناً الى حافة الحالة المرضية. في «انشودة جاك وروز» كان الدور يتطلب منه ان يكون مريضاً بالفعل ومحتضراً «وهذا سهّل الأمور علينا... عليّ». والمؤسف انه حدث تحديداً عند هذا المستوى من الحديث وقد خيّل إليّ انني سأفوز بالحوار الصحافي، ان قائد الطائرة راح يعلن اننا بدأنا الهبوط في مطـــار باريس وأن على كل واحد من الركاب ان يـــعود الى مكانه. اما رييبكا فأعلنـــــت ان عليها الآن ان تهتم بالصغار... وانتهت الجلسة، وقد حييت تلك العائلة اللطيفة وتبادلنا ارقام الهاتف واعداً اياهما بأنني حين سأكتب مقالاً عن فيلم «انشودة جاك وروز» فسأرسله اليهما مترجماً الى الإنكليزية... ولا اذكر اليوم اذا كنت فعلت او لم افعل!

في ذلك الحين لم يكن دانيال داي لويس قد اصبح مثلّث الأوسكارات بعد، فهو قبل «مراكش» كان نال اوسكار افضل ممثل مرة واحدة عن «قدمي اليسرى» لكريستي براون (1989)، ثم بعد ان حقق الإعجاب الضخم الذي نعرف بدور بيل الجزار في «عصابات نيويورك» (2002) فائزاً عنه بجائزة «البافتا» الإنكليزية بين جوائز اخرى، نال في العام 2007 ثاني اوسكاراته عن تحفة بول توماس اندرسون «ستكون هناك دماء». اما اليوم، فها هو يحقق مأثرة سينمائية تاريخية لا سابق لها بنيله، الذي كان متوقعاً بقوة على اية حال، اوسكار افضل ممثل عن دوره الرائع في «لنكولن» لستيفن سبيلبرغ، مكرساً نفسه، من جديد، وفي الخامسة والخمسين من عمره، واحداً من اعظم ممثلي السينما في تاريخ الفن السابع، وذلك على رغم قلة عدد الأفلام التي تطبع مسيرة بدأت متسارعة لكنها سرعان ما تباطأت بحيث انه منذ عام 1998 لم يمثل إلا في خمسة افلام... ولكن اية أفلام!

الحياة اللندنية في

01/03/2013

 

السينما الفرنسية سجالات وجوائز وأجور

باريس - ندى الأزهري 

لا تثير جوائز «السيزار» لأفضل الأفلام الفـــرنسية ما تثيره مثيلتها الأميركية «الأوسكار» من استقطاب إعلامي ومتابعة جماهيرية، ولهذا اسبابه الفنية وغير الفنية. لكن هذا لا يمنع أن للسينما الفرنسية أهميتها وحضورها الكبيرين لا سيما في أوروبا، كما أنها تعيش منذ فترة سنوات «انتعاش» نسبي وفق الأرقام التي ينشرها المركز الوطني للسينما.

جوائــــز «السيزار» وزعت من أسبوع وكانت المفاجأة في خـــروج فيلمـــين مثـــــيرين للإهتمام خاليي الوفاض علـــــى رغم كثرة الترشيحات التي بلغت ثلاثة عشر لأولهما وهــــو «كاميي ترسب في صفها» لنعومي لوفوفسكي، وتسعة لثانيهما أي «هولي موتورز» لليوس كاراكس الذي كـــان يتوقــــع له الفوز بجائــــزة أفضل فيـــلم للعام. لكن تلك راحـــت إلى «حب» للنمسوي ميكائيل هانيكيه الذي سبق ونـــال السعفة الذهبية في كان، كما جلبت معها الجوائز الأكثر أهمية مثل أفضل إخراج وأفضل ممثلة وممثل.

يقترح «حب» نظرة مغايرة على الكبار في السن من خـــلال علاقة زوجين في الثمانين ويومياتهما مع الشيخوخة والمرض والحب. فازت بطلته ايمانويل ريفا (86 سنة) بجائزة التمثيل الأولى ورشحت لمثلها في الأوسكار ولكنهـــا لــــم تنلــــها. اما بطله جان لوي ترنتينيـــــان (82 سنة)، فقد نال أخيراً «سيزار» افضــــل ممثل وهي الجائزة التي رشح لها سابقاً اربع مرات ولم يحظ بها رغم أدائه الرائع في عدد كبير من أفلامه السابقة وموقعه في السينما الفرنسية.

