حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أمير العمري:

مهرجانات السينما في مصر مثل "ليلة الزفة"!

مريم عاطف

 

أجرت الصحفية مريم عاطف مقابلة مع الناقد أمير العمري لصحيفة "الأهرام" المصرية، بشأن البيان الصحفي الذي أصدره أخيرا حول نهاية دوره كمدير لمهرجان الإسماعيلية السينمائي، لكن "الأهرام" لم تنشر سوى مقطعا قصيرا منه في صفحتها الأخيرة. وننشر هنا النص الكامل للمقابلة...

·        وصفت مهرجانات وزارة الثقافة إنها مثل ليلة الزفة، ماذا تقصد بهذا الوصف ولماذا؟

* إن منطق الوزارة في إقامة مهرجانات السينما في مصر أن المهرجان مثل "ليلة الزفة" أي حفلة يلقي فيها الوزير والمحافظ وغيرهما من المسؤولين كلمات دعائية الطابع تسعى لتجميل دور الوزارة بل والنظام السياسي نفسه، ويصعد خلال تلك "الزفة" عدد من النجوم على خشبة المسرح.. ثم يقام حفل عشاء كبير أي وليمة من ولائم العرب، وينتهي الأمر بالنسبة لهم، وليس المهرجان عندهم تظاهرة ثقافية متعددة الأوجه، فلم نجد أن وزيرا حضر، في أي مرة مثلا، ندوة دولية مهمة من الندوات التي تقيمها المهرجانات كما حدث في الاسماعيلية، وذلك على العكس مما نراه في مهرجانات العالم مثلا. وقد قصدت من التعبير أن المهرجان بمنطق وزارة الثقافة مجرد احتفالية وليس نشاطا ثقافيا عميقا وجادا.. ومفهومها هذا ينطبق على السينما تحديدا.

·        يدافع وزير الثقافة عن موقفه فى عودته للوزارة، كيف ترى هذا؟

الوزير يستقيل مرتين ويعود في استقالته ويجد دائما المبررات الجاهزة، فهو على سبيل المثال لم يقل لنا أصلا لماذا استقال في المرة الأولى في حين أن العالم كله يعلم أنه استقال لكي يحصل على جائزة الدولة التقديرية (200 ألف جنيه) لأنه لم يكن ليحصل عليها لو ظل وزيرا مسؤولا عن منح الجوائز باعتباره رئيس للمجلس الأعلى للثقافة. وفي المرة الثانية قيل لنا إن الوزير استقال احتجاجا على سحل مواطن مصري في الشارع على أيدي (أو بالأحرى أقدام!) قوات الأمن.. فهل توقف السحل لكي يعود الوزير ام أنه أصبح يمارس يوميا بشكل اعتيادي هنا وهناك كما يمارس قتل الأبرياء أيضا! ولماذا لا توجهي سؤالك هذا أيضا إلى وزير الثقافة نفسه.. لماذا لا يتطرق لهذه النقطة تحديدا، بل هو يكتفي بالقول إنه عاد لكي ينقذ الثقافة المصرية ويحافظ عليها، وماذا سيحدث للثقافة المصرية في حالة الاستتغناء قريبا عن خدمات الوزير بعد الانتخابات؟ هل ستتوقف بسبب غياب محمد صابر عرب!

·        هل سيقام مهرجان الإسماعيلية هذا العام؟

لم لا توجهي هذا السؤال إلى كمال عبد العزيز مدير المركز القومي للسينما الذي فشل، كما ذكرت في بياني، في إقامة المهرجان القومي للسينما المصرية المتوقف منذ عامين كما فشل في تنظيم المسابقة التي ابتكرها هو نفسه وروج لها باعتبارها حدثا كبيرا، والخاصة بمنح عشرين ألف جنيه كجائزة لأحسن فيلم تسجيلي عن الثورة. من جهة أخرى هل يمكن قيام مهرجان دولي في محافظة الاسماعيلية في ظل وجود حالة طواريء وحظر تجول جزئي هناك رسميا على الأقل، مع وجود كل هذا الاحتقان في الشارع فيما الوضع مرشح لمزيد من الانفجار مع بدء الانتخابات البرلمانية التي ستستمر الحملات لها لأربعة أشهر، وهل سيوافق محافظ الاسماعيلية على إقامته في هذه الظروف المحتقنة. وهل سيقام المهرجان في موعده المحدد في 8 يونيو؟ وهل يمكن الإعداد لحدث دولي كبير ومميز في ثلاثة أشهر؟ لا علم لدي لكن يراودني الكثير من الشك!

·        هل من الممكن أن تعود فى قرارك عن استقالتك من مهرجان الإسماعيلية؟

الخروج من هذه التجربة قرار نهائي مرتبط بالتدهور الحالي في وزارة الثقافة بل وفي مؤسسات مصر كلها.. ليس من الممكن أن أعمل مرة أخرى، لا في هذا المهرجان ولا في غيره من المهرجانات المصرية، في ظروف عشوائية مع إعتلاء أشخاص لا يفهون شيئا في طبيعة المهرجانات ورغبتهم في أن يكونوا "رؤساء" و"كبراء" بحكم كونهم موظفين في دولة فاسدة لم يتغير فيها شئ.. لكي نؤسس لمهرجانات سينمائية حقيقية لابد أن يوجد فريق يعمل على مدار العام لأن المهرجان ليس مثل جمع اللطعة في دودة القطن يمكن أن نجمع له مجموعة من عمال التراحيل الغلابة لتشغيلهم باليومية. الوزارة لم تحترم القرار الذي أصدره الوزير المحترم شاكر عبد الحميد بالتعاقد معي لعامين (بمعنى 3 دورات وليس دورتين فقط!) وهو قرار صادر عن مجلس إدارة المركز القومي السابق الذي لم يعجب صابر عرب وحله وشكل مجلسا جديدا ضم إليه الممثلة ليلى علوى وإثنين من منتجي السينما الذين يرضى عنهم!

