حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

30 دقيقة.. بعد منتصف الليل

كمال رمزي

الأربعاء 27 فبراير 2013

 

أثار الفيلم استياء قطاعات واسعة من الناس، وأكثر من مؤسسة: الهنود، كانوا أول الغاضبين، ذلك أن المخرجة، كاترين بيجلو، فضلت تصوير المشاهد التى تدور فى إسلام آباد الباكستانية، داخل مدينة شانديغار الهندية، وبالضرورة، غيرت كلمات لوحات الإعلانات إلى اللغة الأوردية، وتعمدت زخرفة عدة حافلات بألوان زاهية، حسب المزاج الباكستانى، بالإضافة لظهور مئات الكومبارس، رجال ونساء، فى مشاهد السوق، بجلابيب قصيرة وبناطيل طويلة وطواقى بالنسبة للرجال، والحجاب بالنسبة للنساء.. استهجن سكان شانديغار «حضور باكستانى فى الهند»، اندلعت مظاهرات، انتهت بتشغيل أبناء المدينة، ككومبارس، من ناحية، والتعهد بعدم رفع الأعلام الباكستانية من ناحية أخرى.

فى باكستان، انزعج كل من شاهد الفيلم، بسبب الثورة الزرية، الباهتة على الأقل، التى ظهر بها الشعب، فقررت الشركات السينمائية الامتناع عن توزيع الفيلم فى دور العرض.. وأبدت الحكومة الباكستانية استنكارها لما يتضمنه الفيلم بشأن إمداد المخابرات الأمريكية بأرقام هواتف بن لادن.

بعيدا عن قارة آسيا، تفجر الجدل داخل واشنطن، وبالتحديد، فى مجلس الشيوخ، حيث ملف التعذيب الذى لم يغلق بعد، سواء داخل المعتقلات الأمريكية، أو خارجها، فيما سمى «المواقع السوداء»، كجزء من عولمة التعذيب، بمشاركة «54 دولة».. طبعا، بلادنا العربية من بينها، وإن لم يذكر الفيلم منها، بإلحاح، إلا الأردن.. سريعا، انبرى كبار المسئولين فى الـ«سى آى ريه» للدفاع عن وكالة المخابرات المركزية، ومهاجمة الفيلم الذى تضمن، فى بدايته، مشاهد تعذيب شديدة القسوة، طوال الربع ساعة. المدافعون، قالوا كلاما مستفزا، من نوع «أساليب الاستجواب اكتفت بالحرمان من النوم والتعرض للبرد وإبقاء المعتقل فى أوضاع مؤلمة والصفع ومحاكاة الغرق»، وبالنسبة للممارسة الأخيرة، قىل «ان محاكاة الغرق كانت تجرى باستخدام وعاء صغير وليس دلوا كما فى الفيلم».. فياللرحمة! عموما، ردت كاترين بيجلو بقولها «الذين انتقدوا الممارسات التى حدثت أثناء الاستجوابات، عليهم توجيهها إلى من وافقوا ومارسوا هذه السياسات وليس إلى الفيلم».

أما عن «ثلاثين دقيقة».. فإنه ينتمى لأفلام التحقيق، أو «الريبورتاج»، يتابع، خطوات اصطياد بن لادن، فى أعقاب تدمير برجى التجارة العالمى، عام 2001، حيث يعاد على مسامعنا أصوات ركاب الطائرتين، على نحو مؤثر، وهم يستنجدون بمن ينقذهم.. وبعد فاصل طويل من التعذيب، تحضره «مايا»، بأداء جسيكا شاستين، يدخل الفيلم فى تفاصيل باردة، تبعث على درجات متزايدة من الملل، ليروى، من السطح، ذلك الجهد الكبيرالذى بذلته «مايا»، وريثة الأبطال الهوليووديين، الذين لا يشق لهم غبار، المتمتعين بالفطنة وقوة العزيمة والجلد، وكافة الخصال التى اتسم بها طابور نجوم يبدأ قبل جون واين ويستمر إلى ما بعد سلفستر ستالونى.. فهى، ليس فى حياتها سوى هدف «نبيل» واحد: الإيقاع بأسامة، حيا أو ميتا.. لكن الفيلم يتحاشى الاقتراب من القضية سياسيا، وفى ذات الوقت، يسير وفق منطق بوليسى، كما لو أن تعقب الرجل ليس أكثر من بحث عن مجرم هارب، فإذا استبدلت بن لادن، فى الفيلم، بتاجر مخدرات، أو قاتل، أو زعيم مافيا، لما تغير شىء، فهنا، عن عمد، يتم تسطيح جوانب الحكاية، وإغفال مقدماتها وتداعياتها ونتائجها، فإذا كان بن لادن لا يظهر طوال العمل الذى لا يشير من قريب أو بعيد، لدور العم سام فى اختراع ودعم تنظيم القاعدة، فإن أحدا لا يمكنه إغفال ما ينطوى عليه الفيلم من مراوغة ترمى لإبراء الولايات المتحدة من علاقتها بالرجل الذى انقلب عليها.

مع كاتب السيناريو، مارك بول، قدمت كاترين بيجلو «خزانة الألم» الفائز بالعديد من الجوائز الدولية، ولكنه، وهو يدور فى العراق، لا يلتفت للشعب العربى هناك، فى الوقت الذى يتابع، بقلب واجف، بطولة جنود أمريكيين.. وهنا، مرة أخرى، يطالعنا الشعب الباكستانى، هائما فى الأسواق، أو يقترب مترددا، من بيت بن لادن، أثناء الغارة الوحشية التى أودت بحياة أطفال ونساء، وسرعان ما تتشتت جموعهم، بأمر حاسم من أحد ضباط العم سام.. إنه فيلم مراوغ، لا يستحق كل هذه البروبجندا.