ترنتينيان لا يحفل كثيراً بالجوائز وبخاصة في هذا العمر، ويعتبر أن ثمة الكثير منها اليوم كما صرح لجريدة بلجيكية «لوسوار». بطل فيلم كلود لولوش الشهير «رجل وامرأة»، يقول إنه لم يمارس مهنته إلا حباً بها وليس بهدف النجاح أو لطموحات من هذا القبيل.

الأوسكار أولى

الفيــلم الثاني بعدـــد الجوائز كان «صدأ وعظام» للفرنســـي جاك أوديـــار الذي حصد أربع جوائــــز للسيناريو وأفــضل ممــــثل واعد والمونتاج والموسيقى التصويرية. وعلى رغم الإخراج المتميز لصاحب «النبي»، فإن جائزة أفضل إخراج ذهبت إلى هانيكيه الذي كان غائباً عن الحفل لأنه فضَّل على ما يبدو الذهاب لحضور جوائز الأوسكار!

«صدأ وعظام» أحد أقوى الأفلام الفرنسية التي عرضت العام الفائت، سواء لناحية السيناريو أو للأداء (ماتياس شوينارتس وماريون كوتيارد التي لم تنل شيئاً رغم ترشيحها للجائزة) وهو عن علاقة تجمع بين شاب خشن و فتاة رقيقة، لا يتجسد الاختلاف الحاد بينهمــــا في الطباع فحسب بل في الانتماء الطبقــي والســلوك الاجتماعي، علاقة احتيــــاج معنوي وجسدي (الفتاة أصيبت بإعاقة فيما بعد) ذات بعد عاطفي يتكون شيئاً فشيئاً.

وقد اكتفى فيلم بنوا جاكو «وداعا للملكة»، المأخوذ عن رواية كحال نصف ما أنجزه هذا المخرج من أفلام (20)، بجوائز التصوير والأزياء والديكور.

الفيلم تاريخي يصور الأيام الأخيرة لماري انطوانيت مباشرة قبل 14 تموز (يوليو) وزحف الجماهير، فيلم يحكي عن هؤلاء «المسجونين» في قصورهم والذين لا يدرون بأحوال شعوبهم. «وداعاً للملكة» من الأفلام المكلفة في السينما الفرنسية إذ اقتربت نفقات إنتاجه من الثمانية مليون يورو.

«كارثية» أم «ممتازة»؟

لم يخل حفل توزيع الجوائز وما أحاط به من الإشارة إلى السجال الذي أثير في فرنسا مؤخراً حول وضع السينما الفرنسية بسبب تكلفتها المرتفعة وأجور الممثلين التي يعتبرها البعض «مبالغاً بها» وبأنها «كارثة» على هذه السينما.

وكان هذا الجدل الذي بدأ نهاية العام المنصرم قد أثير مع تصريحات «فنسنت مارافال»، الموزع والمنتج على صفحات جريدة لوموند في 28-12، حيث صرح أن عام 2012 كان «كارثياً» على السينما الفرنسية لأن الأفلام خسرت الملايين. وأعاد الأسباب إلى التكلفة المرتفعة للسينما الفرنسية والتي لا تغطيها المردودات. وقال إن معدل تكلفة الأفلام الفنية فـــي فرنسا يصل إلى5.4 مليون يورو وهو رقــــم قياسي في العالم وبخاصة إذا ما قورن بتكلفــة الأفلام الأميركية المستقلة التي تصل إلــى 3 مليون يورو... واعتبر أجور الممثلين المبـــالغ بهـــا سبباً رئيساً في هذا الوضع، وأعطــى مثالاً «ستار 80» وهو فيلم كوميدي أبــــدى استغرابه كون ارقامه الرسمية تفيد انه كلّــــف أكثر من «البجعة السوداء» و «خطاب ملك»! وهاجم المنتـــج بحدة الممثل الأغلى أجراً في السينما الفرنسية وهو الهزلي داني بون (يبلغ أجره 3.6 مليون يورو) قائلاً إن هذا يعيش في لوس انجليس و «مدخول أفلامه لا يغطي أجره ورغم فشل فيلمه الأخير فهو سيبدأ بفيلم جديد تكلفته لن تقل عن عشرة مليون يورو»!