·        لماذا كان بيانك شديد التشاؤم عن الثورة حيث قلت انك تستقيل بعد فوز الثورة المضادة؟

الثورة في أي مكان تقوم من أجل دفع المجتمع إلى الأمام، نحو إقامة مجتمع ديمقراطي مستنير ودولة تحترم القانون والحريات العامة، فإذا جاءت قوة رجعية موغلة في النكوص عن الحاضر ولا ترى المستقبل بل تود العودة إلى الماضي السحيق، إلى الحكم.. أليس معنى هذا أن الثورة المضادة للتقدم هي التي انتصرت وهي التي تحكم الآن في مصر؟ ووزير الثقافة صابر عرب يعمل في خدمة الحكومة التي شكلتها الثورة المضادة ومع نفس عناصر النظام القديم الذين مازالوا في مواقعهم في وزارته.. هذه حقيقة. نعم الثورة مستمرة في موجات لكن في الوقت الحالي الذي انتصر ووصل للسلطة وأبقى على مجموعة الحرس القديم في وزارة الثقافة وغيرها، هي جماعات الفاشية الدينية وهي قوى مضادة للتقدم الاجتماعي، فهم يريدون فرض الحجاب على النساء وتزويج الأطفال، وتقنين قتل المتظاهرين (الذين لولا ثورتهم لما جاءوا للحكم) كما اأهم يستعدون للإفراج عن كل مجرمي النظام القديم مقابل تسويات مالية. أليس معنى هذا أن الثورة المضادة في الحكم وهي التي انتصرت حتى إشعار آخر.. كيف سيعمل أمير العمري في ظل هذا النظام وأنا الذي اعلنت في تصريح شهير عندما بدأت العمل مديرا للمهرجان أنني لن أسمح بعرض الأفلام على الرقابة لأن افلام المهرجانات لا يجب أن تخضع للرقابة، فجاءني إنذار في اليوم التالي من مدير الرقابة السابق (سيد خطاب) بضرورة عدم التحريض على خرق القانون. هل ستسمح الفاشية الدينية بعرض الافلام بحرية ومناقشتها بحرية في المناخ القمعي الحالي؟

·        ما موقف مجدى أحمد على من نهاية دورك في المهرجان؟

لا أعلم بل يجب توجيه هذا السؤال إليه.. وعموما مجدي يعتبر نفسه بعيدا عن النشاط العام منذ تقاعده في أغسطس الماضي وقد إختلف بشدة مع الوزير صابر عرب بسبب سياسة الوزير من مهرجان القاهرة السينمائي ورجوعه عن إسناد المهرجان لمؤسسة برئاسة يوسف شريف رزق الله حسب قرار مجلس إدارة المركز القومي في عهد مجدي، وإسناده للحرس القديم من فلول نظام مبارك الذين ينتمي إليهم الوزير نفسه!

·        وماموقف كمال عبد العزيز رئيس المركز القومى للسينما من استقالتك؟

لم أبعث باستقالة إلى كمال عبد العزيز، ولا إلى خالد عبد الجليل رئيس ما يسمى بقطاع الإنتاج الثقافي وهو في الحقيقة الذي يملي على كمال عبد العزيز ما يتعين عليه أن يفعله، فهؤلاء القوم لا يستحقون أصلا أن أن تقيمي لهم أدنى اعتبار لأنهم يبحثون عن أمجاد شخصية زائفة في حين أنهم لا يتمتعون بأي كفاءة حقيقية ولا معرفة، ومن ضمن مشاكلي مع أمثال هؤلاء أنهم لا يستطيعون أن يكونوا يلعبون دور الرئيس على شخص مثلي، فهم يريدون مديري مهرجانات من نوع "شيالي الشنطة" للمسؤول أو ممن ينحنون ويقبلون الأيادي ويسمعون الكلام ويكتبون التقارير ولا يتمتعون بأي استقلالية وهذا هو منطق العمل في وزارة الثقافة وغيرها من أجهزة الدولة المصرية منذ زمن ومن يريد أن يتقلد مناصب عليا عليه أن ينصاع ولست كذلك فانا مستقل منذ أن ولدت وبدأت العمل العام. عندما أدرت الدورة الماضية لم أسمح لأي مخلوق بالتدخل في عملي، مما أثار علي حنق المسؤولين ولكن دون أن يجرؤا على إعلان اعتراضهم لأنهم كانوا يعلمون أنني محق. إنهم عادة يحترمونك، ويعرفون مقدار كفاءتك، لكنهم لا يحبونك بسبب التزامك بالقواعد أي قواعد اللعبة وعدم الخضوع للتهريج والمجاملات وأشياء أخرى أستطيع أن أروي لك الكثير منها تتعلق بالفساد، ولكن هنا مجالها!