 

لينكولن

كمال رمزي

السبت 23 فبراير 2013

هل تتذكر الممثل البريطانى دانيال دى لويس الذى أدى، باقتدار، وخصوصية فريدة، دور الجزار، الموغل فى الشر، القائل، صاحب الضمير الميت، فى «عصابات نيويورك» لمارتن سكورسيزى 2002، واستطاع، على نحو ايحائى، التعبير عن الجانب المظلم، الوحشى، فى تراث العم سام، متمثلا فى الرغبة العارمة فى الهيمنة، والابتزاز، والاستعداد الدائم لاستخدام قوة القمع.. دانيال دى لويس، بنظراته المتنمرة، حتى وهو يبتسم، تشيع جوا كثيفا من التوتر، ينتقل من الشاشة إلى المشاهد الذى يتوقع اندفاعه غادرة من المدية التى يجيد استخدامها، حسب هواه، فأحيانا، لمجرد علامات  غائرة على الوجه، تظل باقية طوال الحياة، وغالبا، للقتل.. الجزار، فى جملة واحدة: خطر يمشى على قدمين.

إذا تذكرنا هذه الشخصية العاتية، تفهمنا لماذا رفض دانيال دى لويس، فى البداية، القيام بدور الرئيس لينكولن، المناقض تماما للجزاء.. أغلب الظن أن الممثل الكبير أحس بصعوبة الانتقال من هذا النموذج المتمرغ فى الوحل والدم، إلى ذاك الرجل، صاحب المثل العليا.. وربما خشى الفنان عدم تصديق الجمهور، خاصة أن أحداث «عصابات نيويورك» تدور عام 1863، أثناء فترة رياسة لينكولن، بالإضافة إلى أن المخرج ستيفن سبيلبرج، عرض على دى لويس أداء الدور عقب انتهاء الأخير من تجسيد الجزار مباشرة، فما كان من سبيلبرج إلا إعلانه أنه لن يحقق «لينكولن» إلا ببطولة دانيال دى لويس.. بعد عشر سنوات من «عصابات نيويورك»، قرأ دى لويس النسخة الأخيرة من السيناريو الذى كتبه تونى كوستر، والواضح أنه أعجب به، فوافق.. وبالتالى، أصبح عليه أن يتمثل شخصية الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، ويجسده، شكلا وجوهرا، وعلى نحو يختلف ــ إن لم يتميز ــ عن أكثر من مائتى ممثل قدموا «لينكولن» فى أفلام روائية من أنواع متباينة إن لم تكن متضاربة، حتى زن بعضها، مثل «إبراهام لينكولن: صياد مصاص الدماء»، ينتمى لأفلام فانتازيا الرعب.

دانيال دى لويس، يتطابق مظهرا من صورة «لينكولن»: طويل، نحيل، يمشى بعناء، عظام وجهه بارزة، تجاعيد حول عينيه الغائرتين، حليق الشارب مطلق اللحية، ناعم الشعر، بسيط فى ملابسه، يتحرك بتوءدة.. أما عن صوته، غير المتوفر، فإن دى لويس، كما يقول، أخذ يدرس ويبحث ويتخيل كيف ينطق الرئيس كلماته، من خلال كتاباته وخطاباته، حتى أنه ــ والكلام للممثل ــ أصبح يسمع صوت لينكولن فى أذنه.

أما عن الأبعاد الداخلية للرئيس، فإن الفيلم وضع نصب عينيه أن الرجل مسئول عن آفة فى حظه، فالحرب الأهلية التهمت ستمائة ألف نفس بشرية، والاقتصاد شدد التدهور، وولايات الجنوب تصر على الانفصال، وترفض تحرير العبيد.. ومثل كل الأوطان التى تمر بمثل هذه المآزق، إما أن تفرز قيادة قادرة على الوصول إلى بر آمن، أو تتسلط عليها طغمة جاهلة، فاسدة، تزيد الأمور انهيارا.

إبراهام لينكولن، تاريخيا، هو رجل الساعة، يملك الخيال والإرادة ونفاذ البصيرة، وبعيدا عن الفترة الصاخبة التى عاشها لينكولن «1809 ــ 1865»، تعمد الفيلم الاكتفاء بالشهور الثلاثة الأخيرة فى حياته، وابتعد عن المشاهد الضخمة للمعارك الحربية، فيما عدا ثلاثة مشاهد تكاد تكون صامتة، بل ساكنة أيضا. فى البداية، تحتدم موقعة حامية، تتلاحم فيها الأجساد وتتصادم الخيول، وكأن سبيلبرج يذكرنا أنه صاحب «إنقاذ الجندى رايان»، وأنه يجيد إخراج مثل هذه الأمور.. أما المشهد الثانى، المكثف، الأعمق تأثيرا، فتتابع فيه الكاميرا عربة يد خشبية، يدفعها رجلان حمولتها مغطاة بملاءة سوداء. سوائل تتساقط من العربة، تقترب من حفرة. يكشف أحدهما العطاء. الحمولة مكونة من أذرع وأرجل مبتورة، تلقى بداخل الحفرة المليئة أصلا بأطراف بشرية ممزقة.. أما المشهد الثالث، الطويل نسبيا، يطالعنا فيه الرئيس، ممتطيا صهوة جواده، ومعه عدد من جنرالاته، يسير متمهلا، فوق أرض موحلة، تتناثر فيها، بكثافة، جثث متفسخة، لا فرق بين جنوبيين وشماليين.

فى المقابل، اتجه سبيلبرج بفيلمه نحو الداخل، سواء على مستوى المكان، أو بالنسبة لبطله. معظم المشاهد تدور داخل البيت الأبيض، قبل اختراع اللمبات الكهربائية، ولعل الطموح إلى إضفاء المزيد من الواقعية، جاءت الإضاءة أقرب لمحاكمة الشموع، والأشعة الشحيحة المتسللة من النوافذ، وبالتالى بدت الكثير من اللقطات، خاصة الليلية، على درجة كبيرة من الإعتام، وربما قاتمة، وفى ذات الوقت، تعبر عن الوضع النفسانى الكئيب لوطن تتهدده المخاطر من كل جانب.. لكن هذا الأسلوب، فى تقديرى، تسبب فى انزعاج مشاهدين عاديين ونقاد، ودفعهم إلى مغادرة قاعات العرض.