هذه الاتـــهامات دفـــعـــت المسؤول عن الدعم في المركز الوطني للسينما إلى الرد. ففــــي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية اعتبر هذا أن 2012 كانت سنة «ممتازة» للسينما الفرنسية. وعلى رغم التراجع الطفيف قياساً لعام 2011، التي كانت سنة ظاهرة بسبب فيلـــم «المنبوذون» وهو الفيلم الفرنسي الأكثر مشاهـــدة فـــي فرنسا وفي العالم وفق الاحصاءات الأخيرة، فإن حصة الفيلم الفرنسي في الاسواق الفرنسية قد ازدادت في العشر سنوات الاخيرة مقارنة بحصة الفيلم الأميركي التي تتناقص، كما ما زالت نسبة التردد عليه مرتفعة و تتجاوز المعدل الوسطي للعشر سنوات الأخيرة.

لكن السينما الأميركية، التي تتراجع حصــتها في سوق العرض الفرنسية (7 في المئـــة خلال عشر سنوات)، لم تغب عن حفل السيـــزار والجوائز إذ تم تكريم الممثل الأميركي كيفــــن كوستنر عن مجمل أعماله، ومنحت جائزة أفضل فيلم أجنبي إلى... «آرغو» لبن افليك.

الحياة اللندنية في

01/03/2013

 

لغة السينما بين تاركوفسكي وحتاتة

القاهرة – «الحياة» 

حصلت الباحثة والناقدة السينمائية الزميلة أمل الجمل على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى في فلسفة الفنون من المعهد العالي للنقد الفني في أكاديمية الفنون المصرية. وكان موضوع الرسالة: «اللغة السينمائية في كتابات شريف حتاتة، دراسة مقارنة مع أندريه تاركوفسكي».

انطلقت الباحثة في دراستها من تأكيدها أن الفنون تتداخل تداخلاً وثيقاً، وتخضع لتأثيرات متبادلة في ما بينها، فالسينما على سبيل المثال كما يراها بعض المرتبطين بالفن السينمائي هي فن مُركب مبني على تشابك عدد من الأشكال الفنية: الدراما، النثر، الرسم، الموسيقى، الشعر. لكن لا يزال الخلاف قائماً حول ماهية السينما والعناصر المميزة لها، فمثلاً أندريه تاركوفسكي يُؤكد أن «هذه التشكيلة المتجانسة من الفكرة الأدبية والصيغة التشكيلية والصور لا تنجح في خلق صورة سينمائية، ولا يُمكن من خلالها العثور على جوهر السينما والخواص المميزة لها». إنه مقتنع بأن الإيقاع، وليس المونتاج كما يعتقد بعضهم، هو العنصر المكوّن الرئيس للسينما، وبأن إحدى الإمكانيات الثمينة للسينما هي إمكانية طبع فعلية الزمن على الشريط السينمائي.

مع ذلك لم ينكر تاركوفسكي أن السينما اعتمدت على الأدب في كثير من الأمور مثل المونتاج وأحجام اللقطات. ويتضح ذلك، في رأيه، منذ عهد السينما الصامتة التي عثرت في الأدب على مبتكرات سينمائية مثل: المزج، واللقطة الكبيرة، والحركة الاستعراضية للكاميرا، مقتفية في ذلك خصوصاً أثر كتابات تشارلز ديكنز. كما ان إيزنشتين قد تأثر في ابتكار منهجه في المونتاج بقصائد الهايكو». واعتبر تاركوفسكي أن كتاب ميلتون «الفردوس المفقود» مدرسة يمكن من خلالها دراسة فن المونتاج والعلاقات السمعية – البصرية.

ومثلما مارس الأدب تأثيراً كبيراً في السينمائيين، كذلك فعلت السينما مع الأدباء، فقد تأثر بعضهم بالمونتاج السينمائي وتكسير الزمن من جهة والفلاش باك والاستعادة الذهنية من جهة أخرى، ومن هؤلاء: مرغريت دوراس، وآلان روب غرييه، ومن العالم العربي كتاب كثيرون من بينهم شريف حتاتة. فقد تأثرت كتابات حتاتة، وفق الأطروحة، في كل واضح باللغة السينمائية، وأعماله الأدبية تتسم بقدرة على الحكي من خلال تدفق الصور، و «إذا تأملنا صفحات أو فقرات من رواياته سنرى كم هي بصرية». وتتداخل العناصر السينمائية في نسيجها كأنه يقول: «مهمتي هي أن أجعلك تسمع، أن أجعلك تشعر، والأهم من ذلك كله أن أجعلك (ترى). هذا كل ما في الأمر، وأهم ما فيه».