لقد أعدت الإعتبار المفقود لمنصب مدير المهرجان (الذي يعتبره البعض منصبا أدنى من منصب الرئيس في مصر!) وفرضت ذلك بحكم اتفاقي مع مجدي أحمد علي الذي يفهم طبيعة عمل مدير المهرجان تماما لذلك لم يتدخل. لكن هذا كان يغيظ خالد عبد الجليل الذي كان يريد أن يفرض بعض الأشياء ومنها دعوة من يطبلون ويزمرون له.. وغير ذلك من فضائح.. لكنه لم يستطع أن يمرر شيئا، وقبل وصمت على مضض. هذا المناخ الفاسد لا يوفر لك متعة في العمل والتجويد والابتكار والمعرفة، وإذا سألتني ما الذي فقدته بعد أن أنهيت دوري في المهرجان أقول لك: لاشيء فالمهرجان هو الذي استفاد مني، لكني لم أستفد شيئا من وراءه بل عانيت معاناة شديدة وتعطلت عن أعمالي الخاصة ومزاولة إهتماماتي وخسرت أيضا الكثير من المال، وخصوصا أن العمل كان يعتمد على شخصي بالدرجة الأساسية، حيث لا يوجد سوى شخص أو إثنان لديهما بعض الخبرة في العمل بالمهرجانات في المركز القومي للسينما. وبالتالي يجاهد المرء من أجل القيام بأدنى الأعمال بما في ذلك الاتصالات. وقد قبلت القيام بالعمل في ظروف عسيرة وفي فترة زمنية محدودة على أن نعمل بعد ذلك على مدار العام لكن هذا الهدف لم يتحقق ولن يتحقق أبدا فوزارة الثقافة كما ذكرت ليست لديها سياسة ثابتة للمهرجانات بل تعتبرها كما سبق أن أشرت، مثل ليلة الزفة!

لم أرسل باستقالة لأحد بعد أن أخلت الوزارة بالاتفاق السابق مع الوزير السابق شاكر عبد الحميد وبقرار مجلس إدارة المركز القومي، وبالتالي لم أكن أتقاضى منهم مرتبا أصلا منذ أن انتهى العمل في الدورة السابقة في 30 يونيو 2012، وسمعت أخيرا أنهم اتفقوا مع منتج سينمائي على أن يتولى إدارة المهرجان. ومع كل التقدير والاحترام لشخصه، إلا أنني لم أسمع في حياتي وأنا أتجول منذ ثلاثين عاما بين عشرات المهرجانات السينمائية في العالم، أن منتجا سينمائيا تولى إدارة مهرجان سينمائي دولي. ولكن مصر بلد العجائب، ولذلك أصبحنا أضحوكة العالم!

·        هل شاركت فى التحضير للمهرجان فى هذه الدورة أو لم يتم لها التحضير من أساسه؟

كنت قد أعددت حطة تفصيلية لملامح الدورة قدمتها كما ذكرت في بياني لكمال عبد العزيز بناء على طلبه واتصاله بإلحاح عدة مرات، وقال لي إنها خطة ممتازة وإنه سيعرضها على الوزير، لكنه اختفى بعد ذلك ولم أسمع منه شيئا وإنشغل أيضا في السفر للمهرجانات كممثل لمؤسسة السينما المصرية (المركز القومي). لكنهم الآن يلتقطون الجديد من خطتي ويعلنون في الصحف أنها من بنات أفكارهم وهذا في حد ذاته نوع من النصب والاحتيال بل والسرقة أيضا وعليهم أن يخجلوا من أنفسهم.. وسأنشر الخطة الكاملة قريبا جدا لكي يكف هؤلاء عن سرقة جهد وخبرة وأفكار الآخرين. وكنت قد اتفقت أيضا مع عدد من السينمائيين والنقاد الأجانب والعرب على عرض أفلامهم وضمهم للجنة التحكيم الدولية، كما اتفقت مع جهات دولية على أن تكون "رعاة" للمهرجان. لكن هذا كله تم بمبادرة شخصية مني وعلى نفقتي الخاصة عند سفري للمهرجانات الدولية ولكني توقفت بعد أن ايقنت انني أتعامل مع وضع عبثي ليس فيه أي نوع من الإستقرار، وهذا حال مصر كلها عموما في الوقت الحالي.

وقد أصدرت بياني الصحفي الأخير الذي نشرته وعلقت عليه جهات عديدة، بشأن نهاية دوري في المهرجان بعد أن عدت من مهرجان برلين السينمائي حيث تلقيت الكثير من الأسئلة من الأصدقاء سواء من الصحفيين أو السينمائيين، حول المهرجان ورغبتهم في المشاركة في دورته القادمة فكان لابد من توضيح الأمر للرأي العام لكي أخلي مسؤوليتي تماما.

عين على السينما في

27/02/2013

 

مهرجان السينما والحكومة

بقلم   سمير فريد

٢٧/ ٢/ ٢٠١٣

صدر الأسبوع الماضى قرار وزير الثقافة بتعيين المنتج السينمائى محمد حفظى، مديراً لمهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة فى دورته السادسة عشرة التى تنعقد فى يونيو المقبل، ويرأسه مدير التصوير كمال عبدالعزيز رئيس المركز القومى للسينما.