لينكولن، فى الفيلم، ليس زعيما، ولا يتمتع بكاريزما تخلب لب مريديه، ولكنه، حسب رؤية تونى كوسنر وسبيلبرج وأداء دانيال دى لويس، رجل بسيط، قيمته الرفيعة ترجع لانحيازه للعدل، وإيمانه أن أمة، نصفها من العبيد، ونصفها من السادة، هى، كلها، أمة من العبيد.. بعبارة أخرى، يدرك لينكولن أن بقاء الولايات المتحدة، مرهون بالعدل، وهو، يقف إلى جانب المستقبل.

الحوارات، فى الفيلم، على درجة كبيرة من الأهمية، تبين بجلاء أن القيم السائدة، الموروثة، ليست بالضرورة صائبة، وسيأتى اليوم الذى تصبح فيه تلك الأفكار من مخلفات ماض بغيض، فحين يقترح أحد رجال لينكولن، فى مجلس النواب، عن إضافة مادة للدستور، تنص على أن كل المواطنين لهم ذات الحقوق أمام القانون، يصيح أحد المتعلقين بأهداب الماضى «وقد يأتى اليوم الذى تسمحون للجميع بالتصويت أيضا».. وبغضب وانزعاج يقول أحد العنصريين «وماذا بعد ذلك؟.. السماح للنساء بالتصويت!».. عندئذ، تضج القاعة بالاستياء والاستنكار.

تجنب الفيلم إضفاء أية هالات قداسة من الممكن أن يضعها على هامة لينكولن، وابتعد عن اعتباره أسطورة، فالرئيس، وهذه ميزته، رجل دولة بحق، لا يتصرف على نحو عشوائى، يعرف كيف يقود سفينة الوطن، ويجعلنا نرى، كيف تدار الأمور، أيا كانت درجة تدهورها.. و«لينكولن» فى هذا، يأتى للدراسة والتأمل، والمقارنة إن شئت، وليس لمجرد المتعة العابرة.

 

حكاية من زمن جميل

كمال رمزي

الثلاثاء 19 فبراير 2013

تستحق أن تروى فى هذه الأيام القاسية، خاصة إذا كان المخرج، المصور الكبير أصلا، سعيد شيمى هو الذى يسردها لنا، من خلال بطلها، ابن بورسعيد، محمد مهران، صاحب الصفحة المشرقة، فى كتاب الوطنية المصرية، حيث تشغل فيها المدينة الباسلة، مساحة لا يستهان بها.

«حكاية..» من إنتاج عام 1997، يبدأ من الصباح الباكر، مع صوت رنين المنبه، الرجل الضرير يتناول طعام الإفطار داخل شقته النظيفة، المتوسطة الحال، بعد أن ارتدى ملابس الخروج. بأصابع مدربة، يمد يده ليأخذ، من فوق المائدة، كوب الشاى الذى أعدته زوجته الطيبة، مثل كل الستات المصريات، ومن المذياع يتهادى صوت عبدالحليم حافظ بالأغنية العذبة التى تتغزل فى نهر النيل «يا تبر سايل بين شاطئين».

لأن سعيد شيمى، من أساتذة التصوير فى الشوارع التى يعشقها، فإنه، من خلال عدسة ابنه، المصور شريف شيمى، يتابع مسار محمد مهران، ببذلته الأليفة، ونظارته السوداء، فى طريق يعرفه تماما المعرفة. يرد تحية الصباح على جيران يميز أصواتهم. تتابعه الكاميرا حتى وصوله لمكان عمله «متحف بورسعيد الحربى».

وبمهارة، وبحكم الضرورة، يمزج الفيلم بين الخاص والعام، فالمحطات الأساسية فى حياة بطلنا، ترتبط أشد الارتباط بأحداث الوطن، فهنا، يرتد بطلنا إلى عام 1956، وبالتحديد، يوم 5 نوفمبر، حين أخذ الغزاة فى إنزال أول مجموعة من المظليين، على مطار الجميل، فتصدى لها أبناء المدينة، من الفدائيين، وبصدق يحكى الرجل عن المعركة التى نشبت بين المصريين والموجات المتتالية من البريطانيين.. محمد مهران، يذكر بمحبة وتقدير، اسم زميله فى الخندق المحفور على عجل، زكريا محمد أحمد، وكيف أنه خرج ليطلق رصاصات على الأعداء الذين يقتربون من المكان، ويستشهد، ثم يواجه مهران الغزاة بإلقاء القنابل اليدوية. يصاب فى قدميه، بينما ينجح فى إصابة الأعداء، ومن بينهم ضابط كبير. ذكريات مهران تتدفق بوضوح، كما لو أنها حدثت منذ أيام قليلة. ثم نقله إلى مستشفى فى قبرص، مع الضابط المصاب فى عينيه، وهناك أخبره الطبيب بأنهم سينزعون قرنية إحدى عينيه لنقلها للضابط الذى فقد بصره، وسيتركون له القرنية الثانية إذا هاجم نظام عبدالناصر، وأعلن فى الـ«بى بى سى». إن أهالى بورسعيد استقبلوا الغزاة بالورود، وعندما رفض انتزعوا القرنية الثانية وأصبح ضريرا.

بعد إعادته إلى مستشفى ببورسعيد قام الفدائيون بخطفه والتوجه به إلى مستشفى بالقاهرة.. الحماس يدب فى صوته، وهو يحكى عن زيارة عبدالناصر للجرحى والمصابين، وكيف احتضنه، وقال له: «إن ما فعلوه يهدف إلى إخافتنا.. إنهم أغبياء، ذلك أن مسلكهم الإجرامى هذا، يشد من عزيمتنا».. ولا يفوت شيمى، الأب والابن، التركيز على صورة عبدالناصر، وهو يحنو، بمحبة خالصة، على ابن بورسعيد.

يدعم سعيد شيمى فيلمه بمشاهد ولقطات وثائقية، بعضها من «فليشهد العالم»، ولا يفوته التركيز على صورة زفافه من الفتاة التى عرضت عليه، بإرادة كاملة، منحه إحدى عينيها.. وأصبحت، كما يقول مهران، عينيه اللتين يرى بهما كل شىء.. وها هى، بعد أربعة عقود، تجلس بجواره، فى حديقة، لتستقبل معه أحفادها، الذين أتمنى ألا يكونوا قد أصيبوا بأى سوء فى الأحداث المؤلمة التى وقعت لأبناء بور نضال، الذين لا شك عندى أنهم سينتصرون على غزاة الداخل، كما انتصروا على غزاة الخارج.