تبنت الدارسة في تحليلها لأعمال شريف حتاتة منظوراً سينمائياً لأنها كانت تعمل على اختبار فرضيتين أو مسلّمتين طرحهما أحد أهم مخرجي السينما في العالم هو المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي.

- الفرضية الأولى: إذا كانت إحدى سمات السينما أنها تعتمد على النحت في الزمن، كما أكد تاركوفسكي في كتاباته النظرية عن السينما، وكما يتضح في أفلامه... فهل يعني هذا أن روايات شريف حتاتة مكتوبة بلغة سينمائية طالما أن فيها أيضاً نحتاً في الزمن؟ أم أننا نُريد أن نُفقد السينما إحدى السمات المميزة لها؟

- الفرضية الثانية: إذا كان الإيقاع وليس المونتاج هو العنصر المكوّن الرئيس للسينما كما يُؤكد تاركوفسكي... وإذا كانت حركة الزمن المتخيل في كتابات شريف حتاتة تخلق لديه إيقاعاً مميزاً... أفلا يعني ذلك أن روايات شريف حتاتة ترتكز على إحدى المقومات الأساسية الأخرى للسينما؟

وينبني على هذا أنه إذا أفقدنا السينما هاتين الخاصيتين المميزتين لأنها تشترك فيهما مع فنون آخرى، فإن هذا يُؤدّي بنا إلى أن نفرض على المختصين والباحثين المهتمين بشؤون السينما إعادة البحث في الخواص التي تُميز السينما عن غيرها من الفنون. لأن السينما في هذه الحالة ستفقد حتى الخاصية التي تُميزها عن غيرها من الفنون تلك المرتبطة بإمكانية تجسيد الزمن في شكل واقعي مرئي على الشاشة ولن تعود تنفرد بها وحدها، وعلى الأخص بعد أن وُجد التلفزيون.

وترى الباحثة أنه حتى إذا أفقدنا السينما الخواص الثلاث التي تتميز بها، فلن يُقلل هذا من قيمة السينما وأهميتها، بل على العكس، سيكشف لنا عن شيء آخر مهم هو: تلاشي الفاصل الحاد بين الفنون، وتداخلها تداخلاً وثيقاً.

تعتمد الباحثة في دراستها على استخدام كل من المنهج السيميولوجي، والمنهج المقارن. وتتكون الرسالة من: «مقدمة عن الإطار النظري». وفصل تمهيدي: يتناول مفهوم اللغة في السينما والأدب - جدلية العلاقة بين فن الرواية والسينما – شخصية شريف حتاتة ونشأته، والعوامل المؤثرة في تكوينه الإنساني والإبداعي – شخصية أندريه تاركوفسكي ونشأته، والعوامل المؤثرة في تكوينه الإنساني والإبداعي.

وباب أول، يدور حول الزمن في فصلين على النحو الآتي: الفصل الأول: عن النحت في الزمن عند أندريه تاركوفسكي. وفيه دراسة للزمن السينمائي وأشكال النحت في الزمن في أفلام تاركوفسكي التالية: «طفولة إيفان» – «مرآة» – «أندريه روبليوف» – «سولاريس» – و «ستالكر».

الفصل الثاني: عن النحت في الزمن في كتابات شريف حتاتة. وفيه تحليل لأشكال النحت في الزمن عند الروائي ومنها: التداعي المقنن للذكريات – تشظية الزمن بين الأمام والخلف – كثافة الزمن المتتابع – تمديد وضغط الزمن – نحت الشخصيات والتفاصيل عبر الزمن – الزمن في الروابط الشعرية. وذلك من خلال تحليل مذكرات الكاتب في «النوافذ المفتوحة»، ورواياته «الشبكة» و «نبض الأشياء الضائعة» و «عطر البرتقال الأخضر» و «الوباء» و «عمق البحر» و «ابنة القومندان».

وفي هذا الفصل، تثبت الباحثة أن النحت في الزمن فن لا يخص السينما دون غيرها من الفنون لأن كتابات شريف حتاتة تنهض على النحت في الزمن.