يعرف كمال عبدالعزيز تقديرى له كفنان مبدع، وباحث فى تاريخ السينما وفى تاريخ مصر بصفة عامة، ولكنى لا أوافق على نظيم الحكومة لأى مهرجان سينمائى، ولا حتى المهرجان القومى المتوقف دون مبرر، والذى أرى أن تنظمه نقابة المهن السينمائية.

ويعرف محمد حفظى تقديرى له، كمنتج طليعى كان وراء إنتاج العديد من الأفلام المستقلة التى عبرت البحر المتوسط، وكانت خير ممثل لمصر والسينما المصرية فى أوروبا وأمريكا واليابان وفى العالم العربى وكل العالم. ولكنى أرى أن دورة مهرجانات السينما فى كل مكان يجب أن تكون لنقاد أو باحثين، وليس لأى ممارس لأى مهنة سينمائية.

وما دام قد «تقرر» إقامة مهرجان الإسماعيلية الذى يجب من وجهة نظرى أن تنظمه جمعية اتحاد السينمائيين التسجيليين، فإننى أتمنى لرئيس ومدير المهرجان الجديدين كل النجاح، فنجاح أى مهرجان فى مصر ينسب إلى الثقافة المصرية، وفشله أيا كانت الجهة التى تنظمه يعود على الثقافة المصرية أيضاً.

وموقفى الحاسم ضد أن تقوم الحكومة بتنظيم المهرجانات، ليس مجرد مبدأ «مثالى»، وإنما من واقع تجربتى الخاصة مع هذه المهرجانات، فقد كنت مديراً لثلاثة مهرجانات نظمتها وزارة الثقافة، واستقلت بعد دورة واحدة فقط، ورغم نجاح هذه الدورات الثلاث بكل وأى مقاييس النجاح والفشل.

كنت مديراً لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام ١٩٨٥، وأعادت هذه الدورة اعتراف الاتحاد الدولى كمهرجان من دون مسابقة، وعملت فيها وكل العاملين معى من دون أجور نتيجة قرار على لطفى رئيس مجلس الوزراء آنذاك فى آخر لحظة أن يقام المهرجان بـ«الجهود الذاتية». وكنت مديراً لمهرجان الإسماعيلية عام ١٩٩٥، وكان قد توقف عدة سنوات، وكان أجرى ثلاثة آلاف جنيه، وبعد المهرجان طلب منى أن أضع فى الميزانية مائة ألف جنيه مكافآت لمكتب الوزير وآخرين من موظفى وزارة الثقافة! وكنت مديراً لمهرجان القاهرة الدولى لأفلام الأطفال عام ١٩٩٨ بعد وفاة مؤسسه الراحل الكبير سعد الدين وهبة عام ١٩٩٧، وحتى الآن لم يتم دفع تكاليف فندق شيراتون الذى أقيم فيه المهرجان. ولا تتسع صفحة كاملة من الجريدة لذكر المهازل الإدارية والمالية لمهرجانات الحكومة. بل إن مجرد تكليف محمد حفظى بالإدارة قبل ثلاثة أشهر فقط من المهرجان دليل قاطع على صحة موقفى، فأى دورة من دورات أى مهرجان تحتاج إلى سنة كاملة من العمل المستمر حتى تحقق النجاح المأمول. 

اليوم إيزابيللا روسيللينى تتسلم جائزة «كاميرا البرلينالى»

بقلم سمير فريد

٩/ ٢/ ٢٠١٣

«كاميرا البرلينالى» جائزة خاصة تمنحها إدارة مهرجان برلين كل سنة منذ عام ١٩٨٦ لفنان سينمائى عن مجموع أعماله، وفى بعض السنوات يفوز بها أكثر من فنان، كما هو الحال هذا العام، حيث فازت بها الممثلة والنجمة الإيطالية العالمية إيزابيللا روسيللينى، وهى ابنة اثنين من رموز السينما فى كل تاريخها، المخرج الإيطالى روبرتو روسيللينى والممثلة السويدية إنجريد برجمان، وفاز بها أيضاً كاتب السيناريو الألمانى روسا فون برايونهايم. وفى حفل خاص يقام مساء اليوم يتسلم كل منهما الجائزة.

الفن المركب فى «الملتقى»

يتكون برنامج «الملتقى» من ثلاثة أقسام هى: البرنامج الرئيسى، والبرنامج التاريخى، وبرنامج «امتداد الملتقى»، الذى يقدم عروضاً لأعمال من الفن المركب (سينما ورسم ونحت وفيديو وفوتوغرافيا).

وفى «امتداد الملتقى» هذا العام أربعة أعمال من العالم العربى، منها عملان من مصر وعمل من لبنان وعمل من الإمارات. أما العملان المصريان، فأحدهما تشترك فيه فنانة السينما التسجيلية الكبيرة عطيات الأبنودى مع الفنان بول جيتاى، مؤسس «مركز الصورة» فى القاهرة، وعنوانه «كافيتريا»، والعمل المصرى الآخر للفنان مالك حلمى، وعنوانه «تسجيلات من دولة مثيرة: الجزء الثالث». وأما العمل اللبنانى فهو «أحلام بيبى»، للفنان على شيرى، ومن الإمارات «أبعد مما ترى العين» للفنانة بسمة الشريف عن الحياة فى غزة، وتقول صاحبته: «لقد أصبحت غزة مصغرا للتعبير عن انهيار الحضارة الإنسانية».