 

بور نضال

كمال رمزي

الأربعاء 13 فبراير 2013

منازل منهارة، بقايا أثات مهشم، نوافذ وأبواب وشرفات خشبية محترقة.. وحتى المساجد لم تسلم من غارات الغزاة. جدران الجامع تنتشر بها الفجوات، مشطور المئذنة، وكنيسة محطمة، ممزقة اللوحات. كل شىء يوحى بالدمار، ولكن الكاميرا المرهفة، وسط أجواء الموت، لا يفوتها أن ترصد، فى عمق الشارع، تلك الطفلة التى تحمل على رأسها، وعاء يمتلئ بالماء. من أين جاءت وإلى أين تذهب ومن هى؟ لا يهم، فالمهم، أنها تعبر عن إرادة الحياة.

أتحدث عن الفيلم التسجيلى القصير، الكبير «فليشهد العالم» لسعد نديم 1956، ذلك العمل الذى جاء بمثابة اللكمة القوية ضد الدول المشاركة فى العدوان الوحشى ضد مصر، فعقب مشاهدته، من قبل أعضاء مجلس الثورة، مع وزير الإرشاد آنذاك، فتحى رضوان، تقرر ترجمة التعليق إلى ثمانى لغات، وطبع مئات النسخ، توزع فى معظم أنحاء العالم، بما فى ذلك إنجلترا، حيث عرض فى مجلس العموم، وفى اليوم التالى، صدرت صحف لندن متضمنة تعليقات من نوع «امنعوا رائحة العار عن بريطانيا» و«عبدالناصر فتح جبهة أخرى بهذا الفيلم»، و«الإعلام المصرى تفوق على الإعلام البريطانى». ملابسات تنفيذ «فليشهد العالم» قد لا تقل أهمية عن الفيلم ذاته، فما أن اندلعت الحرب حتى توحد الشعب المصرى كله، وفى ليلة 29 أكتوبر 1956، اجتمع ببيت المخرج عبدالقادر التلمسانى، شقيقه حسن، وسعد نديم، وآخرون، وخلال عدة أيام، تم تجهيز مستلزمات تصوير فيلم من داخل بورسعيد التى وإن وقعت فى قبضة الغزاة، فإن مقاومة الأهالى الشرسة لاتزال متوقدة. وفى الرابعة من فجر اليوم التالى، انطلقت عربة مصلحة الفنون وبها خمسة أفراد: السائق والمصور حسن التلمسانى ومساعداه، محمد قاسم وأحمد عطية، فضلا عن المصور والمراسل السويدى الشهير «آندرسون».. والعربة محملة بأدوات التصوير والشرائط الخام.. تجاوزت العربة مدينة الإسماعيلية. بدأ حسن التلمسانى تصوير السفن المعطوبة فى القناة، وكوبرى الفردان المحطم. عند القنطرة أوقف العربة بعض الفدائيين. طلبوا عدم مواصلة الرحلة لأن القوات المعادية وصلت إلى الكاب. لكن حسن التلمسانى، ومن معه، أصروا على مواصلة الطريق، ولم يكن ثمة مفر من الذهاب ــ العربة ومن بها والفدائيين ــ إلى مأمور القنطرة ليحسم الأمر. أدرك المأمور الوطنى، المنهك والمشغول، أهمية المشوار. قال لحسن، متفهما ومقدرا: إنى أحترم رغبتك وهدفك، سأتركك تمر ولكن اعتبر أنك لم تقابلنى.. واصل المأمور عمله المضنى بعد أن أمر اثنين من الفدائيين بمرافقة العربة إلى خارج المنطقة. عند مدخل الكاب ظهرت دبابة معادية، وجهت فوهة مدفعها نحو العربة. أخرج «آندرسون» من نافذة العربة منديلا أبيض. لوح به. يحذر، اقترب أحد الضباط البريطانيين، وقد بدا عليه التوتر الشديد. أخطره «آندرسون» بأنهم مراسلون من شركة فوكس.. أقتيد الموكب إلى أحد المواقع المحتلة، وبينما ذهب «آندرسون» لمقابلة الضابط الأجنبى تم التحفظ على مجموعة المصريين داخل خيمة عليها حراسة مشددة. وبعد ساعات قلقة عاد «آندرسون» لتواصل العربة طريقها المتعثر حيث كان يتم إيقافها عند كل موقع ثم يفرج عنها بعد فترة من المناقشات والمهاترات وأخيرا، مع الغروب، دخلت العربة مدينة النضال: الدخان يجثم عليها. مستنقعات مياه حمراء بسبب الدم. أصوات طلقات رصاص نارية تأتى من أماكن متفرقة. تنم عن اندلاع معارك بين جيوب الفدائيين وجنود الاحتلال. ذهب «آندرسون»، بمعداته، إلى مركز قيادة الغزاة، ليواصل عمله، ويؤمن حياته اليومية، بينما اتجه حسن التلمسانى ومن معه إلى مركز المطافئ بالمدينة ــ المؤسسة الرسمية، المصرية، الوحيدة، التى لاتزال يعمل بشكل علنى ــ قابلهم الضابط الوطنى بترحيب، وتحمس لمهمتهم، وجعل إحدى عربات الإطفاء تحت تصرفهم، وسمح لهم بالمبيت فى مهاجع الجنود.