الباب الثاني: وعنوانه اللغة السينمائية عند تاركوفسكي وحتاتة، ويتكون هذا الباب من ثلاثة فصول؛ الأول عن «الميزانسين» بما يتضمنه من حركة الكاميرا – توزيع الممثلين وحركة الشخصيات – تنسيق الأشياء – والإضاء في كل من أفلام تاركوفسكي وكتابات شريف حتاتة.

والثاني: عن الموسيقى والمؤثرات الصوتية ودورهما في أفلام أندريه تاركوفسكي وفي كتابات شريف حتاتة. أما الفصل الثالث فعن المونتاج والإيقاع وفيه تؤكد الباحثة أن «الإيقاع عنصر لا يخص السينما وحدها دون غيرها من الفنون الأخرى»، لأنه «ركيزة أساسية في الأدب» وذلك من خلال تحليل روايات شريف حتاتة.

الحياة اللندنية في

01/03/2013

 

«موسم الكركدن» لبهمن قُبادي:

تراجيديا تروي محنة شاعر

دمشق - إبراهيم حاج عبدي 

لا يمل المخرج الكردي بهمن قُبادي، في سينماه، من مقارعة الظلم والاستبداد والوقوف ضد إقصاء الآخر، فأفلامه الروائية الطويلة السابقة «زمن الجياد الثملة»، و «نصف قمر»، و «السلاحف أيضا تستطيع الطيران»، و «لا أحد يعلم بأمر القطط الفارسية»، تنطوي على حس نقدي رفيع، وتتسم بنبرة احتجاجية من دون صخب، إنها تنتفض ضد كل ما يكبل حرية الإنسان، ويهمش طموحه وتطلعاته. وها هو قُبادي، ومن خلال فيلمه الجديد «موسم الكركدن» («فصل كركدن» بالفارسية، و «موسم وحيد القرن» في بعض الترجمات العربية)، يخوض فصلا آخر من فصول التحدي في وجه «فقهاء الظلام» عبر حكاية تراجيدية بالغة القسوة والألم.

يستحضر قُبادي في فيلمه الجديد، الذي أنتجه مارتن سكورسيزي، قصة واقعية بطلها المثقف اليساري والشاعر الكردي الإيراني ساهل فرزان (يجسد دوره على نحو لافت، بهروز وسوقي)، الذي قضى ثلاثين عاماً في سجون الثورة الإسلامية الإيرانية، ليخرج محطم القلب، عاجزاً عن التآلف مع موسيقى الحياة. لا عناوين لأصدقاء وأقارب، ولا أخبار عن اسرته وزوجته. يعيش صراعا داخلياً أخرس، فتقوده خطواته التائهة، المثقلة بوطأة الخسارات، إلى موطن عشقه الأول قرب الشجرة المعمرة، فيما صوت المرأة ينشد فقرات من قصيدة له: ماذا تريد من الأراضي، والتربة/ ألم يطلقوا سراحك؟ /لقد أعلنوا موتك/ سواء كنت حياً أو ميتاً، لا أحد يعلم/ خيّط شفتيك/ واحمل الجدران على كتفيك، وارحل».

الحزن في كل مكان

بهذه المفردات الموجعة يهيئ قُبادي مشاهده للدخول إلى أجواء هذا الفيلم العابق بالحزن، والذي يعيد تفاصيل مأساة تهز الوجدان والضمائر. ساهل فرزان كان شاعراً، يعيش حياة هانئة في إيران إبان عهد الشاه. لا تتسع رحابة العالم لطموحاته وأحلامه التي يتقاسمها مع محبوبته وزوجته الفاتنة مينا (مونيكا بيلوتشي)، ابنة ضابط برتبة عقيد، غير أن الثورة الإسلامية الإيرانية، التي اندلعت نهاية سبعينات القرن الماضي، تعصف بكل تلك الأحلام والآمال، وتطفئ نور القصيدة في عتمة زنزانة باردة. وشاية بسيطة من السائق، الذي أصبح عضواً في «الحرس الثوري» بعدما كان سائقاً لدى عائلة مينا ووقع في غرام الأخيرة، تودي بالشاعر وبزوجته إلى السجن. التهمة جاهزة طبعاً، فبطل الحكاية هو سني المذهب، كما يرد في لائحة الاتهام، وهو كردي فوق ذلك، لا بل وشاعر أيضاً. هذا الاتهام المثلث كفيل لدى قضاة «الثورة العادلة»! كي يحكموا عليه بالسجن ثلاثين عاماً، بينما اتهمت زوجته بمؤازرته في كتابه «القصائد السياسية»، فحكم عليها بعشر سنوات.