سوق الإنتاج المشترك

عندما تولى ديتركوسليك إدارة مهرجان برلين ابتكر ثلاث مؤسسات جديدة تتبع المهرجان هى: صندوق دعم السينما العالمية، وسوق الإنتاج المشترك، ومخيمات المواهب، والكلمة تترجم أحياناً معسكرات، لكن الكلمة فى العربية ترتبط بالتدريبات العسكرية، بينما المقصود هنا التدريبات السينمائية.

قدم صندوق دعم السينما العالمية منذ عام ٢٠٠٤ دعماً مالياً لعدد ١٠٦ مشروعات من بين ١٨٧٩ مشروعاً تقدمت للحصول على الدعم. والصندوق يختص أساساً بدعم المشروعات المقدمة من صناعات السينما الصغيرة والمتوسطة فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط ودول وسط وجنوب آسيا.

أما سوق الإنتاج المشترك فقد أنجزت ١٤٠ مشروعاً فى نفس الفترة. وفى السوق العاشرة هذا العام ٣٨ مشروعاً مختاراً من مجموع ٣١٨ تقدمت للسوق، ومن بين المشروعات المختارة واحد من العالم العربى، وهو مشروع الفيلم الأردنى «ذيل الكلب» تأليف وإخراج رامى ياسين. وفى هذا العام، تم اختيار ٧ شركات من ٧ دول هى ألمانيا وفرنسا والنرويج وهولندا وكندا والبرازيل ومصر (شركة محمد حفظى «فيلم كلينيك»)، وذلك باعتبارها شركات متميزة فى مجال الإنتاج المشترك. وينظم السوق أكثر من ألف لقاء بين ممثلى نحو ٥٠٠ شركة وبين أصحاب المشروعات الـ ٣٨. وفى العام الماضى، أضاف مدير مهرجان برلين إلى سوق الإنتاج المشترك برنامج «إقامة برلين»، حيث تتم استضافة خمسة من أصحاب المشروعات المختارة للإقامة فى برلين عدة شهور لاستكمال مشروعاتهم.

من مكتبة الإسكندرية إلى مخيمات المواهب

«مخيمات المواهب» القسم الوحيد من نوعه فى مهرجانات السينما فى العالم، حيث يتم اختيار أكثر من ٣٠٠ من السينمائيين الشباب من مختلف الدول للاجتماع والحوار ومشاهدة مختارات من أفلام المهرجان ومناقشاتها مع المخرجين، والاشتراك فى ندوات مع كبار السينمائيين، والاستماع إلى محاضرات علمية وعملية من خبراء دوليين.

وقد سبق أن اشترك فى «مخيمات المواهب» عدد من شباب السينما فى مصر مثل: مروان حامد وأحمد عاطف ونيفين شلبى وعماد مبروك وغيرهم. وفى هذا العام يشترك أحمد نبيل، منسق البرامج السينمائية فى مكتبة الإسكندرية، وأحد مخرجى السينما المستقلة فى المدينة. ويشترك من مصر أيضاً المنتج حسام علوان والمخرجان أحمد عامر وعبدالله الغالى. ويشترك من دول عربية أخرى كرستيان عيد وغيث الأمير وجو حرفوش وميرا الكوسة من لبنان، ونورا الشريف من الأردن، وأمين هاتو من الجزائر، ومهاسينيا لحشادى من المغرب، أى ١١ شاباً وشابة من صناع السينما العربية فى المستقبل.

الماضى والحاضر

ومثل أغلب مهرجانات السينما فى العالم، يهتم مهرجان برلين بعرض نسخ جديدة مرممة لمختارات من تاريخ السينما فى برنامجين: البرنامج التاريخى للمهرجان والبرنامج التاريخى للملتقى، وفى هذا العام ولأول مرة، أضيف برنامج ثالث بعنوان «كلاسيكيات البرلينالى»، وهو نفس عنوان البرنامج المماثل فى مهرجان كان، وهو «كلاسيكيات كان».

موضوع البرنامج التاريخى هذا العام صناع السينما فى «جمهورية فايمر» الألمانية التى بدأت بعد الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٨ وانتهت مع تولى النازى للسلطة عام ١٩٣٣. وفى البرنامج التاريخى للملتقى ٩ أفلام من أمريكا وفرنسا والهند وكوريا قبل التقسيم، وفى «كلاسيكيات البرلينالى» خمسة أفلام: ٣ أمريكية وفيلم يابانى وفيلم ألمانى. وهكذا يتكامل الماضى ويتفاعل مع الحاضر، ومن ينسى التاريخ لا يستطيع صناعة المستقبل.

المصري اليوم في

09/02/2013

 

"فصل من حياة عامل خردة"

رؤية صادقة لواقع مليارات البشر

سمير فريد 

عندما شاهدت "بين الحدود" أول فيلم روائي طويل أخرجه دانيس تانوفيك، وذلك في مسابقة مهرجان كان عام 2001، نشرت في اليوم التالي أنه من "روائع" هذه الدورة من دورات المهرجان الدولي الكبير. وفي حفل الختام فاز الفيلم بجائزة أحسن سيناريو، والذي كتبه مخرجه، وفي العام التالي فاز بأوسكار أحسن فيلم أجنبي.