على مدار ثلاثة أيام، انطلق حسن التلمسانى، مع مساعديه، فى معايشة أبناء بورسعيد البواسل، ورصد غدر الغزاة، الذى يظهر واضحا فى عنابر المستشفى المكتظ بالمصابين، وفى ذات الوقت، يبرز صمود ومقاومة رجال المدينة الباسلة، خلال المصابين برصاص المعتدين.. وأخيرا، أوصلهم ضابط المطافئ الشهم، إلى «الرسوة» ليتسللوا، بأشرطتهم وآلاتهم، إلى إحدى مراكب الصيد، لتعبر بهم بحيرة المنزلة إلى المطرية ثم إلى القاهرة. ورأسا، بأجسادهم المنهكة وذقونهم غير الحليقة وعيونهم المحمرة، الملتهبة، إلى سعد نديم، الذى استقبلهم بالأحضان.. وبدوره أخذ المادة الوثائقية الهائلة، ليمكث بداخل معامله يومين كاملين، بلا نوم أو راحة، ليحقق «فليشهد العالم»، الذى فتح آفاق السينما التسجيلية، مؤكدا دورها فى تأكيد بطولة تلك المدينة من ناحية، وعزيمة السينمائيين المصريين من ناحية ثانية.

 

تعظيم سلام.. تنكيس سلاح

كمال رمزي

الأحد 10 فبراير 2013

تحية كبيرة، صادقة، نابعة من العقل والقلب، للقناة التليفزيونية المصرية، المستقلة، التى صورت ما جرى للمواطن القاهرى، ابن الصعيد، حمادة صابر، الذى عروه وسحلوه، وشارك فى البطش به، بلا رجمة، دستة عساكر أشداء، مدججين، بالهراوات، والخوزات، وأحدهم يركله بقدمه، وأخذ ينزع منه بنطاله المهترئ، وحتى بعد أن يتمدد المواطن، مغشيا عليه، مستسلما تماما، يأتى عسكرى مسرعا، مثل الضبع المندفع نحو فريسة يلتهمها الضباع، ليشارك فى الحفل المشين، فى مشهد لا نراه إلا فى «عالم الحيوان» أو «دنيا الغابات».. هؤلاء الوحوش الضوارى، ماتت فى ضمائرهم النخوة، وبالتالى.. يليق توديعها بتنكيس السلاح.

تعظيم سلام للمذيعين الذين وقفوا، بشجاعة، ضد تلك الممارسة المشينة، وإصرارهم على متابعة الحدث، والتعرف على محيط الرجل الضحية، فلولاهم، لما اطلعنا على جوهر المرأة المصرية الذى يتجاوز صلابة الفولاذ.. فها هى شقيقته، بلهجتها الصعيدية الآسرة، تدين، بلا تردد، ما فعله الجلادون بأخيها، الذى جرجروه عاريا تماما. وفى جملة موجزة، نابعة من عمق الثقافة المصرية، الإنسانية، لا يصوغها إلا شاعر عظيم، تقول «الله يجازى من كشف ستره».. وفى مسلك عفوى صادق، لا يتأتى إلا من مخرج موهوب، ترد على الأراجيف المتعلقة بضبط أسلحة مع المقهور، بأن تمسك ببعض الأدوات التى يستخدمها كعامل محارة، معلنة «هذا هو سلاحه الوحيد».. هذه السيدة الفقيرة، العظيمة، تعتبر نموذجا رفيعا لتقديس العمل والمحبة الخالصة، والقوة الروحية لا يوازيها إلا ابنة الرجل التى جاء صوتها، تليفونيا، وهى تقول لوالدها ــ وقد أدركت مأزقه فى مستشفى الشرطة ــ ما تخافش يابا.. ما تخافش».

تنكيس سلاح للموت الضميرى الذى تمثل فى ذلك المذيع السمج، حين أخذ يسخر ويعاتب القنوات التليفزيونية التى اهتمت بموضوع «حمادة صابر». والأدهى أن هذا المذيع، ثقيل الظل، يعمل فى قناة دينية.

تعظيم سلام لفيلم بولندى قصير، لا يتجاوز الدقيقتين، نال جائزة رفيعة فى مهرجان ليبزج منذ عدة عقود، يقدم رجلا فى شارع يخلو من العابرين، ينقضّ عليه ثلاثة من رجال الشرطة، يكبلون يديه وقدميه بالحبال، ويهددونه بالمزيد من التنكيل.. الرجل يجأر بالصراخ، يعود أحد العساكر ليفك وثاق يديه. يهلل الرجل ويتقافز صائحا «لقد أصبحت حرا»، ونسى أنه مكبل القدمين، كما نسى أن الأصل هو حرية المواطن.. كذلك الحال بالنسبة للمصرى المسحول فبعد إهانته، ذهبوا به إلى المستشفى، والواضح أنه تعرض للترهيب والترغيب، فإما المزيد من القهر أو الحصول على عمل، وفى نوبة من وهن يستحق الشفقة، اختار الطريق الثانى ــ مؤقتا ــ وقد نسى أن مبادئ حقوق الإنسان تتضمن «حق العمل لكل مواطن».

تحية واجبة لمن استقال من مجلس الشورى احتجاجا على ما جرى، وإدانة واجبة لرئىس المجلس الذى انتفض غضبا من «نيللى» وهى تقدم استعراضا مبهجا فى فيلم يعرض على شاشة طائرة.. ولم نسمع له حسا، أو يرمش له جفن، بعد أن شاهد التنكيل بمواطن، فهو يرى أن وجه وذراع نيللى حرام.. وكشف عورة رجل حلال.

 

افلامنا

كمال رمزي

السبت 2 فبراير 2013

كما لو أن السينما المصرية تثأر لنفسها ضد الطغاة وضد من درج على مهاجمتها، واعتبارها نوعا من المحرمات لا يليق العمل بها أو اقتراف مشاهدتها، وفى ذات الوقت، أحدث الثوار والغاضبين بسلاح فعال فى الشعارات والمواقف الملهمة، تثبت أن الإبداع الوطنى فى عالم الأطياف، يشكل جانبا مشرقا، لا يزال نابضا بالحضور، فى الذاكرة الشعبية، فخلال أيام الثورة فى يناير 2011، كانت كلمة «باطل» بمثابة الشفرة المكثفة التى انطلقت من أفواه الملايين، تعبيرا عن الموقف الرافض للنظام ورموزه ومؤسساته.. الكلمة، مأخوذة من «شىء من الخوف» لحسين كمال 1969، فى مشهد النهاية المهيب، حين تدفق الآلاف نحو قصر «عتريس» يحملون المشاعل، منددين باقتران رجل السطوة والسلطة، من «فؤادة»، الجميلة، ذات الإرادة والشجاعة، ابنة البلدة ورمزها.