ثلاثون عاما يقضيها الشاعر بين جدران السجن وهو يتساءل عن ذنوب اقترفها تستدعي هذه العقوبة القاسية، فلا يعثر في سجله على شيء سوى عشقه للحياة، وشغفه بوهج الحروف، هو سجل إنسان ينوء بإنسانيته. وفي غضون ذلك يجبر السائقُ الواشي زوجةَ الشاعر السجين على الزواج منه بعدما أتمت عقوبتها، لتستقر في إسطنبول، عقب إبلاغها كذباً أن زوجها الشاعر قد توفي. تلك هي العناوين العريضة لحكاية الشاعر المؤلمة، ومن العبث التدقيق في تفاصيلها ونسج خيوطها في صورة سردية تقليدية، فاختزال ثلاثة عقود من الحنين والشقاء والحسرة في شريط سينمائي هو مغامرة لا جدوى منها، ولعل قبادي يدرك قبل غيره مثل هذه المجازفة، فلا يأبه كثيراً لسرد منطقى طالما أن الحكاية هي من القسوة بحيث لا تصدّق. وهو ليس من السذاجة بحيث يراهن على شباك التذاكر والجمهور. موضوع على هذا القدر من الحساسية والإجحاف، يتطلب معالجة سينمائية مختلفة، وهو ما يفعله قُبادي، إذ يتقصى مرارة التجربة بحذر، ويرصد معانيها وتداعياتها العميقة، وانعكاساتها في نفسية الشاعر، الذي دخل السجن شاباً متَّقِداً بالحماس والتفاؤل ليخرج منه شيخاً مسناً مكتئباً، يختزن في ملامح وجهه المتغضن كل أحزان الكون، وحتى بحثه عن زوجته مينا لم يفلح في شيء سوى في إيقاظ مشاعر الضياع والتيه والنقمة الصامتة على نظام سلب عمره، وتركه مجرد شبح يطارد سنوات صباه المشرقة، بلا أمل، وكأن الظلام الكئيب الذي كان يلف عالمه الضيق في السجن تغلغل إلى أعماقه حتى بات صعباً عليه أن يفلت منه رغم خروجه منه، فهذا العالم الفسيح أصبح مظلماً مثل جدران السجن الذي كان يخط عليها أشعاره.

المحنة تبدأ الآن

هذه الحقيقة المُرة يلتقطها قبادي بكثير من النباهة، فيمضي مع بطله المعذب في محنته التي لم تنته بعد انتهاء السجن، بل ربما بدأت الآن. وبتلك الرؤية السينمائية المرهفة يصوغ المخرج فضاءات شاعرية وكأنه يكتب قصيدة بصرية. مفردات القصائد التي تحكى خلال الفيلم، نجد لها معادلاً بصرياً على الشاشة: الثلوج والأمطار وأمواج البحر والأشجار العارية والضباب والغيوم والأراضي القاحلة الجرداء... كلها عناصر تشترك لبناء مناخ سينمائي خاص. لقطات ومشاهد تمتزج عبر لعبة النور والظلال سرعان ما تتوارى خلف غلالة من الحزن، وكأنك تشاهد الفيلم بعين دامعة لا تقوى على التمييز تماماً، بيد أنها تدرك معانيه بوضوح. عين المخرج مولعة بشاعرية ظليلة تشحن الصور بالرموز والإحالات والتأويلات، كذلك المشهد الذي تهطل فيه السلاحف من الأعلى، أو مشهد قطعان الكركدن وهي تهرع هائجة خائفة في اتجاهات مختلفة في عراء قاحل، أو مشهد الطفيليات التي تمتص دماء البشر، أو مشاهد القبور الموحشة وسط أشجار عارية وسماء عاصفة.