عرض الفيلم باسم فرنسا، ولكن هويته الثقافية بوسنية خالصة، وكان ولايزال من أهم الأفلام التي عبرت عن حرب البوسنة في مطلع تسعينيات القرن العشرين الميلادي الماضي. وقد درس تانوفيك الذي ولد عام 1969 السينما في أكاديمية سراييفو للفنون، وفي فترة حصار المدينة أثناء الحرب صور أكثر من 300 ساعة تسجيلية لأرشيف الجيش.

وفي عام 1994 درس تانوفيك في معهد أنساس للسينما في بروكسيل، واشترك في تكوين "جماعة ساجا" التسجيلية التي قدمت أول أفلامها "الإنسان، الله، الوحش" في برنامج "نصف شهر المخرجين" في مهرجان كان 1994، كما أخرج ثلاثة أفلام تسجيلية أعوام 1994 و1996 و1998، وكانت كلها عن الحرب.

وبعد النجاح الدولي الكبير لفيلم "بين الحدود"، أخرج تانوفيك ثلاثة أفلام روائية طويلة أخرى في العقد الأول من القرن الجديد، وهي "جحيم" 2005 عن سيناريو كريستوف كيشلوسكي، و"تراجي" 2009، و"سيرك كولومبيا 2010. والفيلمان الأخيران مثل "بين الحدود" عن الحرب التي عاشها في شبابه المبكر وهو في مطلع العشرينيات من عمره، وكان من الطبيعي أن ينشغل بها، فهي أكبر الأحداث المؤثرة في حياته وفي التاريخ المعاصر لبلاده.

واقع اليوم

وقد شهد مهرجان برلين السينمائي الدولي الـ63 (7-17 فبراير 2013) العرض العالمي الأول لفيلم تانوفيك الروائي الطويل الخامس "فصل من حياة عامل خردة"، والذي عرض داخل المسابقة، وفاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة (الدب الفضي) التي تلي الدب الذهبي مباشرة، كما فاز بجائزة أحسن ممثل نظيف موجيك، وكان الفيلم الوحيد الذي فاز بجائزتين من جوائز المهرجان الثمانية.

مرة أخرى نشرت قبل إعلان الجوائز أنه من الأفلام الجديرة بالفوز، وإن لم أتوقع فوزه بالجائزة الكبرى التي فاز بها، ولم يخطر على بالي، وربما لم يخطر على بال أحد أن يفوز بجائزة أحسن ممثل لأن نظيف في الفيلم لا يمثل، وإنما يقوم بدوره في الحياة، وبنفس الاسم!. وبهذا الفيلم، وذلك الانتصار المزدوج في أحد مهرجانات السينما الدولية الكبرى الثلاث (مع مهرجان كان ومهرجان فينسيا) يعود تانوفيك من جديد ليحقق نجاحاً دولياً كبيراً، والأرجح أن يفوز بمزيد من الجوائز طوال العام الجديد، وربما يصل إلى الأوسكار مرة ثانية.

هنا يبدأ فنان السينما بعد أن تجاوز الأربعين من عمره مرحلة جديدة في حياته الفنية، ويعود إلى الواقع في بلده في الزمن الحاضر، وإلى جذوره التسجيلية في نفس الوقت، ويقدم في هذا الفصل من حياة عامل خردة تجربة فنية شائقة، ويؤكد التزامه بقضايا الشعب الذي ينتمي إليه. إنه لأول مرة في أفلامه "الروائية" الطويلة لا يتناول الحرب، ولكنه ليس بعيداً عنها. يقول بطله في منتصف الفيلم: "لقد قاتلت في الحرب لمدة أربع سنوات، وشاهدت موت ثلاثة من رفاقي، ولكن الحرب كانت أرحم من واقع اليوم".

فصل من حياة

العنوان دال على الموضوع، فلا توجد "قصة"، وإنما فصل من حياة نظيف الذي يجمع البقايا الحديدية من هنا وهناك، ويقوم بتقطيع السيارات المحطمة، ويحصل على مقابل بسيط من تاجر الخردة، حتى يتمكن من الإنفاق على أسرته المكونة من زوجته سينادا وطفليهما ساندرا وسينشا، وفي الطريق طفل ثالث تحمله سينادا.

يعيش نظيف في منزل صغير في قرية بولجيج الفقيرة. ويقوم كل أفراد الأسرة والجيران بأدوارهم الحقيقية في الحياة، وبنفس أسمائهم. والفصل الذي يختاره تانوفيك من حياة نظيف حقيقي بدوره. ويبدأ مع شعور سينادا بألم حاد، فيذهب معها إلى المركز الصحي، وهناك يتبين أن مصدر الألم هو موت الجنين في رحمها وهر في الشهر الخامس، وأن من الضروري إجراء جراحة عاجلة في مستشفى المدينة، وهي العاصمة سراييفو. وفي هذه المستشفى ترفض الإدارة إجراء العملية قبل دفع 980 مارك (500 يورو)، وذلك لأن الأسرة ليس لديها بطاقة التأمين الصحي.

يقول نظيف للطبيب أنه لا يملك هذا المبلغ، ومن المستحيل عليه تدبيره، ولكن من دون جدوى. وبعد محاولات عديدة، يتم التحايل على المستشفى باستخدام بطاقة أحد أفراد العائلة، وتجرى العملية بنجاح، وتعود الأسرة إلى حياتها العادية. ويبدأ الفيلم وينتهي بمشهد للزوج والزوجة والطفلين يشاهدون التلفزيون الصغير الأبيض والأسود.