«شىء من الخوف»، فيما بعد اندلاع الثورة، واصل إيحاءاته، فها هى فؤادة «شادية» بوجهها المترع بالكرامة والكبرياء، يطل علينا قائلا «دستوركم باطل.. باطل» وأخيرا، فى لفتة جارحة، ساخرة، عقب خطاب الرئيس الملىء بالتهديد والوعيد، والذى أعلن فيه الطوارئ على مدن القناة، وبينما تعامل الأهالى مع القرار باستخفاف، ظهرت شخصية رشدى «أحمد توفيق»، أحد رجال «عتريس»، وقد تمكنت منه أوهام القوة، يحاول جمع الأتاوات، فيفاجأ بعدم الإذعان، بل بالمواجهة الساخنة، فيدور حول نفسه وهو يردد «إنتو مش خايفين ولا إيه.. أنا بلوى سوداء.. أنا سفاح.. أنا شرانى».

نجوم الكوميديا دخلوا على الخط، عبدالفتاح القصرى والثنائى إسماعيل ياسين ورياض القصبجى، محمد سعد وغيرهم فتعليقا على إصدار رئيس الجمهورية لقرارات يتم إلغاؤها بعد عدة ساعات، يطالعنا المعلم حنفى «عبدالفتاح القصرى» فى «ابن حميدو» لفطين عبدالوهاب 1957، حيث يعلن بعنترية أنه لن يتراجع عما قرره، وأن كلمته لن تنزل الأرض، لكن بزغرة واحدة من زوجته، يتراجع، وبحماس، يعلن أن كلمته ستنزل الأرض، هذه المرة.

لعبة استبدال الوجوه تتكرر، متنوعة، فأحيانا توضع رأس الرئيس على جسم إسماعيل ياسين، وأحيانا على بدن رياض القصبجى، مع صوت أحد النجمين، فتارة يقول رياض القصبجى لإسماعيل ياسين بوجه الرئيس «هو بوشه اللــ...و..» وتارة يقول إسماعيل ياسين لرياض القصبجى، بوجه الرئيس «إنت برلمم».

جدة «عوكل» لمحمد النجار 2004، بأول محمد سعد، ذات اللسان السليط، العنيفة، المشاكسة، لا تتوقف عن توجيه شتائمها، وتعليقاتها اللاذعة، ضد الرئيس.. وبذات الكلمات التى تبادلتها مع حفيدها «عوكل».

من «ريا وسكينة» لصلاح أبوسيف 1953، تأتى نجمة إبراهيم، القاتلة المحترفة، لتغدو مرجعية لأحد عشاق السينما، فيكتب، بجانب صورتها الوحشية «كل ما أوشف الإخوان مندهشين من غضب الشعب أفتكر نجمة إبراهيم لما قالت: بنت الحرام وأنا باخنقها عضتنى فى إيدى.. تقوليش عدوتها.

استلهاما لأحد أبطال «فيلم ثقافى» لمحمد أمين 2001، كتب آخر «أبوإسماعيل عامل زى التخين فى فيلم ثقافى». لا معاه فيلم فيديو ولا تليفزيون وحاشر نفسه فى كل حاجة».. هذا قليل من كثير، يليق بالباحثين رصدها، وتحليلها، إبرازا لدور السينما فى دعم الوعى المصرى، وإثباتا أن أفلامنا أطول بقاء، من الكارهين لها.

الشروق المصرية في

02/02/2013

 

من بطولة نيكول كيدمان والنجمة المفاجأة ميا ويسكوسكا

«ستوكر».. سينما الألغاز والأداء النفسي

عبدالستار ناجي 

هناك نوع من الاداء، الي يعتمد على ابراز الجوانب النفسية، التي تتطلب حرفية عالية، وفهم للشخصية، وممثلاً مقتدراً، يعرف ادواته وحرفته، يذهب بالشخصية الى مرحلة عالية من التجليات في الاداء، صعبة المنال، وفي هذا الفيلم، الذي يمثل شيئاً من الالغاز، نحن امام نوعية نادرة من الاداء، وايضا النجوم ومن قبلهم المخرج.

وهي دعوة للتوقف مع الاكتشافات، في فيلم «ستوكر» الذي بدأ عرضه في العديد من دول العالم، حاصدا اكبر كمية من الكتابات النقدية، فمن اصل «42» مقالة هناك «39» مقالة ايجابية في اهم الصحف ويتوقع ابرز النقاد.

وفي مثل هذه الاعمال الدرامية، شخصيا اميل الى التعريف اولا بفريق العمل، للانطلاق لاحقا، الى الفعل الروائي، لاننا امام حكاية متداخلة.. متلابسة شيء ما يذكرنا بلعبة المربع ذي الالوان المتداخلة، والذي يتطلب كثيراً من الجهد من اجل فك شفرته.. وتكملة الالوان.

في البداية، هناك اسم المخرج الكورى الجنوبي شان دول بارك الذي قدم للسينما كماً من التحف المهمة، وان كانت نقطة التحول في مسيرته مع فيلم «اولدبوي» 2013، ومن اعماله ايضا 3عطش 2009، والولد الذي ذهب الى الجنة 2005 وهو هنا، وكما هي عادته، يذهب الى الافلام ذات البعد النفسي، التي تدخل المشاهد في التباسات، تجعله يبحث عن فك الرموز والاشارات للوصول الى الهدف.. والذي قد لا يتحقق بالنسبة للبعض الا مع نهاية الفيلم.

الفيلم يرتكز على سينايو نص كتبه السيناريست الاميركي وينثوريث ميلر الذي كتب افلام مثل الانسان الشيطان 2003 وكماً اخر من الافلام التي تمزح الرعب بالجريمة.

وتعاونت معه في السيناريو الثانية ايرين كريسيدا ويلسون التي شاهدنا لها افلاماً مثل «شكوى 2009» و«السكرتيرة 2002».