لا يستثمر قُبادي رهافة الشعر ورمزيته، هنا، من باب التجريب السينمائي، بل إن هذا المقترح الجمالي يلائم بالضبط روح الحكاية التي تتداخل عبرها الأزمنة والحالات وأصداء الماضي البعيد ومتاهات الحاضر التي تتجلى وسط ديكورات وأمكنة ذات إضاءة خافتة، ومن خلال إيقاعات بطيئة للكاميرا لتعكس المرارة التي تغلي في روح الشاعر، وتتأجج هذه المشاعر الغامضة على وقع الموسيقى التصويرية الشجية التي وضعها كيهان كالهور. وفي موازاة هذا المنحى الشاعري الرقيق الذي يُظهر مقدار الفجيعة، فإن المخرج لا يغفل، وإنْ بإشارات عابرة، عن التهكم والسخرية من تلك المحاكمة العبثية السريعة التي عبّرت عن جهل بقيمة الإنسان وقيمة القصيدة، فأي نظام هذا الذي يحكم على شاعر لم يقترف أي ذنب، وهل هي حقاً ثورة ضد الظلم والقمع ولتحقيق العدالة؟!!

الجواب بالطبع واضح في ذهن المشاهد والمخرج والشاعر، غير أن الأخير سيخفق في أن يستعيد حياته المستلبة، فالانسلاخ عن مهد الصبا والمكوث في السجن طوال ثلاثة عقود، شكَّلا صدمة نفسية قاتلة ترجمها المخرج في الكثير من المشاهد عبر عقد مقارنة بين ماض مضيء وحاضر مثقل بالأسئلة والجروح النازفة، وما بينهما زمن طويل من عزلة أشبه بالموت، كما يعبر الشاعر في مقطع مجازي: «الأرض سطح ملح قاس. وحيد قرن مال برأسه ولَعقه بفم فارغ». سيأتي انتقام الشاعر في نهاية الفيلم ملتبساً، إذ يقتل خصمه بإغراق سيارته في البحر. لكنه بذلك يعلم أنه سيغرق معه، وهو ما يحدث فعلياً، بيد أن خيال المخرج لا يرضى بهذه النهاية الناقصة، إذ يظهر البطل في اللقطة الاخيرة ماضياً باتجاه أرض جرداء وضياء باهر وهو يردد في دخيلته -كما نخمّن- تلك العبارة الفذة لإليوت: «ليس لك شباب ولا شيخوخة، بل كما لو كنت في قيلولة وحلمت بكليهما».

الحياة اللندنية في

01/03/2013

 

اللوحة الذهبية جائزة مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية

كتب رانيا يوسف 

أعلن مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة عن فتح باب الاشتراك للأفلام ابتداءً من مساء أمس الخميس وحتى 15 إبريل 2013، حيث من المخطط أن تنطلق فاعليات الدورة السادسة عشرة من المهرجان في الرابع من يونيو  2013 وتستمر حتى التاسع من الشهر نفسه.

ويُعد مهرجان الإسماعيلية أحد أعرق المهرجانات في العالم العربي وأول المهرجانات العربية التي تتخصص في الأفلام الوثائقية والقصيرة، حيث بدأت أولى دوراته في عام 1991، ويترأس المهرجان السينمائي د. كمال عبد العزيز رئيس المركز القومي للسينما؛ ليكون مهرجان الإسماعيلية واحداً من ثلاثة مهرجانات سينمائية تنظمها وزارة الثقافة المصرية، وقد اختير السيناريست والمنتج محمد حفظي مديراً للمهرجان الذي صار محطة جذب لمحترفي السينما ومحبيها، وتُقام مسابقات المهرجان في أربع فئات أساسية:

مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة (60 دقيقة أو أكثر).

مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة (أقل من 60 دقيقة). مسابقة الأفلام الروائية القصيرة (أقل من 60 دقيقة).

مسابقة أفلام التحريك (رسوم- عرائس- جرافيك كمبيوتر).

والجوائز التي يقدمها مهرجان الإسماعيلية هي:

جائزة اللوحة الذهبية، وتبلغ قيمتها 3000 دولار، وتُمنح للمخرج الفائز بأفضل فيلم في كل قسم من أقسام المسابقة.

جائزة لجنة التحكيم وقيمتها 2000 دولار، وتُمنح لفيلمين من الأفلام المشاركة في كل مسابقة.

جائزة جمعية ACT وقيمتها 5000 جنيه مصري، وتُمنح لأفضل فيلم نسائي.

جائزة الجمهور التي يختار فيها الحضور الفيلم الفائز.

ويمكن الاطلاع على استمارة التسجيل للأفلام ولائحة المهرجان عبر الموقع الرسمي له www.ismailiafilmfest.com، مع ملاحظة أن يكون العرض الأول في مصر بالنسبة للأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية.

البديل المصرية في

01/03/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)