مليارات البشر

إن المعلومات عن كون الواقعة حقيقية، وكون الشخصيات تقوم بأدوارها الحقيقية، ولا تمثل شخصيات درامية في "سيناريو" هي معلومات من خارج الفيلم، ولا تعني المتلقي في قليل أو كثير، كما لا تعني أن هذه الشخصيات غير درامية. لا يستمد الفيلم قيمته من أصوله الحقيقية، وإنما من تعبيره البسيط والعميق في آن عن هذه الأسرة، والذي يصل عمقه إلى حد تجاوز الواقع البوسني إلى الواقع في أغلب دول العالم. إنه فيلم عن مليارات الفقراء الذين يعيشون على هذه الأرض بلا عمل حقيقي، وبلا مسكن حقيقي، وبلا تأمين حقيقي، وفي عبارة واحدة بلا حياة حقيقية.

إنهم بؤساء، ولكنهم يقاومون من أجل البقاء، وينتزعون "السعادة" انتزاعاً بالحب والتراحم والتعاون والمحافظة على كرامتهم الإنسانية. أنظر إلى سينادا بعد أن ذهبت إلى المستشفى مرتين وترفض العودة للمرة الثالثة لشعورها بالإهانة. لقد فضلت الموت على مواجهة الموقف للمرة الثالثة، ولم توافق إلا بعد أن تأكدت أنها ستجري العملية. إنه فيلم يعلي من شأن الإنسان بقدر ما ينتقد تقصير الدولة.

سينما خالصة

يتكامل المضمون الإنساني مع أسلوب التعبير الذي ينتمي إلى السينما الخالصة، فعمارة الفيلم ليست "أحداثاً" نتابعها، وإنما لقطات تتوالى وتبني هذه العمارة في تكوينات تشكيلية خشنة، وباستخدام حركة الكاميرا الحرة المحمولة على اليد، وكل أحجام اللقطات، و"التمثيل" اللاتمثيل الذي حقق المصداقية إلى أبعد الحدود.

ويبدو فضل كاميرا الديجيتال الصغيرة واضحاً في الحركة داخل المنزل الضيق، وفي شوارع القرية غير الممهدة، وفي التوغل داخل الشخصيات بالمنظر الكبير وكأنها تدعوهم للبوح عما يعتمل داخلهم. وقد برع في التصوير بالألوان إيرول زيوبيفيك، وبرع في المونتاج تيمور ماكاريفيك بحيث لم تكن هناك لقطة واحدة زائدة عن الحاجة الدرامية، واكتمل الفيلم في74 دقيقة، وبرع في تصميم شريط الصوت سمير فوكو رغم استبعاد استخدام الموسيقى تماماً. كانت أصوات الحياة الحقيقية هي الموسيقى. كانت الموسيقى في المعنى الكبير، وفي الرؤية الإنسانية الصادقة.

الجزيرة الوثائقية في

27/02/2013

أفغانستان.. الحرب الخاسرة

قيس قاسم

"لم يكن بين كل مهاجمي الحادي عشر من سبتمبر أفغانياً واحداً ولم يكن بينهم أحد ينتمي الى حركة "طالبان"". تلك بعض مفارقات الحرب التراجيدية على أفغانستان كما يسجلها الفرنسي ألبرتو ماركوارت في فيلمه "أفغانستان.. الحرب الخاسرة" ويسردها ضمن سياق عرضه لأسباب الحرب وعن حتمية خسارة الولايات المتحدة الأمريكية لها كونها استندت وبالأساس على حجج واهية وكان دافعها الأول "الانتقام". 

أن يتوصل تسجيلي الى استنتاج نظري كهذا في مسألة سياسية شائكة ومعقدة لا يخلو بدوره من تعقيد على مستوى التنفيذ البصري الصرف، وقد يأتي في النهاية على حسابه وعلى حساب مستوى فنيته، حتى إذا نجح في توصيل فكرته، لصعوبة توفر خامات فلمية توازن بين قوة الفكرة وجودة الصنعة في مثل هذة الحالات، لهذا لجأ ماركوارت الى وسيلة تقليدية تعتمد مقابلة شخصيات لها صلة شديدة بالموضوع ولها قدرة على اضفاء حيوية اليه والى جانبها أضاف اليه صوراً وتسجيلات مؤرشفة لم يعرفها العالم من قبل عبر وسائل الاعلام أو في الأقل لم يطلع عليها بقدر ما اطلع على رد فعل الجانب الثاني من معادلة الحرب، وبهذا حقق عنصراً مهماً في تركيب وثائقيه، ألا وهو: "التحفيز". 

لقاءات سفير حكومة "طالبان" في باكستان والمتحدث الرسمي بإسمها الملا عبد الله سلام مع الصحفيين ومؤتمراته العلنية بعد الهجمات مباشرة، لم يسمعها العالم، لقد طغت خطابات الرئيس الأمريكي بوش على سواها ووحدها كانت الأرض تسمع صداها العالي عبر المحيطات. لم يأبه أحد بمخاوف طالبان ولا قدر الطرف المتضرر دعواتهم للحوار والتفاهم، لقد أصيبوا بعمى "الانتقام" ولم يعد من معنى للطرف الآخر وبما يعرضه من أفكار. في الصورتين المتعارضتين يفهم المرء، ولو متأخراً، جانباً خطيراً من اللعبة المدمرة.