وتذهب الى فريق التمثيل، لنتوقف اولا، عند النجمة الاكتشاف بالنسبة لجمهور السينما في العالم العربي، وتغني ميا ويسكوسكا، وهي استرالية الجنسية، من اصول بولندية، من اهم اعمالها «لولس 2012» «جان اير 2011» والاطفال بخير 2010، و«البس في بلاد العجائب 2010 والبرت نوبس 2011 وهي من تلك النوعية من النجوم الذين يجدون ضالتهم في التعابير التي تختزل الجوانب النفسية الاميركية وهو ما يجعلها تسيطر على الشخصية.

وفي الفليم ايضا النجمة الاسترالية نيكول كيدمان، وهي تمتلك رصيدا كبيرا وتجارب سينمائية، وان توقفت في الاعوام الاخيرة، امام الاعمال السينمائية ذات الدور الفلسفي.

ومعهم في الفيلم ماثيو جود، وهو ممثل بريطاني، شاهدناه في افلام مثل «نقطة المباراة 2005» مع المخرج دودي و«الرجل الاعزب 2009».

ونذهب الى الحكاية.. تفقد انديا ستوكر «ميا ويسكوسكا» والدها ريتشارد في حادث سيرفاساوي. ولكن ذلك الحادث يحول حياة تلك الاسرة الى جحيم متحرك. وايضا حياة تلك القرية الصغيرة التي يعيشون فيها. خصوصا مع وصول عمها «شارلي» مايثو جود والذي لم نره من ذي قبل.

وتبدأ الشكوك اولا تحيط بذلك العم الجميل «شارلي» حين تتفجر الظنون في رأس الابنة، وهي ترصد تحركات العمل وعلاقته التي تتطور مع الام «ايفي» نيكول كيدمان.

رجل لديه دوافع خفية ساحرة.

وهذا ما يجعل المخرج الكوري بارك يذهب للاشتغال على الفيلم بذات المنهجية الهتشكوكية.

دخيل في تلك الاسرة، يحيط اولا احباله على الام. ثم الفتاة. وكل منهم يضمر شيئاً ما للاخر.

بل ان كل منهم يظن شيئاً ما بالاخر، وتتداخل الظنون وايضا ما يضمرونه لبعضهم البعض للمضي بالفيلم وسط كم من الالتباسات والعلاقات.

المخرج بارك، الذي شاهدنا الكثير من الدماء، في افلامه السابقة، هنا يترك الدماء الى الاداء النفسي المبطن. وغير الصريح. مكان البيت وسط الغابة، على اطراف قرية صغيرة، يقدم لنا كماً من الايحاءات التي تمزج الرعب بالاشادة والترقب وتجعل المشاهد مشدوداً الى كرسيه. بل اننا في النصف الاول من الفيلم ننتظر ان يحدث شيء مع النصف النهائي نظل نتساءل، حتى تتوقف تلك الاحداث التي تزحم وتجعلنا في حالة من اللهاث، من خلال تلك الشخصيات الفورية.. الام والابنة والعم.

والان نريدون النهاية.

انها هناك في صالة العرض لان النهاية تظل مفتوحة الرموز.. والدلالات والمضامين في سينما من نوع اخر سينما الالغاز والاداء النفسي الذي يمكن اختصاره بمفردة واحدة هي: المتعة.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

27/02/2013

زوجته ميرفت القفاص تكشف أسرار ما قبل الرحيل

وصية عمار الشريعي الأخيرة

القاهرة - حسن أحمد 

في قلوب الناس سكن عمار الشريعي، وفي ذاكرتهم سيبقى طويلا، ربما رحل الموسيقار الكبير عن الدنيا بجسده، لكن حضوره سيبقى طالما بقيت نغمات ألحانه، وظل على كوكب الأرض عشاق للموسيقى.

لم يكن عمار الشريعي الذي رحل قبل حوالي شهرين مجرد ملحنا موهوبا، نجح في تحدي اعاقته وفقدانه للبصر، لكنه كان فيلسوفا يمنح المحيطين به دروسا مجانية في عشق الحياة، وكما عاش حياته في هدوء، رحل أيضا في هدوء تاركا لمصر ثروة موسيقية خالدة، ولابنه الوحيد مراد ميراثا لن ينضب من حب الناس.

في حياة عمار الشريعي لحظات فارقة، وحكايات مثيرة، ووصية قالها لابنه مراد قبل لحظات من حيله، وقصة حب مع الحياة تكشفها لـ «النهار» زوجته الاعلامية ميرفت القفاص رئيس قناة النيل الدولية. تقول ميرفت: حياة عمار الشريعي تنقسم الى ثلاث مراحل، الأولى قبل زواجي به، والثانية مرحلة الزواج نفسها، أما المرحلة الثالثة والأهم، فهي ما بعد انجاب ابننا الوحيد مراد، حيث رزقنا الله به بعد 7 سنوات من الزواج.

وتضيف: قبل مجيء مراد كان العمل هو أهم شيء في حياة عمار، وكان يعيش حياة الفنان الذي يعشق فنه، لكن بعد قدوم مراد تغيرت حياته تماما، وأصبح ابنه كل حياته، وكثيرا ما كان يفكر كيف يسعده خاصة أنه أنجبه وعمره وقتها 49 سنة، وكان وقتها يفكر في الحياة بمنطق الأب الذي يريد ان يصبح ابنه أفضل منه، وليس بمنطق الفنان الذي يعشق فنه.

وتؤكد زوجة الموسيقار الراحل ان فقيد الموسيقى العربية، كان عاشقا لبيته وأهله وأصحابه، و«بيتوتي» بطبعه، موضحة أنه عندما كان يحرص على توجيه الدعوة لأصدقائه سواء على الغذاء أو العشاء في بيته، وليس في أي مكان آخر.

وتصف ميرفت القفاص قلب عمار الشريعي بأنه مثل قلب طفل رضيع، وتقول : كلمة بسيطة كانت من الممكن ان تسعده، وكلمة أخرى تجعله حزينا، حيث كان يحب ان يعامله الناس مثلما يعاملهم، لكن أكثر ما كان يغضبه هو ان يتعرض للخداع من أي شخص، والمثير انه كان يعرف حقيقة الناس من صوتهم، ويشعر بهم من طريقتهم في الكلام.