فطالبان شعرت بأن هجمات سبتمبر تحولت الى كابوس يهدد وجودها وان الانتقام منها آت لا ريب فيه لأن عدو أمريكا الأول يقيم بين ظهرانيها وأن ساعة الهجوم قد أزفت بعد خطاب بوش في الكونغرس يوم العشرين من سبتمبر وفيه طالبهم بتسليم رأس بن لادن كأمر غير قابل للنقاش. لم يسمع العالم كلمات السفير "نحن ندين الإرهاب وممارساته.. وندعو العالم كله للمجيء عندنا للتباحث وايجاد حل". لقد تبخرت كلماته ولم يسمع لها صدى! لم تنقل المحطات التلفزيونية الأوربية والأمريكية ولا وكالاتها الاخبارية العالمية تلك الكلمات ولم تبث صورة الخطاب، كانت معنية أكثر بصور الخراب المريع الذي أصاب المركزين وكانت هي السائدة.

حتى أصوات بعض رجال مخابراتها لم تصغي الإدارة الأمريكية اليها، فالحرب على أفغانستان صارت لهم هدفاً بحد ذاته وصارت "القاعدة" و"طالبان" بالنسبة اليهم ذات الشيء، ومن يبحث عن الفوارق يضع نفسه خارج حدود "العدالة والوطنية الحقة".

في "أفغانستان.. حرب خاسرة" تلمس مدهش لموقف المخابرات الأمريكية من الحرب ضمن سياق وظيفتها وتعارضها مع مصالح قادة الجيش وصناع الحروب فبالنسبة للعسكر كان الهجوم "الانتقامي" على بلد بعينه أفضل لهم بما لا يقاس من ملاحقة شبكة ارهابية معقدة التنظيم. كانت حجتهم ترتكز على روح الغطرسة القومية والتهيج العاطفي "لقد وفر طالبان مكاناً آمناً للقاعدة التي هاجمتنا في عقر دارنا وقتلت أكثر من ثلاثة ألاف من مواطنينا لذلك لابد من مهاجمتنا لهم أيضاً.. هم شركاء عدونا.. لا بل هم أعداؤنا أيضاً". وبهذا الصدد يسجل الوثائقي بالتفاصيل الدقيقة خطة الهجوم على أفغانستان وكيف أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تُشْعر حتى قادة الدولة المهاجمة بنيّتها المسبقة متعارضة مع حجتها الرسمية في أن تدخلها يستهدف بالأساس البحث عن قادة القاعدة وتقديمهم للعدالة! في ذات الوقت كانت آلتهم الدعائية تشتغل على مستوى أخر، محاولة فيه تصوير حجم الخراب الذي ألحقه طالبان بالمجتمع الأفغاني وكيف أعادوه الى الوراء قروناً وبخاصة موقفهم الرجعي من المرأة. لقد اقترن التدخل الأمريكي في ذهن المواطن الغربي بتحرير البلاد من طالبان وحرباً على التخلف وأن الأمريكان وحلفاءهم بتدخلهم في تلك البلاد انما يساهمون في تحرير نسائها، لدرجة أصبح في ذهن أغلبية الفرنسيين ان العمل على تخليص الأفغانيات من "البرقع" سبباً كافياً لإقتناعهم بعدالة الخطوة الأمريكية "التحررية". لقد جرى خلط مدروس للأوراق على المستوى الدعائي لكن على المستوى الفعلي وعلى الأرض جرى العكس تماماً لقد قرب الانتقام الأمريكي بين القاعدة وطالبان والاثنان صوراه بأنه يستهدف المسلمين بالدرجة الأولى وبأنه امتداد للفكر الصليبي، وبذلك كسبا تأييداً أكبر من عامة الناس وأمن ذلك قوة جدية لهما واحتياطياً بشرياً وافراً

لم ينفع تكتيك الجيش الأمريكي بالتواري عن الأنظار في بداية تدخلهم، كون الميلشيات التي اعتمدوا عليها لمواجهة طالبان والقاعدة بدلاً عنهم كانت مُفسدة وقادتها رجال حروب بإمتياز وتجار مخدرات وفي مقدمتهم أحمد شاه مسعود القادم بدافع الانتقام القبيلي والشره للحصول على السلاح والمال، لايهمه من أين جاء قدر اهتمامه في الإنتقام من طالبان التي أخرجته من كابول وأضعفت سلطته ومصادر ثروته. المفارقة أن الأمريكان قد استعانوا بمن خرب البلاد قبل طالبان. لقد وجدوا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه فمن جهة اضطروا للمشاركة المباشرة في الحرب ومن جهة أخرى اكتشفوا خطأهم في نوع تحالفاتهم المحلية، وكان هذا سبباً كافياً لذهابهم للأمم المتحدة وطلب مساعدتها في تخليصها من ورطتهم، لكن بعد فوات الآوان فالخسارة بدأت تلوح في الأفق والوعود التي أعلنتها لإخفاء قناع انتقامها لم تسعفها حتى بعد تشكيلهم حكومة "ديمقراطية"، فسرعان ما وصل  فساد الأخيرة الى مستويات فاقت التصورات وحجم الفوضى التي عمت البلاد بسببهم لا يمكن وصفها بالنصر في مطلق الأحوال، بل التوصيف الأدق لها يتوافق مع عنوان الوثائقي نفسه: "أفغانستان.. الحرب الخاسرة".. منذ البداية

الجزيرة الوثائقية في

27/02/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)