وتؤكد ميرفت القفاص ان حياة عمار تغيرت 180 درجة بعد ان أصبح أبا، وصار يفكر في المستقبل، وينظم حياته على حياة ابنه واجازاته من المدرسة، مشيرة الى أنه في بعض الأحيان كان يؤجل بعض ارتباطاته الفنية من أجله.

وتضيف : عمار كان يعرف أنه لن يعيش كثيرا مع مراد لانه أنجبه وهو كبير في السن، لذلك كان يحاول أنه يعطيه جزء كبيرا من وقته واهتماماته.

وتكشف زوجة الموسيقار الراحل جانبا آخر من شخصيته وتقول: لم يشعر أحد من المقربين من عمار الشريعي طوال حياته ان لديه اعاقة، وكان يتعامل مع الجميع بشكل طبيعي جدا، دون أي حساسيات أو عقد، كما ان اعاقته لم تسبب له مشكلة، لهذا تعامله مع المحيطين به كان سهلا، لدرجة أننا كثيرا ما كنا ننسى ان لديه اعاقة، وأنا شخصيا لم أشعر يوما أنني أتعامل معه بطريقة خاصة.

وعن أحلام عمار التي لم تتحقق تقول : كان لديه «كونشرتو» للعود والأوركسترا، قدمه في الأوبرا بسلطنة عمان، وظل يحلم بان يقدم هذه الأعمال في مصر على مسرح دار الأوبرا، كما كان يتمنى ان يفرح بمراد.

وتزيح القفاص الستار عن آخر ما نطق به عمار وتقول : آخر شيء قاله عمار لمراد أثناء وجوده بالمستشفى «روح وما تخافشي، أنا بقيت كويس.. وخلي بالك من ماما»، لكن بمجرد عودة مراد للمنزل تدهورت حالته، لكن حتى اللحظة الأخيرة من حياته كان متفائلا ولديه أمل كبير في الحياة، ولم يكن يتخيل انه في مرض الموت، وشاءت ارادة الله ان تسوء حالته فلم تقتصر معاناته على مشاكل القلب فقط، ولكن الكلى أيضا تدهورت وظائفها.

وترصد رفيقة حياة عمار الشريعي تأثير الثورة عليه وتقول : أؤمن بأنه لكل أجل كتاب، لكنني أشعر بان عمار كان من الممكن ان يعيش العامين الأخيرين من حياته بشكل أفضل، فهو عانى كثيرا بسبب نزوله ميدان التحرير ومشاركته في الثورة، فضلا عن الانفعالات التي كان يمر بها، فمنذ ان عاد من الميدان في فبراير 2011 وهو مريض، وقضينا عامين بين المستشفيات، لدرجة أنه دخل المستشفى أكثر من 8 مرات، لذلك أعتبره من مصابي الثورة.

وعن رؤيته لما يجري على الساحة تضيف : عمار لم يكن متفائلا، وكان يرى ان الوضع سيئا، وآخر مستشفى دخله كان مستشفى خاصا بالكلى في منطقة وسط البلد أثناء أحداث قصر الاتحادية، وكنت أحاول ان أمنعه من مشاهدة التلفزيون ومتابعة ما يحدث، لكنه كان يسأل الأطباء والممرضات عن أحوال البلد، وحتى اللحظات الأخيرة من حياته كان يطلب منا ألا نخفي عليه شيئا، وكان يقول «أنا مش متفائل».

وتؤكد ميرفت ان ابنها مراد ليس بالضرورة ان يكون امتدادا لوالده وتقول: مراد «مش زي عمار خالص» لان عمار في سن مراد كان عبقريا ويؤلف مقطوعات موسيقية، لكن مراد يعزف على البيانو، ومن الممكن ان يصبح فنانا لكن ليس مثل والده، فعمار معجزة لن تتكرر، وهو نفسه كان يترك مراد «على راحته».

وحول أهم نصيحة كان يقولها عمار لمراد تقول : كان يريد ان يكون مراد راضيا عما لديه، وعن المقسوم له، لان عمار رغم ظروفه كان يشعر بالرضا، وحاول كثيرا ان ينقل ذلك لابنه.

وتشير ميرفت القفاص الى ان أيامها مع عمار الشريعي كانت سعيدة على المستوى الشخصي، وأنها على المستوى المهني كانت فخورة بنجاحه، مؤكدة أنه لم يكن يهمها ان تظهر اعلاميا الى جانبه، وتكتفي بالبقاء في الظل.

وعن مشروعاته الفنية التي لم تر النور تقول : لست مقتنعة ان يكمل شخص عمل شخص آخر، فلكل فنان احساسه، وعمار كانت لديه أغان انتهى من تلحينها لكن لم يتم توزيعها، وهناك أيضا أغاني مسلسل «أهل الهوى» التي لم ينته من ألحان بعضها، والمخرج عمر عبدالعزيز قرر ان يستكملها بروح ألحان عمار دون اللجوء لملحن آخر.

وتؤكد ميرفت أنها تلقت عروضا لتخليد ذكرى عمار الشريعي من خلال تقديم كتب عنه وأفلام تسجيلية، وتضيف : ليس لدي مشكلة في ذلك، بشرط ان أكون ومراد والأشخاص المقربون منه والموثوق بهم مصدر المعلومات، ولا أعتقد ان حياته ستتحول لمسلسل.

وتعترف ان موقف رحيل الموسيقار الكبير كان أكبر من ابنهما مراد، الذي كبر قبل الأوان بحضوره جنازة والده ووقوفه يتلقى عزاءه، موضحة ان مراد يحاول ان يلعب حاليا دور رجل البيت. وتضيف ميرفت القفاص: بعد رحيل عمار لم أفاجأ بشيء، فمازال أصحابه يسألون عني وعن ابنه، لكن لا أعرف ماذا يخبئه الزمن؟

النهار الكويتية في

27/02/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)